طارق منينة
New member
- إنضم
- 19/07/2010
- المشاركات
- 6,331
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
د. العوا وأوهام الباباوات وتزييف مصر, والموقف من كاميليا
طارق منينة
فاجأ الدكتور محمد سليم العوَّا الجميع بموقفٍ جديد ومشرفٍ في "المسألة النصرانية", وإنْ كان لي تعقيبٌ على خطأٍ وقع فيه الدكتور بخصوص السيدة كاميليا شحاته -إذْ نفى حدوث إسلامها!- ومحاولة إيجادِ تفسيرٍ لمصدر ذلك الخطأ، وذلك على الرغم من عرضي لموقفه العام من المسألة، وشرحه وبيان علاقاته وارتباطاته.
كانت مفاجأةُ الدكتور العوا هذه المرة من خلال قناة الجزيرة مع أحمد منصور في برنامج "بلا حدود" (يوم الأربعاء 15-09-2010م)، وقد شَغَلَ موضوع المفاجئة حيِّزاً كبيراً من تفكير الدكتور العوَّا, وقد قدَّم بين يدي فريدتهِ موضوعاتٍ نقديةٍ أخرى، في أكثر من موقعٍ وموضعٍ وبرنامجٍ, لا تبعدُ إيحاءاتها عما كان يحوم حوله، ويحاول مقاربته وحلَّ إشكالاته, وتوضيح صوره وحالاته.
وقد رأيناه منذ فترةٍ قصيرةٍ يقوم بفضح سوءِ فهمِ كبار قساوسة النصارى للفتاوى الإسلامية، كما وجدناه يفضح طريقةِ قراءتهم لنصوص العلماء ونصوص القرآن العظيم، ووقوع هؤلاء الكبراء –وأتباعهم- في أخطاء غليظةٍ، وتحريفاتٍ مغلَّظةٍ في فهم لغة النصوص وقراءتها، فضلاً عن مقاصدها ودلالتها.
(ويمكن مقارنة ذلك بما قاله مِنْ قَبْل الدكتور عبد الرحمن بدوي رحمه الله, في مقدمة كتابه "دفاعٌ عن القرآن ضدَّ منتقديه" (ص7) إذْ أكَّد -وهو صاحب كتاب "موسوعة المستشرقين"، بل هو شيخ الوجودية العلمانية سابقاً, والمدافع عن القرآن والرسول لاحقاً- أنَّ معرفتهم باللغة العربية يشوبها الضعف، وأنَّ فرضياتهم خاطئة, وأنهم سطحيُّون لا يُكلِّفون أنفسهم عناء التقصِّي لموضوعاتهم.. الخ).
وهنا نجد تشابهاً تاريخيًّا وعقليًّا بين هؤلاء وأولئك.
أما في برنامج لقاء الجزيرة الأخير "بلا حدود" فقد فضح العوَّا التعصُّب الصليبي الفارغ الذي يأخذ مادته ولحمة فكرته وفريته، ويرقِّع لنفسيته من نفسية وجهالات قساوسة العصور الوسطى, وذلك مثل ما صرَّح به بعض القساوسة الكبار (منهم الأنبا بيشوي) -مما يُعدُّ من أفكار التنظيمات المسيحية المتطرِّفة- أنَّ الأقباط "أصل البلد"، وأنَّ الـ(74) مليون مسلم ضيوفٌ عليهم!.. وغير ذلك من الإشاعات الكاذبة التي تجد لها رواجاً واستقراراً مُدهشاً في الوعي المسيحي المعاصر؛ ما أدَّى بالبعض منه إلى القول -بناءً عليه- بأنَّه ينبغي إنقاذ مصر من الإسلام، وإعادة مصر لمصريَّتها (استخدم النصارى كتابات العلماني سيد القمني في هذا المجال بدون تقصٍّ للحقائق, وفقط كمحاولةٍ للتشويش والتضليل)..
لم يترك الدكتور العوا كلامَ بيشوي يمرُّ على عواهنه، فعقب عليه بقوله: كيف يقول: إنَّ المسلمين ضيوفٌ على أرض مصر، بينما يُشكِّلون (96%) من سكان مصر، ويعيشون على أرض مصر منذ (14) قرناً"؟!
ومعلومٌ أنَّ هذه المغالطات وتلك الإشاعات إنما هي تعدٍّ على الحقيقة, تلبيسٌ, وجهلٌ تجاوز كل حدود المعرفة التاريخية، ليستقر في منطقة الكذب المتعمَّد, الذي يتمُّ ترويجه في دوغمائيةٍ انغلاقيةٍ تحتل من أصحاب المناصب الكنسية الرفيعة مكان الرأس من الجسد، والعقل من الحواس، والروح من البدن, وهم يطلقونها بلا أدنى مراعاةٍ للضمير الإنساني، أو المسؤولية الإنسانية، أو الحرص على الحقيقة التاريخية، أو بما يُطلق عليه "الوحدة الوطنية".
ومن هذا الكذب وغيره من تلبيسات الكهنة: إشاعة سلسلةِ أوهامٍ وأكاذيب متشابكة متراكبة, تترسخ مع الوقت في الذهنية الأرثوذكسية فتُغلق الأذهان, وتحطم الإنسان، وتُغيِّر العقل، وتُكبِّل الروح الإنساني (آخر تلبيسات الأنبا بيشوي قوله بأن القرآن أيد الثالوث، وأنه أُضيف إليه نصوص بعدية!، هذا مع دعوته للاستشهاد وزعمه بأنه وأتباعه هم الأصل والمسلمون ضيوف نزلاء على مصر!), وهذه الأكاذيب الشنيعة لا تختلف عن أوهام كبراء الصليبيين عن بيت المقدس وتصويرهم لسماحة الإسلام مع نصارى بيت المقدس بأنه قتل وتقتيل وتحريق وتصليب, وفي ذلك تقول المستشرقة زيغريد هونكه صاحبة الكتاب المشهور (شمس الله تشرق على الغرب): "وكانت كتابة التاريخ والتقارير وفنون الكتابة عموما هي مسؤولية رجال الدين, لذلك فإنهم عملوا على تصوير أعدائهم في صورة شياطين وعبدة شياطين, وكان تشويه الحقائق على هذه الصورة التي بلغت حد الدعاية الظالمة كفيلا بأن يجعل الناس تصدق ما يلصق بعدوهم من سوء وباستحقاقه العقاب... ولقد كان ذلك الخوف هو الذي دفع الكنيسة إلى تصوير محمد صلى الله عليه وسلم على أنه المسيح الدجال أو أحد الهراطقة والصنم الذي تقدم له الأضاحي البشرية. كان ذلك الخوف هو الذي استغلته الكنيسة من أجل تأكيد تلك العزلة وإثارة الكراهية الدينية والتعصب.. وكانت الصيحة الصليبية التي أطلقها البابا أوريانس الثاني من دير كلبر مونت عام 1095م... واستطاع الشرق العربي الانتقام لنفسه من ذلك الهجوم الشامل من جانب المسيحية الغربية التي أرادت إفناءه تماما فقد انتصر هو عليها بإنجازاته الثقافية والحضارية وجعل حياتها أكثر ثراء" (الإبل على بلاط قيصر, لزيغريد هونكه، ترجمة د. حسام الشيمي، مكتبة العبيكان 2004م، ص 38-39)، إن تلك الأوهام الصليبية التي تنشر الكراهية وتؤدي إلى استنزاف الشعوب وطاقاتها وتُشعل الأحقاد والحروب, يعلم الدكتور سليم العوا طبيعتها ومصادرها وخلفيتها التاريخية والنفسية والعقلية. ولذلك حذر من القيادات الواهمة وأوهامهم التي تتسبب في إشعال الحرائق بين المسلمين والمسيحيين كما أُشعلت من قبل الحروب الصليبية بحجة الدفاع عن نصارى بيت المقدس!، ومن تلك الأوهام المخالفة للحقيقة التاريخية كما أشرنا, قول الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس والمسؤول عن المجلس "الإكليركي" من أن "الأقباط أهل البلد..." وأن الشعب المصري المسلم" ضيوف حلوا علينا ونزلوا في بلدنا... ونحن كمسيحيين نصل إلى حد الاستشهاد إذا أراد أحد أن يمس رسالتنا المسيحية " (النص كاملا في جريدة المصري اليوم العدد 2285، بتاريخ 15 سبتمبر 2010م ) فكانت رسالته صليبية بحق تجمع بين التحريض المتعصب والتضليل الفارغ.
هذا البيشوي تَقْبُعُ أختان من أخواتنا الأسيرات في دير من أديرة إرهابه كما في تعليق الأستاذ جمال سلطان على الرسالة الموثقة للطبيبة صديقة الاسيرتان تيرزا وماريان (فاطمة ومريم لاحقاً) (انظر مقاله بعنوان: "ماريان وتريزا في سجون شنوده")، وفيه تعليقه الأخير على الرسالة: "انتهت رسالة الطبيبة" أم رحمة...", التي أرفقت برسالتها كافة العناوين وأسماء الشهود وأرقام الهواتف لأيِّ جهةٍ تريد التحقيق, وبقي أنْ أُشير إلى أن الضحيَّتين: فاطمة "تريز" ومريم "ماريان" تمَّ اعتقالهما في دير القدِّيسة دميانة الذي يُشرف عليه الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، ولم يخرجا من اعتقالهن الكنسي هناك منذ أكثر من خمس سنوات كاملة وحتى اليوم, حيث انقطعت أخبارهنَّ بشكلٍ كاملٍ".
لقد كشف الشيخ محمد الغزالي قديماً في كتابه "قذائف الحق" هذه الروح الموهومة, وخلفيَّتها الدينية والمعرفية والتاريخية، وهي الروح غير التاريخية وغير العلمية التي تسري بين كثيرٍ من أبناء وطننا المصري من المسيحيين الأرثوذكس مثلما سرت الإشاعات الكاذبة, الصادرة من المراكز العليا، بين أبناء أوروبا في العصور الوسطى، كما عرضت من كلام زيغريد هونكه, وأدَّت بهم في النهاية أنْ يكونوا هم ضحايا حروبهم الصليبية الظالمة كما أخبرت زيغريد وغيرها.
وقد سمى الدكتور رفيق حبيب هذا التطور الذي ألمَّ بالكنيسة وتحكَّم فيها، وأدخلها في عالم السياسة الذي زعموا أنَّ المسيح أخرجهم منه وأعطاه لقيصر.. سياسة استصراخ الغرب الصليبي، والاستقواء به, وسياسة المواجهة للإسلام نفسه، والدعوة إلى تنصير مصر، سمى الدكتور رفيق حبيب هذا التحول في دور الكنيسة بأنه "بذور فكرةٍ بدأت تسري في الكنائس في السبعينات"، وهي البذور التي وضع لها البابا شنودة خُطَّتها، وكشف عنها الغزالي في "قذائف الحق" بقوله: "إنَّ الاستعمار أوعز إلى بعضهم أنْ يقف مراغماً للمسلمين، ولكنَّنا نريد تفاهماً شريفاً مع ناس معقولين.
إنَّ الاستعمار أشاع بين من أعطوه آذانهم وقلوبهم أنَّ المسلمين في مصر غرباء، وطارئون عليها، ويجب أنْ يَزولوا، إنْ لم يكن اليوم فغداً، وعلى هذا الأساس أسموا جريدتهم الطائفية: (وطني)! صيحاتٍ مريبةٍ أنعشها وقوَّاها بابا شنودة دون أي اكتراثٍ بالعواقب، وقال: "لهم ما لهم من حقوقٍ، وعليهم ما عليهم من واجباتٍ، أما أنْ يُحاولوا فرض وصايتهم على المسلمين، وجعل أزِمَّة الحياة الاجتماعية والسياسية في أيديهم، فلا.. إذا أرادوا أنْ يَبنوا كنائس تَسَعُ أعدادهم لصلواتهم وشعائرهم الدينية فلا يعترضهم أحد.. أما إذا أرادوا صبغ التراب المصري بالطابع المسيحي وإبراز المسيحية وكأنها الدين المهيمن على البلاد فلا.. إذا أرادوا أنْ يحتفظوا بشخصيتهم فلا تمتهن، وتعاليمهم فلا تجرح فلهم ذلك، أما أنْ يودُّوا "ارتداد" المسلمين عن دينهم، ويُعلنوا غضبهم إذا طالبنا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتعميم التربية الدينية؛ فهذا ما لا نقبله".
كذلك فقد حمل الدكتور محمد سليم العوا حملةً كبيرةً على محاكم التفتيش الكنسية التي تمنع حرية الاعتقاد لأتباعها الذين دخلوا الإسلام بكامل حرياتهم, وتُكرههم على المسيحيَّة، وتهينهم وتقوم بخطفهم وتعذيبهم وكأنهم عصابة قساوسةٍ مرتزقةٌ.. ورهبانٌ وكهنةٌ مغتصبةٌ, تقوم بالتشنيع على المهتدين.. التشنيع النفسي عليهم بوسائل إرهابية منحطَّةٍ، مثل رمي بعضهم بالجنون والمرض النفسي، وقد سمعنا بعض من أسلم يؤكِّد ذلك، مثل الشاب الاسكندراني المتفوق دراسياً، واسمه "فادي"، وقد سمعته بنفسي في غرفةٍ من غرف البالتوك.
هذا فضلاً عن ترويج الإشاعات الفجَّة من أنَّ شباب الإسلام يخطفون المسيحيَّات لإكراههن على الإسلام.
المدهش أنَّ في إنجيلهم نصٌّ بالإفراج عن الزانيات: "من كان منكم بلا خطية فليرمها بحجر... اذهبي"، (نص في الإفراج عن زانية منسوبٌ للمسيح زوراً وبهتاناً، باعتراف كثير من شرَّاح الأناجيل)..
أما الإفراج عن الأسيرات المسلمات فدونه خرط القتاد، بل خَطْفُهنَّ وإيذاؤهنَّ، أو الدعوة الكهنوتية إلى الاستشهاد!!
وكأنَّ تحرير الزانية والغانية أولى عندهم من تحرير العفيفة الشريفة.. وكأنَّ تلك الزانية عند كهنة التعذيب أشرف من أولئك الطاهرات اللآئي انتقلن من تأليه المسيح ومحبَّةِ قتله وصفعه والبصق عليه -بحسب روايات العهد الجديد- إلى تعظيمه كنبيٍ عظيمٍ، له دورٌ عظيمٌ في مسيرة الإنسانية.
يُرجع العوَّا هذه التطرُّفات المنتشرة في الأرثوذكسية من أنَّ مصر للمسيحيين، وأن الفرعونية والقبطية والعلمانية أفضل من الإسلام، الذي حماهم من الرومانية الغربية.. وما تبع ذلك من تعامل البعض مع إسرائيل لمدِّ نصارى مصر بالسلاح لتحرير مصر من الإسلام والمسلمين.. يُرجع العوَّا ذلك إلى تصريحاتٍ كهنوتيةٍ غير مسؤولةٍ، وقراراتٍ غير معقولةٍ -فضلاً عن كونها لا تاريخيةٍ ولا علميةٍ- لرجالٍ لهم مكانتهم في الكنيسة المصرية: "إنَّ من يُحرِّض أمثال هؤلاء من عَيِّنَةِ جوزيف -يقصد مُهرِّب السلاح من دولة إسرائيل إلى مصر- هي تصريحات الأنبا بيشوي، الذي قال في أحد تصريحاته: (إننا على استعدادٍ للاستشهاد في حالة إذا تُدُخِّل في شئون الكنيسة)".
وقد أدت أوهام تلك الفتنة التي يشترك في إشعالها قساوسة وجماعات مسيحية مختلفة (مثل تنظيم أقباط المهجر) إلى تضليل نصارى مصر عن أسباب المشاكل الحقيقية التي يعانون منها -وهناك مشاكل مصطنعة- كما يعاني منها أغلب أهل مصر من المسلمين, وتزداد التغطية والتعمية على مصدر تلك المشاكل بالدعوة الكهنوتية الى تأييد جمال مبارك كرئيس مقبل للدولة المصرية، وهو ما أدى بالدكتور العوا إلى السخرية من هذا النفاق الكهنوتي، والا فكيف تبايعه في الداخل وتستصرخ ضده الخارج!؟
لم يمرر العوا كل تلك المسائل وغيرها مرور الكرام، وإنما كشف عنها الغطاء وفضح منها الغباء، وعرى فيها كهنة الشقاء والبلاء والإشاعات الكاذبة والتفتيش والخطف والتعذيب.
ويمكن القول إنه من بعد قنبلة الشيخ محمد الغزالي "قذائف الحق" لم نعثر على ما يساويها في القوة والشجاعة والكشف والصراحة والفضيحة لقيادات كنيسة كبيرة إلا في حلقة الدكتور العوا في قناة الجزيرة, فالرجل طوى لنا تاريخ العصابات المسيحية الجديدة, التي تريد تحويل الكنيسة إلى أهدافها الخاصة, وبرنامجها الخيالي اللاواقعي.
لقد صرح الدكتور سليم العوا بما أحجم عنه البعض أو لمح. واستطاع استخدام التوقيت المناسب، والوضع المناسب، لبث قولة حق في القضية بصورتها العامة، وإن كنت سأعقب على ماحجبه دكتورنا الحبيب في نص حواره مع أحمد منصور، سأحاول في هذا المقال أن أتصور سيناريو لتفسير هذا الحجب لحقيقة قصة أختنا كاميليا (فك الله أسرها من تنظيم الرهبان الكبار الصغار!).
وانصافا للحقيقة نقول: نعم لم يتوقع أحد أن تأتي التصريحات بتلك الجرأة من الكشف والمصارحة والمواجهة!, من تلك الجهة العلمية التي كان يظن بها أنها تُعرض عن مثل تلك القضايا الخطرة. فقد كانت كلمات العوا قوية وصريحة ودقيقة -الا في قضية واحدة، كما قلنا، هي قضية السيدة كاميليا زوجة الكاهن الصغير الذي دخل التاريخ من خلال خزائن الكنيسة وسرقتها بحسب ما أُعلن! لكننا نرى أن المكاشفة والمصارحة ديدن أهل الفكر والعلم والنقد الإسلامي كما فعل الشيخ محمد الغزالي بإصدار كتابه قذائف الحق, وفيه يقول:" أن يحلم البعض بإزالتنا من بلدنا، ويضع لذلك خطة طويلة المدى، فذلك ما لا يطاق، وما نرجو عقلاء الأقباط أن يكفونا مؤونته، ونحن على أتم استعداد لأن ننسى .. وننسى .." وقال في مقدمة الكتاب: "أما كهان اليهودية والنصارنية فحولهم تهاويل، ولهم مكانة لا تمس!! وشاركت مراكز القاهرة مراكز لبنان فى مهاجمة القرآن، ومخاصمة نبيه، وتزوير تاريخه.. وانسابت من جحورها أفاع ما عرفت الصفو يوماً تريد أن تنفث سمومها علناً، وأن تخذل القضايا الإسلامية فى كل مكان".. وقال في نهاية الكتاب "إن بعض النصارى وبعض التنظيمات المسيحية تريد تمزيق الكيان العربى الذى عاش فيه المسيحيون دهراً طويلاً مواطنين مكافئين للمسلمين فى الحقوق والواجبات، وهدفها إما قتل الإسلام وإما خلق فتن طائفية في كل مكان. والخطة معروفة، وعلى المسلمين أن يزدروها ويزدروا مروجيها ويفضحوا مَن وراءهم. إن مطالبة العرب بالتخلى عن الإسلام سفالة لا قرار لها، وإني أقول لقومي: لا خيار لكم أمام مؤامرات عالمية واسعة.. مطلوب منكم أن ترتدوا عن دينكم وأن تتنازلوا عن أوطانكم ..."
ومعلوم أن الشيخ الغزالي رحمه الله هو أول من فضح شنودة في كشف مخططه في تنصير مصر، ومحاولة الاستيلاء الوهمي عليها، وقد قدمتُ نصه ونص الخطة في المقال السابق الذي وضعته كمقدمة لمقالنا هذا ،وهذا هو رابطه في موقع المرصد لمقاومة التنصير.
http://www.tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=11645
وقد تم منع كتاب الغزالي في السبعينات من القرن المنصرم. وكنا يومئذ نحصل علي الكتاب خلسة وبطريق البيع الخاص من أمام مسجد القائد إبراهيم في مدينة الإسكندرية. وفي الحقيقة فإن ما استخلصه الغزالي قديما استنتجه رفيق حبيب حديثا، وهو مفكر من أصل مسيحي، وهو أن شنودة حاول فرض سلطة الكنيسة خارج إطار العقيدة, ما أدى إلى فرض تلك السلطة في قضايا سياسية غير وطنية بالتتابع, بناء على دعاوى خاطئة وتفسير وهمي للأحداث. وهو ما أكده حبيب نفسه من أن المسيحيين تورطوا فيه باستقوائهم بالغرب.
ويبدو أن الوضع اليوم اختلف عن الظرف الذي صدر فيه كتاب الغزالي وتم منعه, ما دفع الدولة المصرية إلى توجيه رسائل معينة للكنيسة، عن طريق كُتَّاب أو مفكرين لا صلة لهم مباشرة بها ولا بأجهزتها الرسمية، في نفس الوقت الذي تسعى فيه الدولة وبوسائلها التي لا نوافق على بعضها -مثل تسليم المسلمات إلى الكنيسة- لتفادي الصدام المباشر مع الكنيسة. ولذلك يمكنني القول بأنه على ما يترجح عندي فإنه قد سُمح للدكتور سليم العوا بقول ما كان يعتلج في صدره، والتصريح بما تُحجم الدولة والعلماء عن قوله، وهو الخبير -حفظه الله- بعالم القضاء والمحاماة، وله دكتوراه الفلسفة (في القانون المقارن) من جامعة لندن عام 1972، وخبرة في عالم الجماعات والقضايا الشائكة التي تخص الوطن، كما أن له خبرة بالعقيدة المسيحية وتاريخ الكنيسة وباباواتها خصوصا بابا الكنيسة المصرية الحالي البابا شنودة. (لن أقوم بأي محاولة هنا لعرض أخطاء الدكتور العوا حفظه الله, مثل موقفه من الشيعة مثلا, فهذا ليس مجالنا, وليس من شأن المسلم عرض أخطاء أهل العلم أو الفكر أو الدعوة في كل مجال وحال, وترك الفضائل والإيجابيات والحسنات, ومقالنا هذا ليس نقدا للدكتور في كل أمر قام به ولكنه نقد للكنيسة وبيان موقف الدكتور الغامض من قضية كاميليا
ما أود قوله في هذه العجالة القصيرة هو أنه على أرجح الظن فإنه ما كان الدكتور العوا ليتحلى بتلك الشجاعة العلنية النادرة لولا الضوء الأخضر من الأمن المصري، وذلك في مواجهة تمادي الكنيسة المصرية المعاصرة فيما تمادت فيه من تحريض وأكاذيب، وقد ازدادت الأكاذيب تحت رئاسة البابا شنودة الذي اشترك قديما -وهو الراهب- في التنظيم العنصري "جماعة الأمة القبطية"، ومن أفكار هذه الجماعة أن مصر مصرية ذات أصول مصرية فرعونية, وهي ليست عربية وليست جزءا من العالم العربي والإسلامي, ويجب إعادتها لهويتها المصرية مع إقامة علاقة قوية مع الغرب غير مشدودة للهوية العربية والإسلامية، لأن مصر لم تكن جزءا من الهوية العربية الإسلامية, وأن الأقباط هم الذين يمثلون الهوية المصرية، وأن المجتمع المصري خرج عن هويته المصرية ويجب إعادته إلى هويته الأصلية، كما شرح فكرة هذا التنظيم المفكر رفيق حبيب على الصورة التي عرضتها، وقال معقبا على ذلك: إن ذلك هو السيناريو الخاطئ في معالجة المشاكل. وقد وجد أقباط المهجر من بعض أفكار هذه الجماعة التي كان شنودة قد انضم إليها وهو راهب, وجد أقباط المهجر فيها متكأ لهم ودعما لمحاولة تغيير مصر وتشويه صورتها من الخارج، بل وتبني إستراتيجية خارجية, يقول رفيق حبيب: "جماعة الأمة القبطية ظهرت في تيار داخل الرهبان وفي تنظيم أقباط المهجر", ويمكن الاطلاع على كلام الدكتور رفيق حبيب من هذا الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=8q1UTIVg_28&feature=player_embedded
ما كان الدكتور محمد سليم العوا ليتمكن بتلك الصورة الشجاعة الفريدة من المواجهة من أهل الإرهاب الكنسي لولا الإشارة الأمنية الصريحة أو الضمنية- وأُرجح أن تكون تلك الإشارة صريحة وصريحة جدا! بأن يصرح بما احجمت عنه الدولة المصرية والإدارة الأمنية زمنا طويلا, وخصوصا في العقد الأخير الذي تجاوزت فيه الكنيسة كل الحدود المسموح بها في التعامل بوهم وانتفاخ فارغ مع الوضع المصري الشائك، والذي لايشكله فقط التفاعلات الفكرية والدينية، فالسيطرة في الإدارة السياسية هو لغير التفاعلات الدينية، وإنما تؤثر عليه بدرجات كبيرة أيضا تلك القرارات للدولة المصرية التي لا تجعل الشريعة قانونا لها يطبق في كل مناحي الحياة، ما يمكن أن يقال عنها أنها سبب الأوضاع المتردية في مصر، وكذلك الظروف الاقتصادية التي أنتجها وفرخها نظام الحزب الواحد الذي لا يطبق نصوص الشريعة الإسلامية, وهي الظروف التي تكتمها القيادات المسيحية وتنسب الأسباب إلى القرآن والرسول!!، نعم ينسبون معاناتهم إلى الإسلام وشريعته!، بل إلى تصورهم الوهمي والمختزل للدين الإسلامي والمسلمين عموما. (فهنا نجد أن النصارى الحيارى بين أمرين: الأول حجبهم لحقيقة الحكومة والقوانين الحاكمة، وثانيا تزويرهم للشريعة ورسم تصور خيالي لها يقومون بمحاكمته!!)
ولقد أفزعت كمية المعلومات الشجاعة والدقيقة التي القاها الدكتور العوا في سلة الكنيسة المصرية وفضح بها خطتها المتسللة ببطء لكن بعلانية وبدعم خارجي، خصوصا الدعم الامريكي الذي تراهن المؤسسة الكنسية في العقد الأخير على الاستقواء به، ظنا منها أن الشعب المصري بما فيه من جماعات عاملة للإسلام يساوي جيش صدام الهارب أو وضع أفغانستان, أفزعت تلك المعلومات قيادات التعذيب والإرهاب داخل الكنيسة وفروعها الداخلية والخارجية.
إن ما لا تستطع القوي المختلفة أن تقيمه حقا هو قدرة هذا الشعب العريق في الإسلام خصوصا في العقود الأخيرة منذ سبعينات القرن الماضي على مواجهة أقوي الإمبراطوريات العالمية, وليس ببعيد عن صفحات التاريخ أن أغلب القوي الإسلامية المصرية أرسلت رجالاتها لدعم الجهاد الأفغاني وتدعيم القضايا التحررية في العالم, ولا أتكلم عن تنظيم القاعدة، فليس هذا ما أرمي إليه, فأنا أخالفه التوجه والفعل ورد الفعل, وإنما جماعة كالإخوان مثلا وغيرها من الجماعات والجمعيات والمدارس السلفية المتعددة والمعتدلة, فما بالكم والساحة اليوم مليئة بالتيار السلفي الذي يطور نفسه وإن بصورة بطيئة لكنها فعالة إن شاء الله.
كان لابد لهذه المقدمة.. للتلميح إلى ظروف الشجاعة التي تحلى بها الدكتور العوا في عرضه العام للقضية المسيحية في مصر.
لقد عرضت موقفي من رسالة الدكتور العوا للشعب المسيحي والسلطة الباباوية الانقلابية الجاثمة على صدره, في ملتقى أهل التفسير، وكان علي هنا أن أبلوره بصيغته المعروضة أمامكم. سأنقله مع بعض التوضيب ليطلع القارئ الكريم على صورة من التحليل قد تكون خاطئة وقد تكون صائبة ولكنها على كل حال تعرض ما يختلج في نفوس بعض المثقفين أو الكتاب أو القراء.
تابعت حلقة الدكتور في الجزيرة بكامل وعيي وبيقظة تامة وحرص على المتابعة الدقيقة. ووجدت أن الدكتور العوا لُبس عليه في قضية كامليا -والله تعالى أعلى وأعلم- مع أنه قال ما لم يقله أحد علنا في القضية العامة عن اختطاف الكنيسة للمؤمنات, خصوصا وأنه لم يجرؤ أحد ان يقول بمثله من جهته العلمية في الربع الأخير من القرن الـ20 والعقد الأول من قرننا الحالي.. ومعلوم أن ما قاله الغزالي في قذائف الحق كان من المحرمات قديما. الأمر الذي سمحت به رسالة الدكتور العوا, الرسالة الشجاعة والمثيرة للتساؤل والتفكير. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد حلقة الدكتور وبإلحاح هو: ما الذي أوقع الدكتور العوا فيما وقع فيه من إنكار إسلام كاميليا في نفس الوقت الذي عرض فيه وبتفاصيل مثيرة ودقيقة إسلام وفاء قسطنطين وماريا؟ أمور لا يتحصل عليها في الحقيقة إلا من هو قريب من الملف الأمني لتلك السيدات الطاهرات، ومعلوم أن طبيعة عمل الدكتور العوا منحته المساحة والحركة للاطلاع على تلك الملفات الأمنية الخفية.
لكن هل هذا هو كل شيء؟! أم أن قرب الدكتور العوا من الجهاز الأمني المصري أضاف للقضية بعدا جديدا؟ ولا شك أن الجهاز الأمني قد لا يجد أفضل من الدكتور العوا في استشاراته في كثير من الملفات الدينية ومنها ملفات الجماعات الإسلامية والقبطية، هذا على أغلب الظن، وقد أهديت للدكتور العوا كتابي (جماعة شهود يهوه) عندما جاء إلى البلد الأوروبي الذي أعيش فيه, جاء -حفظه الله- بدعوة من مكتبتها العامة على ما أظن، فقال لي –ولم يكن لي علاقة به من قبل- إنه قبل سفره إلى هنا سأله الأمن عن كتاب في شأن تلك الجماعة أو الفرقة المسيحية التي علمتُ من أتباعها -في الماضي الذي كنت أدرس أفكارهم ومنظمتهم داخليا- أن بعض المبشرين منهم هم رهن التحفظ, وقد استنتجت من تلك الإشارة وجود علاقة للأسباب التي قدمتها. وهذا يؤدي إلى الاستنتاج أن الدكتور اطلع بصورة تفصيلية على ملفات إسلام الطاهرات الكريمات من أقرب الطرق الأمنية!
وفي ظني أن أغلب المعلومات التي عرضها الدكتور كانت مفاجئة للكنيسة، ذلك أنها كانت من العمق والتفصيل والتحدي لاستفزاز الكنيسة بما لايدع مجالا للشك أن أكثر تلك المعلومات مستقاة من مصادر موثوقة وأمينة.. عندها الخبر اليقين!
لكن هل هذا هو كل شيء؟! هل لبَّس الجهاز الأمني –على وجه الخصوص- على الدكتور في قضية أختنا كاميليا؟
لماذا لبس الأمن على الدكتور في هذه القضية بالذات وكان أمينا معه في بقية القضايا المعروضة في حلقة الجزيرة؟ أقصد أنه لم يلبس عليه في قضية وفاء وماريا, وقد تحلى الدكتور سليم العوا بشجاعة مدهشة عندما صرح في البرنامج أن تسليم وفاء قسطنطين للكنيسة يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الإسلام, وأن تسليمها -كما قال في برنامج آخر- سبب جرحا عميقا في الوجدان المسلم المصري، (سلمتا إلى الكنيسة بغير الحق).وقد عرض العوا قضيتهما بمنتهى الأمانة والشجاعة والصراحة، وعرض ما خفي عن كثرة من الكتاب والصحفيين!، وذكر أن الامن المصري متابع لوفاء قسطنطين متابعة شاملة الثانية بالثانية، وهي في مكان آمن عند الكنيسة! (قال أنا أعلم أن وزارة الداخلية تعلم مكانها، تعلم مكانها بالدقة والتفصيل، وتعلم ما تفعله في يومها من الصباح إلى المساء بالدقة والتفصيل؛ لأن الأديرة ليست بعيدة عن الرقابة ولا يجوز أن تكون بعيدة عن الرقابة... وفاء مُسلمة، سُلمت وهي مسلمة بعد جدال 11 يوم في محاولة عدم تسليمها(!) ثم كانت الضغوط أقوى من الجهات التي تحاول أن تبقيها في حريتها(!)..." ثم قال إن حبس المسلمات في الكنائس جريمة يعاقب عليها القانون, وتدعيم هذه الجريمة بإرهاب الشعب والحكومة بالقول بأن الكنيسة خط أحمر, هو كلام فارغ؛ لأنه ليس في مصر أحد فوق الدستور والقانون، والكنيسة المصرية جزء من الدولة، وهي ليست فوق المحاسبة ولا فوق القانون، وليست إمبراطورية موازية، يأتي رجل كنسي موقر ليقول إن المسلمين ضيوف؟!! وهو يعبر عن دفينة في نفسه لإحداث فتنة في البلد لإشعالها، وتقود هذه الفتنة هذه القيادات الكنسية, هذا التصريح سيكون له ما بعده، التصريح خطير خطير خطير، والنيران التي تشتعل بسببه لايعلمها الا الله.. سيشعل النار في البلد كلها، إذا بقي الوضع على ما هو عليه من تصريحات الأنبا بيشوي فستحترق البلد!، وسيكون الجانب الذي يعمل على إحراقها هو قيادات الكنيسة، وتلفظ الأنبا بيشوي أيضا بأنه مستعد للاستشهاد, وقال "إذا تكلمتم عن الكنائس سنصل إلى حد الاستشهاد"! والاستشهاد لا يكون إلا في حرب، وهذا ما أشار إليه العوا بقوله: "والكنيسة وبعض رجالها يعدون لحرب المسلمين"!
ولي تعليق خاص على كلام العوا في مسألة الاستشهاد هذه ساعرض له إن شاء الله في مقال تال، لانها قضية تحتاج لتفصيل يمكن أن يضيف للقارئ إضافة تاريخية عن صلة الحملات الصليبية الأوروبية بأنواع مما أطلقوا عليه الاستشهاد، ولا يدخل في صورة الحرب التي تصورها العوا.
إن مناط البحث في قضيتنا المعاصرة –يقول العوا- هو تصريحات غير مسؤولة من تلك القيادات الكنسية وتصريحاتها الغريبة.
وقد علق العوا على تورط "بطرس الجبلاوي" نائب الاسقف أو وكيل المطرانية في بورسعيد، ابن الأب اثناسيوس كاهن كنيسة مرمينا في الإسكندرية، بتهريب أسلحة من إسرائيل إلى مصر، وقد تم القبض عليه وتحرير قضية ضده, وأشار العوا أن تخزين السلاح في الكنيسة من رجل هذا موقعه وموقع والده لا معنى له إلا الاستعداد لاستعماله ضد المسلم، هذا وقد أكد الدكتور رفيق حبيب -وهو مسيحي الأصل ومفكر مصري معروف- في حوار له موجود على المرصد لمقاومة التنصير، أنه ظهرت في المسيحية من بعد شنودة جماعات قبطية حاولت دخول العمل الانقلابي بالتدريب -في لبنان مثلا- على السلاح أو بإنشاء تنظيمات مسيحية لم تلبث أن فشلت لعدم جدوى الوسيلة. فالدكتور العوا لم يكن يتكلم من الخيال ولا لإثارة الجمهور المسلم وإنما كان يتكلم عن حقيقة واقعة وقضية معروفة، بل إنه كان يعرف أفرادها منذ نعومة أظفاره.
وكما قلت فان الدكتور قال كل مالم يستطع الامن والحكومة ان يقولونه علنا!
أما قضية كاميليا فقد أقنع الأمن الدكتور العوا-على ما يبدو- أن قضية كاميليا قضية مكذوبة وأنه لادليل على إسلام كاميليا.
أما لماذا حجب حقيقة قصة كاميليا في هذا التوقيت بالذات؟ فالإجابة هي: أن المظاهرات الكبرى كانت على وشك الاشتعال، وكلمة من العوا قد تُشعل الموقف في القضية، وأقصد بالقضية قضية كاميليا على وجه التحديد!، (طبعا ذلك بحسب التفكير الأمني)، وقد تطفئ كلمة العوا الحريق!، فكان أن قال العوا ما يمكن قوله في القضايا الأخرى النائمة أو الميتة لو صح التعبير، ونجح في إعلان قول عام في قضية الأسيرات. ومعلوم أنه لا أحد اليوم يتظاهر حولهن!، أما قضية كاميليا فقد أقنعه الأمن أن كاميليا لم تُسلم أصلا، والامن يعلم أن كل ما يقوله أو يسمح بقوله في هذه القضية على وجه التحديد، هو محل ثقة الدكتور العوا, خصوصا أنه أعطاه معلومات ثمينة جدا عن وفاء وغيرها!، فكذب الأمن على العوا في قضية، وخدعه بقوة المعلومات التي كانت ممنوعة عن غيره، فظن العوا أن الأمر كما عرضه الأمن له! فقال كل ما هو مناسب وموافق للأمن، وكل ما أُعطي إشارة خضراء به وبالسماح بقوله وبقوة وشجاعة، مع الاهتمام في آخر الحديث ووسطه وأوله بالدعوة إلى التهدئة!، فنجح العوا في توصيل الرسالة كاملة، ومن دهائه أنه أطلق القول "أن تسليم المسلمات للكنيسة جريمة مخالفة للقانون، محذرًا كل من يقف وراء هذه الأفعال بأن جرائم الحريات -كما ينص الدستور المصري- لا تسقط بالتقادم، وأن من فعلوا هذا (سلموا المسلمات إلى الكنيسة) سيحاكمون ولو بعد 100 سنة إذا بقي الدستور دون تغيير، بيد أنه استثنى المكرهين! (ولك أن تتصور أن الدكتور العوا يثبت بهذا النص إسلام كاميليا وخطفها من طرف النصارى، مع أنه نفى إسلامها بكلمات قليلة جدا وخاطفة! وكأنه ينزع حملا ثقيلا عن كاهله!.. ووقع الدكتور -بحسب ظننا- في فخ أمني فيه مكيدة ولطف ومكر، وهو إعلان أن كاميليا لم تُسلِم، وبه تخمد القضية وتنطفئ المظاهرات، ويكون الأمن قد أوصل رسالة للكنيسة أنها مكشوفة، وأنها يجب أن تتلم وتلم أولادها، وإلا فلن ينفعها التهديدات المحمية بالخارج! لا يعني هذا أن الدكتور العوا كان محلا قابلا للاستخدام من الأمن -حاشاه ووالله ما قصدت ذلك من كلامي- وإنما الرجل كان ينتظر أن يسمحوا له بالكلمة الجريئة التي كانت تثور بحكمة في رأسه القانوني والعلمي، في الموضوع الشائك الذي يعلم أبعاده المختلفة، فلما سمح له تكلم وأجاد في العام ونطق بما أوحي له عن خصوصية قضية كاميليا، والله تعالى أعلم.
نعم, الأمر المثير للتأمل هو أنه لم يذكر كاميليا إلا في كلمة أو كلمتين، وقاله على وجه العجلة والإلقاء السريع!، فهل كان يمكنه أن يتجاهل التطرق لموضوع كاميليا, نعم كان يمكنه تجاهل ذلك, وقد نجح في عرض القضية كلها بصورة علمية وواقعية, اللهم إلا لو مشينا مع ما قلته من سيناريو من إعلان عدم إسلامها لتفادى فتنة مظنونة.
إن ما نرجوه من عقلاء النصارى أن ينشروا في كنائسهم الحقيقة التاريخية أنهم وجدوا الرحمة والتسامح في ظل حضارة الإسلام, وأننا لا نرجو هلاكهم ولا ضلالهم, وإنما نرجو لهم الخير والبر، ونتقرب إلى الله بالقسط إليهم، ولكن ذلك لا يعني سكوتنا على خطف المسلمات, وتعذيب الطاهرات، وإشاعة الباطل عن شعب مصر، ونشر الأكاذيب عن تاريخ مصر، وموقع الطائفة الأرثوذكسية فيه, وأن مقاومة السلاطين الفائقة، والدعوة إلى المواجهة والاستشهاد مخالف لنص إنجيلهم بطاعة السلاطين؛ والسبب -كما في النص- لأنها من الله!
وعليهم أن يشاركوا في بناء الوطن وحمايته بدلا من الاستقواء بالخارج الذي لن يجد في مصر إلا ما هو أنكى من قتال العراقيين وجهاد الأفغانيين, وسحل الصوماليين.
إن في مصر جنودا أعظم من كل جنود الاسلام العصرية، فلاتستقووا عليها بما هو هش وغش، فإنكم رأيتكم خسارة الباطل في كافة معاركه التاريخية مع أهل الإسلام, كونوا مع أهل بلدكم تلقوا منهم برا وإحسانا ومواطنة شريفة وإكراما, وسماحة ورحمة كما وجدتموها كلها في تاريخ الاسلام.
والله من وراء القصد.
طارق منينة
فاجأ الدكتور محمد سليم العوَّا الجميع بموقفٍ جديد ومشرفٍ في "المسألة النصرانية", وإنْ كان لي تعقيبٌ على خطأٍ وقع فيه الدكتور بخصوص السيدة كاميليا شحاته -إذْ نفى حدوث إسلامها!- ومحاولة إيجادِ تفسيرٍ لمصدر ذلك الخطأ، وذلك على الرغم من عرضي لموقفه العام من المسألة، وشرحه وبيان علاقاته وارتباطاته.
كانت مفاجأةُ الدكتور العوا هذه المرة من خلال قناة الجزيرة مع أحمد منصور في برنامج "بلا حدود" (يوم الأربعاء 15-09-2010م)، وقد شَغَلَ موضوع المفاجئة حيِّزاً كبيراً من تفكير الدكتور العوَّا, وقد قدَّم بين يدي فريدتهِ موضوعاتٍ نقديةٍ أخرى، في أكثر من موقعٍ وموضعٍ وبرنامجٍ, لا تبعدُ إيحاءاتها عما كان يحوم حوله، ويحاول مقاربته وحلَّ إشكالاته, وتوضيح صوره وحالاته.
وقد رأيناه منذ فترةٍ قصيرةٍ يقوم بفضح سوءِ فهمِ كبار قساوسة النصارى للفتاوى الإسلامية، كما وجدناه يفضح طريقةِ قراءتهم لنصوص العلماء ونصوص القرآن العظيم، ووقوع هؤلاء الكبراء –وأتباعهم- في أخطاء غليظةٍ، وتحريفاتٍ مغلَّظةٍ في فهم لغة النصوص وقراءتها، فضلاً عن مقاصدها ودلالتها.
(ويمكن مقارنة ذلك بما قاله مِنْ قَبْل الدكتور عبد الرحمن بدوي رحمه الله, في مقدمة كتابه "دفاعٌ عن القرآن ضدَّ منتقديه" (ص7) إذْ أكَّد -وهو صاحب كتاب "موسوعة المستشرقين"، بل هو شيخ الوجودية العلمانية سابقاً, والمدافع عن القرآن والرسول لاحقاً- أنَّ معرفتهم باللغة العربية يشوبها الضعف، وأنَّ فرضياتهم خاطئة, وأنهم سطحيُّون لا يُكلِّفون أنفسهم عناء التقصِّي لموضوعاتهم.. الخ).
وهنا نجد تشابهاً تاريخيًّا وعقليًّا بين هؤلاء وأولئك.
أما في برنامج لقاء الجزيرة الأخير "بلا حدود" فقد فضح العوَّا التعصُّب الصليبي الفارغ الذي يأخذ مادته ولحمة فكرته وفريته، ويرقِّع لنفسيته من نفسية وجهالات قساوسة العصور الوسطى, وذلك مثل ما صرَّح به بعض القساوسة الكبار (منهم الأنبا بيشوي) -مما يُعدُّ من أفكار التنظيمات المسيحية المتطرِّفة- أنَّ الأقباط "أصل البلد"، وأنَّ الـ(74) مليون مسلم ضيوفٌ عليهم!.. وغير ذلك من الإشاعات الكاذبة التي تجد لها رواجاً واستقراراً مُدهشاً في الوعي المسيحي المعاصر؛ ما أدَّى بالبعض منه إلى القول -بناءً عليه- بأنَّه ينبغي إنقاذ مصر من الإسلام، وإعادة مصر لمصريَّتها (استخدم النصارى كتابات العلماني سيد القمني في هذا المجال بدون تقصٍّ للحقائق, وفقط كمحاولةٍ للتشويش والتضليل)..
لم يترك الدكتور العوا كلامَ بيشوي يمرُّ على عواهنه، فعقب عليه بقوله: كيف يقول: إنَّ المسلمين ضيوفٌ على أرض مصر، بينما يُشكِّلون (96%) من سكان مصر، ويعيشون على أرض مصر منذ (14) قرناً"؟!
ومعلومٌ أنَّ هذه المغالطات وتلك الإشاعات إنما هي تعدٍّ على الحقيقة, تلبيسٌ, وجهلٌ تجاوز كل حدود المعرفة التاريخية، ليستقر في منطقة الكذب المتعمَّد, الذي يتمُّ ترويجه في دوغمائيةٍ انغلاقيةٍ تحتل من أصحاب المناصب الكنسية الرفيعة مكان الرأس من الجسد، والعقل من الحواس، والروح من البدن, وهم يطلقونها بلا أدنى مراعاةٍ للضمير الإنساني، أو المسؤولية الإنسانية، أو الحرص على الحقيقة التاريخية، أو بما يُطلق عليه "الوحدة الوطنية".
ومن هذا الكذب وغيره من تلبيسات الكهنة: إشاعة سلسلةِ أوهامٍ وأكاذيب متشابكة متراكبة, تترسخ مع الوقت في الذهنية الأرثوذكسية فتُغلق الأذهان, وتحطم الإنسان، وتُغيِّر العقل، وتُكبِّل الروح الإنساني (آخر تلبيسات الأنبا بيشوي قوله بأن القرآن أيد الثالوث، وأنه أُضيف إليه نصوص بعدية!، هذا مع دعوته للاستشهاد وزعمه بأنه وأتباعه هم الأصل والمسلمون ضيوف نزلاء على مصر!), وهذه الأكاذيب الشنيعة لا تختلف عن أوهام كبراء الصليبيين عن بيت المقدس وتصويرهم لسماحة الإسلام مع نصارى بيت المقدس بأنه قتل وتقتيل وتحريق وتصليب, وفي ذلك تقول المستشرقة زيغريد هونكه صاحبة الكتاب المشهور (شمس الله تشرق على الغرب): "وكانت كتابة التاريخ والتقارير وفنون الكتابة عموما هي مسؤولية رجال الدين, لذلك فإنهم عملوا على تصوير أعدائهم في صورة شياطين وعبدة شياطين, وكان تشويه الحقائق على هذه الصورة التي بلغت حد الدعاية الظالمة كفيلا بأن يجعل الناس تصدق ما يلصق بعدوهم من سوء وباستحقاقه العقاب... ولقد كان ذلك الخوف هو الذي دفع الكنيسة إلى تصوير محمد صلى الله عليه وسلم على أنه المسيح الدجال أو أحد الهراطقة والصنم الذي تقدم له الأضاحي البشرية. كان ذلك الخوف هو الذي استغلته الكنيسة من أجل تأكيد تلك العزلة وإثارة الكراهية الدينية والتعصب.. وكانت الصيحة الصليبية التي أطلقها البابا أوريانس الثاني من دير كلبر مونت عام 1095م... واستطاع الشرق العربي الانتقام لنفسه من ذلك الهجوم الشامل من جانب المسيحية الغربية التي أرادت إفناءه تماما فقد انتصر هو عليها بإنجازاته الثقافية والحضارية وجعل حياتها أكثر ثراء" (الإبل على بلاط قيصر, لزيغريد هونكه، ترجمة د. حسام الشيمي، مكتبة العبيكان 2004م، ص 38-39)، إن تلك الأوهام الصليبية التي تنشر الكراهية وتؤدي إلى استنزاف الشعوب وطاقاتها وتُشعل الأحقاد والحروب, يعلم الدكتور سليم العوا طبيعتها ومصادرها وخلفيتها التاريخية والنفسية والعقلية. ولذلك حذر من القيادات الواهمة وأوهامهم التي تتسبب في إشعال الحرائق بين المسلمين والمسيحيين كما أُشعلت من قبل الحروب الصليبية بحجة الدفاع عن نصارى بيت المقدس!، ومن تلك الأوهام المخالفة للحقيقة التاريخية كما أشرنا, قول الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس والمسؤول عن المجلس "الإكليركي" من أن "الأقباط أهل البلد..." وأن الشعب المصري المسلم" ضيوف حلوا علينا ونزلوا في بلدنا... ونحن كمسيحيين نصل إلى حد الاستشهاد إذا أراد أحد أن يمس رسالتنا المسيحية " (النص كاملا في جريدة المصري اليوم العدد 2285، بتاريخ 15 سبتمبر 2010م ) فكانت رسالته صليبية بحق تجمع بين التحريض المتعصب والتضليل الفارغ.
هذا البيشوي تَقْبُعُ أختان من أخواتنا الأسيرات في دير من أديرة إرهابه كما في تعليق الأستاذ جمال سلطان على الرسالة الموثقة للطبيبة صديقة الاسيرتان تيرزا وماريان (فاطمة ومريم لاحقاً) (انظر مقاله بعنوان: "ماريان وتريزا في سجون شنوده")، وفيه تعليقه الأخير على الرسالة: "انتهت رسالة الطبيبة" أم رحمة...", التي أرفقت برسالتها كافة العناوين وأسماء الشهود وأرقام الهواتف لأيِّ جهةٍ تريد التحقيق, وبقي أنْ أُشير إلى أن الضحيَّتين: فاطمة "تريز" ومريم "ماريان" تمَّ اعتقالهما في دير القدِّيسة دميانة الذي يُشرف عليه الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، ولم يخرجا من اعتقالهن الكنسي هناك منذ أكثر من خمس سنوات كاملة وحتى اليوم, حيث انقطعت أخبارهنَّ بشكلٍ كاملٍ".
لقد كشف الشيخ محمد الغزالي قديماً في كتابه "قذائف الحق" هذه الروح الموهومة, وخلفيَّتها الدينية والمعرفية والتاريخية، وهي الروح غير التاريخية وغير العلمية التي تسري بين كثيرٍ من أبناء وطننا المصري من المسيحيين الأرثوذكس مثلما سرت الإشاعات الكاذبة, الصادرة من المراكز العليا، بين أبناء أوروبا في العصور الوسطى، كما عرضت من كلام زيغريد هونكه, وأدَّت بهم في النهاية أنْ يكونوا هم ضحايا حروبهم الصليبية الظالمة كما أخبرت زيغريد وغيرها.
وقد سمى الدكتور رفيق حبيب هذا التطور الذي ألمَّ بالكنيسة وتحكَّم فيها، وأدخلها في عالم السياسة الذي زعموا أنَّ المسيح أخرجهم منه وأعطاه لقيصر.. سياسة استصراخ الغرب الصليبي، والاستقواء به, وسياسة المواجهة للإسلام نفسه، والدعوة إلى تنصير مصر، سمى الدكتور رفيق حبيب هذا التحول في دور الكنيسة بأنه "بذور فكرةٍ بدأت تسري في الكنائس في السبعينات"، وهي البذور التي وضع لها البابا شنودة خُطَّتها، وكشف عنها الغزالي في "قذائف الحق" بقوله: "إنَّ الاستعمار أوعز إلى بعضهم أنْ يقف مراغماً للمسلمين، ولكنَّنا نريد تفاهماً شريفاً مع ناس معقولين.
إنَّ الاستعمار أشاع بين من أعطوه آذانهم وقلوبهم أنَّ المسلمين في مصر غرباء، وطارئون عليها، ويجب أنْ يَزولوا، إنْ لم يكن اليوم فغداً، وعلى هذا الأساس أسموا جريدتهم الطائفية: (وطني)! صيحاتٍ مريبةٍ أنعشها وقوَّاها بابا شنودة دون أي اكتراثٍ بالعواقب، وقال: "لهم ما لهم من حقوقٍ، وعليهم ما عليهم من واجباتٍ، أما أنْ يُحاولوا فرض وصايتهم على المسلمين، وجعل أزِمَّة الحياة الاجتماعية والسياسية في أيديهم، فلا.. إذا أرادوا أنْ يَبنوا كنائس تَسَعُ أعدادهم لصلواتهم وشعائرهم الدينية فلا يعترضهم أحد.. أما إذا أرادوا صبغ التراب المصري بالطابع المسيحي وإبراز المسيحية وكأنها الدين المهيمن على البلاد فلا.. إذا أرادوا أنْ يحتفظوا بشخصيتهم فلا تمتهن، وتعاليمهم فلا تجرح فلهم ذلك، أما أنْ يودُّوا "ارتداد" المسلمين عن دينهم، ويُعلنوا غضبهم إذا طالبنا بتطبيق الشريعة الإسلامية، وتعميم التربية الدينية؛ فهذا ما لا نقبله".
كذلك فقد حمل الدكتور محمد سليم العوا حملةً كبيرةً على محاكم التفتيش الكنسية التي تمنع حرية الاعتقاد لأتباعها الذين دخلوا الإسلام بكامل حرياتهم, وتُكرههم على المسيحيَّة، وتهينهم وتقوم بخطفهم وتعذيبهم وكأنهم عصابة قساوسةٍ مرتزقةٌ.. ورهبانٌ وكهنةٌ مغتصبةٌ, تقوم بالتشنيع على المهتدين.. التشنيع النفسي عليهم بوسائل إرهابية منحطَّةٍ، مثل رمي بعضهم بالجنون والمرض النفسي، وقد سمعنا بعض من أسلم يؤكِّد ذلك، مثل الشاب الاسكندراني المتفوق دراسياً، واسمه "فادي"، وقد سمعته بنفسي في غرفةٍ من غرف البالتوك.
هذا فضلاً عن ترويج الإشاعات الفجَّة من أنَّ شباب الإسلام يخطفون المسيحيَّات لإكراههن على الإسلام.
المدهش أنَّ في إنجيلهم نصٌّ بالإفراج عن الزانيات: "من كان منكم بلا خطية فليرمها بحجر... اذهبي"، (نص في الإفراج عن زانية منسوبٌ للمسيح زوراً وبهتاناً، باعتراف كثير من شرَّاح الأناجيل)..
أما الإفراج عن الأسيرات المسلمات فدونه خرط القتاد، بل خَطْفُهنَّ وإيذاؤهنَّ، أو الدعوة الكهنوتية إلى الاستشهاد!!
وكأنَّ تحرير الزانية والغانية أولى عندهم من تحرير العفيفة الشريفة.. وكأنَّ تلك الزانية عند كهنة التعذيب أشرف من أولئك الطاهرات اللآئي انتقلن من تأليه المسيح ومحبَّةِ قتله وصفعه والبصق عليه -بحسب روايات العهد الجديد- إلى تعظيمه كنبيٍ عظيمٍ، له دورٌ عظيمٌ في مسيرة الإنسانية.
يُرجع العوَّا هذه التطرُّفات المنتشرة في الأرثوذكسية من أنَّ مصر للمسيحيين، وأن الفرعونية والقبطية والعلمانية أفضل من الإسلام، الذي حماهم من الرومانية الغربية.. وما تبع ذلك من تعامل البعض مع إسرائيل لمدِّ نصارى مصر بالسلاح لتحرير مصر من الإسلام والمسلمين.. يُرجع العوَّا ذلك إلى تصريحاتٍ كهنوتيةٍ غير مسؤولةٍ، وقراراتٍ غير معقولةٍ -فضلاً عن كونها لا تاريخيةٍ ولا علميةٍ- لرجالٍ لهم مكانتهم في الكنيسة المصرية: "إنَّ من يُحرِّض أمثال هؤلاء من عَيِّنَةِ جوزيف -يقصد مُهرِّب السلاح من دولة إسرائيل إلى مصر- هي تصريحات الأنبا بيشوي، الذي قال في أحد تصريحاته: (إننا على استعدادٍ للاستشهاد في حالة إذا تُدُخِّل في شئون الكنيسة)".
وقد أدت أوهام تلك الفتنة التي يشترك في إشعالها قساوسة وجماعات مسيحية مختلفة (مثل تنظيم أقباط المهجر) إلى تضليل نصارى مصر عن أسباب المشاكل الحقيقية التي يعانون منها -وهناك مشاكل مصطنعة- كما يعاني منها أغلب أهل مصر من المسلمين, وتزداد التغطية والتعمية على مصدر تلك المشاكل بالدعوة الكهنوتية الى تأييد جمال مبارك كرئيس مقبل للدولة المصرية، وهو ما أدى بالدكتور العوا إلى السخرية من هذا النفاق الكهنوتي، والا فكيف تبايعه في الداخل وتستصرخ ضده الخارج!؟
لم يمرر العوا كل تلك المسائل وغيرها مرور الكرام، وإنما كشف عنها الغطاء وفضح منها الغباء، وعرى فيها كهنة الشقاء والبلاء والإشاعات الكاذبة والتفتيش والخطف والتعذيب.
ويمكن القول إنه من بعد قنبلة الشيخ محمد الغزالي "قذائف الحق" لم نعثر على ما يساويها في القوة والشجاعة والكشف والصراحة والفضيحة لقيادات كنيسة كبيرة إلا في حلقة الدكتور العوا في قناة الجزيرة, فالرجل طوى لنا تاريخ العصابات المسيحية الجديدة, التي تريد تحويل الكنيسة إلى أهدافها الخاصة, وبرنامجها الخيالي اللاواقعي.
لقد صرح الدكتور سليم العوا بما أحجم عنه البعض أو لمح. واستطاع استخدام التوقيت المناسب، والوضع المناسب، لبث قولة حق في القضية بصورتها العامة، وإن كنت سأعقب على ماحجبه دكتورنا الحبيب في نص حواره مع أحمد منصور، سأحاول في هذا المقال أن أتصور سيناريو لتفسير هذا الحجب لحقيقة قصة أختنا كاميليا (فك الله أسرها من تنظيم الرهبان الكبار الصغار!).
وانصافا للحقيقة نقول: نعم لم يتوقع أحد أن تأتي التصريحات بتلك الجرأة من الكشف والمصارحة والمواجهة!, من تلك الجهة العلمية التي كان يظن بها أنها تُعرض عن مثل تلك القضايا الخطرة. فقد كانت كلمات العوا قوية وصريحة ودقيقة -الا في قضية واحدة، كما قلنا، هي قضية السيدة كاميليا زوجة الكاهن الصغير الذي دخل التاريخ من خلال خزائن الكنيسة وسرقتها بحسب ما أُعلن! لكننا نرى أن المكاشفة والمصارحة ديدن أهل الفكر والعلم والنقد الإسلامي كما فعل الشيخ محمد الغزالي بإصدار كتابه قذائف الحق, وفيه يقول:" أن يحلم البعض بإزالتنا من بلدنا، ويضع لذلك خطة طويلة المدى، فذلك ما لا يطاق، وما نرجو عقلاء الأقباط أن يكفونا مؤونته، ونحن على أتم استعداد لأن ننسى .. وننسى .." وقال في مقدمة الكتاب: "أما كهان اليهودية والنصارنية فحولهم تهاويل، ولهم مكانة لا تمس!! وشاركت مراكز القاهرة مراكز لبنان فى مهاجمة القرآن، ومخاصمة نبيه، وتزوير تاريخه.. وانسابت من جحورها أفاع ما عرفت الصفو يوماً تريد أن تنفث سمومها علناً، وأن تخذل القضايا الإسلامية فى كل مكان".. وقال في نهاية الكتاب "إن بعض النصارى وبعض التنظيمات المسيحية تريد تمزيق الكيان العربى الذى عاش فيه المسيحيون دهراً طويلاً مواطنين مكافئين للمسلمين فى الحقوق والواجبات، وهدفها إما قتل الإسلام وإما خلق فتن طائفية في كل مكان. والخطة معروفة، وعلى المسلمين أن يزدروها ويزدروا مروجيها ويفضحوا مَن وراءهم. إن مطالبة العرب بالتخلى عن الإسلام سفالة لا قرار لها، وإني أقول لقومي: لا خيار لكم أمام مؤامرات عالمية واسعة.. مطلوب منكم أن ترتدوا عن دينكم وأن تتنازلوا عن أوطانكم ..."
ومعلوم أن الشيخ الغزالي رحمه الله هو أول من فضح شنودة في كشف مخططه في تنصير مصر، ومحاولة الاستيلاء الوهمي عليها، وقد قدمتُ نصه ونص الخطة في المقال السابق الذي وضعته كمقدمة لمقالنا هذا ،وهذا هو رابطه في موقع المرصد لمقاومة التنصير.
http://www.tanseerel.com/main/articles.aspx?selected_article_no=11645
وقد تم منع كتاب الغزالي في السبعينات من القرن المنصرم. وكنا يومئذ نحصل علي الكتاب خلسة وبطريق البيع الخاص من أمام مسجد القائد إبراهيم في مدينة الإسكندرية. وفي الحقيقة فإن ما استخلصه الغزالي قديما استنتجه رفيق حبيب حديثا، وهو مفكر من أصل مسيحي، وهو أن شنودة حاول فرض سلطة الكنيسة خارج إطار العقيدة, ما أدى إلى فرض تلك السلطة في قضايا سياسية غير وطنية بالتتابع, بناء على دعاوى خاطئة وتفسير وهمي للأحداث. وهو ما أكده حبيب نفسه من أن المسيحيين تورطوا فيه باستقوائهم بالغرب.
ويبدو أن الوضع اليوم اختلف عن الظرف الذي صدر فيه كتاب الغزالي وتم منعه, ما دفع الدولة المصرية إلى توجيه رسائل معينة للكنيسة، عن طريق كُتَّاب أو مفكرين لا صلة لهم مباشرة بها ولا بأجهزتها الرسمية، في نفس الوقت الذي تسعى فيه الدولة وبوسائلها التي لا نوافق على بعضها -مثل تسليم المسلمات إلى الكنيسة- لتفادي الصدام المباشر مع الكنيسة. ولذلك يمكنني القول بأنه على ما يترجح عندي فإنه قد سُمح للدكتور سليم العوا بقول ما كان يعتلج في صدره، والتصريح بما تُحجم الدولة والعلماء عن قوله، وهو الخبير -حفظه الله- بعالم القضاء والمحاماة، وله دكتوراه الفلسفة (في القانون المقارن) من جامعة لندن عام 1972، وخبرة في عالم الجماعات والقضايا الشائكة التي تخص الوطن، كما أن له خبرة بالعقيدة المسيحية وتاريخ الكنيسة وباباواتها خصوصا بابا الكنيسة المصرية الحالي البابا شنودة. (لن أقوم بأي محاولة هنا لعرض أخطاء الدكتور العوا حفظه الله, مثل موقفه من الشيعة مثلا, فهذا ليس مجالنا, وليس من شأن المسلم عرض أخطاء أهل العلم أو الفكر أو الدعوة في كل مجال وحال, وترك الفضائل والإيجابيات والحسنات, ومقالنا هذا ليس نقدا للدكتور في كل أمر قام به ولكنه نقد للكنيسة وبيان موقف الدكتور الغامض من قضية كاميليا
ما أود قوله في هذه العجالة القصيرة هو أنه على أرجح الظن فإنه ما كان الدكتور العوا ليتحلى بتلك الشجاعة العلنية النادرة لولا الضوء الأخضر من الأمن المصري، وذلك في مواجهة تمادي الكنيسة المصرية المعاصرة فيما تمادت فيه من تحريض وأكاذيب، وقد ازدادت الأكاذيب تحت رئاسة البابا شنودة الذي اشترك قديما -وهو الراهب- في التنظيم العنصري "جماعة الأمة القبطية"، ومن أفكار هذه الجماعة أن مصر مصرية ذات أصول مصرية فرعونية, وهي ليست عربية وليست جزءا من العالم العربي والإسلامي, ويجب إعادتها لهويتها المصرية مع إقامة علاقة قوية مع الغرب غير مشدودة للهوية العربية والإسلامية، لأن مصر لم تكن جزءا من الهوية العربية الإسلامية, وأن الأقباط هم الذين يمثلون الهوية المصرية، وأن المجتمع المصري خرج عن هويته المصرية ويجب إعادته إلى هويته الأصلية، كما شرح فكرة هذا التنظيم المفكر رفيق حبيب على الصورة التي عرضتها، وقال معقبا على ذلك: إن ذلك هو السيناريو الخاطئ في معالجة المشاكل. وقد وجد أقباط المهجر من بعض أفكار هذه الجماعة التي كان شنودة قد انضم إليها وهو راهب, وجد أقباط المهجر فيها متكأ لهم ودعما لمحاولة تغيير مصر وتشويه صورتها من الخارج، بل وتبني إستراتيجية خارجية, يقول رفيق حبيب: "جماعة الأمة القبطية ظهرت في تيار داخل الرهبان وفي تنظيم أقباط المهجر", ويمكن الاطلاع على كلام الدكتور رفيق حبيب من هذا الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=8q1UTIVg_28&feature=player_embedded
ما كان الدكتور محمد سليم العوا ليتمكن بتلك الصورة الشجاعة الفريدة من المواجهة من أهل الإرهاب الكنسي لولا الإشارة الأمنية الصريحة أو الضمنية- وأُرجح أن تكون تلك الإشارة صريحة وصريحة جدا! بأن يصرح بما احجمت عنه الدولة المصرية والإدارة الأمنية زمنا طويلا, وخصوصا في العقد الأخير الذي تجاوزت فيه الكنيسة كل الحدود المسموح بها في التعامل بوهم وانتفاخ فارغ مع الوضع المصري الشائك، والذي لايشكله فقط التفاعلات الفكرية والدينية، فالسيطرة في الإدارة السياسية هو لغير التفاعلات الدينية، وإنما تؤثر عليه بدرجات كبيرة أيضا تلك القرارات للدولة المصرية التي لا تجعل الشريعة قانونا لها يطبق في كل مناحي الحياة، ما يمكن أن يقال عنها أنها سبب الأوضاع المتردية في مصر، وكذلك الظروف الاقتصادية التي أنتجها وفرخها نظام الحزب الواحد الذي لا يطبق نصوص الشريعة الإسلامية, وهي الظروف التي تكتمها القيادات المسيحية وتنسب الأسباب إلى القرآن والرسول!!، نعم ينسبون معاناتهم إلى الإسلام وشريعته!، بل إلى تصورهم الوهمي والمختزل للدين الإسلامي والمسلمين عموما. (فهنا نجد أن النصارى الحيارى بين أمرين: الأول حجبهم لحقيقة الحكومة والقوانين الحاكمة، وثانيا تزويرهم للشريعة ورسم تصور خيالي لها يقومون بمحاكمته!!)
ولقد أفزعت كمية المعلومات الشجاعة والدقيقة التي القاها الدكتور العوا في سلة الكنيسة المصرية وفضح بها خطتها المتسللة ببطء لكن بعلانية وبدعم خارجي، خصوصا الدعم الامريكي الذي تراهن المؤسسة الكنسية في العقد الأخير على الاستقواء به، ظنا منها أن الشعب المصري بما فيه من جماعات عاملة للإسلام يساوي جيش صدام الهارب أو وضع أفغانستان, أفزعت تلك المعلومات قيادات التعذيب والإرهاب داخل الكنيسة وفروعها الداخلية والخارجية.
إن ما لا تستطع القوي المختلفة أن تقيمه حقا هو قدرة هذا الشعب العريق في الإسلام خصوصا في العقود الأخيرة منذ سبعينات القرن الماضي على مواجهة أقوي الإمبراطوريات العالمية, وليس ببعيد عن صفحات التاريخ أن أغلب القوي الإسلامية المصرية أرسلت رجالاتها لدعم الجهاد الأفغاني وتدعيم القضايا التحررية في العالم, ولا أتكلم عن تنظيم القاعدة، فليس هذا ما أرمي إليه, فأنا أخالفه التوجه والفعل ورد الفعل, وإنما جماعة كالإخوان مثلا وغيرها من الجماعات والجمعيات والمدارس السلفية المتعددة والمعتدلة, فما بالكم والساحة اليوم مليئة بالتيار السلفي الذي يطور نفسه وإن بصورة بطيئة لكنها فعالة إن شاء الله.
كان لابد لهذه المقدمة.. للتلميح إلى ظروف الشجاعة التي تحلى بها الدكتور العوا في عرضه العام للقضية المسيحية في مصر.
لقد عرضت موقفي من رسالة الدكتور العوا للشعب المسيحي والسلطة الباباوية الانقلابية الجاثمة على صدره, في ملتقى أهل التفسير، وكان علي هنا أن أبلوره بصيغته المعروضة أمامكم. سأنقله مع بعض التوضيب ليطلع القارئ الكريم على صورة من التحليل قد تكون خاطئة وقد تكون صائبة ولكنها على كل حال تعرض ما يختلج في نفوس بعض المثقفين أو الكتاب أو القراء.
تابعت حلقة الدكتور في الجزيرة بكامل وعيي وبيقظة تامة وحرص على المتابعة الدقيقة. ووجدت أن الدكتور العوا لُبس عليه في قضية كامليا -والله تعالى أعلى وأعلم- مع أنه قال ما لم يقله أحد علنا في القضية العامة عن اختطاف الكنيسة للمؤمنات, خصوصا وأنه لم يجرؤ أحد ان يقول بمثله من جهته العلمية في الربع الأخير من القرن الـ20 والعقد الأول من قرننا الحالي.. ومعلوم أن ما قاله الغزالي في قذائف الحق كان من المحرمات قديما. الأمر الذي سمحت به رسالة الدكتور العوا, الرسالة الشجاعة والمثيرة للتساؤل والتفكير. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد حلقة الدكتور وبإلحاح هو: ما الذي أوقع الدكتور العوا فيما وقع فيه من إنكار إسلام كاميليا في نفس الوقت الذي عرض فيه وبتفاصيل مثيرة ودقيقة إسلام وفاء قسطنطين وماريا؟ أمور لا يتحصل عليها في الحقيقة إلا من هو قريب من الملف الأمني لتلك السيدات الطاهرات، ومعلوم أن طبيعة عمل الدكتور العوا منحته المساحة والحركة للاطلاع على تلك الملفات الأمنية الخفية.
لكن هل هذا هو كل شيء؟! أم أن قرب الدكتور العوا من الجهاز الأمني المصري أضاف للقضية بعدا جديدا؟ ولا شك أن الجهاز الأمني قد لا يجد أفضل من الدكتور العوا في استشاراته في كثير من الملفات الدينية ومنها ملفات الجماعات الإسلامية والقبطية، هذا على أغلب الظن، وقد أهديت للدكتور العوا كتابي (جماعة شهود يهوه) عندما جاء إلى البلد الأوروبي الذي أعيش فيه, جاء -حفظه الله- بدعوة من مكتبتها العامة على ما أظن، فقال لي –ولم يكن لي علاقة به من قبل- إنه قبل سفره إلى هنا سأله الأمن عن كتاب في شأن تلك الجماعة أو الفرقة المسيحية التي علمتُ من أتباعها -في الماضي الذي كنت أدرس أفكارهم ومنظمتهم داخليا- أن بعض المبشرين منهم هم رهن التحفظ, وقد استنتجت من تلك الإشارة وجود علاقة للأسباب التي قدمتها. وهذا يؤدي إلى الاستنتاج أن الدكتور اطلع بصورة تفصيلية على ملفات إسلام الطاهرات الكريمات من أقرب الطرق الأمنية!
وفي ظني أن أغلب المعلومات التي عرضها الدكتور كانت مفاجئة للكنيسة، ذلك أنها كانت من العمق والتفصيل والتحدي لاستفزاز الكنيسة بما لايدع مجالا للشك أن أكثر تلك المعلومات مستقاة من مصادر موثوقة وأمينة.. عندها الخبر اليقين!
لكن هل هذا هو كل شيء؟! هل لبَّس الجهاز الأمني –على وجه الخصوص- على الدكتور في قضية أختنا كاميليا؟
لماذا لبس الأمن على الدكتور في هذه القضية بالذات وكان أمينا معه في بقية القضايا المعروضة في حلقة الجزيرة؟ أقصد أنه لم يلبس عليه في قضية وفاء وماريا, وقد تحلى الدكتور سليم العوا بشجاعة مدهشة عندما صرح في البرنامج أن تسليم وفاء قسطنطين للكنيسة يعتبر الأول من نوعه في تاريخ الإسلام, وأن تسليمها -كما قال في برنامج آخر- سبب جرحا عميقا في الوجدان المسلم المصري، (سلمتا إلى الكنيسة بغير الحق).وقد عرض العوا قضيتهما بمنتهى الأمانة والشجاعة والصراحة، وعرض ما خفي عن كثرة من الكتاب والصحفيين!، وذكر أن الامن المصري متابع لوفاء قسطنطين متابعة شاملة الثانية بالثانية، وهي في مكان آمن عند الكنيسة! (قال أنا أعلم أن وزارة الداخلية تعلم مكانها، تعلم مكانها بالدقة والتفصيل، وتعلم ما تفعله في يومها من الصباح إلى المساء بالدقة والتفصيل؛ لأن الأديرة ليست بعيدة عن الرقابة ولا يجوز أن تكون بعيدة عن الرقابة... وفاء مُسلمة، سُلمت وهي مسلمة بعد جدال 11 يوم في محاولة عدم تسليمها(!) ثم كانت الضغوط أقوى من الجهات التي تحاول أن تبقيها في حريتها(!)..." ثم قال إن حبس المسلمات في الكنائس جريمة يعاقب عليها القانون, وتدعيم هذه الجريمة بإرهاب الشعب والحكومة بالقول بأن الكنيسة خط أحمر, هو كلام فارغ؛ لأنه ليس في مصر أحد فوق الدستور والقانون، والكنيسة المصرية جزء من الدولة، وهي ليست فوق المحاسبة ولا فوق القانون، وليست إمبراطورية موازية، يأتي رجل كنسي موقر ليقول إن المسلمين ضيوف؟!! وهو يعبر عن دفينة في نفسه لإحداث فتنة في البلد لإشعالها، وتقود هذه الفتنة هذه القيادات الكنسية, هذا التصريح سيكون له ما بعده، التصريح خطير خطير خطير، والنيران التي تشتعل بسببه لايعلمها الا الله.. سيشعل النار في البلد كلها، إذا بقي الوضع على ما هو عليه من تصريحات الأنبا بيشوي فستحترق البلد!، وسيكون الجانب الذي يعمل على إحراقها هو قيادات الكنيسة، وتلفظ الأنبا بيشوي أيضا بأنه مستعد للاستشهاد, وقال "إذا تكلمتم عن الكنائس سنصل إلى حد الاستشهاد"! والاستشهاد لا يكون إلا في حرب، وهذا ما أشار إليه العوا بقوله: "والكنيسة وبعض رجالها يعدون لحرب المسلمين"!
ولي تعليق خاص على كلام العوا في مسألة الاستشهاد هذه ساعرض له إن شاء الله في مقال تال، لانها قضية تحتاج لتفصيل يمكن أن يضيف للقارئ إضافة تاريخية عن صلة الحملات الصليبية الأوروبية بأنواع مما أطلقوا عليه الاستشهاد، ولا يدخل في صورة الحرب التي تصورها العوا.
إن مناط البحث في قضيتنا المعاصرة –يقول العوا- هو تصريحات غير مسؤولة من تلك القيادات الكنسية وتصريحاتها الغريبة.
وقد علق العوا على تورط "بطرس الجبلاوي" نائب الاسقف أو وكيل المطرانية في بورسعيد، ابن الأب اثناسيوس كاهن كنيسة مرمينا في الإسكندرية، بتهريب أسلحة من إسرائيل إلى مصر، وقد تم القبض عليه وتحرير قضية ضده, وأشار العوا أن تخزين السلاح في الكنيسة من رجل هذا موقعه وموقع والده لا معنى له إلا الاستعداد لاستعماله ضد المسلم، هذا وقد أكد الدكتور رفيق حبيب -وهو مسيحي الأصل ومفكر مصري معروف- في حوار له موجود على المرصد لمقاومة التنصير، أنه ظهرت في المسيحية من بعد شنودة جماعات قبطية حاولت دخول العمل الانقلابي بالتدريب -في لبنان مثلا- على السلاح أو بإنشاء تنظيمات مسيحية لم تلبث أن فشلت لعدم جدوى الوسيلة. فالدكتور العوا لم يكن يتكلم من الخيال ولا لإثارة الجمهور المسلم وإنما كان يتكلم عن حقيقة واقعة وقضية معروفة، بل إنه كان يعرف أفرادها منذ نعومة أظفاره.
وكما قلت فان الدكتور قال كل مالم يستطع الامن والحكومة ان يقولونه علنا!
أما قضية كاميليا فقد أقنع الأمن الدكتور العوا-على ما يبدو- أن قضية كاميليا قضية مكذوبة وأنه لادليل على إسلام كاميليا.
أما لماذا حجب حقيقة قصة كاميليا في هذا التوقيت بالذات؟ فالإجابة هي: أن المظاهرات الكبرى كانت على وشك الاشتعال، وكلمة من العوا قد تُشعل الموقف في القضية، وأقصد بالقضية قضية كاميليا على وجه التحديد!، (طبعا ذلك بحسب التفكير الأمني)، وقد تطفئ كلمة العوا الحريق!، فكان أن قال العوا ما يمكن قوله في القضايا الأخرى النائمة أو الميتة لو صح التعبير، ونجح في إعلان قول عام في قضية الأسيرات. ومعلوم أنه لا أحد اليوم يتظاهر حولهن!، أما قضية كاميليا فقد أقنعه الأمن أن كاميليا لم تُسلم أصلا، والامن يعلم أن كل ما يقوله أو يسمح بقوله في هذه القضية على وجه التحديد، هو محل ثقة الدكتور العوا, خصوصا أنه أعطاه معلومات ثمينة جدا عن وفاء وغيرها!، فكذب الأمن على العوا في قضية، وخدعه بقوة المعلومات التي كانت ممنوعة عن غيره، فظن العوا أن الأمر كما عرضه الأمن له! فقال كل ما هو مناسب وموافق للأمن، وكل ما أُعطي إشارة خضراء به وبالسماح بقوله وبقوة وشجاعة، مع الاهتمام في آخر الحديث ووسطه وأوله بالدعوة إلى التهدئة!، فنجح العوا في توصيل الرسالة كاملة، ومن دهائه أنه أطلق القول "أن تسليم المسلمات للكنيسة جريمة مخالفة للقانون، محذرًا كل من يقف وراء هذه الأفعال بأن جرائم الحريات -كما ينص الدستور المصري- لا تسقط بالتقادم، وأن من فعلوا هذا (سلموا المسلمات إلى الكنيسة) سيحاكمون ولو بعد 100 سنة إذا بقي الدستور دون تغيير، بيد أنه استثنى المكرهين! (ولك أن تتصور أن الدكتور العوا يثبت بهذا النص إسلام كاميليا وخطفها من طرف النصارى، مع أنه نفى إسلامها بكلمات قليلة جدا وخاطفة! وكأنه ينزع حملا ثقيلا عن كاهله!.. ووقع الدكتور -بحسب ظننا- في فخ أمني فيه مكيدة ولطف ومكر، وهو إعلان أن كاميليا لم تُسلِم، وبه تخمد القضية وتنطفئ المظاهرات، ويكون الأمن قد أوصل رسالة للكنيسة أنها مكشوفة، وأنها يجب أن تتلم وتلم أولادها، وإلا فلن ينفعها التهديدات المحمية بالخارج! لا يعني هذا أن الدكتور العوا كان محلا قابلا للاستخدام من الأمن -حاشاه ووالله ما قصدت ذلك من كلامي- وإنما الرجل كان ينتظر أن يسمحوا له بالكلمة الجريئة التي كانت تثور بحكمة في رأسه القانوني والعلمي، في الموضوع الشائك الذي يعلم أبعاده المختلفة، فلما سمح له تكلم وأجاد في العام ونطق بما أوحي له عن خصوصية قضية كاميليا، والله تعالى أعلم.
نعم, الأمر المثير للتأمل هو أنه لم يذكر كاميليا إلا في كلمة أو كلمتين، وقاله على وجه العجلة والإلقاء السريع!، فهل كان يمكنه أن يتجاهل التطرق لموضوع كاميليا, نعم كان يمكنه تجاهل ذلك, وقد نجح في عرض القضية كلها بصورة علمية وواقعية, اللهم إلا لو مشينا مع ما قلته من سيناريو من إعلان عدم إسلامها لتفادى فتنة مظنونة.
إن ما نرجوه من عقلاء النصارى أن ينشروا في كنائسهم الحقيقة التاريخية أنهم وجدوا الرحمة والتسامح في ظل حضارة الإسلام, وأننا لا نرجو هلاكهم ولا ضلالهم, وإنما نرجو لهم الخير والبر، ونتقرب إلى الله بالقسط إليهم، ولكن ذلك لا يعني سكوتنا على خطف المسلمات, وتعذيب الطاهرات، وإشاعة الباطل عن شعب مصر، ونشر الأكاذيب عن تاريخ مصر، وموقع الطائفة الأرثوذكسية فيه, وأن مقاومة السلاطين الفائقة، والدعوة إلى المواجهة والاستشهاد مخالف لنص إنجيلهم بطاعة السلاطين؛ والسبب -كما في النص- لأنها من الله!
وعليهم أن يشاركوا في بناء الوطن وحمايته بدلا من الاستقواء بالخارج الذي لن يجد في مصر إلا ما هو أنكى من قتال العراقيين وجهاد الأفغانيين, وسحل الصوماليين.
إن في مصر جنودا أعظم من كل جنود الاسلام العصرية، فلاتستقووا عليها بما هو هش وغش، فإنكم رأيتكم خسارة الباطل في كافة معاركه التاريخية مع أهل الإسلام, كونوا مع أهل بلدكم تلقوا منهم برا وإحسانا ومواطنة شريفة وإكراما, وسماحة ورحمة كما وجدتموها كلها في تاريخ الاسلام.
والله من وراء القصد.