ذكريات غانم قدوري الحمد.. (الحلقة التاسعة)

إنضم
29/04/2005
المشاركات
158
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
العراق
زيارات
الجمعة 6 كانون الثاني 1974م = 22 ذو القعدة 1394هـ
يوم الجمعة عطلة يجب أن نشعر معها بشيء من الراحة والهدوء ، بعد صلاة الجمعة في الجامع القريب منـا ( مسجد عمر بن عبد العزيز ) وبعد أن تغديت حاولت أن ارتاح لبعض الوقت ، ولكني أردت أن أخرج عصر هذا اليوم لزيارة بعض المعارف ، كنت أفكر بالذهاب إلى الدكتور عبد الصبور شاهين ، ولكني عدلت عن ذلك واكتفيت بالمكالمة بالهاتف(1) ، ذهبت إلى زميل لي في الدراسة (س) ، هو مجامل لكنه غير ملتزم ، فاجأني بتقديم زوجته يعرفني بها ، ساءني ذلك وعَجَّلَ في مغادرتي شقتهم , زرت بعد ذلك الأخ أحمد شهاب مدير مزرعة بيجي خريج الزراعة ولديه دورة هنا لمدة ستة أشهر ، كان قد أجرى عملية لأذنه منذ أيام فقلت أزوره ، بعدها خرجت من شقتهم وهو يسكن خلف نادي الصيد ، كنت ماشياً في الشارع وإذا برجل يناديني من أعلى إنه الأستاذ كاظم الراوي(2) يسكن هناك أيضاً ، لمحني من شباك من شقتهم فنادى علي , قضيت بعض الوقت عندهم ، ثم سرت قلت لأزور مجيد رشيد التكريتي الذي يعد رسالة ماجستير في الاقتصاد ، لأعرف أين وصل أمر موافقة الكلية على طبع الرسالة ، كان يسكن معه قادم جديد من تكريت ، وهو صباح عدامة(3) الذي يدرس في معهد الدراسات العربية فرع الاجتماع ثم مضيت إلى البيت بعد أن قطعت الطريق من الدقي إلى الإعلام مشياً .

قبول
السبت 14 كانون الأول 1974م = 30 ذو القعدة 1394هـ
ذهبت اليوم إلى كلية دار العلوم ووجدت أن أسماء الطلبة المقبولين في السنة التمهيدية للماجستير للعام الدراسي 1974 - 1975 قد ظهرت ، وكان الأخ سالم من بين المقبولين ، فعملت ورقة من الكلية بقبوله وصَدَّقْتُهَا من دائرة الوافدين ثم من السفارة ، وبعثتها إلى العراق لعل الأخ سالم يمكن أن يستفيد منها في أمر الحصول على إجازة دراسية ، إن شاء الله .

إنذار
الأربعاء 18 كانون الأول 1974م = 4 ذو الحجة 1394هـ
وَصَلَنَا اليوم إنذار من مالكي الشقة التي نسكنها بوجوب إخلائها في نهاية هذا الشهر !

توديع
الخميس 19 كانون الأول 1974م = 5 ذو الحجة 1394هـ
وَدَّعْتُ اليوم وغيري كثير الأخ مجاهد الذي سافر مساءً إلى الديار المباركة لأداء فريضة الحج .

مع كتاب الإتقان
الجمعة 20 كانون الأول 1974م = 6 ذو الحجة 1394هـ
قضيت الأسبوع الماضي حتى هذا اليوم أقرأ في كتاب الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ، وقد نقلت منه جملة صالحة من النصوص .

قلق
السبت 21 كانون الأول 1974م = 7 ذو الحجة 1394هـ
ذهبت اليوم إلى مكتبة جامعة القاهرة ، ونقلت بعض النصوص عن تاريخ الخط العربي ، واستعرت كتابين الأول: تاريخ الأدب لحفني ناصف , والثاني: مصادر الشعر الجاهلي لناصر الدين الأسد .
قَلِقْتُ هذا اليوم قلقاً شديداً ، فقد خرج الأخ خليل قبيل الظهر إلى مطار القاهرة لاستقبال ضيفه السيد راضي ذَهَب ، الذي كان من المتوقع أن يصل عند الظهر , ولكنه لم يعد ، وغربت الشمس وزحف الليل بسرعة ، وقارب أن ينتصف وأنا لا أكاد أعرف ماذا أعمل ، وذهبت بي الظنون كل مذهب ، قلت لأذهب إلى المطار، وذهبت ولكن لم أجده هناك ، وعدت وكنت أحدث النفس أني سأجده قد وصل البيت ، ولكن لم يكن ذلك ، وقاربت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ، واستلقيت أنتظر الصباح وظللت بين النوم واليقظة ، وبينما أنا في تلك الحال إذ سمعت قرعاً وأصوات أقدام تضرب الأرض وأصوات تنبعث ونور يتسلل من تحت شق الباب، كانت الساعة بعد الخامسة صباحاً ، وحمدت الله أن الأخ خليل قد وصل مع ضيفه ، رغم أنهما جاآ كلاً على انفراد ، ويبدو أني أخطأت في محل انتظاره في المطار ، وكانت الطائرة قد تأخرت أكثر من اثنتي عشرة ساعة !

اتفاق
الأحد 22 كانون الأول 1974م = 8 ذو الحجة 1394هـ
ذهبت اليوم إلى دار الكتب المصرية للاطلاع فقط .
تم اليوم الاتفاق مع مالكي الشقة التي نسكنها على أن نستمر بالسكن بعد أن رفع الإيجار من 37 جنيهاً إلى 44 جنيهاً ، والحق أني غير مرتاح لذلك ، ولكن لا يمكن أن نحصل على مسكن جيد بسهولة الآن ، خاصة أن الأخ خليل لا يبدي أي رغبة في ذلك ، والله المستعان على حدثان الزمان .

الوقوف في عرفات
الاثنين 23 كانون الأول 1974م = 9 ذو الحجة 1394هـ​
لفتني اليوم كآبة عميقة وحزن داخلي لأمور لم أجدها واضحة ، كان ذلك مطلع النهار ، فخرجت إلى كازينو أبي الفداء ، وجلست في الشمس أقرأ في كتاب تاريخ الأدب لحنفي ناصف ، ونقلت بعض النصوص حتى وقت الظهر ، وصليت في جامع الزمالك ، وعدت إلى البيت ، وحاولت أن أستلقي بعض الوقت كنت اليوم صائماً – ولله الحمد – وفاء لعهد مضى ، وبعد العصر كنت أستمع إلى الراديو وهو ينقل صورة لما يجري على جبل عرفات ، وما جرى بعد ذلك من نفرة الحجيج إلى مزدلفة .. إنها ذكرى تثير الشجن وتحلق بالنفس إلى آفاق أخرى بعيدة في التاريخ لتعانق الأيام الأولى للإسلام ، وتنزع إلى أيام آتية لعلها تحظى بذلك اللقاء الرائع على ذلك الصعيد الطاهر ، أمنية نفس أسال الله أن يحققها(4)، ولكن مع ذلك الإحساس كنت أجدني أفكر في حال الأمة الإسلامية وما هي عليه من التشتت والتخلف والفرقة والهوان ، وأحزن لكل ذلك ، ويحزن كل مسلم ، ماذا لو اجتمع المسلمون كما اجتمع ممثلوهم على جبل عرفات ، قلب واحد ، وروح واحدة ، دعاء واحد , وهدف واحد ، ماذا لو اجتمعت الشعوب الإسلامية على شعار واحد في ظل راية واحدة ، لا اله إلا الله محمد رسول الله ، إذن لتحقق لهم خير الدارين أفراداً وجماعات عز الدنيا ونعيم الآخرة ، وَعْدَ الله لا يخلف الله وعده ، اللهم فاغفر لنا وارحمنا ، إنك أنت الغفور الرحيم .

يوم العيد !
الثلاثاء 24 كانون الأول 1974م = 10 ذو الحجة 1394هـ
الله أكبر الله أكبر الله أكبر ... لا إله إلا الله ... الله أكبر ... الله أكبر ولله الحمد ، هتاف هز الجوانح ، استقبل به المسلمون في أرجاء الأرض هذا اليوم العظيم , فمع إشراقة الشمس كان المسلمون يهتفون بهذا الهتاف الرباني الكريم , الذي يعبر عن أكبر معاني العبودية , كانوا كلهم من غير موعد سوى موعد هذا اليوم تنطلق أصواتهم تريد أن تحلق بهذا النداء إلى أعز الذكريات حيث يقف الموكب الكريم الذي يتجدد كل سنة ، فتتجدد الذكريات وتنسكب العبرات ويتطلع المسلمون وتتعلق قلوبهم بهذه الجموع المنساحة على جنبات جبل الرحمة كل عام، عصر يوم التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام ، وهم يُلَبُّونَ ويُكَبِّرُونَ ويُهَلِّلُونَ ويدعون ويرجون رحمة الله ، وكل منهم فرح مسرور يعود إلى أهله بعد أن أدى الفرض واطمأن إلى أنه عاد كيوم ولدته أمه ، ولكن بذكريات لا تمحى , ما أشد الرابطة التي تربط المسلمين ، هذا الهتاف الذي كان ينبع من أعماقهم مع إطلالة هذا الفجر ومع شروق الشمس ، ابتهاجاً بحدث عظيم ، أفراد المسلمين تشدهم هذه الرابطة ولكن تقف دونهم حواجز صنعتها دول الكفر وأهل النفاق ، ويقف يحمي تلك الحواجز الفراعنة الصغار !

زيارات العيد
الأربعاء 25 كانون الأول 1974م = 11 ذو الحجة 1394هـ
اليوم هو اليوم الثاني من عيد الأضحى المبارك ، أمس قضيته مع الأخ خليل والسيد ( راضي ذَهَب الحديثي ) ضيف الأخ خليل من العراق ، بعد صلاة العيد في الفضاء ذهبنا إلى بيت الأستاذ كاظم الراوي ، وبعدها زرت الأخ أحمد شهاب ، وزرنا الأخ عايش الكبيسي ، ثم تغدينا في بيت الأخ الأستاذ كاظم الراوي , عدنا بعدها إلى البيت ، وذهبت أنا بعد ذلك لزيارة الأستاذ أحمد خطاب , وقضينا أمسية جميلة ، ثم صباح هذا اليوم الأربعاء ذهب الأخ خليل وضيفه إلى (وسط البلد ) لحجز موعد السفر له ، ولكني مكثت في البيت حتى قريب الظهر ، وذهبت لزيارة أحمد الجنابي ويعقوب الفلاحي ، وعدت إلى البيت ، ثم بعد الظهر ذهبت إلى مصر الجديدة حيث زرت الدكتور أمين السيد والإخوة د. حسام وسعد و عبد المهيمن في ( جسر السويس ) ، بعدها عدت قافلاً إلى البيت حين حل ظلام الليل .. قمت بكل ذلك ، ولكن شيئاً غريباً كنت قد بدأت أحسه آخر يوم أمس واتضح هذا اليوم إحساس كنت كلما فكرت به من قبل تركته جانباً ، لكن هذه المرة كان الإلحاح شديداً , علمت أن رئيس جامعة الموصل هنا في القاهرة وكان ذلك منطلق الفكرة ، عرض لي أن أقابله واشرح له طلباتي السابقة إلى الجامعة ، وأطلب منه أحد أمرين: إما أن تمنحني الجامعة زمالة أو بعثة ، أو أن توافق على تعييني مساعد باحث في قسم اللغة العربية في كلية الآداب ، ولكن هذه الفكرة كانت موضع جذب ودفع في داخلي ، إلى أن انتصف الليل فإذا أنا أتخلى عن الفكرة كلها ، وأطمئن إلى وجودي هنا في القاهرة ، تاركاً الأمور المستقبلية لما سييسره الله لي في المستقبل .

أمنيات زائفة
الثلاثاء 31 كانون الأول 1974م = 17 ذو الحجة 1394هـ​
قد تنتاب الإنسان حالات يفقد معها التفكير الواضح ، وقد يندفع وراء أفكار أو يقوم بإعمال ربما يأسف لأنها صدرت عنه ، تجتمع أسباب مختلفات قد تكون واضحة وقد تكون غير واضحة ، فجأة وجدت نفسي أفكر في السفر ، ربما ضقت بهذه الحياة ، ربما ضقت من الدراسة والبحث وبدأت الفكرة تأخذ سبيلها إلى داخلي ، وأحاول أن أجعلها معقولة بأن أستحضر كل منفر من الحياة في القاهرة وكل لطيف هناك ، مع الشعور بأن ذلك سيعود على الدراسة والعمل بالخير ، قلت أسافر إلى سوريا بعد شهر أو شهرين وأمكث في دمشق بضعة أسابيع أطلع على مخطوطات المكتبة الظاهرية ، ثم أسافر إلى العراق وأطلع على ما في المكتبات هناك من مخطوطات ومصادر ، ثم أحاول أن أجد لي عملاً في الجامعة أو خارجها ، ومضت الفكرة على هذه الصورة إلى درجة أني بدأت أرتب بعض الأمور على أساسها ، وكتبت رسالة الأمس ( إلى الأهل ) على هذا الأساس، ولكن فجأة مرة أخرى أجد نفسي أني قد بعدت كثيراً عن جادة الصواب، وأتخلى عن الفكرة الأولى تماماً وكأني أبدأ المسيرة من جديد ، ولست آمَنُ أن تعود إليَّ تلك الحالة وذلك الشعور ، ولكن اتضحت الأمور الآن واستقرت النفس على شيء يمكن أتحرك معه بوضوح ، وخاصة بعد أن عرفت أن الموضوع الذي أعمل فيه قد سُجِّلَ في جامعة الأزهر(5) ، مما يدفعني إلى الإسراع في العمل والتعجيل فيه ، مع أني لا أزال أشعر بأن الطريق طويلة ولا أزال في أولها .

مجتمع المتناقضات
الأربعاء 1 كانون الثاني 1975م = 18 ذو الحجة 1394هـ
ما أكثر المزعجات في هذه الحياة ، وتزداد مع ازدياد تكالب الناس على متع الحياة فلا تتاح لهم فرصة الالتفات إلى الوراء ولا النظر إلى الأمام ، فهم غارقون في أوحال وأقذار الفتن والمفاسد ، ومن خلال ذلك تتصارع الأهواء وتتجاذب الرغبات ، ولا تعدم المسيرة من داع إلى الخير والرشاد وسط ذلك الزحام وبين تلك الأصوات الخائرة التي أتعبها الصراخ والعويل ، وتتجسد الظاهرة هنا في مجتمع القاهرة بصورة جلية ، فالناس يجرون طيلة حياتهم يلهثون وراء ما يمكن أن يسدوا به الرمق ، أو يشتكون من التخمة أو سوء الطعام ، أناس لا يجدون اللقمة وأناس يأكلون ألسنة الطير ، أناس لا يجدون ما يحملهم إلى أعمالهم ، فيتعلقون بأبواب الباصات ، وقد يجرون حفاة الأقدام ، وأناس تسير بهم المراكب في المواكب ، ثم هذا يموت على فراشه يقتله المرض ، وهذا يذهب يتداوى في أوربا وأمريكا ، وجاهل لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف من أسباب الحضارة ولا يفهم منها الكثير ، وهذا يتلقى الدروس الخصوصية وتتاح له فرصة السفر للتعلم حيث يكون العلم ، صور متقابلة لا تكاد تنقطع ، أناس يسكنون (القصور) والعمارات العالية ، وأناس يلوذون بالشجر والجدران ، وقد لا يظلهم شيء إلا السماء ، اللصوص والمجرمون والأشقياء والعتاة .. الطيبون والصالحون .. الخلاعة والفجور .. والالتزام والتقوى ، مجتمع يموج بكل الألوان ، ترى أي لون يصبغ حياة الناس بعد هذا المزيج المختلف المتنافر الذي لا يمكن أن يظل على هذا طويلاً.

مظاهرات وأعمال شغب
الخميس 2 كانون الثاني 1975م = 19 ذو الحجة 1394هـ
ظهرت الصحف اليوم تتحدث عن أعمال (الشغب) التي حدثت أمس في قلب القاهرة ، ذهبتُ أمس إلى مكتبة جامعة القاهرة ، وبينما نحن في قاعة المطالعة كانت هناك أصوات جموع من الطلبة تسمع في الخارج ، ولم ألتفت إلى ذلك ، وعندما خرجت بعد الظهر أريد الذهاب إلى البيت رأيت جموعاً من الطلبة أمام مبنى رئاسة الجامعة ، ومرة أخرى لم أجد ما يدفعني إلى الاستفسار عن حقيقة الأمر ، وخرجت خارج أبواب الجامعة ووقفت أنتظر سيارة لأركب ، ولم أصل إلى البيت إلا بشق الأنفس ركبت في سيارتين ومشيت أكثر من نصف ساعة ، وخلال ذلك رأيت بعض الأتوبيسات وقد تحطم زجاجها ، وتبادر إلى ذهني أن ذلك أثر تصادم ، لكنه كان تكسيراً بطريقة خاصة ، وإلى جانب ذلك كانت هناك حركة غير اعتيادية ، وأخيراً تبين أن هناك إضراباً عمالياً ، ومظاهرة قامت بأعمال شغب وعنف ، ففي صباح أمس وفي باب اللوق قام جماعة من العمال بتعطيل عربة من عربات قطار حلوان فتعطلت حركة قطارات حلوان ، وظل العمال في القاهرة ، ثم كانت هناك بعد ذلك مظاهرة يُظَنُّ أن الشيوعيين وراءها قد جرت في داخل المدينة من باب اللوق ، وقامت بتحطيم واجهات عدد من المحلات وبضع عشرة سيارة خاصة ، وبضع عشرة سيارة أوتوبيس ، ويبدو أن سلطات الأمن تمكنت من تفريق الجموع عند الظهر ، وظهرت الصحف اليوم تتحدث عن أعمال الشغب التي حدثت أمس وتصريحات لبعض المسؤولين تحذر من مثل هذه الأعمال المنحرفة ، وأن (47) من مثيري الشغب قد اعتقلوا ويجري استجوابهم ، ولم يكن ما حدث بالأمس غريباً أو غير متوقع ، فكل شيء كان يوحي أن شيئاً ما سيحدث في هذا البلد.

القدرة على تحقيق الأعمال الصالحة
الجمعة 3 كانون الثاني 1975م = 20 ذو الحجة 1394هـ​
لا يجد الإنسان طريقه بسهولة في هذه الحياة ، قد يظل يعمل ويجاهد يشقى ويسعد ويقضي من عمره سنين كثيرة ليصل إلى ما يطمئن إليه وترتاح نفسه معه ، ويجد أنه قد بدأ يحقق رسالته في الحياة ، وقد تمضي به الأيام والسنون ويقضي نحبه وهو يتخبط في مجاهل الحياة ومفاتنها وظلماتها ، يواجه الهوة السحيقة البعيدة القعر المظلمة الأنحاء دون أن يكون قد أعد شيئاً لمواجهة كل تلك الأهوال ، فيقول (رب ارجعون لعلي أعمل صالحا ..) ولكن بعد فوات الأوان ، والإنسان وكل إنسان يستطيع أن يجد طريقه أينما كان وحيثما حل ، ولكن حين تتوافر الرغبة الصادقة والنية المخلصة ، فالعامل في معمله سواء يصنع الحديد الذي فيه بأس شديد أو الذي يركبه الناس أو ما تقضى به الحوائج أو يصنع الطعام والغذاء أو أية حاجة يمكن أن ينتفع بها بشر بل حتى حيوان ، والفلاح في مزرعته ، والمعلم بين تلامذته والتلميذ في محراب علمه والعالم في مختبره والسياسي في سياسته والتاجر في سوقه ، كل أولئك يمكن أن يكونوا مجاهدين في سبيل الله كمن حمل السلاح ووقف عند الثغور والحدود يصد كيد الأعداء أو يحرر أرضاً يضمها إلى ديار المسلمين ، إذا صدقوا وأخلصوا النية ، كل من على الأرض من بشر مهما عظم أو صغر العمل هو الذي يرتقي به ، المهم في ذلك أن يجد الإنسان طريقه ، طريقه الذي يوصله إلى شاطئ الأمان ، الذي يصله بالله ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.

تاريخ القرآن
السبت 4 كانون الثاني 1975م = 21 ذو الحجة 1394هـ​
قبل أن أبدأ البحث في موضوع (الرسم المصحفي) كنت لا أعرف من تاريخ القرآن إلا الشيء اليسير مما درسناه في كتاب الدكتور صبحي الصالح وبعض الكتب الصغيرة التي قرأتها ، ولم أكن أعرف عن القراءات إلا الشيء اليسير ، ولكن هذا البحث فتح أمامي آفاقاً واسعة لا تُحَدُّ أطرافها ولا تعد مصادرها ، إن موضوع تاريخ القرآن موضع واسع : نزوله ، جمعه ، ترتيبه ، رسمه ، وقراءاته ، كل هذه الموضوعات وغيرها كانت مادة لكتب كثيرة مخطوطة ومطبوعة معروفة ومجهولة مفقودة وموجودة ، بالإضافة إلى العديد من المصادر التي تضمنت معلومات تعتبر ثانوية بالنسبة لموضوعها خاصة بتاريخ القرآن ، وحين بدأت أقرأ في الموضوع وأجمع المادة كانت الموضوعات تتضح أمامي ، وكنت كلما تقدمت في البحث أجد من الضروري إحاطتي أو اطلاعي على كل ما يتعلق بتاريخ القرآن أو أكثره ، وأنا الآن أحاول وأركز على الكتابة والرسم خاصة ، ولكن الأمر يحتاج لا إلى جهد فرد بل جهود أفراد ، ولا إلى عمر فرد بل يحتاج إلى أجيال ، ولا إلى سنوات معدودة مرتبطة بالتطلع إلى الحصول على شهادة بل إلى التفرغ والانقطاع ، ولكن أنى لي بمثل هذه الفرصة وتلك الجهود والإمكانيات ، إن أكثر ما يشغلني بعد العمل هو متى أستطيع أن أنجز هذا البحث ، ولكن مع ذلك سأحاول ألا تكون الحقيقة ضحية هذه الرغبة ، إن شاء الله.

كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد
الأحد 5 كانون الثاني 1975م = 22 ذو الحجة 1394هـ​
ذهبت يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي إلى مبنى دار الكتب الجديد في منطقة بولاق والذي لا يحوي إلا المخطوطات ، هناك عدد كبير من المخطوطات يمكن أن أستفيد منها ولكن ليس من السهولة تحقيق ذلك ، فقد أنفقت يوم الثلاثاء ويوم الخميس في سبيل الحصول على إذن بالاطلاع على المخطوطات ، وقد ذهبت أمس واليوم إلى الدار ، وسأواصل الذهاب إن شاء الله أياما أخرى كثيرة ، أمضيت يوم الخميس والأمس واليوم في القراءة في كتاب فضائل القرآن ومعالمه وأدبه لأبي عبيد القاسم بن سلام في نسخة مصورة عن مخطوطة في ألمانيا ، ولا شك في أن هذا الكتاب من أهم الكتب وأقدمها وأجلها في تاريخ القرآن ، وهو يقع في 58 لوحة كل لوحة في صفحتين ، ولا أزال أحتاج إلى يوم آخر إن شاء الله للانتهاء من هذا الكتاب ، مع أني أحمل تصريحاً مؤقتاً بالدخول إلى دار الكتب لحد الآن ، إذ إن معاملة الحصول على إذن دائم متوقفة على ورود موافقة دائرة الأمن ، والتي لن تكون قبل عشرة أيام أو أكثر ، ومع أن البناء لا يزال جار والعمل مستمر في الدار الجديدة فإن هناك قاعتين واسعتين مهيأتين للمخطوطات ، وقاعة صغيرة للمطالعة ، أما دار الكتب القديمة في منطقة باب الخلق فقد كنت أعقد الآمال في أن تكون المكتبة الأولى التي سأستفيد منها ولكن عندما ذهبت هناك وجدت كل نقائص الموظفين في مصر قد اجتمعت في موظفيها الذين التقيت بهم ، الإهمال وسوء الفهرسة والفوضى .

مخطوطات دار الكتب المصرية
الخميس 9 كانون الثاني 1975م = 26 ذو الحجة 1394هـ
منذ الخميس الماضي وأنا أعمل في كتاب فضائل القرآن ومعالمه وأدبه لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى سنة 224هـ رحمه الله ، وهو يقع في 58 لوحة ، ومع أنه ليس كبيراً فإنه من أقدم الكتب التي رأيتها تتحدث عن تاريخ القرآن مع الصدق والإخلاص ، رغم بعض الأخبار الغريبة التي يرويها ، أنهيت دراسة هذا الكتاب يوم أمس ونقلت منه أشياء كثيرة عن جمع القرآن واختلاف المصاحف ، ونشأة القراءات ، وكنت طوال اليوم أعمل في دار الكتب المصرية في مبناها الجديد على النيل ، كنت أنقب في فهارس المكتبات التي تضمنها الدار : التيمورية وطلعت ، وقَوَلَة ، والفهرس العام ، ووجدت عدداً غير قليل من الكتب المخطوطة التي يمكن أن أستفيد منها في بحثي إن شاء الله ، ولكن علة العلم في مصر فقدان الأمانة ، هي علة مصر المزمنة بأسرها وكل مرافقها ، طلبت بعض المخطوطات للاطلاع عليها في دار الكتب وكان الموظف يرد أكثر ما أطلب ويقول غير موجود ، ما معنى ذلك ، وأساله متى سيكون موجوداً في وقت آخر فأطلبه ، فلا يجيب أو يقول : لا أدري ، وحدث هذا مع غيري ، كنت أراهم يطلبون ولكن تعود الطلبات والموظف يصيح غير موجود ، أين تذهب هذه المخطوطات التي كانت يوماً ما فعلاً موجودة في الدار ؟ إذ لو لم تكن موجودة لما ذُكِرَتْ في الفهارس ، وهي لا يمكن أن تتلف وتختفي إلى الأبد برمتها ، إذن لابد أن يداً تمتد لسرقة هذا التراث الذي لا يخص مصر وحدها بل هو تراث الإسلام والمسلمين والعالم أجمعين ، وسمعت عن مثل ذلك أنه حدث في المكتبة الأزهرية ، وإذا كانت يد سارق المال تقطع فلا أقل من أن يحرق هؤلاء العابثون ، ولكن أين ومتى ؟!

الشيخ عبد الحميد كشك
الجمعة 10 كانون الثاني 1975م = 27 ذو الحجة 1394هـ
كان الجو هذه الأيام مائلاً للبرودة قليلاً ، ولكن ليس بدرجة تجعل المرء يفضل المكوث في البيت ، فالجو هنا في القاهرة محتمل جداً سواء برد الشتاء أم حر الصيف ، إذا ما قيس بالأجواء المتطرفة في العراق ، خرجت مع الأخ خليل بعد العاشرة صباحاً ، وزرنا مكتبة وهبة التي أكن لها منذ زمن بعيد مشاعر الحب ولها ذكريات لطيفة في قلبي ، زرناها فكانت عامرة بحمد الله ، وسمعت عن تحريقها في العهود الغابرة لكنها اليوم تبدو مزدانة من جديد بأجل الكتب وأنفسها ، ولأول مرة منذ سنين بعيدة تعرض كتب سيد قطب في المكتبات ، سمعت أحدهم وهو يتعجب لعمل الناس في مصر إذ هو يرى كيف حرقت كتب هذا الرجل وكيف عاد الناس يتسابقون إلى شرائها ، وتعرفنا على صاحب المكتبة واشترينا بعض الكتب ، ومنذ زمن كنا نحدث أنفسنا أن نصلي عند الخطيب الذي بلغت خطبه وأخباره العراق ، الشيخ عبد الحميد كشك ، ولم نكن نعرف المكان بالضبط ، ووصلنا قبل الصلاة ولكن وجدنا منظراً عجباً ، كان الجامع قد امتلأ بالمصلين ، وهناك بناية تبنى خلف الجامع ربما ملحقاً له من أربعة طوابق لا تزال في طور التشييد وقد فرشت بالحصر وضاقت بالمصلين أيضاً ، والشوارع المحيطة بالجامع كذلك ، زحام شديد ، مئات بل ألوف لا يحصيهم عد ، حتى كنت أحدث نفسي في بداية الأمر بفكرة غريبة جداً ماذا لو تداعى هذا البناء الجديد من ثقل الناس وتزاحمهم فوقه إذن لحدثت كارثة تظل تروى على مدى الأيام ، ولكن خطبة الخطيب أنستني كل تلك الأوهام ، وطالت الخطبة ، وغادرنا بعد الصلاة جامع الملك في منطقة دير الملاك بشارع مصر والسودان ، وسط أمواج من البشر!

صلاة الفجر
السبت 11 كانون الثاني 1975م = 28 ذو الحجة 1394هـ
مع أني أعمل الآن بصورة جيدة إلا أني أشعر بتقصير كبير في جنب الله سبحانه ، صلاة الفجر ، لا أكاد أنال تأديتها قبل الشروق أكثر من يوم في الأسبوع ، بركة صلاة الفجر وقراءة القرآن في الفجر مبعث قوة ونشاط عظيمين ، ولكني أشعر أني محروم منهما إلى حد ما ، وكل يوم أضع فيه رأسي على المخدة منتصف الليل أحدث نفسي بالاستيقاظ مبكراً ، ولكن يجيء الصباح فإذا الشمس قد علت فأسرع لأداء الصلاة ، ثم أتناول ما يسره الله وأخرج مسرعاً إلى إحدى المكتبات : جامعة القاهرة ، دار الكتب ، مكتبة معهد الدراسات العربية ، معهد المخطوطات ، لأعود بعد الظهر ، ثم أحاول الاستلقاء ساعة لعلي أنسى بعض تعب الصباح والنهار ، ثم بعد الساعة الرابعة أبدأ من جديد ، ثم تأتي صلاة المغرب وصلاة العشاء ، ثم نستريح ساعة بعد صلاة العشاء نتناول بعض الطعام ، ثم تستمر رحلة العمل حتى الثانية عشرة منتصف الليل ، حينها أسرع إلى الفراش ، ومرة أخرى أحدث نفسي بصلاة الفجر وبركة ذلك ، ومع أني أعمل ما يقارب الثماني ساعات وأحيانا عشراً فإني أشعر بحزن عميق عندما أذكر قرآن الفجر وصلاة الفجر ، على أن هذا النظام ليس سارياً طيلة الأيام ، إذ لا أعمل في بعض الأيام إلا ساعتين أو ثلاث ، على أني لا أزال أؤمل أني سأحظى ببركة صلاة الفجر طيلة الأيام ، إن شاء الله(6).

شمولي بالمنحة المالية
الأحد 12 كانون الثاني 1975م = 29 ذو الحجة 1394هـ​
طُرِقَ (باب الشقة) مساء هذا اليوم ، فإذا الطارق هو السيد محمد أحمد محمود ، من أهل بيجي أو هو الآن يسكن بيجي ، وصل القاهرة قادماً من العراق اليوم ، وهو يدرس الماجستير في التاريخ الحديث ويعد رسالة لذلك ، وكان قد قابل الأخ سفر والأخ سالم ، وأرسلوا معه بعض الرسائل وبعض الحاجات جزاهم الله خير الجزاء ، الأخ سالم إلى الآن لم تتضح أموره ولا أدري إن كان قد خرج من الجندية أم لا ، وهو يطلب تأجيل دراسته في دار العلوم إلى العام القادم ، الأخ سفر كتب لي عن قانون عودة ذوي الكفاءات ، وهو الذي صدر أخيراً في العراق ويشمل كل من يحصل على شهادة عليا أقلها الماجستير ، ويحظى المشمولون به بامتيازات مادية كثيرة ، كذلك تحدث لي الأخ سفر عما وصل إليه العمل في الدار التي ننشئها الآن في بغداد فقد وصل البناء إلى مستوى الشبابيك من أعلى في بعض الأماكن والى مستوى الشبابيك من أسفل في أماكن أخرى ، يتم العمل من قبل مقاول عليه العمل فقط والمواد تجهز له ، والأخ سفر يذهب إلى بغداد كل أسبوع ليرى ما يصل إليه العمل ، وجاء كذلك في إحدى الرسائل خبر شمولي بالمنحة المالية التي تدفع لكل من أكمل سنة دراسية في الدراسات العليا ، وكنت قد قدمت طلباً منذ يوم 7/11/1974 إلى الملحقية الثقافية العراقية في القاهرة ، وحُوِّلَ إلى بغداد ، ويبدو الآن أن الموافقة قد تمت منذ 18/12/1974 ، ولم يبق سوى عمل الكفالة ، ويسري مفعول المنحة حتى 1/8/1976 والحمد لله أولا وآخراً.

أول السنة الهجرية
الاثنين 13 كانون الثاني 1975م = 1 محرم 1395هـ​
في صباح كل يوم كنت أحس بالضجيج الذي ينبعث من الخارج سواء من حركة الناس وجلبتهم أو انطلاق السيارات والعربات وأزيزها ، لكن صباح هذا اليوم كان هادئاً كنت أتطلع عبر النافذة ، يكاد الشارع يكون خالياً ، وتمر بين آونة وأخرى سيارة النقل العام وتكاد تكون فارغة ، وهي في الأيام الأخرى قد ضاقت بالناس حتى تعلقوا بأبوابها ، وهناك رجل أو اثنان وأفراد قلائل يتحركون في الشارع ، بائع جرائد أو بائع خبز أو لبن ، أو عامل ينتظر نوبته ، وما وراء ذلك صمت لا يدغدغه إلا نور الشمس الذي يصل إلى الأرض على استحياء عبر ضباب القاهرة الكاذب ، مثل هذا المنظر قد يتكرر أو بعضه يوم الجمعة كل جمعة ، لكن له في هذا اليوم مذاق خاص إنه ذكرى الهجرة ، إنه رأس السنة الهجرية – انتهاء سنة واستقبال أخرى ، ولكن لم يحس الناس من ذكرى ذلك الحدث العظيم إلا بهذه الرقدة والاسترخاء المقيت ، ولكني كنت أحمد الله أن هذا اليوم لم يكن فرصة لمزيد من المنكرات ، كما كان رأس السنة الميلادية قبل نصف شهر تقريباً ، ليس للمسلمين من رأس السنة الهجرية إلا الإجازة وإلا أن يهنئ قادة الاتحاد السوفيتي الرؤساء العرب برأس السنة ، ثم في العراق يفتي القاضي ويعلن أن رأس السنة هو يوم غد وليس اليوم مخالفاً إجماع الناس ، ولعلهم لم يروا الهلال ، لكنه في العراق له بداية محزنة مؤسفة مبتدعة .

وفاة الأستاذ محمد رشاد
الأربعاء 15 كانون الثاني 1975م = 3 محرم 1395هـ​
غدوت أمس منذ الصباح الباكر إلى معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية للاطلاع والنظر في بعض المصادر ، ودخلت مبنى الجامعة العربية ، وبعد تسجيل الاسم في سجل الداخلين توجهت إلى المصعد ، لكنه تأخر فالتفتُّ يساري كانت هناك ورقة معلقة على لوحة إعلانات صغيرة ، قلت لأقرأها لحين مجيء المصعد : ينعى معهد المخطوطات الأستاذ محمد رشاد عبد المطلب ، لم أكن أتبين بالضبط من هو المقصود لكني حين أفكر في الأستاذ رشاد أكاد لا أحتمل الفكرة ، وكأن مظاهر الصحة والقوة مظاهر بقاء ودوام ، حقا كانت مفاجأة لي وللناس الآخرين من موظفي المعهد والطلاب المترددين والناس الآخرين ممن يعرفونه ، إنه السكرتير الثاني في المعهد ، له معرفة واسعة بأمر المخطوطات ، وقد توطدت بيني وبينه علاقة طيبة ، رجل ربما جاوز الخمسين لكنه ضخم البنية لا يبدو عليه أثر الكبر رغم الشيب الذي لاح برأسه ، كان قد أنهى الدوام يوم الأحد وغادر المعهد بعد الظهر صحيحاً سليماً معافى ، لكنه ما أن حل المساء حتى تهاوى في بيته في لحظات لم تتح لأهله استدعاء طبيب أو عمل شيء ، كان الأجل قد حان وجاءت الوفاة ، ولا تأخير لأمر الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ترك الدنيا وما كان له فيها وواجه المصير فرداً ولم يبق معه إلا عمله ، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره ، ولم تنفع الصحة ، ويخطئ الناس حين يظنون أن الموت بعيد عنهم لأنهم في صحة وشباب . رحم الله الأستاذ رشاد ، كان قد أفادني كثيراً وقت مراجعتي للمعهد ، ودلني على مصادر كثيرة في رسم المصحف.

أثر المطر في القاهرة
الخميس 16 كانون الثاني 1975م = 4 محرم 1395هـ​
ذهبت في الصباح إلى دار الكتب المصرية ، وعدت منها بعد الظهر ، عدت مشياً ، إذ ركبت من الدار إلى بداية (كوبري أبو العلا) وهناك كانت طوابير السيارات تمتد إلى مئات الأمتار عند محور الكوبري تنتظر دورها للمرور أو العبور ، وسبب كل هذه الأزمة هو أن غيمة جاءت على القاهرة وأرسلت زخات خفيفة ، فأوحلت الشوارع بمادة سوداء كريهة قذرة كأنها القطران ، وتوقف كثير من العربات فخفت السرعة في الشوارع ، وخرج الناس من أعمالهم يريدون العودة إلى بيوتهم ، عبرت كوبري أبو العلا مشياً ، واخترقت الزمالك وتجاوزتها إلى بيتنا في 160 شارع 26 يوليو ، وعند الغروب كنت قد فكرت في أمر آخر ، فلا تزال قطعة القماش التي أحضرها الأخ مجاهد من السعودية غير مخيطة ، فقلت لآخذها إلى الخياط هذا المساء ، وأمر في طريقي إلى الأخ محمد أحمد محمود ، ونزلت إلى الشارع بحذر من بقايا أوحال مطر الظهيرة ، وكنت أفكر بأن أذهب بها إلى الخياط عبد السلام ، ولكن كرهت المكان الذي هو فيه ، وحدث أن عرفت خياطاً بواسطة الأخ عايش ، اسمه سعد زغلول ، ذهبت إليه وكلي أمل أن أعود إليه الخميس القادم إن شاء الله ، وعرجت على بنسيون أنجلو سويس قرب ميدان التحرير فلم أجد الأستاذ محمد ، وسرت من هناك عائداً إلى البيت بعد أن اشتريت كتاب : في التاريخ فكر ومناهج ، وبعض الصحف العراقية التي نحرص على شراء أي عدد يصل منها إلى القاهرة ، فهي نافذة نطل بها على أرض الوطن وساكنيه .

شعر منثور (6)
الجمعة 17 كانون الثاني 1975م = 5 محرم 1395هـ​
كل شيء من حولنا يدور في انتظام
الشمس في الصباح تؤنس الوجود
وفي المساء يقبل الظلام .. وألق النجوم
وهذه الغيوم .. والأنهار تجري من قديم
وفي الربيع تورق الأزهار
كل شيء من حولنا يدور بانتظام
من قبلنا يدور بانتظام
وكل ما نبصره يخضع للناموس
ثم ننظر كيف يعمل البشر
خليفة الأرض والتعمير
هو الوحيد الذي يزعم الخروج على ذلك النظام
فيحطم نفسه على صخرة النظام
في هوة سحيقة القرار
حتى العصافير في فلك تدور
لكنه يزعم أنه كبير
أكبر من هذه الجبال
أوسع من تكلم الصحراء وظلمة البحار
ما أجمل أن ندور في ظل هذا العالم الرحيب
ندور بانتظام
فنشرب الرحيق من كل أزهار الحياة !

محروس
السبت 18 كانون الثاني 1975م = 6 محرم 1395هـ​
يعمل في قسم المخطوطات في دار الكتب المصرية أناس كثيرون ، بعضهم نرى لهم بعض الأعمال ، كأن يجلسوا خلف طاولة أو يناولوا مخطوطاً ، والبعض الآخر ليس لهم من الأعمال الظاهرة إلا الثرثرة والتسكع ، ولعل أكثرهم اتصالا بالمراجعين هو (محروس) ذلك الفتى البائس ، لا يتجاوز عمره الخامسة عشرة أشعث أغبر ، عيناه مريضتان ، ملابسه بائسة تلتصق على جسد قد أهزلته السنون، محروس هو الذي يجلب المخطوطات للمراجعين ، ولاحظت أنه يماطل في أحيان كثيرة ، وربما اعتذر بأن المخطوط غير موجود ، وهو جواب يتكرر في دار الكتب ، وما كان الأمر ينفع مع هذا البائس إلا بالحقن المنشطة ، فحقنته أول الأيام بعشرة قروش ، فبدأت حركته تشتد وتزداد سرعة ، وصار له في كل يوم خمسة قروش ، وإني لأستقلها ولكنه يبدو قد طابت له الحكاية ، في اليوم الذي أتناسى فيه أمر الخمسة قروش يعدو عند خروجي من الدار ويحاول أن يختلق له عملاً ، ولكنه في الحقيقة يحاول أن يذكرني بالموعد ، وإذا استيأس قال مع السلامة يا أستاذ ، واليوم فعل ذلك فأمسكته من يده ، وحاولت أن أجعله يسير معي قليلاً ، فسألته عن دراسته ، فقال إنه لم يدرس في مدرسة ، وإنما تعلم الكتابة خارجها ، وأما راتبه فيدعي أنه ثلاثة جنيهات في الشهر ، ووالده يعمل في فرن للعِيش (الخبز) ، ووَفَّيْتُ بالوعد لكن كانت صورة البؤس قد خيمت عليَّ وأنا أتساءل كم في مصر ، وكم في هذا العالم البائس أمثال محروس ، ومن هم أكثر تعاسة وبؤساً منه .

القانون
الأحد 19 كانون الثاني 1975م = 7 محرم 1395هـ​
"القانون بيئول كده" ! "القانون ميسمحش" ! أحد العاملين في دار الكتب بقسم المخطوطات يرفع دائماً هذا الشعار ، ويحاول أن يدفع به كثيراً من طلبات المراجعين ، كلما احتاج إلى عذر أو كلما أراد أن يمارس ضغطاً رفع ذلك الشعار ، ولعل الدافع في كلتا الحالتين واحد ، لعله - والله أعلم – يبغي من وراء ذلك شيئاً يصعب عليه التصريح به ؛ فيبدو أن في قانون الدار : يمنع استعمال قلم الحبر في نسخ أي معلومات من المخطوطات ، فلا بد من استعمال قلم الرصاص ، وكنت أتردد على دار الكتب أياماً عديدة والناس ينسخون بالحبر والجاف ولا أحد يعترض، ومرة حدثت ضجة في قسم المخطوطات لأن مدير الدار أزمع زيادة القسم ، وتهيأ الموظفون وكذلك أرادوا أن يتهيأ معهم الباحثون ، وتذكروا أن قانون الدار ينص على استعمال قلم الرصاص ، فأمروا بإخفاء أقلام الحبر ، ومر يوم بعد زيارة المدير الذي لم يكن يفكر بهؤلاء الجالسين ولا بما يكتبون به ، مر يوم وإذا بذلك الموظف يطلب منا مرة أخرى استعمال أقلام الرصاص ، ونتساءل لماذا ؟ فيقول "القانون بيئول كده" (وإذا كان عدكم اعتراض تفضلوا وروحوا للمدير) ومضى يوم ثان ومضى القانون وعاد الناس إلى عاداتهم ، طلبت مرة أكثر من مخطوطتين ، وتذكر صاحبنا القانون واعترض بأن "القانون مبيسمحش" بأكثر من مخطوطتين ، وأنا أنظر إلى أحد المحظوظين من المراجعين والمخطوطات تتكدس أمامه بلا عد ولا حصر ، صاحبنا رجل قصير ممتلئ ، قد لاح الشيب في رأسه ، ولا بد أنه جاوز الأربعين ، وهو حريص على القانون في كل مناسبة ، وربما إلا في حالة واحدة!

أقصر طريق لتصوير المخطوطات
الاثنين 20 كانون الثاني 1975م = 8 محرم 1395هـ
حين زرت الدكتور عبد الصبور شاهين في ثالث أيام عيد الأضحى ، كلفني بتصوير مخطوطة في دار الكتب المصرية كانت طالبة تدرس الدراسات العليا في دار العلوم ، وهي تعمل الآن في الكويت واسمها خولة الهلالي ، قد طلبت من الدكتور عبد الصبور ذلك ، وقام هو بدوره يطلب مني ذلك ، على أساس أني تلميذه وربما صديقه إن صح التعبير ، ولم أجد ما يمنعني من ذلك وخاصة أني عزمت أن أتوجه إلى قسم مخطوطات دار الكتب بعد عطلة العيد . وبدأت فعلاً أذهب كل يوم إلى قسم المخطوطات في دار الكتب المصرية في المبنى الجديد ، ومنذ أول يوم دخلت المبنى فيه بدأت التفكير في أمر تصوير المخطوطة واستفسرت من المسؤولين ، فقالوا لا بد من موافقة الأمن لأنك (مش مصري) ، وكنت قد قدمت طلباً للحصول على موافقة الأمن ، ولكنها كما يبدو ستتأخر بعض الوقت ، وعندما كنت أعمل الطلب قال لي سكرتير مدير قسم المخطوطات الأستاذ خليل إذا أردت تصوير أي مخطوط فإنه مستعد للمساعدة ، وأنا كنت أعرفه منذ الصيف عندما ذهبت مع الأخ جليل رشيد لتصوير بعض المخطوطات ، وعندما وجدت أن الطرق الأصولية لتصوير المخطوطة قد سُدَّتْ ، جئت إليه فرحب ، واتصل بالتليفون بمراقب المخطوطات وقال له (أنا عايزك في خدمة زي الأولى) وذهبت إليه لأستحصل توقيعه على الطلب فإذا هو يلين بعد أن كان يلقاني بوجه عبوس ، لم أمارس أسلوب الرشوة في التعامل ولكن الإنسان يجد نفسه مضطراً لذلك في مصر أنَّى اتجه ، ووعدني سيد خليل أن ينجز تصوير مخطوطة شرح ديوان رؤبة يوم الخميس القادم بعد أن مضى ما يقرب من ثلاثة أسابيع ولكن دون جدوى ، وهكذا تفعل (الرشوة) المقيتة في هذا البلد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

انتظار
الثلاثاء 21 كانون الثاني 1975م = 9 محرم 1395هـ​
بعد أن أنجزت الاطلاع على أكثر المخطوطات التي تتصل بالرسم المصحفي في مخطوطات دار الكتب المصرية في المبنى الجديد بكورنيش النيل توجهت اليوم إلى المبنى القديم في محاولة للاطلاع على بعض الكتب المطبوعة في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن مما يتعلق بتاريخ القرآن ، وبعد جهد وصلت إلى أرقام بعض تلك الكتب ، وسجلت الورقة التي تقدم لطلب الاطلاع على كتاب ، وإذا بالموظف يقول لي إن هذه الكتب في المبنى الجديد ، فسألت هل يمكن أن أطلع عليها هناك؟ فقال لا ، إذن ما العمل ؟ فإذا به يقول إن ذلك يقتضي الانتظار يومين حتى يُطْلَبَ الكتاب من الدار الجديدة ويجلب إلى المبنى القديم في باب الخلق ، الذي يضم الآن الكتب المطبوعة ، وقدمت طلباً لإحضار بعض تلك الكتب ، فإذا به لا يقبل إلا طلب كتابين ، والموعد يوم السبت ، بهذه الطريقة يتعامل الناس مع المكتبات هنا ، يضعون العراقيل أمام الوصول إلى أي كتاب ربما لا يفيد الباحث بأكثر من صفحة أو صفحتين ، وربما يكون مصدراً أساسياً ، وأنا الآن أنتظر يوم السبت وأتوقع أن يأتي الجواب بأن الكتاب غير موجود ، وربما الكتابان ، وهو جواب معتاد في مكتبات مصر ، سواء في مكتبة جامعة القاهرة أو دار العلوم أو دار الكتب : الكتاب غير موجود ، لا بل حتى المخطوطات غير موجودة ، فقد حدث أن طلبت أكثر من مخطوط في دار الكتب فقالوا إنه غير موجود .

موعد الأحزان
الأربعاء 22 كانون الثاني 1975م = 10 محرم 1395هـ
لا أدرى لماذا في كل مساء تنبعث الأحزان
حين تغيب الشمس يقبل الظلام
وتقبل الهموم
وفي كل مساء أنا على موعد مع الحزن المسائي الجميل
رفيقي الذي لا يخلف الميعاد في المساء
أتذكر أني غريب
وأن أناساً آخرين يشعرون أنهم في هذه الدنيا غرباء
مسافرين في رحلة تبدو طويلة
وتهدأ الأصوات في المساء
لكن صوتاً واحداً يبعثه الظلام من جديد
كانت هناك في السماء غيمة سوداء
تحمل بعض هموم الناس
لكنهم ينظرون متى ستروي هذه الغيمة القلوب
وتختلج في نفسي الذكريات
والشوق إلى شيء لا أكاد أعرفه ، لكنه في كل مساء يعود
أحاول أن أختفي بعيداً لكن المساء لا تحده الحدود
ويكتسي الوجود سرباله القديم
وتلتقي الأفراح والأحزان في موعد مع المساء
يا ربنا نَوِّرِ الأبصار والبصائر
وزَيِّنِ المساء بالنجوم لتؤنس المسافر !

طال انتظاري
السبت 25 كانون الثاني 1975م = 13 محرم 1395هـ​
خرجت كالمعتاد في الصباح ذاهباً إلى المبنى القديم لدار الكتب المصرية في باب الخلق ، لأطلع على بعض الكتب المطبوعة طبعات قديمة ، كنت يوم الثلاثاء الماضي قد قَدَّمْتُ طلباً للاطلاع على كتابين ، قالوا إنهم سيجلبونهما من الدار الجديدة ، وهذا يحتاج إلى عدة أيام ووعدني الموظف بيوم السبت هذا ، وذهبت أصطنع النشاط الذي استنفد معظمه زحام الأوتوبيس ، ومن العتبة ركبت الطُرْمَاي لعدة دقائق ، ثم دخلت الدار ، واستفتحت بتلك الوجوه الحزينة ، وسألت عن الكتب التي طلبتها ، وإذا بالموظف لم يأت بعد ، وقالوا إنه لن يأتي هذا اليوم ، وحاول من يقوم مقامه أن يعثر على الكتب التي طلبتها ، كان الجواب أنها لم تصل إلى الآن ، تحتاج إلى ثلاثة أيام أخرى ! وحاولت أن أستفيد من هذا الصباح الذي ذهب نصفه هدراً فطلبت كتابين للاطلاع عليهما مما تضمه الدار ، وجلست ما لا يقل عن نصف ساعة لينادي الموظف علي ، فإذا أحدهما غير موجود ، وهكذا فإن الوقت يذهب بين البحث والانتظار وتجهم هؤلاء الموظفين الذين يشعرون بالحرمان ، ويحاولون أن يلحقوا بالركب بأي ثمن كان ، ولا أشك أن العلة التي تشكو منها دار الكتب المصرية هي نفسها التي تشكو منها مكتبات القاهرة ، وهي نفسها التي تشكو منها دوائر الحكومة كلها في مصر ، إنها حاجة الموظف التي أدت إلى فقدان الأمانة والإخلاص ، وما أصعب الأمر إذا أريد الإصلاح من غير أن تغسل هذه النفوس من الداخل من كل ذلك الخبث ، وتملأ بنور جديد من الإسلام الخالد .

زيارة خاصة
الأحد 26 كانون الثاني 1975م = 14 محرم 1395هـ​
خرجنا من الشقة حوالي السابعة صباحاً ، خلاف الأيام السالفة ، كنا مسرعين، وركبنا بتكسي إلى ميدان رمسيس ، وانتظرنا قليلا حتى حضر الأخ محسن وركبنا القطار إلى العرب .. وفي الطريق قبل أن نخرج من أطراف القاهرة توقف القطار في إحدى المحطات ، وإذا برجل ينادي علينا أن انزلوا بسرعة ، وإذا بسيارة تكسي تنتظرنا وركبناها كنا خمسة ، فراحت تتهادى مبتعدة عن القاهرة ، تارة تمر في وسط حقل من التين الشوكي ، وأخرى وسط مزرعة للبرسيم ، وثالثة وسط بستان من النخيل والفواكه ، أو قرب معمل دخانه يعصف ، أو في طريق وسط أرض جرداء على ضفاف نهر ، وانتهينا إلى العرب بيوت تشبه بيوت قُرَانا في العراق ، كان الأطفال مندهشين ومتعجبين بالسيارة ، فهم يجرون خلفها ، البساطة والفطرة ، وإذا نحن أمام عالم آخر غير عالم القاهرة ، أحاديث عن الماضي والحاضر ، وتطلعات إلى المستقبل ، وكأننا في حلم يتجاوز حدود الزمن ، ونعبره عبر الماضي إلى عشرات من السنين الماضية لكي نلتقي بالذكريات والرجال صانعي تلك الذكريات ، فتأخذنا نشوه عظيمة ، وننصت إلى الأحاديث التي سمعناها ولأول مرة نسمعها بهذا الوضوح والبساطة ، كانت تلك الكلمات قد ملكت علينا قلوبنا وأسماعنا فلا زلنا منصتين حتى آذن الوقت بالانقضاء ، وانطلقت بنا السيارة إلى القاهرة مرة أخرى ، ودخلنا أطرافها والنجوم قد بدت واضحة ، وضمنا ليل القاهرة ، لكن تلك الذكريات لا يمكن أن يغطيها ليل أو يمحوها نهار .

في معرض الكتاب
الجمعة 31 كانون الثاني 1975م = 19 محرم 1395هـ​
افتتح مساء يوم الأربعاء الماضي معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وكان قد افتتح في السنة الماضية في مثل هذا الوقت أيضاً ، ذهبت أمس أنا والأخ خليل منذ الصباح ، وظللنا نمتع النظر والفكر في هذه الأعداد الضخمة من الكتب ، في كل اللغات ومن مختلف الدول عربية وأجنبية ، واشتريت بعض الكتب ذات المساس بموضوع القراءات وتاريخ القرآن ، ولعل أجل الكتب التي اشتريتها : كتاب التيسير لأبي عمرو الداني ، وغاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري ، وكتاب نكت الانتصار للباقلاني ، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ، مع مجموعة أخرى من الكتب ، ولكني أجد نفسي هذه السنة أقل اندفاعاً في شراء الكتب ، ربما لأنني أستحضر دائماً قصة شحنها ، أو لأن الكتب الجيدة في نظري على الأقل نادرة ، أو لأن الكتب هذه السنة أكثر غلاء ، وكذلك كنت أحس أن حركة الناس في المعرض أكثر فتوراً من السنة الماضية وأقل عدداً ، ويبدو أن الكتب الجديدة أيضاً قليلة ، مع ارتفاع الأثمان ، والنغمة السائدة الآن في مصر لا بل في العالم كله هي أزمة الورق ، فقد تضاعف ثمن الورق بكل أنواعه مع قلته ، ويذهب نتيجة ذلك وضحية له القارئ الفقير والعِلْمُ الثمين ، إذ تتاح الفرصة لنشر الكتب الجذابة البراقة التي تجذب القراء ، أما الكتب الرصينة والعلمية فيبدو أنها أقل رواجاً ، مما يزهد الناشرين في طبعها والمؤلفين في بذل الجهد لكتابتها ، ولا أدري ما علة هذه الأزمة الورقية وما علاقة النفط بها ، ولكن الغلاء يعم كل شيء في هذه الأيام.



نشرت هذه الحلقة يوم الجمعة 17/4/1431هـ


ــــــــــــــــ الحواشي ــــــــــــــــــ :
(1) لم تكن الهواتف النقالة معروفة في ذلك الوقت ، ولم يكن لدينا هاتف في الشقة ، وإذا احتجنا للاتصال لجأنا إلى الأكشاك في الشارع ، كما لم يكن في الشقة جهاز تلفاز ، وكانت الصحف والراديو وسيلتنا لسماع الأخبار أو الاطلاع عليها.
(2) بلغني أن الأستاذ كاظم الراوي توفي يوم الثلاثاء 2آذار 2010م ، الموافق 16 ربيع الأول 1431هـ ، بعد وفاته بيومين ، وهو مقيم بمدينة راوة ، في أعالي الفرات ، رحمه الله تعالى، وحدثتني نفسي بالسفر إلى راوة مع بعض المعارف ، لكن منع سير المركبات على الطرق بين المحافظات لقرب موعد الانتخابات حال دون ذلك.
(3)الدكتور صباح عدامة هيشان ، أول عميد لكلية التربية للبنات في جامعة تكريت ، وعملت معه في الكلية منذ تأسيسها سنة 1988م إلى حين انتقالي إلى كلية التربية في الجامعة سنة 1992م ، وهو الآن مقيم في دولة الإمارات كما بلغني منذ مدة.
(4)تحقق لي ذلك والحمد لله ، فقد حججت في عام 1420 هـ = 2000م ونحن في اليمن ، كما أني حججت سنة 1424هـ = 2004م من العراق ، واعتمرت في صيف 2006 ، و2008 ، و2009 م ، والحمد لله .
(5)كتب الدكتور عبد الحي حسين الفرماوي أطروحته للدكتوراه عن ( رسم المصحف ونقطه) في قسم التفسير وعلوم القرآن في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر ، ونوقشت يوم الاثنين 20/1/1975م.
(6) تحقق لي ذلك منذ أمد ، والحمد لله ، بعد أن بنينا مسجد الفرقان بجوار الدار .
(7)كنت أمارس هذا النوع من الكتابة في سنوات سابقة ، ولا أدري ما الذي بعث هذه العادة من جديد ، وأنا أكتب النص كما وجدته في المفكرة ، وقد لا يجد فيه القارئ ما يستحق الوقوف عنده.




الحلقات السابقة :
1- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الأولى)
2- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثانية)
3- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثالثة)
4- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الرابعة)
5- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الخامسة)
6- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة السادسة)
7- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة السابعة)
8- ذكريات غانم قدوري الحمد........ (الحلقة الثامنة)


 
ذكريات جميلة يا أستاذنا الغالي، الحقيقة عشتُ معك تلك الأيام من خلال هذه الكلمات المكتوبة هنا، الذكريات حياة ماضية، والأمنيات حياة قادمة، نشكرك على إبداعك وأسلوبك وذكرياتك، ولا نزال نتابع بشغف وننتظر بقية الأجزاء، أسأل الله لكم الرفعة في الدنيا والآخرة...
 
تاريخ القرآن
السبت 4 كانون الثاني 1975م = 21 ذو الحجة 1394هـ​
قبل أن أبدأ البحث في موضوع (الرسم المصحفي) كنت لا أعرف من تاريخ القرآن إلا الشيء اليسير مما درسناه في كتاب الدكتور صبحي الصالح وبعض الكتب الصغيرة التي قرأتها ، ولم أكن أعرف عن القراءات إلا الشيء اليسير ، ولكن هذا البحث فتح أمامي آفاقاً واسعة لا تُحَدُّ أطرافها ولا تعد مصادرها ، إن موضوع تاريخ القرآن موضع واسع : نزوله ، جمعه ، ترتيبه ، رسمه ، وقراءاته ، كل هذه الموضوعات وغيرها كانت مادة لكتب كثيرة مخطوطة ومطبوعة معروفة ومجهولة مفقودة وموجودة ، بالإضافة إلى العديد من المصادر التي تضمنت معلومات تعتبر ثانوية بالنسبة لموضوعها خاصة بتاريخ القرآن ، وحين بدأت أقرأ في الموضوع وأجمع المادة كانت الموضوعات تتضح أمامي ، وكنت كلما تقدمت في البحث أجد من الضروري إحاطتي أو اطلاعي على كل ما يتعلق بتاريخ القرآن أو أكثره ، وأنا الآن أحاول وأركز على الكتابة والرسم خاصة ، ولكن الأمر يحتاج لا إلى جهد فرد بل جهود أفراد ، ولا إلى عمر فرد بل يحتاج إلى أجيال ، ولا إلى سنوات معدودة مرتبطة بالتطلع إلى الحصول على شهادة بل إلى التفرغ والانقطاع ، ولكن أنى لي بمثل هذه الفرصة وتلك الجهود والإمكانيات ، إن أكثر ما يشغلني بعد العمل هو متى أستطيع أن أنجز هذا البحث ، ولكن مع ذلك سأحاول ألا تكون الحقيقة ضحية هذه الرغبة ، إن شاء الله.

وفقكم الله يا أبا عبدالله وقد فعل . فقد استطعتم في بحثكم هذا (رسم المصحف) أن تقدموا للمكتبة القرآنية ما يعد إضافة علمية متميزة تستحق الشكر والتقدير ، وقد أثمرت تلك المعاناة خيراً لكم ولنا نحن القراء . ولا تزال الكتابة المحررة المستوعبة في موضوع (تاريخ القرآن) ناقصةً لم تعط حقها بعد حتى اليوم ، وليت أحد الباحثين النابهين يتصدى لكتابة ما يعتبر تاريخاً للقرآن ، مع تحفظ بعض الباحثين مثل الدكتور عدنان زرزور في كتابه (علوم القرآن وإعجازه وتاريخ توثيقه (ص 6 ، 49 ..) على هذه العبارة ، حيث يرى أن عبارة (قطعية النص القرآني وتاريخ توثيقه) أولى في الاستعمال ؛ لما ألصقه المستشرقون من شبهات وادعاءات تطعن في توثيق القرآن تحت عناوين (تاريخ القرآن) ..


كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد
الأحد 5 كانون الثاني 1975م = 22 ذو الحجة 1394هـ​
ذهبت يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي إلى مبنى دار الكتب الجديد في منطقة بولاق والذي لا يحوي إلا المخطوطات ، هناك عدد كبير من المخطوطات يمكن أن أستفيد منها ولكن ليس من السهولة تحقيق ذلك ، فقد أنفقت يوم الثلاثاء ويوم الخميس في سبيل الحصول على إذن بالاطلاع على المخطوطات ، وقد ذهبت أمس واليوم إلى الدار ، وسأواصل الذهاب إن شاء الله أياما أخرى كثيرة ، أمضيت يوم الخميس والأمس واليوم في القراءة في كتاب فضائل القرآن ومعالمه وأدبه لأبي عبيد القاسم بن سلام في نسخة مصورة عن مخطوطة في ألمانيا ، ولا شك في أن هذا الكتاب من أهم الكتب وأقدمها وأجلها في تاريخ القرآن ، وهو يقع في 58 لوحة كل لوحة في صفحتين ، ولا أزال أحتاج إلى يوم آخر إن شاء الله للانتهاء من هذا الكتاب ، مع أني أحمل تصريحاً مؤقتاً بالدخول إلى دار الكتب لحد الآن ، إذ إن معاملة الحصول على إذن دائم متوقفة على ورود موافقة دائرة الأمن ، والتي لن تكون قبل عشرة أيام أو أكثر ، ومع أن البناء لا يزال جار والعمل مستمر في الدار الجديدة فإن هناك قاعتين واسعتين مهيأتين للمخطوطات ، وقاعة صغيرة للمطالعة ، أما دار الكتب القديمة في منطقة باب الخلق فقد كنت أعقد الآمال في أن تكون المكتبة الأولى التي سأستفيد منها ولكن عندما ذهبت هناك وجدت كل نقائص الموظفين في مصر قد اجتمعت في موظفيها الذين التقيت بهم ، الإهمال وسوء الفهرسة والفوضى .
[/SIZE]

كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام هذا مع صغر حجمه في غاية النفاسة كما تفضلتم ، وقد غفل الكثيرون منا اليوم عن العودة لقراءة كتب تلك الطبقة المتقدمة من العلماء والاشتغال بكتب المعاصرين ، ولا شك أن هذا خللاً منهجياً في القراءة والتأصيل العلمي لطالب العلم . وقد كنتَ موفقاً يا أبا عبدالله في قراءتك وجمعك لمادتك العلمية ، مع هذه الصعوبات والعوائق التي لا يكاد أحد يمر بها من طلبة العلم اليوم لتوفر الكتب بكل الطرق ، ولكن : أين الباحثون الجادون ؟


ولأول مرة منذ سنين بعيدة تعرض كتب سيد قطب في المكتبات ، سمعت أحدهم وهو يتعجب لعمل الناس في مصر إذ هو يرى كيف حرقت كتب هذا الرجل وكيف عاد الناس يتسابقون إلى شرائها
[/SIZE]

يبدو أن هذا قَدَرُ كتب هذا الرجل المبتلى رحمه الله ، فقد عادت هذه الموجة مرات منذ ذلك التاريخ، ولا تزال تعود بين الفينة والأخرى والله المستعان .



شعر منثور (6)
الجمعة 17 كانون الثاني 1975م = 5 محرم 1395هـ​
كل شيء من حولنا يدور في انتظام
الشمس في الصباح تؤنس الوجود
وفي المساء يقبل الظلام .. وألق النجوم
وهذه الغيوم .. والأنهار تجري من قديم
وفي الربيع تورق الأزهار
كل شيء من حولنا يدور بانتظام
من قبلنا يدور بانتظام
وكل ما نبصره يخضع للناموس
ثم ننظر كيف يعمل البشر
خليفة الأرض والتعمير
هو الوحيد الذي يزعم الخروج على ذلك النظام
فيحطم نفسه على صخرة النظام
في هوة سحيقة القرار
حتى العصافير في فلك تدور
لكنه يزعم أنه كبير
أكبر من هذه الجبال
أوسع من تكلم الصحراء وظلمة البحار
ما أجمل أن ندور في ظل هذا العالم الرحيب
ندور بانتظام
فنشرب الرحيق من كل أزهار الحياة !
[/SIZE]

نادراً ما تستوقفني مثل هذه الخواطر الأدبية التي يسمونها شعراً منثوراً ، ولكنني توقفت كثيراً عند ما كتبته وفقك الله في هذه الحلقة ، وقرأتُ فيه معاني المعاناة والغربة وأثرها في نفسك ، ولكن الحمد الله الذي جعل عاقبتها خيراً ، وأسأل الله أن يجعل عاقبتكم في الآخرة خيراً ، والله لا يضيع أجر المحسنين . وهذه ثمرة الأدب ، وكيف ينجح في تصوير لحظات الحزن والألم إذا كانت التجربة الشعورية صادقة حقاً ، بغض النظر عن القالب الذي خرجت فيه تلك الصور.



زيارة خاصة
الأحد 26 كانون الثاني 1975م = 14 محرم 1395هـ​
خرجنا من الشقة حوالي السابعة صباحاً ، خلاف الأيام السالفة ، كنا مسرعين، وركبنا بتكسي إلى ميدان رمسيس ، وانتظرنا قليلا حتى حضر الأخ محسن وركبنا القطار إلى العرب .. وفي الطريق قبل أن نخرج من أطراف القاهرة توقف القطار في إحدى المحطات ، وإذا برجل ينادي علينا أن انزلوا بسرعة ، وإذا بسيارة تكسي تنتظرنا وركبناها كنا خمسة ، فراحت تتهادى مبتعدة عن القاهرة ، تارة تمر في وسط حقل من التين الشوكي ، وأخرى وسط مزرعة للبرسيم ، وثالثة وسط بستان من النخيل والفواكه ، أو قرب معمل دخانه يعصف ، أو في طريق وسط أرض جرداء على ضفاف نهر ، وانتهينا إلى العرب بيوت تشبه بيوت قُرَانا في العراق ، كان الأطفال مندهشين ومتعجبين بالسيارة ، فهم يجرون خلفها ، البساطة والفطرة ، وإذا نحن أمام عالم آخر غير عالم القاهرة ، أحاديث عن الماضي والحاضر ، وتطلعات إلى المستقبل ، وكأننا في حلم يتجاوز حدود الزمن ، ونعبره عبر الماضي إلى عشرات من السنين الماضية لكي نلتقي بالذكريات والرجال صانعي تلك الذكريات ، فتأخذنا نشوه عظيمة ، وننصت إلى الأحاديث التي سمعناها ولأول مرة نسمعها بهذا الوضوح والبساطة ، كانت تلك الكلمات قد ملكت علينا قلوبنا وأسماعنا فلا زلنا منصتين حتى آذن الوقت بالانقضاء ، وانطلقت بنا السيارة إلى القاهرة مرة أخرى ، ودخلنا أطرافها والنجوم قد بدت واضحة ، وضمنا ليل القاهرة ، لكن تلك الذكريات لا يمكن أن يغطيها ليل أو يمحوها نهار .
[/SIZE]

أين هي هذه المنطقة يا أبا عبدالله ، وليتك توضح لنا المقصود فلم يظهر لي .



في معرض الكتاب
الجمعة 31 كانون الثاني 1975م = 19 محرم 1395هـ​
افتتح مساء يوم الأربعاء الماضي معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وكان قد افتتح في السنة الماضية في مثل هذا الوقت أيضاً ، ذهبت أمس أنا والأخ خليل منذ الصباح ، وظللنا نمتع النظر والفكر في هذه الأعداد الضخمة من الكتب ، في كل اللغات ومن مختلف الدول عربية وأجنبية ، واشتريت بعض الكتب ذات المساس بموضوع القراءات وتاريخ القرآن ، ولعل أجل الكتب التي اشتريتها : كتاب التيسير لأبي عمرو الداني ، وغاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري ، وكتاب نكت الانتصار للباقلاني ، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد ، مع مجموعة أخرى من الكتب ، ولكني أجد نفسي هذه السنة أقل اندفاعاً في شراء الكتب ، ربما لأنني أستحضر دائماً قصة شحنها ، أو لأن الكتب الجيدة في نظري على الأقل نادرة ، أو لأن الكتب هذه السنة أكثر غلاء ، وكذلك كنت أحس أن حركة الناس في المعرض أكثر فتوراً من السنة الماضية وأقل عدداً ، ويبدو أن الكتب الجديدة أيضاً قليلة ، مع ارتفاع الأثمان ، والنغمة السائدة الآن في مصر لا بل في العالم كله هي أزمة الورق ، فقد تضاعف ثمن الورق بكل أنواعه مع قلته ، ويذهب نتيجة ذلك وضحية له القارئ الفقير والعِلْمُ الثمين ، إذ تتاح الفرصة لنشر الكتب الجذابة البراقة التي تجذب القراء ، أما الكتب الرصينة والعلمية فيبدو أنها أقل رواجاً ، مما يزهد الناشرين في طبعها والمؤلفين في بذل الجهد لكتابتها ، ولا أدري ما علة هذه الأزمة الورقية وما علاقة النفط بها ، ولكن الغلاء يعم كل شيء في هذه الأيام.[/SIZE]

لا تزال هذه العلة حتى اليوم من غلاء الكتب ، وعوائق نشر الكتب الجادة ، ونفاق الكتب الأقل جودة ، وغلاء الورق . ولكن ظروفنا اليوم اختلفت كثيراً فقد طبعت الآف الكتب وحققت وظهرت وانتشرت اليوم بين يدي طلبة العلم والباحثين .
وقد كشفت لنا ذكريات الدكتور غانم قدوري الحمد هذه عن الصعوبة التي كان يجدها في وقته للاطلاق على الكتب أو المخطوطات ، مع بذله الجهد في المتابعة والصبر والسير لمسافات للاطلاع على كتاب واحد أو بعضه . واليوم أصبحت المراجع والمصادر والمكتبات مبذولة لطلبة العلم إعارة أو شراء أو مراسلة أو عبر تصويرها بطريقة PDF وبالرغم من ذلك لا تجد ذلك النهم في القراءة ، والإقبال عليها ، والصبر في سبيل تعميق المعرفة ، وإثراء البحث ، والصبر على الفهم الدقيق ، والتعبير الأنيق عن تلك المعرفة ، وتتبع جزئيات البحوث للخروج بنتائج ترضي البحث العلمي وطلابه ، وإنما استعجال في كل ذلك أورثناً خبالاً في البحث العلمي ، وأدى إلى سوء الظن بالبحث والباحثين .
فما أحوجنا - نحن طلبة العلم الصغار - إلى الاستفادة من هذه التجربة الماثلة أمامنا في ذكريات أستاذنا الدكتور غانم الحمد ، الذي أثبت مع الوقت أنه يمكن للباحث الجاد الحريض أن يصنع شيئاً مميزاً في خدمة البحث العلمي إذا أخلص النية ، واستصحب الصبر والأناة في بحثه وعمله ، وها هي مؤلفات الدكتور غانم قدوري الحمد شاهدٌ على هذا أتمنى أن يرجع القراء الفضلاء إليها ليروا قيمتها العلمية ، ومدى الفائدة التي تعود من وراء قراءتها .

جزاكم الله خيراً يا دكتور غانم ، فقد أثرت بهذه الذكريات الكثير من الشجون ، وما أحوجنا إلى وقفة صادقة مع أنفسنا لمحاسبتها على التقصير في إعدادها الإعداد الأمثل للسير في طريق طلب العلم وخدمته والارتقاء به وبها ، والله المستعان لا إله غيره .



حين زرت الدكتور عبد الصبور شاهين في ثالث أيام عيد الأضحى ، كلفني بتصوير مخطوطة في دار الكتب المصرية كانت طالبة تدرس الدراسات العليا في دار العلوم ، وهي تعمل الآن في الكويت واسمها خولة الهلالي ، قد طلبت من الدكتور عبد الصبور ذلك ، وقام هو بدوره يطلب مني ذلك ، على أساس أني تلميذه وربما صديقه إن صح التعبير ، ولم أجد ما يمنعني من ذلك وخاصة أني عزمت أن أتوجه إلى قسم مخطوطات دار الكتب بعد عطلة العيد
[/SIZE]

جزاك الله خيراً على مساعدتك لهذه الباحثة ، فهي تستحق الشكر والتقدير حقاً ، وكتابها الذي أنجزته عن أراجيز رؤبة بن العجاج ، وكلامها عن غريب القرآن من أجود ما قرأته ، وقد أفدتُ من بحثها هذا كثيراً في بحثي للدكتوراه عن الشاهد الشعري في تفسير القرآن ، فجزاك الله خيراً .
وهذا درس لنا جميعاً ألا نتوانى في مساعدة الباحثين والإحسان إليهم ، والله يحب المحسنين .[/SIZE]
 
الحمد لله وحده..

يمكننا تسمية هذه الحلقة بحلقة الرجال..

وقد ذكر الشيخ فيها ثلة من خيرة الرجال ..

أما الأول : فهو الأستاذ سيد قطب والذي شأضاعه التقليب بين غلو المدافعين وحماستهم وبغي المناوئين وغلظتهم..

وأما الثاني : فنسيج وحده شيخ خطباء مصر الشيخ عبد الحميد كشك وهذا رجل أضاعه ذهول الناس عنه في زحمة الدعاة وتوالي أجيالهم..

وأما الثالث فالأستاذ الفاضل محمد رشاد عبد المطلب والذي كلما قرأت كلام أبي أروى عنه = وددت لو كنت قابلته،فليراجع كلام الدكتور محمود الطناحي عن هذا الرجل ففيه خير كثير..

وأما الرابع : فالحاج وهبة صاحب مكتبة وهبة والذي كونت عنه صورة ذهنية جميلة جداً من حوار أدارته معه الأستاذة صافيناز كاظم على صفحات جريدة القاهرة منذ أكثر من عشر سنوات..
 
حلقة رائعة جدا ، حوت معلومات قيمة ،
وأشعر بالأسف لما ورد بالنسبة لحال المخطوطات ، والحمد لله الذي تكلف بحظ القرآن الكريم .
وأعجب من الناس الذين يحسبون أن طلب العلم نزهة ، وإذا حازه إنسان وحاول أن يؤدي حقه ، ويعمل ما هو واجب عليه ، يظنون أنه يتسلى وفي سياحة .
 
عودة
أعلى