دفع ما قد يشكل من آيات سورة البقرة

ابو حيان

New member
إنضم
18 أبريل 2003
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
هذه البداية في عرض سور القرآن على "أهل التفسير" وسأبدأ بسورة البقرة حتى أنهي ما عندي فيها على حلقات متتابعة ومن عنده فيها شيء فليفدنا به على ما ذكر لكم ذلك في المقال السابق بعنوان: ملتقى أهل التفسير ومجاهد رحمه الله تعالى


(1) قوله تعالى : ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون )
بعد أن قرأت تفسيرها والأقوال التي فيها خرجت بهذا التقرير وأنا أعرضه عليكم لتبينوا لي هل هو صحيح أم لا؟
الآية فيها قولان :
الأول: انها ضربت لقوم آمنوا حقيقة وأضاء الإيمان قلوبهم ثم كفروا فيكون قوله: ( فلما أضاءت ما حوله ) مثلا لكون الإيمان دخل قلوبهم وقوله ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون) مثلا لكفرهم وخروجهم من الإيمان الذي دخل قلوبهم.
الثاني : انها ضربت لقوم دخلوا في الإسلام نفاقا فيكون قوله ( فلما أضاءت ما حوله) مثلا لما حصلوه من المنافع في الدنيا من أمنهم من السيف ومناكحتهم للمسلمين ومقاسمتهم للفيء ونحو ذلك ويكون قوله( ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون) مثلا لما يحصل لهم يوم القيامة من العذاب .
لكن لو قيل إن الثاني هو الأرجح لان الآية واضح أنها مضروبة للمنافقين الذين سبق عرض صفاتهم وهم لم يذكر أنهم آمنوا حقيقة بل قال الله (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين)؟


(2) المثل بعد المثل السابق في قوله تعالى ( أو كصيب من السماء) فهو مما أشكل علي كلام العلماء فيه كثيرا ولم أستطع ان افهمه على معنى مضطرد في جميع فقراته وكلما قرأت كلام المفسرين فيه ازددت حيرة فأفيدوني جزاكم الله خيرا أو دلوني على أفضل من تكلم في توضيح هذا المثل.
فقد ضرب بهم المثل بقوم في ليلة مطيرة شديدة المطر في مطرها رعد قوي يجعلهم يجعلون أصابعهم في آذانهم وبرق خاطف لكنهم يبصرون به شيئا من الطريق إذا أضاء وإذا أظلم البرق وقفوا ولم يستطيعوا التحرك
فما هو وجه الشبه بين حالة المنافقين وحالة هؤلاء
وأنا اضرب مثلا واحدا لاضطراب بعض المفسرين فيه
جعل ابن كثير البرق مثلا لما يلمع في قلوب المنافقين من نور الإيمان في بعض الأحيان ثم لما جاء عند قوله (يكاد البرق يخطف أبصارهم ) قال: أي لشدته وقوته في نفسه وضعف بصائرهم وعدم ثباتها على الإيمان ؟
 
بسم الله

تعليقاً على المسألة الأولى التي ذكرتها يا أخي الكريم في بيان معنى المثل الأول ، وأي القولين أرجح = أقول :
لعل القولين صحيحان ، ولا تعارض بينهما ، فالمنافقون على أحوال مختلفة ، منهم من آمن ثم كفر كما صرح القرآن بذلك في قوله تعالى : ( ذلك بأنهم ءامنوا ثم كفروا ...) في سورة المنافقين ، ومنهم من لم يؤمن ، ولكنه انتفع بإظهاره الإسلام .
ومن بلاغة القرآن أن أمثاله تتمل أكثر من معنى ، قال الطاهر ابن عاشور : (ومن بلاغة القرآن صلوحية آياته لمعان كثيرة يفرضها السامع ) [ التحرير والتنوير 2/112 ] .

وعبارة ابن كثير في تقرير معنى هذا المثل من العبارات الرصينة حيث قال :وتقدير هذا المثل أن الله سبحانه شبههم في اشترائهم الضلالة بالهدى وصيرورتهم بعد البصيرة إلى العمى بمن استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله وانتفع بها وأبصر بها ما عن يمينه وشماله وتأنس بها فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره وصار في ظلام شديد لا يبصر ولا يهتدي وهو مع هذا أصم لا يسمع أبكم لا ينطق أعمى لو كان ضياء لما أبصر فلهذا لا يرجع إلى ما كان عليه قبل ذلك فكذلك هؤلاء المنافقون في استبدالهم عوضا عن الهدى واستحبابهم الغي على الرشد . وفي هذا المثل دلالة على أنهم آمنوا ثم كفروا كما أخبر تعالى عنهم في غير هذا الموضع والله أعلم . وقد حكى هذا الذي قلناه الرازي في تفسيره عن السدي ثم قال والتشبيه هاهنا في غاية الصحة لأنهم بإيمانهم اكتسبوا أولا نورا ثم بنفاقهم ثانيا أبطلوا ذلك فوقعوا في حيرة عظيمة فإنه لا حيرة أعظم من حيرة الدين . وزعم ابن جرير أن المضروب لهم المثل هاهنا لم يؤمنوا في وقت من الأوقات واحتج بقوله تعالى" ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين " والصواب أن هذا إخبار عنهم في حال نفاقهم وكفرهم وهذا لا ينفي أنه كان حصل لهم إيمان قبل ذلك ثم سلبوه وطبع على قلوبهم ولم يستحضر ابن جرير هذه الآية هاهنا وهي قوله تعالى " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " فلهذا وجه هذا المثل بأنهم استضاءوا بما أظهروه من كلمة الإيمان أي في الدنيا ثم أعقبهم ظلمات يوم القيامة.

وأما المسألة الثانية في بيان المثل الثاني فلعلك تقرأ ما كتبه ابن القيم في تقرير معنى المثل في أكثر من موضع في كتبه [ إعلام الموقعين ، والوابل الصيب ، واجتماع الجيوش الإسلامية ] وهي مثبتتة في تفسيره المجموع ، وسيتضح لك إن شاء الله معنى المثل .
ولا إشكال في كلام ابن كثير الذي أوردته ؛ لأنه أراد جمع أقوال السلف في ذلك ، وهي تحمل معانٍ متنوعة ، وهذا من بلاغة القرآن كما أشير إلى ذلك سابقاً .
 
الشكر للشيخ العبيدي

وهذه بعض الإشكالات من كلام الإمام ابن كثير :
(3) في قوله تعالى : ( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته ) الآية ذكر ان ابن عباس وغيره فسر الإحاطة بالكفر
وأن مجاهد قال: ( وأحاطت به خطيئته ) أي بقلبه
وأن أبا العالية وقتادة وغيرهما قالوا : ( وأحاطت به خطيئته) : الكبيرة الموجبة

ثم قال:وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى .

فكيف تكون متقاربة إلا أن يكون قصده أن الآية تحتملها جميعا؟

(4)في قوله : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وما روت...) الآية قال عن اختيار الأمام ابن جرير:

.... ثم ادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختبارا لعباده وامتحانا بعد أن بين لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك لأنهما امتثلا ما أمرا به
ثم قال:
وهذا الذي سلكه غريب جدا ؟!

فأين وجه الغرابة مع أن الله يقول : ( وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) ؟
 
بسم الله

أخي أبا حيان

المسألة الأولى عن كلام ابن كثير لا إشكال فيها بحمد الله ، بل كلامه واضح وصحيح .
ومعنى كونها متقاربة ظاهر ، فيمكن أن تجمع أقوالهم بهذه الصيغة : بلى من كسب سيئة وأحاطت الخطيئة الكبيرة الموجبة للنار - التي هي الكفر -بقلبه فألئك أصحاب النار والعياذ بالله .

وأما المسألة الثانية :

فاستغراب ابن كثير لمسلك ابن جرير مبني على كونه يرجح خلاف ما رجحه ابن كثير .

وقد بحث الشيخ أحمد القصير هذه المسألة في موضوع مستقل هنا

وهذا نص ما ترجح لديه وما توصل إليه :

الترجيح :
الذي يظهر – والله أعلم – أن هاروت وماروت كانا ملكين من ملائكة السماء أنزلهما الله – عز وجل – إلى الأرض فتنة للناس وامتحاناً ، وأنهما كانا يعلمان الناس السحر بأمر الله – عز وجل - لهما .
ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء كما امتحن جنود طالوت بعدم الشرب من النهر في قوله تعالى : { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (259) } ( ) وكما امتحن عباده بخلق إبليس وهو أصل الشر ، ونهى عباده عن متابعته وحذر منه . ( )
برهان ذلك :
1- قوله تعالى في الآية : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ }
فالضمير في قوله : { يُعَلِّمَانِ } وقوله : { مِنْهُمَا } عائد على الملكين ؛ لأنهما أقرب مذكور ، ولأنه ورد بصيغة التثنية فهو مبدل منهما .
وفي قولهما : { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } دليل واضح على أنهما كانا يعلمان السحر ، وإلا فما فائدة تحذيرهما من ذلك ؟! ( )
وهذا الذي قلنا هو الظاهر المتبادر من السياق ، وهو أولى ما حملت عليه الآية . ( )
2- أن المروي –عن الصحابة والتابعين– في قصة هاروت وماروت، حاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، ولا يصح فيها حديث مرفوع ( ) ، والأصل أنه لا يصح حمل الآية على تفسيرات وتفصيلات لأمور مغيبة لا دليل عليها من القرآن والسنة . ( )
3- أن ما نسب إلى الملكين – بأنهما شربا الخمر ، وقتلا، نفساً وزنيا– غير جائز في حقهما لما تقرر من عصمة الملائكة - عليهم السلام - من ذلك . ( )
فإن قيل : إن تعليم الملكين للسحر كفر ، لقوله تعالى : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } ( ) وهذا فيه قدح بعصمتهم لأنه لا يجوز عليهم تعليم السحر؟
فجوابه :
أنه ليس في تعليم الملكين للسحر كفر، ولا يأثمان بذلك؛ لأنه كان بإذن الله لهما ، وهما مطيعان فيه ، وإنما الإثم على من تعلمه من الناس ، وقد أخبر سبحانه بأن الملكان كانا ينهيان عن تعلمه أشد النهي ، حيث قال : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ } ( ) .
وقد بينا من قبل ، أن لله سبحانه أن يبتلي عباده بما شاء ، ومن ذلك ابتلائهم بملكين يعلمانهم السحر ، والله تعالى أعلم . ( )

 
{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}
أي : ومثل قوم لم ينالوا مما بعث به رسولهم من خير كمن لا يصيب من السحاب في السماء سوى ظلمته وشدة رعده وبرقه، فلا ينالهم إلا فزع يجعلهم يضعون أصابعهم في آذانهم محاذرة الموت أن تصيبهم الصواعق، دون أن ينزل بعد ذلك مطر تحيا به الأرض وهي في أشد حاجتها للماء، والله يحيط بقدرته الكافرين فلا يفلتون من عقابه في الدنيا ولا في الآخرة.
{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
أي : وحال هؤلاء المنافقين الذين كلما ظهر لهم فتح من الله لنبيه محمد ونصر وغلبة على الكفار مالوا إليه، وكلما أصابه وأصحابه محنة وابتلاء أقاموا على كفرهم، كحال من يصيبه ضوء البرق ولمعانه الشديد الذي يكاد يسلب الأبصار، كلما أضاء لهم مشوا فيه، فإذا ذهب الضوء وأظلم عليهم ولم يبصروا شيئاً، توقفوا عن المشي تائهين حائرين، ولو شاء الله لأعمى أبصارهم، وصم أسماعهم جزاء إعراضهم عن الحق، إن الله قادر على إنزال ما يشاء من أنواع العقاب بهم .
والله تعالى أعلم بمراده
 
{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }
أي : واتبع اليهود ما تُحدِّثُ الشياطين السحرة به على عهد النبي سليمان،و إن السحر كفر بالله لم يقله سليمان ولم يجزه ، ولكن الشياطين هم الذين كفروا بالله حين علموا الناس السحر، وكذلك اتبع اليهود السحر الذي أنزل على الملكين هاروت وماروت ببابل ، وما يعلم هذان الملكان من أحد حتى ينصحانه ويحذًرانه من تعلم السحر ، ويقولان له : إننا امتحان وابتلاء لك فلاتكفر بتعلم السحر وطاعة الشياطين ، لكن بعض الناس يصرون على تعليم الملكين لهم من السحر مايحْدِثُونَ به الكراهية بين الزوجين كي يتفرقا ، وكل ضرر يتمكن هؤلاء من إحداثه بغيرهم من الناس قضاء سابق في علم الله لايخرج عن مشيئته ، ولا يعود تعلم السحر عليهم بفائدة بل يجلب عليهم الضرر والخسران في الدنيا والعذاب في الآخرة ، ولقد علم اليهود أن من استبدل منهم السحر بكتاب الله ليس له نصيب في نعيم الآخرة ، ولبئس ما صنعوا أن باعوا أنفسهم وإيمانهم من أجل تعلم السحر ، لكنهم أناس يجهلون ولايصدقون بالحق .
والله تعالى أعلم بمراده
 
تصحيح

تصحيح

{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ}
أي :
أو مثلهم كمثل قوم لم ينالوا مما بعث به رسولهم من خير، إلا كمن لم يصيبوا من السحاب في السماء سوى ظلمته وشدة رعده وبرقه، فلا ينالهم إلا فزع يجعلهم يضعون أصابعهم في آذانهم محاذرة الموت أن تصيبهم الصواعق، دون أن ينزل بعد ذلك مطر تحيا به الأرض وهي في أشد حاجتها للماء، والله يحيط بقدرته الكافرين فلا يفلتون من عقابه في الدنيا ولا في الآخرة.
{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
أي : وحال هؤلاء المنافقين الذين كلما ظهر لهم فتح من الله لنبيه محمد ونصر وغلبة على الكفار مالوا إليه، وكلما أصابه وأصحابه محنة وابتلاء أقاموا على كفرهم، كحال من يصيبه ضوء البرق ولمعانه الشديد الذي يكاد يسلب الأبصار، كلما أضاء لهم مشوا فيه، فإذا ذهب الضوء وأظلم عليهم ولم يبصروا شيئاً، توقفوا عن المشي تائهين حائرين، ولو شاء الله لأعمى أبصارهم، وصم أسماعهم جزاء إعراضهم عن الحق، إن الله قادر على إنزال ما يشاء من أنواع العقاب بهم .
 
عودة
أعلى