د. عبدالعزيز المبارك ينتقد تراجم معاني القرآن المتوفرة ويدعو للترجمة النصية للقرآن

إن الموجود اليوم من الترجمات هو ترجمة للنص ، وسواء قلنا عنه إنه ترجمة للقرآن أو قلنا ترجمة لمعاني القرآن.
وقضية هل نطلق على الترجمة إنها قرآن لها نفس أحكام القرآن وأنه كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته هذه قضية أخرى ، ولم يقل أحد بذلك .
وكون الترجمة من لغة إلى أخرى لا يمكن أن تكون متطابقة تماما كما قال الشيخ مناع القطان رحمه الله تعالى في كتابه مباحث في علوم القرآن:
"والذين على بصر باللغات يعرفون أن الترجمة الحرفية بالمعنى المذكور لا يمكن حصولها مع المحافظة على سياق الأصل والإحاطة بجميع معناه، فإن خواص كل لغة تختلف عن الأخرى في ترتيب أجزاء الجملة، فالجملة الفعلية في اللغة العربية تبدأ بالفعل فالفاعل في الاستفهام وغيره، والمضاف مقدم على المضاف إليه، والموصوف مقدم على الصفة، إلا إذا أريد الإضافة على وجه التشبيه مثلاً: كلجين الماء، أو كان الكلام من إضافة الصفة إلى معمولها كعظيم الأمل، وليس الشأن كذلك في سائر اللغات ......... والتعبير العربي يحمل في طياته من أسرار اللغة ما لا يمكن أن يحل محله تعبير آخر بلغة أخرى، فإن الألفاظ في الترجمة لا تكون متساوية المعنى من كل وجه فضلاً عن التراكيب ......... والقرآن الكريم في قمة العربية فصاحةً وبلاغةً وله من خواص التراكيب وأسرار الأساليب ولطائف المعاني، وسائر آيات إعجازه ما لا يستقل بأدائه لسان"
وهذا وإن كان كلاما حقا لكن لا يعني أن الموجود ليس محاولة لترجمة النص وليس لمعانيه.
ثم يقول الشيخ مناع رحمه الله:
"ولهذا لا يجد المرء أدنى شبهة في حرمة ترجمة القرآن ترجمة حرفية، فالقرآن كلام الله المنزَّل على رسوله صلى الله عليه وسلم المعجز بألفاظه ومعانيه، المتعبَّد بتلاوته، ولا يقول أحد من الناس إن الكلمة من القرآن إذا ترجمت يقال فيها إنها كلام الله، فإن الله لم يتكلم إلا بما نتلوه بالعربية، ولن يَتَأَتَّى الإعجاز بالترجمة؛ لأن الإعجاز خاص بما أنزل باللغة العربية، والذي يتعبَّد بتلاوته هو ذلك القرآن العربي المبين بألفاظه وحروفه وترتيب كلماته.
فترجمة القرآن الحرفية على هذا ـ مهما كان المترجم على دراية باللغات وأساليبها وتراكيبها ـ تخرج القرآن عن أن يكون قرآناً"
والذي أتوقف عنده قول الشيخ رحمه الله بحرمة الترجمة.
لقد قرأ جعفر رضي الله عنه سورة مريم على النجاشي فهل كان النجاشي يفهم العربية أم كان هناك مترجم ؟
وإذا كان هناك مترجم ، هل كان يترجم النص أم يترجم المعاني ؟
أعود وأقول إن الموجود اليوم هو ترجمة للنص ، كونها مطابقة تماما وتودي المعنى كما يؤديه النص العربي هذا شيء آخر. ومعلوم أن هذا غير ممكن كما قال ناشر ترجمة آربري:
Professor Arberry in calling this work
" The Koran Interpreted "
concedes the point that no fully and adequate translation of the Koran is possible.

وتعالوا نأخذ مثالا الآيتين الأخيرتين من سورة الفاتحة حيث نرى أن الترجمة توجهت إلى النص وليس إلى التفسير.

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
جاء في التفسير الميسر:
دُلَّنا، وأرشدنا، ووفقنا إلى الطريق المستقيم، وثبتنا عليه حتى نلقاك، وهو الإسلام، الذي هو الطريق الواضح الموصل إلى رضوان الله وإلى جنته، الذي دلّ عليه خاتم رسله وأنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا سبيل إلى سعادة العبد إلا بالاستقامة عليه.
طريق الذين أنعمت عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، فهم أهل الهداية والاستقامة، ولا تجعلنا ممن سلك طريق المغضوب عليهم، الذين عرفوا الحق ولم يعملوا به، وهم اليهود، ومن كان على شاكلتهم، والضالين، وهم الذين لم يهتدوا، فضلوا الطريق، وهم النصارى، ومن اتبع سنتهم.
وللنظر للترجمة:


Show us the straight way,
[1:7]
The way of those on whom Thou hast bestowed Thy Grace, those whose (portion) is not wrath, and who go not astray.
ترجمة يوسف علي
****
[1:6]
Guide us the straight way –
[1:7]
the way of those upon whom Thou hast bestowed Thy blessings, not of those who have been condemned [by Thee], nor of those who go astray!
ترجمة محمد أسد
***
[1:6]
Guide us to the straight path:
[1:7]
the path of those whom You have favoured, not [the path] of those against whom there is wrath, nor of those who are astray.
ترجمة مؤسسة آل البيت
*****
[1:6]
Guide us in the straight path,
[1:7]
the path of those whom Thou hast blessed, not of those against whom Thou art wrathful, nor of those who are astray
ترجمة آرثر آربري


 
د. عبدالعزيز المبارك يتابع ما يكتب هنا ، ويبعث لي على بريدي تعقيبات ، فطلبت منه الدخول بنفسه للحوار معكم ولعله يبدأ في مشاركتكم هذا الحوار قريباً وفقكم الله للصواب .
 
أخي المفضال: أبو سعد الغامدي، كل من وقفت عليه من الباحثين والمؤلفين فرّق بين الترجمة الحرفية والمعنوية للقرآن الكريم من ناحية الجواز والمنع، وذكرت لك عددا من المؤلفين قد حكى الإجماع على المنع من الترجمة الحرفية للقرآن فهل لك من سلف في هذه القول وهذا الاستدلال الذي ذكرت، فالخير كل الخير في الاتباع، دمت موفقا مسددا.
 
أخي المفضال: أبو سعد الغامدي، كل من وقفت عليه من الباحثين والمؤلفين فرّق بين الترجمة الحرفية والمعنوية للقرآن الكريم من ناحية الجواز والمنع، وذكرت لك عددا من المؤلفين قد حكى الإجماع على المنع من الترجمة الحرفية للقرآن فهل لك من سلف في هذه القول وهذا الاستدلال الذي ذكرت، فالخير كل الخير في الاتباع، دمت موفقا مسددا.
أخي الكريم
نحن أمام أمرين:
تنظير وواقع
التنظير يقول بحرمة الترجمة النصية أو الحرفية لآيات القرآن.
والواقع أن نرى ترجمات نصية أو حرفية بمعنى الكلمة مقابل الكلمة مع اعتبار طرق تركيب الكلام في اللغة المقابلة .
ولا أعلم دليلا لا من الكتاب ولا من السنة يمنع من ذلك.
وقد أرسل نبينا صلى الله عليه وسلم كتبا إلى ملوك الدنيا من غير الناطقين بالعربية وضمنها آيات من القرآن ومن ذلك كتابه صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم ، ولا شك أن هرقل احتاج إلى ترجمان ولم يكن الترجمان عالما بالقرآن ولا بالتفسير فلا شك أنه قد فسر آية ال عمرآن كما فهمها من كتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولوكان في ذلك محذور لكان بينه صلى الله عليه وسلم .
 
جاء في الفتح:
بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ تَفْسِيرِ التَّوْرَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى
{ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا تَرْجُمَانَهُ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَ
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ }
الْآيَةَ

قَوْله ( بَاب مَا يَجُوز مِنْ تَفْسِير التَّوْرَاة وَكُتُب اللَّه )
كَذَا لِأَبِي ذَرّ وَلِغَيْرِهِ " مِنْ تَفْسِير التَّوْرَاة وَغَيْرهَا مِنْ كُتُب اللَّه تَعَالَى " وَكُلّ مِنْهُمَا مِنْ عَطْف الْعَامّ عَلَى الْخَاصّ ؛ لِأَنَّ التَّوْرَاة مِنْ كُتُب اللَّه .
قَوْله ( بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرهَا )
أَيْ مِنْ اللُّغَات ، فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيِّ " بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَغَيْرهَا " وَلِكُلٍّ وَجْهٌ ، وَالْحَاصِل أَنَّ الَّذِي بِالْعَرَبِيَّةِ مَثَلًا يَجُوز التَّعْبِير عَنْهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَبِالْعَكْسِ ، وَهَلْ يَتَقَيَّد الْجَوَاز بِمَنْ لَا يَفْقَه ذَلِكَ اللِّسَان أَوْ لَا الْأَوَّل قَوْلُ الْأَكْثَرِ .
قَوْله ( لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
وَجْه الدَّلَالَة أَنَّ التَّوْرَاة بِالْعِبْرَانِيَّةِ ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّه تَعَالَى أَنْ تُتْلَى عَلَى الْعَرَب وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ الْعِبْرَانِيَّة فَقَضِيَّة ذَلِكَ الْإِذْن فِي التَّعْبِير عَنْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَة أَحَادِيث الْحَدِيث الْأَوَّل :
قَوْله ( وَقَالَ اِبْن عَبَّاس أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب أَنَّ هِرَقْل دَعَا تَرْجُمَانِهِ )
فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " بِتَرْجُمَانِهِ " ( ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ، مِنْ مُحَمَّد عَبْد اللَّه وَرَسُوله إِلَى هِرَقْل ، وَيَا أَهْل الْكِتَاب تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُمْ ) هَذَا طَرَف مِنْ الْحَدِيث الطَّوِيل الَّذِي تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَدْء الْوَحْي وَفِي عِدَّة مَوَاضِع ، وَتَقَدَّمَ شَرْحه فِي أَوَّل الْكِتَاب وَفِي تَفْسِير سُورَة آل عِمْرَان وَوَجْه الدَّلَالَة مِنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى هِرَقْل بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ ، وَلِسَان هِرَقْل رُومِيّ ، فَفِيهِ إِشْعَار بِأَنَّهُ اِعْتَمَدَ فِي إِبْلَاغه مَا فِي الْكِتَاب عَلَى مَنْ يُتَرْجِم عَنْهُ بِلِسَانِ الْمَبْعُوث إِلَيْهِ لِيَفْهَمهُ ، وَالْمُتَرْجِم الْمَذْكُور هُوَ التَّرْجُمَان وَكَذَا وَقَعَ .

وروى البخاري رحمه الله تعالى:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ
كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا
{ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ }
الْآيَةَ
قال في فتح الباري:
قَالَ اِبْن بَطَّال : اِسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ قَالَ تَجُوز قِرَاءَة الْقُرْآن بِالْفَارِسِيَّةِ ، وَأَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى حَكَى قَوْل الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام كَنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَام وَغَيْره مِمَّنْ لَيْسَ عَرَبِيًّا بِلِسَانِ الْقُرْآن وَهُوَ عَرَبِيّ مُبِين وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) وَالْإِنْذَار إِنَّمَا يَكُون بِمَا يَفْهَمُونَهُ مِنْ لِسَانهمْ ، فَقِرَاءَة أَهْل كُلّ لُغَة بِلِسَانِهِمْ حَتَّى يَقَع لَهُمْ الْإِنْذَار بِهِ ، قَالَ : وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا نَطَقُوا إِلَّا بِمَا حَكَى اللَّه عَنْهُمْ فِي الْقُرْآن سَلَّمْنَا ، وَلَكِنْ يَجُوز أَنْ يَحْكِي اللَّه قَوْلهمْ بِلِسَانِ الْعَرَب ثُمَّ يَتَعَبَّدنَا بِتِلَاوَتِهِ عَلَى مَا أَنْزَلَهُ ، ثُمَّ نَقَلَ الِاخْتِلَاف فِي إِجْزَاء صَلَاة مَنْ قَرَأَ فِيهَا بِالْفَارِسِيِّ وَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ عِنْد الْعَجْز دُون الْإِمْكَان وَعَمَّمَ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ، وَاَلَّذِي يَظْهَر التَّفْصِيل فَإِنْ كَانَ الْقَارِئ قَادِرًا عَلَى التِّلَاوَة بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ فَلَا يَجُوز لَهُ الْعُدُول عَنْهُ وَلَا تُجْزِئُ صَلَاته وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا وَإِنْ كَانَ خَارِج الصَّلَاة فَلَا يَمْتَنِع عَلَيْهِ الْقِرَاءَة بِلِسَانِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُور وَبِهِ حَاجَة إِلَى حِفْظ مَا يَجِب عَلَيْهِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَإِنْ كَانَ دَاخِل الصَّلَاة فَقَدْ جَعَلَ الشَّارِع لَهُ بَدَلًا وَهُوَ الذِّكْر وَكُلّ كَلِمَة مِنْ الذِّكْر لَا يَعْجِز عَنْ النُّطْق بِهَا مَنْ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ فَيَقُولهَا وَيُكَرِّرهَا فَتُجْزِئ عَنْ الَّذِي يَجِب عَلَيْهِ قِرَاءَته فِي الصَّلَاة حَتَّى يَتَعَلَّم ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَام أَوْ أَرَادَ الدُّخُول فِيهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِ الْقُرْآن فَلَمْ يَفْهَمهُ فَلَا بَأْس أَنْ يُعَرَّب لَهُ لِتَعْرِيفِ أَحْكَامه أَوْ لِتَقُومَ عَلَيْهِ الْحُجَّة فَيَدْخُل فِيهِ ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال لِهَذِهِ الْمَسْأَلَة بِهَذَا الْحَدِيث وَهُوَ قَوْله " إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْل الْكِتَاب " فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِره أَنَّ ذَلِكَ بِلِسَانِهِمْ فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِلِسَانِ الْعَرَب فَلَا يَكُون نَصًّا فِي الدَّلَالَة ، ثُمَّ الْمُرَاد بِإِيرَادِ هَذَا الْحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب لَيْسَ مَا تَشَاغَلَ بِهِ اِبْن بَطَّال وَإِنَّمَا الْمُرَاد مِنْهُ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ أَهْل الْكِتَاب إِنْ صَدَقُوا فِيمَا فَسَّرُوا مِنْ كِتَابهمْ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ عَلَى طَرِيق التَّعْبِير عَمَّا أُنْزِلَ وَكَلَام اللَّه وَاحِد لَا يَخْتَلِف بِاخْتِلَافِ اللُّغَات ، فَبِأَيِّ لِسَان قُرِئَ فَهُوَ كَلَام اللَّه ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله تَعَالَى ( لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) يَعْنِي وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَم وَغَيْرهمْ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ يَكُون لَا يَعْرِف الْعَرَبِيَّة فَإِذَا بَلَغَهُ مَعْنَاهُ بِلِسَانِهِ فَهُوَ لَهُ نَذِير ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى هَذِهِ الْآيَة فِي أَوَّل الْبَاب الَّذِي قَبْل هَذَا بِثَلَاثَةِ أَبْوَاب .

 
الشيخ أبو سعد أسس على أن ترجمان هرقل كان روميا ، وأن نقله لهرقل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم من العربية إلى الرومية محل إشكال !
فإن كان من افتراض فالأرجح أن يكون الترجمان من الأنباط والغساسنه الذين هم أهل لسان عربي ، حيث كانوا أعوانا للروم في أمور كثيرة زادت الروم تمكينا في بلاد الشام ، وأهل اللغة العربية أنذاك لا يشكل عليهم فهم كلام الله وبالتالي ترجمة معناه ، مع اتقان الأنباط الغساسنة للغة الروم !
 
الشيخ أبو سعد أسس على أن ترجمان هرقل كان روميا ، وأن نقله لهرقل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم من العربية إلى الرومية محل إشكال !
فإن كان من افتراض فالأرجح أن يكون الترجمان من الأنباط والغساسنه الذين هم أهل لسان عربي ، حيث كانوا أعوانا للروم في أمور كثيرة زادت الروم تمكينا في بلاد الشام ، وأهل اللغة العربية أنذاك لا يشكل عليهم فهم كلام الله وبالتالي ترجمة معناه ، مع اتقان الأنباط الغساسنة للغة الروم !
أيها الفاضل محمد
لا فرق إن كان المترجم روميا يعرف العربية أو عربيا يعرف الرومية ، فهو أمام نص قرآني وقام بترجمته.
وأما كون أولئك لا يشكل عليهم فهم القرآن فأعتقد أن الحال واحد إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، كان هناك من يفهم القرآن فهما مقاربا ومنهم من يحتاج إلى فهم بعض الأمور كحال عدي بن حاتم حين لم يفهم المراد من الخيط الأبيض والخيط الأسود ، وهناك من كان يحتاج إلى أكثر من ذلك ...وهناك من كان يفهم المفردات لكنه لا يفهم المعنى الإجمالي ....وقس من بعدهم عليهم ، بل ربما إن الإسلام صحح لغة كثير من العرب وقوم لسانهم وجعل بينهم لغة مشتركة هي لغة القرآن.
 
بل هناك فرق واضح فالمتلقي الأول للكلام يفهمه تماما كما فهمت قريش القرآن حين تلاه عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فتستقر عنده المباني والمعاني أكثر من الآخر ، فلا يرد شك في النقل والترجمة وانظر كلام ابن بطال في هذا :
صحيح البخاري :: ‏الأحكام‏ :: ‏ترجمة الحكام وهل يجوز ترجمان واحد‏
‏أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش ثم قال لترجمانه‏
‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو اليمان ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏شعيب ‏ ‏عن ‏ ‏الزهري ‏ ‏أخبرني ‏ ‏عبيد الله بن عبد الله ‏ ‏أن ‏ ‏عبد الله بن عباس ‏ ‏أخبره أن ‏ ‏أبا سفيان بن حرب ‏ ‏أخبره ‏
‏أن ‏ ‏هرقل ‏ ‏أرسل إليه في ركب من ‏ ‏قريش ‏ ‏ثم قال لترجمانه قل لهم إني سائل هذا فإن كذبني فكذبوه فذكر الحديث فقال للترجمان قل له إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ‏
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
حَدِيث أَبِي سُفْيَان فِي قِصَّة هِرَقْلَ , وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي بَدْء الْوَحْي بِهَذَا السَّنَد مُطَوَّلًا وَالْغَرَض مِنْهُ . قَوْله " ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ " إِلَخْ . قَالَ اِبْن بَطَّال : لَمْ يُدْخِل الْبُخَارِيّ حَدِيث هِرَقْل حُجَّةً عَلَى جَوَاز التُّرْجُمَان الْمُشْتَرَك , لِأَنَّ تُرْجُمَان هِرَقْل كَانَ عَلَى دِين قَوْمه , وَإِنَّمَا أَدْخَلَهُ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّ التُّرْجُمَان كَانَ يَجْرِي عِنْدَ الْأُمَم مَجْرَى الْخَبَر لَا مَجْرَى الشَّهَادَة . وَقَالَ اِبْن الْمُنِير : وَجْه الدَّلِيل مِنْ قِصَّة هِرَقْل مَعَ أَنَّ فِعْله لَا يُحْتَجّ بِهِ أَنَّ مِثْل هَذَا صَوَاب مِنْ رَأْيه لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا أَوْرَدَهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّة صَوَاب مُوَافِق لِلْحَقِّ , فَمَوْضِع الدَّلِيل تَصْوِيب حَمَلَة الشَّرِيعَة لِهَذَا وَأَمْثَاله مِنْ رَأْيه وَحُسْن تَفَطُّنه وَمُنَاسَبَة اِسْتِدْلَاله وَإِنْ كَانَ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَة , اِنْتَهَى . وَتَكْمِلَة هَذَا أَنْ يُقَال : " يُؤْخَذ مِنْ صِحَّة اِسْتِدْلَاله فِيمَا يَتَعَلَّق بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَة أَنَّهُ كَانَ مُطَّلِعًا عَلَى شَرَائِع الْأَنْبِيَاء " فَتُحْمَل تَصَرُّفَاته عَلَى وَفْق الشَّرِيعَة الَّتِي كَانَ مُتَمَسِّكًا بِهَا , كَمَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ عِنْدِ الْكَرْمَانِيِّ , وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ مُسْتَنَد الْبُخَارِيّ تَقْرِير اِبْن عَبَّاس وَهُوَ مِنْ الْأَئِمَّة الَّذِينَ يُقْتَدَى بِهِمْ عَلَى ذَلِكَ ; وَمِنْ ثَمَّ اِحْتَجَّ بِاكْتِفَائِهِ بِتَرْجَمَةِ أَبِي جَمْرَة لَهُ , فَالْأَثَرَانِ رَاجِعَانِ لِابْنِ عَبَّاس أَحَدهمَا مِنْ تَصَرُّفه وَالْآخَر مِنْ تَقْرِيره , وَإِذَا اِنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ فِعْل عُمَر وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَة وَلَمْ يُنْقَل عَنْ غَيْرهمْ خِلَافه قَوِيَتْ الْحُجَّة ; وَلَمَّا نَقَلَ الْكَرْمَانِيُّ كَلَام اِبْن بَطَّال تَعَقَّبَهُ بِأَنْ قَالَ " أَقُول وَجْه الِاحْتِجَاج أَنَّهُ كَانَ يَعْنِي هِرَقْل نَصْرَانِيًّا , وَشَرْع مَنْ قَبْلَنَا حُجَّة لَنَا مَا لَمْ يُنْسَخ " قَالَ وَعَلَى قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّهُ أَسْلَمَ , فَالْأَمْر ظَاهِر . قُلْت : بَلْ هُوَ أَشَدّ إِشْكَالًا لِأَنَّهُ لَا حُجَّة فِي فِعْله عِنْد أَحَد إِذْ لَيْسَ صَحَابِيًّا وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَسْلَمَ فَالْمُعْتَمَد مَا تَقَدَّمَ , وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ اِبْن بَطَّال : " أَجَازَ الْأَكْثَر تَرْجَمَة وَاحِد " وَقَالَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن " لَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُل وَامْرَأَتَيْنِ " وَقَالَ الشَّافِعِيّ " هُوَ كَالْبَيِّنَةِ " وَعَنْ مَالِك رِوَايَتَانِ قَالَ : وَحُجَّة الْأَوَّل تَرْجَمَة زَيْد بْن ثَابِت وَحْدَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي جَمْرَة لِابْنِ عَبَّاس وَأَنَّ التُّرْجُمَان لَا يَحْتَاج إِلَى أَنْ يَقُول أَشْهَد بَلْ يَكْفِيه مُجَرَّد الْإِخْبَار وَهُوَ تَفْسِير مَا يَسْمَعهُ مِنْ الَّذِي يُتَرْجِم عَنْهُ وَنَقَلَ الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ مَالِك وَالشَّافِعِيّ " الِاكْتِفَاء بِتُرْجُمَانٍ وَاحِد " وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة " الِاكْتِفَاء بِوَاحِدٍ " وَعَنْ أَبِي يُوسُف " اِثْنَيْنِ " وَعَنْ زُفَر " لَا يَجُوز أَقَلّ مِنْ اِثْنَيْنِ " وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْحَقّ أَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يُحَرِّر هَذِهِ الْمَسْأَلَة إِذْ لَا نِزَاع لِأَحَدٍ " أَنَّهُ يَكْفِي تُرْجُمَان وَاحِد عِنْدَ الْإِخْبَار وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اِثْنَيْنِ عِنْد الشَّهَادَة " فَيَرْجِع الْخِلَاف إِلَى أَنَّهَا إِخْبَار أَوْ شَهَادَة , فَلَوْ سَلَّمَ الشَّافِعِيّ أَنَّهَا إِخْبَار لَمْ يُشْتَرَط الْعَدَد ; وَلَوْ سَلَّمَ الْحَنَفِيّ أَنَّهَا شَهَادَة لَقَالَ بِالْعَدَدِ , وَالصُّوَر الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب كُلّهَا إِخْبَارَات , أَمَّا الْمَكْتُوبَات فَظَاهِر , وَأَمَّا قِصَّة الْمَرْأَة وَقَوْل أَبِي جَمْرَة فَأَظْهَرَ فَلَا مَحَلّ لِأَنْ يُقَال عَلَى سَبِيل الِاعْتِرَاض , وَقَالَ بَعْض النَّاس : بَلْ الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ أَوْجَه فَإِنَّهُ نَصَبَ الْأَدِلَّة فِي غَيْر مَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ تَرْجَمَة الْحَاكِم إِذْ لَا حُكْم فِيمَا اِسْتَدَلَّ بِهِ , اِنْتَهَى . وَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُقَال فِي حَقّه إِنَّهُ مَا حُرِّرَ فَإِنَّ أَصْل مَا اِحْتَجَّ بِهِ " اِكْتِفَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَرْجَمَةِ زَيْد بْن ثَابِت وَاكْتِفَائِهِ بِهِ وَحْدَهُ " وَإِذَا اِعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَة الْكُتُب الَّتِي تَرِد , وَفِي كِتَابَة مَا يُرْسِلهُ إِلَى مَنْ يُكَاتِبهُ , اِلْتَحَقَ بِهِ اِعْتِمَاده عَلَيْهِ فِيمَا يُتَرْجِم لَهُ عَمَّنْ حَضَرَ مِنْ أَهْل ذَلِكَ اللِّسَان , فَإِذَا اِكْتَفَى بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ وَأَكْثَر تِلْكَ الْأُمُور يَشْتَمِل عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَام وَقَدْ يَقَع فِيمَا طَرِيقه مِنْهَا الْإِخْبَار مَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الْحُكْم فَكَيْف لَا تَتَّجِه الْحُجَّة بِهِ لِلْبُخَارِيِّ وَكَيْف يُقَال إِنَّهُ مَا حَرَّرَ الْمَسْأَلَة وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَام " ذَكَرَ اِتِّخَاذ مُتَرْجِم وَالِاكْتِفَاء بِوَاحِدٍ " وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث زَيْد بْن ثَابِت وَمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيّ عَنْ عُمَر وَعَنْ اِبْن عَبَّاس ثُمَّ قَالَ : اِحْتَجَّ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيث مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَاز الِاقْتِصَار عَلَى مُتَرْجِم وَاحِد وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ . وَأَمَّا قِصَّة الْمَرْأَة مَعَ عُمَر , فَظَاهِر السِّيَاق " أَنَّهَا كَانَتْ فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْحُكْمِ " لِأَنَّهُ دَرَأَ الْحَدّ عَنْ الْمَرْأَة لِجَهْلِهَا بِتَحْرِيمِ الزِّنَا بَعْد أَنْ اِدَّعَى عَلَيْهَا وَكَادَ يُقِيم عَلَيْهَا الْحَدّ " وَاكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِإِخْبَارِ وَاحِد يُتَرْجِم لَهُ عَنْ لِسَانهَا " وَأَمَّا قِصَّة أَبِي جَمْرَة مَعَ اِبْن عَبَّاس وَقِصَّة هِرَقْل فَإِنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا فِي مَقَام الْإِخْبَار الْمَحْض فَلَعَلَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَهُمَا اِسْتِظْهَارًا وَتَأْكِيدًا , وَأَمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ الشَّافِعِيّ لَوْ سَلَّمَ أَنَّهَا إِخْبَار لَمَا اِشْتَرَطَ الْعَدَد إِلَخْ فَصَحِيح , وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَع مِنْ نَصْب الْخِلَاف مَعَ مَنْ يَشْتَرِط الْعَدَد , وَأَقَلّ مَا فِيهِ " إِنَّهُ إِطْلَاق فِي مَوْضِع التَّقْيِيد " فَيَحْتَاج إِلَى التَّنْبِيه عَلَيْهِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِير الْبُخَارِيّ " بِتَقْيِيدِهِ بِالْحَاكِمِ فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ غَيْر الْحَاكِم يَكْتَفِي بِالْوَاحِدِ لِأَنَّهُ إِخْبَار مَحْض وَلَيْسَ النِّزَاع فِيهِ وَإِنَّمَا النِّزَاع فِيمَا يَقَع عِنْدَ الْحَاكِم فَإِنَّ غَالِبه يَئُولُ إِلَى الْحُكْم وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَقُول " إِنَّ تَصَرُّف الْحَاكِم بِمُجَرَّدِهِ حُكْم " وَقَدْ قَالَ اِبْن الْمُنْذِر " الْقِيَاس يَقْتَضِي اِشْتِرَاط الْعَدَد فِي الْأَحْكَام , لِأَنَّ كُلّ شَيْء غَابَ عَنْ الْحَاكِم لَا يُقْبَل فِيهِ إِلَّا الْبَيِّنَة الْكَامِلَة " وَالْوَاحِد لَيْسَ بَيِّنَة كَامِلَة حَتَّى يُضَمّ إِلَيْهِ كَمَال النِّصَاب , غَيْر أَنَّ الْحَدِيث إِذَا صَحَّ سَقَطَ النَّظَر وَفِي الِاكْتِفَاء بِزَيْدِ بْن ثَابِت وَحْدَهُ حُجَّة ظَاهِرَة لَا يَجُوز خِلَافهَا اِنْتَهَى . وَيُمْكِن أَنْ يُجَاب أَنْ لَيْسَ غَيْر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحُكَّام فِي ذَلِكَ مِثْله لِإِمْكَانِ اِطِّلَاعه عَلَى مَا غَابَ عَنْهُ بِالْوَحْيِ بِخِلَافِ غَيْره بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَكْثَر مِنْ وَاحِد , فَمَهْمَا كَانَ طَرِيقه الْإِخْبَار يَكْتَفِي فِيهِ بِالْوَاحِدِ , وَمَهْمَا كَانَ طَرِيقه الشَّهَادَة لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اِسْتِيفَاء النِّصَاب , وَقَدْ نَقَلَ الْكَرَابِيسِيُّ " أَنَّ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ وَالْمُلُوك بَعْدهمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا تُرْجُمَان وَاحِد " وَقَدْ نَقَلَ اِبْن التِّين مِنْ رِوَايَة اِبْن عَبْد الْحَكَم " لَا يُتَرْجِم إِلَّا حُرّ عَدْل " وَإِذَا أَقَرَّ الْمُتَرْجِم بِشَيْءٍ فَأَحَبّ إِلَيَّ أَنْ يَسْمَع ذَلِكَ مِنْهُ شَاهِدَانِ وَيَرْفَعَانِ ذَلِكَ إِلَى الْحَاكِم . ‏
 
ولتصور مجلس هرقل حين قراءة كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان ممن حضره عرب وقسس منهم !
أنقل لكم مقطعا من كلام راغب السرجاني يقول فيه :
قرأ الكتاب أمام أبي سفيان وأمام العرب وأمام الرومان الموجودين، وبدأ يقرأ الكلمات العجيبة، وفيها دعوة صريحة لدخول الإسلام. وبعد انتهاء القراءة من الرسالة سمع أصواتًا عالية، وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات في كل مكان، وضجت القاعة بالاعتراض على كل كلمة من كلمات هذا الكتاب النبوي؛ لأن زعماء النصارى وأمراء الجيوش وعلماء الدين الموجودين رفضوا تمامًا هذه الدعوة الكريمة من رسول الله . ولما حدث ذلك أمر هرقل بأبي سفيان ومن معه من تجار أن يخرجوا من القاعة، ورأى أبو سفيان رهبة هرقل عندما سمع قصة المصطفى ، ولم يؤمن برسالته بعدُ، وهو يرى الرسول وهو يكتب الرسائل إلى زعماء الدول العالمية الكبرى في ذلك الوقت، فقد ترك هذا الموقف أثرًا نفسيًّا هائلاً عند أبي سفيان، حتى إنه ضرب يدًا بالأخرى، وقال: "لقد أَمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة". أي عَظُم أمر ابن أبي كبشة، يقصد الرسول ، ثم قال: "إنه ليخافُهُ مَلِكُ بني الأصفر"[8].
وفي رواية ثانية ذكرها ابن كثير -رحمه الله- أن هرقل استدعى الأسقف الأكبر للرومان فدخل عليه، وكان كل الناس في الرومان يطيعون أمر هذا الأسقف الكبير، فعرض عليه هرقل الكتاب، فلما قرأ الأسقف الكتاب قال: "هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر".
قال قيصر: فما تأمرني؟
فقال الأسقف: أما أنا فإني مصدقه ومتبعه.
فقال قيصر: أعرف أنه كذلك، ولكني لا أستطيع أن أفعل، وإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم[9].
وهذا الأسقف كان اسمه ضغاطر وخرج للرومان، ودعا جميع الرومان إلى الإيمان بالله وإلى الإيمان برسوله الكريم ، وأعلن الشهادة أمام الجميع. إنه موقف شجاع من هذا العالم، ولقي ربه شهيدًا؛ حيث قام الناس وقفزوا عليه قفزة واحدة، فضربوه حتى قتلوه. وكان هذا الأسقف أعظم شخصية في الدولة الرومانية، حتى إنه كان أعلى من هرقل عند الناس، وعرف هرقل بقتل هذا الرجل الكبير، ولم يستطع أن يفعل أي شيء؛ وفي هذا دلالة على ضعفه الشديد أمام الكرسيّ الذي يجلس عليه.
 
ليس الخلاف في من هو أقدر على الترجمة من الآخر وإنما الخلاف في جواز الترجمة أو عدمها
وهناك من العجم من درّس العرب العربية وألف فيها مؤلفات
ثم أخي الفاضل ليتنا نقتصر على ما له علاقة بالموضوع مباشرة حتى لا يتشتت
وفقك الله لك خير
 
تردني إلى أصل الموضوع يا أخ سعد ، وهو رد جميل ، لذا آمل منك أن تلخص لي دليلك على جواز ترجمة كلام الله لفظا بلفظ آخر في لغة أخرى ، فلا تعيا ولا أعيا لما أعيا بها زفر!
 
حفظك الله ووفقك وأنار بصيرتنا وبصيرتك
الأدلة قد أوردتها في مشاركاتي​
 
بعث لي على بريدي الإلكتروني الدكتور عبدالعزيز المبارك بملفين مرفقين أرفقتهما لكم في هذا الموضوع حول المسألة المطروحة للنقاش ، حيث لم يتمكن من إرفقا الملفين كما قال في رسالته .
 
تردني إلى أصل الموضوع يا أخ سعد ، وهو رد جميل ، لذا آمل منك أن تلخص لي دليلك على جواز ترجمة كلام الله لفظا بلفظ آخر في لغة أخرى ، فلا تعيا ولا أعيا لما أعيا بها زفر!


حفظك الله ووفقك وأنار بصيرتنا وبصيرتك


الأدلة قد أوردتها في مشاركاتي​

بعث لي على بريدي الإلكتروني الدكتور عبدالعزيز المبارك بملفين مرفقين أرفقتهما لكم في هذا الموضوع حول المسألة المطروحة للنقاش ، حيث لم يتمكن من إرفقا الملفين كما قال في رسالته .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا الموضوع قضية دعوية اسلامية عاجلة وليس مجرد نقاش أو حوار.
أطلب من الجميع المشاركة والدعوة للمشاركة في هذه القضية سواء داخل الموقع أو خارجه.

أولا أخوتي لتحديد القضية والهدف منها، علينا أن نجيب على هذه الأسئلة:

ما الهدف من ترجمة معاني القرآن الكريم؟ وهل ممكن ألا نترجمه أصلا؟ وإذا كان علينا ترجمته فكيف؟ وما الذي يحدد الكيفية؟

شكرا لكم وانتظر الردود من حاملي رسالة القرآن .

وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.
 
السلام عليكم ورحمة الله

أخي عبد العزيز المبارك, أرجو مقابلتك في أقرب وقت ممكن.
حياتي هي الدعوة لدين الله. أنا أعلم نداءاتك وتحذيراتك ولدي نداءات وتحذيرات رهيبة وكارثة لا سبيل لحلها إلا عن طريق اتخاذ طريق أوضح للدعوة لدين الله يجب أن نبنيه معا لعبور جسر التواصل مع الآخر ولن يحدث هذا إلا إذا نظرنا للآخر أو بعبارة أصح وضعنا أنفسنا مكانه.
 
من سبقه إلى هذا من أهل التخصص المعتبرين ؟

الترجمة باختصار : نقل معنى من لغة إلى أخرى. ويدخل في ذلك أمور كثيرة جداً؛ من مراعاة اختلاف الثقافة والتراكيب، وغيرها.

وهذا مثال على أن ما قاله لا علاقة له بالترجمة :

يقول العربي إذا رأى من أحد ما يسره : أثلجت صدري.
والمعنى المطابق لذلك في الأنجليزية: you warmed my heart.
وتعني "warm" : دافئ ، و heart : قلب. فليس في الجملة الأنجليزية ترجمة حرفية ل "أثلجت" ولا "صدري". بل ليس في الأنجليزية كلمة تقابل -على مذهبه- "أثلجت" أصلاً.

العربيّ عبَّر ب"أثلجت" لأنه يتشوف إلى الجو البارد، فيُسرُّ إذا أتى الشتاء، إذ سئم من الحرارة الشديدة أغلب أيام السنة، والعكس بالنسبة إلى الأنجليزيّ.

ولو كان كلام الدكتور صحيحا للزم أن يعبر الأنجليزي بتعبير العربي، ولو فعل لعُّد هذيانا.
ترجمة هذه الجملة النصية : سَخَّنت قلبي.
وهذا لا معنى له. وكذلك لو ترجمت الجملة الأنجليزية إلى العربية.


ولذلك لا يمكن ترجمة هذه الجملة -ولا غيرها- ترجمة نصية حرفية من العربية إلى الأنجليزية -أو أي لغة أخرى- أو العكس.

لكن أحب أن ألفت النظر إلى أمر أراه مهمًا ، وهو أن أي ترجمة بأي شكل كانت ، وبأي اسم سميت ، فإنما هي في الحقيقة تفسير .
ولا يمكن بحال أن يوجد ترجمة حرفية في اللغة ذاتها ، فكيف بلغة غيرها .

 
من سبقه إلى هذا من أهل التخصص المعتبرين ؟

الترجمة باختصار : نقل معنى من لغة إلى أخرى. ويدخل في ذلك أمور كثيرة جداً؛ من مراعاة اختلاف الثقافة والتراكيب، وغيرها.

وهذا مثال على أن ما قاله لا علاقة له بالترجمة :

يقول العربي إذا رأى من أحد ما يسره : أثلجت صدري.
والمعنى المطابق لذلك في الأنجليزية: you warmed my heart.
وتعني "warm" : دافئ ، و heart : قلب. فليس في الجملة الأنجليزية ترجمة حرفية ل "أثلجت" ولا "صدري". بل ليس في الأنجليزية كلمة تقابل -على مذهبه- "أثلجت" أصلاً.

العربيّ عبَّر ب"أثلجت" لأنه يتشوف إلى الجو البارد، فيُسرُّ إذا أتى الشتاء، إذ سئم من الحرارة الشديدة أغلب أيام السنة، والعكس بالنسبة إلى الأنجليزيّ.

ولو كان كلام الدكتور صحيحا للزم أن يعبر الأنجليزي بتعبير العربي، ولو فعل لعُّد هذيانا.
ترجمة هذه الجملة النصية : سَخَّنت قلبي.
وهذا لا معنى له. وكذلك لو ترجمت الجملة الأنجليزية إلى العربية.

ولذلك لا يمكن ترجمة هذه الجملة -ولا غيرها- ترجمة نصية حرفية من العربية إلى الأنجليزية -أو أي لغة أخرى- أو العكس.



شكرا لك أخي.
نحن نتحدث عن ترجمة معاني القران الكريم وهذا التشبيه غير متطابق مع القران الكريم ولا يمكن أن يكون مثالا. ائت بمثال من القران.
إذا ترجمت أثلجت قلبي إلى You warmed my heart ممكنة إذا كنت تترجم كتابا أو قصيدة أو أي كلام عادي.
كما يمكنك أن تستخدم نفس الطريقة في ترجمة تفسير القران الكريم لكن إذا كنت تترجم عقد قانوني وحورت الكلمة إلى تفسيرك الشخصي فقد تتهم.
الترجمة الحرفية للمعني وليس للنص إذ يستحيل ترجمة القرآن ترجمة حرفية مثل هذه الترجمة كمثل ترجمة العقود حرفية بنفس المعنى الدقيق والترتيب بدون أي تفسير وإذا أردت التفسير فهذا أمر أخر ووثيقة أخري يكتب عليها تفسير العقد وإلا فهذا كذب فما بال الكذب على الله.
تأمل هذا المثال:
قال تعالى: "يَـٰٓأَيُّہَها ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَہُهودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَ‌ۘ بَعۡضُہُهمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٍ۬‌ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُ ۥ مِنۡہُهمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِى ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ (٥١)" سورة المائدة

هل ترى هذه الترجمة مقبولة؟
“O ye who believe! Take not the Jews and the Christians for friends. They are friends one to another. He among you who
taketh them for friends is (one) of them. Lo! Allah guideth not wrongdoing folk. (51)” [5:51

 
اخترت هذا المثال لوضوحه. والقرآن كله إنما يُفسر إذا تُرجم. والترجمة كلها ليست إلا نقلا للمعاني، لا الألفاظ.

هذه الترجمة خاطئة. ولا أظن أن الأنجليزيّ سيفهم شيئا إذا قرأها.


ولعل هذه الترجمة أقرب للصواب :


O you who believe, do not take the Jews and the Christians for intimate friends. They are friends to each other. Whoever takes them as intimate friends is one of them. Surely, Allah does not take the unjust people to the right path.

 
اخترت هذا المثال لوضوحه. والقرآن كله إنما يُفسر إذا تُرجم. والترجمة كلها ليست إلا نقلا للمعاني، لا الألفاظ.

هذه الترجمة خاطئة. ولا أظن أن الأنجليزيّ سيفهم شيئا إذا قرأها.

ولعل هذه الترجمة أقرب للصواب :


O you who believe, do not take the Jews and the Christians for intimate friends. They are friends to each other. Whoever takes them as intimate friends is one of them. Surely, Allah does not take the unjust people to the right path.
شكرا أخي لكن هذه الترجمة خاطئة.

انتظر مشاركة المترجمين. أين المترجمين الذين يحاورون ويجادلون؟
هذه الآية أرسلها إلي غربي فما هي الترجمة الصحيحة؟

هذه الآية واحدة من التحديات فأي نوع من الترجمة سيوصل المعنى إلى صاحبنا؟
 
اخي الفاضل د. عبدالرحمن الشهري،
اطلعت على اغلب النقاشات عن القران و ترجمته في ملتقى اهل التفسير.
قبل الشروع في أي نقاش سواء في الملتقى او غيره حول الحاجة الى ترجمة جديدة للقران تحاول على قدر الامكان التخلص من السلبيات الموجودة في ترجمات القران (الانجليزية حسب اطلاعي) اعتقد انه يجب ان يكون هناك خطوة توضح الفكرة للمتخصصين في التفسير ما هي هذه السلبيات ... لا ادري قد تكون خطوة اخرى...
لكن ...اذا لم يقم المتخصصين في التفسير باتخاذ خطوة ايجابية في هذا الامر...من يقوم بهذه الخطوة؟؟؟؟
ارجو الاطلاع على هذا الرابط
منتديات روض الرياحين / ترجمة القرآن الكريم بين خصوصية النص و كفاءة المترجمين.
 
الحمد لله، وبعد ..
ضربٌ من إضاعة الوقت والجهود بما لا طائل من ورائه.
فمتى نفيق من ... ؟
 
اخي الفاضل ابو العالية،
ارجو التوضيح.ماذا تقصد بهذه العبارة:
( ضرب من اضاعة الوقت و الجهود بما لا طائل من ورائه ورائه. فمتى نفيق...؟)
فهم قصدك من العبارة قد يساعدني في فهم او تغيير اولوياتي...او...
اهتمامي بترجمة القران جاء كأحد النتائج من سنوات قضيتها في الإطلاع على الانتاج الموجود للكتب الإسلامية باللغة الانجليزية خلال و بعد الدراسة الجامعية والتي كانت في الشريعة ولكن البرنامج كان باللغة الانجليزية.
ارجو التكرم بالإجابة.
جزاك الله خيرا
 
عودة
أعلى