كثُر الحديث حول آيتين في كتاب الله تعالى، وهما قوله تعالى: {قالوا آمنا برب العالمين. رب موسى وهارون} (الأعراف:121ـ 122)، وقوله تعالى: {قالوا آمنا برب هارون وموسى} (طه:70)، والكل يحاول البحث جاهداً حول سر التقديم والتأخير في هاتين الآيتين، وهم مشكورون على ما يقدمون خدمةً لأنفسهم في الترقي في سلم التدبر والتفكير في كتاب الله تعالى، وأنا واحد من أولئك الذين يريدون لأنفسهم الأجر والخير من خلال البحث في كتاب الله، وقد حاولت تدبر هذه الآيات استجابة لقوله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدَّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} (ص:29) فكان الآتي: إذا دققنا النظر في آيات "الأعراف" نجد قوله تعالى: {قالوا آمنا برب العالمين* رب موسى وهارون} (الأعراف:121ـ 122)، وفي "طه" نجد قوله تعالى: {قالوا آمنا برب هارون وموسى} (طه:70)، وفي كلا الموضعين أُخِّر ذكر موسى، فمرةً قُدِّم عليه العالمين، ومرةً هارون، فهو على كلا الحالين متأخر من حيث الذكر، وبيان ذلكأن السحرة حين آمنوا، لم يكن لهم تعلق بذات موسى عليه السلاموشخصه، وإنما تعلقوا بدعوته، وهم بذلك يقرون بحقيقةٍ مفادها؛ أن حقيقة الارتباط هي بالله سبحانه وتعالى، لا بأشخاص وذوات، وهذه الحقيقة هي في غاية الإخلاص ومنتهى الدقة المنهجية؛ وذلك أن فرعون عليه سحائب اللعنة وعلى من تبع منهاجه إلى يوم القيامة، أراد أن يحول الدعوةـ أي دعوة موسى عليه السلام -ـ إلى دعوة شخصية، ويجعل الخصومة بينه وبين موسى، لا بينه وبين الله جل في علاه، ومن ثم تضيع الحقيقة، ولذلك عندما جاء موسى عليه السلام: {وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين} (الأعراف:104) أراد فرعون أن يضيع حقيقة البينات التي أبانها موسى للناس، وتكفل الملأ بهذا حين قالوا: {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون} (الأعراف:109ـ110) فها هنا نرى منهجية الإضلال والتضليل تلعب دورها، والناس لا يعلمون إلا ظاهراً من القول، ولذا ينزلقون وراء التمويهات والتعريجات حتى تنقطع بهم السبل، ولكن هذا الأمر لا يخفى على أهل العلم - أعني السحرة - فهم من يدرك أبعاد القول، ومرامي الكلام، ومن أجل ذلك كان قولهم مدروساً غير قلق ولا نافر، فقدم بعضهم ذكر رب العالمين، ثم قالوا: رب موسى وهارون، ليبينوا لفرعون أن الاستجابة كانت لدعوة موسى لا لشخص موسى، فالإيمان برب العالمين قبل أن يكون إيماناً برب موسى، وقدم الآخر هارون على موسى لأجل هذا الغرض بالذات، فأرادوا قطع تمويهه، فقلبوا السحر على الساحر، وهم أهل الخبرة بالسحر، فأغاظوا فرعون حتى جعلوه يبتكر أشد أنواع العذاب والإيلام، لكن هيهات هيهات مع من آمن عن علم وبينة. ولذا رأينا أن فرعون أصر واستكبر بطغيان وعنجهية فقال: {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر...} الآية (طه:71) فكان الإصرار منه أن يحول القضية بينه وبين موسى لتكون أبعادها شخصية لا عقائدية، وغرضه من ذلك التمويه كما يفعل فراعنة كل عصر ومصر؛ فقال: {إنه لكبيركم الذي علمكم السحر}، ومن هنا يُعلم سر تعدية الفعل باللام دون الباء فلم يقل:"به"، وإنما:"له" وذلكم ليختص بشخص موسى دون دعوته، مع أنه متأخر في اللفظ! لكن ماذا قال الفريق الآخر من السحرة؟! {قالوا آمنا برب العالمين} (الأعراف: 121)، فماذا رد فرعون؟ {قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون} (الأعراف:123). وفي هذا الرد نجد أن تعدية الفعل كانت بالباء، وهذا يدل على أنه أنكر عليهم إيمانهم بالله لا بموسى فحسب، وهذه الخطوة الأولى التي انزلق بها فرعون فأبدى أنياب الغدر على حين غرة، ثم لننظر فيسر إظهار اسم فرعون في الأعراف دون طه؟ والجواب أن القرآن يريد أن ينقلنا من خلال المقابلة من مرحلة إلى مرحلة، فالحقيقة هاهنا أصبحت واضحة جلية، أصبحت بين الحق والباطل بأجلى صوره، إنها بين رب العالمين وفرعون، وعليه فقدأوقع هذا الفريق فرعون في مأزق حرج، وتكشفت أنيابه من غير أن يشعر، وبناءً على ذلك فإننا نفهم أن كلاً من الفريقين سلك طريقاً في جواب فرعون غير الطريق الذي سلكه الفريق الآخر ليوقعوه ويحرجوه. نعم، قد أوقعوا فرعون من حيث لا يدري ولا يريد، وبالتالي نكون قد علمنا أن السحرة فريقان، وكل منهم سلك طريقاً في الجواب، ونلحظ كذلك أنهم اتفقوا في المبدأ، أي في مبدأ تأخير ذكر موسى عليه السلام؛ لكي لا تكون القضية شخصية بين موسى وفرعون، وذلك نابع من فهمهم لشخصية فرعون التمويهية، فكان التأخير من فريق بعد ذكر العالمين، والفريق الآخر بعد ذكر هارون، ولكل بيانه وفائدته في إيقاع أهل الشر في الشَرَك. هذا ما يبدو لي من تقديم هارون على موسى– والله أعلم بما ينزل -، وبالطبع لا يمنع هذا أن تأتي الفاصلة على أتم وجه وأجمله من الجرس، وبه يظهر إعجاز القرآن في جلاله وكماله.
أعتقد والله أعلم أن البحث في مثل هذه الأحداث الواردة بأساليب مختلفة يجب أن نحقق في مسألة مهمة وقد أشرت إليها في مداخلات سابقة وهي:
هل ما ينقل إلينا من القصص القرآني هو على سبيل النص أو الحكاية ؟
الذي أعتقده ـ والله أعلم ـ أنه على الحكاية ، أي أنه كلام الرحمن يحكي لنا ما حدث بأساليب متنوعة ، وعليه يكون البحث في البلاغة القرآنية لماذا قدم هذا هنا وأخره هناك ؟
هذا والله أعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
هذا راي يحتاج الى مراجعة فالقول بان السحرة فريقان يحتاج الى دليل والقول بانهم قالوا كلاما مختلفا بحسب اختلافهم لادليل عليه فالقصة قصة واحدة والموقف واحد والسحرة ليسوا مفرقين
على كل حال هو اجتهاد ماجور من اخينا الدكتور المثنى لكنه فيما اتصور يحتاج الى اعادة نظر
"ألم نربك فينا": ففرعون رب من جهة التربية من الطفولة. وعليه عندما يقال:" آمنا برب موسى وهارون" يلتبس الأمر، ومنعاً للالتباس يقدم هارون:" آمنا برب هارون وموسى".
أما عندما يقال:" آمنا برب العالمين" فلا يعود هناك احتمال أن يكون المقصود فرعون، فلا بأس عندها أن يُقدّم موسى لأنه الأصل:" رب موسى وهارون".
ما ذكره أبو سعد الغامدي مشكوراً مشكورٌ، فالنصوص التاريخية في كتاب الله تعالى جاءت على سبيل المعنى لا اللفظ، وأكبر دليل على ذلك أن القائل لم يتكلم لغة القرآن، لكن يجب لحاظ أمر هام وهو أن القرآن ينقل لنا معنى القول بأبعاده المختلفة، بحيث تعرف القول بأبعاده النفسية والاجتماعية والبيئية والتربوية، وهذا واضح لمن تدبر القصص القرآني.
وما تفضل به أستاذنا الدكتور جمال أبو حسان مقبول حال كوني أقصد بالفريقين فريقين اثنين مختلفين، بمعنى يوجد فريق (أ) وفريق (ب)، لا فأنا لم أقصد هذا إذ لا دليل عليه من لغة أو أثر أو سياق، والمقصود أن السحرة عندما أجابوا فرعون بعضهم قال: {آمنا برب العالمين * رب موسى وهارون} وبعضهم قال: {آمنا برب هارون موسى}، ولا ضير أن يكون ذلك هو الذي حصل ألبتة، بل إن اختلاف التعبير في النص القرآني ليدل على أن هذا هو الذي حصل، وهما جوابان متفقان من حيث المعنى والمضمون، وقد عبر عنهما القرآن بما يكشف مراوغةَ فرعون، وعلمَ السحرة بهذه المراوغة، مما يزيدنا يقيناً بأن أنصار الفراعنة قد يكون فيهم الخير المرتجى إن أُحسن إقناعهم بما يمتلكون من أدوات إقناع الآخرين، والله أعلم.
المشكلة هنا لم تحل بعد فالقول بان بعضا قال هذا القول والاخرون قالوا غيره ليس له ما يؤيده والقران قال: قالوا مشيرا الى السحرة دون ان يظهر ما يدل على انقسامهم لاكثر من مجموعة والذي يتدبر القصص يظهر له ان السحرة لم يختلفوا ابدا
والله اعلم
"ألم نربك فينا": ففرعون رب من جهة التربية من الطفولة. وعليه عندما يقال:" آمنا برب موسى وهارون" يلتبس الأمر، ومنعاً للالتباس يقدم هارون:" آمنا برب هارون وموسى".
أما عندما يقال:" آمنا برب العالمين" فلا يعود هناك احتمال أن يكون المقصود فرعون، فلا بأس عندها أن يُقدّم موسى لأنه الأصل:" رب موسى وهارون".
وجدت خلال قراءتي لبعض المشاركات من قال ما معناه أن الله تعالى تكلم بالمعنى لا باللفظ ..
ولم أفهم تلك العبارة جيدا ؛ لأني لم أبحث هذه المسألة البحث العلمي الدقيق .. فهل تكلم الله تعالى بنص القرآن الكريم ؛ أم تكلم بمعناه ؟
آمل الإفادة من الإخوة الباحثين الفضلاء .
وجدت خلال قراءتي لبعض المشاركات في موضوع "السر في تقديم هارون على موسى" من قال ما معناه أن الله تعالى تكلم بالمعنى لا باللفظ ..
ولم أفهم تلك العبارة جيدا ؛ لأني لم أبحث هذه المسألة البحث العلمي الدقيق .. فهل تكلم الله تعالى بنص القرآن الكريم ؛ أم تكلم بمعناه ؟
آمل الإفادة من الإخوة الباحثين الفضلاء .
يبدو أنك ما فهمت المقصود يا أخانا إبراهيم
القرآن كلام الله تعالى بلفظه ومعناه
وإنما قلنا إن القصص في كتاب الله والحوارات الموجودة في القرآن إنما تكلم الله بها بطرق مختلفة ، ولم يحكها لنا كما تكلم بها أصحابها ، بمعنى : أن الله لم يقل لنا نص كلام الجن في سورة الجن ، بل ذكر لنا معنى كلامهم بكلامه هو تبارك وتعالى ، وذكر لنا قول السحرة بكلامه هو ، وذكر لنا قول مريم بكلامه هو ، وذكر لنا قول زكريا بكلامه هو تبارك وتعالى ، وذكر لنا تكلمه مع موسى بكلامه بطرق مختلفة في كل سورة.
هذا الذي أعتقده وقد أشرت إليه في الموضوع الذي أشرت إليه.
إنما قصدت قول الأخ الفاضل : د. المثنى عبد الفتاح حين قال : فالنصوص التاريخية في كتاب الله تعالى جاءت على سبيل المعنى لا اللفظ، وأكبر دليل على ذلك أن القائل لم يتكلم لغة القرآن، لكن يجب لحاظ أمر هام وهو أن القرآن ينقل لنا معنى القول بأبعاده المختلفة، بحيث تعرف القول بأبعاده النفسية والاجتماعية والبيئية والتربوية، وهذا واضح لمن تدبر القصص القرآني.
وجزاك الله خيرا على التوضيح .
ومع ذلك هل نص أهل العلم على هذه المعلومة المفيدة ؛ أعني أن قول القائلين في القرآن الكريم روي بالمعنى دون اللفظ ؛ وهل هناك أدلة لصرف ظاهر القرآن عن ظاهره :"قالو : أنصتوا.." "قال فرعون : "يأيها الملأ .." "قال قائل منهم : لا تقتلوا .."...إلخ.
يقول الشعراوي في تفسيره :
" { فَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ}[الشعراء: 47ـ48]. ونعلم أن موسى ـ عليه السلام ـ هو الأصل، ثم أُرسِل معه أخوه هارون، ولما عرضَ القرآن موقف السحرة مع موسى حكى قولهم: { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [طه: 70] وقولهم:{ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }[الشعراء: 47ـ48]. لذلك كانت هذه المسألة مثارَ جَدَل من خصوم الإسلام، يقولون: ماذا قال السحرة بالضبط؟ أقالوا الأولى أم الثانية؟ ولك أن تتصور جمهرة السحرة الذين حضروا هذه المعركة، فكان رؤساؤهم وصفوتهم سبعين ساحراً، فما بالك بالمرؤوسين؟ إذن: هم كثيرون، فهل يُعقل مع هذه الكثرة وهذه الجمهرة أن يتحدوا في الحركة وفي القول؟ أم يكون لكل منهم انفعاله الخاص على حَسْب مداركه الإيمانية؟ لا شَكَّ أنهم لم يتفقوا على قول واحد، فمنهم مَنْ قال { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [طه: 70] وآخرون قالوا:{ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }[الشعراء: 47ـ48]. كذلك كان منهم سطحيّ العبارة، فقال{ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }[الشعراء: 47ـ48] ولم يفطن إلى أن فرعون قد ادّعى الألوهية وقال أنا ربكم الأعلى فربما يُفهم من قوله{ رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ }[الشعراء: 48] أنه فرعون، فهو الذي ربّى موسى وهو صغير. وآخر قد فطن إلى هذه المسألة، فكان أدقَّ في التعبير، وأبعد موسى عن هذه الشبهة، فقال: { آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ } [طه: 70] وجاء أولاً بهارُون الذي لا علاقة لفرعون بتربيته، ولا فضل له عليه، ثم جاء بعده بموسى. إذن: هذه أقوال متعددة ولقطات مختلفة لمجتمع جماهيري لا تنضبط حركاته، ولا تتفق تعبيراته، وقد حكاها القرآن كما كانت فليس لأحد بعد ذلك أن يقول: إنْ كان القول الأول صحيحاً، فالقول الآخر خطأ أو العكس. وما أشبه هذا الموقف الآن بمباراة رياضية يشهدها الآلاف ويُعلِّقون عليها، تُرى أتتفق تعبيراتهم في وصف هذه المباراة؟ نقول: إذن، تعددت اللقطات وتعددت الأقوال للقصة الواحدة لينقل لنا القرآن كل ما حدث."
إشارة إلى ما ذكر من نص الشيخ الشعراوي: أرجو أولا التنبيه إلى خطأ فى عزو الآية في السطر الثاني.
ثم أود أن أقول مع احترامي الشديد لمقام الشيخ الشعراوي: ليس هناك شبهة أصلا ليصح القول بأن بعضهم كان أدق وبعضهم كان سطحي العبارة، بل الذي يظهر أن كلهم كانوا دقيقين فى العبارة حيث ذكروا رب العالمين ودفعا للشبهة حيث كان فرعون يدعى كونه الرب الأعلى، ذكروا موسى وهارون كليهما، حيث كانا رمزا لدعوة الإيمان بالله وإنكار دعوى فرعون.
الإخوة الأفاضل جزاكم الله خيرا
أبدأ بتصحيح الخطأ ، فالآية هي : { فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } الآية 70 سورة طه
إذا أمعنا النظر في آيات سورة طه وسورة الشعراء يتبين ما يلي :
الآيات في سورة طه تتناول الأمر الإلهي المباشر : {{قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى{70} }}
أما ما في سورة الشعراء فهو التطبيق الفعلي للأمر الإلهي على أرض الواقع : {{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{45} فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{48} }}
ولهذا والله أعلم اختلفت كلمتا : سجدا / ساجدين ، وبالتالي سيختلف فعل : قالوا : فالأول كوني ، نفسي ، الله يعلم حالتهم لأن كيانهم سينفعل بالمعجزة الإلهية التي فعلت فعلها بالسحرة ، فكان حتما الخضوع لها .
أما كلمة قالوا الثانية ، فهي القول المسموع التطبيقي . لأن كل الدلالات تؤكد ذلك : منها التتابع في المراحل الإجراءية وقصر الآيات والتعبير المنطقي : {{ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{48} }} سورة الشعراء
والله أعلم
الآية 70 من سورة طه لا تتناول الأمر الإلهي، بل هي تتحدث عن النتيجة الفعلية للتطبيق الفعلي للأمر الإلهي، مثل آيات سورة الشعراء 46 - 48 ، إلا أن الإخبار عن التطبيق الفعلي مذكور في سورة الشعراء ومفهوم في سورة طه، كما أن الأمر الإلهي غير مذكور في سورة الشعراء ولكنه مقدر في ضوء سورة طه.
بالرجوع إلى الآيات من جديد يتبين ما يلي :
الأمر الإلهي المباشر في سورة طه : [قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69}]ثم يأتي التطبيق الفعلي في سورة الشعراء : [ فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{45}
ثم تلتقي الآيتان المتفقتان في النتيجة الحتمية التي تعبر عن صيغتين مختلفتين :
الأولى مجاورة للأمر الإلهي المباشر : [ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى{70}]سورة طه
والثانية مجاورة لتطبيق الأمر الإلهي من طرف موسى عليه السلام : [ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ{47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{48}] سورة الشعراء
فما الفرق إذن بين المشهد الأول والمشهد الثاني ، أعتقد أن المشهد الأول هو مشهد نفسي داخلي حيث في آية واحدة ألقوا سجدا وقالوا : آمنا برب هارون وموسى . فكلمة : سجدا تلقي بظلالها على المشهد الإيماني الحتمي المتماسك مع تلفظهم بالإيمان بالتابع والمتبوع ( هارون وموسى )، وهي أشد قوة ، وأكثر إيمانا ، وبالتالي فهي صورة حقيقية لما انتابهم من الإيمان القوي وهم يشاهدون هذه المعجزة العظيمة .
بينما في المشهد الثاني الذي نجده في سورة الشعراء والذي يؤكد على المشهد العملي التطبيقي أمام الناس حيث : ألقوا ساجدين ، قالوا : آمنا برب العالمين ، رب موسى وهارون .
والله أعلم
جميل هذا الحوار عن مسألة تقديم هارون على موسى مرة وتأخيره مرة أخرى ولكن،،
هل فيها تقديم وتأخير؟
فالله جل وعلا عطف هارون على موسى بحرف الواو وجمهور نحاة البصرة لا يرون أن الواو تفيد ترتيبا وإنما مجرد العطف
فسواء قال هارون وموسى أو موسى وهارون فلا فرق
ولعل هذا الاختلاف في سر التقديم والتأخير قد يعد دليلا من أدلتهم على عدم إفادة الواو للترتيب
ولو كان العطف بالفاء دون الواو لكان لهذا الاختلاف وجها!!
والله أعلم.
هذا راي يحتاج الى مراجعة فالقول بان السحرة فريقان يحتاج الى دليل والقول بانهم قالوا كلاما مختلفا بحسب اختلافهم لادليل عليه فالقصة قصة واحدة والموقف واحد والسحرة ليسوا مفرقين
على كل حال هو اجتهاد ماجور من اخينا الدكتور المثنى لكنه فيما اتصور يحتاج الى اعادة نظر
بل هم فريقان : سحرة هواة، وسحرة محترفون.
سورة الأعراف تعرضت لفريق السحرة الهواة: (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ )
سورة الشعراء قصت علينا أقوال السحرة المحترفين: (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ).
لا شك أن طلبات الهواة تختلف عن طلبات المحترفين، فالساحر الذي يمارس السحر كهواية يشترط دفع أجر مقابل عمله لأن الفرصة لن تتكرر بالنسبة له، أما الساحر المحترف فمصدر رزقه من مزاولة السحر ، فمن الطبيعي ألا يشترط أجرا مقابل ما يقوم به إرضاء للحاكم لكي لا يضايق من طرف السلطة في مصدر رزقه .
أما شرط السحرة الهواة فهو : إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ .
وأما السحرة المحترفون فقالوا : أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ ، هذا سؤال منهم واستفسار وليس اشتراط، فهم يمارسون السحر كمهنة ، فإن لم يؤجروا على عملهم في هذه المرة فقد يعوضوا في مناسبات أخرى، كما أن المحترف يسعى جاهدا للحفاظ على مصدر رزقه بكل الوسائل الممكنة بما فيها التملق للسلطة، ألم تر أن السحرة المحترفين هم الذين تملقوا لفرعون فقالوا : بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ) !!
أحسن ما اطلعت عليه كجواب للمسألة هو قول الإمام برهان الدين البقاعي: لما كان سياق هذه السورة مقتضياً لتقديم موسى على هارونعليه السلام والمعنى الذي بنيت عليه السورة ما كان ينتظم إلا بذلك ويؤيد ذلك أنه قال هنا {إنا رسولا} وفي الشعراء {رسول}، اه وأيضا ما جاء من جعله وزيرا له ومترجما عنه.
"مع ما في ذلك من الدليل على صدق إيمانهم وخلوص ادعائهم بتقديم الوزير المترجم ترقياً في درج المعرفة ممن أوصل ذلك إليهم إلى من أمره بذلك ثم إلى من أرسله شكراً للمنعمين بالتدريج".
فكرة وجود فريقين من السحرة تحدثا بصيغتين مختلفتين لم يستبعدها د. فاضل السامرائي حفظه الله
قال
في سورة طه (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)) ووردت (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) فما دلالة التقديم والتأخير؟
ذكرنا في أكثر من مناسبة أن التقديم والتأخير أولاً للعلم ليس بالضرورة أن يتقدم من هو الأفضل أو ما هو أفضل وقد يتقدم المفضول بحسب السياق ويتأخر ما هو أفضل ليس بالضرورة أن يتقدم الأفضل إنما السياق يحدد. بالنسبة لهارون وموسى وموسى وهارون ذكرناها في أكثر من مناسبة في سورة طه قدم هارون على موسى (هَارُونَ وَمُوسَى) وفي الشعراء (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ). وقسم ذهبوا إلى أنه قدم موسى على هارون في طه لتواصل الفاصلة القرآنية باعتبار أن سورة طه أغلب آياتها في الألف (الفاصلة القرآنية) وفي الشعراء هي هكذا. الحقيقة في هاتين السورتين نلاحظ في سورة طه تكرر ذكر هارون كثيراً وجعله الله تعالى شريكاً لموسى في التبليغ ولم يذكر هذا في الشعراء. على سبيل المثال في طه قال (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)، اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45)) كلها بالتثنية (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)) حتى خطاب فرعون كان لهما على سبيل التثنية (قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)، قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)) في الشعراء مرة قال (وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (16) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (17)) فقط والباقي كل الكلام مع موسى والخطاب موجه إلى موسى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29)) (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)) لم يقل ساحران. هنالك أمر آخر في طه ذكر خوف موسى (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)) لكن لم يذكر أن هارون خاف موسى هو الذي خاف نحن لا نعلم إذا خاف هارون لكنه لم يذكرها وذكر خوف موسى. عندنا تقديم وتأخير، في حالة الخوف يقدّم هارون على موسى وفي حالة عدم الخوف قدم موسى على هارون إضافة إلى السياق إذن الحالتين ليستا متماثلتين. موسى خاف في سورة طه (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68)) قدم هارون على موسى لأن موسى هو الذي خاف فأخّر الخائف.
* إضافة إلى ملاحظة أخرى، في سورة طه تبدأ السورة بـ (طه) فيها حرف من حروف هارون (الهاء) ليس فيها حرف من حروف موسى وفي الشعراء تبدأ (طسم) فيها حرف من حروف موسى وليس فيها من حروف هارون، هذا كملاحظة عامة.
_________
*هل يجوز أن نقول أن للفاصلة القرآنية دخل في هذا التقديم والتأخير؟
نحن لا ننكر، لكن لا ينبغي أن نقول نقصره على الفاصلة القرآنية لأنه أحياناً القرآن يضرب الفاصلة القرآنية إذا اقتضى الأمر (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)) (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39)) ليس فيها مراعاة للفاصلة وكثيراً في القرآن لا ينظر إلى الفاصلة القرآنية.
هناك في قصة السحرة الذين جاء بهم فرعون مرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) الشعراء) ومرة قالوا (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) طه) فعندنا سبعين ساحراً منهم من قال (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) ومنهم من قال (رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) قال بعض المفسرين أن الله تعالى حتى ينقل لنا الصورة كاملة نقلها بهذين الشكلين حتى يأتي لنا بالصورة كاملة لأنه ليس كل السحرة قالوا نفس القول؟ جمع الله تعالى الآيتين فأعطانا الصورة كاملة عما قاله السحرة.
سورة الاعراف فيها تقريع لبني اسرائيل وفيها غلظة فناسبها تقديم موسى على هارون لان موسى كان له سطوة على بني اسرائيل وكانت بني اسرائيل تخاف منه بعكس هارون الذي كان اكثر ودا لهم وهذا واضح من سياق سورة الاعراف كيف كان لموسى سطوة عليهم وتقريع لهم وموسى اسم يدل هلى معناه فهو موسى بمعنى السكين او الموسى اي انه حاد قوي
وفي سورة طه كان يغلب عليها الود واللين فكان تقديم هارون على موسى
بسم1
تقديم هارون على موسى تقديم للإيمان بالحجة المروية بفصيح القول على الحجة المشهودة وتم التعاطف بينهما بالواو فى سورة طه وكذلك الأمر فى سورة الشعراء ولكن بتقديم الحجة المشهودة على المروية والعطف بالواو أفاد مطلق الجمع دون ترتيب فى الفضل فكلاهما مطلوب فى مسألة التوحيد فالقصة واحدة والحكاية عنها بينت إختلاف ردة فعل السحرة نتيجة لعرض الآيات المتلوة والمشهودة إلا أن محصلة الدمج بينهما هى التوحيد والسجود وهذا مادلت عليه الآيات فصاحب العصا طلب مؤازرة صاحب اللسان وتم مراد الله عز وجل بهما عليهما السلام وموافقة ذلك للفاصلة من الإعجاز البلاغى.
وعلم السحرة عن يقين أن ما قام به موسى عليه السلام ليس سحرا بل المرئى ثعبان حقيقى ولم يبقى لهم شيئا من عدتهم فأصبحوا على يقين أيضا مما سمعوا من آيات لكن قد يلتبس الأمر على غيرهم من الشهود فيظنوا أن هذا من السحر أيضا ولذلك تقديم هارون على موسى كى يعلم فرعون وملأه أن الإيمان للحجة المسموعة قبل المرئية فالحجة المسموعة هى حجة الدليل والبرهان وليس لها علاقة بالسحر ولم يكن فرعون ربا لهارون فيكون الإيمان لله رب العالمين فى قوله تعالى{ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } كما هو فى قوله تعالى{ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) } فلم تكن العزة للفرعون بتقديم موسى على هارون عليهما السلام فى سورتى الأعراف والشعراء ولا بتقديم هارون على موسى عليهما السلام فى سورة طه والدليل على ذلك لم يتغير وعيد الفرعون للسحرة فى الحالتين قال تعالى{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)} وقال تعالى{قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (49)}وقال تعالى{ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)}
فالقصة تقف بنا عند وسيلة من وسائل الدعوة فى قضية التوحيد ألا وهى أن تكون الدعوة إلى الله عز وجل بالمروى عنه من آياته والمشهود منها معا فكلاهما يصدق الآخر فقد تقوم بعرض الآية المرئية وتلحقها بالآية المتلوة أوالعكس فى ذلك فيفتح باب الإيمان ويكون التوحيد لله رب العالمين ويقر من اهتدى بذلك ويكفر من تكبر وافترى.
هذا والله أعلم
بسم1
فى سورة الأعراف قال تعالى{ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)} وفى سورة الشعراء قال تعالى{قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34)يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) } وفى سورة طه قال تعالى{ قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) }
ويتضح من ذلك أن فرعون كفر بالحجة المروية فى توحيد رب العالمين ولم يقدم مايدفعها ولم يجد بد من الافتراء على موسى عليه السلام ورميه بالسحر عندما عرض عليه حجته المشهودة فى تحول العصا إلى ثعبان واتبعه بلاطه فى ذلك .
فنجد أنه عندما كانت تهمة السحر موجه لموسى فقط فى سورتى الأعراف والشعراء كان الاقرار بالإيمان من السحرة لله رب العالمين على وجه العموم فى المقدمة والذى سبق التعريف به جل جلاله وهذا الاقرار من جانب السحرة يؤكد أن ما قام به موسى عليه السلام هو من عند الله عز وجل وليس سحرا وبالرغم من شمول الربوبية لموسى وهارون عليهما السلام فجاء قوله تعالى{ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (48) } يحمل مزيد اهتمام بحجة كل منهما عليهما السلام فى التوحيد .وفى سورة طه اتفق البلاط الفرعونى على توجيه تهمة السحر إلى كل من موسى وهارون عليهما السلام فجاء قوله تعالى{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) } فيه تأكيد أيضا من قبل السحرة على أن الإيمان لله رب العالمين فتقديم هارون عليه السلام تقديم لحجته التى ليس لها أية علاقة بصنعتهم فضلا عن حجة موسى التى هى من عند الله عز وجل والتى قد يظن بها ذلك من غيرهم فيكون الإيمان لله رب العالمين فى الحالتين .
هذا والله أعلم
حتى لو ذكر في سورة طه لفظة لساحران ما علاقة ذلك بتقديم هارون على موسى واخ علي في مدخلتك السابقة قلت ان عصا موسى تحولت الى ثعبان امام السحرة قال تعالى" وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ " لم يذكر الله سبحانه ان العصا تحولت الى ثعبان بل ذكر ان عصا موسى "تلقف" ولم يقل اكلت او بلعت
فى سورة الأعراف قال تعالى{ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ }
ومن سورة الشعراء قال تعالى{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}
وفى القصص قال تعالى{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ}
وفى سورة طه قال تعالى{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) }
وقال تعالى{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) }
وقال تعالى{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)}.فالآية المشهودة هى تحول العصا إلى حية تسعى فهذا موطن التحدى أن تلقى العصا وتتحول إلى ثعبان أو حية تسعى ولهذا جمع السحرة وإن كنت تريد التحرى فى هذه المسألة راجع معنى { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} والآية (66) من سورة طه فتجد إن شاء الله المسألة محسومة وهى ليست موضع خلاف أصلا.
أما بخصوص تقديم هارون على موسى عليهما السلام فى سورة طه نجد أن الله عز وجل بين أن البلاط الفرعونى ألصق تهمة السحر بكل من موسى وفرعون عليهما السلام قال تعالى{فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) }ووجدوا فى ذلك مخرج من الورطة ولكن لم يمر ذلك مع من آمن من السحرة قال تعالى{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) } فقالوا قولة الإيمان عن يقين فهم أهل صنعة بالسحر وأهله وكان هارون عليه السلام أبعد مايكون عن هذه المسألة بشهادة من ألصقوا به التهمة فهم تنازعوا بينهم الأمر فى ذلك واقتصر دوره على الحجة المسموعة فكان الإيمان بحجته مقدما على الإيمان بحجة موسى عليه السلام بالرغم من قوتها فى التأثير على سحرة الفرعون فقد كان سجودهم لله فى عقبها لخصوص علمهم بأنها لم تكن سحرا فيكون الإقرار بالإيمان لله رب العالمين من جهتين من جهة الحجة المسموعة والتى أبعد ماتكون عن السحر ولا قبل لهم بردها فلم يقم هارون عليه السلام بحجة تمس صنعتهم ومن جهة الحجة المشهودة والتى هم بها أعلم من غيرهم فلم تكن سحرا أيضا ولكن الحجة من جنس مابرعوا فيه و الظن فيها وارد من غيرهم ولذلك تأخرت وقول أهل العلم صحيح أيضا من جهة الفاصلة لكنه لا يمنع التماس معنى من وراء ذلك كما تفضل به أهل العلم فى هذا الموضع وسبحان من كان هذا كلامه والله أعلم بمراده.
بسم1
العصا تحولت إلى ثعبان ثلاث مرات فى البداية عندما كلم موسى ربه قال تعالى{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20)} ثم بعد ذلك ذهب موسى إلى فرعون قال تعالى{ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) } فالأولى للدربة والثانية للعرض أمام الفرعون فماذا قال الفرعون بعدها قال تعالى{ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) }
والثالثة للتحدى أمام السحرة وقال تعالى{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66)} فلماذا تسعى؟ لتظهر للناظرين أنها حيات كما فعل موسى عليه السلام وتسقط بذلك حجته وهذا موطن التحدى أن يظهر موسى حية فيظهروا حيات فالمشهد المنتظر من موسى عليه السلام هو ماشهده الفرعون وبلاطه ولذلك قال الفرعون {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ } فالمثل هو المتوقع من الجميع وهذا هو شرط المباراة والذى خيل للشهود أنه تحقق بالحيات التى تسعى ولذلك أوجس فى نفسه خيفة موسى عليه السلام فهو يعلم علم اليقين أنه لو ألقى عصاه سوف تتحول ثعبان ولكن تنتهى المباراة بالتعادل فشاء الله عز وجل أن يلقف ثعبان الحق حيات الباطل.
فلاوجه لعدم تحول العصا إلى ثعبان.