رأي شيخ الإسلام وابن القيم في تفنيد التجويد بمفهومه الحالي

إنضم
7 يوليو 2004
المشاركات
59
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
[align=justify]شدد شيخ الإسلام النكير على التجويد بمفهومه الذي يدرّس به الآن ، وأخص بالذكر منه التفاصيل الدقيقة التي ذكره الشيخ وتلميذه مما سيأتي ، ولكن أطمح من الإخوة إذا كان ثمة رأي للفقهاء في هذه المسألة أن يذكروه حتى تعم الفائدة في عرض جميع أقوال العلماء .
نقل هذا الرأي عن شيخ الإسلام وابن القيم ابنُ قاسم في الحاشية (2\209 ) ؛ وأحببت أن أنقله من المصدر لتعم الفائدة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(( ولا يجعل همته فيما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن إما بالوسوسة فى خروج حروفه وترقيقها وتفخيمها وإمالتها والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك فإن هذا حائل للقلوب قاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه وكذلك شغل النطق ب أأنذرتهم وضم الميم من عليهم ووصلها بالواو وكسر الهاء أو ضمها ونحو ذلك وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت مجموع الفتاوى )) (16\50) .

وقال ابن القيم : (( فصل ومن ذلك الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها ونحن نذكر ما ذكره العلماء بألفاظهم قال أبو الفرج بن الجوزي قد لبس إبليس على بعض المصلين في مخارج الحروف فتراه يقول الحمد الحمد فيخرج بإعادة الكلمة عن قانون أدب الصلاة وتارة يلبس عليه في تحقيق التشديد في إخراج ضاد المغضوب قال ولقد رأيت من يخرج بصاقه مع إخراج الضاد لقوة تشديده والمراد تحقيق الحرف حسب وإبليس يخرج هؤلاء بالزيادة عن حد التحقيق ويشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة وكل هذه الوساوس من إبليس وقال محمد بن قتيبة في مشكل القرآن وقد كان الناس يقرؤن القرآن بلغاتهم ثم خلف من بعدهم قوم من أهل الأمصار وأبناء العجم ليس لهم طبع اللغة ولا علم التكلف فهفوا في كثير من الحروف وذلوا فأخلوا ومنهم رجل ستر الله عليه عند العوام بالصلاح وقربه من القلوب بالدين فلم أر فيمن تتبعت في وجوه قراءته أكثر تخليطا ولا أشد اضطرابا منه لأنه يستعمل في الحرف ما يدعه في نظيره ثم يؤصل أصلا ويخالف إلى غيره بغير علة ويختار في كثير من الحروف ما لا مخرج له إلا على طلب الحيلة الضعيفة هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب وأهل الحجاز بإفراطه في المد والهمز والإشباع وإفحاشه في الإضجاع والإدغام وحمله المتعلمين على المذهب الصعب وتعسيره على الأمة ما يسره الله تعالى وتضييقه ما فسحه ومن العجب أنه يقرىء الناس بهذه المذاهب ويكره الصلاة بها ففي أي موضع يستعمل هذه القراءة إن كانت الصلاة لا تجوز بها وكان ابن عيينة يرى لمن قرأ في صلاته بحرفه أو ائتم بإمام يقرأ بقراءته أن يعيد ووافقه على ذلك كثير من خيار المسلمين منهم بشر بن الحارث والإمام أحمد بن حنبل وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقتهم وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها وصعوبتها وطول اختلاف المتعلم إلى المقرىء فيها فإذا رأوه قد اختلف في أم الكتاب عشرا وفي مائة آية شهرا وفي السبع الطوال حولا ورأوه عند قراءته مائل الشدقين دار الوريدين راشح الجبين توهموا أن ذلك لفضله في القراءة وحذقه بها وليس هكذا كانت قراءة رسول الله ولا خيار السلف ولا التابعين ولا القراء العالمين بل كانت سهلة رسلة وقال الخلال في الجامع عن أبي عبدالله إنه قال لا أحب قراءة فلان يعني هذا الذي أشار إليه ابن قتيبة وكرهها كراهية شديدة وجعل يعجب من قراءته وقال لا يعجبني فإن كان رجل يقبل منك فانهه وحكى عن ابن المبارك عن الربيع بن أنس أنه نهاه عنها وقال الفضل بن زياد إن رجلا قال لأبي عبدالله فما أترك من قراءته قال الإدغام والكسر ليس يعرف في لغة من لغات العرب وسأله عبدالله ابنه عنها فقال أكره الكسر الشديد والإضجاع وقال في موضع آخر إن لم يدغم ولم يضجع ذلك الإضجاع فلا بأس به وسأله الحسن بن محمد بن الحارث أتكره أن يتعلم الرجل تلك القراءة قال أكرهه أشد كراهة إنما هي قراءة محدثة وكرهها شديدا حتى غضب وروى عنه ابن سنيد أنه سئل عنها فقال أكرهها أشد الكراهة قيل له ما تكره منها قال هي قراءة محدثة ما قرأ بها أحد وروى جعفر بن محمد عنه أنه سئل عنها فكرهها وقال كرهها ابن إدريس وأراه قال وعبدالرحمن بن مهدي وقال ما أدري إيش هذه القراءة ثم قال وقراءتهم ليست تشبه كلام العرب وقال عبدالرحمن بن مهدي لو صليت خلف من يقرأ بها لأعدت الصلاة )) إغاثة اللهفان (1\160) .[/align]
 
جزاك الله خيراً ، ولكن فهمت أن الجميع هناك مؤيد ، ولي عودة إن أذن لي الدكتور مساعد الطيار في التعليق على ماكتبه .
 
على الرحب والسعة يا أخ عبد الله ، والملتقى وُضِع للنقاش العلمي الهادف ، والمسألة ليست محسومة بقول فلان أو علان ، مادام للاجتهاد والرأي مدخل ، والله يوفقني وإياك .
 
[align=justify]جزاك الله خيراً د.مساعد على لطفك ، وأعود فأقول :
تعريف فضيلتك للتجويد أنه : التجويد من جهة العموم يراد به تحسين القراءة ، وأن لا يُخرج به عن حدِّ اللفظ العربي في النطق ، أجود من التعريف الآخر الذي ذكرته وهو (إنَّ التجويد إنما هو وصف للقراءة النبوية التي ورد ضبطها وحفظها من طريق أئمة القراءة كنافع وعاصم والكسائي وغيرهم )لأن هذا غير مسلم به
إذ لو سلم نطق القراء بالمد تقديراً وبالإشمام ، والقلقلة والإرجاع والروم لما اختلف العلماء في وجوب التجويد على هيئته الاصطلاحية المدونة في كتب المجودة ، ولاستدل القائلون بوجوب التجويد
بأن النبي صلى الله عليه وسلم مد خمساً قبل الهمز ، و ثنتان مداً طبيعياً ونطق الغنة مقدار حركتين وغير ذلك ، لكن لما لم يوجد دليل يدل على مقدار الحركات عدنا لتعريف التجويد بأنه علم يراد به تحسين القراءة لا غير ، وأنه من علوم الآلة لا من علوم الشرع ، فهو كالنحو وغيرها
يصلح به اللسان ولايلزم تعلمه للمجيد ، والتكلف فيه كثير جداً ، ولهذا لايصح مقارنة التجويد بالنحو - في نظري - كما قرر الدكتور الفاضل مساعد في قوله : ( ومن زعم أنه لا يجب الأخذ بالتجويد ، وان العربي في هذا العصر يجوز له القراءة على سليقته العربية ، فإنه يشبه من سيزعم أنه لا يلزم الناس تعلم النحو ، وأنهم عرب ، فيجوز لهم أن يتكلموا بسليقتهم ) لأمور :
الأول : أن النطق العربي السليم للحروف لم يفسد كما فسد إعراب الناس ، ولو قلت للمتعلم انطق حرف الباء والهاء والميم لنطقها كلمة (بهم )عربية سوية ليس في نطقها إخلال .
الثاني : أن الناس تتفاوت في المخارج ولا يعاب عليهم التفاوت بخلاف إبدال الحروف ولهذا ورد في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي فقال اقرؤوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه )والحديث صححه الألباني (1\220) .
قلت : وترى الناس الآن يتفاوتون في نطق الحرف ولا يعاب عليهم في قرائتهم ، انظر مثلاً إلى تفاوت الثبيتي وعلي جابر في نطق الجيم ، بإشباعها للأول وعكسه للآخر ، كما يتفاوتون في الصفير ولا يعاب عليهم
انظر إلى قراءة الشريم مثلاً للسين والصاد وعكسها للسديس وغير ذلك من التفاوت الذي لا يضير القاريء ولا يقلب الحرف إلى الآخر .
الثالث : أنه لو لزم الناس النطق بالقرآن مجوداً للزمهم النطق بالعربية مجوداً في خطاباتهم وكلامهم العربي وهذا لم يقله أحد ، وهذه القاعدة تخرج التجويد من كونه قاعدةً للنق إلى كونه علماً لتحسين الصوت وهذا مفاد كلام شيخنا ابن عثيمين حيث قال : (( لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد ، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة ، وباب التحسين غير باب الإلزام ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كانت مداً قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم . يمد ببسم الله ، ويمد بالرحمن ، ويمد بالرحيم .
والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي ، ولو قيل : بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم ، ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى : طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث ، وكتب أهل العلم ، وتعليمك ، ومواعظك ، وليعلم أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع المسلمين وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي في جواب له أن التجويد حسب القواعد المفصلة في كتب التجويد غير واجب ))
ولتكن دائرة الحوار مبسوطة حول التجويد بمعناه الاصطلاحي الشامل للإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب وإخراج الحروف من مواضعها والمد والروم والقلب والإشمام وغيرها
من الأحكام المبسوطة ،وأعني بذلك إخراج مفهوم التجويد اللغوي الذي هو بمعنى تحسين القراءة فهذا لا إشكال في الاتفاق عليه للأمر به في أحاديث كثيرة ، ولهذا عنونت للموضوع ب ( بمفهومه المعاصر ) .
فالخلاف يدور حول مدد المد ، ومقدار الغنة والإقلاب ، والقلقلة ، ومايحصل به الإظهار من الحلق لحروفه ، والإشمام ، فهل دل عليها من السنة النبوية دليل واحد ؟
واختم بفائدةٍ ذكرها القرطبي فقال : (( قال رسول الله صلى عليه وسلم تعلموا القرآن وغنوا به واكتبوه فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من المخاض من العقل قال علماؤنا وهذا الحديث وإن صح سنده فيرده ما يعلم على القطع والبتات من أن قراءة القرآن بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلاإلى العصر الكريم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيها تلحين
ولا تطريب مع كثرة المتعمقين في مخارج الحروف وفي المد والإدغام والإظهار وغير ذلك من كيفية القراءات ثم إن في الترجيع والتطريب همز ما ليس بمهموز ومد ما ليس بمدود فترجع الالف الواحدة ألفات والواو الواحدة واوات والشبهة الواحدة شبهات فيؤدي ذلك إلى زيادة في القرآن وذلك ممنوع وإن وافق ذلك موضع نبر وهمز صيروها نبرات وهمزات والنبرة حيثما وقعت من الحروف فإنما هي همزة واحدة لاغير إما ممدودة وإما مقصورة فإن قيل فقد روى عبدالله بن مغفل قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع آء آء آء ثلاث مرات قلنا ذلك محمول على إشباع المد في موضعه ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه وقد خرج أبو محمد عبدالغني بن سعيد الحافظ من حديث قتادة عن عبدالرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم المد ليس فيها ترجيع وروى ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذن يطرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الأذان سهل سمح فإذا كان أذانك سمحاسهلاوإلا فلا تؤذن أخرجه الدارقطني في سننه )) ، قلت : وقد سمتُ جماعات من القراء يقرأون ما يسمونه بالقلقلة فينطقون حرفاً آخر زيادةً في كتاب الله ، وفتش تجد .
أعود للقرطبي رحمه الله : ((إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد منع ذلك في الأذان فأحرى ألا يجوزه في القرآن الذي حفظه الرحمن فقال وقوله الحق إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون وقال تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد قلت وهذا الخلاف إنما هو ما لم يفهم معنى القرآن بترديد الأصوات وكثرة الترجيعات فإن زاد الأمر على ذلك حتى لا يفهم معناه فذلك حرام باتفاق كما يفعل القرآء بالديار المصرية الذين يقرءون أمام الملوك والجنائز ويأخذون على ذلك الأجور والجوائز ضل سعيهم وخاب
عملهم فيستحلون بذلك تغيير كتاب الله ويهونون على أنفسهم الاجتراء على الله بأن يزيدوا في تنزيله ما ليس فيه جهلا بدينهم ومروقا عن سنة نبيهم ورفضا لسير الصالحين)) قال الشيخ محمد بن ابراهيم : (( التجويد معلوم معروف؛ لكن أدخل فيه ما ليس منه، فإن أناساً من أهل التجويد أخذوها صناعة، إما أن يزيدوا في القلقلة، أو نحو ذلك)).
وقال بعد أن بين أنه ينبغي تعلم التجويد : ( مع أن العلماء رحمهم الله سهلوا في أمر ابدال الضاد ظاء لا سيما من يعجزه النطق بالضاد ، قال في " الاقناع وشرحه " : وحكم من أبدل منها ـ أي الفاتحة ـ حرفاً بحرف لا يبدل كالألثغ الذي يجعل الراء غيناً ونحوه حكم من لحن فيها لحناً يحيل المعنى ، فلا يصح أن يؤم من لا يبدله لما تقدم . إلا ضاد (المغضوب) و(الضالين) إذا أبدلها بظاء فتصح إمامته بمن لا يبدلها ظاء ، لأنه لا يصير أمياً بهذا الإبدال وظاهره واو علم الفرق بينهما لفظاً ومعنى كما تصح أمامته بمثله ، لأن كلاً منهما ـ أي الضاد والظاء ـ من طرف اللسان ومن الأسنان )).
هناك فرق بين تعلم التجويد والنحو ، فالناس قد فسد إعرابهم ولكن لم يفسد نطقهم السليم للحروف العربية .
المبالغات العظيمة في الماضي وفي زمننا هذا على وجوب التنطع بالنطق ومن تلك المبالغات ما كتبته إحدى جرائد مصر عن الشيخ محمد غفر الله حينما صلى في الحرم فخرجت من الغد على الناس بعنوان ( إمام الحرم يلحن في الفاتحة )
وهذا غير غريب إذا اعتبروا اللحن هو النطق السوي من غير مراعاة التشدق في إخراج الحروف .
ومن المبالغات قول صاحب غاية المريد : (اجمعت الأمة المعصومة على وجوب التجويد و ذلك من زمن النبي إلى زماننا و لم يختلف فيه منهم أحد ) وهذا إلباس على الناس ؛ إذ مفهوم التجويد غير متفق عليه ، ولم يتفق على تعريف دقيق له ، فكيف تجتمع الأمة على وجوب الأخذ به ؟
ومنها قول بعضهم أن آخر من نطق بالضاد بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو عمر ، وهذا يفضي إلى اجتماع الأمة على اللحن الخفي .

والله أعلم ، وأشكر القا ريء الكريم على مروره ...[/align]
 
أخي الكريم عبد الله
أشكرك على ما سطرت يداك ، وإني لمسرور بمثل هذا النقاش الهادف ، وسأضع لك في هذا التعقيب بعض النظرات التي أرجو أن تكون صوابًا خالصة لوجه الله .
وإني لأعتذر مُسبقًا عن ما يقع لي من بعض العبارات بسبب الحماس في إبراز الفكرة ، لكني أتبرأ من كل لفظ يُفهم منه أن فيه تنقُّصًا للعلماء ، أو لمن يناقشني ، فأرجو ممن يقرأ لي أن ينبهني عما يقع من بعض العبارات التي قد تُفهم خطأ .
وهذا أوان التعليق على مقالكم الماتع حفظني الله وإياكم ، وسدد خطانا .
************
قولك : (إذ لو سلم نطق القراء بالمد تقديراً وبالإشمام ، والقلقلة ( والإرجاع ؟) والروم لما اختلف العلماء في وجوب التجويد على هيئته الاصطلاحية المدونة في كتب المجودة .)
أولاً : من أين جاء القراء بهذه الأمور ؟
أمن عند أنفسهم ؟
أم تلقوها ؟
إن كانت من عند أنفسهم ، فأين إثبات ذلك ؟
وإن كانوا تلقوها ، وهذا هو الحاصل ، فالأولى اتباعهم في ذلك ، فهم قد نقلوا حروفه وأداءه .
فإن ثبت في شيء من الأداء اجتهاد مجتهدٍ فهنا يقع الجدل ، ويكون الأمر غير مسلم للمجودين .
ثانيًا : أنا لم أوجب التجويد في كلامي ، وكلامك منصبٌّ على هذا ، لكني أقول إنه في أقلِّ أحواله سنة مشروعة منقولة عن أئمة القراءة الذين رضينا عنهم نقل حروف القرآن ، وتلقينا من طريقهم كيفية نطقها ، فالتفريق بين هذين الأمرين المتلازمين أمر عسير ، فكيف نقبل عنهم القراءة : (بضنين ) والأخرى ( بظنين ) ، ولا نقبل منهم كيف يكون أداؤهما وأداء غيرهما من الأحرف ؟
فمن سلَّم للقراء بنقل الحروف ، لزمه أن يسلِّم بنقل الأداء ، إذ لم يثبت في الأداء نقل عن غير القراء ، وهم المرجع في معرفة ذلك ، والحكَم الذي يفصل في هذه الأمور .
************
قولك : (ولاستدل القائلون بوجوب التجويد بأن النبي صلى الله عليه وسلم مد خمساً قبل الهمز ، و ثنتان مداً طبيعياً ونطق الغنة مقدار حركتين وغير ذلك ، لكن لما لم يوجد دليل يدل على مقدار الحركات عدنا لتعريف التجويد بأنه علم يراد به تحسين القراءة لا غير ، وأنه من علوم الآلة لا من علوم الشرع ، فهو كالنحو وغيرها يصلح به اللسان ولايلزم تعلمه للمجيد )
أولاً : لنبتعد عن قضية الوجوب ، فليس عليها ما يدلُّ من جهة الأدلة .
ثانيًا : حديثك هنا عن المقادير ، وقد بيَّنت في كلامي الذي رجعت إليه أمرين :
الأول : أنَّ وجود المد والغنة له أصل ، وهو عربي قرائي بلا ريب .
ثانيًا : أن المقادير بالحركات قد دخلها الاجتهاد ، وإنما وقع الخلاف في تقدير المدِّ ـ مثلاً ـ لكونه مما لا يمكن ضبطه ضبطًا دقيقًا ، وهذا مما لا ينكره أحدٌ فيما أعلم .
وإذا كان تقدير الحركات راجع إلى الاجتهاد ، فإن هذا لا يعني أنَّ الأصل الذي قُدِّرت له الحركات لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثًا : علم التجويد علم مشافهة وتلقي ، وهو مأخوذ بالسند الآخر عن الأول ، وله أعلامه الذين ضبطوا أصوله ، وكون الكتابة فيه متأخرة لا تعني عدم أصليَّته ، ولا أنه علم مبتدع نشأ من فراغ ، أو من اجتهاد مجتهدين .
أما علم النحو فالحال فيه معروف ، ولا يمكن أن يكون شأنه من جهة اتصاله برسول الله صلى الله عليه وسلم كاتصال التجويد .
وكونك تطلق على التجويد أنه من علوم الآلة أو من غيرها ، فهذا لا يغيِّر حقيقة هذا العلم ، ولا يقدح في تأصيله وارتباطه بالإسناد المتصل مطلقًا .
رابعًا : ما الدليل الذي تريد أن تعتمد عليه في أصل الحركات أو تقديرها ؟
أليس أهل كل فنِّ يُرجع إليهم في فنِّهم ، فما بال هؤلاء القراء المساكين لا يؤبه لما عندهم من العلم ؟
إنَّ مقام الاستدلال هنا مقام فقهي بحت عند من يريد الدليل ، وليس الأمر كذلك ، فالفقهاء بمعزل عن هذا العلم ، وحقُّهم أن يسلِّموا لأهل الأداء بما عندهم إلا ما ثبت بالدليل بطلانه .
وكيف يثبت بطلان ما يروونه بالأسانيد المتصلة ، ويتفق عليه قراء المشرق والمغرب ، وتتصل أسانيدهم كلهم بالصحابة الكرام ، أفستطاع هؤلاء على تباعد أقطارهم أن يتوافقوا على وضع هذا العلم ، وينشئون له أُسُسًا ، ويُؤخذ عنهم بالتلقي من أجيالٍ متقادمة متصلة بجيل الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فإذا كان الأمر كذلك ، فلم لا نسلِّم لهذا ، ونقول : كل علمٍ أهله أدرى به ؟
خامسًا : الذي ألاحظه على من لم يعتبر علم التجويد لا يخلو من حالين :
الأولى : أن لا يكون له به معرفة أصلاً ، ولم يكن من علوم بلده ، كما هو الحال في بلاد نجدٍ ، بخلاف الحال في الحجاز الذي لا يزال فيه علم التجويد قائمًا يدرَّس في الحرمين الشريفين منذ عقود متطاولة .
الثاني : أن يكون له ملحوظة على من يتشدَّدون في هذا العلم ، أو من يقرئون الناس ويتكلفون في تعليم التجويد ، فينصبُّ كلامه على مثل هؤلاء ، وقد ينجرُّ حديثه من حيث لا يشعر إلى أصل هذا العلم الذي تلقته الأجيال ، وهو مرتبط بقراءة كتاب ربها ،و مثل هذا لا يكون كلامه حجة على إطلاقه .
*************
قولك :(والتكلف فيه كثير جداً ، ولهذا لايصح مقارنة التجويد بالنحو - في نظري - كما قرر الدكتور الفاضل مساعد في قوله : ( ومن زعم أنه لا يجب الأخذ بالتجويد ، وان العربي في هذا العصر يجوز له القراءة على سليقته العربية ، فإنه يشبه من سيزعم أنه لا يلزم الناس تعلم النحو ، وأنهم عرب ، فيجوز لهم أن يتكلموا بسليقتهم ) لأمور :
الأول : أن النطق العربي السليم للحروف لم يفسد كما فسد إعراب الناس ، ولو قلت للمتعلم انطق حرف الباء والهاء والميم لنطقها كلمة (بهم )عربية سوية ليس في نطقها إخلال )

أخي الكريم :
لا يُسلَّم لك أن الناس اليوم ينطقون نطقًا عربيًّا صحيحًا ، وأنت على خُبْرٍ بتغاير لهجات الناس ، وتباين منطقهم ، فكيف يقال هذا ؟
وما مثَّلْتَ به من الأحرف لا يقع فيه خطأ ، لكن يقع الخطأ في نطق الكاف والقاف والجيم والعين واللم والراء والتاء وغيرها ، كما يقع الخطأ في الأحرف المشدَّدة ، ويقع في غيرها ، ومن أقرأ عرف أن النطق العربي ليس سليمًا عند كثيرين ممن تأثرت ألسنتهم بلهجاتهم .
ولو كان النطق العربي هو المعوَّل عليه ، فكيف تخرِّج قول الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة : ( اقرءوا القرآن على أربعة ، وذكر منهم ابن مسعود ) ، وقوله ( من احب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد ) ، ألا ترى أن السليقة العربية لو كانت كافية لما كان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم من معنى ، حاشاه من ذلك .
إنَّ مثل هذه الأحاديث تدعوك من قريب إلا أنَّ الأداء يُتلقَّى حتى في جيل العرب الأقحاح الذين نزل عليهم القرآن .
************
قولك :(الثاني : أن الناس تتفاوت في المخارج ولا يعاب عليهم التفاوت بخلاف إبدال الحروف ولهذا ورد في سنن أبي داود عن جابر رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والأعجمي فقال اقرؤوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه )والحديث صححه الألباني (1\220) .
قلت : وترى الناس الآن يتفاوتون في نطق الحرف ولا يعاب عليهم في قرائتهم ، انظر مثلاً إلى تفاوت الثبيتي وعلي جابر في نطق الجيم ، بإشباعها للأول وعكسه للآخر ، كما يتفاوتون في الصفير ولا يعاب عليهم
انظر إلى قراءة الشريم مثلاً للسين والصاد وعكسها للسديس وغير ذلك من التفاوت الذي لا يضير القاريء ولا يقلب الحرف إلى الآخر )

أقول : من الذي له حقُّ أن يعيب ، الناس أم العارفون بالقراءة ؟
وهل سألت أهل القراءة فذكروا لك صحة قراءة من ذكرت ، حتى تقول إنه لا يعاب عليهم ؟
فالجيم التي ينطق بها الثبيتي ـ مثلاً ـ جيمٌ عربية معروفة ، وهي موجودة في بعض قبائل العرب إلى اليوم من قبائل الطائف والجنوب ، وهي قريبة مما ينطق به بعض أهل الشام ، وهذه الجيم لا تقلب مبنى الحرف ، بخلاف ما لو قرأها بلهجة أهل اليمن ( قِيم ) ، وهذه أيضًا عربية مذكورة في كتب اللهجات ، لكن هل تجيز القراءة بها بناءً على رأيك ؟
وأما استدلالك بالحديث فإن له وجهًا يُخرَّج على الحديث الآخر ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأه وهو عليه شاق فله أجران ... ) ، فالأعجمي ، وكذا العربي الذي لا يستطيع تحسين تلاوته لا يؤاخذ بهذا ، ولا يعاب عليه ، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، فيكون ممن شقَّ عليه القرآن .
************
قولك :(الثالث : أنه لو لزم الناس النطق بالقرآن مجوداً للزمهم النطق بالعربية مجوداً في خطاباتهم وكلامهم العربي وهذا لم يقله أحد ، وهذه القاعدة تخرج التجويد من كونه قاعدةً للنق إلى كونه علماً لتحسين الصوت وهذا مفاد كلام شيخنا ابن عثيمين حيث قال : (( لا أرى وجوب الالتزام بأحكام التجويد التي فصلت بكتب التجويد ، وإنما أرى أنها من باب تحسين القراءة ، وباب التحسين غير باب الإلزام ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كانت مداً قرأ : بسم الله الرحمن الرحيم . يمد ببسم الله ، ويمد بالرحمن ، ويمد بالرحيم .
والمد هنا طبيعي لا يحتاج إلى تعمده والنص عليه هنا يدل على أنه فوق الطبيعي ، ولو قيل : بأن العلم بأحكام التجويد المفصلة في كتب التجويد واجب للزم تأثيم أكثر المسلمين اليوم ، ولقلنا لمن أراد التحدث باللغة الفصحى : طبق أحكام التجويد في نطقك بالحديث ، وكتب أهل العلم ، وتعليمك ، ومواعظك ، وليعلم أن القول بالوجوب يحتاج إلى دليل تبرأ به الذمة أمام الله عز وجل في إلزام عباده بما لا دليل على إلزامهم به من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع المسلمين وقد ذكر شيخنا عبد الرحمن بن سعدي في جواب له أن التجويد حسب القواعد المفصلة في كتب التجويد غير واجب )

في هذا الكلام أمور :
الأول : إنك ما زلت تدندن على وجوب التجويد ، وأنا لا أرى وجوبه ، فأخرج عن هذا إلى :
الثاني : وهو أن من قال بالتجويد لم يقل بأن كلام العرب كان موجوَّدًا كتجويد القرآن ، ومن زعم هذا فقد أخطأ ، وليس عنده في هذا دليل ، فهذه الكتب التي حكت لغة العرب ونحوها ليس فيها ما يدلُّ على هذا القدر الزائد عند القراء .
والمقصود أنه ليس هناك تلازم بين القول بالتجويد في القراءة والقول بالتجويد في الكلام المعتاد أبدًا .
وما دمت ذكرت التلازم بين الكلام العربي والتجويد ، فأرجو أن تستقرئ أول كتاب في النحو ( الكتاب ) لسيبويه ، وسطِّر ما يمرُّ عليك مما له علاقة بالقراءة ، فالكتاب كتاب نحو يبيِّن منطق العرب وأدائها في لغتها ، وإنك ستجد كثيرًا من المباحث التجويدية من جهة العربية فحسب :
ستجد المدَّ والإدغام ( يشمل أحكام النون وغيرها ) والمخارج ، والصفات ، والروم والإشمام والسكون المحض ، وغيرها .
وإذا قرأتها فليس لك في فهما سوى التصوُّر ، ولا يمكنك أن تطبِّق شيئًا منها ، وتقول هكذا تنطق العرب إلا في بعضها .
ولو قلت لك : ذكر سيبويه في باب الروم والإشمام أن الروم يقع في المفتوح ، كيف يُنطق هذا ؟
فالجواب : لا أنا ولا أنت نعرف كيفية النطق ، إذ ليس عندنا إسناد متصل إلى العرب بالمشافهة في هذه الحيثية .
لكن لو قلت لمقرئٍ : كيف نقرأ بالروم في لفظ ( تأمنَّا ) لقرأ لك به ، ولما أعياه ذلك ؛ لأنه أخذه مشافهة عن شيخه ، عن شيوخه ، يوصلون ذلك إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم .
والذي أريده هنا :
ـ أنَّ كثيرًا من أمور التجويد عربية الأصل ، قد ذكرها النحاة واللغويون في كتبهم ، وعنهم نقل متأخرو المجودين كمكي بن أبي طالب في كتابه الرعاية ، والداني في كتابه التحديد في الإتقان والتجويد ومن جاء بعدهم ممن أصل هذا العلم بالتدوين .
ـ وأن القراء فَاقُوا أهل العربية فيها بالتلقي والمشافهة ، فما تراهم توافقوا فيه ـ وذلك أمر لابدَّ منه لأن القرآن عربي ـ فإنه لا يمكنك تلقيه منطقًا وقراءة إلا من طريق القراء الذي اعتمدوا المشافهة .
************
(ولتكن دائرة الحوار مبسوطة حول التجويد بمعناه الاصطلاحي الشامل للإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب وإخراج الحروف من مواضعها والمد والروم والقلب والإشمام وغيرها
من الأحكام المبسوطة ،وأعني بذلك إخراج مفهوم التجويد اللغوي الذي هو بمعنى تحسين القراءة فهذا لا إشكال في الاتفاق عليه للأمر به في أحاديث كثيرة ، ولهذا عنونت للموضوع ب ( بمفهومه المعاصر ) .
فالخلاف يدور حول مدد المد ، ومقدار الغنة والإقلاب ، والقلقلة ، ومايحصل به الإظهار من الحلق لحروفه ، والإشمام ، فهل دل عليها من السنة النبوية دليل واحد ؟)

أقول : سبق أن طرحت ذلك ، وبيَّنت أن أصول هذه المسائل عربية ، وأنَّ المقدار الزائد الذي ذكره علماء التجويد مأخوذ بالتلقي ، لكن اختلافهم في عدد الحركات ذلك ما يقع فيه الاجتهاد .
وإذا كانت قراءة هؤلاء ليست من سنن النبي ، فمن أين جاءوا بها يا تُرى ؟!
وكيف استطاعوا أن يُلبسوها الشرعية طوال هذه القرون ، وتستمرَّ القراءة بها جيلاً بعد جيل ؟!
أرجو أن تفرِّق بين الأصل وتقدير القدر الزائد ، فأنا أرى أن الأصل لا يصلح الخلاف فيه ، وإنما الخلاف في تقدير القدر الزائد ، وأرجو منك أن تقرأ كلام ابن الجزري في كتابه النشر عند حديثه عن المد المتصل ، فقد أبان عن أن الاتفاق على المد كائن ، وأن الاختلاف في مقادير المدِّ ، فالمد المتصل من حيث العموم يبدأ بثلاث حركات ، وينتهي عند ست حركات ، ولم يُذكر عن أحد من القراء انه مدَّ أكثر من ست حركات .
فهذه الحركات الثلاث أصلٌ لم يقع فيه اختلاف بين جميع القراء ، وإنما وقع الخلاف في الزيادة عليه ، فمن مد أربعًا أو خمسًا أو ستًّا ، فقد مرَّ بالحركات الثلاث لا محالة .

وأخيرًا أقول :
1 ـ إن تنطع بعض المتنطعين في التجويد ، وتشديدهم في تعليمه ليس حجة في عدم العمل به .
2 ـ إن من حكم بإجماع الأمة على الوجوب يحتجُّ له ولا يُحتجُّ به ، وليس كل من قال بقول كان حجة على غيره .
3 ـ إن النقل الذي ذكرته عن القرطبي قد ذكر آفات في القراءة يستنكرها المحققون من المجودين ، وقد ألَّفوا في ذلك في كتبهم .
4 ـ إن اتخاذ بعض القراء قراءة القرآن في المحافل والمآتم ، وتصنع التطريب والقراءة بالألحان ليس حجة في ردَّ التجويد ، وهم ممن قام بعمل منكر عند المجودين ، ولا يُحسب عمله عليهم .
5 ـ من قال بأنه لم ينطق الضاد صحيحة إلا النبي صلى الله عليه وسلم وعمر ، فهذا من الأقوال الغريبة التي لا يقبلها العقل ، ولا يدل عليها النقل ، فمن ذا الذي يزعم انه سمعهما أو سمع من سمعهما ثم تواصل سنده بهذا .
6 ـ الخلاف في إبدال ضاد الضالين بالظاء فيه كلام مفصَّل لأهل المذاهب الفقهية ، ولهم اختلاف بإبطال الصلاة بهذا اللحن ومثله ، وذلك مبسوط في كتب الخلافات الفقهية ، وارجع إلى مثل كتب الأحناف تجدهم من أوسع من تعرض لهذه المسائل ، وفي الأمر سعة في ذلك .
لكن يُعذر من حكم باللحن على من قرأ الضالين بالظاء بأنه غيَّر مبنى الكلمة ، فصارت من الظِّل لا من الضلال ، وهذا الوجه الذي ذهب إليه معتبر عند بعض فقهاء المذاهب ، فلا تستغرب أن يلاحظ على بعض أئمتنا مثل ذلك عند هؤلاء ، إذ إنهم قد يقرءون الضاد ظاءً .
7 ـ ما ذكره القرطبي من تخريج حديث عبد الله بن مغفل في قراءة سورة الفتح فيه نظر ، قال القرطبي : ((فإن قيل فقد روى عبد الله بن مغفل قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له سورة الفتح على راحلته فرجع في قراءته وذكره البخاري وقال في صفة الترجيع آء آء آء ثلاث مرات قلنا ذلك محمول على إشباع المد في موضعه ويحتمل أن يكون حكاية صوته عند هز الراحلة كما يعتري رافع صوته إذا كان راكبا من انضغاط صوته وتقطيعه لأجل هز المركوب وإذا احتمل هذا فلا حجة فيه )) .
وأصوب منه في نظري ما قاله ابن القيم في زاد المعاد ( 1 : 384 ـ 385 ): (( ... وكان يتغنى به ويرجع صوته به أحيانا ، كما رجع يوم الفتح في قراءته (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) .
وحكى عبد الله بن مغفل ترجيعه آآآثلاث مرات ذكره البخاري .
وإذا جمعت هذه الأحاديث إلى قوله : (زينوا القرآن بأصواتكم ) ، وقوله : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) ، وقوله : ( ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ) عَلِمْتَ أن هذا الترجيع منه كان اختيارا لا اضطرارا لِهَزِّ الناقة له ، فإن هذا لو كان لأجل هَزِّ الناقة لما كان داخلا تحت الاختيار ، فلم يكن عبد الله بن مغفل يحكيه ويفعله اختيارًا ليؤتسى به ، وهو يرى هَزَّ الراحلة له حتى ينقطع صوته ، ثم يقول : كان يُرَجِّع في قراءته ، فنسب الترجيع إلى فعله ، ولو كان من هَزِّ الراحلة لم يكن منه فِعْلٌ يُسمى ترجيعا )) .
وبعد هذا أرجو أن يكون في ذلك مقنع لمن تأمله ، وأسأل الله أن يوفقني وإياك للصواب والسداد ، والله الموفق .
 
أولاً : أحب أن أرحب بالأخ الكريم عبدالله الميمان مع إخوانه في ملتقى أهل التفسير ، وأسأل الله له التوفيق على مشاركاته التي تنادي على ما ورائها من العلم والأدب ، زاده الله من فضله.
ثانياً : أشكر جميع من شارك في هذا النقاش العلمي الهادئ ، الذي نحرص عليه في هذا الملتقى العلمي الوقور. سواء حول هذه المسألة أو غيرها من مسائل الدراسات القرآنية ، التي لا يزال الكثير منها في حاجة إلى وقفات علمية عميقة ، يتبادل فيها الرأي من طلاب العلم من أمثالكم ، ممن له عناية بالدراسات القرآنية.
ثالثاً: هناك كتاب للشيخ أسامة ياسين كيلاني الحسني رحمه الله ، وهو أحد المقرئين المعاصرين (1382-1419هـ) وعنوانه :(هل التجويد واجب ؟)
وقد خلص فيه إلى وجوب التجويد ، وذكر ص121 -122 خلاصة أدلة وجوب التجويد ، وهي 25 دليلاً منها :
1- قوله تعالى :(ورتل القرآن ترتيلا).
2- قوله تعالى :(الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به).
3- قوله تعالى :(فاقرأوا ما تيسر من القرآن).
4- قوله تعالى :(إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه).
5- قوله تعالى :(وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم).
6- قوله تعالى :(ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي).
7- قوله تعالى :(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
8- قوله تعالى :(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً).
9- قوله تعالى :(من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه).
10- قوله تعالى :(وأوحي إليَّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ).
وغيرها من الأدلة .
ولا بد من مراجعة الكتاب لمعرفة وجه الاستدلال بهذه الأدلة التي ذكرت . فأرجو من الإخوة وفقهم الله ، مناقشة هذه الأدلة إن كان ثمة سعة من الوقت رغبة في الفائدة للجميع. وفقكم الله جميعاً لكل خير.
 
[align=justify]جزاكما الله خيراً ومن مر ، ولاشك أن النقاش الهاديء الهادف يثري الموضوع بالأدلة وبأقوال أهل العلم وأنا كذلك د.مساعد سررت بما سطره بنانك متعك الله به وجعله طريقاً إلى جنته ، كما أشكر فضيلة المشرف على ترحيبه الجم بأخيه وفقه الله ، وقبل أن أعيد النظر بما سبق لعلي ألخص ما أرى أن الحوار يدور حوله ، وحتى لا يخرج الموضوع إلى الدوران في الحلقة المفرغة ، ملخص ما عرضه الدكتور مساعد :
1- أن القراء لم يأتوا بالتجويد من أنفسهم بل بالنقل المتواتر عن النبي ثلى الله عليه وسلم .
2- أن التجويد مشروع في الجملة ، ولا يعني ذلك وجوبه ، وليس فس الأدلة ما يدل على الوجوب .
3- أن القراء هم أهل الاختصاص في فن التجويد ولا طول للفهاء في هذا الباب .
4- من قدح في التجويد فلايخلو من كونه ممن يجهلون التجويد ، أو ممن صار عندهم ردة فعل ممن يتشددون في التجويد فيقدح في أصله .
5- أن الأحاديث ( اقرأوا القرآن على اربعة ، وعلى قراءة ابن أم عبد ) تدل على أن الأداء يُتلقَّى حتى في جيل العرب الأقحاح الذين نزل عليهم القرآن .
ود.مساعد بسبقٍ حائزٌ تفضيلاً مستوجباً ثنائي الجميلا ، وأما ما سطره الكاتب غفر الله له يتمثل فيما يلي :
1-أن التجويد في الجملة هو تحسين القراءة وعدم الخروج بالقراءة عن اللفظ العربي الفصيح .
2- أن عددأ من أحكام التجويد التفصيلية ليس عليها دليل من النقل كالقلقلة والغنة والإشمام ومقاديرها مع مقادير المدود .
3- النقل عن عدد من العلماء كالإمام محمد بن ابراهيم وابن سعدي وابن عثيمين عدم وجوب التجويد على هيئته الاصطلاحية المفصلة في كتب المجودة وأن التجويد أدخل فيه ما ليس منه .
4- نقل عدد من المبالغات مما ينقله بعض القراء غفر الله لهم من التشديد في تطبيق التجويد .
وقبل أن أعود إلى أصل المسألة أريد أن أبين للإخوة القراء أنني لم أتجرأ في الكتابة في هذه المسألة لعظم كتاب الله - خاصةً وأن عدداً من القراء نقل الإجماع على وجوب التجويد كابن الجزري والحداد - إلا لما وجدت كلام شيخ الإسلام وابن القيم حول المسألة والذي نقلته أعلاه ونقلت مثله قول الإمام محمد بن إبراهيم وقول شيخنا ابن عثيمين غفر الله له .
وأعود للحوار ..منبهاً أن دائرة الخلاف ليست حول مشروعية تحسين القراءة ، ولا وجوب النطق بالحرف العربي السليم ، كذلك لم نختلف في أن القراء منهم من تشدد وغلا في تطبيق التجويد ، بل أرى - ولا أدري هل يوافقني الدكتور مساعد أم لا - أنني اتفق معه في نقاط كثيرة بل في الأصول والتي من أهمها أن التجويد مشروع بمعناه الذي هو تحسين القراءة ، وأن المبالغات من عدد من الغلاة من القراء جعلت التجويد مجلاً للنقد ، وأرى أن النقاش السابق يدور حول مآخذ الاستدلال ونوع تطبيقاتها لدى القراء خاصة في فروع التجويد الدقيقة .
ولي وقفات مع الموضوع :
الأولى : قولك أخي الكريم د.مساعد [color=FF0033]((أولاً : لنبتعد عن قضية الوجوب ، فليس عليها ما يدلُّ من جهة الأدلة )) ، و((الأول : إنك ما زلت تدندن على وجوب التجويد ، وأنا لا أرى وجوبه ))[/color]فأقول : الكلام يدور حول ما سطره علماء التجويد عن وجوبه ، وهو أيضاً ما استفدته مما كتبت أخي الفاضل بقولك : [color=FF0033]((ومن زعم أنه لا يجب الأخذ بالتجويد ، وان العربي في هذا العصر يجوز له القراءة على سليقته العربية ، فإنه يشبه من سيزعم أنه لا يلزم الناس تعلم النحو ، وأنهم عرب ، فيجوز لهم أن يتكلموا بسليقتهم ))[/color]وفي الجملة مما فهمته من كتب أهل الفن أن الأغلب يرى الوجوب .
ثم في نظري لو سلمنا تواتر نقل التجويد - بفروعه - بالنقل المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لما صح إلا القول بوجوب التجويد ، فالذي تواتر نقله عن القراء هو الأصول والاختلاف بين القراءات وطريقة نطق الحروف ؛ وليس كافة فروع التجويد ، وهذا بالطبع ذكره الدكتور مساعد وفقه الله ضمناً حين ذكره

الثانية : قولك أخي الكريم : [color=FF0033](( من أين جاء القراء بهذه الأمور ؟
أمن عند أنفسهم ؟
أم تلقوها ؟
إن كانت من عند أنفسهم ، فأين إثبات ذلك ؟
وإن كانوا تلقوها ، وهذا هو الحاصل ، فالأولى اتباعهم في ذلك ، فهم قد نقلوا حروفه وأداءه .
فإن ثبت في شيء من الأداء اجتهاد مجتهدٍ فهنا يقع الجدل ، ويكون الأمر غير مسلم للمجودين))[/color] قد ينقلب فيصير إذا كانوا أتوا بها تلقياً فأين إثبات ذلك ؟ فالمثبت هو المطالب بالدليل لا النافي ، وهل هناك نقل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قلقل الحروف وأشم النطق في (محيط ) ورامه في ( نستعين )
أو أنها أدخلت على التجويد وأخذ صناعةً كما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم ؟

الثالثة : هي قول الدكتور أبا سليمان : [color=FF0033]((( اقرءوا القرآن على أربعة ، وذكر منهم ابن مسعود ) ، وقوله ( من احب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد ) ، ألا ترى أن السليقة العربية لو كانت كافية لما كان لقول الرسول صلى الله عليه وسلم من معنى ، حاشاه من ذلك .
إنَّ مثل هذه الأحاديث تدعوك من قريب إلا أنَّ الأداء يُتلقَّى حتى في جيل العرب الأقحاح الذين نزل عليهم القرآن))[/color] أخي الكريم لم ولا أشك طرفة عين أن القرآن يتلقى أداءً لا صحافةً ، والحوار يدور حول المؤدي هل هو سليم الأداء أم لا ؟
وأما الاستدلال بقول النبي صلى الله عليه وسلم من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما نزل .. الحديث فيه أمور : أولها أن الغضاضة هي قراءة ابن مسعود للقرآن حرفاً حرفاً مبينة كما قال البخاري وهذا يدل أن ابن مسعود كان يقيم حروف القرآن وينطقه نطقاً عربياً صحيحاً وهذا يشمل أداءه كما نزل ولا يشمل فقط تحسين القراءة فهو أعم من مفهوم تجويد ابن مسعود للقرآن على المعنى الاصطلاحي للقراء .

الرابعة : مع قوله صلى الله عليه وسلم : ((اقرأوا فكل حسن )) والتعليق عليه بقولك أخي الكريم : [color=FF0033](( وأما استدلالك بالحديث فإن له وجهًا يُخرَّج على الحديث الآخر ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأه وهو عليه شاق فله أجران ... ) ، فالأعجمي ، وكذا العربي الذي لا يستطيع تحسين تلاوته لا يؤاخذ بهذا ، ولا يعاب عليه ، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها ، فيكون ممن شقَّ عليه القرآن ))[/color]وفي نظري أن حمل قوله صلى الله عليه وسلم على حديث الماهر بالقرآن يترق إليه احتمال آخر وهو أن الحسن في اللغة يشمل كل ما هو جيد وغير قبيح ، بخلاف المعنى الذي تدل عليه المشقة والتعتعة ، ولاشك أن من الأعاجم من يقرؤه حاذقاً لقرائته ومع ذلك ليست مخارجه كمخارج العربي القح ومع ذلك أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الجميع وقال كل حسن.

وفي الختام أحمد الله تعالى ، ثم أثني بالشكر على الدكتور الفاضل مساعد بن سليمان الطيار الذي أثرى بحواره هذا الموضوع وفقه الله وسدد خطاه . [/align]
 
جزاكم ربي خير الجزاء فأكملوا الموضوع بنفس النهج العلمي والكلمات المهذبة
فما زلنا نستفيد ونتمتع ...
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : أيها الإخوة الفضلاء أرى أنه يجب على طالب العلم أن يأخذ كل علم من أهله الذين عرفوا به وقضوا الأعمار في تحرير مسائله وحل إشكالاته والتصنيف فيه وتعليمه ، ولقد حصل لغط كبير في فترة مضت ولايزال الإشكال قائماً لدى بعض الناس مع اتضاح الأمر لدى التحقيق وأخذ العلم من مظانه وأهله وهذا من الأهمية بمكان مكين.......
أولاً : قال ابن الجزري رحمه الله في المقدمة : ((مُكَمَّلاً من غير ما تكلفِ * باللطف في النطق بلا تعسف)) ينظر كلام الملا القاري في شرحه على الجزرية (المِنَح الفكرية) ص : 21 ومابعدها ، فهو نفيس جداً ، وعليه فلا يخفى أن علماء التجويد قد قرروا هذا الأصل الأصيل في كتبهم وإقرائهم وأما تجاوزات بعض من ينتسبون إليهم فلا تنسب إلى التجويد وعلماء القراءات بل إلى أصحابه كما لايخفى .....
ثانياً :أن مصدر القراءة الرواية قال تعالى : (فإذا قرأناه فاتبع قرءانه) وعلم التجويد هو وصف للرواية فحسب كما نص عليه غير واحد ممن صنف في التجويد والقراءات شأنه شأن سائر العلوم التي تعتمد السماع والرواية كالنحو والصرف والبلاغة بعلومها الثلاثة والعروض والقافية ونحو ذلك فليست بعلوم مخترعة بل هي تقعيد وتأصيل لعلوم كانت تنطق بها العرب بمقتضى سليقتها العربية وفطرتها السوية.......
ثالثاً : يقرأ في ذلك كتاب (سنن القراء ومناهج المجودين) للشيخ الدكتور/ عبدالعزيز القارئ حفظه الله فإن سبب تصنيف هذا الكتاب ماتردد على لسان وقلم بعض المعاصرين من هجوم على علم التجويد والطعن فيه من رجل أكاديمي لكنه غير مشتغل بهذا الفن لا من قريب ولا من بعيد فكان لزاماً على الشيخ وأمثاله أن يخرسوا مثل هؤلاء الأدعياء الذين يتكلمون فيما لا يحسنون ويقولون ما لا يعلمون (ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب)!!
رابعاً : حدثني الشيخ الدكتور القارئ بنفسه شفاهاً أنه جمعه بالشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله رحمة واسعة مجلس بالمدينة النبوية حيث كان الشيخ في أواخر عمره يتردد إليها بين الفينة والأخرى وفيه جمع من طلبة العلم والمشايخ.....قال فسئل الشيخ رحمه الله عن فتوى نسبت إليه في شأن التجويد وطار بها الناس كل مطار فأحال الجواب علي - الكلام للشيخ القارئ - قال فاهتبلت الفرصة وبينت المسألة وفصلتها على خلاف ماأفتى به الشيخ وبعد أن أنهيت الكلام فيها قال الشيخ محمد رحمه الله : خذوا من الشيخ فهو أعرف مني بهذا....
ولكم أن تسألوا الشيخ القارئ عن هذا ، وفي هذا مالايخفى على ذي لب ولايحتاج معه إلى كثير كلام !!
والله ولي التوفيق والسداد وللجميع مني خير تحية وسلام،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
 
حدثني الشيخ الدكتور القارئ بنفسه شفاهاً أنه جمعه بالشيخ العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمه الله رحمة واسعة مجلس بالمدينة النبوية حيث كان الشيخ في أواخر عمره يتردد إليها بين الفينة والأخرى وفيه جمع من طلبة العلم والمشايخ.....قال فسئل الشيخ رحمه الله عن فتوى نسبت إليه في شأن التجويد وطار بها الناس كل مطار فأحال الجواب علي - الكلام للشيخ القارئ - قال فاهتبلت الفرصة وبينت المسألة وفصلتها على خلاف ماأفتى به الشيخ وبعد أن أنهيت الكلام فيها قال الشيخ محمد رحمه الله : خذوا من الشيخ فهو أعرف مني بهذا....

رحم الله لشيخ ابن عثيمين ...

هكذا هي أخلاق لعلماء
 
عودة
أعلى