محمد محمود إبراهيم عطية
Member
دراسة موجزة لتفسير القاضي ابن عطية رحمه الله
هذه الدراسة كنت وضعتها وأنا أعمل في كتابي ( فتح العزيز في تقريب المحرر الوجيز ) ولم أنته منها ، على أمل تفرغ بعدُ يتيح لي النظر فيها وإتمامها ، ولكن طال الزمن ولم أنل ما أملت ، وخشيت الأجل فتكون محبوسة لا يستفاد منها ، خاصة وفيها تصويبات لأخطاء موجودة بالمطبوع ، عسى أن يستفيد منها من عنده الكتاب ، وله به عناية ؛ وأسال الله تعالى أن يتقبل مني وأن ينفع بها ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وإليكم – أهل الملتقى – أهدي هذه الدراسة ، آملًا من أخ رأى خطأ أن يصوبه ، أو لاحظ غلطًا أن يصححه .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد :
فإن تفسير ابن عطية – رحمه الله - قد وقع عند العلماء موقعا حسنًا ، وقد اشتهر بعدُ باسم ( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) ، ولم يكن هذا الاسم من وضع ابن عطية - رحمه الله ، ولا كان معروفا في عصر ابن عطية والعصور اللاحقة له بهذا الاسم ؛ فلم يذكر ابن عطية في مقدمة تفسيره هذا الاسم ، بل قال : وقصدت أن يكون جامعا وجيزا [ محررًا ] ( [1] ) .
ومما يؤيد أن ابن عطية - رحمه الله - لم يضع الاسم الذي اشتهر به تفسيره أن ابن بشكوال - رحمه الله - وهو من معاصريه قال في ( الصلة ) : وألف كتابه المسمى بالوجيز في التفسير ، وأحسن فيه وأبدع ، وطار بحسن نيته كل مطار .ا.هـ . وهذه العبارة نقلها لسان الدين بن الخطيب ( ت : 776 هـ ) في ( الإحاطة في أخبار غرناطة ) ، وابن فرحون ( ت 799 هـ ) في ( الديباج ) ، ولم ينسباها ( [2] ) ؛ وكذلك لم يذكر ابن عميرة الضبي ( ت 599 هـ ) تفسير ابن عطية بهذا الاسم ، بل قال : ألف ( يعني ابن عطية ) في التفسير كتابا ضخمًا أربى فيه على كل متقدم ( [3] ) ؛ وقال ابن الأبار ( ت 658 هـ ) في المعجم : وتأليفه في التفسير جليل الفائدة ، كتبه الناس كثيرًا وسمعوه منه وأخذوه عنه ( [4] ) . فقد كان الكتاب معروفًا باسم ( الوجيز في التفسير ) ؛ كما ذكر ابن بشكوال ومن تبعه .
ويرى د عبد الوهاب فايد : أن ( ملا كاتب جلبي ت 1067 هـ ) هو أول من أطلق اسم ( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) على تفسير ابن عطية في كتابه ( كشف الظنون ) ، قال : ولعله أخذه من معنى كلام ابن عطية في مقدمة تفسيره : وقصدت فيه ( أي في التفسير ) أن يكون جامعا وجيزا محررًا ( [5] ) .
وسبق د فايد الشيخ محمد الفاضل بن عاشور - رحمه الله - إلى نحو هذا ، فقال : فلا بدع أن يوصف تفسير ابن عطية بأنه محرر ، لا سيما وقد دفع الشبه ، وحرر ما هو محتاج إلى التحرير ، وقد نوه بذلك في مقدمته ، وشاعت عند الناس تسميته ( المحرر الوجيز ) وعلى ذلك بنى صاحب ( كشف الظنون ) تعريفه به ، وإن كان مؤلفه لم يشر إلى تسميته ؛ وهو وجيز بالنسبة إلى التفاسير التي سبقته ( [6] ) .
ثناء العلماء على تفسير ابن عطية :
قد أثنى العلماء على تفسير ابن عطية على مر العصور ، نرى ذلك مما سطروه في الحكم عليه ، وتقدم قول بعضهم ، وهذه أخر :
قال ابن تيمية ( ت : 728 هـ ) - رحمه الله - وهو يتكلم عن مناهج المفسرين : وتَفْسِيرُ ابْنِ عَطِيَّةَ وأَمْثَالُهُ خَيْرٌ مِنْ تَفْسِيرِ الزمخشري ، وَأَصَحُّ نَقْلًا وَبَحْثًا ، وَأَبْعَدُ عَنْ الْبِدَعِ وَإِنْ اشْتَمَلَ عَلَى بَعْضِهَا ؛ بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ بِكَثِيرِ ؛ بَلْ لَعَلَّهُ أَرْجَحُ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ ؛ لَكِنَّ تَفْسِيرَ ابْنِ جَرِيرٍ أَصَحُّ مِنْ هَذِهِ كُلِّهَا .ا.هـ ( [7] ) .
وقال محمد بن أحمد بن جزي الكلبي (ت:741هـ) - رحمه الله - في(التسهيل لعلوم التنزيل) : وأما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف وأعدلها ؛ فإنه اطلع على تآليف من قبله فهذبها ولخصها ، وهو مع ذلك حسن العبارة ، مسدد النظر ، محافظ على السنة .ا.هـ ( [8] ) .
وقال أبو حيان ( 754 هـ ) - رحمه الله : وهذا أبو القاسم محمود بن عمر المشرقي الخوارزمي الزمخشري ، وأبو محمد عبدالحق بن عطية الأندلسي المغربي الغرناطي أجل من صنف في علم التفسير ، وأفضل من تعرض للتنقيح فيه والتحرير ... إلى أن قال : فلما كان كتاباهما في التفسير قد أنجدا وأغارا ، وأثمرا في سماء العلم بدرين وأنارا ، وتنزلا من الكتب التفسيرية منزلة الإنسان من العين ، والذهب الإبريز من العين ، ويتيمة الدرر من اللآلئ ( [9] ) .
وقال ابن خلدون (ت:808هـ)- رحمه الله - في ( مقدمة تاريخه ) وهو يتكلم عن أنواع التفسير وما فيها من الإسرائيليات : وجاء أبو محمد بن عطية - من المتأخرين بالمغرب - فلخص تلك التفاسير كلها ، وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها ، ووضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى ( [10] ) .
وقال المقري ( ت : 1041 هـ ) - رحمه الله - في ( نفح الطيب ) : وقال ابن سعيد في ( تذييله على رسالة ابن حزم ) : ولأبي محمد ابن عطية الغرناطي في تفسير القرآن الكتاب الكبير الذي اشتهر وطار في الغرب والشرق ، وصاحبه من فضلاء المائة السادسة ( [11] ) .
وقال د محمد الذهبي في ( التفسير والمفسرون ) : تفسير ابن عطية المسمى بـ ( المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) تفسير له قيمته العالية بين كتب التفسير وعند جميع المفسِّرين ، وذلك راجع إلى أن مؤلفه أضفى عليه من روحه العلمية الفيَّاضة ما أكسبه دقة ورواجًا وقبولاً .ا.هـ .
[1] - انظر مقدمة ابن عطية في تفسيره : 1 / 9 ( وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – قطر ) الطبعة الثانية ، وما بين المعكوفين ذكره د فايد في ( منهج ابن عطية ) ص 82 ، نقلا عن ( مقدمتان في علوم القرآن ) ص 255 ، فلعلها نسخة لم يقف عليها محققو الكتاب ؛ وهذا اللفظ موجود في مطبوعة الكتب العلمية ، وقد طبعت عن مخطوط بآيا صوفيا باستنبول رقم ( 119 ) .
[2] - انظر : ( الصلة ) لابن بشكوال ،
[3] - انظر بغية الملتمس ص 376 .
[4] - انظر ( معجم أصحاب أبي علي الصدفي ) لابن الأبار ص 261 .
[5] - انظر ( منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم ) ص 82 ، قلت : والعجيب أن عمر كحالة في ( معجم المؤلفين : 5 / 93 ) سماه ( المحرر الصحيح الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ) فأضاف الصحيح .
[6] - انظر التفسير ورجاله لابن عاشور ص 63 ، 64 .
[7] - انظر مجموع فتاوى ابن تيمية : 13 / 385 - 388 ؛ وسيأتي تعليق على كلامه رحمه الله في ( تفسير ابن عطية ومنهج المعتزلة ) .
[8] - انظر ( التسهيل لعلوم التنزيل ) ص 10 ( دار الكتاب العربي - ط1 1393 هـ - 1973 م .
[9] - انظر البحر المحيط : 1 / 9 ، 10 .
[10] - انظر مقدمة ابن خلدون ص 348 .
[11] - نقلا عن ( نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ) : 3 / 179 .