دراسة: الخطاب الإعلامي للإعجاز العلمي : (دراسة حالة على الإنترنت)

إنضم
23/01/2007
المشاركات
1,211
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
كندا
الموقع الالكتروني
www.muslimdiversity.net
الخطاب الإعلامي للإعجاز العلمي : (دراسة حالة على الإنترنت)
وسام كمال

المصدر: شبكة إسلام أون لاين وفي المصدر بعض الرسوم البيانية المفيدة والمتعلقة بالموضوع.


تتنوع صور الخطاب الإعلامي للعلاقة بين الإسلام والعلم، فمنها: عرض الحقائق العلمية التي تبرهن على وجود إله واحد، أو استعراض حث الإسلام على طلب العلم والتعلم، أو مكانة العلم في تاريخ الحضارة الإسلامية، وصولاً إلى المنهج القرآني في النظر إلى الكون.

وفي العقدين الأخيرين، تصاعد صوت خطاب جديد مختلف عن تلك الأشكال السابقة، بدأ مع الدعاة والوعاظ وسرى إلى بعض كتب علوم القرآن. سمة هذا الخطاب أو التوجه التأكيد على "إعجاز" القرآن من مدخل العلوم الطبيعية ومقولاتها السائدة في هذا العصر.

هذا التوجه الجديد تلقفه الإعلام، مسانِدًا ومؤيِّدًا، وربما يرجع ذلك إلى عجائبيته أو غرائبيته، فضلاً عن أنه يملك طابعًا إيمانيًّا عاليًا، في مجتمع يعاني من قصور الوعي العلمي، وغلبة الإيمانيّ على التجريبي، فكان أنْ وجد ذلك التوجه مساره بين ركام التخلف العلمي، وإن تم التورط في جر القرآن إلى المختبر العلمي، ووضعه تحت مجهر العلماء؛ بهدف البرهنة على موافقة العلم للقرآن وإثبات أنه معجِز!

لكن قبل التطرق إلى الطريقة التي تُتداول بها أطروحات الإعجاز العلمي للقرآن على الإنترنت، أود الإشارة إلى أن الترويج لفكرةٍ ما، يحمل بعدين: تسويق الفكرة، والاستعداد النفسي للجمهور لتبني تلك الفكرة.

فعلى سبيل المثال، تسببت الرسوم المسيئة في بروز فكرة نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، رغم قناعة كثيرين - على الأقل- بأن هناك مصائب أشد على المسلمين، كان أولى بهم الانتفاض ثورة عليها، وقد حاول العلماء والدعاة استنساخ هذه الغضبة مرات عديدة فيما بعد، ولكن نسبة التجاوب لم تكن أبداً على شاكلة حادثة الرسوم [1]. وهذا يعني أنه ليس ميزان الأحداث والأفكار - وحده - هو الذي يُحدث التأثير في وعي وسلوك الجماهير، الأمر الذي يدعونا إلى المزيد من محاولة فهم الجماهير، وسيكولوجية تبني أفكار بعينها، وإعدام أخرى، وهنا تدخل مسألة بناء الرسالة في تحديد قدرة الرسالة الإعلامية على استحواذ نسبة نجاح من انتقائية المتلقي.

الإعجاز والنوافذ الإعلامية

من السعودية – وتحديدًا حي العزيزية- بدأ الشيخ عبد المجيد الزنداني في أوائل الثمانينيات يقرع أبواب الإعلام، ويدعو إلى "الإعجاز" بصوت إعلامي عال، حيث أسس "الهيئة العالمية للإعجاز العلمي فى القرآن والسنة"، واكتسب خلال هذه الفترة صفة العالمية، وأصبح محط اهتمام العديد من وسائل الإعلام العالمية بأبحاثه ومناظراته مع بروفسورات الغرب"[2]. وكانت المساجد وقاعات المحاضرات المنفذ الذي تسللت منه وسائل الإعلام – وخاصة الفضائيات – إلى دعوة الزنداني.

ولكن التألق الإعلامي، الذي صاحب "المجد التليفزيوني" قد توهج في التسعينيات مع دخول د. زغلول النجار – ذي الخبرة الدعوية والعلمية معاً- للفضائيات، وانتشاره الإعلامي في مصر على المستوى الرسمي (التليفزيون المصري والصحافة القومية المصرية) في الوقت الذي تراجعت فيه جهود الزنداني نظراً للمضايقات الأمنية، وتوغله في الملف السياسي الشائك[3].

كانت الفضائيات – من بين وسائل الإعلام المختلفة - أكثر حشداً للعامة وإقناعًا بـ"الإعجاز العلمي" للقرآن الكريم، واشتبكت معها الصحف في تناول الظاهرة بالإيجاب والسلب، ثم انطفأ الاهتمام - لفترة - في الوسيلتين، حتى تلقفت الإنترنت الفكرة، وكانت بمثابة امتداد لتداولها، وإعادة إنتاجها جماهيريًّا، مع مداومة الاهتمام بها في وسائل الإعلام المختلفة.

وتعتمد وسيلة الإنترنت على إستراتيجية سحب المعلومات Pull Technology؛ أي يسعى مستخدموها إلى الحصول على المعلومات بشأن قضايا يعرفونها من قبل؛ بينما تعتمد الوسائل التقليدية على إستراتيجية Push Technology، بمعنى أن الوسيلة هي التي تدفع بالمعلومات إلى الجمهور، وبالتالي فإن القضايا المفاجئة أو الطارئة يكون للوسائل التقليدية دور الريادة والأسبقية في تعريف الجمهور بها [4].

وللإنترنت خصوصية في تداول قضية الإعجاز، وذلك يرجع إلى عدم مسئولية الكثير من المواقع في تداول القضايا الدينية، إذ يستطيع أي مستخدم للإنترنت إطلاق موقع، في مقابل مادي غير مرتفع سنويا، خاصة إذا كانت الدولة المقدمة لخدمة الإنترنت؛ لا تتبني عسكرة الإنتاج الإعلامي الإلكتروني.

أضف إلى هذا، سيطرة فكرة "الجهاد الالكتروني" على استخدامات المسلمين للإنترنت وإطلاق المواقع الدعوية.

وبالتالي، فإن القانعين بقضية الإعجاز، تمكنوا من إطلاق عشرات المواقع المتخصصة، أو تخصيص أبواب ثابتة في مواقع أخرى، لتناول "كشف" الحُجب عن "الحقائق" العلمية في القرآن.

وعندما تبحث على المتصفح (جوجل) باللغة العربية، تجد ما يقرب من 657,000 نتيجة، تتناول موضوع الإعجاز إما بالتهويل، أو بالتهوين.

وفي الغالب، تميل معظم الأطروحات الإعلامية في الخطاب الإلكتروني لقضية الإعجاز إلى التمجيد من دلالة الإعجاز على بلاغة القرآن وتقدم المسلمين خاصة وأن الجهود "الإعلامية" النقدية لفكرة "الإعجاز العلمي" مشتتة، وقليلاً ما تجد مثل جهود (صفحة الإسلام وقضايا العصر)[5]، في تكثيف نقد فكرة الإعجاز في شكل إعلامي واضح ومتسع لكبار العلماء ذوي المصداقية، لأن مطارحة الأفكار الإعلامية الرائجة، تحتاج إلى صك وصياغة رسائل إعلامية "موثوقة" و"مُلحة".

تهدف هذه الورقة إلى التعرف على دور الإعلام - وتحديداً الانترنت - في تسويق الفكرة واستقطاب مريديها، ونظراً للاقتباسات الكثيرة في مواقع الإعجاز بعضها من بعض، واعتماد بعضها على ذات المصادر، سأعكف على دراسة خمسة مواقع فقط، وأترك البعض الآخر لمن يود الاطلاع عليها، في قائمة الروابط الخارجية.

والمواقع الخمس هي:

موقع الدكتور زغلول النجار
الهيئة العالمية للإعجاز العلمي
موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم
الإعجاز العلمي في القرآن والسنة
المدخل الدعوي الماضوي العاطفي

يصوغ المؤمنون بفكرة "الإعجاز العلمي" رسائلهم الإعلامية على شكل قالب دعوي بعيد كل البعد عن قالب البحث العلمي الذي يتسم بخصائص جوهرية هي: المنهجية، والحيادية، والرغبة في الوصول إلى "الحقيقة".

دعونا، نبدأ من مقالات الدكتور زغلول النجار، لأنها الأكثر رواجا إعلامياً، فضلا عن تبني العديد من مواقع الإعجاز لنشرها، ومحاكاتها أسلوبا ومنهجاً. يعتمد النجار في طرحه للموضوعات المتخصصة عن الإعجاز على تقنية ثابتة في الكتابة، وهي:

- اختيار آية (تتصل بجسد الإنسان أو معالم الكون) لتتصدر عنوان المقال.

- اعتماد مقدمة طويلة جدا (تقترب من نصف مساحة المقال)، عبارة عن معلومات عن السورة التي نزلت فيها الآية (عنوان المقال)، وهل هي مدنية أم مكية، والركائز الأخلاقية والعقدية التي طرحتها السورة إجمالاً وتفصيلاً.

- المزج في النصف الثاني من المقال بين المعلومات العلمية (غير موثقة المصادر) والأحاديث النبوية والآيات القرآنية (مع الحرص التام على نسبتها إلى المصادر التراثية)، ويتم تناول المعلومات العلمية على أنها حقائق مؤكدة غير قابلة للشك أو المراجعة.

- خاتمة المقالات (التي يسميها أبحاثا علمية!) عبارة عن دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن الأمثلة الواضحة في هذا الشأن، مقال (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ..) [6]، حيث اتخذ النجار من الآية 233 من سورة البقرة عنواناً للمقال، يقع المقال في ما يقرب من 3800 كلمة، تبلغ مقدمة المقال أكثر من 2000 كلمة، يتحدث فيها عن معلومات تعريفية بالسورة (مدنية أم مكية، عدد الآيات، ومحاور السورة)، وتحدث أيضا في المقدمة عن ركائز العقيدة الإسلامية كما توضحها السورة، وأسس العبادة فيها، ومكارم الأخلاق، التشريعات الإسلامية، ثم زاوج بين "الحقائق" العلمية، والدلالات أو "الحكم" التشريعية في بقية المقال.

وفي مقال يصل إلى ما يقرب من 4000 كلمة[7]، بعنوان: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) تحتل المعلومات العلمية أقل من 1000 كلمة، تتحدث عن المعلومات العلمية المتصلة بحركة الرياح، واشتباكها مع معاني الآية – وفق رؤية النجار الشخصية – وقد طالت المقدمة بالكاتب إلى الحد الذي يؤكد أن القالب الدعوي هو الذي يستأثر بالداعية النجار (الذي يقدّم نفسه على أنه أستاذ علوم الأرض)، وليس التأصيل العلمي للفكرة، أو الضبط المنهجي لدلالة الآية المعنية على تلك "الحقيقة العلمية".

إن اعتماد هذا النموذج في الطرح يمثل تأكيداً على استهداف الجمهور من غير المتخصصين، فالمقدمة الطويلة لمقالاته، تشبع شغف الجمهور للمعرفة الدينية، وتعد تناولاً شيقاً للقرآن في ظل الانفراد الدعوي بالتفسير.

وتمهد المقدمة الدينية الطويلة لقبول "علمية" التفسير، وكأنها تضفي المصداقية والمنطق على الجزء الثاني من المقال.

والمبالغة في استلهام المعنى، تتضح في العديد من الآيات التي يعتمد عليها في التفسير، مثل آية: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) [8]؛ حيث أشار النجار في مقال طويل، إلى أنها تدل على كروية الأرض.

وتمتد المبالغات على مواقع الإعجاز العلمي؛ فتجد في موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي، حديثا مطولا عن "التناسق الهرموني"[9] في أوائل سورة مريم، والإسهاب في العرض العلمي لظواهر وأعراض الشيخوخة بما ذكره القرآن على لسان سيدنا زكريا، متجاهلين أنها ظواهر يمكن رصدها بالعين المجردة! وكأن القارئ مغيّب، في استهانة واضحة بعقول المتلقين.

ويعتمد النجار أيضا على تعطير أفكاره برحيق الماضي، من خلال نسبة بعض الحقائق العلمية إلى علماء المسلمين الأوائل، كالتحدث عن الإبصار في نتائج أبحاث ابن الهيثم[10]، مع التأكيد على أسبقية علوم المسلمين، وربطها بإعجاز القرآن وسبقه للعلوم الحديثة.

ويمكن استنشاق عبير الماضي أيضا، في تصميم منتدى موقع " موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة"[11]، فـ"لوجو" الصفحة، عبارة عن صورة نمطية للمحارب المسلم القديم، مقترناً بعبارة: "منتدى المسلم.. أعزنا الله بالإسلام فإذا ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".. وتلخص تلك الجملة معنى أهمية رسالة الموقع، وخدمة "الإسلام".

ورسالة الموقع – كما يُعرِّفها مسئولو الموقع – هي [12] "مؤسسة علمية إسلامية مستقلة خاصة، تهدف إلى نشر علوم القرآن الكريم والدفاع عنه من خلال إبراز إعجازه العلمي الذي يتمثل في الإخبار عن بعض الظواهر والحقائق العلمية مسبقاً قبل أكثر من 1400 سنة، والتي لم تكتشف إلا في السنوات القريبة الماضية. كما يهدف إلى الرد على دعاة فصل الدين عن الدولة بأسلوب علمي، من خلال إبراز مدى تطابق الدين الإسلامي وتماشيه مع العلم انطلاقا من حقيقة أنه منزّل الدين وخالق الكون هو واحد فلا يُعقل أن يناقض بعضه بعضاً".

وتميل معظم الأطروحات العلمية إلى استخدام الاستمالات العاطفية المغلفة بالخطاب العقلاني، فالاستشهادات بالقرآن والسنة، والتأكيد على أن الإعجاز العلمي يعطي مزيدًا من الهيبة للقرآن في عصر العلم، فإن كنت محباً للدين؛ كيف تكره أن تُلبسه ثياب العظماء (السبق العلمي) لتتباهى به أمام أعدائه (غير المسلمين) ويتزين بحبه قلبك (زيادة الإيمان عند المسلمين)؟

والمدخل العاطفي، له أكثر من لون في مواقع الإعجاز، فيفتتح موقع "الإعجاز العلمي في القرآن والسنة النبوية، بصوت أحد المنشدين متغنياً: "إلى القرآن يا صاحبي"، ويأخذك التأثير البصري للمواد (الفيلمية) التي يعرضها موقع "الإعجاز العلمي في القرآن الكريم".

والأفلام عبارة عن مواد بصرية تتناول موضوعات متنوعة، لمجرات أو مراحل نمو الجنين، يصحبها شرح يجمع بين المعلومات العلمية غير الموثقة، والآيات القرآنية بصوت أحد المقرئين.

وللمزيد من التأكيد على "تفشي" الإعجاز في سور القرآن، يوجد على موقع "الإعجاز العلمي في القرآن، جدول بياني بموضوعات الإعجاز مفهرسة بالسور والآيات.

المسارات الإعلامية الإقناعية


تتميز مواقع "الإعجاز" بقدرة إعلامية على كسب الجمهور، وطرح المداخل الدعوية الأكثر قبولاً وفاعلية لدى المسلمين من مستخدمي الانترنت، بمنطق لا يقبل التشكيك لدى غير المتخصصين، وارتكزت هذه المواقع على عدة آليات إعلامية في الطرح، منها:

أولا: تفنيد الخطاب الرافض للإعجاز

يحمل موقع زغلول النجار على تصديق الأطروحات التفسيرية للقرآن، فيتصدر الصفحة الرئيسية – وقت إجراء هذا التحليل - مقال بعنوان "ضوابط التفسير العلمي للقرآن الكريم"[13]، ومنها: عدم تحميل الآيات فوق معانيها المباشرة، جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بآيات القرآن الكريم، عدم الاعتماد على الفروض العلمية في الإعجاز العلمي، عدم الخوض في الغيبيات المطلقة، التأكيد على أنه لا يوجد تفسير قطعي للقرآن.. مع تحديد صفات المتعرض للإعجاز: الإلمام بالعربية، الإلمام بالعلم الذي تشتبك معه الآية، الأمانة.

وفي ذات المقال يرد زغلول على معارضيه، مشيرا إلى أن رغبته هي تعزيز حب الدين بالعلم، مضيفاً: "الإعجاز العلمي دعوة لمن لا يؤمن إلا بما يثبته العلم، ومن أسباب رفض العلماء للإعجاز ازدواجية التعليم".. ويوجد في موقعه باب كامل بعنوان "شبهات وردود".

ويحدد موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي ضوابط الإعجاز، كتصديره لصورة الهيئة المشرفة على هذا "العلم"، في مجموعة مقالات وأبحاث تحت باب "التأصيل العلمي"[14]، ومن الضوابط المطروحة: ثبوت العلم عند العلماء بشكل مستقر، ثبوت استحالة معرفة البشر بتلك الحقيقة الكونية وقت تنزيل القرآن، تحقق المطابقة بين دلالة النص من كتاب الله عز وجل أو من سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وبين تلك الحقيقة الكونية، ثبوت أن النص الذي نستنبط منه الإعجاز العلمي المشار إليه هو من السنة المطهرة".

وعلى ذات الموقع، يؤكد د. النجار في حوار صحفي معه، تحت عنوان "الإعجاز العلمي لغة الدعوة في عصر العلم"[15]على اعتماد التفسير على الاجتهاد: "ولما كان التفسير جهدا بشريا لحسن فهم دلالة الآية القرآنية - إن أصاب فيه المفسر فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد- جاز للمفسر استخدام كل الوسائل المتاحة له، سواء كانت حقائق علمية أو فروضاً أو نظريات ما دام الإخلاص والتجرد وصدق النية قد توفر، وما دام أنه قد استعان بالأدوات اللازمة للتعرض لتفسير كلام الله بعد إلمام باللغة العربية ومفرداتها وقواعدها وأساليب التعبير فيها وبكل من أسباب النزول والناسخ والمنسوخ والمأثور وجهود السابقين في ذلك المجال".

ويقول زغلول في موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي رداً على من يقولون: إن التفسير العلمي للآيات يهدد قدسية القرآن: "لا يجوز أن ننعزل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم عن معارف العصر الثابتة والنافعة والمفيدة، وهناك من الإشارات الكونية في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما لا نستطيع فهمه إلا في ضوء عدد من الحقائق العلمية الحديثة.

والقرآن الكريم يؤكد على هذه الرؤى المستقبلية لتلك الآيات الكونية في كتاب الله كما سبق وأن أسلفنا، وقد يرى القادمون بعدنا في تلك الآيات الكونية ما لم ندركه نحن بعد حتى يظل القرآن الكريم والسنة المطهرة مهيمنا على المعرفة الإنسانية".

ثانيا: الاستشهاد بغربيين

تهتم مواقع الإعجاز بنقل الأخبار المتصلة باهتماماتها من المواقع العالمية الغربية، مثل: رويترز،CNN، BBC وتهتم مواقع الإعجاز بنقل التجارب والتصريحات الغربية التي تتفق وأطروحاتها، مثل إجراء موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي حواراً صحفياً مع الدكتور جون هونوفر لارسن كبير أطباء المستشفى الرسمي في كوبنهاجن[16]، وأخذ تصريحات منه تؤكد على أن ذبح الحيوان قبل موته ضمان لطهارة لحمه من الجراثيم والميكروبات. هذا يعطي مصداقية للفكرة في استضافة غير مسلمين ممن تألقوا في العلم ليصدّقوا على معلومات أوامر ونواهٍ أتى بها الشارع الحكيم، واستثمارٌ لـ "عقدة الخواجة".

ثالثا: عرض قصص إنسانية تأثرت بالإعجاز

يعد موقع "موسوعة الإعجاز العلمي للقرآن والسنة" الأكثر جماهيرية بين مواقع الإعجاز، فيقع في ترتيب Alexa الـ 6,404 على العالم، نظرا لتحديثه الدائم، وحرصه على إرسال نشرة بريدية زاخرة بالموضوعات الجذابة أسبوعياً لأكبر عدد من مستخدمي الإنترنت.

ويوجد على الموقع قسم بعنوان "لماذا أسلم هؤلاء"؛ يقدم نماذج للداخلين في الإسلام من علماء الغرب، الذين "صُعقوا" بالإعجاز العلمي للقرآن، ومطابقة الإشارات العلمية في القرآن الكريم لما توصلوا إليه من حقائق علمية. والعجيب أن الموقع عرض في نفس القسم قصة حجاب الإعلامية الجزائرية خديجة بنت قنة [17]؛ في مساواة سمجة بين "الدخول في الدين" و"ارتداء الحجاب"!! ولا ندري ما علاقة الحجاب بالإعجاز العلمي!!.

التمدد الإعلامي والشعبوية

أولاً: التمدد الإعلامي

بذلت جهود إعلامية جيدة في مواقع الإعجاز، وهو ما انعكس على صدى الفكرة لدى الجمهور، فالمواقع قدمت المعالجة بالكلمة والصوت والصورة، حتى إن موقع "موسوعة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم" أطلق إذاعة تشتمل على محاضرات ودروس لدعاة الإعجاز، وقدم موقع الهيئة العالمية للإعجاز خدمة الاطلاع على أرشيف الدورات التدريبية العلمية لتأصيل منهج التفسير العلمي للقرآن.

ويتطلب "تلميع" الأفكار انتشارها ملء السمع والبصر في وسائل الإعلام، والمتابع لفكرة الإعجاز يجد سعياً دءوبا للإقناع والحشد في كافة وسائل الإعلام، فالهيئة العالمية للإعجاز العلمي، تقدم على موقعها 21 كتابا تأصيليًّا حول الإعجاز، ومعلومات عن 8 مؤتمرات سبق انعقادها، وإمكانية تنزيل 34 مجلة PDFللهيئة من الموقع.

وهناك اشتباك وتفاعل مع الجمهور على مواقع الإعجاز، إذ يقدم موقع زغلول النجار خدمة إرسال أسئلة واستفسارات متعلقة بقضية الإعجاز للرد عليها، مع عدم نشر الأسئلة السابقة والإجابات فيها.

واستهدف خطاب الإعجاز في بعض المواقع، "استثمار" القبول الجماهيري للفكرة، لدعم (بعض) الأطروحات الفقهية والنواهي الشرعية، بتأويل بعض المواقف، واختلاق حكايات تدعم الخطاب السلفي المحتضن للإعجاز، وأنقل أمثلة من موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي:

- تحريم مصافحة الرجل للمرأة[18]:

السند العلمي: "وفقا لعلم التشريح؛ هناك خمسة ملايين خلية في الجسم تغطي السطح.. كل خلية من هذه الخلايا تنقلالأحاسيس، فإذا لامس جسم الرجل جسم المرأة سرى بينهما اتصال يثير الشهوة"!! فتأمل هذه المسحة العلمية الكاذبة التي تجعل من الإنسان "كائنًا شهوانيًّا".

- الخطورة الفسيولوجية للتبرج[19]:

السند العلمي: أشارت المصادر العلمية (التي لم يذكرها!) إلى أن التبرج يؤدي إلى سرطان الجلد!.

- تأثيرات الاختلاط[20]:

"الغريب أن صحيفة التايمز البريطانية قد أشارت إلى أن مارجريت تاتشر، قد لعبت دورارئيسيا في إقناع وزير الصناعة باركتسون بعدم الزواج من سكرتيرته والاستمرار معزوجته، على أمل ألا يحط زواجه من السكرتيرة من قدره.. وهذا الخبر يحمل في مضمونهأثر الاختلاط بين وزير وسكرتيرته بدون محرم".

ويعتمد موقع موسوعة الإعجاز العلمي على المتطوعين في مجال الترجمة، ويفتح الباب للزوار لنشر وكتابة المزيد عن موضوع الإعجاز.

ثانيا: تدويل الإعجاز

وفي ذات إطار التمدد الإعلامي في موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، يوجد 8 لغات بخلاف اللغة العربية، وهي تعمل بالفعل وإن كانت ليست كلها بذات الكفاءة والإنتاج والترجمة للحجم الكبير الذي تنتجه الموسوعة أسبوعياً، والذي يتعرف عليه القراء من خلال نشرة الموقع [مثلا الإنجليزية والفرنسية أفضل من بقية اللغات].

وتوجد تسع أيقونات على موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي، لتسع لغات يستهدف الموقع تشغليها، ولم يتم البدء بها بعد!.. فلماذا إذن الإعلان عن تسع لغات دفعة واحدة، ألم يكن من الأولى البدء بالترجمة للغة واحدة، ثم استقصاء التجربة بمشتقاتها، لتقييم إمكانية الانطلاق بلغة ثالثة.. أليست تلك دعاية لعالمية تأثير الفكرة؟

ثالثا: تعددية الإعجاز

صكت المواقع الإعلامية للمهتمين بالإعجاز العلمي للقرآن "إعجازات" أخرى كالإعجاز التشريعي، والرقمي، والإعجاز في العلوم الاجتماعية، وهو ما وُصف على موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في بحث مفصل بأن "القرآن قد يساهم في إنهاء التحيز في العلوم الاجتماعية" !.

شطحات القوالب الدعوية

إن تصدير الفكر، ووضع مناهج جديدة لقراءة القرآن، يحتاج إلى المناهج العلمية الرصينة، التي تضع النظارة المحايدة غير العاطفية وغير الدعوية في النظر إلى القرآن. فالانفتاح على العلوم المختلفة؛ لا يعني الإتيان بالعلم وزرعه بين سطور القرآن، ولكن الخروج بالقرآن إلى الحياة المعاصرة.

المواقع المتبنية للإعجاز العلمي، أكدت "نظرياً" على "منهجية" الكتابة العلمية في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، إلا أن الواقع والأمثلة السابقة –وبعضها مضحك-، لا تدل إطلاقاً على اتباع أي منهجية في التناول، ولا حتى بذل أي جهد بحثي يقدّر خطورة الإدلاء بمصباح العلم، في كهوف المعاني والدلالات.

ولم يمارس د. زغلول النجار، ولا "هيئة الإعجاز العلمي" جهداً في النقد الذاتي لما هو مترامٍ في وسائل الإعلام – وخاصة الإنترنت ذات الجهود الجماهيرية – من أطروحات بعيدة كل البعد عن المفاهيم الصحيحة للدين (كما هو في مسألة الاختلاط مثلاً).

والأغرب، أن الشروط الموضوعة، تحمل معاني "فضفاضة" عاطفية، كـ "الإخلاص" و"صدق النية"، وهي مواصفات لا يمكن قياسها، وإذا ما تم افتراضها، فهي شأن وسمت الدعاة والوعاظ الذين يحتكون بالجمهور ويحشدونه، لا الباحثين في علوم القرآن، والمفسرين له الذين يعيشون في محراب العلم والمعرفة، ولا مدخل للنوايا في عملهم.

والاعتماد على "إيجابية" الجهد البشري في الاجتهاد، هو تساهل وإطلاق يد غير المتخصصين في مجال العلوم الشرعية، وهو ضد الفكرة التي أرساها دعاة الإعجاز منذ البدء حول "ضوابط التفسير العلمي للقرآن الكريم".

ونحن كمستخدمين للإنترنت، نتابع على البريد رسائل forward عبارة عن "مفبركات" من القصص والخواطر الإيمانية، مطعمة بأسانيد شرعية مغلوطة، وكل هذا.. تحت ستار الدعوة، وبهدف النفع للدين.. ولكن هل ينبغي أن تشطح الغاية بالوسيلة؟

ويتكرر الخطأ نفسه، تحت شعار "الدعوة إلى الله"، و"خدمة الإسلام" في المنتديات وساحات التقاء زوار الإنترنت، ولا أحد يقف ويتساءل: هل نخدم بذلك الدين أم نشوهه؟ هل تكفي النوايا لإصلاح الأعمال؟..

ويمثل "التناول الإعلامي لـ "الإعجاز العلمي" إحدى الشطحات الدعوية، التي تدخلنا في مجاهل جديدة، لطالما دخلنا إليها من باب "النوايا الحسنة"، والرغبة في التأثير الكمي لا النوعي.



--------------------------------------------------------------------------------

وسام كمال: باحثة مصرية في الإعلام الإليكتروني



[1] آخر هذه الدعوات، حملة التوقيعات التي أطلقهاد. يوسف القرضاوي للاحتجاج لدى الأمم المتحدة على تخريب اليهود للمسجد الأقصى.


[2] سلطان أحمد المجهلي: الزنداني والإصلاح.. أكلوه لحماً ورموه عظماً، موقع المؤتمر. نت؛ على الرابط التالي: http://www.almotamar.net/39574.htm

[3] سلطان أحمد المجهلي، المرجع السابق.

[4] إيناس محمد مسعد فهمي سرج: أثر استخدام وسائل الاتصال الحديثة في تكوين الرأي العام المصري تجاه القضايا الدولية؛ رسالة ماجستير، جامعة القاهرة، كلية الإعلام، قسم الصحافة، مايو 2006، ص 67

[5] وربما يعزا ذلك إلى توجه محررها الكاتب والباحث السوري معتز الخطيب، وهو توجه بحثي ونقدي معًا.

[6] زغلول النجار: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ..."؛ موقع زغلول النجار، على الرابط التالي: http://www.elnaggarzr.com/?l=ar&id=1326&cat=6

[7] زغلول النجار: " وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ..."؛ موقع زغلول النجار، على الرابط التالي: http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=474&cat=6

[8] زغلول النجار: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا..."؛ موقع زغلول النجار، على الرابط التالي: http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=474&cat=6

[9] د. زهير رابح قرامي: التناسق الهرموني في أوائل سورة مريم، موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة،على الرابط التالي: http://www.nooran.org/O/3/3O4.htm

[10] زغلول النجار: "لَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ.."، موقع زغلول النجار: على الرابط التالي: http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=375&p=2&cat=6

[11] منتدى "المسلم في موقع"موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة"، على الرابط التالي: http://www.55a.net/vb/

[12] من نحن، في موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة"، على الرابط التالي:http://www.55a.net/firas/arabic/index.php?page=mix&select_page=who

[13] زغلول النجار: ضوابط التفسير العلمي للقرآن الكريم، موقع زغلول النجار، على الرابط التالي: http://www.elnaggarzr.com/?l=ar&id=878&cat=29

[14] التأصيل العلمي، موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي بالقرآن والسنة، على الرابط التالي: http://www.nooran.org/a.htm

[15] زغلول النجار:الإعجاز العلمي لغة الدعوة في عصر العلم، على الرابط التالي: http://www.nooran.org/O/8/8(7).htm

[16] الدكتور جون هونوفر لارسن كبير أطباء المستشفى الرسمي في كوبنهاجن يؤكد: ذبح الحيوان قبل موته ضمان لطهارة لحمه من الجراثيم والميكروبات، موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، على الرابط التالي: http://www.nooran.org/O/8/8(7).htm

[17] تبويب "لماذا أسلم هؤلاء"، على موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، على الرابط التالي: http://www.55a.net/firas/arabic/index.php?page=show&select_page=14

[18] _______، مصافحة الرجل للمرأة، موقع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، على الرابط التالي: http://www.eajaz.com/agaz Qraan/msaafh.htm

[19] _______، مرض يصيب المرأة المتبرجة، موقع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، على الرابط التالي http://www.eajaz.com/agaz snaah/mart.htm

[20] _______، الاختلاط، موقع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية، على الرابط التالي: http://www.eajaz.com/agaz snaah/ektlaat.htm
 
كم أتمنى أن تتقدم دراساتنا إلى مسارها الصحيح ، ونبدأ بتحرير أمورنا من داخلنا ، ولا ننتظر طعن الملاحدة والمستغربين والنصارى في أغلى ما نملكه ( القرآن ) ؛ طعنهم من خلال بعض الإطروحات التي فيها خلل ، وهي تطرح باسم الإعجاز العلمي .
والدراسات الجادة في النقد والتقويم تفتح مسارًا للبحث الجاد في مثل هذه النازلة التي تخلى عنها كثير من أصحابها ( أعني المتخصصين في الدراسات القرآنية ) ، ولا زلت أدعو إلى ترشيد المسار في هذه النازلة المسماة بالإعجاز العلمي .
أسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وأن لا يجعل لنا حظًّا من أنفسنا في الدرس والتحقيق والمراجعة ، فإن حظوظ النفس إذا ظهرت في مثل هذ الأمور صعب عليها التراجع عن الخطأ .
 
أتمنى لو يتم دراسة هذه المواقع بشكل علمي وموضوعي واختصاصي أكثر ، وهذه الدراسة بداية طيبة وجيدة مع بعض التحفظات على بعض الكلمات التي تستخدمها الباحثة وربما أفهمت غير مرادها.
ولو أضفنا لما سبق في الدراسة أن أغلب هذه المواقع المدروسة سابقاً يشرف عليها أخوة نيتهم حسنة ومقصدهم خدمة الإسلام نعم ولكن العاطفة الدعوية تسير بهم، من غير دراسة علمية ولا لجنة مختصة تقرر ما ينشر وما لا ينشر، بل ومن العاملين في هذا المجال من يعتبر نفسه فوق النقد .
وإني في الحقيقة أحمل إخواني طلاب العلم وبالأخص المختصين بالتفسير وعلوم القرآن شيئاً من مسؤولية الفوضى التي تحصل بهذا الاتجاه، ذلك لأننا نجدهم إما منتقدين بكلية دون تمحيص، أو متقبلين بكلية دون ضبطوقليلون هم الذين يتناولون الموضوع بمنهجية علمية محايدة دون أفكار مسبقة، ويساهمون في ضبط "الإعجاز العلمي" في مساره الصحيح.
كما أن بعض الهيئات المختصة بهذا الاتجاه تتحمل قسطاً كبيراً من هذه المسؤولية لعدم ممارستها النقد العلمي الذاتي، وتحاكم ما ينشر في الساحة الإعلامية محاكمة علمية وفق الضوابط التي وضعتها بالشكل الذي يرقى بها نحو الكمال، ويجعل منها مرجعاً متفقاً عليه من قبل الجميع.
 
عودة
أعلى