دَلاَلة التَّسْمِيةُ لِلْمدَائِنِ وَالقُرَى فِيْ التَّعْبِيْرِ القُرْآنِيّ

إنضم
10/05/2012
المشاركات
1,360
مستوى التفاعل
37
النقاط
48
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
tafaser.com
مقدمة :
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن تسميات المدن والقرى في القرآن الكريم من المباحث الواسعة التي تصلح أن تكون رسالة أكاديمية علمية ولكنني هنا سأقتصر النظر في موضعين لما يحيط بهما من فهم مغلوط في أحيان كثير يقود لتفسيرات شاذة وغير متفقة مع القاعدة الذهبية التي تنفي الترادف في كتاب الله ، وسأبحث تحديداً في تسمية "مدينة الغلامين اليتيمين" في سورة الكهف "قرية إخوة يوسف" التي استشهدوا بهم عند قدومهم على أبيهم وبالتالي سنخرج بتعريف للمدينة والقرية في التعبير القرآني.
أوجه الالتباس:
يسود اعتقاد بأن القرآن الكريم يبدل بين التسميتين (مدينة ، قرية) لنفس الموضع وأنهما تسميتان مترادفتان وسأستعرض بعض أقوال المفسرين رحمهم الله في الموضعين اللذين ندرسهما:
الموضع الأول : قرية إخوة يوسف


(وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) (82) سورة يوسف


  • جاء في تفسير القرطبي رحمه الله:
قال أبو جعفر : يقول : وإن كنت متهما لنا ، لا تصدقنا على ما نقول من أن ابنك سرق : ( فاسأل القرية التي كنا فيها ) ، وهي مصر ، يقول : سل من فيها من أهلها ( والعير التي أقبلنا فيها ) ، وهي القافلة التي كنا فيها ، التي أقبلنا منها معها ، عن خبر ابنك وحقيقة ما أخبرناك عنه من سرقه ، فإنك تخبر [ ص: 213 ] مصداق ذلك ( وإنا لصادقون ) فيما أخبرناك من خبره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
19641 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( واسأل القرية التي كنا فيها ) ، وهي مصر .
19642 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال ابن عباس : ( واسأل القرية التي كنا فيها ) قال : يعنون مصر .


  • جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله:
( واسأل القرية التي كنا فيها ) قيل : المراد مصر . قاله قتادة ، وقيل : غيرها ، ( والعير التي أقبلنا فيها ) أي : التي رافقناها ، عن صدقنا وأمانتنا وحفظنا وحراستنا ، ( وإنا لصادقون ) فيما أخبرناك به ، من أنه سرق وأخذوه بسرقته .

  • وفي تفسير القرطبي رحمه الله :
قوله تعالى : واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : واسأل القرية التي كنا فيها والعير حققوا بها شهادتهم عنده ، ورفعوا التهمة عن أنفسهم لئلا يتهمهم . فقولهم : واسأل القرية أي أهلها ; فحذف ; ويريدون بالقرية مصر . وقيل : قرية من قراها نزلوا بها وامتاروا منها . وقيل المعنى واسأل القرية وإن كانت جمادا ، فأنت نبي الله ، وهو ينطق الجماد لك ; وعلى هذا فلا حاجة إلى إضمار ; قال سيبويه : ولا يجوز كلم هندا وأنت تريد غلام هند ; لأن هذا يشكل . والقول في العير كالقول في القرية سواء . وإنا لصادقون في قولنا .

  • وفي التحرير والتنوير ذكر ابن عاشور رحمه الله أن المراد بالقرية المدينة والعكس وأنهما تسميتان مترادفتان:
وسؤال القرية مجاز عن سؤال أهلها . والمراد بها مدينة مصر . والمدينة والقرية مترادفتان . وقد خصت المدينة في العرف بالقرية الكبيرة .
والمراد بالعير التي كانوا فيها رفاقهم في عيرهم القادمين إلى مصر من [ ص: 41 ] أرض كنعان ، فأما سؤال العير فسهل وأما سؤال القرية فيكون بالإرسال أو المراسلة أو الذهاب بنفسه إن أراد الاستثبات . إ. هـ

وسياق القصة القرآنية يبين بأن مكان نفوذ يوسف عليه السلام كان مدينة ولم يكن قرية فهي ذات الموضع الذي بيع فيه و ظلم فيه وولاَّه الله عليه ونستدل على ذلك بقوله تعالى:
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) يوسف (30)
ويبدو أن ذلك هو الذي أوحى لابن عاشور رحمه الله بالقول بالترادف وأن المدينة قرية كبيرة
ما يظهر من الآية
نقول وبالله التوفيق بأن يوسف كان في مدينة ، وما حدث لإخوته أنهم انضموا لقافلة تنقلهم لمصر وتعيدهم لمسكنهم في البادية ومعهم فئتين من الناس (أصحاب القافلة) الذين ينقلون الناس والبضائع ، والمسافرين الآخرين من القرى القريبة منهم.
وعندما استشهدوا لم يكن ذلك بمجاهيل فقد استشهدوا (القرية التي كنا فيها) يعني القرويين الذين رافقونا في سفرنا وشاهدوا ما حدث لنا ، (العير التي أقبلنا فيها) أي أصحاب القافلة وملاك العير الذين نقلتهم ذهاباً وجيئة ، والاستشهاد بأهل مصر بعيد فكيف لرجل ضرير أن يسافر لمصر ؟ ومن يسأل في مدينة كبيرة؟ فلا يكون الاستشهاد إلا بأعيان شهود وبالتالي فالمراد والله أعلم أهل القرية التي رافقوهم في رحلتهم وأصحاب القافلة التي نقلتهم كما أسلفنا ، ولا ربما يجوز أن يكون الأمر كما قال الطبري رحمه الله من أنهم امتاروا في قرية بعد خروجهم من المدينة فكيف يسألهم يعقوب وليسوا شهوداً على الواقعة؟ .
وهنا نقول أن المدينة غير القرية وليس هناك ترادف وإبراز الفروقات بينهما:

القرية : مَجْمُوعَةٌ مَحْدُودَةٌ مِنَ المَنَازِلِ تَجْمَعُ أُنَاسَاً غَالبِهُم مِنْ عِرْقٍ وَاحدٍ وَملةٍ واحدةٍ وصَنْعةٍ غَالِبة (كَزِرَاعَةٍ أو صِنَاعَةٍ أوْ حِرْفَة )
لذلك فالمشتركات بين مثل أولئك الناس تجمعهم دائما على موقف واحد من الأنبياء فهم متحدين متشابهين في حياتهم فما أن يظهر بينهم نبي حتى يطيعون كبرائهم ويقاومون الدعوة حميةً واتّباعاً للباطل واستكباراً يقول تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ سبأ (34))

المدينة : مِنْطَقَةٌ سَكَنِيَّةٌ وَاسِعَةٌ تَجْمَعُ أُنَاسَاً مُخْتَلِفيْ الأَعْرَاقِ وَالمِلَلِ وَالمِهَنِ وَالأَعْمَالْ تُجْلَبُ إليْهَا الأرْزَاقُ وتَسُودُ فِيْهَا التِّجَارَة.
والمدينة عادة يحيط بها عدد من القرى وكانت المدن في الماضي تحاط بسور وأبواب تغلق ليلاً أمام الداخلين إليها وهذا لم تتميز به القرى لأن أهلها يعرفون بعضهم ويُعرفُ الأغراب بينهم بسهولة ، وهذا التعريف ينطبق على المدينة المنورة مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يسكن فيها أناس من ملل وأعراق مختلفة فمنهم اليهود ، ومنهم الأوس والخزرج والمهاجرين من قريش وغيرهم من الناس فكانت مختلفة عن مكة التي يسود فيها قريش وهي بلدتهم ويتبع فيها دين واحد وهو عبادة الأصنام.
الموضع الثاني : قرية اليتيمين
ذكر المدينة والقرية في الآيتين التاليتين:
(فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) الكهف (77)
(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا) الكهف (82)
ولعلنا نستعرض أبرز أقوال المفسرين رحمهم الله في التفريق بين القرية والمدينة المذكورتين في هاتين الآيتين الكريمتين:

  • يقول ابن كثير رحمه الله:
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ( 82 ) . في هذه الآية دليل على إطلاق القرية على المدينة; لأنه قال أولا ( حتى إذا أتيا أهل قرية ) [ الكهف : 77 ] وقال هاهنا : فكان لغلامين يتيمين في المدينة كما قال تعالى : ( وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك [ محمد : 13 ] ، وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم [ الزخرف : 31 ] يعني : مكة والطائف . ومعنى الآية : أن هذا الجدار إنما أصلحه لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما. الخ.

  • وجاء في تفسير القرطبي:
ودل قوله : في المدينة على أن القرية تسمى مدينة ; ومنه الحديث ( أمرت بقرية تأكل القرى . . . ) وفي حديث الهجرة ( لمن أنت ) فقال الرجل : من أهل المدينة ; يعني مكة .
ما يظهر من الآية

عند القول بنفي الترادف فينبغي أن تكون المدينة التي يسكنها الغلامين غير القرية التي بها الجدار وهذا متسق لا يشكل عليه شيء بل إن شواهد الآية تدل على أن (الجدار يريد أن ينقضَّ) يبين للقارئ أن الجدار متهاوٍ متضعضع من منزل أو حائط مهجور وبالتالي فالغلامين كانا غائبين عن هذا الموضع حيث لم يراهما موسى عليه السلام ولم يعلم بأمرهما إلا من الخضر لكونهما كانا في المدينة وليسا في القرية التي لهما فيها عقار وهو الجدار وهما يسكنان في مدينة وهي موضع آخر غير القرية وهذا بلا شك يسوغ ويبرر لأهل القرية الاستيلاء على الكنز في ظل غياب صاحبيه.
ولا يوجد ما يدعو لالتباس الفهم والتعارض بين النص ومفهومه ولا يوجد إشكال في هذا الفهم البسيط ، ولكن القول بالترادف يشكل عليه أمور كثيرة أولها وأهمها الترادف نفسه وعدم وجود ما يدعو لتسمية القرية في موضع وتغييرها لمدينة في موضع آخر.
ربِّ إن اصبت فمنك وحدك لا شريك لك ، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان فأستغفرك وأتوب إليك إنك غفور رحيم .
وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
رابط المقال في المدونة
 
الأخ عدنان بارك الله فيك،،،

وسأل القرية التي كنا فيها،

ما نوع الألف واللام في القرية، وعبارة التي كنا فيها، عبارة تنسف هذا المفهوم،

بارك الله فيك، ونفع بك،،،
 
وعندما استشهدوا لم يكن ذلك بمجاهيل فقد استشهدوا (القرية التي كنا فيها) يعني القرويين الذين رافقونا في سفرنا وشاهدوا ما حدث لنا ، (العير التي أقبلنا فيها) أي أصحاب القافلة وملاك العير الذين نقلتهم ذهاباً وجيئة ،

أحسن الله إليك أخي المعتز بالله
وددت لو أكرمت أخيك بتوضيح المفهوم الذي سينسف وماهو تفصيل الاستدلال على ذلك ، فقد مضى القول بأن (القرية التي كنا فيها ) لا يراد بها موضع بل شهود أعلام وهم أهل القرية المرافقين للقافلة، كما هو قوله تعالى (والعير التي كنا فيها) فالمراد القائمين على القافلة وملاك العير فأتت الجملتين متشابهتين من حيث التركيب.
يقول تعالى : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } [القدر:4]
(فيها) : أي مع الملائكة.
وكذلك القرية التي كنا (فيها) والعير التي أقبلنا(فيها)

وهنا يستقيم الرد على من قال أن القرية هي المدينة بأنه ربما التبس عليه الأمر ، فلو رأيتم معارضة لذلك أو قول يضاده فلا غنى عن تصويبكم فأنتم أهل لغة اخي الفاضل.
 
بارك الله فيك،

المعنى بعيد ولا أكاد أتحسسه،

والقرآن الكريم لا يعدل عن لفظ إلى لفظ إلا لحكمة أو أكثر، ولا يزيد في النص إلا لحكمة أو أكثر، وأنا لا أتحسس بلاغة العبارة إذا فسرناها كما فسرتها أنت، والله تعالى أعلى وأعلم،

عموما، سأديم النظر في الآية وفي نظيراتها من آيات الذكر الحكيم، وأسأل الله أن يزيل الغشاوة عن عيني لأتحسس جمال النص والعبارة الحكيمة،

{ ... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } (آل عمران : 7 )

بارك الله فيك، ونفع بك،،،
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين اما بعد. .جزاكم الله تعالى خيرا استاذ عدنان وبارك بكم..أخي الكريم
أرجو النظر بما يلي-
1-ان سياق اﻵية يذكر ( القرية التي كنا فيها) وكان تستعمل للماضي ﻻ للحاضر وهذا يدل
ان المقصود مصر..وليس من يسافر
معهم من الناس واﻻ لقالوا (القرية
التي جئنا فيها).
2-ان المتهم يرغب ان يبرئ نفسه
في مكان الحادثة لكي يقنع من
يتهمه ببرائته ولذلك فإنهم أرادوا
من أبيهم ان يسأل عن اﻻمر ﻻ ان
يذهب بنفسه وان السفر الى مصر
في ذلك الوقت كثير لقلة المؤن
في منطقتهم فيستطيع أبوهم ان
يطلب من المسافرين ان يسألوا
عن اﻻمر.
3-ما هو الفرق بين أصحاب القافلة
وهم الذين يشرفون عليها والمسافرين فيها فهو ﻻ يحتاج ان
يسأل الفريقين بل ان سؤاله لاصحاب القافلة أفضل ﻻنهم يتابعون أمور مسافريهم ويعرفون
أخبارهم ..أما المسافر العادي فربما
لم يعلم بالخبر .
4-أما مسألة اليتيمين فأرى ان ما
ذهبت إليه هو الصواب فإن سياق
اﻵية يوحي انهما خارج القرية
ولهذا جاءت اﻵية الاخرى لتذكر
انهما في المدينة..والله تعالى أعلم.
 
أخي البهيجي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعتذر عن التأخر في الإجابة عما تفضلت به ولا أعلم ما صرفني عن الانتباه لذلك ولكن عندما قرأت لموضوع الأخ فارس منقاش
https://vb.tafsir.net/tafsir51776/
توصلت للمشاركة ووجدت أنه قد فاتني أن انتبه للمشاركة ، وعلى كل حال فأقول إجابة على ما تفضلت به :

1
1-ان سياق اﻵية يذكر ( القرية التي كنا فيها) وكان تستعمل للماضي ﻻ للحاضر وهذا يدل
ان المقصود مصر..وليس من يسافر معهم من الناس واﻻ لقالوا (القرية التي جئنا فيها).
2-ان المتهم يرغب ان يبرئ نفسه في مكان الحادثة لكي يقنع من يتهمه ببرائته ولذلك فإنهم أرادوا من أبيهم ان يسأل عن اﻻمر ﻻ ان يذهب بنفسه وان السفر الى مصر في ذلك الوقت كثير لقلة المؤن في منطقتهم فيستطيع أبوهم ان يطلب من المسافرين ان يسألوا عن اﻻمر.
3-ما هو الفرق بين أصحاب القافلة وهم الذين يشرفون عليها والمسافرين فيها فهو ﻻ يحتاج ان يسأل الفريقين بل ان سؤاله لاصحاب القافلة أفضل ﻻنهم يتابعون أمور مسافريهم ويعرفون أخبارهم ..أما المسافر العادي فربما لم يعلم بالخبر .

يقول الحق تبارك وتعالى :
{ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [يوسف:70]
والآية تحمل الحقائق التالية:
أولاً : أن الأذان (النداء) أيتها العير إنكم لسارقون جاء بعد ان ابتعدت القافلة بمن فيها (أصحاب القافلة ، إخوة يوسف ، أهل القرى المحيطة باالمدينة ممن رافق القافلة ) ، فالأداة (ثم) دالة على الترتيب على التراخي ، ومفردة (أذن مؤذن) دلت على بعد المسافة بين المنادي وبين القافلة ، فجعلوا السقاية في رحل بنيامين وتركوهم يبتعدون بمن معهم من الناس ثم نادوا باستيقافهم بتهمة السرقة مما يدل على ان أهل المدينة لم يشهدوا ما حصل لابتعاد القافلة عن المدينة.

ثانياً : أن النداء شمل أصحاب القافلة ، وشمل المسافرين وشمل إخوة يوسف أيضاً فالمؤذن حين قال ( أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) فبقي كل من في القافلة لوهلة من الوقت يظن أنه هو المتهم بالسرقة حتى حضر الجند وفتشوا القافلة حتى وجدوا السقاية في رحل بنيامين ، فما دخل أهل المدينة ليشهدوا بشيء لم يكونوا قد رأوه ؟؟ ، وثبت من السياق عقلاً بأن عملية التفتيش شملت أصحاب القافلة ، ومن يحملونهم من مسافرين من إخوة يوسف وسواهم ، فإخوة يوسف استشهدوا بمن شهد فعلاً.

ثالثاً : هناك بالتأكيد فرق بين أصحاب القافلة وبين المسافرين فيها من أهل القرية فاستشهاد إخوة يوسف بالفريقين تأكيد صدقهم في نظرهم فلو كان والدهم يظن أن أصحاب القافلة تمالئوا مع أبناءه فلا يمكن أن يتواطأ اهل القرية أيضاً ، فهؤلاء هم اقرب من يُسأل وليس أهل المدينة الذين بينهم وبين يعقوب مسافة طويلة ولا يوجد اعيان من الناس يسألهم بعكس اهل القافلة واهل القرية التي سافرت معهم.
أحسن الله إليكم وبارك فيكم​
 
عودة
أعلى