مساعد الطيار
مستشار
- إنضم
- 15/04/2003
- المشاركات
- 1,698
- مستوى التفاعل
- 5
- النقاط
- 38
بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا الصباح (السبت 2/3/1424) كنت أود أن أُتحف هذا الملتقى الرائع بموضوع ، فتذكرت كلامًا كنت علَّقته على موضوع الإسرائيليات أثناء شرحي لرسالة شيخ الإسلام في أصول التفسير ـ أسأل الله أن ييسر طباعتها ـ فرأيت أن أنقل لكم ما شرحت به كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. ولما نظرت إليه وجدته طويلاً جدَّا ، فأعتذر لكم سلفاً عن هذا الطول الذي قد ينسي آخرُهُ أولَه في مثل صفحات ملتقى أهل التفسير على الإنترنت.
وأفيدكم أني قد وجدت ما كتبه الأخ الفاضل أبو بيان زاده الله بيانًا [هنا]، فأعجبني طرحه ، إذ الموافقة بين ما سأطرحه وما طرحه متمثلة في شيء كثير ، والحمد لله على مثل هذه المواطآت العلمية التي تريح الباحث حينما يجد أن غيره ـ بلا مواطأة واتفاق مسبق ـ قد توصل إلى ما توصل إليه هو.
كما أشكر الأخ الفاضل أحمد البريدي الذي طرح سؤالاً في سلسلته في هذا الملتقى ( مشكل التفسير ) حول أثر ابن عباس في النهي عن سؤال أهل الكتاب ، وقد وعدته بالإجابة على هذا الأثر أثناء لقاء تمَّ بيننا ، كما أنَّ في حديثي هذا إجابة أخرى عنه .
وهذا أوان الشروع في الحديث عن الإسرائيليات ، وهو مجتزءٌ من حديثٍ قبله .
.......
أولاً : أن بعض أخبار بني إسرائيل منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحًا ، ولا ريب في قبول هذه الأخبار ، حتى لو كانت فيما لا يقوم عليه علم أو عمل ، كاسم صاحب موسى أنه الخَضِرُ .
ثانياً: أنَّ أخبار بني إسرائيل على ثلاثة أحوال :
- أحدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .
- والثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه . والضابط في القبول والردِّ في هذا هو الشرع ، فما كان موافقًا قُبِلَ ، وما كان مخالفًا لم يُقبل.
ويدل لذلك أمثلة ، منها ما رواه الطبري ( ت : 310 ) عن سعيد بن المسيب ، قال : قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود : أين جهنم ؟
فقال : البحر .
فقال : ما أراه إلا صادقًا ، ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) ، (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) مخففة « [تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 27 : 18 )]. فصدَّقه أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه ؛ لوجود ما يشهد له من القرآن .
وما رواه البخاري ( ت : 256 ) ، قال : وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار ، فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب . صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
وقد يقع الردُّ من بعض الناس لبعض الإسرائيليات بدعوى مخالفة الشرع ، ولا يكون ذلك صحيحًا في الحقيقة ؛ لأنَّ ما ينسبه إلى الشرع قد لا يكون صحيحًا ، بل هو رأي عقلي محضٌ وقع فيه شبه عنده أنه من الشرع ، ويظهر ذلك جليًا فيما يتعلق بعصمة الأنبياء ، إذ معرفة حدود هذه العصمة قد دخله التخريج العقلي ، والتأويل المنحرف بدعوى تنْزيه الأنبياء ، فظهر بذلك مخالفة ظاهر القرآن .
- والثالث : ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذبه .
ويلاحظ في هذا القسم أنه تجوز حكايته ، وعلى هذا عمل السلف في التفسير وغيره ، ولم يقع النكير على هذا بينهم إلا بسبب الإكثار من الرجوع إليهم ، أو بسبب تصديقهم فيما يقولون. كما يلاحظ أنَّ غالب هذا القسم مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني .
وهذه الأخبار قد تكون منقولة عن الصحابة ، وما كان كذلك فالنفس إليه أسكن ، وقد تكون منقولة عن التابعين ، وهذا النقل أقل في القبول من المنقول عن الصحابي لاعتبارات ، منها :
1 ـ أنَّ المنقول عن الصحابة أقل من المنقول عن التابعين .
2 ـ احتمال أن يكون رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عمن أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
3 ـ أن جزم الصحابي بما يقوله لا يتصور معه أنه نقله عن بني إسرائيل .
ويلاحظ هنا أنَّ ضابط العقل أو الغرابة ليس مما يُتفقُ عليه .
ففي تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب : 69 ، ورد الخبر الآتي :
إن موسى كان رجلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا ، لا يُرَى من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا : ما يستَتِر هذا التستر إلا من عيب بجلده : إما برصٌ ، وإما أُدْرَةٌ ، وإما آفةٌ .
وإن الله أراد أن يُبَرِّئه مما قالوا لموسى ، فَخَلا يومًا وحده ، فوضع ثيابه على الحجر ، ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عَدَا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه ، وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فرأوه عُرْيانا أحسن ما خلق الله ، وأبرأه مما يقولون .
وقام الحجر ، فأخذ ثوبه ، فلبسه ، وطَفِقَ بالحجر ضربًا بعصاه ، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا ، فذلك قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب : 69 .
فهذا الخبر لا تخفى غرابته ، وقد لا يحتمل العقل تصديقه ، لكن إذا علِمت أنه خبر صحيح مرويٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري ( ت : 256 ) وغيره = سلَّمت لذلك الخبر ، وأدركت أنه خبر حقيقي واقع ، مع ما فيه من الغرابة .
وليس يعني هذا أن يُقبل كل خبرٍ مع ما فيه من الغرابة ، لكن المراد أنَّ الغرابة ليست ضابطًا كافيًا في ردِّ مثل هذه الأخبار ، والله أعلم .
ومن الأمور التي يحسن التنبه لها أنَّ رواية السلف للإسرائيلية ـ خصوصًا الصحابة ـ لا يعني قبول ما فيها من التفاصيل ، ومرادهم بها بيان مجمل ما ورد في القرآن بمجل ما ذُكِرَ في القصة ، دون أن يلزم ذكرهم لها إيمانهم بهذه التفاصيل التي تحتاج في نقلها إلى سند صحيح ، وذلك عزيز جدًّا فيما يرويه بنو إسرائيل في كتبهم
وقد ورد عنهم أنهم يميزون كذبها ويعرفونه ، ولا يصدقون كل ما يُروى لهم من الإسرائيليات ، وإن كان الذي يذكرها لهم محله الصدق عندهم ، ومن ذلك ما ورد في خبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان .
قال البخاري ( ت : 256 ) : وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار ، فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
قال ابن حجر : » وقال ابن حبان في كتاب الثقات : أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به ، ولم يُرِدْ أنه كان كذابًا .
وقال غيره : الضمير في قوله لنبلو عليه للكتاب لا لكعب ، وإنما يقع في كتابهم الكذب ؛ لكونهم بدَّلوه وحرَّفوه .
وقال عياض : يصح عوده على الكتاب ، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه ، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده ؛ إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد ، بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب .
وقال ابن الجوزي : المعنى : إن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبًا ، لا أنه يتعمد الكذب ، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار «[ فتح الباري ( 13 : 335 )]
بعض الأمور التي تتعلق بالإسرائليات:
إن من يستقري الإسرائيليات التي وردت عن السلف ، سيجد الأمور الآتية :
1 ـ أنها أخبار لا يبنى عليها أحكام عملية .
2 ـ أنه لم يرد عن السلف أنهم اعتمدوا حكمًا شرعيًا مأخوذًا من روايات بني إسرائيل .
3 ـ أنه لا يلزم اعتقاد صحتها ، بل هي مجرد خبر .
4 ـ أنَّ فيها ما لم يثبت عن الصحابة ، بل عن من دونهم .
5 ـ أن تعليق الأمر في بعض الإسرائيليات على أنه لا يقبلها العقل أمر نسبي ، فما تراه أنت مخالف للعقل ، قد يراه غيرك موافق للعقل .
6 ـ أن الكثرة الكاثرة في هذه الإسرائيليات لا يوضح أمرا يتعلق بالتفسير بل يكون التفسير واضحا بدونها وقد يكون معلوما من حيث الجملة والإسرائيلية لاتفيد فيه زيادة ولا قيد .
7 ـ أن هذه الإسرائيليات من قبيل التفسير بالرأي .
إن كون الإسرائيليات مصدرًا يستفيد منه المفسر في حال بيان معنى كلام الله لا يعني أن تقبلَ كلَّ ما يُفسَّر به هذا من طريق هذا المصدر ، فهذه الإسرائيليات كالتفسير باللغة ، وليس كل ما فسِّر به من جهة اللغة يكون صحيحًا ، وكذلك الحال هنا .
ولما كان التفسير بالرأي قد يقع في ربط آية بآية ، وربط حديث بآية ، فكذلك يقع بربط قصة إسرائيلية بآية ، مع ملاحظة الفرق بين هذه المصادر من جهة قوة الاعتماد عليه ، والوثوق به من حيث هو ، لا من حيث الربط الذي يكون بالاجتهاد ، والاجتهاد قد لا يصح ولو كان من باب تفسير آية بآية .
وإذا كان المراد بالتفسير بيان المعنى ، فاعتبر الإسرائيلية مثالاً في التفسير لبيان المعنى ، وليست حاكمة على النص القرآني ، ولا قاطعةً بهذا المعنى دون غيره من المعاني المحتملة ، ولست ملزمًا بقبولها .
ولاحظ أن بعض الآية التي فُسِّرت بالإسرائيليات معروفة المعنى على جهة الإجمال ، والمراد بها واضح لا لبس فيه ، لكن يقع المراد بتعيين هذا المجمل ، هل هو ما جاء في القصة الإسرائيلية ، أو هو غير ذلك .
وإذا جعلت نظرك إلى أصل القصة دون تفاصيلها التي لا يمكن أن تضبط من طريق الإسرائيليات ، واعتبرت هذا الجزء الجملي فيها ، وجعلته مما يوضح معنى الآية ، كما يمكن أن توضحه بأي قصة أخرى ترد عليك ، فإنك تسلم من إشكالية القول بالاعتماد على الإسرائيليات ، وإني لأرجو أن يكون هذا هو منهج السلف في هذه الإسرائيليات ، وأنهم يستشهدون بها ، ولا يعتمدون عليها ، والله أعلم .
ولأضرب لك مثالاً يُحتذى ، وهو ما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) [ص : 34 ].
قال ابن كثير : » قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم يعني شيطانا ثم أناب أي رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته قال ابن جرير وكان اسم ذلك الشيطان صخرا قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وقيل آصف قاله مجاهد وقيل صرد قاله مجاهد أيضا وقيل حقيق قاله السدي وقد ذكروا القصة مبسوطة ومختصرة « . تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 35
ثم ذكر القصة عن بعض السلف ، ثم قال : » وأرى هذه كلها من الإسرائيليات ، ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالوا حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (وألقينا علىكرسيه جسدا ثم أناب) قال أراد سليمان عليه الصلاة والسلام أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها هاتي خاتمي فأعطته إياه فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها هاتي خاتمي قالت قد أعطيته سليمان قال أنا سليمان قالت كذبت ما انت بسليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له أنا سليمان إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة فلما / رأى ذلك سليمان عرف أنه من أمر الله عز وجل قال وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله تبارك وتعالى أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان قال فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن تنكرن من سليمان شيئا قلن نعم إنه يأتينا ونحن نحيض وما كان يأتينا قبل ذلك فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس وقالوا بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم فأكفر الناس سليمان عليه الصلاة والسلام فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته وكان سليمان عليه السلام يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان عليه الصلاة والسلام فقال تحمل لي هذا السمك فقال نعم قال بكم قال بسمكة من هذا السمك قال فحمل سليمان عليه الصلاة والسلام السمك ثم انطلق به إلى منزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان عليه الصلاة والسلام فشق بطنها فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه قال فلما لبسه دانت له الجن والانس والشياطين وعاد إلى حاله وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه وكان شيطانا مريدا فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوما نائما فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماط مع الرصاص قال فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله تبارك وتعالى ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم أناب يعني الشيطان الذي كان سلط عليه .
إسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قوي ، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما ـ إن صح عنه ـ من أهل الكتاب ، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام ، فالظاهر أنهم يكذبون عليه [إن كذب اليهود على أنبياء الله أمر ظاهر لمن قرأ أسفارهم ، وهم يتعمَّدون الحطَّ من مقام الأنبياء ليسلم لهم ما يرتكبونه من الذنوب ، وكأنهم يريدون أن يقولوا : إن هذا مما لم يسلم منه الأنبياء فضلا عمن هو دونهم . ومن العجيب من أخبارهم أنهم يصفون داود بالملك دون النبي ، وهم يتجاهلون وصفه بالنبوة عن قصد ؛ إما لأن زمنه هو الزمن الذي عزَّ فيه اليهود ، وصاروا ذوي شأن وبسطة ، وإما لأن يجعلوا ما يصفونه به زورًا وبهتانًا محطًّا لهم في الاقتداء به متى شاءوا ، أو تركه متى شاءوا ؛ لأنه ليس بنبي .
هذا ، ومفهوم النبوة وما يتعلق بها من الأوصاف التي كانوا يطلقونها على بعض الأنبياء ـ كالكاهن وغيره ـ مما يحتاج إلى بحث لمعرفة أثر هذا المفهوم على اعتقادهم وعملهم]
ولهذا كان في هذا السياق منكرات من أشدها ذكر النساء ، فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان ، بل عصمهن الله عز وجل من تشريفا وتكريما لنبيه عليه السلام .
وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف رضي الله عنه كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب « .تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 36تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 37
وقد أورد البخاري في ترجمة سليمان عليه السلام من أخبار الأنبياء في صحيحه تفسير الجسد بالشيطان ، وأورد أيضًا الحديث الآتي :
حدثنا خالد بن مخلد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ؛ تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله .
فقال له صاحبه : إن شاء الله ، فلم يقل ، ولم تَحْمِل شيئًا إلا واحدًا ساقطًا أحد شقيه .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قالها لجاهدوا في سبيل الله .
قال شعيب وابن أبي الزناد تسعين ، وهو أصح « . صحيح البخاري ج: 3 ص: 1260
وقد حكى الثعلبي ( ت : 427 ) أنَّ بعض المفسرين جعل هذا الحديث تفسيرًا للجسد في الآية.[الكشف والبيان ( 8 : 206 ـ 207 )]
تحليل التفسير:
إنَّ أمامك في هذه الآية عددًا من الروايات الإسرائيلية الواردة عن السلف ، ومعها خبرٌ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والأمر هنا هو النظر في معنى الآية ، والمراد بالفتنة التي فتنها سليمان عليه السلام ، وليس النظر هنا إلى صحة الأخبار ، وإنما إلى صحة حمل هذه الأخبار على فتنة سليمان عليه السلام ، لبيان ما وقع فيه سليمان عليه السلام .
فأيهما أولى : التفسير بمجمل الروايات التي وردت عن السلف ، أو التفسير بهذا الحديث الوارد في أخبار سليمان عليه السلام ؟
إن حمل الآية على هذا أو ذاك من باب الرأي ، لكن أيهما أنسب في فهم الآية ، وسياقها ؟
إنَّ مجمل الأخبار التي حكاها المفسرون أنَّ الشيطان سُلِّط على سليمان عليه السلام ، وأنه بلغ من تسليطه أن سلبه ملكه ، وأنكره الناس ، حتى عاد إليه ملكه وانتقم من هذا الشيطان العاتي .
وعلى هذا المجمل وردة روايات المفسرين ، وهو قول الجمهور منهم ، حتى إنه لا يكاد يوجد خلاف بين السلف على هذا المجمل من القصة ، والسياق يشير إليه ، وذلك لأنه لما طلب المُلْكَ الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، كان منه تحكمه في الشياطين ، ولم يكن قبل فتنه معصومًا عن تسلطهم عليه .
وليس في هذا الأمر غرابة ؛ لأن الله يبتلي عباده بما يشاء ، ويبتلى الرجل على قدر دينه ، وكون الله قد قدَّر تسلط بعض الشياطين على الأنبياء ، فإن ذلك مما لا ينكره إلا من تجرَّد من قبول الأخبار ، إذ قد صح الخبر بلا نكير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سُحِرَ ، وكان سحره فيما يتعلق ببشريته دون نبوته ، وما السحر إلا تسلط من الشيطان ، وكان ذلك من البلاء الذي قدَّره الله على أفضل خلق صلى الله عليه وسلم ، ثمَّ نجَّاه منه .
فإذا كان هذا مستقرًا عنك بلا نكير ، ولم تكن ممن يرد الأخبار الصحاح التي وردت في مثل هذا المقام ، فمالذي يدعوك إلى إنكار أصل القصة التي وردت في فتنة سليمان ، وأنه كان فيها تسليط للشيطان عليه ، لكن ما مدى هذا التسليط ، وما التفاصيل التي حصلت ، فهذا مما لا يمكن إدراكه إلا بخبر معصوم ، والخبر المعصوم ليس موجودًا في هذه الروايات ، لذا كان انتقاد هذه التفاصيل دون أصلها .
أما ما رواه البخاري ( ت : 256 ) من خبر سليمان عليه السلام ، فلا يصلح أن يكون تفسيرًا للآية ، قال الطاهر بن عاشور ( ت : 1393 ) : » وليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك تأويل هذه الآية . ولا وضع البخاري ولا الترمذي الحديث في التفسير في كتابيهما .
قال جماعة : فذلك النصف من الإنسان هو الجسد الملقى على كرسيه ، جاءت به القابلة ، فألقته له وهو على كرسيه ، فالفتنة على هذا خيبة أمله ، ومخالفة ما أبلغه صاحبه .
وإطلاق الجسد على ذلك المولود ؛ إما لأنه وُلِدَ ميتًا ، كما هو ظاهر قوله : شق رجل ، وإما لأنه كان خلقه غير معتاد ، فكان مجرد جسد .
وهذا تفسير بعيدٌ ؛ لأن الخبر لم يقتض أن الشقَّ الذي ولدته المرأة كان حيًّا ، ولا أنه جلس على كرسي سليمان .
وتركيب هذه الآية على ذلك الخبر تكلُّف «.[التحرير والتنوير ( 23 : 260 )]
وبعد هذا ، لو لم يكن عندك خبر من أخبار بني إسرائيل ، ولا غيره من الآثار ، فهل يخفى عليك البيان الجملي ، والمعنى المراد بالآية ؟
لا أظنَّ أن ذلك يخفى عليك ، فأنت ستدرك المعنى والمراد دون الاعتماد على مرويات بني إسرائيل التي تتميز بذكر تفاصيل في القصة قد تزيد المعنى وضوحًا ، دون أن تكون أصلاً في فهم المعنى .
ويصعب الأمر في تفسير الآية حين لا يرد عن السلف إشارة إلى غير الإسرائيليات ، وفيها ما فيها من الغرابة والنكارة ، ومن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ % إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ % إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ % قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ % يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص : 21 ـ 26
قال ابن كثير ( ت : 774 ) : » قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات ، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديث لا يصح سنده ؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه.
ويزيد ، وإن كان من الصالحين ، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة ، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة ، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل ، فإن القرآن حق ، وما تضمن فهو حق أيضًا «.[تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، تحقيق : سامي السلامة ( 7 : 60 )]
ولم يتكلم ابن كثير ( ت : 774 ) على هذه الآيات ، ولا ذكر قصتها . وما ذلك إلا لكونها مشكلة عنده رحمه الله .
أما القصة ، فقد ذكرها غيره ، وهم كثير ، ومن رواياتها :
قال الطبري ( ت : 310 ) : » حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) قال : إن داود قال : يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله .
قال الله : إني ابتليتهم بما لم أبتلك به ، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به وأعطيتك كما أعطيتهم .
قال : نعم .
قال له : فاعمل حتى أرى بلاءك .
فكان ما شاء الله أن يكون ، وطال ذلك عليه ، فكاد أن ينساه ، فبينا هو في محرابه ، إذ وقعت عليه حمامة من ذهب ، فأراد أن يأخذها ، فطارت إلى كوة المحراب ، فذهب ليأخذها ، فطارت ، فاطَّلع من الكوة ، فرأى امرأة تغتسل ، فنَزل نبي الله من المحراب ، فأرسل إليها ، فجاءته ، فسألها عن زوجها وعن شأنها ، فأخبرته أن زوجها غائب ، فكتب إلى أمير تلك السرية : أن يؤمره على السرايا ؛ ليهلك زوجها ، ففعل ، فكان يصاب أصحابه وينجو ، وربما نُصروا ، وإن الله عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنقذه ، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسوَّر عليه الخصمان من قِبَلِ وجهه ، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت .
وقال : لقد استُضعفت في ملكي حتى إن الناس يستورون علي محرابي .
قالا له : لا تخف ، خصمان بغى بعضنا على بعض ، ولم يكن لنا بُدٌّ من أن نأتيك ، فاسمع منا .
قال أحدهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى ، ولي نعجة واحدة ، فقال : أكفلنيها ؛ يريد أن يُتَمِّمَ بها مئة ، ويتركني ليس لي شيء ، وعزني في الخطاب .
قال : إن دعوتُ ودعا كان أكثر ، وإن بطشتُ وبطش كان أشد مني ، فذلك قوله : (وعزني في الخطاب).
قال له داود : أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) إلى قوله : (وقليل ما هم) ، ونسي نفسه ، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك ، فتبسم أحدهما إلى الآخر ، فرآه داود ، وظن أنما فُتِنَ ، فاستغفر ربه ، وخَرَّ راكعًا ، وأناب أربعين ليلة حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه ، ثم شدد الله له ملكه «.[تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 23 : 146 )]
هذه أخفُّ الروايات في شأن هذا الابتلاء الذي أصيب به داود عليه السلام ، وهي كما ترى فيها ما فيها .
وورد في الروايات الأخرى أنَّ الرجل قُتِلَ في الغزو بسبب طلب داود من أمير حربه أن يجعله ممن يتقدمون بالتابوت ؛ لأنَّ من يتقدم به لا يجوز له أن يفر حتى يموت أو يضعه بين يدي العدو وينجو ، وإن كان الغالب على حملة التابوت الموت .
فلما تقدم الرجل بالتابوت كان ممن مات ، فلما انتهت عِدَّةُ امراته تقدم إليها داود عليه السلام فتزوجها.
حاشية :[ينظر ـ على سبيل المثال ـ في هذه القصة : تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 23 : 147 ـ 150 ) ، ويلاحظ أن الرواية الإسلامية لهذه الإسرائيلية قد خلت من البهتان الذي ألصقته يهود بنبي الله داود من أنه زنى بالمرأة ـ والعياذ بالله ـ وزوجها في الغزو ، ثم أنه
قدمه في حملة التابوت ... القصة .
فهذا من البهتان العظيم الذي يستحيا من ذكره في حقِّ أصفياء الله ، وإنما أوردته لأنه يُظهِر أن الذين نقلوا الإسرائيليات لم ينقلوا كل ما فيها من البهتان ، والله أعلم .]
وهذا الخبر مشهور في بني إسرائيل ، وهو في أسفارهم كما هو مروي عن السلف ، لكن من دون ذكر اتهامه عليه السلام بشنيعة الزنا ، وظاهر أن السلف تلقوه منهم ، وأنهم لم يذكروا هذه التهمة الباطلة .
وجائز أن يكون للقصة أصل صحيح ، لكن زيد عليها زيادات أبعدتها عن الصحة ، وليس ذلك بغريب على أمة قتلت الأنبياء وكذبت عليهم ، هذا فضلا عن تقادم العهد ، وعدم تدوين مثل هذه الأخبار وقت وقوعها ولا بُعيده ، مما يعطي فرصة لدخول مثل هذه التفاصيل الغريبة .
ولو أُخِذَ الأمر على أنه أراد أن تكون هذه المرأة زوجةً له ، وأنه تمنى أن لو قُتِلَ زوجها في سبيل الله ، ولكن الله لم يقدِّر له الموت ، كما هو ظاهر الرواية السابقة عن ابن عباس ( ت : 68 ) ، فأرسل الله له الملائكة على صورة المختصمين في أمر النِّعاج ـ وهي إشارة للزوجات ـ ليُبَيِّنوا له ما وقع فيه من الخطأ .
وهذا القدر يدخل في النطاق البشري ، ولا يوجد ما يمنع وقوعه من النبي سوى الرأي بأنه مما يُخلُّ بالمروءة ، وقد يكون هذا الأمر مما يجوز في شريعتهم ، فالشرائع تختلف .
وداود عليه السلام لم يقتله ، ولا أمر بذلك ، وإنما كان هو في الغزو ، والغزاة إنما يذهبون للجهاد ، وهم متيقنون بالموت .
والموت في سبيل الله شرف يطلبه كل مسلم ، فقدَّمه لذلك الشرف حرصًا منه على هذه المرأة ، فكان في ذلك الخطأ ، والله أعلم .
ولقد كان داود غنيًا عن مثلها ، لكن الله ابتلاه ، ولله أن يبتلي عباده بما شاء ، فأي مانع من أن تكون البلوى على هذه الصورة ؟
هذا ، والله أعلم بما كان . ولو كان ، فهل يلزم أن تكون هذه القصة هي المرادة من هذه الآيات .
خذ الآيات على ظاهرها ، وفسِّرها بهذا الظاهر ، دون أن يكون في ذهنك مثل هذه القصة ، ماذا سيكون التفسير ؟
يقول الله تعالى : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) ص : 21 ؛ أي : هل جاءك خبر من بني إسرائيل حين قفزوا إلى بيت داود ، ودخلوا عليه ، وهو في مكان عبادته .
ولو كانوا ملائكة لما احتاجوا أن يقفزوا ، فكان في قوله تعالى : (تسوروا المحراب) إشارة واضحة أنهم من البشر ، كما أنَّ في الإخبار عنهم أنهم خصمة إشارة إلى وقوع أمر يتخاصمون عليه ، وهو شأن هذه الغنم ، وأنهم لم يكن لهم بدُّ من فعل ذلك الأمر المشين ، وهو تسور المحراب على داود ، وليس ذلك الخُلقُ بغريب على قَتَلَتِ الأنبياء .
فالموضوع في نظرهم لا يستحق بلغ درجة لا يُحتمل معها الانتظار ، ففعلوا ما فعلوا ، ولم يراعوا حرمة بيت داود ، ولا وقته الذي لم يكن فيه مستعدًّا لتلقي الخصوم .
ولا زال حال بعض الناس اليوم على هذا ، فتراه يتصل على المفتي في أي ساعة من ليل أو نهار يطلب الفتوى ، وليس في نظره همُّ ولا شغل غيرها ، وهو غير مراع لآداب الوقت ، والمناسب منه في طلب الفتوى .
قوله تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) ص : 22 .
لقد كان من الطبعي أن يخاف داود عليه السلام هؤلاء الداخلين عليه محرابه في ساعة لا يستقبل فيها أحدًا ، لكنهما بادراه بما يريدان ، وهو ما شغلهم ، وجعلهم يأتونه في هذا الوقت الغريب ، وأعلماه بأنهما متخاصمان ، وطلبا منه على سجية بني إسرائيل المتعنتة أن يحكم بينهم بالحق ولا يميل مع أحدهما على الآخر ، وأنَّى لنبي الله داود عليه السلام الذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب أن يَحيف على المتخاصمين ، لكنها هِنَةٌ من أخلاق بني إسرائيل الذين قالوا لموسى ، وهو يأمرهم أن يذبحوا البقرة : (أتتخذنا هزوا) البقرة : 67 ، وأنَّى لنبي الله موسى أن يهزأ .
قوله تعالى : (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) ص : 23
هذه هي الخصومة ، خصومة بين صاحبي نعاج ، وهي نعاج حقيقة ، فمجتمع داود عليه السلام مجتمع رعوي زراعي ، يدل على ذلك تلك الخصومة التي ذكره الله سبحانه في سورة الأنبياء بين أصحاب الغنم وأصحاب الحرث ، قال تعالى : (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) الأنبياء : 78
وهذه المشكلة حصلت بين أصحاب الماشية ، ولتصور الحدث أحكي لك واقع الحدث تخيُّلاً لا تحقيقًا ؛ لتقريب تلك الصورة التي وقعت :
هذان جاران ، أحدهما يملك تسعة وتسعين نعجة ، والآخر يملك نعجة واحدة ، ومن عادة أهل القرى أن تسرح ماشيتهم مع الراعي حتى المساء ، فإذا عادت في المساء دخلت تلك النعجة المنفردة مع نعاج صاحبه الكثيرة .
ثمَّ يأتي صاحب النعجة ليخرج نعجته من بين نعاج صاحبه ، فتخيل ماذا يحدث من إزعاج صاحب النعاج كل ليلة حينما يدخل صاحب النعجة ليخرج نعجته من بين تلك النعاج .
لما كان الحال كذلك ، قال له صاحب النعاج : أكفلنيها ؛ أي : اجعلها في كفالتي ، تبقى مع نعاجي ، وتأكل وتشرب ، دون أن تزعجني كل ليلة وتزعج نعاجي .
لكن صاحب النعجة رجل مُتَعَنِّتٌ ، ضيِّق الفهم ، فركب رأسه ورأى أنَّ في هذا تجنٍ عليه ، ومضايقة له في نعاجه ، وكان رجلاً خَصِمًا ، فخاصم ، وكان هو المتحدث عند داود عليه السلام ، فانطلق في الشكاية ، وأظهر أنه صاحب حقٍّ ، مع أن صاحبه يريد أن يَبَرَّه ، ولم يزد عن قوله : أكفلنيها ، ولكنه زعم أن صاحب النعاج قد غلبه في الخطاب والمخاصمة .
ثمَّ تكلَّم داود مستعجلاً في الحكم في القضية قبل أن يسمع حجة الرجل الآخر ، فقال : (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) ص : 24 ، وبهذا الاستعجال ، وعدم سماع الخصم الآخر ، وقع داود في ما يستحق عليه المعاتبة ، ثم استدرك عجلته في القضية ، فأدرك أنها الفتنة التي اختبره الله بها ، فاستغفر ربه ، وخر راكعً منيبًا لربه .
ثم قال الله معقبًا على قضية الخصوم : (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص : 26 ، فالمقدمة للقصة ، وتضاعيفها وتعقيبها كله في الحكم والقضية ، ولا يظهر لأمر المرأة شيء ، فقد جاءت المقدمة منوهةً بما أعطى الله داود من الحكمة وفصل الخطاب في قوله تعالى : (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) ص : 20 ، ثم ذكر بعدها قضية الخصوم الذين تسوروا المحراب ، ثمَّ عقَّب بتذكير داود بأن الله جعله خليفة في الأرض وأمره له بأن يحكم بين الناس بالحق ، هذا هو ظاهر الآيات ، والله أعلم بالصواب .
مسائل تتعلق بالإسرائليات :
أولاً : تعليق الأمر بالإسرائيلية دون راوي الإسرائيلية .
إن الخبر الغيبي إذا كان مرتبطًا بقصص بني إسرائيل على سبيل الخصوص ، فإن الأولى أن يقال فيه : فيه شبه الخبر الإسرائيلي ، حتى يتوقف فيه ، دون أن يكون التعليق على راوي الخبر ، فلا يقال : يتوقف فيه لأنه من رواية ابن عباس ( ت : 68 ) ، وهو مشهور بالأخذ عن أهل الكتاب ؛ لأن هذا يلزم منه التوقف في كل خبر غيبي يرويه ابن عباس ( ت : 68 ) ، إذ سيقال : يتوقف في هذا النقل ؛ لأن ابن عباس ( ت : 68 ) يروي عن بني إسرائيل ، وعند التحقيق لا تجد الأمر كذلك .
والوارد عن الصحابة له خصوصية ، كما قال شيخ الإسلام ( ت : 728 ) : » ... وما نُقِل في ذلك عن الصحابة نقلاً صحيحًا ، فالنفس إليه أسكن مما نُقِل عن بعض التابعين ؛ لأن احتمال أن يكون سمعه ومن النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى ، ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ، ومع جزم الصحابي بما يقوله ، كيف يقال : إنه أخذه عن أهل الكتاب ، وقد نُهوا عن تصديقهم «.[مقدمة في أصول التفسير ، تحقيق : عدنان زرزور ( ص : 58 )]
وابن عباس ( ت : 68 ) قد اشتهر أخذه عن بني إسرائيل ، وصحَّ عنه بعض الأمور الغيبية ، فلو عُمِلَ بهذه القاعدة لما قٌبِلَ قوله فيها ، ولكنَّ الأمر على خلاف ذلك ، فقد قُبِلَ قوله ، وأُخِذَ به ، ومن ذلك ما ورد عنه في الكرسي ، قال عبد الله بن احمد بن حنبل : حدثني أبي ، نا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عمار الدُّهْنِي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد قدره «.[السنة ( 2 : 454 ) ، وقد روي في غير ما كتاب من كتب السنة]
فإذا أعملت هذه القاعدة ، وهي أن من عُرِفَ بالأخذ عن بني إسرائيل ، وكنت ممن ظهر له أن ابن عباس ( ت : 68 ) قد أخذ عنهم ، فإنك ستتوقف في دلالة هذا الخبر ، وهذا ما لم يعمل به أهل السنة ، بل تلقوا خبره بالقبول ، وأثبتوا به هذه العقيدة التي يتضمنها الخبر .
وأخذ ابن عباس ( ت : 68 ) عن أهل الكتاب مما لا يحتاج إلى إثبات ، لكن الأمر الذي يحتاج إلى بحث ما ورد عنه في صحيح البخاري ( ت : 256 ) ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، أخبرنا ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث ، تقرءونه محضًا لم يُشَبْ ، وقد حدَّثكم أن أهل الكتاب بدَّلوا ، وغيَّروا ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً ، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ، ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذى أنزل إليكم « .
فما مراده من هذا النهي ؟
لقد حرصت على تتبع هذا الأثر عن ابن عباس لعلي أظفر بشرح يبين مقصوده ، لكني لم أظفر بشيء في ذلك ، وقد اجتهدت في تبيُّن الاحتمالات التي جعلت ابن عباس ( ت :68 ) يقول هذا ، مع أنه قد ورد عنه الأخذ عن بني إسرائيل ، فظهر لي منها :
أولاً : أن يكون يريد الأحكام والعقائد دون غيرها من الأخبار ؛ لأن هذين الأمرين لا يجوز أن يؤخذا عن غير المعصوم في خبره .
أما الأخبار الأخرى فإنها مما لا يلزم تصديقه ولا تكذيبه ، ولا يُبنى عليها علم ، وليس فيها هدى ، قال ابن كثير ( ت : 747 ) : » ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل وما أقل الصدق فيه ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا قال ابن جرير 213 حدثنا ابن بشار أبو عاصم أخبرنا سفيان عن سليمان ابن عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله هو ابن مسعود قال لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال « .
ثانيًا : أن يكون رأيًا متأخرًا له .
ثالثًا : أنه رأى كثرة الرجوع إليهم ، فأراد أن يسد هذا الباب .
ثانيًا : معرفة المصدر الذي نقلت منه الإسرائيلية .
ثالثًا : الموقف من كتب التفسير التي تروي الإسرائيليات .
لا تخلو كتب التفسير التي تنقل أخبار بني إسرائيل من حالتين :
الأولى : أن تنقل من كتب أهل الكتاب مباشرة ، كما تجده في كتاب التحرير والتنوير ، للطاهر بن عاشور ( ت : 1393 ) .
الثانية : أن تكون كتب التفسير تنقل بالرواية عمن نقل هذه الإسرائيليات ، وعلى هذا أغلب كتب التفسير ، كتفسير ابن جرير الطبري ( ت : 310 ) ، والكشف والبيان للثعلبي ( ت : 427 ) ، وتفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ( ت : 774 ) ، وغيرها من كتب التفسير التي تعنى بالمأثور عن السلف .
وهذا النوع من كتب التفسير قد يوجه النقد إلى أصحابها بأنهم يروون الإسرائيليات ، ولا ينقدونها .
وإذا تأمَّلت هذه النقود مليًّا ، وجدتها لا توجَّه إلى هؤلاء المفسرين فحسب ؛ لأنهم نقلوا ما وجدوا في الآثار عن السلف ، لكنه في حقيقته يعود إلى نقد منهج السلف في التعامل مع هذه الإسرائيليات ، وذكرهم لها في تفاسيرهم .
إن هذا هو نتيجة نقد الكتب التي تذكر الإسرائيليات ولا تنقدها ، فهل يقع اللوم على المفسر الذي نقل المرويات ، أو يقع على الذين تُروى عنهم من السلف ؟!
إن وجود الإسرائيليات ليس عيبًا يخدش قيمة التفسير ، وليس من الأخطاء لتي يتحملها المؤلفون في التفسير حينما ينقلون ما بلغهم عن مفسري السلف ، وقد أشار إلى ذكر القاسمي ( ت : 1332 ) تحت قاعدة بعنوان ( قاعدة في قصص الأنبياء والاستشهاد بالإسرائيليات ) ، قال :» ... فإذً لا يخفى أن من وجوه التفسير معرفة القصص المجملة في غضون الآيات الكريمة ، ثم ما كان منها غير إسرائيلي ؛ كالذي جرى في عهده صلى الله عليه وسلم ، أو أخبر عنه ، فهذا تكفل ببيانه المحدثون ، وقد ررو بالأسانيد المتصلة ، فلا مغمز فيه .
وأما ما كان إسرائيليًا ، وهو الذي أخذ جانبًا وافرًا من التنْزيل العزير ، فقد تلقى السلف شرح قصصه ، إما مما استفاض على الألسنة ودار من نبئهم ، وإما من المشافهة عن الإسرائيلين الذين آمنوا .
وهؤلاء كانوا تلقفوا أنباءهم من قادتهم ؛ إذ الصحف كانت عزيزة لم تتبادلها الأيدي كما هو في العصور الأخيرة . واشتهر ضنُّ رؤسائهم بنشرها لدى عمومهم ، إبقاءً على زمام سيطرتهم ، فيروون ما شاءوا غير مؤاخَذين ولا مناقَشين ، فذاع ما ذاع .
ومع ذلك فلا مغمز على مفسرينا الأقدمين في ذلك ، طابق أسفارهم أم لا ، إذ لم يألوا جهدًا في نشر العلم وإيضاح ما بلغهم وسمعوه ؛ إما تحسينًا للظن في رواة تلك الأنباء لا يروون إلا الصحيح ، وإما تعويلاً على ما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : » بلغوا عني ولول آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج « . ورواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هؤيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : » حدثوا عن بني إسرائي ولا حرج « . فترخَّصوا في روايتها كيفما كانت ، ذهابًا إلى أن القصد منها الاعتبار بالوقائع التي أحدثها الله تعالى لمن سلف ؛ لينهجوا منهج من أطاع ، فإُثنِي عليه وفاز ، وينكبوا عن مهيع من عصى فحقت عليه كلمة العذاب وهلك . هذا ملحظُهم رضي الله عنهم .
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يقول : » إذا روينا في الأحكام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا « . فبالأحرى القصص . وبالجملة : فلا ينكر أن فيها الواهيات ـ بِمَرَّة ـ والموضوعات ؛ مما استبان لمحققي المتأخرين .
وقد رأيت ممن يدعي الفضل ـ الحطَّ من كرامة الإمام الثعلبي ـ قدَّسي الله سره العزيز ـ لروايته الإسرائيليات ، وهذا ـ وايم الحقِّ ـ من جحد مزايا ذوي الفضل ومعاداة العلم ، على أنه ـ قُدِّس سرُّه ـ ناقل عن غيره ، وراوٍ ما حكاه بالأسانيد إلى أئمة الأخبار ، وما ذنب مسبوق بقول نقله باللفظ ، وعزاه لصاحبه ؟!
فمعاذًا بك اللهم من هضيمة السلف ... «.[محاسن التأويل ( 1 : 41 ـ 42 )]
رابعًا : بعض قصص القرآن لا يوجد في كتب بني إسرائيل .
إن دراسة الإسرائيليات الواردة عن السلف تحتاج إلى موازنة مع القصص الغيبية الأخرى التي يُقطع بأنها لم ترد عن بني إسرائيل ، وليست من أخبارهم ؛ كقصص قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب ، ويُنظر هل ورد فيها عنهم أخبار عجيبة وغريبة أم لا ؟
إن ورود غرائب في قصص هؤلاء الأنبياء لا يمكن أن يكون مأخوذًا عن بني إسرائيل قطعًا ؛ لأنه لا يوجد في أخبار بني إسرائيل غير نبأ آدم ونوح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ويوسف ، ثم أخبار أنبياء بني إسرائيل بدءًا بموسى عليه السلام .
أما غيرهم من الأنبياء في الأمم الأخرى ـ خصوصًا العرب الذين كانوا يحقدون عليهم ـ فلا يوجد لهم ذكر في أسفارهم .
والله الموفق
في هذا الصباح (السبت 2/3/1424) كنت أود أن أُتحف هذا الملتقى الرائع بموضوع ، فتذكرت كلامًا كنت علَّقته على موضوع الإسرائيليات أثناء شرحي لرسالة شيخ الإسلام في أصول التفسير ـ أسأل الله أن ييسر طباعتها ـ فرأيت أن أنقل لكم ما شرحت به كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى. ولما نظرت إليه وجدته طويلاً جدَّا ، فأعتذر لكم سلفاً عن هذا الطول الذي قد ينسي آخرُهُ أولَه في مثل صفحات ملتقى أهل التفسير على الإنترنت.
وأفيدكم أني قد وجدت ما كتبه الأخ الفاضل أبو بيان زاده الله بيانًا [هنا]، فأعجبني طرحه ، إذ الموافقة بين ما سأطرحه وما طرحه متمثلة في شيء كثير ، والحمد لله على مثل هذه المواطآت العلمية التي تريح الباحث حينما يجد أن غيره ـ بلا مواطأة واتفاق مسبق ـ قد توصل إلى ما توصل إليه هو.
كما أشكر الأخ الفاضل أحمد البريدي الذي طرح سؤالاً في سلسلته في هذا الملتقى ( مشكل التفسير ) حول أثر ابن عباس في النهي عن سؤال أهل الكتاب ، وقد وعدته بالإجابة على هذا الأثر أثناء لقاء تمَّ بيننا ، كما أنَّ في حديثي هذا إجابة أخرى عنه .
وهذا أوان الشروع في الحديث عن الإسرائيليات ، وهو مجتزءٌ من حديثٍ قبله .
.......
أولاً : أن بعض أخبار بني إسرائيل منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم نقلاً صحيحًا ، ولا ريب في قبول هذه الأخبار ، حتى لو كانت فيما لا يقوم عليه علم أو عمل ، كاسم صاحب موسى أنه الخَضِرُ .
ثانياً: أنَّ أخبار بني إسرائيل على ثلاثة أحوال :
- أحدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح .
- والثاني : ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه . والضابط في القبول والردِّ في هذا هو الشرع ، فما كان موافقًا قُبِلَ ، وما كان مخالفًا لم يُقبل.
ويدل لذلك أمثلة ، منها ما رواه الطبري ( ت : 310 ) عن سعيد بن المسيب ، قال : قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود : أين جهنم ؟
فقال : البحر .
فقال : ما أراه إلا صادقًا ، ( وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ) ، (وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ) مخففة « [تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 27 : 18 )]. فصدَّقه أمير المؤمنين عليٌّ رضي الله عنه ؛ لوجود ما يشهد له من القرآن .
وما رواه البخاري ( ت : 256 ) ، قال : وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار ، فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب . صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
وقد يقع الردُّ من بعض الناس لبعض الإسرائيليات بدعوى مخالفة الشرع ، ولا يكون ذلك صحيحًا في الحقيقة ؛ لأنَّ ما ينسبه إلى الشرع قد لا يكون صحيحًا ، بل هو رأي عقلي محضٌ وقع فيه شبه عنده أنه من الشرع ، ويظهر ذلك جليًا فيما يتعلق بعصمة الأنبياء ، إذ معرفة حدود هذه العصمة قد دخله التخريج العقلي ، والتأويل المنحرف بدعوى تنْزيه الأنبياء ، فظهر بذلك مخالفة ظاهر القرآن .
- والثالث : ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل ، فلا نؤمن به ولا نكذبه .
ويلاحظ في هذا القسم أنه تجوز حكايته ، وعلى هذا عمل السلف في التفسير وغيره ، ولم يقع النكير على هذا بينهم إلا بسبب الإكثار من الرجوع إليهم ، أو بسبب تصديقهم فيما يقولون. كما يلاحظ أنَّ غالب هذا القسم مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني .
وهذه الأخبار قد تكون منقولة عن الصحابة ، وما كان كذلك فالنفس إليه أسكن ، وقد تكون منقولة عن التابعين ، وهذا النقل أقل في القبول من المنقول عن الصحابي لاعتبارات ، منها :
1 ـ أنَّ المنقول عن الصحابة أقل من المنقول عن التابعين .
2 ـ احتمال أن يكون رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عمن أخذها عن النبي صلى الله عليه وسلم .
3 ـ أن جزم الصحابي بما يقوله لا يتصور معه أنه نقله عن بني إسرائيل .
ويلاحظ هنا أنَّ ضابط العقل أو الغرابة ليس مما يُتفقُ عليه .
ففي تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب : 69 ، ورد الخبر الآتي :
إن موسى كان رجلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا ، لا يُرَى من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا : ما يستَتِر هذا التستر إلا من عيب بجلده : إما برصٌ ، وإما أُدْرَةٌ ، وإما آفةٌ .
وإن الله أراد أن يُبَرِّئه مما قالوا لموسى ، فَخَلا يومًا وحده ، فوضع ثيابه على الحجر ، ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عَدَا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه ، وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فرأوه عُرْيانا أحسن ما خلق الله ، وأبرأه مما يقولون .
وقام الحجر ، فأخذ ثوبه ، فلبسه ، وطَفِقَ بالحجر ضربًا بعصاه ، فوالله إن بالحجر لندبًا من أثر ضربه ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا ، فذلك قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) الأحزاب : 69 .
فهذا الخبر لا تخفى غرابته ، وقد لا يحتمل العقل تصديقه ، لكن إذا علِمت أنه خبر صحيح مرويٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري ( ت : 256 ) وغيره = سلَّمت لذلك الخبر ، وأدركت أنه خبر حقيقي واقع ، مع ما فيه من الغرابة .
وليس يعني هذا أن يُقبل كل خبرٍ مع ما فيه من الغرابة ، لكن المراد أنَّ الغرابة ليست ضابطًا كافيًا في ردِّ مثل هذه الأخبار ، والله أعلم .
ومن الأمور التي يحسن التنبه لها أنَّ رواية السلف للإسرائيلية ـ خصوصًا الصحابة ـ لا يعني قبول ما فيها من التفاصيل ، ومرادهم بها بيان مجمل ما ورد في القرآن بمجل ما ذُكِرَ في القصة ، دون أن يلزم ذكرهم لها إيمانهم بهذه التفاصيل التي تحتاج في نقلها إلى سند صحيح ، وذلك عزيز جدًّا فيما يرويه بنو إسرائيل في كتبهم
وقد ورد عنهم أنهم يميزون كذبها ويعرفونه ، ولا يصدقون كل ما يُروى لهم من الإسرائيليات ، وإن كان الذي يذكرها لهم محله الصدق عندهم ، ومن ذلك ما ورد في خبر الخليفة معاوية بن أبي سفيان .
قال البخاري ( ت : 256 ) : وقال أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة ، وذكر كعب الأحبار ، فقال : إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب ، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب صحيح البخاري ج: 6 ص: 2679
قال ابن حجر : » وقال ابن حبان في كتاب الثقات : أراد معاوية أنه يخطئ أحيانا فيما يخبر به ، ولم يُرِدْ أنه كان كذابًا .
وقال غيره : الضمير في قوله لنبلو عليه للكتاب لا لكعب ، وإنما يقع في كتابهم الكذب ؛ لكونهم بدَّلوه وحرَّفوه .
وقال عياض : يصح عوده على الكتاب ، ويصح عوده على كعب وعلى حديثه ، وإن لم يقصد الكذب ويتعمده ؛ إذ لا يشترط في مسمى الكذب التعمد ، بل هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه ، وليس فيه تجريح لكعب بالكذب .
وقال ابن الجوزي : المعنى : إن بعض الذي يخبر به كعب عن أهل الكتاب يكون كذبًا ، لا أنه يتعمد الكذب ، وإلا فقد كان كعب من أخيار الأحبار «[ فتح الباري ( 13 : 335 )]
بعض الأمور التي تتعلق بالإسرائليات:
إن من يستقري الإسرائيليات التي وردت عن السلف ، سيجد الأمور الآتية :
1 ـ أنها أخبار لا يبنى عليها أحكام عملية .
2 ـ أنه لم يرد عن السلف أنهم اعتمدوا حكمًا شرعيًا مأخوذًا من روايات بني إسرائيل .
3 ـ أنه لا يلزم اعتقاد صحتها ، بل هي مجرد خبر .
4 ـ أنَّ فيها ما لم يثبت عن الصحابة ، بل عن من دونهم .
5 ـ أن تعليق الأمر في بعض الإسرائيليات على أنه لا يقبلها العقل أمر نسبي ، فما تراه أنت مخالف للعقل ، قد يراه غيرك موافق للعقل .
6 ـ أن الكثرة الكاثرة في هذه الإسرائيليات لا يوضح أمرا يتعلق بالتفسير بل يكون التفسير واضحا بدونها وقد يكون معلوما من حيث الجملة والإسرائيلية لاتفيد فيه زيادة ولا قيد .
7 ـ أن هذه الإسرائيليات من قبيل التفسير بالرأي .
إن كون الإسرائيليات مصدرًا يستفيد منه المفسر في حال بيان معنى كلام الله لا يعني أن تقبلَ كلَّ ما يُفسَّر به هذا من طريق هذا المصدر ، فهذه الإسرائيليات كالتفسير باللغة ، وليس كل ما فسِّر به من جهة اللغة يكون صحيحًا ، وكذلك الحال هنا .
ولما كان التفسير بالرأي قد يقع في ربط آية بآية ، وربط حديث بآية ، فكذلك يقع بربط قصة إسرائيلية بآية ، مع ملاحظة الفرق بين هذه المصادر من جهة قوة الاعتماد عليه ، والوثوق به من حيث هو ، لا من حيث الربط الذي يكون بالاجتهاد ، والاجتهاد قد لا يصح ولو كان من باب تفسير آية بآية .
وإذا كان المراد بالتفسير بيان المعنى ، فاعتبر الإسرائيلية مثالاً في التفسير لبيان المعنى ، وليست حاكمة على النص القرآني ، ولا قاطعةً بهذا المعنى دون غيره من المعاني المحتملة ، ولست ملزمًا بقبولها .
ولاحظ أن بعض الآية التي فُسِّرت بالإسرائيليات معروفة المعنى على جهة الإجمال ، والمراد بها واضح لا لبس فيه ، لكن يقع المراد بتعيين هذا المجمل ، هل هو ما جاء في القصة الإسرائيلية ، أو هو غير ذلك .
وإذا جعلت نظرك إلى أصل القصة دون تفاصيلها التي لا يمكن أن تضبط من طريق الإسرائيليات ، واعتبرت هذا الجزء الجملي فيها ، وجعلته مما يوضح معنى الآية ، كما يمكن أن توضحه بأي قصة أخرى ترد عليك ، فإنك تسلم من إشكالية القول بالاعتماد على الإسرائيليات ، وإني لأرجو أن يكون هذا هو منهج السلف في هذه الإسرائيليات ، وأنهم يستشهدون بها ، ولا يعتمدون عليها ، والله أعلم .
ولأضرب لك مثالاً يُحتذى ، وهو ما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ) [ص : 34 ].
قال ابن كثير : » قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم يعني شيطانا ثم أناب أي رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته قال ابن جرير وكان اسم ذلك الشيطان صخرا قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وقيل آصف قاله مجاهد وقيل صرد قاله مجاهد أيضا وقيل حقيق قاله السدي وقد ذكروا القصة مبسوطة ومختصرة « . تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 35
ثم ذكر القصة عن بعض السلف ، ثم قال : » وأرى هذه كلها من الإسرائيليات ، ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالوا حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (وألقينا علىكرسيه جسدا ثم أناب) قال أراد سليمان عليه الصلاة والسلام أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها هاتي خاتمي فأعطته إياه فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان عليه السلام من الخلاء قال لها هاتي خاتمي قالت قد أعطيته سليمان قال أنا سليمان قالت كذبت ما انت بسليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له أنا سليمان إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة فلما / رأى ذلك سليمان عرف أنه من أمر الله عز وجل قال وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله تبارك وتعالى أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان قال فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن تنكرن من سليمان شيئا قلن نعم إنه يأتينا ونحن نحيض وما كان يأتينا قبل ذلك فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس وقالوا بهذا كان يظهر سليمان على الناس ويغلبهم فأكفر الناس سليمان عليه الصلاة والسلام فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته وكان سليمان عليه السلام يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان عليه الصلاة والسلام فقال تحمل لي هذا السمك فقال نعم قال بكم قال بسمكة من هذا السمك قال فحمل سليمان عليه الصلاة والسلام السمك ثم انطلق به إلى منزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان عليه الصلاة والسلام فشق بطنها فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه قال فلما لبسه دانت له الجن والانس والشياطين وعاد إلى حاله وهرب الشيطان حتى لحق بجزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان عليه السلام في طلبه وكان شيطانا مريدا فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوما نائما فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماط مع الرصاص قال فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان عليه الصلاة والسلام فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله تبارك وتعالى ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم أناب يعني الشيطان الذي كان سلط عليه .
إسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قوي ، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما ـ إن صح عنه ـ من أهل الكتاب ، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام ، فالظاهر أنهم يكذبون عليه [إن كذب اليهود على أنبياء الله أمر ظاهر لمن قرأ أسفارهم ، وهم يتعمَّدون الحطَّ من مقام الأنبياء ليسلم لهم ما يرتكبونه من الذنوب ، وكأنهم يريدون أن يقولوا : إن هذا مما لم يسلم منه الأنبياء فضلا عمن هو دونهم . ومن العجيب من أخبارهم أنهم يصفون داود بالملك دون النبي ، وهم يتجاهلون وصفه بالنبوة عن قصد ؛ إما لأن زمنه هو الزمن الذي عزَّ فيه اليهود ، وصاروا ذوي شأن وبسطة ، وإما لأن يجعلوا ما يصفونه به زورًا وبهتانًا محطًّا لهم في الاقتداء به متى شاءوا ، أو تركه متى شاءوا ؛ لأنه ليس بنبي .
هذا ، ومفهوم النبوة وما يتعلق بها من الأوصاف التي كانوا يطلقونها على بعض الأنبياء ـ كالكاهن وغيره ـ مما يحتاج إلى بحث لمعرفة أثر هذا المفهوم على اعتقادهم وعملهم]
ولهذا كان في هذا السياق منكرات من أشدها ذكر النساء ، فإن المشهور عن مجاهد وغير واحد من أئمة السلف أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان ، بل عصمهن الله عز وجل من تشريفا وتكريما لنبيه عليه السلام .
وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف رضي الله عنه كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب « .تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 36تفسير ابن كثير ج: 4 ص: 37
وقد أورد البخاري في ترجمة سليمان عليه السلام من أخبار الأنبياء في صحيحه تفسير الجسد بالشيطان ، وأورد أيضًا الحديث الآتي :
حدثنا خالد بن مخلد حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قال سليمان بن داود : لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ؛ تحمل كل امرأة فارسًا يجاهد في سبيل الله .
فقال له صاحبه : إن شاء الله ، فلم يقل ، ولم تَحْمِل شيئًا إلا واحدًا ساقطًا أحد شقيه .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو قالها لجاهدوا في سبيل الله .
قال شعيب وابن أبي الزناد تسعين ، وهو أصح « . صحيح البخاري ج: 3 ص: 1260
وقد حكى الثعلبي ( ت : 427 ) أنَّ بعض المفسرين جعل هذا الحديث تفسيرًا للجسد في الآية.[الكشف والبيان ( 8 : 206 ـ 207 )]
تحليل التفسير:
إنَّ أمامك في هذه الآية عددًا من الروايات الإسرائيلية الواردة عن السلف ، ومعها خبرٌ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والأمر هنا هو النظر في معنى الآية ، والمراد بالفتنة التي فتنها سليمان عليه السلام ، وليس النظر هنا إلى صحة الأخبار ، وإنما إلى صحة حمل هذه الأخبار على فتنة سليمان عليه السلام ، لبيان ما وقع فيه سليمان عليه السلام .
فأيهما أولى : التفسير بمجمل الروايات التي وردت عن السلف ، أو التفسير بهذا الحديث الوارد في أخبار سليمان عليه السلام ؟
إن حمل الآية على هذا أو ذاك من باب الرأي ، لكن أيهما أنسب في فهم الآية ، وسياقها ؟
إنَّ مجمل الأخبار التي حكاها المفسرون أنَّ الشيطان سُلِّط على سليمان عليه السلام ، وأنه بلغ من تسليطه أن سلبه ملكه ، وأنكره الناس ، حتى عاد إليه ملكه وانتقم من هذا الشيطان العاتي .
وعلى هذا المجمل وردة روايات المفسرين ، وهو قول الجمهور منهم ، حتى إنه لا يكاد يوجد خلاف بين السلف على هذا المجمل من القصة ، والسياق يشير إليه ، وذلك لأنه لما طلب المُلْكَ الذي لا ينبغي لأحد من بعده ، كان منه تحكمه في الشياطين ، ولم يكن قبل فتنه معصومًا عن تسلطهم عليه .
وليس في هذا الأمر غرابة ؛ لأن الله يبتلي عباده بما يشاء ، ويبتلى الرجل على قدر دينه ، وكون الله قد قدَّر تسلط بعض الشياطين على الأنبياء ، فإن ذلك مما لا ينكره إلا من تجرَّد من قبول الأخبار ، إذ قد صح الخبر بلا نكير أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سُحِرَ ، وكان سحره فيما يتعلق ببشريته دون نبوته ، وما السحر إلا تسلط من الشيطان ، وكان ذلك من البلاء الذي قدَّره الله على أفضل خلق صلى الله عليه وسلم ، ثمَّ نجَّاه منه .
فإذا كان هذا مستقرًا عنك بلا نكير ، ولم تكن ممن يرد الأخبار الصحاح التي وردت في مثل هذا المقام ، فمالذي يدعوك إلى إنكار أصل القصة التي وردت في فتنة سليمان ، وأنه كان فيها تسليط للشيطان عليه ، لكن ما مدى هذا التسليط ، وما التفاصيل التي حصلت ، فهذا مما لا يمكن إدراكه إلا بخبر معصوم ، والخبر المعصوم ليس موجودًا في هذه الروايات ، لذا كان انتقاد هذه التفاصيل دون أصلها .
أما ما رواه البخاري ( ت : 256 ) من خبر سليمان عليه السلام ، فلا يصلح أن يكون تفسيرًا للآية ، قال الطاهر بن عاشور ( ت : 1393 ) : » وليس في كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك تأويل هذه الآية . ولا وضع البخاري ولا الترمذي الحديث في التفسير في كتابيهما .
قال جماعة : فذلك النصف من الإنسان هو الجسد الملقى على كرسيه ، جاءت به القابلة ، فألقته له وهو على كرسيه ، فالفتنة على هذا خيبة أمله ، ومخالفة ما أبلغه صاحبه .
وإطلاق الجسد على ذلك المولود ؛ إما لأنه وُلِدَ ميتًا ، كما هو ظاهر قوله : شق رجل ، وإما لأنه كان خلقه غير معتاد ، فكان مجرد جسد .
وهذا تفسير بعيدٌ ؛ لأن الخبر لم يقتض أن الشقَّ الذي ولدته المرأة كان حيًّا ، ولا أنه جلس على كرسي سليمان .
وتركيب هذه الآية على ذلك الخبر تكلُّف «.[التحرير والتنوير ( 23 : 260 )]
وبعد هذا ، لو لم يكن عندك خبر من أخبار بني إسرائيل ، ولا غيره من الآثار ، فهل يخفى عليك البيان الجملي ، والمعنى المراد بالآية ؟
لا أظنَّ أن ذلك يخفى عليك ، فأنت ستدرك المعنى والمراد دون الاعتماد على مرويات بني إسرائيل التي تتميز بذكر تفاصيل في القصة قد تزيد المعنى وضوحًا ، دون أن تكون أصلاً في فهم المعنى .
ويصعب الأمر في تفسير الآية حين لا يرد عن السلف إشارة إلى غير الإسرائيليات ، وفيها ما فيها من الغرابة والنكارة ، ومن ذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ % إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ % إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ % قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ % يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص : 21 ـ 26
قال ابن كثير ( ت : 774 ) : » قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذة من الإسرائيليات ، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديث لا يصح سنده ؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه.
ويزيد ، وإن كان من الصالحين ، لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة ، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة ، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل ، فإن القرآن حق ، وما تضمن فهو حق أيضًا «.[تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ، تحقيق : سامي السلامة ( 7 : 60 )]
ولم يتكلم ابن كثير ( ت : 774 ) على هذه الآيات ، ولا ذكر قصتها . وما ذلك إلا لكونها مشكلة عنده رحمه الله .
أما القصة ، فقد ذكرها غيره ، وهم كثير ، ومن رواياتها :
قال الطبري ( ت : 310 ) : » حدثني محمد بن سعد قال ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله : (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) قال : إن داود قال : يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله .
قال الله : إني ابتليتهم بما لم أبتلك به ، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به وأعطيتك كما أعطيتهم .
قال : نعم .
قال له : فاعمل حتى أرى بلاءك .
فكان ما شاء الله أن يكون ، وطال ذلك عليه ، فكاد أن ينساه ، فبينا هو في محرابه ، إذ وقعت عليه حمامة من ذهب ، فأراد أن يأخذها ، فطارت إلى كوة المحراب ، فذهب ليأخذها ، فطارت ، فاطَّلع من الكوة ، فرأى امرأة تغتسل ، فنَزل نبي الله من المحراب ، فأرسل إليها ، فجاءته ، فسألها عن زوجها وعن شأنها ، فأخبرته أن زوجها غائب ، فكتب إلى أمير تلك السرية : أن يؤمره على السرايا ؛ ليهلك زوجها ، ففعل ، فكان يصاب أصحابه وينجو ، وربما نُصروا ، وإن الله عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنقذه ، فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسوَّر عليه الخصمان من قِبَلِ وجهه ، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت .
وقال : لقد استُضعفت في ملكي حتى إن الناس يستورون علي محرابي .
قالا له : لا تخف ، خصمان بغى بعضنا على بعض ، ولم يكن لنا بُدٌّ من أن نأتيك ، فاسمع منا .
قال أحدهما : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أنثى ، ولي نعجة واحدة ، فقال : أكفلنيها ؛ يريد أن يُتَمِّمَ بها مئة ، ويتركني ليس لي شيء ، وعزني في الخطاب .
قال : إن دعوتُ ودعا كان أكثر ، وإن بطشتُ وبطش كان أشد مني ، فذلك قوله : (وعزني في الخطاب).
قال له داود : أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه (لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه) إلى قوله : (وقليل ما هم) ، ونسي نفسه ، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك ، فتبسم أحدهما إلى الآخر ، فرآه داود ، وظن أنما فُتِنَ ، فاستغفر ربه ، وخَرَّ راكعًا ، وأناب أربعين ليلة حتى نبتت الخضرة من دموع عينيه ، ثم شدد الله له ملكه «.[تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 23 : 146 )]
هذه أخفُّ الروايات في شأن هذا الابتلاء الذي أصيب به داود عليه السلام ، وهي كما ترى فيها ما فيها .
وورد في الروايات الأخرى أنَّ الرجل قُتِلَ في الغزو بسبب طلب داود من أمير حربه أن يجعله ممن يتقدمون بالتابوت ؛ لأنَّ من يتقدم به لا يجوز له أن يفر حتى يموت أو يضعه بين يدي العدو وينجو ، وإن كان الغالب على حملة التابوت الموت .
فلما تقدم الرجل بالتابوت كان ممن مات ، فلما انتهت عِدَّةُ امراته تقدم إليها داود عليه السلام فتزوجها.
حاشية :[ينظر ـ على سبيل المثال ـ في هذه القصة : تفسير الطبري ، ط : الحلبي ( 23 : 147 ـ 150 ) ، ويلاحظ أن الرواية الإسلامية لهذه الإسرائيلية قد خلت من البهتان الذي ألصقته يهود بنبي الله داود من أنه زنى بالمرأة ـ والعياذ بالله ـ وزوجها في الغزو ، ثم أنه
قدمه في حملة التابوت ... القصة .
فهذا من البهتان العظيم الذي يستحيا من ذكره في حقِّ أصفياء الله ، وإنما أوردته لأنه يُظهِر أن الذين نقلوا الإسرائيليات لم ينقلوا كل ما فيها من البهتان ، والله أعلم .]
وهذا الخبر مشهور في بني إسرائيل ، وهو في أسفارهم كما هو مروي عن السلف ، لكن من دون ذكر اتهامه عليه السلام بشنيعة الزنا ، وظاهر أن السلف تلقوه منهم ، وأنهم لم يذكروا هذه التهمة الباطلة .
وجائز أن يكون للقصة أصل صحيح ، لكن زيد عليها زيادات أبعدتها عن الصحة ، وليس ذلك بغريب على أمة قتلت الأنبياء وكذبت عليهم ، هذا فضلا عن تقادم العهد ، وعدم تدوين مثل هذه الأخبار وقت وقوعها ولا بُعيده ، مما يعطي فرصة لدخول مثل هذه التفاصيل الغريبة .
ولو أُخِذَ الأمر على أنه أراد أن تكون هذه المرأة زوجةً له ، وأنه تمنى أن لو قُتِلَ زوجها في سبيل الله ، ولكن الله لم يقدِّر له الموت ، كما هو ظاهر الرواية السابقة عن ابن عباس ( ت : 68 ) ، فأرسل الله له الملائكة على صورة المختصمين في أمر النِّعاج ـ وهي إشارة للزوجات ـ ليُبَيِّنوا له ما وقع فيه من الخطأ .
وهذا القدر يدخل في النطاق البشري ، ولا يوجد ما يمنع وقوعه من النبي سوى الرأي بأنه مما يُخلُّ بالمروءة ، وقد يكون هذا الأمر مما يجوز في شريعتهم ، فالشرائع تختلف .
وداود عليه السلام لم يقتله ، ولا أمر بذلك ، وإنما كان هو في الغزو ، والغزاة إنما يذهبون للجهاد ، وهم متيقنون بالموت .
والموت في سبيل الله شرف يطلبه كل مسلم ، فقدَّمه لذلك الشرف حرصًا منه على هذه المرأة ، فكان في ذلك الخطأ ، والله أعلم .
ولقد كان داود غنيًا عن مثلها ، لكن الله ابتلاه ، ولله أن يبتلي عباده بما شاء ، فأي مانع من أن تكون البلوى على هذه الصورة ؟
هذا ، والله أعلم بما كان . ولو كان ، فهل يلزم أن تكون هذه القصة هي المرادة من هذه الآيات .
خذ الآيات على ظاهرها ، وفسِّرها بهذا الظاهر ، دون أن يكون في ذهنك مثل هذه القصة ، ماذا سيكون التفسير ؟
يقول الله تعالى : (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ) ص : 21 ؛ أي : هل جاءك خبر من بني إسرائيل حين قفزوا إلى بيت داود ، ودخلوا عليه ، وهو في مكان عبادته .
ولو كانوا ملائكة لما احتاجوا أن يقفزوا ، فكان في قوله تعالى : (تسوروا المحراب) إشارة واضحة أنهم من البشر ، كما أنَّ في الإخبار عنهم أنهم خصمة إشارة إلى وقوع أمر يتخاصمون عليه ، وهو شأن هذه الغنم ، وأنهم لم يكن لهم بدُّ من فعل ذلك الأمر المشين ، وهو تسور المحراب على داود ، وليس ذلك الخُلقُ بغريب على قَتَلَتِ الأنبياء .
فالموضوع في نظرهم لا يستحق بلغ درجة لا يُحتمل معها الانتظار ، ففعلوا ما فعلوا ، ولم يراعوا حرمة بيت داود ، ولا وقته الذي لم يكن فيه مستعدًّا لتلقي الخصوم .
ولا زال حال بعض الناس اليوم على هذا ، فتراه يتصل على المفتي في أي ساعة من ليل أو نهار يطلب الفتوى ، وليس في نظره همُّ ولا شغل غيرها ، وهو غير مراع لآداب الوقت ، والمناسب منه في طلب الفتوى .
قوله تعالى : (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ) ص : 22 .
لقد كان من الطبعي أن يخاف داود عليه السلام هؤلاء الداخلين عليه محرابه في ساعة لا يستقبل فيها أحدًا ، لكنهما بادراه بما يريدان ، وهو ما شغلهم ، وجعلهم يأتونه في هذا الوقت الغريب ، وأعلماه بأنهما متخاصمان ، وطلبا منه على سجية بني إسرائيل المتعنتة أن يحكم بينهم بالحق ولا يميل مع أحدهما على الآخر ، وأنَّى لنبي الله داود عليه السلام الذي أوتي الحكمة وفصل الخطاب أن يَحيف على المتخاصمين ، لكنها هِنَةٌ من أخلاق بني إسرائيل الذين قالوا لموسى ، وهو يأمرهم أن يذبحوا البقرة : (أتتخذنا هزوا) البقرة : 67 ، وأنَّى لنبي الله موسى أن يهزأ .
قوله تعالى : (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) ص : 23
هذه هي الخصومة ، خصومة بين صاحبي نعاج ، وهي نعاج حقيقة ، فمجتمع داود عليه السلام مجتمع رعوي زراعي ، يدل على ذلك تلك الخصومة التي ذكره الله سبحانه في سورة الأنبياء بين أصحاب الغنم وأصحاب الحرث ، قال تعالى : (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ) الأنبياء : 78
وهذه المشكلة حصلت بين أصحاب الماشية ، ولتصور الحدث أحكي لك واقع الحدث تخيُّلاً لا تحقيقًا ؛ لتقريب تلك الصورة التي وقعت :
هذان جاران ، أحدهما يملك تسعة وتسعين نعجة ، والآخر يملك نعجة واحدة ، ومن عادة أهل القرى أن تسرح ماشيتهم مع الراعي حتى المساء ، فإذا عادت في المساء دخلت تلك النعجة المنفردة مع نعاج صاحبه الكثيرة .
ثمَّ يأتي صاحب النعجة ليخرج نعجته من بين نعاج صاحبه ، فتخيل ماذا يحدث من إزعاج صاحب النعاج كل ليلة حينما يدخل صاحب النعجة ليخرج نعجته من بين تلك النعاج .
لما كان الحال كذلك ، قال له صاحب النعاج : أكفلنيها ؛ أي : اجعلها في كفالتي ، تبقى مع نعاجي ، وتأكل وتشرب ، دون أن تزعجني كل ليلة وتزعج نعاجي .
لكن صاحب النعجة رجل مُتَعَنِّتٌ ، ضيِّق الفهم ، فركب رأسه ورأى أنَّ في هذا تجنٍ عليه ، ومضايقة له في نعاجه ، وكان رجلاً خَصِمًا ، فخاصم ، وكان هو المتحدث عند داود عليه السلام ، فانطلق في الشكاية ، وأظهر أنه صاحب حقٍّ ، مع أن صاحبه يريد أن يَبَرَّه ، ولم يزد عن قوله : أكفلنيها ، ولكنه زعم أن صاحب النعاج قد غلبه في الخطاب والمخاصمة .
ثمَّ تكلَّم داود مستعجلاً في الحكم في القضية قبل أن يسمع حجة الرجل الآخر ، فقال : (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) ص : 24 ، وبهذا الاستعجال ، وعدم سماع الخصم الآخر ، وقع داود في ما يستحق عليه المعاتبة ، ثم استدرك عجلته في القضية ، فأدرك أنها الفتنة التي اختبره الله بها ، فاستغفر ربه ، وخر راكعً منيبًا لربه .
ثم قال الله معقبًا على قضية الخصوم : (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص : 26 ، فالمقدمة للقصة ، وتضاعيفها وتعقيبها كله في الحكم والقضية ، ولا يظهر لأمر المرأة شيء ، فقد جاءت المقدمة منوهةً بما أعطى الله داود من الحكمة وفصل الخطاب في قوله تعالى : (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) ص : 20 ، ثم ذكر بعدها قضية الخصوم الذين تسوروا المحراب ، ثمَّ عقَّب بتذكير داود بأن الله جعله خليفة في الأرض وأمره له بأن يحكم بين الناس بالحق ، هذا هو ظاهر الآيات ، والله أعلم بالصواب .
مسائل تتعلق بالإسرائليات :
أولاً : تعليق الأمر بالإسرائيلية دون راوي الإسرائيلية .
إن الخبر الغيبي إذا كان مرتبطًا بقصص بني إسرائيل على سبيل الخصوص ، فإن الأولى أن يقال فيه : فيه شبه الخبر الإسرائيلي ، حتى يتوقف فيه ، دون أن يكون التعليق على راوي الخبر ، فلا يقال : يتوقف فيه لأنه من رواية ابن عباس ( ت : 68 ) ، وهو مشهور بالأخذ عن أهل الكتاب ؛ لأن هذا يلزم منه التوقف في كل خبر غيبي يرويه ابن عباس ( ت : 68 ) ، إذ سيقال : يتوقف في هذا النقل ؛ لأن ابن عباس ( ت : 68 ) يروي عن بني إسرائيل ، وعند التحقيق لا تجد الأمر كذلك .
والوارد عن الصحابة له خصوصية ، كما قال شيخ الإسلام ( ت : 728 ) : » ... وما نُقِل في ذلك عن الصحابة نقلاً صحيحًا ، فالنفس إليه أسكن مما نُقِل عن بعض التابعين ؛ لأن احتمال أن يكون سمعه ومن النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منه أقوى ، ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ، ومع جزم الصحابي بما يقوله ، كيف يقال : إنه أخذه عن أهل الكتاب ، وقد نُهوا عن تصديقهم «.[مقدمة في أصول التفسير ، تحقيق : عدنان زرزور ( ص : 58 )]
وابن عباس ( ت : 68 ) قد اشتهر أخذه عن بني إسرائيل ، وصحَّ عنه بعض الأمور الغيبية ، فلو عُمِلَ بهذه القاعدة لما قٌبِلَ قوله فيها ، ولكنَّ الأمر على خلاف ذلك ، فقد قُبِلَ قوله ، وأُخِذَ به ، ومن ذلك ما ورد عنه في الكرسي ، قال عبد الله بن احمد بن حنبل : حدثني أبي ، نا ابن مهدي ، عن سفيان ، عن عمار الدُّهْنِي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : الكرسي موضع القدمين ، والعرش لا يقدر أحد قدره «.[السنة ( 2 : 454 ) ، وقد روي في غير ما كتاب من كتب السنة]
فإذا أعملت هذه القاعدة ، وهي أن من عُرِفَ بالأخذ عن بني إسرائيل ، وكنت ممن ظهر له أن ابن عباس ( ت : 68 ) قد أخذ عنهم ، فإنك ستتوقف في دلالة هذا الخبر ، وهذا ما لم يعمل به أهل السنة ، بل تلقوا خبره بالقبول ، وأثبتوا به هذه العقيدة التي يتضمنها الخبر .
وأخذ ابن عباس ( ت : 68 ) عن أهل الكتاب مما لا يحتاج إلى إثبات ، لكن الأمر الذي يحتاج إلى بحث ما ورد عنه في صحيح البخاري ( ت : 256 ) ، قال : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، أخبرنا ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أنزل إليكم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث ، تقرءونه محضًا لم يُشَبْ ، وقد حدَّثكم أن أهل الكتاب بدَّلوا ، وغيَّروا ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلاً ، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا والله ، ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذى أنزل إليكم « .
فما مراده من هذا النهي ؟
لقد حرصت على تتبع هذا الأثر عن ابن عباس لعلي أظفر بشرح يبين مقصوده ، لكني لم أظفر بشيء في ذلك ، وقد اجتهدت في تبيُّن الاحتمالات التي جعلت ابن عباس ( ت :68 ) يقول هذا ، مع أنه قد ورد عنه الأخذ عن بني إسرائيل ، فظهر لي منها :
أولاً : أن يكون يريد الأحكام والعقائد دون غيرها من الأخبار ؛ لأن هذين الأمرين لا يجوز أن يؤخذا عن غير المعصوم في خبره .
أما الأخبار الأخرى فإنها مما لا يلزم تصديقه ولا تكذيبه ، ولا يُبنى عليها علم ، وليس فيها هدى ، قال ابن كثير ( ت : 747 ) : » ثم ليعلم أن أكثر ما يتحدثون به غالبه كذب وبهتان لأنه قد دخله تحريف وتبديل وتغيير وتأويل وما أقل الصدق فيه ثم ما أقل فائدة كثير منه لو كان صحيحا قال ابن جرير 213 حدثنا ابن بشار أبو عاصم أخبرنا سفيان عن سليمان ابن عامر عن عمارة بن عمير عن حريث بن ظهير عن عبد الله هو ابن مسعود قال لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال « .
ثانيًا : أن يكون رأيًا متأخرًا له .
ثالثًا : أنه رأى كثرة الرجوع إليهم ، فأراد أن يسد هذا الباب .
ثانيًا : معرفة المصدر الذي نقلت منه الإسرائيلية .
ثالثًا : الموقف من كتب التفسير التي تروي الإسرائيليات .
لا تخلو كتب التفسير التي تنقل أخبار بني إسرائيل من حالتين :
الأولى : أن تنقل من كتب أهل الكتاب مباشرة ، كما تجده في كتاب التحرير والتنوير ، للطاهر بن عاشور ( ت : 1393 ) .
الثانية : أن تكون كتب التفسير تنقل بالرواية عمن نقل هذه الإسرائيليات ، وعلى هذا أغلب كتب التفسير ، كتفسير ابن جرير الطبري ( ت : 310 ) ، والكشف والبيان للثعلبي ( ت : 427 ) ، وتفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ( ت : 774 ) ، وغيرها من كتب التفسير التي تعنى بالمأثور عن السلف .
وهذا النوع من كتب التفسير قد يوجه النقد إلى أصحابها بأنهم يروون الإسرائيليات ، ولا ينقدونها .
وإذا تأمَّلت هذه النقود مليًّا ، وجدتها لا توجَّه إلى هؤلاء المفسرين فحسب ؛ لأنهم نقلوا ما وجدوا في الآثار عن السلف ، لكنه في حقيقته يعود إلى نقد منهج السلف في التعامل مع هذه الإسرائيليات ، وذكرهم لها في تفاسيرهم .
إن هذا هو نتيجة نقد الكتب التي تذكر الإسرائيليات ولا تنقدها ، فهل يقع اللوم على المفسر الذي نقل المرويات ، أو يقع على الذين تُروى عنهم من السلف ؟!
إن وجود الإسرائيليات ليس عيبًا يخدش قيمة التفسير ، وليس من الأخطاء لتي يتحملها المؤلفون في التفسير حينما ينقلون ما بلغهم عن مفسري السلف ، وقد أشار إلى ذكر القاسمي ( ت : 1332 ) تحت قاعدة بعنوان ( قاعدة في قصص الأنبياء والاستشهاد بالإسرائيليات ) ، قال :» ... فإذً لا يخفى أن من وجوه التفسير معرفة القصص المجملة في غضون الآيات الكريمة ، ثم ما كان منها غير إسرائيلي ؛ كالذي جرى في عهده صلى الله عليه وسلم ، أو أخبر عنه ، فهذا تكفل ببيانه المحدثون ، وقد ررو بالأسانيد المتصلة ، فلا مغمز فيه .
وأما ما كان إسرائيليًا ، وهو الذي أخذ جانبًا وافرًا من التنْزيل العزير ، فقد تلقى السلف شرح قصصه ، إما مما استفاض على الألسنة ودار من نبئهم ، وإما من المشافهة عن الإسرائيلين الذين آمنوا .
وهؤلاء كانوا تلقفوا أنباءهم من قادتهم ؛ إذ الصحف كانت عزيزة لم تتبادلها الأيدي كما هو في العصور الأخيرة . واشتهر ضنُّ رؤسائهم بنشرها لدى عمومهم ، إبقاءً على زمام سيطرتهم ، فيروون ما شاءوا غير مؤاخَذين ولا مناقَشين ، فذاع ما ذاع .
ومع ذلك فلا مغمز على مفسرينا الأقدمين في ذلك ، طابق أسفارهم أم لا ، إذ لم يألوا جهدًا في نشر العلم وإيضاح ما بلغهم وسمعوه ؛ إما تحسينًا للظن في رواة تلك الأنباء لا يروون إلا الصحيح ، وإما تعويلاً على ما رواه الإمام أحمد والبخاري والترمذي عن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : » بلغوا عني ولول آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج « . ورواه أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هؤيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : » حدثوا عن بني إسرائي ولا حرج « . فترخَّصوا في روايتها كيفما كانت ، ذهابًا إلى أن القصد منها الاعتبار بالوقائع التي أحدثها الله تعالى لمن سلف ؛ لينهجوا منهج من أطاع ، فإُثنِي عليه وفاز ، وينكبوا عن مهيع من عصى فحقت عليه كلمة العذاب وهلك . هذا ملحظُهم رضي الله عنهم .
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل أنه كان يقول : » إذا روينا في الأحكام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل تساهلنا « . فبالأحرى القصص . وبالجملة : فلا ينكر أن فيها الواهيات ـ بِمَرَّة ـ والموضوعات ؛ مما استبان لمحققي المتأخرين .
وقد رأيت ممن يدعي الفضل ـ الحطَّ من كرامة الإمام الثعلبي ـ قدَّسي الله سره العزيز ـ لروايته الإسرائيليات ، وهذا ـ وايم الحقِّ ـ من جحد مزايا ذوي الفضل ومعاداة العلم ، على أنه ـ قُدِّس سرُّه ـ ناقل عن غيره ، وراوٍ ما حكاه بالأسانيد إلى أئمة الأخبار ، وما ذنب مسبوق بقول نقله باللفظ ، وعزاه لصاحبه ؟!
فمعاذًا بك اللهم من هضيمة السلف ... «.[محاسن التأويل ( 1 : 41 ـ 42 )]
رابعًا : بعض قصص القرآن لا يوجد في كتب بني إسرائيل .
إن دراسة الإسرائيليات الواردة عن السلف تحتاج إلى موازنة مع القصص الغيبية الأخرى التي يُقطع بأنها لم ترد عن بني إسرائيل ، وليست من أخبارهم ؛ كقصص قوم هود وقوم صالح وقوم شعيب ، ويُنظر هل ورد فيها عنهم أخبار عجيبة وغريبة أم لا ؟
إن ورود غرائب في قصص هؤلاء الأنبياء لا يمكن أن يكون مأخوذًا عن بني إسرائيل قطعًا ؛ لأنه لا يوجد في أخبار بني إسرائيل غير نبأ آدم ونوح وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب ويوسف ، ثم أخبار أنبياء بني إسرائيل بدءًا بموسى عليه السلام .
أما غيرهم من الأنبياء في الأمم الأخرى ـ خصوصًا العرب الذين كانوا يحقدون عليهم ـ فلا يوجد لهم ذكر في أسفارهم .
والله الموفق