عدنان الغامدي
Active member
- إنضم
- 10/05/2012
- المشاركات
- 1,361
- مستوى التفاعل
- 37
- النقاط
- 48
- الإقامة
- جدة
- الموقع الالكتروني
- tafaser.com
بسم1
ذكرُ الإنْسَانِ فِيْ آيِ القُرْآنْ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمدٍ النبي الأمين وآله الطيبين الطاهرين وصحابته المتقين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد
فقد أكرمني الله جل وعلا بأن يسر لي الالتقاء بالشيخ الكريم الدكتور محمد بن علي الشنقيطي حفظه الله ونفع بعلمه فتجاذبنا الحديث حول مفردات القرآن الكريم ومفاهيمها فألقى بين يدي هذا المبحث اللطيف عن ذكر مفردة “الإنسان” في القرآن الكريم واستعمالاتها في مواضعها المختلفة فاندفعت لذلك البحث بشغف أتلمس وجه البلاغة والبيان في استعمالات هذه المفردة في كتاب الله فأرجو من الله أن أكون قد وفقت في استجلاء بعض ما يحيط بهذا المطلب .
مجال البحث:
وجدت أن من الأولى البحث عن كل المفردات التي تشير إلى بني آدم في القرآن (الإنس ، الناس ، الإنْسَانْ ، البشر ، بني آدم) فهذه التسميات الشائعة في كتاب الله لنسل آدم عليه السلام ولكن استعمالاتها مختلفة في كتاب الله تبعاً للسياق فباستقراء كل مفردة نتبين الظروف التي تحكم استخدام المفردة ولكني آثرت هنا أن اقتصر على التفصيل في مفردة (الإنسان) و (الإنس) دون سواهما ، ولعلنا في باب آخر نتمكن من التوسع ومقارنة كل مفردة من المفردات المذكورة.
إحصاء مفردتي الإنسان والإنس:
إحصاء تلك المفردات في القرآن الكريم يرينا صورة عامة لحجم استخدام كل مفردة ولهذا حرصت على أن أبدأ في تتبع عدد مرات استعمال كل مفردة في القرآن الكريم فكانت النتيجة كالتالي:
الإنْسَانْ : ذكرت في كتاب الله 56 ستٌ وخمسون مرة.
الإنس : ذكرت في كتاب الله 14 أربعة عشر مرة.
وبذلك يكون المجموع 70 مرة لكلا المفردتين
استخدامات مفردة “الإنسان في القرآن الكريم
-(الإنْسَانْ) :
ويُجمع في مفردة ( الْإنْسْ) فالارتباط المعنوي بين تلك المفردتين (الإنْسَانْ ، الإنس) ومفردة الإنْسَانْ يقصد بها في كتاب الله : كل مخلوق من سلالة آدم عليه السلام ، وهي مفردة ذات دلالة شاملة لكل جنس ذكراً كان أم أنثى ، مؤمناً كان أو غير مؤمن ، ولم أرى أن هناك ارتباط مباشر بين مفردة (الناس) ومفردة (الإنسان) كما يقول بعض أهل اللغة فإن القرآن إنما اتفق فيه معنى الإنس والإنْسَانْ ولم يتفق فيه معنى النَّاس معهما وسيأتي تفصيل ذلك وإثباته في ثنايا ما سأعرضه بإذن الله.
ثبت بجلاء أن مفردة (الإنسان) عندما تذكر في كتاب الله فإنها تستعمل في سياق بيان الضعف في جانبين في مادة خلق ابن آدم وضعف نفسه وارتبط ذكر الإنسان بالنقص والجهل وكل سلوك مقيت يقترفه هذا المخلوق ، فكانت مفردة الإنسان مرادفة جامعة من جوامع الشر ، فيقترن مع ما يظهر منه من سوء وما يحيط به من حقارة وضعف وجهل وكذلك جمع (إنسان) وهو (الإنس) فلم تذكر في سياق إلا في سياق كسياق مفردة (الإنسان) ، ونصنف ذكر الإنسان على ضربين لا ثالث لهما ، أولهما بيان ضعف وهوان مادة الخلق ، وثانيهما ضعف نفسه وسوء طويته وركونه لشهواته ، وبالتالي فلدينا محورين للبحث أولهما “دلالة ضعف الجسد وحقارة مادة الخلق” ، والثاني “دلالة ضعف النفس وسوء الطوية” وسنبدأ في تصنيف الآيات القرآنية الدالة على ذلك بمشيئة الله.
أولاً : أمثلة على دلالة ضعف الجسد وحقارة مادة الخلق وهوانه على الله:
وهكذا ففي ما سلف من مواضع نجد ارتباط ذكر مفردة الإنْسَانْ مرتبطةٌ بخلقهِ وقد ارتبطت مفردة (الخلق) بمفردة (الإنسان) في كل ستة عشر موضع في كتاب الله ، سوى المواضع التي أشار فيها ربنا جل وعلا لخلق الإنسان بمفردات ومعانٍ أخرى.
ثانيا : مفردة الإنْسَانْ للدلالة على ضعف نفسه وسوء طويته وركونه لشهواته:
وقد جمع ربنا جل وعلا في هذه الآيات وقرن مفردة الإنْسَانْ بأكثر الصفات سوءاً فاقترن الإنْسَانْ بالصفات التالية ( اليأس ، الكفر ، الإسراف في الذنب ، الظلم ، الخصام ، العجلة ، البخل والتقتير ، الجدال ، الجهل ، القنوط ، الإعراض ، الهلع والخوف ، ارتكاب الذنب، الطغيان ، الخسران ، الجحود) فارتبط كل خلق ذميم بمفردة الإنْسَانْ بل أتى معظمها بصيغة المبالغة (قنوط ، كفور ، قتور ، هلوع ، ظلوم) وكان للكفر النصيب الأكبر فارتبط الإنْسَانْ بالكفر بصيغه المختلفة في ثمانية مواضع ، وارتبط باليأس ثلاث مرات وهناك من الصفات السيئة ما ذكر أكثر من مرة كالجدل والظلم والآيات التي لم يرد فيها الذم للإنسان صراحة فقد ذمته ضمناً.
والآيات التي ذمت الإنسان وكفره وسوء رابطته مع ربه هي :
وهكذا في ما يلي من آيات ذكر فيها الإنسان وذكر معه سوء طويته وخسة نفسه :
12{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب:72]
فقد اختصه –الإنسان- الله بالأمانة (الإرادة والتكليف) وجعله مخيراً في فعله تفضيلاً على سواه من المخلوقات وأعظمها السموات والأرض والجبال ولكنه كان ظلوماً لنفسه حين فرط في اختيار الخير واستبدله بالشر ، وجهولاً بما يجر عليه ذلك الفعل من عاقبة وبما أضاع بتفريطه من رفعة وثواب وفي ما سوى الإنسان من بني آدم من المؤمنين فلا ينطبق عليهم هذا النعت بالظلم والجهل ، وهذه الآية تنطوي على معانٍ عميقة قل أن يحاط بها وتفهم ولعلي إن شاء الله آتي عليها في مواضع أخرى.
فكانت الآية الكريمة من سورة الزلزلة دلالة على أن الإنسان إشارة لشرار الخلق ممن تقوم عليهم الساعة ، ويسال الإنسان عما لا يُسأل عنه فلو كان من المؤمنين لجار لله وامتلأ رعباً وهلعاً من هذا الموقف العظيم ولكن جنس (الإنسان) ممن لا يؤمن يستنكر ويستفهم عما يحدث للأرض إذ زلزلت لأنه لم يستحضر قيام الساعة وعلاماتها.
وهكذا ارتبطت مفردة الإنسان بحقارة مادته وضعفها وحقارة نفسه وكفرها ، ومن حقارة نفسه أن وصاه ربه جلت قدرته وتقدست أسماؤه بوالديه في حين أن غريزته تجبره على الإحسان إليهما بغير وصية كما هي غريزة الحيوان مع أبويه ، ولكن الإنسان بسوء طويته تتشرب نفسه العقوق والكفر بالمنعم ، فالكفر بالله أعظم الكفر ، والعقوق صورة من صور الكفر التي تشيع بين بني الإنسان ، فلا عجب إن كان كفر بخالقه فكيف بما هو دون ذلك ؟.
وتسمية “الإنسان” ذاتها تعود للنسيان عمداً وسهواً ، فكفره نسيان فضل ربه عليه ، ونسيان عاقبة ظلمه وطغيانه ، والإنسان ينسى إشارات ربه وتحذيره بما يصيبه من شرور ، وينسى إنعام ربه وخيراته بما يغدق عليه من نعم فكانت مفردة الإنسان جامعة لكل شرٍّ يقترفه فأتت هذه المفردة في القرآن الكريم لدلالتها على ضعف خلقته وخُلُقه.
ولعلنا نتعلم من ذلك ونتمثل به في استعمالنا لتلك المفردة ، فنلاحظ استعمال المفردة في حياتنا على سبيل التكريم في أحايين كثيرة في الوقت الذي وجب أن تتماهى خطاباتنا ومقالاتنا ونتاجنا الفكري مع القرآن الكريم فنوظف المفردة بما يتفق مع التوظيف القرآني لها ، فتلامس الجانب السلبي إذا كانت في القرآن الكريم كذلك ، وتلامس الجانب الإيجابي إذا كانت في القرآن كذلك.
ولا شك بأن التوظيف القرآني العجيب لمفردات اللغة العربية صورة بلاغية بديعة لم تحظى بالتحليل الكافي بل ونكاد نلحظ انفصال بين الخطاب الواقعي مع التوظيف القرآني للمفردات ، ولا تسلم من سوء الاستعمال هذا حتى المصنفات الإسلامية.
وإن كنا نعلم بداهة أن البلاغة هي من أعظم صور الإعجاز في القرآن الكريم فإننا للأسف وإن حاولنا تقفي تلك الصور البلاغية إلا أننا لم نلحظ انعكاس ذلك على الخطاب العربي و الإسلامي فأهملنا هذا الكنز الكبير واستبدلنا لغتنا باللغة الفرنسية لكتابة القوانين متذرعين بدقة اللغة الفرنسية في صياغة القوانين جهلا بما تحمله لغتنا الثرية من استعمالات متعددة ومتنوعة لمن تعرف على ذلك الثراء من خلال القرآن الكريم.
-(الإنْس)
ومفردة (الإنس) جمعٌ لمفردة (الإنسان) ودلالة ذلك توظيفها القرآني ، فكما استعملت مفردة الإنسان جامعة لجوامع السوء والشر ومقترنة بالصورة السلبية للبشر فقد استعملت مفردة (الإنس) بدلالة إلى (السوء الجمعي) ولم ترد مفردة (الإنس) ما لم يذكر في نفس الآية مفردة (الجن) وسنتبع نفس المنهجية في تحليل مفردة الإنسان فنقول وبالله التوفيق وعليه التوكل:
ذكرت مفردة (الإنس) أربعة عشر مرة في كتاب الله ، لم ترد بمعزل على مفردة (الجن) إلا أن مفردة (الجن) أتت في كتاب الله (22) اثنتان وعشرون مرة ومرتان بقوله (الجان) فكان إحصاء مفردة الجن ، والجان (24) أربع وعشرون مرة بزيادة عشر مرات عن مفردة الإنس ، والله أعلم بمدلولات تلك الزيادة وارتباطها بتفوق الجان على بني الإنسان في بعض أوجه الخلق والقدرات التي حباهم الله بها .
ويتبين أن كل سياق ذكرت فيه مفردة (الإنس) أتت بنعت سوء ووعيد فلو تتبعنا الآيات التي احتوت على مفردة الإنس لوجدنا ما يلي:
وكذلك الآيات التالية وظفت فيها مفردة (الإنس) لبيان لوصف كل أصحاب المنهج الفاسد والكفار الذين انتهى بهم كفرهم هم وأوليائهم من الجن إلى جهنم وبئس المصير إذ ركنوا إلى أنفسهم ولم يعلموا أن أجسادهم ضعيفة حقيرة الأصل والمنشأ وأنفسهم كافرة خبيثة ضعيفة الصمود أمام الشهوات :
وهكذا نشهد فيما يلي كيف أن مفردة (الإنس) كانت لا تذكر إلا في سياق السوء والعذاب والإثم والكفر والخسران فكانت مستحقة أن تكون هي صيغة الجمع لمفردة (الإنسان).
وصل اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين
رابط المقال في المدونة
ذكرُ الإنْسَانِ فِيْ آيِ القُرْآنْ
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمدٍ النبي الأمين وآله الطيبين الطاهرين وصحابته المتقين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد
فقد أكرمني الله جل وعلا بأن يسر لي الالتقاء بالشيخ الكريم الدكتور محمد بن علي الشنقيطي حفظه الله ونفع بعلمه فتجاذبنا الحديث حول مفردات القرآن الكريم ومفاهيمها فألقى بين يدي هذا المبحث اللطيف عن ذكر مفردة “الإنسان” في القرآن الكريم واستعمالاتها في مواضعها المختلفة فاندفعت لذلك البحث بشغف أتلمس وجه البلاغة والبيان في استعمالات هذه المفردة في كتاب الله فأرجو من الله أن أكون قد وفقت في استجلاء بعض ما يحيط بهذا المطلب .
مجال البحث:
وجدت أن من الأولى البحث عن كل المفردات التي تشير إلى بني آدم في القرآن (الإنس ، الناس ، الإنْسَانْ ، البشر ، بني آدم) فهذه التسميات الشائعة في كتاب الله لنسل آدم عليه السلام ولكن استعمالاتها مختلفة في كتاب الله تبعاً للسياق فباستقراء كل مفردة نتبين الظروف التي تحكم استخدام المفردة ولكني آثرت هنا أن اقتصر على التفصيل في مفردة (الإنسان) و (الإنس) دون سواهما ، ولعلنا في باب آخر نتمكن من التوسع ومقارنة كل مفردة من المفردات المذكورة.
إحصاء مفردتي الإنسان والإنس:
إحصاء تلك المفردات في القرآن الكريم يرينا صورة عامة لحجم استخدام كل مفردة ولهذا حرصت على أن أبدأ في تتبع عدد مرات استعمال كل مفردة في القرآن الكريم فكانت النتيجة كالتالي:
الإنْسَانْ : ذكرت في كتاب الله 56 ستٌ وخمسون مرة.
الإنس : ذكرت في كتاب الله 14 أربعة عشر مرة.
وبذلك يكون المجموع 70 مرة لكلا المفردتين
استخدامات مفردة “الإنسان في القرآن الكريم
-(الإنْسَانْ) :
ويُجمع في مفردة ( الْإنْسْ) فالارتباط المعنوي بين تلك المفردتين (الإنْسَانْ ، الإنس) ومفردة الإنْسَانْ يقصد بها في كتاب الله : كل مخلوق من سلالة آدم عليه السلام ، وهي مفردة ذات دلالة شاملة لكل جنس ذكراً كان أم أنثى ، مؤمناً كان أو غير مؤمن ، ولم أرى أن هناك ارتباط مباشر بين مفردة (الناس) ومفردة (الإنسان) كما يقول بعض أهل اللغة فإن القرآن إنما اتفق فيه معنى الإنس والإنْسَانْ ولم يتفق فيه معنى النَّاس معهما وسيأتي تفصيل ذلك وإثباته في ثنايا ما سأعرضه بإذن الله.
ثبت بجلاء أن مفردة (الإنسان) عندما تذكر في كتاب الله فإنها تستعمل في سياق بيان الضعف في جانبين في مادة خلق ابن آدم وضعف نفسه وارتبط ذكر الإنسان بالنقص والجهل وكل سلوك مقيت يقترفه هذا المخلوق ، فكانت مفردة الإنسان مرادفة جامعة من جوامع الشر ، فيقترن مع ما يظهر منه من سوء وما يحيط به من حقارة وضعف وجهل وكذلك جمع (إنسان) وهو (الإنس) فلم تذكر في سياق إلا في سياق كسياق مفردة (الإنسان) ، ونصنف ذكر الإنسان على ضربين لا ثالث لهما ، أولهما بيان ضعف وهوان مادة الخلق ، وثانيهما ضعف نفسه وسوء طويته وركونه لشهواته ، وبالتالي فلدينا محورين للبحث أولهما “دلالة ضعف الجسد وحقارة مادة الخلق” ، والثاني “دلالة ضعف النفس وسوء الطوية” وسنبدأ في تصنيف الآيات القرآنية الدالة على ذلك بمشيئة الله.
أولاً : أمثلة على دلالة ضعف الجسد وحقارة مادة الخلق وهوانه على الله:
[*=center]{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانْ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ } [الحجر:26]
[*=center]{ خَلَقَ الإنْسَانْ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [النحل:4]
[*=center]{ أَوَلَا يَذْكُرُ الإنْسَانْ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا } [مريم:67]
[*=center]{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانْ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ } [المؤمنون:12]
[*=center]{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانْ مِنْ طِينٍ } [السجدة:7]
[*=center]{ أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانْ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [يس:77]
[*=center]{ خَلَقَ الإنْسَانْ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ } [الرحمن:14]
[*=center]{ هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانْ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا } [الإنسان:1]
[*=center]{ إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانْ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } [الإنسان:2]
[*=center]{ فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانْ إِلَى طَعَامِهِ } [عبس:24]
[*=center]{ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانْ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [التين:4]
[*=center]{ فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانْ مِمَّ خُلِقَ } [الطارق:5]
وهكذا ففي ما سلف من مواضع نجد ارتباط ذكر مفردة الإنْسَانْ مرتبطةٌ بخلقهِ وقد ارتبطت مفردة (الخلق) بمفردة (الإنسان) في كل ستة عشر موضع في كتاب الله ، سوى المواضع التي أشار فيها ربنا جل وعلا لخلق الإنسان بمفردات ومعانٍ أخرى.
ثانيا : مفردة الإنْسَانْ للدلالة على ضعف نفسه وسوء طويته وركونه لشهواته:
وقد جمع ربنا جل وعلا في هذه الآيات وقرن مفردة الإنْسَانْ بأكثر الصفات سوءاً فاقترن الإنْسَانْ بالصفات التالية ( اليأس ، الكفر ، الإسراف في الذنب ، الظلم ، الخصام ، العجلة ، البخل والتقتير ، الجدال ، الجهل ، القنوط ، الإعراض ، الهلع والخوف ، ارتكاب الذنب، الطغيان ، الخسران ، الجحود) فارتبط كل خلق ذميم بمفردة الإنْسَانْ بل أتى معظمها بصيغة المبالغة (قنوط ، كفور ، قتور ، هلوع ، ظلوم) وكان للكفر النصيب الأكبر فارتبط الإنْسَانْ بالكفر بصيغه المختلفة في ثمانية مواضع ، وارتبط باليأس ثلاث مرات وهناك من الصفات السيئة ما ذكر أكثر من مرة كالجدل والظلم والآيات التي لم يرد فيها الذم للإنسان صراحة فقد ذمته ضمناً.
والآيات التي ذمت الإنسان وكفره وسوء رابطته مع ربه هي :
[*=center]{ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانْ ضَعِيفًا } [النساء:28]
[*=center]{ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [يونس:12]
[*=center]{ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } [هود:9]
وهكذا في ما يلي من آيات ذكر فيها الإنسان وذكر معه سوء طويته وخسة نفسه :
[*=center]{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [إبراهيم:34]
[*=center]{ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } [الإسراء:11]
[*=center]{ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا } [الإسراء:67]
[*=center]{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا } [الإسراء:83]
[*=center]{ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا } [الإسراء:100]
[*=center]{ وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } [الكهف:54]
[*=center]{ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا } [مريم:66]
[*=center]{ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } [الحج:66]
12{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب:72]
فقد اختصه –الإنسان- الله بالأمانة (الإرادة والتكليف) وجعله مخيراً في فعله تفضيلاً على سواه من المخلوقات وأعظمها السموات والأرض والجبال ولكنه كان ظلوماً لنفسه حين فرط في اختيار الخير واستبدله بالشر ، وجهولاً بما يجر عليه ذلك الفعل من عاقبة وبما أضاع بتفريطه من رفعة وثواب وفي ما سوى الإنسان من بني آدم من المؤمنين فلا ينطبق عليهم هذا النعت بالظلم والجهل ، وهذه الآية تنطوي على معانٍ عميقة قل أن يحاط بها وتفهم ولعلي إن شاء الله آتي عليها في مواضع أخرى.
[*=center]{ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [النحل:4]
[*=center]{ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [يس:77]
[*=center]{ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر:49]
[*=center]{ لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } [فصلت:49]
[*=center]{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ } [فصلت:51]
[*=center]{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ } [الشورى:48]
[*=center]{ وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ } [الزخرف:15]
[*=center]إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) [المعارج]
[*=center]أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15) [القيامة]
[*=center]قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ [عبس]
[*=center]يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) [الإنفطار]
[*=center]يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَىٰ أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَىٰ سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَىٰ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)
[*=center]فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) [الفجر]
[*=center]لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) [البلد]
[*=center]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ (7) إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ (8) [العلق]
[*=center]إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) [الزلزلة]
فكانت الآية الكريمة من سورة الزلزلة دلالة على أن الإنسان إشارة لشرار الخلق ممن تقوم عليهم الساعة ، ويسال الإنسان عما لا يُسأل عنه فلو كان من المؤمنين لجار لله وامتلأ رعباً وهلعاً من هذا الموقف العظيم ولكن جنس (الإنسان) ممن لا يؤمن يستنكر ويستفهم عما يحدث للأرض إذ زلزلت لأنه لم يستحضر قيام الساعة وعلاماتها.
[*=center]إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) [العاديات]
[*=center]وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) [العصر]
وهكذا ارتبطت مفردة الإنسان بحقارة مادته وضعفها وحقارة نفسه وكفرها ، ومن حقارة نفسه أن وصاه ربه جلت قدرته وتقدست أسماؤه بوالديه في حين أن غريزته تجبره على الإحسان إليهما بغير وصية كما هي غريزة الحيوان مع أبويه ، ولكن الإنسان بسوء طويته تتشرب نفسه العقوق والكفر بالمنعم ، فالكفر بالله أعظم الكفر ، والعقوق صورة من صور الكفر التي تشيع بين بني الإنسان ، فلا عجب إن كان كفر بخالقه فكيف بما هو دون ذلك ؟.
وتسمية “الإنسان” ذاتها تعود للنسيان عمداً وسهواً ، فكفره نسيان فضل ربه عليه ، ونسيان عاقبة ظلمه وطغيانه ، والإنسان ينسى إشارات ربه وتحذيره بما يصيبه من شرور ، وينسى إنعام ربه وخيراته بما يغدق عليه من نعم فكانت مفردة الإنسان جامعة لكل شرٍّ يقترفه فأتت هذه المفردة في القرآن الكريم لدلالتها على ضعف خلقته وخُلُقه.
ولعلنا نتعلم من ذلك ونتمثل به في استعمالنا لتلك المفردة ، فنلاحظ استعمال المفردة في حياتنا على سبيل التكريم في أحايين كثيرة في الوقت الذي وجب أن تتماهى خطاباتنا ومقالاتنا ونتاجنا الفكري مع القرآن الكريم فنوظف المفردة بما يتفق مع التوظيف القرآني لها ، فتلامس الجانب السلبي إذا كانت في القرآن الكريم كذلك ، وتلامس الجانب الإيجابي إذا كانت في القرآن كذلك.
ولا شك بأن التوظيف القرآني العجيب لمفردات اللغة العربية صورة بلاغية بديعة لم تحظى بالتحليل الكافي بل ونكاد نلحظ انفصال بين الخطاب الواقعي مع التوظيف القرآني للمفردات ، ولا تسلم من سوء الاستعمال هذا حتى المصنفات الإسلامية.
وإن كنا نعلم بداهة أن البلاغة هي من أعظم صور الإعجاز في القرآن الكريم فإننا للأسف وإن حاولنا تقفي تلك الصور البلاغية إلا أننا لم نلحظ انعكاس ذلك على الخطاب العربي و الإسلامي فأهملنا هذا الكنز الكبير واستبدلنا لغتنا باللغة الفرنسية لكتابة القوانين متذرعين بدقة اللغة الفرنسية في صياغة القوانين جهلا بما تحمله لغتنا الثرية من استعمالات متعددة ومتنوعة لمن تعرف على ذلك الثراء من خلال القرآن الكريم.
-(الإنْس)
ومفردة (الإنس) جمعٌ لمفردة (الإنسان) ودلالة ذلك توظيفها القرآني ، فكما استعملت مفردة الإنسان جامعة لجوامع السوء والشر ومقترنة بالصورة السلبية للبشر فقد استعملت مفردة (الإنس) بدلالة إلى (السوء الجمعي) ولم ترد مفردة (الإنس) ما لم يذكر في نفس الآية مفردة (الجن) وسنتبع نفس المنهجية في تحليل مفردة الإنسان فنقول وبالله التوفيق وعليه التوكل:
ذكرت مفردة (الإنس) أربعة عشر مرة في كتاب الله ، لم ترد بمعزل على مفردة (الجن) إلا أن مفردة (الجن) أتت في كتاب الله (22) اثنتان وعشرون مرة ومرتان بقوله (الجان) فكان إحصاء مفردة الجن ، والجان (24) أربع وعشرون مرة بزيادة عشر مرات عن مفردة الإنس ، والله أعلم بمدلولات تلك الزيادة وارتباطها بتفوق الجان على بني الإنسان في بعض أوجه الخلق والقدرات التي حباهم الله بها .
ويتبين أن كل سياق ذكرت فيه مفردة (الإنس) أتت بنعت سوء ووعيد فلو تتبعنا الآيات التي احتوت على مفردة الإنس لوجدنا ما يلي:
[*=center]{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [الأنعام:112]
- { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } [الأنعام:128]
- { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ } [الأنعام:130]
وكذلك الآيات التالية وظفت فيها مفردة (الإنس) لبيان لوصف كل أصحاب المنهج الفاسد والكفار الذين انتهى بهم كفرهم هم وأوليائهم من الجن إلى جهنم وبئس المصير إذ ركنوا إلى أنفسهم ولم يعلموا أن أجسادهم ضعيفة حقيرة الأصل والمنشأ وأنفسهم كافرة خبيثة ضعيفة الصمود أمام الشهوات :
- { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف:38]
- { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } [الأعراف:179]
[*=center]{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء:88]
[*=center]{ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } [النمل:17]
وهكذا نشهد فيما يلي كيف أن مفردة (الإنس) كانت لا تذكر إلا في سياق السوء والعذاب والإثم والكفر والخسران فكانت مستحقة أن تكون هي صيغة الجمع لمفردة (الإنسان).
- { وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } [فصلت:25]
- { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ } [فصلت:29]
- { أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ } [الأحقاف:18]
- { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات:56]
- { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ } [الرحمن:33]
- { وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا } [الجن:5]
- { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا } [الجن:6]
وصل اللهم على محمد وآله وصحبه أجمعين
رابط المقال في المدونة