دلالة القرآن على كيفية قراءته..

إنضم
8 فبراير 2011
المشاركات
181
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
قال صاحب أضواء البيان:
{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) }
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ «فَرَقْنَاهُ» بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ بَيَّنَّاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ، وَفَصَّلْنَاهُ وَفَرَّقْنَا بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَقَرَأَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَرَّقْنَاهُ بِالتَّشْدِيدِ، أَيْ أَنْزَلْنَاهُ مُفَرَّقًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَمِنْ إِطْلَاقِ فَرَقَ بِمَعْنَى بَيَّنَ وَفَصَّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. الْآيَةَ [44 \ 4]

وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ بَيَّنَ هَذَا الْقُرْآنَ لِنَبِيِّهِ لِيَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ، أَيْ مَهَلٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَثَبُّتٍ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْرَأَ إِلَّا كَذَلِكَ، وَقَدْ أَمَرَ تَعَالَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:{ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا }[73 \ 4] ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}[25 \ 32]
 
السلام عليكم . .

جزاك الله خيراً أخي سعيد . .

أذكّرك أن الترتيل الوراد في وصف القرآن وآياته ، جاء في سياقين مختلفين :

الأول : سياق التلاوة ، والقراءة كما في آية المزمل في قوله تعالى : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } [73 \ 4]

بمعنى اتلوه بتمهل كلمة كلمة ، كما هو ثابت في وصف قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

الثاني : سياق تنزيل آيات القرآن الكريم على قلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . كما في قوله تعالى في سورتي الفرقان والإسراء وغيرهما ، وهو ما وردت لفظة ( نـزّل ) ومشتقاتها للدلالة عليها ، وهو بمعنى التنزيل المفرّق أو المنجّـم ، أي على أجزاء وليس جملة واحدة :

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا } [الفرقان:32]
فجاء " الترتيل " هنا هيئةً للتنـزيل المفرّق ، فهو ليس أي تفريق بل هو المُرتّـل . . وتنكير ( تَرْتِيلًا ) للتفخيم ، أي كذلك نزّلناه ورتّـلناه ترتيلاً بديعاً لا يُـقادر قدره . . ( لاحظ إعراب القرآن لدرويش ، وتفسير أبو السعود )

{ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } [الإسراء:106]

فتكون القراءة على مكث مرتبطة بالتفريق ، أي تقرأه عليهم مجّـزاً على تراخي في الزمن ، وهي قراءة تبليغ ودعوة دعوة للقسم أو النجم الذي نُـزّل على قلب الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، كمعالجات لما كان يواجهه أثناء سيره بالرسالة من أجل تحقيقها في الواقع .

فالسياق هنا حول تنزيل القرآن وأنه على مكث أي على تطاول وتراخي في الزمن والذي استمر على مدى ثلاث وعشرين سنة .

هذا والله تعالى أعلم
 
أثابكم الله..
إنما أردت نقل كلام الشيخ رحمه الله..وقد بنى استدلاله على قرآة التخفيف في { فرَقناه } التي هي بمعنى البيان..فليست القراءة على مكث مرتبطة بالتفريق والتنجيم على هذه القراءة
 
تلاوة القرآن بمنهج "التَّلَقِّي"

تلاوة القرآن بمنهج "التَّلَقِّي"

قال الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله في كتابه القيم مجالس القرآن :

تبصرة: في أخذ القرآن بمنهج "التَّلَقِّي"

كثيرون هم أولئك الناس الذين يتلون القرآن اليوم، أو يستمعون له على الإجمال، على أشكال وأغراض مختلفة. ولكن قليل منهم من " يَتَلَقَّى" القرآن!
وإنما يؤتي القرآنُ ثمارَ الذكر حقيقةً لمن تَلَقَّاهُ! وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتَلَقَّى القرآن من ربه. قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)( النمل:6).
ولا يزال القرآن معروضا لمن يتلقاه، وليس لمن يتلوه فقط!
والتلقي في اللغة: هو الاستقبال عموما. كما في قول الله تعالى: (لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)(الأنبياء:103).
وأما تلقي القرآن: فهو استقبال القلب للوحي. إما على سبيل النبوءة، كما هو الشأن بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم على نحو ما في قول الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)( النمل:6). إذ ألقى الله عليه القرآن بهذا المعنى! كما فسره الراغب الأصفهاني من قوله تعالى: (إنا سَنُلْقِي عليك قولا ثقيلا)(المزمل:5) قال رحمه الله: (إشارة إلى ما حُمِّلَ من النبوة والوحي!) .
وإما أن يكون (تلقي القرآن) بمعنى: استقبال القلب للوحي، على سبيل الذِّكْرِ.
وهو عام في كل مؤمن أخذ القرآن بمنهج التلقي على ما سنبينه بعدُ بحول الله. فذلك المنهج هو الذي به تنبعث حياة القلوب. لأنها تتلقى آنئذ القرآن (روحا) من لدن الرحمن. قال تعالى: : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا. مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الْإِيمَانُ. وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا. وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(الشورى:52-53).
وتلقي القرآن بمعنى استقبال القلب للوحي، على سبيل الذِّكْرِ؛ إنما يكون بحيث يتعامل معه العبد بصورة شهودية، أي كأنما هو يشهد تنـزله الآن غضا طريا! فيتدبره آيةً، آيةً، باعتبار أنها تنـزلت عليه لتخاطبه هو في نفسه ووجدانه، فتبعث قلبه حيا في عصره وزمانه! ومن هنا وصف الله تعالى العبد الذي "يتلقى القرآن" بهذا المعنى؛ بأنه يُلْقِي له السمع بشهود القلب! قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(ق:37). ذلك هو الذاكر حقا، الذي يحصل الذكرى ولا يكون من الغافلين.
أن تتلقى القرآن: معناه إذن أن تصغي إلى الله يخاطبك! فتبصر حقائق الآيات وهي تتنـزل على قلبك روحا. وبهذا تقع اليقظة والتذكر، ثم يقع التَّخَلُّقُ بالقرآن، على نحو ما هو مذكور في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، لما سئلت عن خُلُقِه صلى الله عليه وسلم؛ فقالت: (كان خُلُقُهُ القرآنَ!) .
وأنْ تتلقى القرآن: معناه أيضا أن تتنـزل الآيات على موطن الحاجة من قلبك ووجدانك! كما يتنـزل الدواء على موطن الداء! فآدم عليه السلام لما أكل هو وزوجه من الشجرة المحرمة؛ ظهرت عليهما أمارة الغواية؛ بسقوط لباس الجنة عن جسديهما! فظل آدم عليه السلام كئيبا حزينا. قال تعالى: (فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا! وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ. وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)(طه:121). ولم يزل كذلك حتى (تلقَّى) كلمات التوبة من ربه فتاب عليه؛ فكانت له بذلك شفاءً! وذلك قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم)(البقرة:37). فهو عليه السلام كان في حاجة شديدة إلى شيء يفعله أو يقوله؛ ليتوب إلى الله، لكنه لا يدري كيف؟ فأنزل الله عليه - برحمته تعالى - كلمات التوبة؛ ليتوب بها هو وزوجه إلى الله تعالى. وهي – كما يقول المفسرون - قوله تعالى: (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الأعراف:23) فبمجرد ما أن تنـزلت الآيات على موطن الحاجة من قلبه؛ حتى نطقت بها الجوارح والأشواق؛ فكانت له التوبة خُلُقاً إلى يوم القيامة! وكان آدم عليه السلام بهذا أول التوابين! وذلك أخذه كلمات التوبة على سبيل (التلقي): (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ)!
فعندما تقرأ القرآن إذن استمع وأنصت! فإن الله جل جلاله يخاطبك أنت! وادخل بوجدانك مشاهد القرآن، فإنك في ضيافة الرحمن! هناك حيث ترى من المشاهد ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر!
فاقرأ إذن كما استطعت وتعلم؛ لكن بحضور قلبي تام؛ كي تتزكى. فقد رأيت أن التلاوة بدء فعله صلى الله عليه وسلم من التعليم والتزكية، كما مر في قوله تعالى: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ). فالتلاوة نور في نفسها. إنها - لو أبصرتها حقا - صلة مباشرة برب العالمين؛ ذكرا ومناجاة. إن العبد التالي لكتاب الله متكلم بكلام الله. وهذا وحده معنى عظيم في نفسه، فتدبر! وهو يمهد القلب ويهيئه للخطوات التربوية التالية*.
*والتي هي ..الخطوة الثانية: التعلم والتعليم بمنهج التدارس .
والخطوة الثالثة: التزكية بمنهج التََّدَبُّر .

ولزيادة الفائدة يراجع كتاب مجالس القرآن , فصل الخطوات المنهجية الثلاث لتدارس القرآن , ص 64 : 75 .
 
عودة
أعلى