خواطر مدنية

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
بسم الله الرحمن الرحيم
خواطر مدنية
كنت في زيارة علمية لطيبة الطيبة في الأيام الثلاثة الماضية (الأربعاء 5/11 – الجمعة 7/11) ، ولا ريب أن من يمشي في تلك البطاح، تنتابه مشاعر لا يمكن التعبير عنها، ولا تسطيرها، لكن الذي في مقدور العبد الفقير هو محاولة تقريب بعض تلك المشاعر في هذه الخواطر التي سأسطر ما تيسر منها ههنا؛ لعل الله تعالى أن ينفع بها ...
1 ـ يطوف بك ـ وأنت تسير في جنبات المسجد النبوي الشريف ـ تاريخ عابق بأنفاس النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ..
كأني بآيات سورة الأنفال تتنزل بعد غزوة بدر ..
وهناك تتنزل آيات سورة الأحزاب ..
ولكأني أبصر أفواج المنافقين تتابع من أجل الاعتذار للنبي صلى الله عليه وسلم عن تخلفهم عن غزوة تبوك، ولكأني بكعب بن مالك وصاحبيه ـ رضوان الله عليهما ـ يرفضان بعض العروض التي عرضت لهم من أجل السلامة الآنية من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتتزل آيات التوبة عليهم والغضب على المنافقين ..
إنها مشاهد متتابعة، اختصرها عليّ قوله تعالى ـ في خواتيم سورة الفتح ـ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح : 29].
2 ـ خرجت بعد صلاة الجمعة أمس، فامتلأت أذني من أصوات المسلمين الذين يتحدثون بعشرات اللغات ..
ضجيج عجيب لا يسمعك اللغة التي تتكلم بها فضلا عن لغة غيرك، فسبحان من يميز لغاتهم! ويعرف لهجاتهم، ولا تختلف عليه أصواتهم.
3 ـ هذا من باكستان، وذاك من الهند، وثالث من أفريقيا، ورابع من أوربا، وخامس من اليمن، وسادس من الخليج .. ما الذي جمعهم؟ لغة؟ أم عِرْق؟ أم جنسية؟ أم وطن؟ كلا .. بل هو هذا الدين العظيم.
إنها رسالة واضحة جداً، أنه لا يجمع المسلمين سوى الدين.
لقد جربت الشعوب الإسلامية عدة دعاوى للترابط وفشلت ـ كدعوى القومية والشعوبية ... الخ ـ ولن تنجح، وسيبقى الحل الشرعي: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران : 103] هو الحل الذي حرص الأعداء قديماً وحديثاً على قطعه، وربط المسلمين بروابط أرضية، وقطعهم عن الروابط السماوية.
وأرجو من الإخوة جميعاً أن يراجعوا كلام العلامة الشنقيطي ـ رحمه الله ـ على قوله تعالى: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود : 91].
وكذلك تعليقه على قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء: 9].
وكذلك على صدر سورة غافر، فله كلمات عظيمة في هذا الباب رحمة الله عليه.
4 ـ جلد عجيب، وصبر غريب ..
لا تخطئ عينك ـ مع توافد أفواج الحجاج ـ رجلاً كبيراً في السن يجاهد نفسه على الصلاة مع الجماعة، وعلى التنفل، والانشغال بالذكر، وقراءة ما يستطيع من كتاب الله تعالى، والبقاء في المسجد النبوي أكبر ساعات ممكنة.
إنه الشعور بتضايق الفرص، إنه الشعور بأن هذه الفرصة لن تتكرر له، لذا فهو يحرص على اغتنام كلّ لحظة من رحلته .. كيف وقد خلّف وراءه الأهل والولد، وجمع حصيلة العمر من أمواله ليصل إلى البقاع المقدسة!
ماذا لو أن كلّ واحد منا نظر إلى عمره وحياته هذه النظرة؟ نظرة تضايق الفرص.
فشعر بأن رحيله قريب، وأن عليه أن يغتنم كل فرصة تتاح له للتقرب إلى الله بما يحسنه من: تعليم، دعوة، إغاثة، احتساب، مشاركة في الإعلام الهادف، ... الخ، المهم ألا يرحل أحدنا كما جاء، وأن يبقي له بصمة طيبة، يجد غنمها حين يوسد في قبره، وحين لقاء ربه، فعندها تهون كل الصعاب.
سئل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ: متى يجد العبد طعم الراحة؟
قال: إذا وضع قدمه على أول عتبة في الجنة.
والحمد لله رب العالمين.
السبت 8 /11 / 1431هـ
 
جزاكم الله خيراً شيخنا الكريم.
لو أتحفتنا ـ فضلاً وكرماً ـ بأخبار مناقشتكم للرسالة، وانطباعكم عنها، وعن الجامعة الإسلامية.
كما أرغب من فضيلتكم الحديث عن الكتب التي ألفها العلماء في أسباب ورود الحديث الشريف، وهل المؤلفات في ذلك استوعبت الموضوع من جميع أطرافه.
وتقبلوا من تلميذكم خالص الدعوات بالتوفيق والسداد في الدنيا والآخرة.
 
أما الجامعة، فأحيلك إلى جواب أستاذ من أساتذتها حيث قال لي: كنا موتى فأحيانا الله في عهد مديرها الحالي وفقه الله لكل خير.
وأما المناقشة فالأحسن أن يسأل الطالب فهو الذي نوقش، ويصعب ذكر الرأي ههنا لأسباب لا تخفى، لكن في الجملة الرسالة لا بأس بها، وثمة ملاحظات وعد الطالب بالإفادة منها ، وأتمنى له التوفيق في حياته العلمية.
أما الكتب التي ألفها العلماء في أسباب ورود الحديث الشريف فقليلة جداً عطفاً على ما يستحقه هذا الموضوع، ومقارنة بما كتب في حقل الدراسات القرآنية فيما يخص أسباب النزول.
وكتاب الحسيني ـ الذي نوقش الطالب في تحقيق جزء منه (البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف) ـ هو أشهرها وأمثلها وأجمعها على إعواز فيه ، وعلى ضعفٍ في التحقيق عند مؤلفه رحمه الله، فهو جارٍ على نفس أغلب علماء تلك الفترة (القرن العاشر - أوائل القرن الرابع عشر) فالتحقيق عندهم قليل، وهم ينشطون للنقل المحض إلا ما ندر ، والله أعلم.
 
خواطر جميلة يا دكتور عمر، ومشاعر رقيقة، ولو شرفتنا بزيارة، فنجمع لك المحبين بارك الله فيك...
لم تغب عن البال لا أنت ولا بعض الأحبة الكرام، لكن ما منعي من ذلك إلا الارتباط بوالدي حفظه الله الذي يحتاج إلى جلوسي عنده أكثر الوقت (جاوز السبعين) متعه الله ـ ووالديكم ـ متاع الصالحين، رزقنا الله برّ والدينا أحياءً وأمواتاً.
 
حياك الله أبا عبدالرحمن ..
لما نشرتُ هذه الخاطرة في صفحتي في الفيس بوك ، علّق أخي الفاضل الشيخ إبراهيم الأزرق قائلاً:
من أروع من صورها القاضي عياض في الشفا ولاسيما قوله في معرض ذلك:
"وجدير لمواطن عمرت بالوحى والتنزيل، وتردد بها جبريل وميكائيل، وعرجت منها الملائكة والروح، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح، واشتملت تربتها على جسد سيد البشر، وانتشر عنها من دين الله وسنة رسوله ما انتشر، مدارس آيات، ومساجد وصلوات، ومشاهد الفضائل والخيرات، ومعاهد البراهين والمعجزات، ومناسك الدين، ومشاعر المسلمين، ومواقف سيد المرسلين، ومتبوأ خاتم النبيين، حيث انفجرت النبوة، وأين فاض عبابها، ومواطن طويت فيها الرسالة، وأول أرض مس جلد المصطفى ترابها، أن تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها.." إلى آخر ما قال وأوله حسن.
وقد من الله علي بقراءة الشفا على العلامة الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله، وأذكر أني لما بلغت هذا الموضع، كانت عينا شيخنا تذرفان،نبهني عليهما تغير صوته أثناء تعليقاته.
 
أحسن الله إليكم هذه الكلمات
ونسأل الله أن يقر عيوننا بحياة طيبة في طيبة
 
أحِنُّ إليكَ كيفَ لا أهواكِ ** وأعشَقُ أرضكِ وعبيرَ هواكِ
أطيرُ إليكِ كلمّا ذُكِرَ اسمُكِ ** ويخفِقُ قلبي عندما ألقاكِ !
إليكَ هاجرَ الهادي الحبيبُ ** فأنتِ لروحهِ سكنٌ رحيبُ ..

كنتُ أترنَّمُ بهذه ، وأنا في الصفِّ السَّادس الابتدائي قبل أن أرى طابة !

بوركتَ شيخنا أبا عبدِ الله .
خواطرُ فيَّاضة .

وهذا إهداءٌ لكَ ، فيه روحُ الماضي ، وصِدقُ الكلمة ، وحلاوة النَّغَمِ الأصيل :
http://audio.islamweb.net/audio/listenbox.php?audioid=26657&type=ram
 
عودة
أعلى