درس في الرحمة

إنضم
24/12/2011
المشاركات
56
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
هولندا
بسم الله الرحمن الرحيم .
إشارة : ما يأتي تدبر أرجو أن أكون موفقا فيه. أسألكم النصح والدعاء.

لما أخبر الله سبحانه نبيه موسى عليه السلام أن قومه اتخذوا العجل من بعده رجع إلى قومه غضبان أسفا وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه من شدة الغضب ثم قال :

" قَالَ رَبِّ اغْفِرْلِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"(الاعراف - 151)
فوقفت عند هذه الآية طويلا وراجعت فيها أزيد من 50 تفسير كلهم أو جلهم يقول أن موسى استغفر لما وقع منه من الغضب ولأخيه إن كان منه تقصير في الإنكار على عبدة العجل ودفعاً للشماتة عنه. ولكنه عليه السلام، وهذا ما لم يشر إليه بعض المفسرين، لم يستغفر ويسأل الرحمة لقومه وهو الرسول صلى الله عليه و سلم. فكأنه سد باب المغفرة عما سواهما من قومه واستبعدهم من رحمة الله. وهذا ما استوقفني في الآية فقلت : إن كان هذا تقصيرا منه فلأنه دعا هو لا يزال غضبانا.

فحين ذهب موسى عليه السلام إلى ربه أضافه خير ضيافة، وأكرمه وقربه وكلمه، وأصغى إلى عبده يسأله أن ينظر إليه.. وفي كل هذا الوقت وهو يعلم ما صنع قوم موسى من بعده، ورغم ذلك لم يحس موسى عليه السلام بشيء ولم ير من ربه غضباً وهو الكريم سبحانه حتى أخبره بألطف عبارة : "فإنا قد فتنا قومك من بعدك و أضلهم السامري". ورغم صنيع القوم ورد نِعم الله بالكفر لم يُيَئسهم ربهم من رحمته وأرسل نبيه اليهم بالألواح "وفي نسختها هدًى ورحمةً". فانظر إلى موسى عليه السلام يحمل رحمة الله إلى قومه ثم لا يسألها إلا لنفسه وأخيه.. هذا كله من الغضب.. والله أعلم.

فبين الله لموسى ولنا في الايتين التاليتين أن مغفرته ورحمته لا تقتصر على موسى وأخيه :

"إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِالدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (152)"
فبين الله سبحانه عظم الذنب الذي جاءوا به، ولكن الذنب رغم عظمه يبقى سيئة، ومن تاب بعد ما أساء تاب الله عليه: "وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)". وتحتمل الآيتان معنى آخر: أي أن الله فصل في حكمه بين الذين اتخذوا العجل فلا مغفرة تنالهم ولا رحمة لما يعلم الله من إصرارهم وبين الذين أساءوا حين اتبعوهم أو لم يمنعوهم أولئك لهم المغفرة والرحمة إذا تابوا، وقد قالوا قبل ذلك :

"وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواقَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ(149)".
لكن طلب الإستغفار والرحمة بقي معلقا حتى يستغفر لهم رسولهم، لأنهم خالفوه فيما أمرهم به والله أعلم. فهم عصوا الله حين عبدوا العجل وعصوا رسولهم حين أخلفوا موعده، والله يرسل رسله ليطاعوا بإذنه، كما قال الله عن المنافقين :"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا" (النساء-64)

ثم قال سبحانه :"وَلَمَّاسَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)".
هذه الآية تدل على أن ما صدر من موسى قبلها من إلقائه الألواح وأخذه برأس أخيه ودعائه كان في حال غضبه.

"وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّاأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَاوَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) "
فانظر إلى جلال هذا الكلام وعظمته، فكأن الله سبحانه لما بين لموسى أن رحمته لا تقتصر عليه وعلى أخيه امتحنه ليعلم هل تبين لموسى ذلك أم لا. فكانت الفتنة (أو الابتلاء) أن أخذت الرجفة سبعين رجلا من قوم موسى، وهؤلاء كانوا من خيار قومه. فلو ظل موسى عند سؤاله أن تقتصر الرحمة عليه وعلى أخيه، لم يكترث بما أصاب غيرهما. فقال عليه السلام:

"قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ(155)"
ومن المفسرين من فسر ما أصاب السبعين بالصاعقة التي أصابت قوم موسى لما قالوا له : "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ "(البقرة - 55) وهذا والله أعلم بعيد لأمرين :
الأول أن الصاعقة تكون من السماء والرجفة تكون من الأرض.
الثاني أن الصاعقة أصابتهم قبل اتخاذ العجل:"يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا"(النساء – 153).

"قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ" فاعترف موسى بالذنب منه ومن بني إسرائيل. فكل ابن ادم خطاء، وكل مخطئ منيب مستغفر يستحق مغفرة الله و رحمته.

"أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا" فكل من أذنب سفها بغير علم ثم تاب واستغفر استحق مغفرة الله ورحمته، لكن من عاند و كابر.
تم تحريره ... بواسطة المشرف عبدالرحمن الشهري

"فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ(155)"
فسأل موسى عليه السلام ربه أن يغفر له ولأخيه ولقومه وأن يرحمهم.

"وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156)الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَالَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)"
فانظر كيف يذكر الله نبيه موسى في هذا المقام أنه سيجعل رحمته لمن اتبع نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من قوم موسى رفعا لشأن نبينا صلى الله عليه وسلم. فهو الرحمة المهداة من الله سبحانه ليس لقريش وأمة موسى فقط، بل للعالمين. فالحمد لله الذي جعلنا من أمته. فرسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم بأمته من موسى بقومه، بل هو أرحم بقوم موسى من موسى بهم و الله أرحم منهما بعباده و الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، الذي سبقت رحمته غضبه
 
والرجفة كد لك تكون في القلب من الخوف وهنا من قال الصيحةو كدلك قال الراغب في المفرادت الرجفة اما بالفعل او القول
واما كلمة السفه من موسى احسن الله اليك لا يليق وقوله منافي الايه أي من السبعين والله اعلم.
 
احسن الله إليك وبارك فيك ، فبرغم أن ما يغلب على الظن أن سؤال الرؤية سبقه اتخاذ العجل الا ان ما تفضلت بإيراده وجيه ، واعمال العقل والخروج بتفسيرات جديدة قد لا تكون قد طرقت من قبل يفتح الباب للأخذ والرد والبحث والمقارنة حتى نستظهر المعاني العظيمة التي تتدفق من كتاب الله جل وعلا.
النقطة المهمة هي صورة ابرزها ربنا في كتابه برغم اننا لو رأينا تلك الصورة في واقعنا لما تعجبنا ، وهي القاء الألواح ، فلم يغفل الله ابراز تأثير الغضب على موسى عليه السلام مما دفعه لإلقاء الألواح المقدسة التي انزلت إليه ، ولاشك أن فيها صورة من العتب الرباني الخفي على عبده موسى أن ألقى الألواح التي قضى عليه السلام أياما. في ميقات ربه حتى حاز عليها ، فلما سكت عنه الغضب من تعدي قومه وظلمهم وسفههم تذكر الالواح وعاد ليحملها الى صدره ويقرأ ما كتب الله عليه وعلى قومه ، وهذا درس رباني للداعية أن يتجنب الغضب لأنه لا يفضي إلى خير وأن يتوخى السكينة ويلجأ لكلام الله جل وعلا ففيه الملجأ والملاذ والمخرج من الهم والحزن.
 
أخي الكريم وفقك الله:نعتك قتل موسى عليه السلام للقبطي بالسفه ينافي ما أمرنا
به من اجلال الانبياء وتقديرهم فاستغفر الله من ذلك،والواجب علينا جميعا التحرز
من أي لفظ يعيبهم أو ينتقصهم،ولو كان كليم الرحمن بين ظهرانينا لآذاه ماقلت،وقد
قال تعالى(يا أيها الذين آمنوا لاتكونوا كالذين آذوا موسى...)وان كنت لأعلم أن نيتك
طيبة لكن اللفظ كان شنيعا فأحببت التنبيه على ذلك.
أما بخصوص مشاركتك فالذي أراه أن الذي دفع موسى عليه السلام للدعاء لنفسه
وأخيه حينما قال (رب اغفر لي ولأخي) هو الحال التي غلبت عليه وقتها،فقد غلب
عليه الخوف من تقصيره مع أخيه هارون عليه السلام في تبليغ رسالات ربه،والذي
يقوي هذا المعنى هو اعتذار هارون عليه السلام بقوله(ابن أم ان القوم استضعوني
وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولاتجعلني مع القوم الظالمين) حينما أخذ
موسى عليه السلام برأسه،وهذا هو حال المقربين يجتهدون في أداء الطاعات على
أتم الوجوه وأكملها ومع ذلك يخشون من التقصير لاسيما وقد رأى من قومه
مارأى.
 
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم. وكما أشرت في مطلع مداخلتي، يبقى ما قلته تدبرا واجتهادا أرجو أن يكون قريبا للحق، ولذلك طرحته بينكم حتى تتم مناقشته.
إخوتي يسين ومحمد فهد، قال الله سبحانه على لسان موسى عليه السلام:"قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ".إشارة إلى أن الله بعدله لو شاء لأخذ العبد بذنبه حين يقترفه، ولكن رحمته وعفوه أوسع، وذلك ما طلبه موسى عليه السلام لنفسه وأخيه وقومه. أما وصف قتل المصري بالسفه، فهو لا يعدو أن يكون وصفا للفعل، وليس ببعيد عن وصف موسى عليه السلام لفعله: { قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ(15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) } [القصص]. و" السَّفَهُ: خِفَّةُ الحِلْم، وَقِيلَ: نَقِيضُ الحِلْم، وأَصله الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ، وَقِيلَ: الْجَهْلُ" كما ورد في لسان العرب. وهو كما قلت وصف للفعل الذي فعله حين فعله، وكما وصفه موسى عليه السلام هو من عمل الشيطان.
 
الأخ حسن وفقك الله أحب أن أتوجه اليك بالسؤالين التاليين:
1-أليس من اجلال الأنبياء عدم وصف أفعالهم بهذا الوصف الشنيع؟.
2- أليس لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام أسوة حسنة؟ اذا كان بلى
فهل كان من منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصف أخطاء الأنبياء بمثل الوصف الذي
ذكرت؟أم كان يربي الأمة على اجلالهم والحث على التأسي بهم انفاذا لما أمر الله تعالى
بقوله(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)؟.
فالواجب علينا أن نستلهم من هذه القصص الدروس والعبر كالمبادرة بالتوبة بعد ارتكاب
الذنب كما فعل موسى عليه السلام بعد قتله للقبطي،وليس لنا أن نجعل من هذه القصص
سبيلا للتجرؤ عليهم بحجة أننا نصف الفعل وليس أشخاصهم الكريمة.أما استدلالك بقوله
(هذا من عمل من الشيطان)فهو استدلال عليل لما يلي:
1-أن كل عاقل -وأنت منهم ياأخي المبارك-يدرك الفرق بين القول بأن سبب هذا الذنب
الشيطان وبين القول بأن هذا الفعل فعل أحمق.
2-أن هناك فرقا بين أن يصف الانسان نفسه وبين أن يصفه الآخرون ،فلو وصف الواحد
منا نفسه بصفة نقص كالعجلة لكان جائزا،ولو وصفه الآخرون لكان محرما مالم تكن هناك
مصلحة معتبرة شرعا.
أخيرا أحب أن أؤكد بأن وصف فعل موسى عليه السلام بالحمق حينما قتل القبطي محرم
وان لم تقتنع فعليك بسؤال أهل العلم.
 
أخي محمد فهد، جزاك الله على التنبيه و التوجيه. ولقد صدقتَ في أن وصف عمل الأنبياء بالحمق عمل شنيع لا يليق بمقامهم ولا يجوز استعماله في حقهم بحال. إلا أنه لم يرد في كلامي و لم أرده وأستغفر الله أن أقصده، بل لا أجده إلا في كلامك. ولو ملكتُ حذف ذلك السطر لحذفته حتى لا يكون فتنة عن الموضوع أو يُفهَم منه ما فهمتَه . وقد بينتُ أن ما قصدتُ من السفه هو الجهل وغياب الحلم وأوردتُ من لسان العرب ما يُبينُ قولي فلم ترعه انتباها وأَوردتَ لفظة هي ما أدركتَه من معنى السفه وحملتَ عليها كلامي. ولو التمستَ لأخيك قليلا من العذر وقرأت الآية في ضوء ما فهمتَ من السفه لتبين لك ان الآية لا تحتمله بحال ولتبين لك أني لم أقصده، فكيف يؤاخَذ السفهاء (الحمقى) على أعمالهم وقد رُفِعَ عنهم القلم.. إنما هو الجهل والغضب وزلة الشيطان. أما إن كان مبلغك من فهم السفه ما ذكرتَ، فتعال نتفق أن نصف ما وقع من موسى عليه السلام بما وصفه: "من عمل الشيطان"، فإن كان يرضيك فإنه يرضيني. ثم لندع تفسيره لأهل العلم مثل الإمام الطبري:
"وقوله: (قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) يقول تعالى ذكره: قال موسى حين قتل القتيل: هذا القتل من تسبب الشيطان لي بأن هيَّج غضبي حتى ضربت هذا فهلك من ضربتي، (إِنَّهُ عَدُوٌّ) يقول: إن الشيطان عدو لابن آدم (مُضِلٌّ) له عن سبيل الرشاد بتزيينه له القبيح من الأعمال، وتحسينه ذلك له (مُبِينٌ) يعني أنه يبين عداوته لهم قديما، وإضلاله إياهم."

و قد أعجبني تأنيك في الإجابة فلم تستعجِلْها وتلك خصلة حميدة، فليكن ذلك ديدنك حين تقرأ أو تتدبر، فلا تدبرَ بدون تأنٍ، واعلم أن ما كتبتُه في الآيات من سورة الأعراف ليس وليد البارحة، بل مر عليه حولٌ قبل أن أنشره في الملتقى. وإني أراك في مداخلتك الأولى قد استعجلتَ القول في الآية 151 و إن كان ما قلتَه تحتمله الآية، فأدعوك أن تقرأها و ما بعدها من الآيات ثم أَعِدْ قراءتها وتَدبرْها وانظر: هل دعا موسى عليه السلام حين دعا وهو غضبان؟ فإن تبينتَ ذلك فاستمسك به فهو أول الخيط لفهم ما بعده ثم انظر إلى ورود لفظتي الرحمة والعذاب في الآيات بعد ذلك، فهل ظهرتْ لك العلاقة و تبينتَ الدرس؟ ونحن هنا بصدد استخلاص الدروس كما قلتَ. واعلم أنه ليس من المفروض أن تصل إلى مثل ما وصلتُ إليه، بل قد تتبين منها ما لم أدركه وتستخلص منها دروسا أخرى، إنما أدعوك للتأني و التدبر وأنصحك ونفسي وإخواني بعلمين تستعين بهما: علم المعاني و علم المناسبات.

فموسى عليه السلام في ساعة غضبه لم يُدخِل قومه في طلب الرحمة الذي طلبه من ربه (الاية 151) و إن كانوا قد ندموا على ما فعلوا واستغفروا ربهم قبل ذلك. فبين الله سبحانه في الآيتين بعدها (152-153) أن أَخْذَه المذنبَ بالعذاب مِن عدله، و أن عفوَه عن المسيء المنيب فبرحمته. ولولى رحمته ما نجى أحد بعمله و إن كانوا من الأخيار، وذلك هو الدرس الذي استخلصه موسى عليه السلام من الرجفة التي أخذت خيار قومه. فرغم كونهم من الأخيار، إلا أنهم ليسوا بمعصومين من الزلل إلا أن يتغمدهم الله برحمته، ألم يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم: "لن ينجي أحدا منكم عمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا وقاربوا، واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا".
فاستغفر موسى عليه السلام لنفسه وأخيه وقومه وأعلنوا الإنابة إلى ربهم (الآيات 155-156).
و تأمل قول موسى عليه السلام: "السفهاء منا" أتراه وَصَفهم بالحمق كما قلتَ؟
وتأمل معي قوله: "إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ" و نحن بصدد الحديث عمن يستحق العذاب ومَن يستحق الرحمة. أليس من الفتنة أن يؤاخَذ الأخيار بفعل السفهاء؟ وأليس من الفتنة أن تأخذ الرجفة خيار القوم ولم يُصِب الذين عبدوا العجل العذاب حين جاؤوا بالذنب؟ فمَن فَهمَ الأمرَ على ظاهره ضَل ومن كان الله وليه وتبينَ حكمته اهتدى.
فليس لأحد من الأمر شيء في تحديد من يصيبه عذاب الله ومن تناله رحمته: "قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ". وتَدبرْ ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، وقد أشرتُ إلى ما تبينتُ من ذلك في مداخلتي الأولى.
وأنصحك في الأخير أن لا تستكثر من الإفتاء إلا للضرورة وفي ما أحطتَ به علما.
 
وصف الأنبياء بالسفه أو الحمق كلاهما في الاساءة على حد سواء،واني لأتعجب من
منافحتك وتبريرك لاطلاق هذا الوصف في حق كليم الرحمن،وقد قلت لك ان لم
تقتنع فعليك بسؤال أهل العلم،وهيهات أن تجد عالما راسخا في العلم يجيز لك ذلك،
وان وجدت فأخبرنا مشكورا مأجورا،وحسبك أن كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه
وسلم أدبانا وربانا على تعظيم الأنبياء واجلالهم ولن تجد فيهما نعتا لنبي بمثل هذا النعت
الذي أطلقته على كليم الرحمن،ثم يا أخي الكريم هل وصف السفه محمدة أو مذمة؟
أعتقد أن جميع العقلاء يتفقون على أنها منقصة ومذمة،فاذا كانت كذلك فكيف تجوز؟
وحينما وصفت عائشة صفية رضي الله عنهما بالقصر قال لها رسول صلى الله عليه وسلم:
(لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)أسألك أيهما أعظم منقصة القصر أو السفه؟
ولو كان الأمر بيدي لحذفت هذا الوصف القبيح.
وأتمنى من الشيخ عبدالرحمن والمشرفين على الموقع أن ينظروا في ماذكرت مع أخي حسن،
فان كان كلامي صوابا فعليهم المبادرة بحذف هذا الوصف.
أما بخصوص دعاء موسى عليه السلام ووقفتك معها فلعل الله يفسح في الأجل لمدارستها.
 
قال الفيروز ابادي في كتابه بصائر ذوي التمييز:واستعمل -يعني السفه-في خفة النفس
لنقصان العقل في الأمور الدنيوية والأخروية...قال تعالى في السفه الدنيوي"ولاتؤتوا
السفهاء أموالكم"وفي السفه الأخروي"وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا"هذا
هو السفه في الدين وقال تعالى"ألا انهم هم السفهاء"تنبيها على أنهم هم السفهاء
في تسمية المؤمنين سفهاء.وعلى ذلك قوله تعالى:"سيقوا السفهاء"(3/229)
أترى هل يجوز بعد ذلك نعت فعل موسى عليه السلام بالسفه?وقد علمت أن السفه
يستلزم نقص العقل والجهل .
تنبيه:لفظة (أحمق)أدرجتها عن غير قصد .وللعلم فان الأحمق ليس مرفوعا عنه القلم
كما ذكرت يا أخي حسن،فالمرفوع عنه القلم هو المجنون وليس الأحمق،والفرق بينهما
أن المجنون هو من سلب عقله فلايفقه الأوامر والنواهي الشرعية،والأحمق هو قليل
العقل ولكن عنده قوة واستعداد للعلم بالأوامر والنواهي الشرعية.
ملاحظة:تعريف الأحمق بقليل العقل نقلته من الفيروز ابادي في القاموس المحيط.
 
الأخوان العزيزان حسن ومحمد وفقكما الله وتقبل منكما ورزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل .
نبهني أخي محمد إلى هذا الموضوع منذ نشر ولكنني كنت في رمضان منهمكا في غمرة أعمال لم أتمكن معها من الاطلاع عليه . وللتو تمكنت من قراءة الموضوع وأشكر أخي حسن الأسامي على تدبره ومشاركتنا في الاطلاع على هذه الفوائد .
ويجب أن نتفق على إنكار هذه العبارة التي ند بها قلم أخي حسن في وصف فعل سيدنا موسى عليه أفضل الصلاة والسلام فهو عبارة قبيحة مهما بحثنا عن المبررات فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم مكانتهم الرفيعة العالية التي ينبغي علينا العناية بها وتوقيرهم والمبالغة في التأدب بها فهم صفوة البشر ولا ينبغي أن نتساهل في ذلك ، وأجزم بأن أخي حسن لم يخطر على باله معناها القبيح وإلا فمثله لا يغيب عنه ذلك وفقه الله . ولذلك فسوف ألبي رغبته بحذفها ويبقى الموضوع مفيدا نافعا بدونها . ونعتذر للجميع من عدم إتاحة فرصة التعديل إلا للمشرفين لجوانب فنية وليت أخي محمد في مثل هذه الحالة بعث تنبيها عن طريق الملتقى فسوف يصل للزملاء المشرفين ويعالجوا الموضوع بسرعة .
 
أعدت قراءة ما كتبتم عن أثر الغضب في بعض تصرفات موسى عليه الصلاة والسلام ولا شك أن في ذلك لعبرة لنا بتجنب الغضب وصريح وصية النبي صلى الله عليه وسلم : لا تغضب تؤيد ذلك .
بارك الله فيكم ونفع بعلمكم .
 
جزاكم الله خيرا دكتور عبد الرحمن على التعديل، وكان الاجدر بي أن أقتصر على اللفظ القرآني كما جاء على لسان موسى عليه السلام، فهو أدل على القصد وأبلغ. أسأل الله سبحانه أن يغفر لي ولإخواني وييسر لنا تدبر كتابه.
 
عودة
أعلى