دلالة استخدام لفظ (ابليس) في المواضع التي ذكر فيها القرآن قصة الأمر بالسجود لآدم

إنضم
7 مايو 2004
المشاركات
2,562
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الخبر - المملكة ا
الموقع الالكتروني
www.islamiyyat.com
هذا ملخص ما توصلت إليه بعد استقرائي للآيات التي تحدثت عن قصة آدم عليه السلام في القرآن فهلا تكرمتم بالتعليق والتصويب إن كان في استنتاجي أي خطأ بارك الله فيكم.

دلالة استخدام لفظ (ابليس) في المواضع التي ذكر فيها القرآن قصة الأمر بالسجود لآدم عليه السلام

وردت قصة آدم عليه السلام في القرآن الكريم في مواضع عديدة وفي كل موضع منها لما ذُكر الأمر الإلهي بالسجود لآدم ورفض ابليس الأمر جاء لفظ (ابليس) ولم يرد الشيطان وذلك لأن ابليس هو أبو الشياطين فناسب أن يذكره باسمه ليتناسب مع كون آدم أبو البشر:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة)
(وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11) الأعراف)
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴿28﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿29﴾ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿30﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴿31﴾ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴿32﴾ الحجر)
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) الإسراء)
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف)
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) طه)
(إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ﴿71﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿72﴾ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿73﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿74﴾ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ﴿75﴾ ص)

أما لما كان السياق يتحدث عن آدم وزوجه بعد مخالفة أمر الله تعالى وأكلهم من الشجرة ذكر القرآن لفظ الشيطان دون ابليس لأن الكلام هنا ليست في العداوة الأولية بين آدم عليه السلام أبو البشر وبين ابليس أبو الشياطين وإنما قد تحقق لابليس ما أراده من إغواء آدم لمخالفة أمر الله، ومن تلك اللحظة صارت العداوة بين أبناء ابليس وجنوده من الشياطين وبين آدم وزوجه وذريته من بعده إلى أن تقوم الساعة ولذا يأتي التحذير للناس في القرآن من اتباع الشياطين وليس من اتباع ابليس تحديداً.
(فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) البقرة)
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) الأعراف)
(فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (22) الأعراف)
(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف)
 
ألا يشكل على هذا قوله تعالى: ([FONT=QCF_P430][FONT=QCF_P430]ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ [/FONT][/FONT][FONT=Arial (Arabic)][FONT=Arial (Arabic)][FONT=Arial (Arabic)]سبأ: ٢٠[/FONT][/FONT][/FONT]
 
عذراً أخي انتبهت لرقم الآية والسورة هي الآية التالية
(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) سبأ)
أنا أحصيت فقط الآيات التي ذكرت فيها قصة الأمر بالسجود لآدم تحديداً ولم أبحث في السياقات الأخرى. ولعل هذا يكون موضوع بحث قادم إن شاء الله تعالى.
 
الفاضلة : سمر ، جزاك الله خيرا على هذا التذكير .

ويتبين من خلال الربط بين إبليس وقصة السجود ، أن الشيطان الأول الذي امتنع عن السجود أول مرة هو إبليس ، الرجيم .
أما (الشيطان) فإنه من المشترك اللفظي ، جاء في قاموس القرآن للدامغاني : " شطن على ثلاثة أوجه : الكهنة ، الحيات ، الطغاة من الجن والإنس .
فوجه منها : الشياطين الكهنة . قوله تعالى : {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ }[البقرة:14] ، يعني إلى كهنتهم كعب بن الأشرف وغيره .
الثاني : الشياطين الحيات . قوله تعالى في سورة الصافات {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ }[الصافات:65] ، يعني الحيات .
الثالث : الشياطين الطغاة من الإنس والجن . كقوله تعالى في سورة الأنعام : {إِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ }[الأنعام:121] ."

والله أعلم وأحكم
 
الشيطان هو كل متمرد لذلك عند بداية القصة سماه باسمه ابليس ولكن عندما شطن أصبح لقبه شيطانا.
ففي باقي القصة ورد باسم الشيطان
إلا أنه عندما يذكر أمرا يعود لبداية القصة يسميه كما كان ابليس
والله تعالى أعلم
 
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }[سبأ:20]
يقول الطباطبائي (ت:1412ه) : " قوله تعالى : { و لقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين } أي حقق إبليس عليهم ظنه أو وجد ظنه صادقا عليهم إذ قال لربه : { لأغوينهم ولأضلنهم } { و لا تجد أكثرهم شاكرين } ، وقوله : { فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين } بيان لتصديقه ظنه . و منه يظهر أن ضمير الجمع في { عليهم } هاهنا وكذا في الآية التالية لعامة الناس لا لسبإ خاصة وإن كانت الآية منطبقة عليهم ."
والله أعلم وأحكم
 
جزاكم الله خيراً.
ولعل في التعقيب الذي أضافه الأخ عبد الكريم ما يدل على أن المقصود هو ابليس أبو الشياطين لأن التحدي وقع منه لا من ذريته وأعوانه فناسب أن يذكر ابليس بهذا الاسم وليس بلفظ الشيطان.
هذا والله أعلم.
 
هل الشيطان الذي وسوس لآدم وزوجه في الجنة مختلف عن ابليس؟ كونه أخرج من الجنة بعد رفضه السجود؟
 
الشيطان الذي وسوس لآدم في الجنة هو إبليس بدالة الآيات التي أشرت إليها في مشاركتي الأولى ولهذا ذكر باسمه العلم فيها لأنه أبو الشياطين وأول نسلِهم فابليس اسمه والشيطان صفته.
 
من خلال ما تقدم يتبين أن (إبليس) اسم علم للجني الذي كان مع الملائكة وأمر بالسجود وأبى أن يسجد . فلعنه الله إثر ذلك : {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً }[الكهف:50]
بينما (الشيطان) هو اسم جنس : {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }[الأعراف:27] .
وخصوصا إذا علمنا أن لكل إنسان شيطانه ، اعتبارا بما جاء في الأحاديث النبوية الشريفة . ونسوق هذه الأحاديث للاستئناس :
1 ــــــ " بسمِ اللَّهِ وضعتُ جنبي اللَّهمَّ اغفر لي ذنبي وأَخسِئ شيطاني وفُكَّ رِهاني واجعلني في النَّديِّ الأعلَى"
2- " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يضطربون فقال ما هذا فقالوا يا رسول الله فلان الصريع ما يصارع أحدا إلا صرعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أدلكم على من هو أشد منه رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه "
3 ـــــــ " فُضِّلْتُ على آدمَ بخصلتيْنِ : كان شيطاني كافرًا فأعانني اللهُ عليهِ فأسلمَ ، وكُنَّ أزواجي عونًا لي ، وكان شيطانُ آدمَ كافرًا ، وكانت زوجتُه عونًا لهُ على خطيئتِه "
واعتبارا بهذا الحديث تتبين لنا الشبهة المتعلقة بوسوسة الشيطان لآدم عليه السلام ، فنقول إن لآدم شيطانه الذي وسوس إليه في الجنة ، وهو ليس إبليس الطريد على إثر امتناعه من السجود . وهذا ما يبينه الحديث النبوي السالف الذكر .
والله أعلم وأحكم
.........................................
هوامش :
1 ـــــــ الراوي : أبو الأزهر الأنماري ، المحدث : النووي ـــــــــــ المصدر : الأذكار ــــــــــــــ الصفحة أو الرقم : 125
خلاصة حكم المحدث : إسناده حسن
2 ـــــــــــــ الراوي : أنس بن مالك ، المحدث : الهيثمي ــــــــــــــ المصدر : مجمع الزوائد ــــــــ الصفحة أو الرقم : 8/71
خلاصة حكم المحدث : فيه شعيب بن بيان وعمران القطان ووثقهما ابن حبان وضعفهما غيره وبقية رجاله رجال الصحيح .
3 ــــــ الراوي : عبد الله بن عمر ، المحدث : الذهبي ـــــــــــ المصدر : ميزان الاعتدال ـــــــــــ الصفحة أو الرقم : 4/60
خلاصة حكم المحدث : [ فيه محمد بن الوليد بن أبان ذكر من جرحه]
 
عذراً أخي الكريم لم أنتبه للحديث الأخير الذي أوردته في تعقيبك. وهذا الحديث ليس حديثاً صحيحاً وكل الروايات التي وردت لهذا الحديث لم تثبت صحتها بحسب السلسلة الصحيحة للألباني. وطالما لدينا من القرآن الكريم ما يؤكد أن الذي وسوس لآدم في الجنة هو إبليس بنفسه وصرّحت به الآيات وليس شيطان آدم كما أشرت، ولو كان شيطان آدم لذكره القرآن الكريم في قصة الأمر بالسجود لآدم فلماذا نستشهد بروايات فيها أناس لا يصح الأخذ عنهم وكلام الله تعالى واضح بيّن في الآيات التي أشرتُ إليها بداية المشاركة؟!.
 
أتيت بالحديث استئناسا في عملية التفسير ،
فما هو الدليل في القرآن الكريم على أن إبليس هو الذي وسوس لآدم وليس شيطانه ؟
 
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) - طه

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) - البقرة
 
يقول تعالى في سورة طه : [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً{115} وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى{116} فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى{117} إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى{118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى{119} فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى{120} فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى{121} ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى {122} قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى{123} وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً{125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى{126} وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى{127}]
قصة آدم عليه السلام في هذه السورة ابتدأت بقوله تعالى : [وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً{115}] ، حذر الله آدم من إبليس وذلك بعد امتناعه من السجود مباشرة : [فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى{117}]
لأن كل ما يرتكبه الشيطان في حق آدم وذريته فأصله من إبليس . لكن في الجنة وقعت الوسوسة على آدم من الشيطان ولم تكن من إبليس ، وإن كان الأصل من إبليس .
جاء في صحيح مسلم :
1 ـ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ عَرْشَ إِبْلِيسَ عَلَى الْبَحْرِ، فَيَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَيَفْتِنُونَ النَّاسَ، فَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً»
2 ـ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ» قَالُوا: وَإِيَّاكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «وَإِيَّايَ، إِلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ»

والله أعلم وأحكم
 
تفسير الطبري:

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة]
قال أبو جعفر: ... أزلَّه غيره: إذا سبب له ما يزلّ من أجله في دينه أو دنياه، ولذلك أضاف الله تعالى ذكره إلى إبليسَ خُروجَ آدم وزوجته من الجنة، فقال:"فأخرجهما" يعني إبليس"مما كانا فيه"، لأنه كانَ الذي سَبَّب لهما الخطيئة التي عاقبهما الله عليها بإخراجهما من الجنة.
وقرأه آخرون:"فأزَالهما"، بمعنى إزَالة الشيء عن الشيء، وذلك تنحيته عنه.
... وأولى ذلك بالحق عندنا ما كان لكتاب الله مُوافقًا. وقد أخبر الله تعالى ذكره عن إبليس أنه وسوس لآدم وزوجته ليبديَ لهما ما وُري عنهما من سَوآتهما، وأنه قال لهما:"ما نهاكما رَبكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا مَلكين أو تكونا من الخالدين"، وأنه"قاسمَهما إني لكما لمن الناصحين" مُدلِّيًا لهما بغرور.

القول في تأويل قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} [الأعراف - 20] ... ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء وألقى إليهما: ما نهاكما ربكما عن أكل ثمر هذه الشجرة، إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين : ليبدي لهما ما واراه الله عنهما من عوراتهما فغطاه بستره الذي ستره عليهما.

القول في تأويل قوله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) } [الأعراف]
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ونادى آدمَ وحواءَ ربُّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشجرة التي أكلتما ثمرها، وأعلمكما أن إبليس لكما عدو مبين ، يقول: قد أبان عداوته لكما، بترك السجود لآدم حسدًا وبغيًا


تفسير البغوي:

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} أَيْ: إِلَيْهِمَا، وَالْوَسْوَسَةُ: حَدِيثٌ يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} أَيْ: أَظْهَرَ لَهُمَا مَا غُطِّيَ وَسُتِرَ عَنْهُمَا مِنْ عَوْرَاتِهِمَا، قِيلَ: اللَّامُ فِيهِ لَامُ الْعَاقِبَةِ وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يُوَسْوِسْ بِهَذَا وَلَكِنْ كَانَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ ظُهُورُ عَوْرَتِهِمَا، كقوله تعالى: "فالتقطته آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا" (الْقَصَصِ، 8) ، ثُمَّ بَيَّنَ الْوَسْوَسَةَ فَقَالَ {وَقَالَ} يَعْنِي إِبْلِيسُ لِآدَمَ وَحَوَّاءَ {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} يَعْنِي: لِئَلَّا تَكُونَا، كَرَاهِيَةَ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ يَعْلَمَانِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ، {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} مِنَ الْبَاقِينَ الَّذِينَ لَا يَمُوتُونَ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: "هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى" (طه، 120) .
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
الحق الذي لا مرية فيه أن الذي استكبر عن السجود لآدم عليه السلام هو نفسه الذي وسوس إليه حتى أكل من الشجرة، فإنه باسقراء كل المواضع التي ذكرت فيها قصة آدم مع إبليس تدل على أن الأمر يتعلق بشيطان(إبليس) واحد، و لا دليل على التفريق.
أما بالنسبة للحكمة من ذكر إبليس بهذا الإسم في قصة امتناعه عن السجود، فلأن هذا اللقب أو هذا العلم أنسب، فإنه كما يقول الراغب في المفردات مشتق من " بلس والإبلاس الحزن المعترض من شدة اليأس ، يقال أبلس" فسمي إبليس لشدة يأسه من رحمة الله تعالى، يقول الرازي قي مختار الصحاح:" أبْلَسَ من رحمة الله أي يئس ومنه سمي إبليسُ وكان اسمه عزازيل و الإبْلاسُ أيضا الانكسار والحزن يقال أبْلَسَ فلان إذا سكت غما ".اهـ.
فلما امتنع إبليس عن السجود استكبارا ناسب أن يخاطب و يخبر عنه بهذا الإسم الدال على يأسه التام من رحمته سبحانه.
بخلاف المواضع الأخرى، فإن الله تعالى يسميه شيطانا-في الغالب-، و ذلك لأنه لما يإس و أبلس من رحمة أرحم الراحمين، و أخذ العهد من الله أن يؤخره و ينظره، توعد بأنه سيغوي عباده سبحانه إلا المخلصين منهم، كما قال تعالى:"قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)"-ص-
فلما أخذ هذا العهد من الله عمل جاهدا هو و ذريته على الإغواء و الوسوسة، متلبسين بأخلاق و أفعال ابتعدت و شطنت عن كل خلق أو فعل حسن، فناسب التعبير بالشيطان، لأن هذا الأخير مشتق على الصحيح كما رجحه الإمام ابن جرير الطبري في مقدمة كتابه من شطن يشطن أي ابتعد، يقال شطنت داري من دارك إذا ابتعدت.
فالخلاصة: أن إبليس لما استكبر عن السجود، أبلس من رحمة الله تعالى فناسب أن يخبر عنه و يخاطب بهذا الاسم دون غيره.
و عند أخذه العهد بالإنظار توعد بالإغواء، متصفا بالأخلاق و الأفعال التي ابتعدت كل البعد و شطنت كل الشطون عن الخير و الصلاح، فناسب أن يخبر عنه بالشيطان، و - ظهر لي وجه آخر في تسميته بهذا الاسم- و هو أنه كذلك يأمر بكل خلق و فعل شطن عن صالح الأخلاق و الأفعال .
و الله أعلم و أحكم.
 
هذا الموضوع من المتشابه الذي لا يستطيع أحد أن يقول فيه القول الفصل ، لأن السلف اختلفوا فيه .
وبالتالي يبقى الاجتهاد فيه مقروناً بالاحتمالات التفسيرية التي تتولد من خلال المقاربات التدبرية للآيات القرآنية الواردة في هذا الشأن .
إن إشكالية الموضوع نابعة من كونه يتناول الغيب الذي ليس لنا من مصدر عنه غير الوحيين . والسنة النبوية الصحيحة تتضمن حقائق بيانية لا يمكن إغفالها ، لأنها تقرب لنا الصورة إلى أقصى درجات الفهم الصحيح . أضف إلى ذلك السياقات المتعددة للآيات القرآنية .
كما أن هناك عاملا آخر ، هو ذاتية المفسر ، وكيف يتصور الحدث . وهذا العامل كثيرا ما نغفله ، رغم كونه حاضراً في كل عملية تفسيرية . نجد هذا كثيرا في الردود داخل الملتقى ، حيث تختلف الآراء وتتشعب ، انطلاقاً من التصورات الذاتية للموضوع ، حتى إننا في بعض الأحيان يتعذر علينا الالتقاء حول نقطة معينة .
إن العامل الذاتي له تأثيره على العملية التفسيرية ، وهذا نجده واضحا عندما نستقرئ التراث التفسيري . وهو يقل ويكثر حسب التزام المفسر بالموضوعية والحياد أو اتباع الهوى وإخضاع الآيات إلى تصوراته الخاصة .
نسأل الله التوفيق والسداد في أقوالنا وأعمالنا ، والحمد لله رب العالمين .
 
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) - الأعراف

لأن السلف اختلفوا فيه .


تفسير ابن أبي حاتم:
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عن هذه الشجرة
8289 - حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ: فَآتَاهُمَا إِبْلِيسُ فَقَالَ: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، فَلَمْ يُصَدِّقَاهُ حَتَّى دَخَلَ فِي جَوْفِ الْحَيَّةِ فَكَلَّمَهُمَا.

بحر العلوم للسمرقندي:
قوله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي: زيّن لهما الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُما مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما يعني: أراد إبليس لعنه الله بالوسوسة ليظهر ما سترا من عوراتهما، والسوأة كناية عن العورة. وذلك أن إبليس لما رأى محسوده في الجنة ورأى نفسه طريداً لم يصبر، واحتال لإخراجهما فأتاهما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ يعني: أنكما لو أكلتما تصيران كالملكين تموتان أبداً أو تكونا كالملائكة وتعلمان الخير والشر. أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ يعني: إن لم تكونا مَلَكَيْنِ فتكونا من الخالدين لا تموتان.

تفسير السمعاني:
قَوْله - تَعَالَى -: {فوسوس لَهما الشَّيْطَان} الوسوسة: حَدِيث يلقيه الشَّيْطَان فِي قلب الْإِنْسَان، وَاخْتلفُوا كَيفَ وسوس لَهما وهما فِي الْجنَّة، وَهُوَ فِي الأَرْض؟
فَقيل: وسوس لَهما من الأَرْض؛ لِأَن الله - تَعَالَى - أعطَاهُ قُوَّة بذلك حَتَّى وسوس لَهما بِتِلْكَ الْقُوَّة من الأَرْض إِلَى الْجنَّة، وَقيل: حِين وسوس لَهما كَانَ فِي السَّمَاء؛ فَالْتَقَيَا على بَاب الْجنَّة هُوَ وآدَم، فوسوس.

الكشاف:
وَقاسَمَهُما وأقسم لهما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فإن قلت: المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك تقول: قاسمت فلاناً حالفته، وتقاسما تحالفا. ومنه قوله تعالى تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ. قلت: كأنه قال لهما: أقسم لكما إنى لمن الناصحين، وقالا له: أتقسم بالله إنك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمة بينهم. أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها. أو أخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم.

تفسير ابن عطية:
«الوسوسة» الحديث في اختفاء همسا وسرارا من الصوت، والوسواس صوت الحلي فشبه الهمس به، وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه، هذا حال الشيطان معنا الآن، وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمجاورة خفية أو بإلقاء في نفس، ومن ذلك قول رؤية:
وسوس يدعو جاهرا رب الفلق
فهذه عبارة عن كلام خفي، والشَّيْطانُ يراد به إبليس نفسه، واختلف نقلة القصص في صورة وسوسته فروي أنه كان يدخل إلى الجنة في فم الحية مستخفيا بزعمه فيتمكن من الوسوسة، وروي أن آدم وحواء كانا يخرجان خارج الجنة فيتمكن إبليس منهما، وروي أن الله أقدره على الإلقاء في أنفسهما فأغواهما وهو في الأرض.

زاد المسير:
قوله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ قيل: إن الوسوسة: إخفاء الصوت. قال ابن فارس:
الوسواس: صوت الحلي، ومنه وسواس الشيطان. و «لهما» بمعنى «إليهما» ، لِيُبْدِيَ لَهُما أي: ليظهر لهما ما وُورِيَ عَنْهُما أي: ستر. وقيل: إن لام «ليبدي» لام العاقبة وذلك أن عاقبة الوسوسة أدت إلى ظهور عورتهما، ولم تكن الوسوسة لظهورها.
قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ قال الأخفش، والزجاج: معناه: ما نهاكما إلا كراهة أن تكونا ملَكَين. وقال ابن الانباري: المعنى: إلا أن لا تكونا، فاكتفى ب «أن» من «لا» فأسقطها.
فان قيل: كيف انقاد آدم لإبليس، مستشرفاً إلى أن يكون ملكاً، وقد شاهد الملائكة ساجدة له؟فعنه جوابان: أحدهما: أنه عرف قربهم من الله، واجتماع أكثرهم حول عرشه، فاستشرف لذلك، قاله ابن الأنباري. والثاني: أن المعنى: إلا أن تكونا طويلَي العمر مع الملائكة أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ لا تموتان أبداً، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقد روى يعلى بن حكيم عن ابن كثير: «أن تكونا ملِكين» بكسر اللام، وهي قراءة الزّهريّ.

مفاتيح الغيب:
وقوله: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين يمكن أن يكون هذا الكلام ذكره إبليس بحيث خاطب به آدم وحواء ويمكن أيضا أن يكون وسوسة أوقعها في قلوبهما والأمران ومرويان إلا أن الأغلب أنه كان ذلك على سبيل المخاطبة بدليل قوله تعالى: وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ومعنى الكلام أن إبليس قال لهما في الوسوسة إلا أن تكون ملكين واراده به أن تكونا بمنزلة الملائكة إن أكلتما منها أو تكونا من الخالدين إن أكلتما فرغبهما بأن أوهمهما أن من أكلها صار كذلك وأنه تعالى إنما نهاهما عنها لكي لا يكونا بمنزلة الملائكة ولا يخلدا.

تفسير النسفي:
{وَقَاسَمَهُمَا} وأقسم لهما {إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} وأخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة لأنه لما كان منه القسم ومنهما التصديق فكانها من اثنين.

التسهيل لعلوم التنزيل:
فَوَسْوَسَ إذا تكلم كلاما خفيا يكرره، فمعنى وسوس لهما: ألقى لهما هذا الكلام لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما أي ليظهر ما ستر من عوراتهما واللام في قوله ليبدي للتعليل إن كان في انكشافهما غرض لإبليس، أو للصيرورة إن وقع ذلك بغير قصد منه إليه.

البحر المحيط:
وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين لم يكتف إبليس بالوسوسة وهو الإلقاء في خفية سرا ولا بالقول حتى أقسم على أنه ناصح لهما والمقاسمة مفاعلة تقتضي المشاركة في الفعل فتقسم لصاحبك ويقسم لك تقول قاسمت فلانا خالفته وتقاسما تحالفا وأما هنا فمعنى وقاسمهما أقسم لهما لأن اليمين لم يشاركاه فيها.

اللباب:
فإن قيل: كيف وَسْوَسَ إليه، وآدم كان في الجَنَّةِ وإبليس أخرج منها ؟
فالجوابُ: قال الحسن: كان يُوَسْوِسُ من الأرْض إلى السَّمَاءِ وإلى الجِنَّةِ بالقُوَّةِ الفَوْقيَّةِ التي جعلها له...

تفسير النيسابوري:
ثم بيّن وسوسة إبليس بأنه قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أي إلا كراهة أن تكونا ملكين إلى قوله: إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ.

روح البيان:
فالقسم انما وقع من إبليس فقط الا انه عبر عن اقسامه بزنة المفاعلة للدلالة على انه اجتهد فى القسم اجتهاد المقاسم.

البحر المديد:
وَقاسَمَهُما أي: حلف لهما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فيما قلت لكما. وذكر قَسَم إبليس بصيغة المفاعلة التي تكون بين اثنين مبالغة لأنه اجتهد فيه، أو لأنه أقسم لهما، وأقسما له أن يقبلا نصيحته.

فتح القدير:
وقاسمهما ...المراد بها هنا المبالغة في صدور الأقسام لهما من إبليس وقيل إنهما أقسما له بالقبول كما أقسم لهما على المناصحة.

مراح لبيد:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي ففعل إبليس الوسوسة لأجلهما لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما أي ليظهر لهما ما ستر عنهما بلباس النور أو بثياب الجنة من عورتهما.

محاسن التأويل:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي: إبليس بأكل الشجرة.

السعدي:
فلم يزالا ممتثلَيْن لأمر الله، حتى تغلغل إليهما عدوهما إبليس بمكره، فوسوس لهما وسوسة خدعهما بها.

تفسير ابن عباس:
{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَان} إِبْلِيس بِأَكْل الشَّجَرَة {لِيُبْدِيَ لَهُمَا}.
 
الأخ / عبد الكريم
طالما قرأت لك في اللغة ، وأعجبت بك ؛ ولكني أراك عندما تتكلم في التفسير تقدم – أحيانا – ما يتراءى لك ثم لا ترجع إلى أهل التفسير ، ولا تسلِّم لهم .
أخي الكريم
مثلك من يرجع إلى الحق ... وهذه فضيلة ..
وفي الحقيقة لم أكن قد اطلعت على الموضوع سابقًا ، فلما اطلعت عليه وجدت في ردود الأخوين ( ناصر عبد الغفور وحسن الأسامي ) ما يغني عن التعليق ... فإذا بي أراك تعلق مبتدئا بقولك : ( هذا الموضوع من المتشابه الذي لا يستطيع أحد أن يقول فيه القول الفصل ، لأن السلف اختلفوا فيه ) .
وهذا كلام بعيد عن الواقع ، إذ ليس هناك أحد من السلف قد اختلف في أن إبليس هو الشيطان الذي وسوس إلى آدم .
ثم من الذي ادعى قبلك أن هذا من المتشابه ... أيظل هذا من المحكم كل هذه القرون ، ثم تحكم أنت عليه أنه من المتشابه ؟
ثم كلامك بعد ذلك لا علاقة له بأصل الموضوع .. هو كلام عام في النظر عند الاختلاف ، أما وأن السلف لا خلاف بينهم في ذلك .. فلا يدخل في موضوعنا .
وأما قولك : (كما أن هناك عامل آخر ، هو ذاتية المفسر ، وكيف يتصور الحدث . وهذا العامل كثيرًا ما نغفله ، رغم كونه حاضرًا في كل عملية تفسيرية ؛ نجد هذا كثيرا في الردود داخل الملتقى ، حيث تختلف الآراء وتتشعب ، انطلاقاً من التصورات الذاتية للموضوع ، حتى إننا في بعض الأحيان يتعذر علينا الالتقاء حول نقطة معينة .
إن العامل الذاتي له تأثيره على العملية التفسيرية ، وهذا نجده واضحا عندما نستقرئ التراث التفسيري . وهو يقل ويكثر حسب التزام المفسر بالموضوعية والحياد أو اتباع الهوى وإخضاع الآيات إلى تصوراته الخاصة ) .
فلم أفهم ما ترمي إليه إلا أنك تعتذر لنفسك ، وما كان ينبغي هذا من مثلك ؛ فمعظم من يناقش في الملتقى ليسوا بمفسرين حتى تستدل باختلافهم .
وفقني الله وإياك للحق وثبتنا عليه ... آمييييين .
 
أخي حسن أشكرك على الجرد ، نعم فالمفسرون ذكروا إبليس لأن أصل الوسوسة تعود إلى إبليس حضر أو لم يحضر .
واختلف المفسرون في حضوره : يقول ابن عطية (ت:542ه) في تفسير قوله تعالى : { وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} : " وقال بعضهم : إن إبليس لما دخل إلى آدم كلمه في حاله ، فقال : يا آدم ما أحسن هذا لو أن خلداً كان ، فوجد إبليس السبيل إلى إغوائه ، فقال : هل أدلك على شجرة الخلد ؟ .
وقال بعضهم : دخل الجنة في فم الحية وهي ذات أربع ... وقالت طائفة : إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد أن أخرج منها ، وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) "
والله أعلم وأحكم
 
أخي محمد عطية
أريد أن أقول : إن عملية التفسير ليست بالسهلة الهينة ، وخصوصا إذا كان الأمر يحتاج إلى مزيد من التدبر في الأمور التي اختلف فيها مفسرو الأمة . لأننا في مثل تلك المواقف تسعفنا الحجج المختلفة التي نحاول أن نتوصل إليها من كل المصادر المشروعة ، فضلا عن كيفية تصور المعنى كحالة ذهنية لدى المفسر .
ففي كل عملية تفسيرية في الملتقى من خلال المتدخلين الذين يعتبرون (نواة / مفسر) ، لأنه يقوم بعملية التفسير بشكل من الأشكال . فهو قد يَصلُح نموذجا للقياس عليه في هذه العملية التي يظهر فيها عامل الذاتية ، حيث يكون التدخل نابع من ذهنية معينة تفرض على صاحبها أن ينظر إلى الموضوع المدروس من زاوية خاصة . كما أن تأثير الذاتية يكون جليا في أحيان كثيرة ، قد تجعل المتدخل لا يعطي لكثير من الأفكار المستخرجة من طرف الغير أية قيمة ، نظرا لسيطرة الفكرة الذهنية عليه . من هذه النماذج الكثيرة و أحسب نفسي ضمنها يتبين لنا مدى سيطرة العامل الذاتي على المفسر .
يقول فاروق النبهان في كتابه (المدخل إلى علوم القرآن الكريم) : " ولابد في التفسير من النظر إلى شخصية المفسر، فالشخصية عامل هام في التفسير، تحسن وتسيء وتصيب وتخطئ، وتوسع وتضيق، لأن التفسير رؤية ذاتية للنص المفسر، تتأثر بشخصية المفسر، لأنه أداة الرؤية، ويستمد تلك الرؤية من تجربته الذاتية، ولهذا تتفاضل قدرات المفسرين وتتباين في مدى عمقها ودقتها، فمنهم الغني بفكره وآفاقه، ومنهم الضيق الذي لا يضيف شيئا."
مع فائق التقدير والاحترام
 
لم أكن أود أن أضيف كلمة مني بعد ما قدمتُه من كلام علمائنا الأجلاء الذي يوضح غاية الوضوح أنهم كانوا متفقين على أن الذي وسوس إلى آدم هو إبليس وإن اختلف بعضهم في حضوره. وليس في كلامهم أنه كان في الجنة شيطان آخر إلى جانب إبليس هو الذي قام بالوسوسة. وقد أوردتُ كلام ابن عطية الواضح في هذه المسألة و أعيده لمن فاته:

"«الوسوسة» الحديث في اختفاء همسا وسرارا من الصوت، والوسواس صوت الحلي فشبه الهمس به، وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه، هذا حال الشيطان معنا الآن، وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمجاورة خفية أو بإلقاء في نفس، ومن ذلك قول رؤية:
وسوس يدعو جاهرا رب الفلق
فهذه عبارة عن كلام خفي، والشَّيْطانُ يراد به إبليس نفسه، واختلف نقلة القصص في صورة وسوسته فروي أنه كان يدخل إلى الجنة في فم الحية مستخفيا بزعمه فيتمكن من الوسوسة، وروي أن آدم وحواء كانا يخرجان خارج الجنة فيتمكن إبليس منهما، وروي أن الله أقدره على الإلقاء في أنفسهما فأغواهما وهو في الأرض".

وأما قوله:
"وقالت طائفة : إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد أن أخرج منها ، وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى".
فالطائفة أضافت الشيطنة والسلطان والوسوسة (كمصدر وليس كإسم جنس) إلى إبليس لأن الله أعطى إبليس هذه القدرة حسب قولهم.

والمرء بعد هذا أمام موقفين: إما أن يأخذ بقول علمائنا الأجلاء الذي أوردته سالفا والذي يبين أنهم متفقون على أن الشيطان الذي وسوس إلى آدم هو إبليس ولم يكن معهم شيطان آخر، وإما أن يأخذ بقول طائفة ذكرها ابن عطية. فإن اختار أن يدع السواد الأعظم ويأخذ بقول طائفة فاعلم أنه إنما يأخذ بما فهمه مما قرأه من قولها. والفهم والقراءة ،كعملية التفسير في عرف النظرية التي أخذ بها الأخ عبد الكريم، عمليتان ذاتيتان تخضعان لاتساع إدراك القارئ أو ضيق أفقه، فيكون أخذه بأحد القولين تبعا لذلك.
 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أود أن أنبه الأخ عبد الكريم على بعض المسائل لصلتها بهذا الموضوع:
1- من القواعد المقررة في علم التفسير و التي تعتبر أصلا من أصوله - و لا أظن هذا يخفى على الأخ الفاضل- أن:" فهم السلف للقرآن حجة يحتكم إليه لا عليه"، و كذلك:" إذا اختلف السلف في التفسير على قولين لم يجز إحداث قول ثالث": و السلف لم يقل واحد منهم-فيما أعلم- بأن إبليس الذي امتنع عن السجود ليس هو من أغوى آدم عليه السلام حتى أكل من الشجرة، و اعتمادا على هاتين القاعدتين يتبين أنه لا يجوز القول في مسألة كهاته بقول لم يقل به أحد منهم ،لأنه يلزم منه عدة محاذير أهمها: نسبة الجهل لسلف الأمة و أنهم لم يعلموا التفسير الصائب و ماتوا و هم جاهلون به حتى أتى من بعدهم فوفق للصواب الذي لم يوفقوا إليه، و لاشك أن هذا لا يقول به عاقل عالم بقدر سلفنا الصالح، ثم إنه لو كان هذا القول المحدث صائبا لكلفوا طلبه كما كلفوا طلب الأول، يقول شيخ الإسلام:" ولهذا قال كثير منهم - كأبي الحسين البصري ومن تبعه كالرازي والآمدي وابن الحاجب - إن الأمة إذا اختلفت في تأويل الآية على قولين جاز لمن بعدهم إحداث قول ثالث ؛ بخلاف ما إذا اختلفوا في الأحكام على قولين . فجوزوا أن تكون الأمة مجتمعة على الضلال في تفسير القرآن والحديث وأن يكون الله أنزل الآية وأراد بها معنى لم يفهمه الصحابة والتابعون...وتكون الأمة قبلهم كلها كانت جاهلة بمراد الله ضالة عن معرفته وانقرض عصر الصحابة والتابعين وهم لم يعلموا معنى الآية...فلهذا كان السلف أكمل علما وإيمانا وخطؤهم أخف وصوابهم أكثر كما قدمناه . وكان الأصل الذي أسسوه هو ما أمرهم الله به في قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم }" اهـ- من مجموع الفتاوى-.
2- من الآيات التي ذكرتها: قوله تعالى:" يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27] .
ففي هذه الآية يحذر الله تعالى بني آدم من أن يفتنهم الشيطان الذي أخرج أباهم عليه السلام من الجنة، و قد زعمت أن الشيطان الذي أخرج آدم من الجنة ليس هو إبليس و إنما هو قرينه، و سؤالي كيف يحذرنا الله من هذا الشيطان الذي هو قرين آدم و معلوم أن الشيطان القرين بإنسان يكون خاصا بهذا الإنسان، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه و سلم:" ما منكم من أحد إلا و قد وكل به قرينه من الجن و قرينه من الملائكة قالوا : و إياك ؟ قال : و إياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير" فقوله صلى الله عليه و سلم:" وكل به قرينه" يفيد أن هذا القرين من الجن خاص بهذا الإنسان، و أنت قلت أن الذي وسوس لآدم هو قرينه، و هذا القرين كما بينت لا بد و أن يكون خاصا بآدم لا يتعداه و لا يوسوس لغيره أبدا، فكيف إذا يحذرنا الله منه؟
3- الأمر الأخير الذي أود أن أشير إليه، بخصوص ما ذكرته من اعتبار ذاتية المفسر في عملية التفسير، لا شك- و الله أعلم- أن الشخصية و الذاتية تكون حاضرة في أي بحث أو عمل يقوم به الباحث أو المفسر، لكن الذي أرى و العلم عند الله أن هذا العلم العظيم الذي هو تفسير كلام الله جل في علاه لا بد أن تكون فيه النزاهة التامة و الموضوعية و ربما- إنكار الذات- خاصة عندما يتعلق الأمر بتفسير آيات لا مجال للرأي و الاجتهاد فيها بل هي من مسائل الغيب المحض-كمسألتنا هاته- فلا أظن أن ذاتية المفسر لها موضع أو مكان في تفسير مثل هذه الأمور، بخلاف المواضع التي يجوز إعمال الرأي و الاجتهاد فيها-بضوابطه- فإن الذاتية قد تكون حاضرة و لكن بحسبان و ميزان.
و الله أعلم و أحكم.
 
المسألة لا تعدو جزئية في قصة آدم تحتاج إلى توضيح . وهذه الجزئية مرتبطة بدلالة المفردة القرآنية . هذه المفردة التي كلما تغيرت في صورتها إلا وتغيرت حمولتها الدلالية .
لنتابع المفردات القرآنية الآتية : إبليس ـــــــــــ الشيطان ــــــــــــــــ الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس .
إن المسألة تحتاج إلى وضوح في موضوع خاص ربما يكون في بحث قادم بحول الله وقوته .
مع فائق التقدير والاحترام
 
أشكر جميع الإخوة الذين أثروا هذا الموضوع بمشاركاتهم القيمة واستدلالاتهم من كتب التفسير وعلمائنا الأفاضل ومما ورد أستطيع أن ألخص الموضوع في نقاط كما فهمت من سياق الآيات والمواضع التي ورد فيها ذكر ابليس باسمه العلم والشيطان وأسأل الله تعالى أن يوفقني فيما وصلت إليه:
ابليس ذُكر في الآيات التي تحدثت عن قصة الأمر الإلهي للملائكة بالسجود لآدم وامتناع ابليس عن السجود ورفضه الانصياع لأمر الله تعالى.
ابليس ذُكر في الآيات التي تحدثت عن حواره مع الله سبحانه وتعالى وطلبه الإمهال ليوم يبعثون وتحدّيه بأنه سيُضلّ بني آدم ويغويهم
فكأن لفظ ابليس استخدم في المواقف التي كانت المواجهة فيها مادية وفيها حضور لآدم عليه السلام ولابليس كمخلوق يُرى ويُسمع ويحاور ويجادل ويمتنع عن الأمر الإلهي ويطلب الإمهال ليوم القيامة وغيره.
أما لفظ الشيطان بصفته فظهر في الآيات التي تتحدث عن مرحلة ما بعد طرده من رحمة الله تعالى ولهذا نجد لفظ الشيطان مذكوراً في وسوسته لآدم عليه السلام وزوجه وفي هذه المرحلة لم يعد لابليس وجود مادي في القصة متمثلاً بهيأته وإنما صار يرمز له بلفظ الشيطان إشارة إلى الوسوسة المعنوية وصار عمله كله خفية ووسوسة وغواية وتزييناً
وسأورد الآيات التي منها بنيت استنتاجي هذا:
ففي سورة الأعراف قال الله تعالى في الآيات التي فيها أمر السجود لآدم (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (11)) وبعد أن صدر الأمر بطرد ابليس كما في قوله تعالى (قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)) تحوّل اللفظ بعد هذا الطرد إلى وصفه وهو الشيطان الذي من أهم صفاته الوسوسة والتزيين والإغواء فقال تعالى عنه (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20))
ونفس النمط في استخدام الألفاظ يمكننا أن نجده في آيات سورة طه حيث قال تعالى في بداية قصة آدم (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116)) ثم قال تعالى (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (120))
وفي آيات سورة البقرة نجد نفس النمط أيضاً في استخدام لفظ ابليس والشيطان فقال تعالى في بداية القصة (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34)) ثم قال تعالى بعدها (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36))
وفي سورة الحجر لما كانت الآيات تتحدث عن الأمر بالسجود استخدم فيها لفظ ابليس (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)) وعندما تحدثت الآيات عن محاورته مع الله عز وجل ذكرته بلفظ ابليس لأنه لم يكن قد طُرد بعد (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)) ولم ترد في السورة آيات تتحدث عن وسوسته لآدم وزوجه فلم يذكر لفظ الشيطان فيها.
وفي سورة ص كما في سورة الحجر السياق نفسه فورد اللفظ (ابليس) دون الشيطان في الآيات (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ (74) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75))
واستخدام لفظ ابليس في آية سورة سبأ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)) فكما ذُكِر في مشاركة سابقة أن المعنى أنه صدّق عليهم ابليس ظنّه الذي ظنّه عندما تحدّى بأنه سيغوي آدم وذريته وهو هنا كان لا يزال في الجنة قبل أن يُطرد من رحمة الله تعالى ويُخرج من الجنة.
وعليه أقول باختصار أن لفظ ابليس ورد في السياق الذي تحدث عن أفعاله وأقواله في المرحلة التي بين أمره بالسجود لآدم وبين إخراجه من الجنة وطرده من رحمة الله تعالى
وأن لفظ الشيطان ورد في سياق الآيات التي تحدثت عنه أو عن ذريته وجنوده وأعوانه من الشياطين بعد الإخراج من الجنة ويرد لفظ الشيطان في الآيات بمعنى الوسوسة والإغواء والتزيين لبني آدم.
هذا ما استنتجه من كل ما سبق وأسأل الله تعالى أن لا أكون جانبت الصواب في المسألة دون تعريض بأي تفسير ولا مفسّر وإنما هو محض استقراء للآيات وسياقاتها في كتاب الله تعالى فإن كنت على حق فمن فضل الله تعالى عليّ وإن أخطأت أو تجاوزت فإنما مني ومن الشيطان وأعوذ بالله أن أقول في كلامه سبحانه وتعالى ما ليس حقاً.
والحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
 
عودة
أعلى