ردود ابن جنّي على ابن مجاهد

إنضم
27 أبريل 2006
المشاركات
751
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مكة المكرمة
كتاب "المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات" لأبي الفتح ابن جني ت 392 مملوء بردوده وتخطئاته لابن مجاهد ت 324 وأكثر هذه الردود كما سيتجلى من الأمثلة الموردة هي في النحو والصرف واللغة مما ليس من صلب تخصص ابن مجاهد، لكن المثال الأخير المورد ههنا هو رد عليه في أمر من صلب "علم القراءات" ومما مداره الرواية، ولذلك حكم أبو الفتح على ابن مجاهد بأنه" يُعتدُّ إماماً في روايته وإن كان مضعوفا في فقاهته" وسنورد مالذي يعنيه أبو الفتح بوصفه لابن مجاهد بأنه "مضعوف في فقاهته" عبر إيرادنا لاستخدامه لها في أكثر من موضع. واعتمدنا في نقل الأمثلة على الطبعة المحققة من قبل الفضلاء علي النجدي ناصف وعبدالحميد النجار وعبدالفتاح اسماعيل شلبي . وسوف أورد ردود أبي الفتح وأعلق عليها ملتمسا العذر لابن مجاهد في الغالب. وسبب كتابتي لهذا الموضوع هو آخر مثال إذ فيه يثبت أبو الفتح خطأ ابن مجاهد في التعبير عن حرف يؤوده بتسهيل الهمز فيذهب ظنه إلى أنه إبدال فيرد عليه بأنه مستحيل لغةً.

قال ابن جني ص95 "ما رواه ابن مجاهد عن أبي عمرو {وآيدنه}، قال ابن مجاهد على ما عملناه ممدودة الألف خفيفة الياء وقد روى عن مجاهد في قوله {إذ أيدتك} {آيدتك} قال ابن مجاهد على فاعلتك
قال أبو الفتح . هذا الذي توهمه ابن مجاهد أن آيدتك فاعلتك لا وجه له وإنما آيدتك أفعلتك من الأيد وهو القوة ... ولو كان آيدتك كما ظن ابن مجاهد فاعلتك لكان اسم المفعول منه مؤايد كمقاتل ومضارب (لكنه مُؤْيَد كمكرم ومقتَل ومؤدَم).
(تعليق عبدالرحمن) قول ابن مجاهد آيدتك على فاعلتك لا يعني به الوزن الصرفي بل المثال الصوتي فقط، ويستخدم المثال الصوتي في العروض وفي التصغير حين يكون المراد توضيح الإيقاع الصوتي للكلمة، لا تطبيق الوزن الصرفي على كامل وجهه، ومثل هذا لا تُتوخى فيه الدقة او مما يُغتفر فيه الوهم.
ومن ص 112 "ومن ذلك قراءة ابن عباس والحسن ويحيى بن يعمر وعاصم الجحدري وأبي رجاء بخلاف {وإله أبيك } بالتوحيد
قال أبو الفتح قول ابن مجاهد بالتوحيد لا وجه له، وذلك أن أكثر القراءة وإله آبائك كما ترى فإذا كان أبيك واحدا كان مخالفا لقراءة الجماعة فتحتاج حينئذ إلى أن يكون أبيك هنا واحدا في معنى الجماعة، فإذا أمكن أن يكون جمعا كقراءة الجماعة ولم يُحتج فيه إلى التأول لوقوع الواحد موقع الجماعة . وطريق ذلك أن يكون أبيك جمع أب على الصحة[يعني جمع مذكر سالما] على قولك للجماعة هؤلاء أبون أحرار أي آباء أحرار وقد اتسع ذلك عنهم ومن أبيات الكتاب

فلما تبينّ أصواتنا * بكين وفديننا بالأبينا
......​
ويؤكد أن المراد به الجماعة ما جاء بعده من قوله إبراهيم وإسماعيل وإسحق فأبدل الجماعة من أبيك فهو جماعة لا محالة لاستحالة إبدال الأكثر من الأقل. فيصير قوله تعالى وإله أبيك كقوله وإله ذويك هذا هو الوجه وعليه فليكن العمل."
(تعليق عبدالرحمن) قول ابن مجاهد في وصف قراءة من قرأ {وإله أبيك} "بالتوحيد" يعني بها النطق الصوتي لا المعنى الدلالي، ومثل هذا التعبير يجري على سنن القراء وأسلوبهم في الوصف. ولو سئل ابن مجاهد تفسير معناها لنحا نحو صنيع أبي الفتح أو لرواه قولا ولا ريب، فقد كنت أعرفه من (مختار الصحاح) حين كان عمري اثنتي عشرة سنة وهو مما لا نظن يخفى مثله على مثله أن (أبو) قد تُجمع جمع مذكر سالم، وأذكر أن الجوهري قال أي (أبينك) فحدف النون للإضافة.
ص 113
"ومن ذلك ما حكاه ابن مجاهد عن ابن عباس انه قال لا تقرأ {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} فإن الله ليس له مثل ولكن اقرأ{ بما آمنتم به} قال وروي عنه أيضا أنه كان يقرأ {بالذي آمنتم به}. قال وقال عباس في مصحف أنس وأبي صالح وابن مسعود{ فإن آمنوا بما آمنتم به}
قال ابو الفتح هذا الذي ذهب إليه ابن عباس حسن لكن ليس لأن القراءة المشهورة مردودة وصحة ذلك أنه إنما يراد فإن آمنوا بما آمنتم به كما أراده ابن عباس وغيره غير أن العرب قد تأتي بمثل في نحو هذا توكيدا وتسديدا يقول الرجل إذا نفى عن نفسه القبيح مثلي لا يفعل هذا أي أنا لا أفعله ومثلك إذا سئل أعطى أي أنت كذاك قال
وفي حديث سيف بن ذي يزن أيها الملك مثلك من سر وبر أي أنت كذاك وهو كثير في الشعر القديم والمولد جميعا.
(تعليق عبدالرحمن) إنما حسُن إيراد "مثل" في هذا الموضع، ورجحت به القراءة المشهورة المستفيضة معنى أيضا [أي بعد رجحانها خطا وسندا ونحواً] على ما روي عن ابن عباس ،مما قد يذهب ظنه إليه،[إنما حسُن ذلكم] أن {بمثل ما آمنتم به} إنما تعني بمثل إيمانكم لا بمثل الله تعالى، فيكون من رجح تلك القراءة بذريعة أن الله ليس له مثل مبعدا للنُّجعة ولو كان ابن عباس. ويكون تعبير أبي الفتح " هذا الذي ذهب إليه ابن عباس حسن لكن ليس لأن القراءة المشهورة مردودة " فيه مجاملة ظاهرة لما روي عن ابن عباس، أي أن سبب العبارة أخلاقي لا علمي، فإن رجحان القراءة المشهورة لا يُنتصر له وحسب بأن هذا الأسلوب قد ورد عن العرب. ورأيي مخالف لتحسين أبي الفتح لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنه إن كان محضَ اجتهاد فهو بعيد جدا
ص 121
"ومن ذلك ما رواه هرون عن الحسن وابن أبي إسحق وابن محيصن{ ويهلَكُ} بفتح الياء واللام ورفع الكاف{ الحرثُ والنسلُ} رفعٌ فيهما.
قال ابن مجاهد: وهو غلط
قال أبو الفتح لعمري إن ذلك ترك لما عليه اللغة، ولكن قد جاء له نظير أعني قولنا هلك يهلَك فعل يفعَل وهو ما حكاه صاحب الكتاب من قولنا ابى يأبى وحكى غيره قنط يقنط وسلا يسلى وجبا الماء يجباه وركن يركن وقلا يقلى وغسا الليل يغسى وكان أبو بكر يذهب في هذا إلى انها لغات تداخلت وذلك أنه قد يقال قنط وقنِط وركن وركن وسلا وسلي فتداخلت مضارعاتها وأيضا فإن في آخرها ألفا وهي ألف سلا وقلا وغسا وأبى فضارعت الهمزة نحو قرأ وهدأ.
وبعد فإذا كان الحسن وابن أبي إسحق إمامين في الثقة [كذا في الطبعة المحققة من المحتسب والصواب إمامين في الفقه-عبدالرحمن] وفي اللغة فلا وجه لدفع ما قرآ به لا سيما وله نظير في السماع
وقد يجوز أن يكون يهلَك جاء على هلِك بمنزلة عطب غير أنه استغنى عن ماضيه بهلك وقد ذكرنا نحو هذا في كتابنا المنصف.[1/186]"
ص122
"من ذلك ما روي عن قتادة في قول الله تعالى {في ظِلال من الغمام}
قال ابن مجاهد هو جمع ظِل
قال أبو الفتح الوجه أن يكون جمع ظُلة ، كجلة وجلال وقلة وقلال وذلك أن الظل ليس بالغيم وإنما الظلة الغيم فأما الظل فهو عدم الشمس في أول النهار وهو عرَض والغيم جسم.
(تعليق عبدالرحمن) قول أبي الفتح "الوجه أن يكون جمعَ ظُلة" أي جمعا آخر لظلة لأن القراء المشهورة في ظُلل هو أيضا جمع ظلة على الأصل فإن فُعْلة إذا كان اسماً تُجمع على فُعَل وقد تُجمع على فِعال كقلة وقلال وجلة وجِلال، وكان على أبي الفتح أن يقول "أيضا".
ص125
"ومن ذلك ما رواه أبو عبدالرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب عليه السلام {والذين يَتوفون} منكم بفتح الياء.
قال ابن مجاهد ولا يُقرأ بها
قال أبو الفتح هذا الذي أنكره ابن مجاهد عندي مستقيم جائز وذلك أنه على حذف المفعول أي والذين يَتوفون أيامهم أو أعمارهم أو آجالهم. كما قال سبحانه "فلما توفيتني" "والذين تتوفاهم الملئكة" وحذف المفعول كثير في القرآن وفصيح الكلام إذا كان هناك دليل عليه، قال الله تعالى "وأوتيت من كل شيء" أي شيئاً .
(تعليق عبدالرحمن) فعلى ذلك يكون تخطئة أصحاب "قل ولا تقل" و"الأخطاء اللغوية المعاصرة" للناس في قولهم المتوفي مبالغا فيه فإن المتوفي لها وجه في اللغة أي المتوفي أجلَه ، وقد قرئ بها وأجازها أبو الفتح، وهذه حجة أخرى وإن كانت ضعيفة لقول الأخفش الأكبر عبدالحميد بن عبدالمجيد "أنحى الناس من لم يُلحن أحدا". وقول ابن مجاهد ولا يُقرأ بها لا يعني ردها لغةً فقط فإن مراد قبول القراءات أخص من مراد اللغة، كما أن مراد الشرع أخص من مراد اللغة، كما هو مقرر.
ص125
"ومن ذلك قراءة الحسن{ أو يعفُو الذي} ساكنة الواو
قال أبو الفتح سكون الواو من المضارع في موضع النصب قليل وسكون الياء فيه أكثر، وأصل السكون في هذا إنما هو للألف لأنها لا تحرك أبدا ...
ثم شبهت الياء بالألف لقربها فجاء عنهم مجيئا كالمستمر...وكان أبو العباس يذهب إلى أن إسكان هذه الياء في موضع النصب من أحسن الضرورات وذلك لأن الألف ساكنة في الأحوال كلها فكذلك جعلت هذه ثم شبهت الواو في ذلك بالياء...
فعلى ذلك ينبغي أن تحمل قراءة الحسن أو يعفو الذي فقال ابن مجاهد وهذا إنما يكون في الوقف فأما في الوصل فلا يكون وقد ذكرنا ما فيه وعلى كل حال فالفتح أعرب أو يعفوَ الذي
ص 130
"ومن ذلك ما روي عن الزهري والأعرج وأبي جعفر بخلاف عنهم ولا يووده حفظهما بلا همز ولم يقل كيف قالوا
قال ابن مجاهد من لم يهمز قال يووده فخلف الهمزة بواو ساكنة فجمع بينها وبين الواو فيجتمع ساكنان فإن شاء ضمها فقال يووده ومن ترك الهمز أصلا قال يؤده.
قال ابو الفتح خلط ابن مجاهد في هذا التفسير تخليطا ظاهرا غير لائق بمن يُعتد إماما في روايته وإن كان مضعوفا في فقاهته وذلك أن قوله تعالى يئوده لك فيه التحقيق والتخفيف فمن حقق أخلصها همزة قال يئوده كيعوده ومن خفف جعل الهمزة بين بين أي بين الهمزة والواو لأنها مضمومة فجرى مجرى قولك في تخفيف لؤم لوم [لَ ؤُ(همزة مخففة )مـَ] وفي مؤونة موونة ولا يُخلصها واوا لأنها مضمومة فقوله بلا همز أي يخففها كذا أُحْسِنُ الظن بهؤلاء المشيخة . فأما ترك الهمزة أصلا فشاذّ وينبغي لمن هو دونهم أن يصان عن أن يُظن ذلك به. فقول ابن مجاهد إنه يخلف من الهمزة واو ساكنة فيجتمع ساكنان شديدُ الاضطراب وذلك أنه قد سبق أن سبيل هذا أن يُخفف ولا يبدَل ، وإذا كان مخففاً، فالواو متحركة لا ساكنة، فلا ساكنين هناك أصلاً. نعم ثم لما قال: إنه يجتمع ساكنان لم يذكر ماذا يعمل فيهما؟ قال: وإن شاء ضمها فقال: "يووده". وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل عليه، ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا يضم الواو ، بل الضمة على الهمزة، إلا أنها مخففة فقربت بذلك من الواو لضعفها مع ضمها. وقوله فيما بعد : ومن ترك الهمز أصلاً قال :"يَوْدُه" يؤكد ما كنا قدمناه من أن قوله: لا يهمز إنما يريد به التخفيف لا البدل والحذف، ولولا ذلك لم يقل: ومن ترك الهمز أصلا، فقوله:"أصلاً" يدل على أنه لا يريد التخفيف الذي كان قدمه.
وبعدُ فمن ترك الهمزة أصلاً، أي حذفها البتة كما يحذفها من قولهم : لاب لك، أي لا أبا لك، ومن قولهم: ويلُمِّه، وأصلها: ويلٌ لأمه، ومن قولهم : ناس، وأصلُها أناس، و"الله" في أحد قولي سيبويه الذي أصلُه فيه "إله" وغير ذلك. فإنه إذا هو حذفها بقيت بعدها الواو التي هي عين الفعل ساكنةً فصارت :"يَوْدُه". ومثاله على هذا اللفظ : يعلُه، وأصل هذا كله يأْوُده كيعوده، يفعُلُه كيقتُلُه ونعبُدُ، ثم نقلت الضمة من الواو التي هي عين الفعل إلى الهمزة التي هي فاء فعله، كما نقلت في يعود من الواو إلى العين فصارت "يئودُه" كيعوده ، ووزنه الآن يفعُلُه. هكذا محصول لفظه ، فإذا هو حذف الهمزة البتة - وهي فاء الفعل - بقي يَوْده في وزن يعله، والفاء على ما مضى محذوفة. وعلى أن هذا الحذف لا يُقْدم أحد عليه قياسا لنكارته وضيق العذر في اقتباسه، اللهم أن يسمع شيء منه فيودى على ما فيه، ويشرح حديثه بواجب مثله، ولا يحمل سواه على مثل حاله."



تعليق عبدالرحمن : فعلى ذلك يكون ابن مجاهد تكلَّم على قراءة لم يروها رواية وإنما قرأها قراءة في كتاب فلو كان رواها لما خلط هذا الخلط الذي يشير إليه أبو الفتح، أو يكون قد حصل تغيُّرٌ في روايتها من التسهيل إلى الإبدال، ومعنى" مضعوفا في فقاهته" أي ما بيّنه أبو الفتح ص 40 "ومن لم يخلد مع ثقته إلى نظر يُعصم به ويتساند إليه بأمانته أتي من قبل نفسه من حيث يظن أنه ينظر لها وكان ما دهاه في ذلك من أجل فقاهته لا أمانته". والحق هنا ظاهر مع أبي الفتح. فإن قلت كيف يخطئ قارئ كبير كابن مجاهد مثل هذا الغلط قيل إن القراء إنما يُركن إلى ما روَوه وتلقَّوه مشافهة فأما ما اجتهدوا فيه كوقفهم على مرسوم الخط وكهذا ونحوه فإنما هي اجتهادات في الأداء حين انعدم النص ولم تثبت الرواية للحرف نفسه ، والرواية والنص عليها غير ممكنة حرفا حرفا، فليس من المعقول ولا من الممكن أن يوقف تالٍ شيخه مثلاً على كل كلمة. وسوف نبين نحو هذا في موضعه إن شاء الله

والله الموفق​
 
"ومن ذلك ما روي عن الزهري والأعرج وأبي جعفر بخلاف عنهم ولا يووده حفظهما بلا همز ولم يقل كيف قالوا
قال ابن مجاهد من لم يهمز قال يووده فخلف الهمزة بواو ساكنة فجمع بينها وبين الواو فيجتمع ساكنان فإن شاء ضمها فقال يووده ومن ترك الهمز أصلا قال يؤده.
قال ابو الفتح خلط ابن مجاهد في هذا التفسير تخليطا ظاهرا غير لائق بمن يُعتد إماما في روايته وإن كان مضعوفا في فقاهته وذلك أن قوله تعالى يئوده لك فيه التحقيق والتخفيف فمن حقق أخلصها همزة قال يئوده كيعوده ومن خفف جعل الهمزة بين بين أي بين الهمزة والواو لأنها مضمومة فجرى مجرى قولك في تخفيف لؤم لوم [لَ ؤُ(همزة مخففة )مـَ] وفي مؤونة موونة ولا يُخلصها واوا لأنها مضمومة فقوله بلا همز أي يخففها كذا أُحْسِنُ الظن بهؤلاء المشيخة . فأما ترك الهمزة أصلا فشاذّ وينبغي لمن هو دونهم أن يصان عن أن يُظن ذلك به. فقول ابن مجاهد إنه يخلف من الهمزة واو ساكنة فيجتمع ساكنان شديدُ الاضطراب وذلك أنه قد سبق أن سبيل هذا أن يُخفف ولا يبدَل ، وإذا كان مخففاً، فالواو متحركة لا ساكنة، فلا ساكنين هناك أصلاً. نعم ثم لما قال: إنه يجتمع ساكنان لم يذكر ماذا يعمل فيهما؟ قال: وإن شاء ضمها فقال: "يووده". وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل عليه، ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا يضم الواو ، بل الضمة على الهمزة، إلا أنها مخففة فقربت بذلك من الواو لضعفها مع ضمها. وقوله فيما بعد : ومن ترك الهمز أصلاً قال :"يَوْدُه" يؤكد ما كنا قدمناه من أن قوله: لا يهمز إنما يريد به التخفيف لا البدل والحذف، ولولا ذلك لم يقل: ومن ترك الهمز أصلا، فقوله:"أصلاً" يدل على أنه لا يريد التخفيف الذي كان قدمه.
شكرا جزيلا على المشاركة.
لابن جني كامل الحق وتامه في تخطئة أي مخطئ، ولو كان فوق ابن مجاهد في الإمامة والثقة و"الفقاهة"، إلا أنه هنا لم يحالفه الصواب، بشهادته، هو بنفسه.
استشكل ابن جني تفسير ابن مجاهد لما روي عن الزهري وابن هرمز وفيروز فجاء بالعجب.
أما أولا: فلأنه يعلم بأن الساكن الثاني من قول ابن مجاهد "فيجتمع ساكنان" هو الواو قبل الدال، وهو مجمع على سكونه في الصيغة الطبيعة المستعملة للفعل . والساكن الأول هو الهمزة المضمومة التي عبر عنها ابن مجاهد بالسكون ويعني به التسهيل، وهو ما أدركه ابن جني بقوله ".....من أن قوله: لا يهمز إنما يريد به التخفيف، لا البدل والحذف". ولابن مجاهد أن يعبر عن الهمزة المسهلة بالساكنة. وإن كان وزنها في العروض حركة تامة فإن القراء يرونها غير تامة، بل رءاها بعضهم ساكنة، كما نص عليه ابن القاضي في الفجر الساطع. وإذا كان سكون الحرف عدم وجود الحركة عليه فإن ضباط المصحف لا يضعون عليها حركة معتبرينها ساكنة، بخلاف المبدلة واوا أو ياء.
أما ثانيا: فلأن ابن جني المقوى في فقاهته، انتهى إلى ما انتهى إليه ابن مجاهد المضعوف في فقهاته في {يئوده} من جواز التسهيل والحذف، وأن التسهيل هو السائغ وأن الحذف ضعيف.

أما ثالثا: فلأن رواية تخفيف الهمز عن المذكورين في {يئوده} غير صحيحة من كل الطرق. فلم يصح عن ابن وردان من كل طرقه، ولا عن ابن جماز من كل طرقه، كليهما عن أبي جعفر تسهيل الكلمة، لا وقفا ولا وصلا. أما عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، المتوفى في مصر، شيخ نافع ابن نعيم رضي الله عنهما، فكما ذكرنا عن أبي جعفر، لم يصح عنه ذلك أيضا. أما الحسن إن كان هو البصري المعروف فقد شرد عن شاذه هذه الكلمة، فلم يذكرها المتولي في الأربعة أبيات "باب الهمز المفرد" من "الفوائد المعتبرة" ولا في ترتيبها من "باب فرش الحروف: سورة البقرة"، ومعلوم أن تغيير الهمز وقفا على المذهبين خاص في "الفوائد المعتبرة" بالأعمش.
نخلص إلى أن ابن مجاهد لم يخطئ في المنقول هنا. وأن هذه الكلمة أيضا مثل "آيدناه" من باب ما ملئ به كتب الصرف من: صغ لي وزن بوركينا فاسو من فعل رأى، فلا علاقة لها بالرواية.
وجزاكم الله خيرا.
 
أشكر الأخ محمد الحسن بوصو على سرعة رده وسَداده ، وكنت قد ذكرت في أصل المشاركة بعد إيرادي الشاهد الأخير وانتصاري لأبي الفتح :"وأدعو الإخوة القراء أن يتأملوا في هذا المثال ويدلوا بدلائهم للفصل بين الرجلين في هذه المسألة" ولكني عدت فعدلت المشاركة وحذفتها. وكانت دعوتي تلك قد جاءت من شعوري بأن أبا الفتح من الممكن أن يكون قد توهم أو بالغ في نكيره كشأنه في ما تقدم من أمثلة. وهاهنا قد أضاف الأخ محمد مشكورًا الاحتمال الثالث - وهو أرجح الاحتمالات كما سيأتي - الذي لم أذكره في تعليقي على عبارة أبي الفتح وهو :
والساكن الأول هو الهمزة المضمومة التي عبر عنها ابن مجاهد بالسكون ويعني به التسهيل، وهو ما أدركه ابن جني بقوله ".....من أن قوله: لا يهمز إنما يريد به التخفيف، لا البدل والحذف". ولابن مجاهد أن يعبر عن الهمزة المسهلة بالساكنة. وإن كان وزنها في العروض حركة تامة فإن القراء يرونها غير تامة، بل رءاها بعضهم ساكنة، كما نص عليه ابن القاضي في الفجر الساطع. وإذا كان سكون الحرف عدم وجود الحركة عليه فإن ضباط المصحف لا يضعون عليها حركة معتبرينها ساكنة، بخلاف المبدلة واوا أو ياء.
أما الاحتمالان الآخران اللذان ذكرتهما فهما :
تعليق عبدالرحمن : فعلى ذلك يكون ابن مجاهد تكلَّم على قراءة لم يروها رواية وإنما قرأها قراءة في كتاب فلو كان رواها لما خلط هذا الخلط الذي يشير إليه أبو الفتح، أو يكون قد حصل تغيُّرٌ في روايتها من التسهيل إلى الإبدال،
والدليل على صحة ما ذهب إليه الأخ محمد من انتصاره لابن مجاهد وبيانِه تحامُلَ أبي الفتح عليه عبارة أبي الفتح نفسها وهي :
ص 130
"ومن ذلك ما روي عن الزهري والأعرج وأبي جعفر بخلاف عنهم ولا يووده حفظهما بلا همز ولم يقل كيف قالوا
قال ابن مجاهد من لم يهمز قال يووده فخلف الهمزة بواو ساكنة فجمع بينها وبين الواو فيجتمع ساكنان فإن شاء ضمها فقال يووده ومن ترك الهمز أصلا قال يؤده.
قال ابو الفتح خلط ابن مجاهد في هذا التفسير تخليطا ظاهرا غير لائق بمن يُعتد إماما في روايته وإن كان مضعوفا في فقاهته وذلك أن قوله تعالى يئوده لك فيه التحقيق والتخفيف فمن حقق أخلصها همزة قال يئوده كيعوده ومن خفف جعل الهمزة بين بين أي بين الهمزة والواو لأنها مضمومة فجرى مجرى قولك في تخفيف لؤم لوم [لَ ؤُ(همزة مخففة )مـَ] وفي مؤونة موونة ولا يُخلصها واوا لأنها مضمومة فقوله بلا همز أي يخففها كذا أُحْسِنُ الظن بهؤلاء المشيخة . فأما ترك الهمزة أصلا فشاذّ وينبغي لمن هو دونهم أن يصان عن أن يُظن ذلك به. فقول ابن مجاهد إنه يخلف من الهمزة واو ساكنة فيجتمع ساكنان شديدُ الاضطراب وذلك أنه قد سبق أن سبيل هذا أن يُخفف ولا يبدَل ، وإذا كان مخففاً، فالواو متحركة لا ساكنة، فلا ساكنين هناك أصلاً. نعم ثم لما قال: إنه يجتمع ساكنان لم يذكر ماذا يعمل فيهما؟ قال: وإن شاء ضمها فقال: "يووده". وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل عليه، ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا يضم الواو ، بل الضمة على الهمزة، إلا أنها مخففة فقربت بذلك من الواو لضعفها مع ضمها. وقوله فيما بعد : ومن ترك الهمز أصلاً قال :"يَوْدُه" يؤكد ما كنا قدمناه من أن قوله: لا يهمز إنما يريد به التخفيف لا البدل والحذف، ولولا ذلك لم يقل: ومن ترك الهمز أصلا، فقوله:"أصلاً" يدل على أنه لا يريد التخفيف الذي كان قدمه.
نخلص إذن إلى وجود ثلاثة احتمالات في ردّ أبي الفتح وهي:
- أن " يكون ابن مجاهد تكلَّم على قراءة لم يروها رواية وإنما قرأها قراءة في كتاب " ، وقد ثبت بطلان هذا الاحتمال
- أن " يكون قد حصل تغيُّرٌ في روايتها من التسهيل إلى الإبدال" ، وهذا أيضا قد ثبت بطلانه بالاحتمال الثالث.
- أن يكون ابن مجاهد قد عبر عن المسهلة بالساكنة "والساكن الأول هو الهمزة المضمومة التي عبر عنها ابن مجاهد بالسكون ويعني به التسهيل،". فيكون ردُّه على هذا الاستخدام ونكيره على أن لا يجتمع ساكنان وأن ليس ثمة ساكنان أصلا هو اصطلاحي بحت.

-ففصل الخطاب في المسألة إذن أن أبا الفتح إنما يخطِّئ ابن مجاهد في تعبيره لا في فهمه الذي خدَعنا به بقوله "مضعوفا في فقاهته". والدليل على أن هذا ما يريده أبو الفتح هو اعتماده على عبارة ابن مجاهد نفسه واستدلاله ببعضها على بعض، فيدل على أن ردّ أبي الفتح على ابن مجاهد ههنا أيضا ردٌّ نحوي صرفي في اصطلاحه وتعبيره عن الفكرة ، لا في صميم تخصصه كما ذهب ظني إلى ذلك في المشاركة الأصلية الذي صحّحه مشكورا الأخ محمد الحسن بوصو حفظه الله.

والله من وراء القصد​
 
بمثل هذا السلوك المحمود من الدكتور عبد الرحمن الصالح يَتَسَيَّدُ الحقُّ وينقمعُ الباطلُ بعد استطالته ذليلا. أسأل الله لكم دوام التوفيق والنفع.
على أني أود من سعادته، إذا سمح له الوقت، أن يحصي لنا مثل هذه الاعتراضات من كتاب المحتسب. فقد كان البروفسور Martin Amend من Mulhouse بــAlsace شرق فرنسا، يحب كثيرا أن يغمز في القراءات بعين من ابن جني، وخاصة من كتابه المحتسب. ومع للدكتور عليّ يد مشكورة، إذ تحمل كامل تكاليف علاجي بفرنسا، فإن فترات استشارتي عنده كانت تتحول إلى مناظرات ساخنة جدا. له عين وأذن ويد مستشرقة، لا ترى ولا تسمع ولا تكتب إلا الشبهات، وذكاء خارق واطلاع واسع ودعابة تنصره في إيراداته.
 
الشكر لفضيلة الدكتور عبدالرحمن الصالح ، فهو كدأبه كثيراً ما يتحفنا ببحوث ومقالات شيّقة رزينة ، وهذا المقال أحدها لسببين:
الأول: كونه دراسة بين رأي عالمين وإمامين لهما مكانتهما عند دارسي علم القراءات وتوجيهها .
الثاني: كونه يسلط الضوء على شيء قام به العلماء السابقون قديماً بكل أمانة وإخلاص وتجرد ، وتحرّج منه المعاصرون ، بل كادوا يتهمون من تطرق إليه في دينه ومحبته للعلماء ، وأعني :
أن العلماء السابقين قد قاموا بدراسات علمية " نقدية " لآراء الإمام ابن مجاهد رحمه الله ، دون أن يُلمِزوا أو يُلمَزوا لا في دينهم ولا في أدبهم وهو ما خالف فيه بعض أهل زماننا ، فطلبوا منا ، بل أمرونا أن لا نتجه بأي دراسة تبين عدم الصواب في بعض ما ذهب إليه الإمام ابن مجاهد رحمه الله ، وتناسوا بذلك عبارة شيخ الماليكة في عصره الإمام زرّوق رحمه الله : العلماء مصدقون فيما ينقلون ، ومبحوث معهم فيما يقولونه باجتهادهم .
وهنا أتذكر قول إمام الأدب أبي حيان التوحيدي رحمه الله في كتابه " البصائر والذخائر " أثناء كلامه عن الإمام أبي بكر بن مقسم رحمه الله ، حيث قال بعد أن ذكر قصة ذكرها الإمام ثعلب في " المجالسات " قال :
" وكان أبو بكر ابن مقسم يرويها ، وسمعتها تُقرأعليه سنة اثنتين وخمسين ، وعاش بعدها مدة ، وكان شيخاً مكفوفاً حين لحقتُه ، ولم أر شيخاً أوطأ منه ولا أهدأ ، وله قراءات اختارها وأنكر الناس عليه ذلك ، وله ملحمة ، وأكثر النا يقولون : ظُلم في هذه القصة كما ظُلم ابن شنبوذ حين آذاه ابن مجاهد ، وذلك أن ابن شنبوذ وابن مقسم لم يقرءا ما قرءا إلا بالأثر والحجة والرواية ، ولم يخترعا ولم يختلقا ، ولم يُنزل الله تعالى اختيار ابن مجاهد من السماء ، وإنما اجتهد كما اجتهد من تقدم ، فليت شعري : ماالذي هاجه على محاربة ابن شنبوذ حين قرأ " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم " مكان " العزيزالحكيم " ، وحين قرأ ابن مقسم في وصف فرعون " إنه كان من الغالين " بالغين المعجمة وقال : لا أصفه بالعلو بل بالغلو ، ولابن مقسم في القرآن كتاب يسمىه " الأنوار" يُقدّم على كتب كثيرة .انتهى ( البصائر:8/65-66)
وقبل أن أقول أخيراً :
هناك بحث مطبوع بعنوان : " احتجاجات أبي الفتح بن جني في المحتسب على أبي بكر بن مجاهد " وهو للدكتور : إبراهيم بن صالح الحندود " حري بمطالعته وقراءته فهو في صميم البحث .
أما أخيراً :
لا شك أن الحق في إنكار ما شذّ من القراءات بأن يقرأ في المحاريب كان مع ابن مجاهد ، ولكن غير ذلك فالحق مع الإمامين بدليل أن ابن مجاهد نفسه تصدّى للشواذ وألف فيها ورواها ، وهو ما أنتج لنا بعد ذلك كتاب " المحتسب " .
رحم الله الجميع وحشرنا معهم في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً .
وعفوا أخي الدكتور عبدالرحمن والشيخ محمدالحسن إن كانت مداخلتي ليست من صميم التعليق على المسألة ، ولكن نفثة وجدت لها راحة أن تكون ضمن مقال عن " ابن مجاهد وابن جني " .
تحياتي وسلامي .
 
بمثل هذا السلوك المحمود من الدكتور عبد الرحمن الصالح يَتَسَيَّدُ الحقُّ وينقمعُ الباطلُ بعد استطالته ذليلا. أسأل الله لكم دوام التوفيق والنفع.
على أني أود من سعادته، إذا سمح له الوقت، أن يحصي لنا مثل هذه الاعتراضات من كتاب المحتسب. فقد كان البروفسور Martin Amend من Mulhouse بــAlsace شرق فرنسا، يحب كثيرا أن يغمز في القراءات بعين من ابن جني، وخاصة من كتابه المحتسب. ومع للدكتور عليّ يد مشكورة، إذ تحمل كامل تكاليف علاجي بفرنسا، فإن فترات استشارتي عنده كانت تتحول إلى مناظرات ساخنة جدا. له عين وأذن ويد مستشرقة، لا ترى ولا تسمع ولا تكتب إلا الشبهات، وذكاء خارق واطلاع واسع ودعابة تنصره في إيراداته.

أخي الأستاذ محمد أشكر لكم حسنَ ظنكم بالعبد الضعيف ولكني ما كدت أتلمَّظ بطعم اقتراحكم أن أقوم بإحصاء تلكم الردود من كتاب المحتسب حتى جاء الدكتور الجكني حفظه الله تعالى بذكر بحث قام بما طمحتم إليه بقوله :
هناك بحث مطبوع بعنوان : " احتجاجات أبي الفتح بن جني في المحتسب على أبي بكر بن مجاهد " وهو للدكتور : إبراهيم بن صالح الحندود " حري بمطالعته وقراءته فهو في صميم البحث .
وعسى أن يمكننا -أنت وأنا- الاطلاع على هذا البحث في المستقبل ، وربما يكون لدينا من الأفكار والردود ما يحملنا على إعادة الكتابة فيه.
ودمتم بودّ
 
وعسى أن يمكننا -أنت وأنا- الاطلاع على هذا البحث في المستقبل ، وربما يكون لدينا من الأفكار والردود ما يحملنا على إعادة الكتابة فيه.
عسى أن نجد ما يحملكم على إعادة الكتابة فيه. لكن لحين ذلك سيكون الملتقى قد استمتع بإحصائكم للردود في أسلوبكم النيهومي الممتع الجميل.
 
الشكر لفضيلة الدكتور عبدالرحمن الصالح ، فهو كدأبه كثيراً ما يتحفنا ببحوث ومقالات شيّقة رزينة ، وهذا المقال أحدها لسببين:
الأول: كونه دراسة بين رأي عالمين وإمامين لهما مكانتهما عند دارسي علم القراءات وتوجيهها .
الثاني: كونه يسلط الضوء على شيء قام به العلماء السابقون قديماً بكل أمانة وإخلاص وتجرد ، وتحرّج منه المعاصرون ، بل كادوا يتهمون من تطرق إليه في دينه ومحبته للعلماء ، وأعني :
أن العلماء السابقين قد قاموا بدراسات علمية " نقدية " لآراء الإمام ابن مجاهد رحمه الله ، دون أن يُلمِزوا أو يُلمَزوا لا في دينهم ولا في أدبهم وهو ما خالف فيه بعض أهل زماننا ، فطلبوا منا ، بل أمرونا أن لا نتجه بأي دراسة تبين عدم الصواب في بعض ما ذهب إليه الإمام ابن مجاهد رحمه الله ، وتناسوا بذلك عبارة شيخ الماليكة في عصره الإمام زرّوق رحمه الله : العلماء مصدقون فيما ينقلون ، ومبحوث معهم فيما يقولونه باجتهادهم .
وهنا أتذكر قول إمام الأدب أبي حيان التوحيدي رحمه الله في كتابه " البصائر والذخائر " أثناء كلامه عن الإمام أبي بكر بن مقسم رحمه الله ، حيث قال بعد أن ذكر قصة ذكرها الإمام ثعلب في " المجالسات " قال :
" وكان أبو بكر ابن مقسم يرويها ، وسمعتها تُقرأعليه سنة اثنتين وخمسين ، وعاش بعدها مدة ، وكان شيخاً مكفوفاً حين لحقتُه ، ولم أر شيخاً أوطأ منه ولا أهدأ ، وله قراءات اختارها وأنكر الناس عليه ذلك ، وله ملحمة ، وأكثر النا يقولون : ظُلم في هذه القصة كما ظُلم ابن شنبوذ حين آذاه ابن مجاهد ، وذلك أن ابن شنبوذ وابن مقسم لم يقرءا ما قرءا إلا بالأثر والحجة والرواية ، ولم يخترعا ولم يختلقا ، ولم يُنزل الله تعالى اختيار ابن مجاهد من السماء ، وإنما اجتهد كما اجتهد من تقدم ، فليت شعري : ماالذي هاجه على محاربة ابن شنبوذ حين قرأ " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم " مكان " العزيزالحكيم " ، وحين قرأ ابن مقسم في وصف فرعون " إنه كان من الغالين " بالغين المعجمة وقال : لا أصفه بالعلو بل بالغلو ، ولابن مقسم في القرآن كتاب يسمىه " الأنوار" يُقدّم على كتب كثيرة .انتهى ( البصائر:8/65-66)
وقبل أن أقول أخيراً :
هناك بحث مطبوع بعنوان : " احتجاجات أبي الفتح بن جني في المحتسب على أبي بكر بن مجاهد " وهو للدكتور : إبراهيم بن صالح الحندود " حري بمطالعته وقراءته فهو في صميم البحث .
أما أخيراً :
لا شك أن الحق في إنكار ما شذّ من القراءات بأن يقرأ في المحاريب كان مع ابن مجاهد ، ولكن غير ذلك فالحق مع الإمامين بدليل أن ابن مجاهد نفسه تصدّى للشواذ وألف فيها ورواها ، وهو ما أنتج لنا بعد ذلك كتاب " المحتسب " .
رحم الله الجميع وحشرنا معهم في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً .
وعفوا أخي الدكتور عبدالرحمن والشيخ محمدالحسن إن كانت مداخلتي ليست من صميم التعليق على المسألة ، ولكن نفثة وجدت لها راحة أن تكون ضمن مقال عن " ابن مجاهد وابن جني " .
تحياتي وسلامي .

بالعكس يا فضيلة الشيخ الجكني - حفظكم الله تعالى- إنها لفي صميم الموضوع وإن فيها من الفوائد ما لا يحصي إلا الله ويطيب لي ذكر بعضها.
من ذلكم نقلُكم لعبارة شيخ المالكية في عصره الإمام زرّوق رحمه الله : "العلماء مصدقون فيما ينقلون ، ومبحوث معهم فيما يقولونه باجتهادهم". فهي على غاية التقانة والصحة وتستحق أن تكون شعارا على جدران الكليات.
ومن ذلك قولكم : "لا شك أن الحق في إنكار ما شذّ من القراءات بأن يقرأ في المحاريب كان مع ابن مجاهد ، ولكن غير ذلك فالحق مع الإمامين"، فإنّ هذه المقولة هي خلاصة علم القراءات كله، لأنها صوّبت اجتهاد ابن مجاهد في سدّ الذرائع وحدّ الاختلاف في كتاب الله عز وجل الذي استنفر في مثله حذيفةُ بن اليمان أميرَ المؤمنين عثمان أن يتدارك المسلمين أن يختلفوا في كتاب الله تعالى.
ولكنها صوبت وجوب منح الحق للعلماء المبرزين في الرواية أن يصححوا قراءات وحروفاً لا تقل ثقة وتاريخا عن كثير مما وجد في السبعة مع أن الصلاة بها في المحاريب لا تجوز. وهذا التفريق قد ادخره الله تعالى لخاصة أوليائه وعدمه هو ما يجعل الناس يخلطون في علم القراءات.
والفائدة الأخرى التي لابدّ من ذكرها هي بذور ردّ الاعتبار لابن مقسم بعد أن أساء الناس فهمه وألصقوا به ما هو منه براء ولا ريب.
وقد كنت قبل ست سنين في هذا الملتقى علقت على ما ألصق به من طريقة وأذكر أني قلتُ إن طريقة ابن شنبوذ علمية لأنها تجيز القراءة بما صحّ سنده من حروف القرآن وإن خالف مصحف عثمان، ولكن طريقة ابن مقسم [وكنت قبلتها كما اتهمه التاريخ بها] وهي أن تجوز القراءة بما صح في العربية ووافق المصحف وإن لم توجد به الرواية الصحيحة فقلتُ إنها ليست من العلم في شيء.
واليوم ما أزال على قولي إنها ليست من العلم في شيء ولكني لم أعد أقبل إلصاقها بهذا العالم الجليل الواسع الرواية بل أكاد أجزم أنه قد أسيء التعبير عن مذهبه وبقي لنا إساءات التعبير عنه، لأن كونه واسع الرواية يقتضي أن
ينتصر لها لا أن يُفقدها قيمتها وهي التي أنفق عمره فيها، فهذا خلاف العادة. فاستدعى الأمر إعادة التفكير فيما عُزيَ إليه. وأول ما بدأت أعيد النظر في تصديق ذلكم حين طُبع كتاب الكامل في القراءات للهذلي فعلمت منه جلال هذا العالم وقدره المبخوس وأدعو الله تعالى أن يعاد له الاعتبار وأن يحاول أهل العلم أن يفهموا منهجه وتبرئته من تلكم القالة التي لا يقول بها عالم وهي إجازة القراءة بكل ما وافق المصحف واللغة دون سند. فأحسب أن منهجه قريب من منهج ابن شنبوذ رحمه الله، وكم وددنا أن يكون التاريخ قد حفظ لنا ما دوناه في هذا العلم فكان سيكون له شأن في إضاءة زوايا ما تزال معتمة أمام نواظرنا، من هذا العلم الجليل.

ودمتم بودّ​
 
أخي الكريم الدكتور عبدالرحمن الصالح حفظكم الله :
أنقل لكم نص عبارة الإمام زرّوق رحمه الله ، حيث ذكرتُها سابقاً بالمعنى ، وهذا نصها مع شرحه هو نفسه لها ، قال رحمه الله :
" قاعدة : تصديق العلماء فيما ينقلون والبحث معهم فيما يقولون :
العلماء مصدّقون فيما ينقلون ، لأنه موكول لأمانتهم ، مبحوث معهم فيما يقولون ، لأنه نتيجة عقولهم ، والعصمة غير ثابتة لهم ، فلزم التبصر طلباً للحق والتحقيق ، لا اعتراضاً على القائل والناقل .
ثم إن أتى المتأخر بما لم يُسبق إليه ، فهو على رتبته ، ولا يلزمه القدح في المتقدم ، ولا إساءة الأدب معه ، لأن ما ثبت من عدالة المتقدم ، قاضٍ برجوعه للحق عند بيانه لو سمعه ، فهو ملزوم به ، إن أدى لنقض قوله مع حقيقته لا أرجحيته ، إذ الاحتمال مثبتٌ له .
ومن ثَمّ خالف أئمة متأخري الأمة أولها ، ولم يكن قدحاً في واحد منهما، فافهم " انتهى بنصه .
من كتابه :(قواعد التصوف على وجه يجمع بين الشريعة والحقيقة ويصل الأصول والفقه بالطريقة :48-49 القاعدة رقم : 38)
 
تعليقا على إيراد خبر ابن شنبوذ فإنه يحضرني مقولة لأبي شامة - في المرشد الوجيز - من أجمل ما وقفت عليه من تعاليق على هذا الذي جرى لابن شنبوذ مع ابن مجاهد رحمهم الله جميعاً قال - وهو يذكر ما حل بابن مقلة -: " ثم مات ابن شنبوذ في صفر سنة ثمان وعشرين بعد موت ابن مجاهد بأربع سنين، وعزل ابن مقلة ونكب في سنة أربع وعشرين بعد نكبة ابن شنبوذ بسنة واحدة، فجرى عليه من الإهانة بالضرب والتعليق والمصادرة أمر عظيم، ثم آل أمره إلى قطع يده ولسانه ونسأل الله تعالى العافية".
وابن شنبوذ وإن كان ليس بمصيب فيما ذهب إليه ولكن خطأه في واقعة لا يسقط حقه من حرمة أهل القرآن والعلم، فكان الرفق به ومداراته أولى من إقامته مقام الدعار المفسدين في الأرض وإجرائه مجراهم في العقوبة"​
 
كتاب ( احتجاجات أبي الفتح بن جني في المحتسب على أبي بكر بن مجاهد )

كتاب ( احتجاجات أبي الفتح بن جني في المحتسب على أبي بكر بن مجاهد )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو من جميع المشايخ الفضلاء والإخوة الكرام ، أو من عنده كتاب : احتجاجات أبي الفتح بن جني في المحتسب على أبي بكر بن مجاهد " للدكتور : إبراهيم بن صالح الحندود ، أن يسعفني به لحاجتي الماسة له ، كون رسالتي للماجستير لها صلة وثيقة بهذا الكتاب، وأنا بأمس الحاجة له ... وبارك الله فيكم
 
عودة
أعلى