دلالة قوله تعالى : { و هو في الخصام غير مبين } على عدم جواز ولاية النساء القضاء

إنضم
18/08/2005
المشاركات
506
مستوى التفاعل
10
النقاط
18
العمر
67
الإقامة
مصر
[align=center]النساء و ولاية القضاء[/align]

بسم الله ، و الحمد لله ، و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و سلم .

فبعد مرور ما يقرب من الألف و الخمسمائة عام على ظهور الإسلام و قيام حكمه - لم يثبت فيها تولي امرأة القضاء في بلاد المسلمين على مدار العصور و المصور - أثيرت منذ مدة قريبة في مصر و غيرها مسألة ولاية النساء القضاء ، و دارالقول فيها بين المنع - من جانب جمهورالقضاة - و بين الجواز من جانب البعض منهم ، و كان الشرع مستند المانعين لولاية المرأة القضاء ، بينما ادعى المجيزون عدم منع الشرع لذلك ، و لكل فريق حجج أبداها .

الأصل في الشرع المساواة بين الذكور و الإناث إلا ما خصه الدليل :

و بادئ ذي بدء أود التذكير بأن الأصل في الشرع هو المساواة بين الذكور و الإناث في الخطاب و التكليف بالأحكام ، و كذا في الثواب الأخروي و العقاب ، و قد استفاضت بذكر ذلك الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية ، و من ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [ الحجرات :13] ، و قوله تعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } [ آل عمران:195] ، و قوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا } [ النساء:124] . و كذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إنما النساء شقائق الرجال ) . [ رواه الترمذي وأبو داود و أحمد ] ، و لفظ الحديث في " سنن الترمذي " : عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ :
( سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامً . قَالَ : يَغْتَسِلُ .وَعَنْ الرَّجُلِ يَرَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا . قَالَ : لَا غُسْلَ عَلَيْهِ . قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَرَى ذَلِكَ غُسْلٌ . قَالَ : نَعَمْ إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ " ) . و لفظه في " سنن أبي داود " : " إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ " .

قال العظيم آبادي – شارح سنن أبي داود - : هذه الجملة مستأنفة فيها معنى التعليل . قال ابن الأثير : أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ولأن حواء خلقت من آدم عليه الصلاة والسلام ، وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه ، لأن شق نسبه من نسبه ، يعني فيجب الغسل على المرأة برؤية البلل بعد النوم كالرجل . قال الخطابي : وفيه من الفقه إثبات القياس وإلحاق حكم النظير بالنظير ، فإن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها . أهـ [ عون المعبود شرح سنن أبي داود ]

ليست الأنثى كالذكر في كل شيئ ؛ في شرعنا و شرع من قبلنا

و مع هذا الأصل المقرر من المساواة بين الذكور و الإناث إلا أن هناك بعض الأحكام اختص بها الرجال دون النساء : مثل وجوب الإنفاق على الأهل و غيره مما هو مذكور في كتب الفقه ، و هناك أحكام اختصت بها النساء دون الرجال : مثل سقوط قضاء الصلاة عن الحائض و غيرها . و كذا خص الشرع الرجال بالقيام ببعض الأعمال كإمامة الجمعة و ولاية الحكم .
و هذا التخصيص كان موجودا كذلك في شرع من قبلنا ، و من ذلك ما قاله الله تعالى - حكاية عن أم مريم عليها السلام - : { إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } . [ مريم:36،35]

تفسير الآية : { و ليس الذكر كالأنثى }

أ- قال الماوردي في تفسيره - المسمى " النكت و العيون " : قال تعالى : { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } لأن الأُنثى لا تصلح لما يصلح له الذكر من خدمة المسجد المقدس ، لما يلحقها من الحيض ، ولصيانة النساء عن التبرج ، وإنما يختص الغلمان بذلك .

ب- و قال الإمام السيوطي في تفسيره " الدر المنثور " : أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في الآية قال : كانت امرأة عمران حررت لله ما في بطنها ، وكانوا إنما يحررون الذكور ، وكان المحرر إذا حرر جعل في الكنيسة لا يبرحها ، يقوم عليها ويكنسها ، وكانت المرأة لا تستطيع أن تصنع بها ذلك لما يصيبها من الأذى ، فعند ذلك قالت : { وليس الذكر كالأنثى } . أهـ
والأصل دخول أداة التشبيه على المشبه به، وقد تدخل على المشبه؛ لوضوح الحال ؛ نحو هذا : { وليس الذكر كالأنثى } ؛ فإن الأصل : وليس الأنثى كالذكر، وإنما عدل عن الأصل لأن المعنى : وليس الذكر الذي طلبت كالأنثى التي وهبت. وقيل لمراعاة الفواصل لأن قبله إني وضعتها أنثى . [ الإتقان في علوم القرآن ، للسيوطي ]

و هذا القول الكريم : { و ليس الذكر كالأنثى } نص في عدم إطلاق مساواة الإناث بالذكور في كل الأعمال و المهام . { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } ، { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } ، { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ } ، { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } . صدق الله العظيم

[align=center]* * *[/align]

•كانت هذه مقدمة ضرورية لمسألة ولاية النساء القضاء ؛ لكيلا يساء الفهم و القصد .
•و قد تقدم قول الإمام الخطابي في " معالم السنن " – و الذي حكاه عنه العظيم آبادي - إن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها .
•و من مواضع الخصوص : ولاية المرأة الحكم والإمارة . و يدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك من الولايات العامة .

فلننظر في الأدلة الشرعية المتعلقة بمسألة ولاية المرأة القضاء ؛ لنتبين منها حكم الشرع فيها :

الدليل الأول : قول الله عزّ و جلّ - إنكارا و ردا على إفك المشركين - : { أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مثلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } . [ الزخرف : 18،17،16]
فقوله تعالى : { أو من ينشّأ في الحلية و هو في الخصام غير مبين } . يعني : المرأة ؛ قاله ابن عباس رضي الله عنهما . و كذا قال مجاهد . و قال قتادة : الجواري و البنات و المرأة . و قال السدّي : النساء .[ تفسير الطبري ] . و الكل بمعنى واحد ؛ هو الإناث .

قال الطبري : وقال آخرون : عُنِي بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله .

و عقّب عليه بقوله : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك الجواري والنساء ؛ لأن ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات، وقلة معرفتهم بحقه، وتحليتهم إياه من الصفات والبخل، وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم، والمنعم عليهم النعم التي عددها في أول هذه السورة ما لا يرضونه لأنفسهم، فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرا له أشبه وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر . أهـ


تفسير الآية في كتب التفاسير :

أ‌-قال الإمام الطبري : القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } : يقول تعالى ذكره : أو من ينبت في الحلية ويزين بها( وَهُوَ فِي الْخِصَامِ ) يقول : وهو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين، ومن خصمه ببرهان وحجة، لعجزه وضعفه، جعلتموه جزء الله من خلقه وزعمتم أنه نصيبه منهم .
ب‌- و قال الإمام البغوي : { فِي الْحِلْيَةِ } في الزينة يعني النساء، { وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } في المخاصمة غير مبين للحجة .
ت‌- و قال الإمام القرطبي : قوله تعالى : " وهو في الخصام غير مبين " أي في المجادلة والادلاء بالحجة.
قال قتادة: ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها .
ث‌- و قال ابن حبان في " البحر المحيط " : { وهو في الخصام غير مبين } : أي لا يظهر حجة ، ولا يقيم دليلاً ، ولا يكشف عما في نفسه كشفاً واضحاً . ويقال : قلما تجد امرأة لا تفسد الكلام ، وتخلط المعاني .
ج- و في " بحر العلوم " للسمرقندي : { وَهُوَ فِى الخصام غَيْرُ مُبِينٍ } يعني : في الكلام غير فصيح . ويقال : هن في الخصومة ، غير مبينات في الحجة ويقال : أفمن زين في الحلي ، وهو في الخصومة غير مبين ، لأن المرأة لا تبلغ بخصومتها ، وكلامها ما يبلغ الرجل .

دلالة الآية :

فهذا القول الإلهي الكريم نص في كون النساء غير مبيّنات في الخصام ، و إذا كان هذا شأنهن في مجرد بيان الخصام ؛ فكذلك شانهن في الفصل في الخصام ؛ من باب الأولى .
و الفصل في الخصومات هو " القضاء " .
و إذا كان ذلك هو شأنهن في بيان الخصام الخاص بهن ؛ فهو كذلك في استبيان خصام غيرهم و الفصل فيه ؛ من باب أولى .
و عليه : فقوله تعالى في شأن الإناث : { و هو في الخصام غير مبين } نص في مسألة عدم جواز تولية المرأة الفصل في الخصومات ، و هو القضاء ؛ بدلالة الأولى .
و هذه الدلالة هي أحد دلالات الألفاظ الشرعية للنص ؛ المقررة في أصول الفقه .

الدليل الثاني : قول النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح : " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً " . و ذلك لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى . رواه الإمام البخاري ، و الترمذي ، و الحاكم ، و أحمد ، و غيرهم .
أ‌- روى البخاري في " صحيحه " عَنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : ( لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ أَيَّامَ الْجَمَلِ لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَارِسًا مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى قَالَ : " لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً " ) .
ب‌- و روي في مسند أحمد بلفظ : " مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ يَلِي أَمْرَهُمْ امْرَأَةٌ " .
فهذا الحديث نص في عدم فلاح القوم الذين يولون أمرأة أمرهم .

- و القول بأن هذا كان فقط على سبيل الإخبار بما سيكون من هزيمة أهل فارس وقتذاك ، و لم يكن حكما تشريعيا للأمة : ادعاء غير صحيح ؛ لأن ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ) .
و سبب ورود الحديث يعين على تفسيره ، و لكن لا يجوز تخصيصه به ، و إلاّ كانت معظم أحكام الشرع خاصة بالعصر و بالقوم و بالوقائع التي قيلت فيها الأحاديث . و هذا باطل ؛ لنفيه عموم الرسالة إلى يوم الدين .
- و كذا القول بأن ذلك في الإمامة العظمى أو الكبرى وحدها : فغير صحيح أيضا ؛ لأنه قيل في ملك الفرس المجوس وقتذاك ، و لم تكن عندهم إمامة أصلا ، لا كبرى و لا صغرى .
و هذا يدحض الادعاء بجواز ولاية المرأة الحكم في بلادنا الآن ؛ بدعوى تخصيص النهي بالإمامة الكبرى ، و يدحضه عموم الحديث أولا .
و الحديث عام في كل أنواع الولايات العامة ؛ لمجيئه بلفظ من ألفاظ العموم ، و هو هنا : النكرة في سياق النفي و النهي ؛ على ما هو مقرر في علم الأصول .
فكأنه قال : لن يفلح كل قوم ولوا أمرهم امرأة . و يدخل في ذلك الحكم و القضاء ؛ فالقوم الذين يولون أمرهم في الحكم إلى امرأة داخلون في معنى الحديث ، و كذا القوم الذين يولون أمرهم في القضاء إلى امرأة داخلون في معنى الحديث أيضا ؛ لأن دلالة العموم من دلالات الألفاظ الشرعية .
و ذلك الحديث عام على سبيل العموم ، و لم يرد تخصيصه بمخصص ؛ فيظل على عمومه حتى يقوم الدليل المغير . و لا دليل هنا . و المماري عليه الدليل .
و الحديث يفيد النهي عن ولاية المرأة القضاء ؛ بدلالة عدم الفلاح .

[align=center]* * *[/align]

و قد احتج المجيزون لتولية المرأة القضاء بأمرين :
الأول : تولية عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – امرأة اسمها الشفاء الحسبة في السوق . و هذا لم يصح ، و أنكره بنوها ، و سيأتي بيانه .
و الثاني : ما نسب إلى الإمام أبي حنيفة من أن المرأة تقضي فيما تشهد فيه . و هذا النقل فيه اختلاف في ألفاظه ؛ مما يوهن من ضبط نقله ، ولا يصمد أمام الأدلة الشرعية المذكور ة آنفا ؛ فضلا عن أن يكون دليلا شرعيا أصلا . و هذا على افتراض صحة عزوه إلى أبي حنيفة ، و كذا الحال فيما نسب إلى الإمام الطبري و غيره ، و هو ما نفاه الإمامان أبو بكر بن العربي و أبو عبد الله القرطبي . و بيان ذلك :
* قال القاضي ابن العربي في كتابه " أحكام القرآن " :
( المسألة الثالثة : روي في الصحيح { عن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن كسرى لما مات ولى قومه بنته : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } .
وهذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة ، ولا خلاف فيه .
ونقل عن محمد بن جرير الطبري إمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ؛ ولم يصح ذلك عنه ؛ ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها تقضي فيما تشهد فيه ، وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق ، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة على الحكم ، إلا في الدماء والنكاح ، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : { لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } .
وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير .
وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ، ولم يصح ؛ فلا تلتفتوا إليه ؛ فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث ) . أهـ
و ذكره القرطبي في تفسيره " الجامع لأحكام القرآن " .

* و الاحتجاج بخبر ولاية صحابية حسبة السوق ليس حجة في جواز ولاية المرأة القضاء ؛ فضلا عن عدم صحته أصلا ؛ حيث أنكره أولادها .
و هذا الخبر ذكره ابن عبد البر و ابن حجر بصيغة التقليل ؛ فقالا في ترجمة الصحابية " الشفاء " : ( فربما ولاها شيئا من أمر السوق ) . يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
و هذا لفظ ترجمة ابن عبد البر لها في كتابه " الإستيعاب في معرفة الأصحاب " ؛ قال :
الشفاء أم سليمان بن أبي حثمة
هي الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس ابن خلف بن صداد - وقيل ضرار - بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب ، القرشية العدوية ، من المبايعات . قال أحمد بن صالح المصري : اسمها ليلى وغلب عليها الشفاء. أمها فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمر بن مخزوم ، أسلمت الشفاء قبل الهجرة فهي من المهاجرات الأول ، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت من عقلاء النساء وفضلائهن ، وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم داراً عند الحكاكين فنزلتها مع ابنها سليمان ، وكان عمر يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها ، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق ) . أهـ
فخبر ولايتها شيئا من أمر السوق روي بصيغة التقليل ، و لم يصرح فيه بالحسبة ، و هو ما أنكره أولادها ؛ قال الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " :
( وكانت الشفاء بنت عبد الله أم سليمان بن أبي حثمة من المبايعات ، ولها دار بالمدينة بالحكاكين ، ويقال إن عمر بن الخطاب استعملها على السوق ، وولدها ينكرون ذلك ويغضبون منه ) . و أولادها أعلم بها من غيرهم .
و إنما الذي استعمله عمر رضي الله عنه على السوق هو ابنها سليمان ؛ ففي " تاريخ دمشق " لابن عساكر قال : ( نا أبو بكر بن أبي خيثمة أنا مصعب بن عبد الله قال : سليمان بن أبي حثمة بن حذيفة من صالحي المسلمين ، استعمله عمر بن الخطاب على سوق المدينة ) . أهـ
ولعل اللبس وقع بينهما .

و من هذا و ما قبله : يتبين أن لا حجة للمجيزين ولاية النساء القضاء فيما احتجوا به ؛ إذ لم يصح و لم يقم دليل على تخصيص القضاء من عموم النهي عن تولية المرأة الولايات العامة ، و لم يثبت استعمال المرأة في نحوه في عصر الصحابة .هذا و الله تعالى أعلم .
{ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } .

كتبه
د . أبو بكر بن عبد الستار آل خليل
 
جزاك الله خيرًا وأحسنت وأبنت

غير أن بمصر لا تشغلهم القضية كفقه بل كأمركة
فمن هذا الذي يحزن على ضياع الحق الشرعي لهن بأنهن حرمن من تولية القضاء ( لا أحد )
بل أن من يقف وراء الأستار ويحاول أن يقلب الليل على النهار لإحداث البلاء والفتن هؤلاء هم الذين يثيرون تلك القضايا
هل ثار مثل هؤلاء على تبديل شرع الله في غير تلك المسألة ( لا )
هل ثار هؤلاء على تبرج النساء وضياع حق الله تعالى ( لا )
هم يؤمنون بفقه الأولويات فهل الأولى ضياع حق الله في تبرج النساء وحشرهن في المواصلات واختلاطهن الشنيع .
يا دكتور إن طالب العلم والمخلص هو الذي يريد الأدلة ، أما من يريد الأمركة ولا يبغي عنها حولا
فهؤلاء لا يريدون دليلاً علميًا ولا شروحًا فقهية .
هؤلاء يفحمون بغير الكلمة
ولكن ....
 
وفقنا الله و إياكم إلى الطاعات و فعل الخيرات
أحسب أن بيان الأدلة و كشف الشبهات كفيلان بمراجعة النفس عند البعض ، و لعل الله أن ينفع بما سطرناه و ذكرناه ، و أن ينفعنا به .
اللهم آمين
 
( باب لا يولي الوالي امرأة و لا فاسقا و لا جاهلا أمر القضاء ) [ السنن الكبرى للبيهقي

( باب لا يولي الوالي امرأة و لا فاسقا و لا جاهلا أمر القضاء ) [ السنن الكبرى للبيهقي

[align=center]النساء و ولاية القضاء[/align]

•و قد تقدم قول الإمام الخطابي في " معالم السنن " – و الذي حكاه عنه العظيم آبادي - إن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا مواضع الخصوص التي قامت أدلة التخصيص فيها .
•و من مواضع الخصوص : ولاية المرأة الحكم والإمارة . و يدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك من الولايات العامة .

* و دخول ولاية القضاء في معنى الإمارة صرح به الحافظ ابن حجر في " الفتح " ؛ ففي شرحه حديث عبد الرحمن بن سمرة : ( قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير " ) .
قال ابن حجر : ومعنى الحديث أن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها من أجل حرصه ، ويستفاد منه أن طلب ما يتعلق بالحكم مكروه ،
فيدخل في الإمارة القضاء والحسبة ونحو ذلك . أهـ
.......................................
.................................................

و الحديث عام في كل أنواع الولايات العامة ؛ لمجيئه بلفظ من ألفاظ العموم ، و هو هنا : النكرة في سياق النفي و النهي ؛ على ما هو مقرر في علم الأصول .
فكأنه قال : لن يفلح كل قوم ولوا أمرهم امرأة . و يدخل في ذلك الحكم و القضاء ؛ فالقوم الذين يولون أمرهم في الحكم إلى امرأة داخلون في معنى الحديث ، و كذا القوم الذين يولون أمرهم في القضاء إلى امرأة داخلون في معنى الحديث أيضا ؛ لأن دلالة العموم من دلالات الألفاظ الشرعية .
..........................................
...............................................

كتبه
د . أبو بكر بن عبد الستار آل خليل

و قد صرح الإمام البيهقي - في " السنن الكبرى " - بأن الوالي لا يولي المرأة القضاء ؛ فقد ترجم للحديث بقوله :

باب ( لا يولى الوالى امرأة ولا فاسقا ولا جاهلا امر القضاء )

(أخبرنا) أبو الحسن على بن احمد بن عبدأن أنبأ احمد بن عبيد الصفار ثنا اسحاق بن الحسن الحربى وهشام بن على فرقهما قالا ثنا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن الحسن عن أبى بكرة رضى الله عنه قال : ( قد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما كدت ان الحق باصحاب الجمل فاقاتل معهم ، بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان اهل فارس ملكوا عليهم ابنة كسرى ، فقال : " لن يفلح قوم ولوا امرهم امرأة " - لفظ حديث الحربى .
- وفي رواية هشام ك " ملكوا امرهم امرأة " - رواه البخاري في الصحيح عن عثمان بن الهيثم .

* و قد عد البيهقي وقوع تولية المرأة - و كذا المذكورين في الترجمة - أمر القضاء من علامات الساعة ؛ فقال :
-

(أخبرنا) على بن احمد بن عبدان أنبأ احمد بن عبيد ثنا احمد بن على الخزاز ثنا سريج بن النعمان ثنا فليح بن سليمان عن هلال بن على عن عطاء بن يسار عن ابى هريرة رضى الله عنه قال : ( بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في مجلسه يحدث القوم حديث ، جاءه اعرابي فقال يا رسول الله متى الساعة؟ ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث ، فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال ، وقال بعض لم يسمع حتى إذا قضى حديثه ، قال : " اين السائل عن الساعة ؟ " قال هذا : انا يا رسول الله . قال : " إذا ضيعت الامانة فانتظر الساعة " . قالوا : يا رسول الله ما اضاعتها ؟ قال : " إذا اسند الامر إلى غير اهله فانتظر الساعة " - رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سنان عن فليح . أهـ

* و عليه : فالمرأة عنده ليست أهلا - في حكم الشرع - لولاية أمر القضاء .
و هو قول أئمة المذاهب الفقهية ، و لم يصح القول بخلافه عند واحد منهم ؛ و قد تقدم بيانه .
 
و قد سُرِرتُ باستفادة بعض أهل العلم الفضلاء بما كتبته في هذه الدراسة الفقهية ؛ بإدراجها فيما سطره بعنوان : ( حكم ولاية النساء ... الخلافة و القضاء ) :
http://www.muhmmdkalo.jeeran.com/images/

أسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناتنا يوم نلقاه
 
عودة
أعلى