دروسي الرمضانية ... آمل ابداء ملاحظاتكم الكريمة

إنضم
24/05/2010
المشاركات
34
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
أقوم بإعداد دروس يومية لشهر رمضان المبارك وهي عبارة عن وقفات مع قصص القرآن الكريم
سأطرحها بين أيديكم أولاً الآن لأنال شرف مراجعتكم وتعليقاتكم وابداء ملحوظاتكم قبل طرحها في الشهر الكريم
أجزل الله لكم الأجر، ونفع بكم الخلق،
بسم الله الرحمن الرحيم


القصة الأولى:
قصة أصحاب الكهف:
هذه القصة ذكرت مرة واحدة في القرآن الكريم، وهذا يعني أن أحداثها مجموعة، وتفاصيلها ملمومة، ولا يحتاج البحث عن بقية القصة، أو ما غاب منها في موضع آخر.
وستقسم القصة على خمسة دروس.
الدرس الأول:
قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)}
المعنى الإجمالي:
يقول السعدي رحمه الله: "وهذا الاستفهام بمعنى النفي، والنهي. أي: لا تظن أن قصة أصحاب الكهف، وما جرى لهم، غريبة على آيات الله، وبديعة في حكمته، وأنه لا نظير لها، ولا مجانس لها، بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة ما هو كثير، من جنس آياته في أصحاب الكهف وأعظم منها، فلم يزل الله يري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، ما يتبين به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وليس المراد بهذا النفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب، بل هي من آيات الله العجيبة، وإنما المراد، أن جنسها كثير جدا، فالوقوف معها وحدها، في مقام العجب والاستغراب، نقص في العلم والعقل، بل وظيفة المؤمن التفكر بجميع آيات الله، التي دعا الله العباد إلى التفكير فيها، فإنها مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان. وأضافهم إلى الكهف، الذي هو الغار في الجبل، الرقيم، أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم، لملازمتهم له دهرا طويلاً.
ثم ذكر قصتهم مجملة، وفصلها بعد ذلك فقال: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ} أي: الشباب، {إِلَى الْكَهْفِ} يريدون بذلك التحصن والتحرز من فتنة قومهم لهم، {فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً} أي تثبتنا بها وتحفظنا من الشر، وتوفقنا للخير {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} أي: يسر لنا كل سبب موصل إلى الرشد، وأصلح لنا أمر ديننا ودنيانا، فجمعوا بين السعي والفرار من الفتنة، إلى محل يمكن الاستخفاء فيه، وبين تضرعهم وسؤالهم لله تيسير أمورهم، وعدم اتكالهم على أنفسهم وعلى الخلق، فلذلك استجاب الله دعاءهم، وقيض لهم ما لم يكن في حسابهم، قال: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} أي أنمناهم {سِنِينَ عَدَدًا} وهي ثلاث مائة سنة وتسع سنين، وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف، وحفظ لهم من قومهم وليكون آية بينة.
{ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ} أي: من نومهم {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} أي: لنعلم أيهم أحصى لمقدار مدتهم، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ} الآية، وفي العلم بمقدار لبثهم، ضبط للحساب، ومعرفة لكمال قدرة الله تعالى وحكمته ورحمته، فلو استمروا على نومهم، لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم".
يقول الشوكاني رحمه الله: "الْمُرَادَ بِهِ ظُهُورُ مَعْلُومِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْحِزْبَيْنِ الْفَرِيقَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِم... وَكَأَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَهُمْ تَنَازُعٌ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْكَهْفِ، فَبَعَثَهُمُ اللَّهُ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَيَظْهَرَ مَنْ ضَبَطَ الحساب ممن لم يضبطه".
الفوائد والعبر والدروس التربوية:
- ينبغي للمسلم أن يقف مع آيات الله الكونية بتأمل وتفكر واتعاظ ففيها العجب العجاب، والأسرار والمواعظ العظام، الداعية إلى تعظيمه عز وجل، والذل بين يديه، وهي كما قال السعدي رحمه الله: "مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان".
- على المسلم اعتقاد قدرة الله عز وجل البالغة، وأنه يقول للشيء كن فيكون، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذا استقر ذلك في قلبه علم قدرة الله على تحقيق مطالبه، واستجابة دعواته، وتيسير أموره، وقد ورد في القرآن من القصص ما يؤكد ذلك، ويثبته في القلوب الشيء الكثير، فابحث عن مثل ذلك.
- أهمية الحرص على الشباب والعناية بهم فإنهم أكثر استجابة للحق، واتباعا له، وثباتاً عليه، وفي المقابل أنهم أكثر الناس تأثراً وانجرافاً، قال الله عز وجل عمن آمن مع موسى عليه السلام:{فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} قال الشيخ السعدي رحمه الله: "أي: شباب من بني إسرائيل".
قال ابن كثير رحمه الله: "فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِتْيَةٌ -وَهُمُ الشَّبَابُ-وَهُمْ أَقْبَلُ لِلْحَقِّ، وَأَهْدَى لِلسَّبِيلِ مِنَ الشُّيُوخِ، الَّذِينَ قَدْ عَتَوْا وعَسَوا فِي دِينِ الْبَاطِلِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا. وَأَمَّا الْمَشَايِخُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَعَامَّتُهُمْ بَقُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ. وَهَكَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِتْيَةً شَبَابًا".
فلا تستغرب أو تحتقر أو تزدري أن ترى من يؤم الناس في الصلوات شباب، أو يعلو المنابر شباب، أو يرفع لواء الصلاح والخير في الأمة شباب، فإن أصحاب الكهف كانوا شبابا، ونصف العشرة المبشرين بالجنة شباب وهم: علي بن أبي طالب و الزبير بن العوام اسلم وعمره 12 أو 8 سنين
وسيعد بن زيد وسعد بن أبي وقاص أسلم وعمره 17 سنة، فليت شبابنا يعون دورهم في الحياة، ووظيفتهم في الأمة، نسأل الله الهداية للجميع.
- أهمية الفرار من الفتن عند وقوعها، والتحصن منها بما يحول بين العبد وبينها، وإغلاق طرقها وسبلها، حتى لا يفقد الإنسان دينه، ويسلب إيمانه، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ».
قال ابن عثيمين رحمه الله: (شرح رياض الصالحين 3/510): "واعلم أن الأفضل هو المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم،هذا أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، ولكن أحياناً تحدث أمور تكون العزلة فيها خيراً من الاختلاط بالناس؛ من ذلك إذا خاف الإنسان على نفسه فتنة، مثل أن يكون في بلد يطالب فيها بأن ينحرف عن دينه، أو يدعو إلى بدعة، أو يرى الفسوق الكثير فيها، أو يخشى على نفسه من الفواحش، وما أشبه ذلك، فهنا العزلة خير له ... فهذا هو التقسيم؛ العزلة خير إن كان في الاختلاط شر وفتنة في الدين، وإلا فالأصل أن الاختلاط هو الخير، يختلط الإنسان مع الناس فيأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، يدعو إلى حق، يبين السنة للناس، فهذا خير. لكن إذا عجز عن الصبر وكثرت الفتن؛ فالعزلة خير ولو أن يعبد الله على رأس جبل أو في قعر وادٍ".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ""المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم". رواه أحمد وغيره وصححه الألباني وغيره.
- أهمية الدعاء وسؤال الله والاعتماد عليه تعالى بعد الأخذ بالأسباب، خاصة في الأزمات، ففي قصة النفر الثلاثة كانت وسيلة النجاة دعاء الله بصالح الأعمال، ولا يترك الدعاء إلا قانط أو معجب مستغن عياذاً بالله، فما أحوجنا للدعاء، واللجوء إلى الله، وسؤاله بصدق.
- لا تحدد الفرج الذي تريده لمضايقك، ولا النتيجة التي تريدها لحل مشاكلك، ولكن سلم الأمر لله، وانتظر فرجاً قد لا يخطر ببالك، وحلاً قد لا يجول بخيالك، فأنت تسأل من يعلم وأنت لا تعلم، ويقدر وأنت لا تقدر، وانظر دعاء نبي الله يونس عليه السلام وهو في الظلمات الثلاث : {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} عن سَعْد بن أبي وقاص، قَالَ: مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي الْمَسْجِدِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَمَلأ عَيْنَيْهِ مِنِّي ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلامَ، فَأَتَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ حَدَثَ فِي الْإِسْلامِ شَيْءٌ؟ مَرَّتَيْنِ قَالَ: لَا. وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا. إِلا أَنِّي مَرَرْتُ بِعُثْمَانَ آنِفًا فِي الْمَسْجِدِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَمَلأ عَيْنَيْهِ مِنِّي، ثُمَّ لَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلامَ. قَالَ: فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى عُثْمَانَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ لَا تَكُونَ رَدَدْتَ عَلَى أَخِيكَ السَّلامَ؟ قَالَ عُثْمَانُ: مَا فَعَلْتُ قَالَ سَعْدٌ: قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: حَتَّى حَلَفَ وَحَلَفْتُ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ ذَكَرَ، فَقَالَ: بَلَى، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ إِنَّكَ مَرَرْتَ بِي آنِفًا، وَأَنَا أُحَدِّثُ نَفْسِي بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَا وَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلا تَغَشَّى بَصَرِي وَقَلْبِي غِشَاوَةٌ، قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: فَأَنَا أُنْبِئُكَ بِهَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ، ثُمَّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَشَغَلَهُ حَتَّى قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّبَعْتُهُ فَلَمَّا أَشْفَقْتُ أَنْ يَسْبِقَنِي إِلَى مَنْزِلِهِ، ضَرَبْتُ بِقَدَمِي الْأَرْضَ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [ص:66]: فَقَالَ: «مَنْ هَذَا أَبُو إِسْحَاقَ؟» قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَمَهْ» . قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، إِلا أَنَّكَ ذَكَرْتَ لَنَا أَوَّلَ دَعْوَةٍ ثُمَّ جَاءَ هَذَا الْأَعْرَابِيُّ فَشَغَلَكَ، قَالَ: " نَعَمْ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ هُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: {لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا اسْتَجَابَ لَهُ " رواه أحمد وغيره وصححه الشيخ الألباني.
وانظر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند الكرب، ففي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش العظيم لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم.
وقد نقل ابن حجر عن الطَّبَرِيّ قوله: معنى قَول ابن عَبَّاسٍ: "يَدْعُو" وَإِنَّمَا هُوَ تَهْلِيلٌ وَتَعْظِيمٌ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيمُ ذَلِكَ قُبَيْلَ الدُّعَاءِ كما ورد في بعض الروايات: "ثم يدعو".
ثَانِيهمَا: مَا أجَاب بِهِ ابن عُيَيْنَةَ عندما سئل عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَكْثَرُ مَا كَانَ يَدْعُو بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ سُفْيَانُ هُوَ ذِكْرٌ وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ وَلَكِنْ قَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ قَالَ وَقَالَ أُمَيَّةُ بن أَبِي الصَّلْتِ فِي مَدْحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ:
أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي *** حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ
إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا *** كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِكَ الثَّنَاءُ
قَالَ سُفْيَانُ فَهَذَا مَخْلُوقٌ حِينَ نُسِبَ إِلَى الْكَرَمِ اكْتَفَى بِالثَّنَاءِ عَنِ السُّؤَالِ فَكَيْفَ بِالْخَالِقِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِي لَفْظٍ لِلْحَاكِمِ فَقَالَ رَجُلٌ أَكَانَتْ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤمنِينَ}".
- الإيمان بالبعث من الأمور المهمة، التي ينبغي للمسلم الحرص على تثبيتها في الفؤاد، وبثها في الجوارح، والعمل لذلك اليوم الذي لا بد أن يقع، فكم ضرب الله من الأمثال، والآيات، على حقيقة البعث، وضرورة حصوله، ومن آمن به ساقه ذلك للعمل، والاستعداد له.
- يقول الشيخ أبو اسحاق الحويني حفظه الله: "النوم في الخوف دليل الأمن" ثم ذكر بعض الأمثلة على ذلك ففي أحد قال الله : {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} يقول السعدي رحمه الله: "فيذهب ما في قلوبكم من الخوف والوجل"، وفي قصة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك "فَأَقَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ".
- كمال علم الله عز وجل، وأنه يعلم ما كان ومايكون وماهو كائن وما لم يكن لو كان كيف يكون، وأن قوله تعالى : {لنعلم أي الحزبين} المقصود منه علم المشاهدة والظهور للعباد، والله أعلم.
 
شكر الله لك أخي الكريم ونفع بك وبهذه الدروس الماتعة النافعة.
المنهجية ولله الحمد جيدة.
إلا أنه يلاحظ قلة المراجع المعتمدة فلو تم توسيع قاعدة المراجع المتعلقة بالتفسير وبمن أفرد القصص بالتأليف مثل: فضل عباس رحمه الله وسليمان الأشقر وأبو سالم صلاح وعبد الكريم زيدان...لزاد الموضوع جدة وشمولا ...
فجزاك الله خيرا أخي على هذا الهم القبلي الذي يدل على التشمير وتعظيم قدر رمضان في القلوب
 
الدرس الثاني

الدرس الثاني

الدرس الثاني:
بعد إيجاز القصة يأتي تفصيلها فيقول عز وجل:
{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
المعنى الإجمالي:
يقول السعدي رحمه الله: "هذا شروع في تفصيل قصتهم، وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق، الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه، {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} وهذا من جموع القلة، يدل ذلك على أنهم دون العشرة، {آمَنُوا} بالله وحده لا شريك له من دون قومهم، فشكر الله لهم إيمانهم، فزادهم هدى، أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح، كما قال تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى}.
{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أي صبرناهم وثبتناهم، وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة، وهذا من لطفه تعالى بهم وبره، أن وفقهم للإيمان والهدى، والصبر والثبات، والطمأنينة.
{إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أي: الذي خلقنا ورزقنا، ودبرنا وربانا، هو خالق السماوات والأرض، المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة، لا تلك الأوثان والأصنام، التي لا تخلق ولا ترزق، ولا تملك نفعا ولا ضرا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية، ولهذا قالوا: {لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} أي: من سائر المخلوقات {لَقَدْ قُلْنَا إِذًا} أي: إن دعونا معه آلهة، بعد ما علمنا أنه الرب الإله الذي لا تجوز ولا تنبغي العبادة، إلا له {شَطَطًا} أي: ميلا عظيما عن الحق، وطريقا بعيدة عن الصواب، فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والتزام ذلك، وبيان أنه الحق وما سواه باطل، وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم، وزيادة الهدى من الله لهم.
لما ذكروا ما من الله به عليهم من الإيمان والهدى، التفتوا إلى ما كان عليه قومهم، من اتخاذ الآلهة من دون الله، فمقتوهم، وبينوا أنهم ليسوا على يقين من أمرهم، بل في غاية الجهل والضلال فقالوا: {لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} أي: بحجة وبرهان، على ما هم عليه من الباطل، ولا يستطيعون سبيلا إلى ذلك، وإنما ذلك افتراء منهم على الله وكذب عليه، وهذا أعظم الظلم، ولهذا قال: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}".
الفوائد والعبر والدروس التربوية:
- العبرة دائماً بمن كان على الحق لا بالعدد، فقد يكون من على الحق قليل قال الله عز وجل عن نوح عليه السلام : {وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}، وقال تعالى : {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}، وقال تبارك وتعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}، فلا تغتر بالكثرة فليست دليل سلامة السبيل، ولا عنوان صحة المسلك، وقد بدأ هذا الدين بقلة، وسيعود على قلة، ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» وعند أحمد وصححه الألباني "... أناس صالحون في أناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم" رواه الإمام أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع. يقول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "الجماعة ما وافق الحق؛ ولو كنت وحدك".
- أصحاب الإيمان والتوحيد هم أصحاب الفلاح في الدارين، والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب، قال عز وجل : {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون}، فبالتوحيد تكون السلامة في الدارين، والأمن والأمان، وهو حق الله على العباد ففي حديث معاذ رضي الله عنه في الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟»، قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لاَ تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا»).
- الإيمان يزيد وينقص، كما هو المتفق عليه عند سلف الأمة، فيزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فاحرص على زيادة الإيمان بكثرة الطاعات، واجتناب المعاصي والسيئات، وسل الله أن يجدد الإيمان في قلبك، قال صلى الله عليه وسلم : «إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى: أن يجدد الإيمان في قلوبكم» رواه الطبراني والحاكم وصححه الألباني، قال المناوي (التيسير بشرح الجامع الصغير 1/280): "(أَن الْإِيمَان ليخلق) أَي يكَاد أَن يبْلى (فِي جَوف أحدكُم) أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ (كَمَا يخلق الثَّوْب) وصف بِهِ على طَرِيق الِاسْتِعَارَة (فاسألوا الله تَعَالَى أَن يجدّد الْإِيمَان فِي قُلُوبكُمْ) حَتَّى لَا يكون لقلوبكم وَله لغيره وَلَا رَغْبَة فِي سواهُ وَفِيه أَن الْإِيمَان يزِيد وَينْقص".
- ثبات القلوب وطمأنينيتها في الأزمات توفيق من الله، وميزة يتخص بها من يشاء، خاصة حال الفتن والقلاقل، فإنها تؤثر في القلوب، وتبعث الهموم والغموم، وتجعل المرء يفعل ما لا يفكر فيه، ولا يتثبت منه، ولذا كان مما أمتن الله به على أهل أحد أن ربط على قلوبهم قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}.
- المؤمن يزداد إيماناً بربه كلما شاهد آياته، وتأمل في مخلوقاته، وتذكر نعمه وآلائه، فيزاد بذلك توحيد الربوبية لديه، مما يسدعي توحيد الألوهية عنده، فيتوجه إلى ربه تبارك وتعالى، بقلبه وقالبه، دعاء وخضوعاً وذلاً وانكساراً، متيقناً أن اللجوء إلى غيره، أو صرف شيء من العبادة إلى سواه ظلال وسفول، ونقص في العقول.
- ينبغي للمسلم أن يعلم أن الحق في توحيد الله وعبادته، وأن ما سوى ذلك باطل ولو بهرج وزين بأنواع البهارج والتزيينات، فلا تغره المظاهر وهو يعلم أن الخفايا باطلة.
- ينبغي للمسلم أن يستشعر ما هو عليه من الحق، وما وفقه الله إليه من اتباع الهدى، ثم ينظر في ظلال غيره وغيه، وسوء مسلكه وطريقه، فيمقت ما هو عليه، ويحتقر ما أعتقده من الباطل الذي لا سلطان عليه ولا برهان، ويعلم أن الحق واضح بين، والباطل خفي هين، لا دليل عليه، ولا حجة له، ولقد سمى الله الحق نوراً، والباطل ظلمات في كثير من المواطن في كتابه تعالى.
- قد يلتبس الحق بالباطل إذا كثرت بهرجته، وازداد تزيين الشيطان وأوليائه له، لكن المؤمن يسير بنور من ربه، وفرقان من مولاه، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} قال السعدي رحمه الله: "الفرقان: وهو العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة".
 
شكرا الله لك لي عودة لأني لم اتم القراءة
 
السلام عليكم اخي الكريم
بارك الله جهدك ووفقك واتم عليك نعمه في الدنيا والآخرة واصلح لك ذريتك واهلك واقر عينك بالفردوس الأعلى
اقبل حفظك الله ورعاك رأي اخيك طالما انك تأمل في آرائنا ، ان كل ما تفضلت به نقل لماقال السعدي فأين تدبرك للآيات ؟ اذا اقتصر جهدك حفظك الله على نقول الآخرين والتعليق عليها فلم تتدبر كتاب الله بل علقت على تدبر الآخرين لها ، فلا حاجة لنا باعادة قراءة رأي الآخرين في الآيات ولكننا نأمل ان نعرف رأيك انت فيها. ودعائي لكم بمزيد من التوفيق القبول وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
 
أشكر مروركم الكريم
وملحوظاتكم القيمة
وهي درر قيمة نفع الله بكم
 
عودة
أعلى