دعوة لحضور اللقاء العلمي الشهري عن الشيخ الطاهر بن عاشور وتفسيره التحرير والتنوير

إنضم
06/09/2005
المشاركات
960
مستوى التفاعل
18
النقاط
18
الإقامة
القصيم، بريدة.
يسر الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه دعوتكم لحضور اللقاء العلمي الشهري الخاص بأعضاء الجمعية مغرب يوم الأحد القادم 28/12/ 1428 هـ في قاعة المقصورة بالرياض، وضيف اللقاء الدكتور محمد بن إبراهيم الحمد ، وسيتحدث عن الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وتفسيره التحرير والتنوير.
 
بارك الله فيكم يا ابا سلمان على هذا التنبيه ، وأدعو الزملاء أعضاء الجمعية في الرياض للحضور .
 
[align=center]بارك الله في جهود الإخوة العاملين في الجمعية ، وأجزل لهم الأجر والمثوبة ...[/align]
 
بحمد الله وتوفيقه عقد هذا اللقاء ، وحضره ما يقارب الستين من أعضاء الجمعية الفضلاء من أهل الاختصاص والعناية بالدراسات القرآنية، وقد أتحفناء الدكتور محمد الحمد وفقه الله بمعلومات مركزة ونفيسة حول سيرة ابن عاشور وكتابه التحرير والتنوير ، وكان في التعقيبات والأسئلة والمداخلات إثارة لكثير من القضايا العلمية المتصلة بابن عاشور وكتابه التفسير . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . وأشكر أخي الكريم الدكتور إبراهيم الحميضي الذي نسق هذا اللقاء مع الشيخ الدكتور محمد الحمد ، كما أكرر شكري للشيخ محمد الحمد على تجشمه عناء الحضور من الزلفي إلى الرياض لمشاركتنا في هذه الليلة الرائعة .
رحم الله العلامة محمد الطاهر بن عاشور وأسكنه فسيح جناته ، وجمعنا به في جنات النعيم .
في 28/12/1428هـ
 
[frame="2 80"]رحم الله العلامة محمد الطاهر بن عاشور وأسكنه فسيح جناته ، وجمعنا به في جنات النعيم [/frame].


آمين، وجزاك الله خيرا أستاذنا على هذا التعليق الموجز، وحبذا لو أتحفتنا كعادتك بأهم النقاط التي تم طرحها في هذا اللقاء المبارك، أو أحد الإخوة ممن حضرها واستوعب من طرح الشيخ الحمد فيها. خاصة وأنها تناولت جهبذا من جهابذة التفسير في العصر الحديث. وبارك الله فيكم ، وأدام فضلكم.
 
حقا لقد كان لقاءً ممتعًا جلَّى فيه الشيخ محمد شيئًا من السيرة العطرة لهذا الإمام الذي يُعدُّ كتابه ( التحرير والتنوير ) مما يفاخر فيه أهل هذا القرن القرون الماضية ، كما يقول الدكتور عبدالمحسن العسكر ـ وهو من أساتذة البلاغة المتخصصين ـ في مداخلته في هذا اللقاء المبارك ، وقوله حقٌ لا مرية فيه ، فكتاب الطاهر في التفسير لا يدانيه كتاب من كتب أهل العصر .
 
الأخ الكريم محمد بن عمر الضرير يمكن أن تجد ماطلبت أو بعضه في كتيب صدر للشيخ محمد الحمد بعنوان مدخل إلى تفسير التحرير والتنوير، كذلك يمكن أن تسـتفيد من موقع الشيخ: دعـوة الإسلام.
 
فكتاب الطاهر في التفسير لا يدانيه كتاب من كتب أهل العصر .


الحمد لله الذي بسط القبول لتفسير إمام بلدنا ووالد شيخ شيخنا رحمهم الله تعالى الشيخ العلامة الطاهر بن عاشور... سيما عند من يعتبرون أن تفسيره العظيم مليء بما يسمونه "الأخطاء العقدية".. وليت شعري كيف يوفق الله تعالى من جهل بذاته وصفاته وخالف فيها "السلف" إلى صياغة مثل هذا التفسير الجليل؟َ أم كيف يكون من يعتبر عند البعض من "المرجئة" في باب الإيمان من المؤسسين لثورة عملية إصلاحية في مجال التعليم الديني؟
هل هذه مفرقة غريبة من مفارقات العصر؟ أم هو خطأ في إطلاق بعض الأحكام من بعض الجهات؟
في كل من الحالتين.. هو أمر يدعو للحيرة...
 
[frame="2 80"]إبراهيم الحميضي;الأخ الكريم محمد بن عمر الضرير يمكن أن تجد ماطلبت أو بعضه في كتيب صدر للشيخ محمد الحمد بعنوان مدخل إلى تفسير التحرير والتنوير، كذلك يمكن أن تسـتفيد من موقع الشيخ: دعـوة الإسلام.[/frame]

جزاك الله خيرا دكتور/ إبراهيم وأحسن إليك.
 
هذا نص المحاضرة كاملة محررة ، وفيها ما لم يسعف الوقت بطرحه ، وفيها إضافات أضافها المحاضر بعد تعقيبات ومداخلات الزملاء في اللقاء ، وقد نسقها مكتب فضيلته وبعث بها لي ، ومعها بعض الخطوط أرجو تركيبها لديكم ليقرأ الملف منسقاً وهي في إحدى وخمسين صفحة .
جزى الله الدكتور محمد الحمد خيراً وبارك فيه ، ونفع بعلمه .
والملف في المرفقات .
 
جزاكم الله خيرا على هذه الفوائد.

مما يلفت الانتباه في سيرة الشيخ ابن عاشور رحمه الله جمعه بين العطاء العلمي والنشاط الأكاديمي والاجتماعي. وقد كانت هذه أيضا حال عبد الحميد بن باديس في الجزائر، وعلال الفاسي في المغرب، وهم من تحضرني أسماؤهم من علمائنا.

وقد تذكرت وأنا أقرأ ما جاء في هذه المقالة، كلاما للدكتور مساعد الطيار حول التفرغ لمن هم في تخصص علوم القرآن. حيث وجه نداء لأساتذته وزملائه في تخصص الدراسات القرآنية، (نقلا عن هذا الرابط):
(إن الله قد من علينا جميعا بأن اختارنا لهذا التخصص الشريف الذي هو مطلب كل عالم، فحري بي وبكم أن نحيي علوم هذا التخصص، وأن نتفرغ له، وألا تشغلنا الأمور الدعوية والاجتماعية وغيرها مما يمكن أن يقوم به غيرنا، وأن نجدد في هذا العلم ما نستطيع. فكم آسى على زميل لي ينشغل بلجنة إغاثة يمكن لغيره أن يقوم بها، ويترك ما من الله عليه بالتخصص في القرآن وعلومه، فلا يقوم بتعليم الناس والتأليف لهم في هذا المجال).

وفي تقديري: أن التخصص العلمي والعطاء الفكري لا يستوجبان التفرغ، بل يمكن التحلي بهما مع القيام بمهام أخرى طالما توفرت في الشخص القدرات والمهارات الللازمة في إدارة الوقت وتحديد الأولويات وتركيز الجهود.
 
لقاء محوره وحديث بابه العلامة الطاهر بن عاشور المفسر اللغوي النحوي الأثري الفقيه المجاهد هو اللقاء بل هو معقد الفائدة ، ومنبع الإثراء العلمي ، ولكن أرجو الإجابة على هذا السؤال:

ماذا قيل عن عقيدة العلامة ، وعن موقفه من وجود المجاز في القرآن الكريم ؟
نريد الإفادة أفادكم الله معشر الحضور الكريم والله الموفق.
 
[frame="2 80"]
هذا نص المحاضرة كاملة محررة ، وفيها ما لم يسعف الوقت بطرحه ، وفيها إضافات أضافها المحاضر بعد تعقيبات ومداخلات الزملاء في اللقاء ، وقد نسقها مكتب فضيلته وبعث بها لي ، ومعها بعض الخطوط أرجو تركيبها لديكم ليقرأ الملف منسقاً وهي في إحدى وخمسين صفحة .
جزى الله الدكتور محمد الحمد خيراً وبارك فيه ، ونفع بعلمه .
والملف في المرفقات .
[/frame]

حفظك الله أبا عبد الله ورعاك، ولا نملك لك إلا القول جزاك الله خيرا، ثم قول الشاعر:

[align=center]حقا إذا صيغ الكلام جميعه شعرا *** لقصَّرَ عن مدى ما تفعلُ[/align]
 
[frame="2 80"]
ماذا قيل عن عقيدة العلامة ، وعن موقفه من وجود المجاز في القرآن الكريم ؟
نريد الإفادة أفادكم الله معشر الحضور الكريم والله الموفق.
[/frame]

نعم نطرح نفس سؤال الدكتور/ خضر - حفظه الله- فهل من مبادر بالفائدة، مأجورا مشكورا.
 
ليس من عادتي أن أعقب على مثل هذه الأسئلة، وقد ترددت كثيرا قبل كتابة ما سأكتبه خشية أن يؤدي إلى عكس ما أرجو فهمه.
غير أنني أتساءل متكلا على الله: ما المقصد من وراء هذا السؤال:
أهو التحذير من كتب الشيخ؟
أم هو الانتقاص من شأنه؟
أم هو الرغبة في معرفة أخطاء الرجل؟
ما الفائدة من تعيير رجل ما بأخطائه عوض الاكتفاء بنقد الأفكار الخاطئة في كتبه؟
أليس من الظلم اختزال كتب الرجل والمسائل العلمية الغزيرة والفوائد الدقيقة التي قد تعد بالمئات وربما بالآلاف، في حكم عام نستنبطه من جواب سؤال عام كهذا السؤال؟
ماذا لو لم نعرف حقيقة معتقده من خلال كتبه، بمعنى أنه يعتقد أمورا لم يذكرها في كتبه، أو اعتقدها ثم تخلى عنها ولم يسعفه الوقت للحديث عنها في آخر حياته، أو اعتقدها وأخطأ في التعبير عنها، إلخ؟ ألا يكون الإلحاح على معرفة معتقده في تلك الحالة مضيعة للوقت، أو مؤديا إلى الخطإ، وربما يستبطن ظلما فادحا للرجل؟
وفي المقابل: ماذا يفيد لو حكمنا على معتقد الرجل بالسلامة ثم اكتشفنا أخطاء منهجية لا تغتفر؟ لم نطلب الرحمة لهذا ولا نكتفي بطلب الرحمة لذاك؟

وهب أننا اكتشفنا أن الرجل أشعري (وهو أمر أجزم بصعوبة العثور على أدلته)، هل سيجعلنا نتخلى عن كتابات الرجل وتفسيره بحجة "التطهر" العقائدي؟

العلماء أو الكتاب المعروفون بغزارة إنتاجهم عادة ما يتطلب الحكم عليهم الدقة والتفصيل كي لا نظلمهم. فكاتب أسهمت كتاباته في عدة علوم دقيقة لا يمكن اختزال علم بحكم تعميمي، إلا إذا قد قصدنا الانتقاص من إنتاجه الفكري.

لذلك: أليس من الأفضل الاكتفاء بتوجيه التساؤلات إلى الأقوال المطروحة في كتبه وتناولها بالنقد العلمي الصارم، وترك الخوض في معتقد الرجل، وإيكال تلك المهمة لله عز وجل الذي تكفل بحساب الناس بميزان عدل توزن به الأمور بمثقال الذرة، ولا يظلم ربك أحدا؟
 
فاتني أن أذكر السبب الذي جعلني أقول عن مدى أشعريته (وهو أمر أجزم بصعوبة العثور على أدلته)، وهو أن هذا الرجل، بحكم تكوينه العلمي المتنوع، متحرر فكريا من التجاذبات العقائدي الحدّية، وكتاباته تدل على استقلاله بالفهم والتفكير، وعدم خوضه في هذا التجاذب من منطلق التزام مطلق بمدرسة عقائدية دون أخرى. ولو كان تمذهبه واضحا من خلال كتبه، لما عدمنا باحثين نقلوا ذلك خلال الأربعين سنة الماضية.

أما والحال على هذه الصعوبة، أفلا يصبح إعمال البحث بمنظار "ميكروسكوبي" للعثور على عبارة هنا أو هناك عملا يخرج عن إطار البحث العلمي ومقاصده؟
 
الحقيقة أن الموضوع شغلني ، وأنا أذكر من خلال قراءتي أن مصادر العلامة الطاهر في الاعتقاد أشعرية ، ولا أذكر له اعتمادًا على كتب الاعتقاد التي تنحو إلى الاستدلال بالكتاب والسنة ككتاب التوحيد للبخاري وكتابه المفرد في خلق أفعال العباد وغيرها من كتب العقائد ، ولا رأيته استفاد من كتب المتأخرين من المتبعين للسلف الذين بينوا عقائدهم وأوضحوا ما كانوا عليه من الإثبات واعتماد ما جاء في الكتاب والسنة لا ما جاء عن علماء الكلام الذين ذمهم الشافعي ، ونظَّار المذهب الأشعري المتأخرون دخلوا في علم الكلام لكثرة ردهم على المعتزلة .
والعلامة الطاهر علم لا يشق له غبار لكنه ليس معصومًا ، وليس بيان ما وقع فيه من الخطأ مشكلاً ، لكن لا يكون خطؤه سببا في عدم الاعتداد به والاستفادة منه ، فهذا الأسلوب لا يكون إلا من غلب عليه جهله في هذا السبيل .
وهو قد سار على طريقة الأشاعرة في العموم الأغلب من الاعتقاد ، وإن كان محررا متحررا لا يلتزم هذا المذهب وهو يرى فيه الخطأ ، بل حاشاه وحاشا عقلاء المسلمين من أفذاذ علمائهم أن يكونوا كذلك ، فالأذكياء المعروفون : الباقلاني والجويني والرازي والشهرستاني وغيرهم ، كل هؤلاء كانوا يرون التنزيه ويغلبون جانبه حتى خالفوا بعض ظواهر النصوص ، وهؤلاء ـ إن ظهر لأحدنا خطؤهم في مسألة عقدية ـ يجب حفظ حقوقهم ، والاعتراف بفضلهم ، والاستفادة من تراثهم ، وترك ما يظهر لنا من خطئهم شأننا في بحث ذلك كشأننا في أي مسألة علمية من مسائل الفقه وغيرها .
ولا يضيق أحدنا بالاختلاف ، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم لم تُعصم منه ، لكن أين أدب الإسلام في التعامل بين المسلمين ؟!
وقد جمعت لكم بعض النصوص لعلها تفيد في تبين شيء من المسألة التي نظرتم إليها ، مع أنني ألاحظ أن الحديث عن العلامة الطاهر قد انحنى إلى مسار الاختلاف بدل مسار الاتفاق ، وهو أن تفسيره تفسير عظيم ، وقد شهد له بذلك المتخصصون ، فلماذا لا نعود إلى تبيين مزايا هذا الكتاب بدل النظر في المثالب يا أولي الالباب .
1 ـ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)

وفيه أيضاً تمثيلية تبعية ، وهذا ينظر إلى قوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً } [ الأنعام : 125 ] .
فحصل في الآية أربع استعارات وثلاثة محسنات من البديع وأسلوب بياني ، وحجة قائمة ، وهذا إعجاز بديع .
ووُصف الضلال بالمبين دون وصف الهدى بالمبين لأن حقيقة الهدى مقول عليها بالتواطؤ وهو معنى قول أصحابنا الأشاعرة : الإِيمان لا يزيد ولا ينقص في ذاته وإنما زيادته بكثرة الطاعات ، وأما الكفر فيكون بإنكار بعض المعتقدات وبإنكار جميعها وكل ذلك يصدق عليه الكفر . ولذلك قيل كفرٌ دون كفر ، فوصف كفرهم بأنه أشدّ الكفر ، فإن المبين هو الواضح في جنسه البالغ غاية حده .
2 ـ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)
فأمّا جمهورُ أهل السنّة ، الذين تترجم عن أقوالهم طريقة الأشعري ، فعمّموا وقالوا : لا يثبت شيء من الواجبات ، ولا مؤاخذة على ترك أو فعل إلاّ ببعثة الرسل حتّى معرفة الله تعالى ، واستدلّوا بهذه الآية وغيرها : مثل { وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً } [ الإسراء : 15 ] وبالإجماع . وفي دعوى الإجماع نظر ، وفي الاستدلال به على أصل من أصول الدين نظر آخر ، وفي الاستدلال بالآيات ، وهي ظواهر ، على أصل من أصول الدين نظر ثالث ، إلاّ أن يقال : إنَّها تكاثرت كثرة أبلغتها إلى مرتبة القطع ، وهذا أيضاً مجال للنظر ، وهم ملجَئُون إلى تأويل هذه الآية ، لأنّهم قائلون بمؤاخذة أهل الفترة على إشراكهم بالله . والجواب أن يقال : إنّ الرسل في الآية كلٌّ إفْرادِي ، صادق بالرسول الواحد ، وهو يختلف باختلاف الدعوة . فأمّا الدعوة إلى جملة الإيمان والتوحيد فَقد تقرّرت بالرسل الأوّلين ، الّذين تقرّر من دعواتهم عند البشر وجوبُ الإيمان والتوحيد ، وأمّا الدعوة إلى تفصيل الآيات والصفات وإلى فروع الشرائع ، فهي تتقرّر بمجيء الرسل الذين يختصّون بأمم معروفة .
وأمّا المعتزلة فقد أثبتوا الحسن والقبح الذاتيين في حالة عدم إرسال رسول؛ فقالوا : إنّ العقل يثبت به وجوب كثير من الأحكام ، وحرمة كثير ، لا سيما معرفة الله تعالى ، لأنّ المعرفة دافعة للضرّ المظنون ، وهو الضرّ الأخروي ، من لحاق العذاب في الآخرة ، حيث أخبر عنه جمع كثير ، وخوف ما يترتَّب على اختلاف الفِرق في معرفة الصانع قبل المعرفة الصحيحة من المحاربات ، وهو ضرّ دنيويّ ، وكلّ ما يدفع الضرّ المظنونَ أو المشكوك واجب عقلاً ، كمن أراد سلوك طريق فأخبر بأنّ فيه سَبُعاً ، فإنّ العقل يقتضي أن يتوقّف ويبحث حتّى يعلم أيسلك ذلك الطريق أم لا ، وكذلك وجوب النظر في معجزة الرسل وسائر ما يؤدّي إلى ثبوت الشرائع .
3 ـ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
وأمّا جمهور المسلمين وهم أهل السنّة من الصّحابة فمن بعدهم فهي عندهم قضيّة مُجملة ، لأنّ ترك الحكم بما أنزل الله يقع على أحوال كثيرة؛ فبيان إجماله بالأدلّة الكثيرة القاضية بعدم التكفير بالذنوب
4 ـ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)
وقد ذكر صاحب»المقاصد» أنّ إرسال الرّسل محتاج إليه ، وهو لطف من الله بخلقه وليس واجباً عليه . وقالت المعتزلة وجمع من المتكلمين ( أي من أهل السنّة ) ممّا وراء النّهر بوجوب إرسال الرّسل عليه تعالى .
5 ـ وفي قوله : { وجعلها كلمة باقيةً في عقبه } إشعار بأن وحدانية الله كانت غير مجهولة للمشركين ، فيتجه أن الدعوة إلى العلم بوجود الله ووحدانيته كانت بالغة لأكثر الأمم بما تناقلوه من أقوال الرّسل السابقين ، ومن تلك الأمم العرب ، فيتجه مؤاخذَةُ المشركين على الإشراك قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم أهملوا النظر فيما هو شائع بينهم أو تغافلوا عنه أو أعرضوا . فيكون أهل الفترة مؤاخذين على نبذ التوحيد في الدّنيا ومعاقَبين عليه في الآخرة وعليه يُحمل ما ورد في صحاح الآثار من تعذيب عَمرو بن لُحيَ الذي سنّ عبادة الأصنام وما روي أن امرأ القيس حامل لواء الشعراء إلى النّار يوم القيامة وغير ذلك . وهذا الذي يناسب أن يكون نظر إليه أهل السنة الذين يقولون : إن معرفة الله واجبة بالشرع لا بالعقل وهو المشهور عن الأشعري ، والذين يقولون منهم : إن المشركين من أهل الفترة مخلَّدون في النّار على الشرك . وأما الذين قالوا بأن معرفة الله واجبة عقلاً وهو قول جميع المَاتريدية وبعض الشافعية فلا إشكال على قولهم .
6 ـ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
فدلالة الآية على أن المؤمنين يرون بأبصارهم رؤية متعلقة بذات الله على الإِجمال دلالة ظنية لاحتِمَالها تأويلات تأوَّلَها المعتزلةُ بأن المقصود رؤية جلاله وبهجة قدسه التي لا تخوِّل رؤيتها لغير أهل السعادة .
ويلحق هذا بمتشابه الصفات وإن كان مقتضاه ليس إثبات صفة ، ولكنه يؤول إلى الصفة ويستلزمها لأنه آيل إلى اقتضاء جهة للذات ، ومقدارٍ يُحَاطُ بجميعه أو ببعضِه ، إذا كانت الرؤية بصرية ، فلا جرم أن يُعد الوعد برؤية أهل الجنة ربَّهم تعالى من قبيل المتشابه .
ولعلماء الإِسلام في ذلك أفهام مختلفة ، فأما صدر الأمة وسلفها فإنهم جَروا على طريقتهم التي تخلقوا بها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من الإِيمان بما ورد من هذا القبيل على إِجماله ، وصرف أنظارهم عن التعمّق في تشخيص حقيقته وإدراجه تحت أحد أقسام الحكم العقلي ، فقد سمعوا هذا ونظائره كلَّها أو بعضَها أو قليلاً منها ، فيما شغلوا أنفسهم به ولا طلبوا تفصيله ، ولكنهم انصرفوا إلى ما هو أحق بالعناية وهو التهمّم بإقامة الشريعة وبثّها وتقرير سلطانها ، مع الجزم بتنزيه الله تعالى عن اللوازم العارضة لظواهر تلك الصفات ، جاعلين إِمامهم المرجوع إليه في كل هذا قولَه تعالى : { ليسَ كمثله شيء } [ الشوى : 11 ] ، أو ما يقارب هذا من دلائل التنزيه الخاصة بالتنزيه عن بعض ما ورد الوصف به مثل قوله : { لا تدركه الأبصار } [ الأنعام : 103 ] بالنسبة إلى مقامنا هذا ، مع اتفاقهم على أنّ عدم العلم بتفصيل ذلك لا يقدح في عقيدة الإِيمان ، فلما نبعَ في علماء الإِسلام تطلّب معرفة حقائق الأشياء وألْجأهُم البحثُ العلمي إلى التعمق في معاني القرآن ودقائق عباراته وخصوصيات بلاغته ، لم يروا طريقة السلف مقنعة لأَفهام أهل العلم من الخَلف لأن طريقتهم في العلم طريقةُ تمحيص وهي اللائقة بعصرهم ، وقارِن ذلك ما حدث في فرق الأمة الإِسلامية من النِحل الاعتقادية ، وإلقاء شبه الملاحدة من المنتمين إلى الإسلام وغيرهم ، وحَدَا بهم ذلك إلى الغوص والتعمق لإِقامة المعارف على أعمدة لا تقبل التزلزل ، ولدفع شبه المتشككين ورد مطاعن الملحدين ، فسلكوا مسالك الجمع بين المتعارضات من أقوال ومعان وإقرارِ كلِّ حقيقة في نصابها ، وذلك بالتأويل الذي يقتضيه المقتضي ويعضده الدليل .
فسلكت جماعات مسالك التأويل الإِجمالي بأن يعتقدوا تلك المتشابهات على إجمالها ويوقنوا التنزيه عن ظواهرها ولكنهم لا يفصِّلون صَرفها عن ظواهرها بل يُجملون التأويل ، وهذه الطائفة تُدعى السلفية لقرب طريقتها من طريقة السلف في المتشابهات ، وهذه الجماعات متفاوتة في مقدار تأصيل أصولها تفاوتاً جعلها فرقاً : فمنهم الحنابلة ، والظاهرية ، الخوارج الأقدمون غير الذين التزموا طريقة المعتزلة .
ومنهم أهل السنة الذين كانوا قبل الأشعري مثل المالكية وأهل الحديث الذين تمسكوا بظواهر ما جاءت به الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم مع التقييد بأنها مؤوَّلة عن ظواهرها بوجه الإِجمال . وقد غلا قوم من الآخذين بالظاهر مثل الكَرامية والمشبهة فألحقوا بالصنف الأول .
ومنهم فِرق النُّظَّارين في التوفيق بين قواعد العلوم العقلية وبين ما جاءت به أقوال الكتاب والسنة وهؤلاء هم المعتزلة ، والأشاعرة ، والماتريدية .
فأقوالهم في رؤية أهل الجنة ربَّهم ناسجة على هذا المنوال :
فالسلف أثبتوها دون بحث ، والمعتزلة نفوها وتأولوا الأدلة بنحو المجاز والاشتراك ، وتقدير محذوف لمعارضتها الأصول القطعية عندهم فرجحوا ما رأوْه قطعياً وألْغَوْها .
والأشاعرة أثبتوها وراموا الاستدلال لها بأدلة تفيد القطع وتبطل قول المعتزلة ولكنهم لم يبلغوا من ذلك المبلغ المطلوب .
وما جاء به كل فريق من حجاج لم يكن سالماً من اتجاه نقوض ومُنُوع ومعارضات ، وكذلك ما أثاره كل فريق على مخالفيه من معارضات لم يكن خالصاً من اتجاه مُنُوع مجردة أو مع المستندات ، فطال الْأخذ والرد . ولم يحصل طائل ولا انتهى إلى حد .
ويحسن أن نفوض كيفيتها إلى علم الله تعالى كغيرها من المتشابه الراجع إلى شؤون الخالق تعالى .
وهذا معنى قول سلفنا : إنها رؤية بلا كيف وهي كلمة حق جامعة ، وإن اشمأزّ منها المعتزلة .
هذا ما يتعلق بدلالة الآية على رؤية أهل الجنة ربهم ، وأمّا ما يتعلق بأصل جواز رؤية الله تعالى فقد مضى القول فيها عند قوله تعالى : { قال لن تراني } في سورة الأعراف ( 143 ) .
7 ـ قل هو الله أحد
وقد اصطلح علماء الكلام من أهل السنة على استخراج الصفات السلبية الربانية من معنى الأحدية لأنه إذا كان منفرداً بالإلهية كان مستغنياً عن المخصِّص بالإِيجاد لأنه لو افتقر إلى من يُوجده لكان من يوجده إلها أوَّلَ منه فلذلك كان وجود الله قديماً غير مسبوق بعدم ولا محتاج إلى مخصص بالوجُود بدَلاً عن العدم ، وكان مستعيناً عن الإمداد بالوجود فكان باقياً ، وكان غنياً عن غيره ، وكان مخالفاً للحوادث وإلا لاحتاج مثلَها إلى المخصص فكان وصفه تعالى : ب { أحد } جامعاً للصفات السلبية . ومثلُ ذلك يُقال في مرادفه وهو وصف وَاحد .
واصطلحوا على أن أحدية الله أحدية واجبة كاملة ، فالله تعالى واحد من جميع الوجوه ، وعلى كل التقادير فليس لكُنْه الله كثرة أصلاً لا كثرة معنوية وهي تعدد المقوّمات من الأجناس والفصول التي تتقوم منها المواهي ، ولا كثرةُ الأجزاء في الخارج التي تتقوم منها الأجسام . فأفاد وصف { أحد } أنه منزه عن الجنس والفصل والمادة والصورة ، والأعراض والأبعاض ، والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما ينافي الوحدة الكاملة كما إشار إليه ابن سينا .
وأسأل الله لنا وللعلامة ابن عاشور الفوز بالجنة .
 

الأخ الفاضل المستكشف أشكرك كثيرا على نقولك المفيدة المدلله على المراد .

أما الأخ الفاضل ابن جماعة فأقول له أشهد الله أني أحترم القيمة العلمية المستنيرة لما تطرح ، ولكن هذه المرة ما أصاب قوسك الرمية ، ومن حقك أن تتردد في جوابك عن معتقد الشيخ ابن عاشور وكذلك موقفه من المجاز في القرآن الكريم؛ لأن جوابك فعلا يستحق التريث والتردد كونك ستدخل عالم النوايا لمن يطرح السؤال ، فشككت بقلمك في السائل حيث صورته بصورة متربص بعالم فاضل لا يشق له غبار .وكل ذلك لم يكن .

فالشيخ نحبه ونحب علمه برمته جملة و تفصيلا، لا نفرق بين عقيدته وبلاغته وشوارد ما كتب وجواهر ما خط يمينه ـ رحمه الله تعالى ـ وقد كنت في مرحلة الماجستير أعد خطة علمية ليكون تفسير ابن عاشور هو موضوع دراستي ، لكنني وجدت بكلية البنات جامعة الأزهر من سبقني بدراسة منهج الشيخ، وفي كلية أ صول الدين بالقاهرة من سجل عن التحرير والتنوير، ومن شغفي بابن عاشور وولده العالم الجليل محمد الفاضل بن عاشور الذي كان عضوا علميا في مجمع البحوث بالأزهر ومات في حياة والده وله " التفسير ورجاله " تمت بيني وبين أسرة ابن عاشور بتونس مراسلات لازالت عندي عن الشيخ ولم تنشر بعد .
ومن هنا أقول لكم لقد أخطأ سمك الرمية عندما افترضت في السائل سوء النية، ولكن بتجرد شديد قد أجد في الشيخ ما لا تجده أنت مثلا ، ومن هنا كان السؤال الذي لا زلت أكرره لذات المعرفة والعلم " ماذا عن معتقد الرجل ، وعن وجود المجاز في كتابه؟
 

الأخ الفاضل المستكشف أشكرك كثيرا على نقولك المفيدة المدلله على المراد .

أما الأخ الفاضل ابن جماعة فأقول له أشهد الله أني أحترم القيمة العلمية المستنيرة لما تطرح ، ولكن هذه المرة ما أصاب قوسك الرمية ، ومن حقك أن تتردد في جوابك عن معتقد الشيخ ابن عاشور وكذلك موقفه من المجاز في القرآن الكريم؛ لأن جوابك فعلا يستحق التريث والتردد كونك ستدخل عالم النوايا لمن يطرح السؤال ، فشككت بقلمك في السائل حيث صورته بصورة متربص بعالم فاضل لا يشق له غبار .وكل ذلك لم يكن .

فالشيخ نحبه ونحب علمه برمته جملة و تفصيلا، لا نفرق بين عقيدته وبلاغته وشوارد ما كتب وجواهر ما خط يمينه ـ رحمه الله تعالى ـ وقد كنت في مرحلة الماجستير أعد خطة علمية ليكون تفسير ابن عاشور هو موضوع دراستي ، لكنني وجدت بكلية البنات جامعة الأزهر من سبقني بدراسة منهج الشيخ، وفي كلية أ صول الدين بالقاهرة من سجل عن التحرير والتنوير، ومن شغفي بابن عاشور وولده العالم الجليل محمد الفاضل بن عاشور الذي كان عضوا علميا في مجمع البحوث بالأزهر ومات في حياة والده وله " التفسير ورجاله " تمت بيني وبين أسرة ابن عاشور بتونس مراسلات لازالت عندي عن الشيخ ولم تنشر بعد .
ومن هنا أقول لكم لقد أخطأ سمك الرمية عندما افترضت في السائل سوء النية، ولكن بتجرد شديد قد أجد في الشيخ ما لا تجده أنت مثلا ، ومن هنا كان السؤال الذي لا زلت أكرره لذات المعرفة والعلم " ماذا عن معتقد الرجل ، وعن وجود المجاز في كتابه؟

أحسن الله إليك يا د. خضر. ووددت لو لم تشبه كلامي بالرمي والسهم ولو بالمجاز. فأنا لا أحبذ هذه التشبيهات خصوصا عند الحديث بين الإخوان. والأخ لا يوجه سهما لأخيه ولو بالمزاح.

وأما بالنسبة للموضوع، فلم أحكم على نية السائل، ويشهد الله أني لا أفعل ذلك في أي حوار من حواراتي (ما استطعت) .وأحترم رأيك مع تحفظي على السؤال عن معتقد الأعيان عموما لعدم تعلقه بالبحث العلمي، واعتقادي الجازم أن البحث العلمي والإطار الشرعي يستوجبان الاكتفاء بنقد المعتقدات والأفكار والمناهج.

مع خالص التحية.
 
ماذا عن معتقد الرجل ، وعن وجود المجاز في كتابه؟ [/size][/color]
د. خضر، الإمام اببن عاشور أشعري العقيدة، ولن أقول مائة بالمائة، لكن سأقول تسعة وتسعون بالمائة، أما الواحد بالمائة المتبقية فهي ما يتسامح فيه الشيخ من استعمال بعض عبارات ابن سينا - الذي كان يقدره - وبعض عبارات المعتزلة كالتولد وغيرها مما تساهل فيه نظرا لكونه لا يميل إلى إثارة الخلافات العقدية بين كبريات الفرق الإسلامية.. لذا تعقب الشيخ ابن تيمية بكل لطف في رفضه لعبارة مذهب السلف أسلم والخلف أعلم..
ولا ننسى أن مشايخ الإمام ابن عاشور أشاعرة كالشيخ العلامة الجهبذ محمد النجار.. وهذا الأخير شيخه الإمام إسماعيل التميمي صاحب الرد على الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي..
وبالجملة.. تونس.. وجامع الزيتونة لم يعرف عقيدة غير عقيدة أهل السنة الأشاعرة.. وهذه حقيقة تاريخية لا يسع إنكارها، ومن هنا تعجبت للأخ محمد بن جماعة في عدم معرفته بعقيدة الشيخ ابن عاشور.. اللهم أن تكون الغربة أنسته ذلك. الله أعلم.
أما عن المجاز في تفسير الشيخ، فلو لا قول الشيخ بالمجاز لما كان التحرير تحريرا ولا التنوير تنويرا...
ولمعلومات الدكتور خضر التي لا أظنها خفيت عليه..أن الشيخ الفاضل بن عاشور كان يدرس في مادة العقيدة شرح العقائد النسفية للإمام التفتازاني، ووما يحكى عنه أنه كان يفعل ذلك من حفظه.. وهو ابن الشيخ وتلميذه.
 
.. ولا ننسى أن مشايخ الإمام ابن عاشور أشاعرة كالشيخ العلامة الجهبذ محمد النجار.. وهذا الأخير شيخه الإمام إسماعيل التميمي صاحب الرد على الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي.. وبالجملة.. تونس.. وجامع الزيتونة لم يعرف عقيدة غير عقيدة أهل السنة الأشاعرة.. وهذه حقيقة تاريخية لا يسع إنكارها، ومن هنا تعجبت للأخ محمد بن جماعة في عدم معرفته بعقيدة الشيخ ابن عاشور.. اللهم أن تكون الغربة أنسته ذلك. الله أعلم..

قرأت للشيخ ابن عاشور كتابه في مقاصد الشريعة، وقدرا لا بأس به من تفسيره، وبعضا من مقالاته وكتبه الأخرى، وعددا من الدراسات حول آرائه واجتهاداته. والانطباع القوي الذي تكوّن لديّ هو تحرر الرجل من التجاذبات المذهبية في الاعتقاد، وعدم التزامه التزاما مطلقا بمدرسة عقائدية. وتتلمذ الرجل على يدي شيخ لا يدل على تطابق معتقداتهما.

أعلم أن رأيي هذا يحتاج لتوضيح ودقة. وقد أرسل إلي أحد الإخوة على البريد الخاص طالبا توضيح ما قلته في تعقيبي على د. خضر. وسأعود بإذن الله لتفصيل رأيي حين أجد متسعا كافيا من الوقت. وبما أنني أشرت إلى هذا الرأي في عدد من مداخلاتي المتناثرة في المنتدى، فلعل من المفيد أن أفرده في موضوع مستقل.
 
لتوضيح رأيي في تصنيف معتقدات الأشخاص، أفردت موضوعا مستقلا أعرض فيه بعض الأفكار تحت عنوان: (تصنيف المعتقدات أم تصنيف الأشخاص؟)، تجدونه في هذا الرابط:
http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=10616
 
شكر الله لكم يا أستاذ ابن جماعة ، ويقيني نبل مقصدك ونظافة هدفك حيث إنك تذب عن العلماء بكل ما أوتيت ، ونحسب أننا من ذلك الرجل، أما الفاضل " أبو عبيدة الهاني " الذي توصل إلى سبق مؤداه " أن الإمام ابن عاشور أشعري العقيدة، ولن يقول مائة بالمائة، لكن يقول تسعة وتسعون بالمائة، ثم تفضل بتحليل الواحد في المئة تحليلا معتبرا ، أما عن المجاز في تفسير الشيخ، فقال: لو لا قول الشيخ بالمجاز لما كان التحرير تحريرا ولا التنوير تنويرا...أ.هـ قوله

قلت: ما مدى مقبوليتكم يا أبا عبيدة لهذه الحقيقة على مستواها العقدي ، واللغوي المجازي؟
مع تحياتي
 
حفظكم الله أيها الفضلاء جميعا.
وننتظر تفصيلك شيخ محمد في الجانب الثاني، ولك رأيك الذي نحترمه وشخصك الذي نجله.
ورعى الله د. خضر فقد شفى وكفى.

وابن عاشور قامة علمية سامقة، تجاوزت حدود المذهبية والنقل، وانطلقت إلى عالم فسيح من الاستنباطات والابتكارات، باثة علومها ومعارفها الجمة في شتى ميادين العلوم أصالة ومعاصرة، وصدق المتنبي في قوله، وكأنه يعينه:

[align=center]كالبحر يقذف للقريب جواهرا جودا **** ويبعث للبعيد سحائبا [/align]

وأحمد للأخ المستكشف قوله:" والعلامة الطاهر علم لا يشق له غبار لكنه ليس معصومًا ، وليس بيان ما وقع فيه من الخطأ مشكلاً ، لكن لا يكون خطؤه سببا في عدم الاعتداد به والاستفادة منه ، فهذا الأسلوب لا يكون إلا من غلب عليه جهله في هذا السبيل .
وهو قد سار على طريقة الأشاعرة في العموم الأغلب من الاعتقاد ، وإن كان محررا متحررا لا يلتزم هذا المذهب وهو يرى فيه الخطأ ، بل حاشاه وحاشا عقلاء المسلمين من أفذاذ علمائهم أن يكونوا كذلك ، فالأذكياء المعروفون : الباقلاني والجويني والرازي والشهرستاني وغيرهم ، كل هؤلاء كانوا يرون التنزيه ويغلبون جانبه حتى خالفوا بعض ظواهر النصوص ، وهؤلاء ـ إن ظهر لأحدنا خطؤهم في مسألة عقدية ـ يجب حفظ حقوقهم ، والاعتراف بفضلهم ، والاستفادة من تراثهم ، وترك ما يظهر لنا من خطئهم شأننا في بحث ذلك كشأننا في أي مسألة علمية".

وقد كان غرضي من السؤال : الاستفادة أولا من إجابات العلماء الفضلاء، ثم التأكيد - وكما تفضل الشيخ بن جماعة- على التوجه نحو المسائل العلمية في كتاب العالم هذا أو ذاك ونقدها بميزان العلمية والموضوعية، وكم تألمت كثيرا عند سماعي من بعض تلامذة العلم سبهم وشتمهم المقذع لعلماء عظماء، حقهم الإكبار والإجلال، لما قدموه من خدمة عظيمة للمسلمين والإسلام، وما ذاك إلا لكون الشيخ الفلاني أو العلاني وقف على رأي لم يسبره حق السبر، ولم يعمل الأدوات الأزمة، لفهم القول، وبنى على ما ظهر له تسرعا، وربما قال كلمة مقبولة ففهمها تلاميذه بصورة خاطئة، وتطاولوا بما لو مزج بما البحر لعكَّره، والعياذ بالله، فمن لنا برجال منصفين علماء مدركين حال الأمة وما وصلت إليه من الفرقة والخلاف حول قشور فكرية، لا تزيدنا من الله إلا بعدا، ومن بعضنا إلا كرها.
حاشا من ثبتت زندقته، وتبين مكره، وفشا شره، بما لا يدع مجالا للشك في زواغ فكره وانحراف عقيدته، فهذا من يشهر ويُعرّف الناس حقيقته، بل ويحارب وكل من على شاكلته.

ونصحي لأخوتي (طلاب العلم) أن يبتعدوا عن باب المهاترات والمجادلات العقيمة، ويتوجهوا للتعمق في العلوم العائدة بالنفع على الأمة، ويكونوا رسل تقريب ودعاة وحدة طالما فقهوا كتاب الله وسنة رسوله حق الفهم، فـ"من يريد الله به خيرا يفقهه في الدين" ، ويجتنبوا الطعن في ظهور علماء الأمة، ويتركوا أمر تقرير ذلك لكبار العلماء فهم أدرى بمن هو مكبا، ومن يمشي سويا على صراط واضح مستقيم لا اعوجاج فيه.

وبحمد الله يتميز ملتقانا المبارك بنخبة علمية أكاديمية، وكوكبة فكرية راقية، قل نظيرها في أي تجمع الكتروني آخر، وهذا مما يحمد للأساتذة القائمين عليه، فجزاهم الله خيرا، وبارك في إعمارهم وأعمارهم.

والله أسال أن يهدينا صراطه المستقيم. وأن يجمع كلمة المسلمين ،وأن يظهر ديننا العظيم، ويطفيء كيد الكافرين ويخزي أعوانهم الخائنين، والحمد لله رب العظيم.
 
عودة
أعلى