خطبة الجمعة 22 شوال 1436 تفسير سورة ( قل يا أيها الكافرون ) في مدينة الرمادي حرسها الله

ماهر الفحل

New member
إنضم
25/10/2005
المشاركات
450
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
خطبة تفسير قل يا أيها الكافرون

[TABLE="width: 100%, align: left"]
[TR]
[TD]الحمد لله الذي جعل الإسلام دينَ الحق الذي لا يرتضي اللهُ منْ أحدٍ ديناً سواه ، والحمد لله الذي حكم سبحانه على كل دينٍ سوى الإسلام بالبطلان وعلى أهله بالخسران ؛ ولذلك أظهره الله على سائر الأديان ، وفتح لأصحابه الأمصار والبلدان ؛ لسيرهم على درب سيد الأنام ، الذي كبتْ عدوه ، وأعزَّ حزبه ورفع ذكره.
والحمد لله الذي جمعنا على القرآن ، وألف بين قلوبنا بالقرآن وهدانا إلى رحمته بالقرآن ، والحمد لله الذي أكرمنا بنزول القرآن وشرّفنا بالقرآن وجعلنا أهلاً لتحمل كلامه وتلقي خطابه.
والصلاة والسلام على سيد ولد آدم الذي ربّاه وزكاه ربُّه بالقرآن ، قال تعالى : ((وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم)) وربى أصحابه بمجالس الذكر والقرآن ففتحَ الله به قُلوباً غُلفاً وأعيُناً عُمّياً وآذاناً صُمّاً وسلم تسليماً كثيراً ما ترددتْ على الألسن آياتُ الرحمن وتليتْ في المحاريب هداياتُ الفرقان .
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً له الدين ، وأشهد أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ المبعوثُ رحمةً للعالمين صلى الله عليه وسلم .
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرَضِينَ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ .
اللهم صلِّ وسلمْ وباركْ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً .
وارضَّ اللهمَّ عنِ الصحابة ، ومنْ تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
عبادَ الله اتقوا الله حقَّ التقوى ؛ فإنَّ أجسادنا على النار لا تقوى ، والزموا القرآن فهو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان يحُيها حياةً أبديةً سرمديةً ، وعليكم بالعلم النافع فإنَّه ذخيرةُ القبر ونور القلب ، وافعلوا الخير فإنَّ منْ يفعل الخير لا يعدم جوائزه ، وعليكم بكثرة العبادة فإنَّها دليلُ صدق التوجه إلى الله ، وعليكم بالهمة فإنَّها طريق القمة .
[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

أمَّا بعد : تتضمن خطبة اليوم تفسير سورة : ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) هكذا سمّاها البخاريُّ في صحيحه ، ويقال لها : (سورة الكافرون) على الحكاية و(المقشقشة) و(البراءة) و(سورة الدين) و(سورة العبادة) و(سورة المنابذة) ، و(الإخلاص) ، و(سورة التوحيد) و(البراءة من الشرك) و(البراءة الضلال) وهي أسماءُ وصفية لهذه السورة المباركة ؛ فهذه السُّورَةُ سُورَةُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي يَعْمَلُهُ الْمُشْرِكُونَ، وَهِيَ آمِرَةٌ بِالْإِخْلَاصِ ؛ يُسميها العلماء سورةَ الإخلاص بمعنى أنَّها أخلصتْ العبادة لله جلا وعلا فلا أحدَ يُعبد إلا الله .
ولها تعلق بسورة (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) التي قبلها وكأنَّ الخطاب : عليك أيُّها المحمديُّ القاصد للورود إلى حوض الكوثر والشرب منه أنْ تتوجه في عموم أوقاتك وحالاتك إلى الله على وجه التبتل والإخلاص وتميتَ بهيمةَ بدنِك وشهوتِك بالموت الإرادي والامتناع الإرادي عن الشهوة الحرام ، وتهذبها في طريق الحق تقرباً إليه سبحانه ؛ لتنال خيرَ الدارين وفلاح النشأتين .
وَالسُّوَرُ الْمُفْتَتَحَةُ بِالْأَمْرِ بِالْقَوْلِ خَمْسُ سُوَرٍ : (سورة الجن) ، وَسُورَةُ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون))، وَ(سُورَةُ الْإِخْلَاصِ) ، وَ(الْمُعَوِّذَتَانِ ) ، فَالثَّلَاثُ الْأُوَلُ لِقَوْلٍ يُبَلِّغُهُ ، وَالْمُعَوِّذَتَانِ لِقَوْلٍ يَقُولُهُ لِتَعْوِيذِ نَفْسِهِ.
[TABLE="width: 100%, align: left"]
[TR]
[TD][TABLE="width: 98%, align: left"]
[TR]
[TD]واشتملت هذه السورة المباركة على ست آيات ، وثمانيةٍ وعشرين كلمة ، وأربعةٍ وتسعين حرفاً.
[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

إنَّ سورة ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) هي في توحيد العبادة لله عز وجل يعني التوحيد العملي لله، يعني عملك لا يكون إلا لله ، صومك ، صلاتك ، استغاثتك ، خضوعك ، إخباتك ، حجك ، صدقتك ، برك ، إحسانك ، كلُّه لله سبحانه وتعالى ، فهي في إخلاص العبادة لله رب العالمين .
أمَّا سورةُ الصمد فهي سورة الإخلاص بمعنى أنَّها هي خالصةٌ في ذكر الله لا يشاركِ اللهَ أحدٌ فيها فهي وحّدتْ الله في ألوهيته وفي ربوبيته وفي أسمائه وصفاته. أما سورة ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) هي في الإخلاص العملي ، وسورة الصمد في الإخلاص العلمي الاعتقادي.
وهي سورة تتحدث في موقفنا مع الكافرين ، ومن عبودياتهم ، وعن المفاصلة التامة بيننا وبينهم ، وأنَّهما لا يلتقيان مهما طالَ الزمن ، وتغيرتْ الوسائل وتعددتْ الخصال .
وفيها قطعٌ لأطماعِ الكافرين ، وأنَّ هذا الدين دينُ الحق ، وليس فيه مهادنةٌ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد)) إمَّا أنْ يتبعوه فينجوا وإمَّا يعرضوا عنه فيلقوا العذاب الأليم في الدنيا والآخرة .
والسورة محكمةٌ على أنَّ هناك براءةً تامةً ومفاصلةً تامةً بين الإيمان وبين الكفر ، وأنَّهما ضدان لا يلتقيان ولا يجتمعان ، وأنَّ منْ حاول أنْ يجمع بينهما كمن يحاول الجمع بين الليل والنهار وكمن يحاول الجمع بين الظالم والمظلوم وبين الحق والباطل .
، وهي سورة مكية ، ومن فضلها أنَّ رسول الله صلى الله عليه قرأ في ركعتي الطواف بسورتي الإخلاص ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) و ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد)) ، وفي (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ : ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) و ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد)) .
وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح قال : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قال : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ بِضْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً : ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) و ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد)) .
قال أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: ثنا زهير، قال : حدثنا أبو إسحاق، عن فروة بن نوفل عن أبيه أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لنوفل: "اقرأ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)) ثم نم على خاتمتها، فإنَّها براءة من الشرك .
الإنسانُ حينما يكررها ويقرأها في بداية يومه وفي نهاية يومه وفي بدء ليله وفي ختم ليله في الوتر كما ثبت عن سيد البشر ؛ ليجدد التوحيد والإخلاص كما أنَّ المؤمن يكرر التوحيد والإخلاص بترداد الأذان مع المؤذن .
ومقامُ السورة ومقصدُها واضحٌ ، وهو إعلانُ البراءة من الشرك والمشركين ، ومنْ أوثانهم ومن طريقتهم ، وإعلان منابذة منهجهم ومفاصلتهم في منهجهم وعقيدتهم ، فالسورةُ مخصصةٌ لإعلان البراءة ؛ ولهذا سميتْ (سورةَ الإخلاص) و(سورة البراءة) و(سورة المنابذة) كما تقدم.
افتتحتْ هذه السورة بقوله تعالى : ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون)) وهذا أمرٌ منَ الله لنبيه ، ومنْ ثمةَ فكلُ أمرٍ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو أمرٌ لأُمته . وقد تكرر الأمر بالقرآن بـ (قل) أكثر من ثلاث مئة وثلاثين مرةً . وقد جاء جذر ( ق و ل ) أكثر من ألف وثلاث مئة مرة في كتاب الله . والقول : تحريكُ اللسان وإعمالُ الشفتين وإخراجُ الصوت .
[TABLE="width: 100%, align: left"]
[TR]
[TD][TABLE="width: 98%, align: left"]
[TR]
[TD][TABLE="align: center"]
[TR]
[TD]قوله سبحانه : ((قل)) مشعر بالاهتمام بما بعد القول ، وأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مأمورٌ بتبليغه للناس بوجه خاص ، وبتبليغ الدين كله بوجه عام قال الله : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) فالدينُ كلُّه هو مأمورٌ بتبليغه صلوات الله وسلامه عليه ، لكن هذا أمر لابد من العناية به تمام العناية .
[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

وقوله : (يَا أَيُّهَا) فيه ثلاثة أحرف ، هي حروف نداء : (يا) وهو وحدَه كافٍ ، والحرف الثاني : (أيُّ) والحرف الثالث : (الهاء) ، والهاء قد يكون حرف نداء ، وقد يكون حرف تنبيه ، فهذه الحروف الثلاثة هي لأجل التنبيه وأتت بعد قوله تعالى : (قُلْ) من أجل استجماع الذهن والسمع لتلقي الأمر الإلهي .
وَابْتُدِئَ خِطَابُهُمْ بِالنِّدَاءِ لِإِبْلَاغِهِمْ ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَسْتَدْعِي إِقْبَالَ أَذْهَانِهِمْ عَلَى مَا سَيُلْقَى عَلَيْهِمْ .
والكفر قرين الجهل فقد وصفهم الله بهذه السورة بـ (الكافرون) ووصفهم في سورة الزمر بـ (الجاهلون) قال تعالى : ((قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُون)) بل الكفر سببه الجهل ، ولذا كان أول الأمر : ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق)) .
و ((الْكَافِرُون)) هم الجاحدون للحق الديني الرباني الذي جاء به رسلُ الله تبليغاً لما أمرهم الله أن يبلغوه .
والكفر لغة الستر ، ومنه تسمية الفلاّح كافراً ؛ لأنَّه يستر الحب في الأرض ، ولذلك اختير الاسم ؛ لأنَّ الكفار يسترون الحقيقة ويجحدونها .
[TABLE="width: 100%, align: left"]
[TR]
[TD][TABLE="width: 98%, align: left"]
[TR]
[TD][TABLE="align: center"]
[TR]
[TD]وفي الإتيان بهذا الوصف القبيح تحقيرٌ لهم ، واستخفافٌ بشأنهم ، وإشعارٌ بأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهابهم ؛ لأنَّه محفوظ من ربه .
[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

وقوله تعالى : ((لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون)) أي : في الحال ، أي : لا أعبد الشيء الذي تعبدونه كما قال تعالى : ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ)) فأمرَهُ ربُّه بالإخلاص .
قال ابن كثير : ((إِنَّ الْعَابِدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْبُودٍ يعبده وعبادةً يسلكها إليه، فالرسول صلّى الله عليه وسلّم وَأَتْبَاعُهُ يَعْبُدُونَ اللَّهَ بِمَا شَرَعَهُ، وَلِهَذَا كَانَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيْ لَا مَعْبُودَ إِلَّا اللَّهُ ولا طريق إليه إلا مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ عِبَادَةً لَمْ يَأْذَنْ بِهَا اللَّهُ ))
وقوله : ((وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد)) أي : ما دمتم على الكفر فلستم عابدين إلهي ؛ لأنَّ العبادة يشترط لها الإخلاص وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ، وعبادة الأصنام والطواغيت شرٌ وشرك ، ولا تكون العبادةُ عبادةً إلا إذا كان مبناها على الإيمان والتوحيد والخلوص من الشرك .
نفى عبادة ما يعبدون عن نفسه بالحالتين الإسمية والفعلية فقال ((لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)) أعبد فعل مضارع و((وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ)) عابدٌ اسم ، وبالنسبة لهم نفى عنهم عبادة ما يعبد بالاسمية وحدها فكرر ((وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)) مرتين. أنه نفى بالفعل الماضي والمضارع ((لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)) (مضارع)، ((وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ)) (ماضي)) إذن نفى عبادة ما يعبدون عن نفسه بالاسمية والفعلية والماضي والمضارع الذي هو الحال والاستقبال، ونفى عنهم بالإسمية فقط ((وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ)) الآن اتضحت لها صورتان ما نفاه عن نفسه الاسمية والفعلية والماضي والحال والاستقبال، ما نفاه عنهم الإسمية ونحن نعرف أنَّ الإسمية تفيد الثبوت والفعل يفيد الحدوث والتجدد إذن هو نفى عن نفسه عبادة ما يعبدون بالحالة الثابتة والمتجددة، في الماضي (عبدتم) والحال والاستقبال (تعبدون)، ونفى عنهم عبادة ما يعبد بالجملة الإسمية ، أي : في حالة الثبات (عابدون)، هو نفي عن نفسه الإسمية الثابت والفعلية المتجدد والماضي والحال والاستقبال نفى عن نفسه كلَّ شيء ممكن وهم الحالة الثابتة وفي ذلك ملمحٌ أنَّ إصراره على عبادته ودينه أقوى من إصرارهم .
لعدم إخلاصكم في عبادته ، فعبادتُكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة ، ثم كرر ذلك ليدل الأول على عدم وجود الفعل ، والثاني على أنَّ ذلك قد صار وصفًا لازمًا.
وكما تجلى في السورة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسل لنْ يعبد ما يعبدون ، فكذلك تجلَّى أنَّهم لن يعبدوا ربه الواحد الذي يعبده ما داموا على كفرهم .
وقوله تعالى : ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) وفي هذه الآية الكريمة حصر ففي تقديم المسند على المسند إليه قصر ؛ فهم مختصون بدينهم والرسول مختص بدينه .
وفي ذلك بيان مفاصلة المنهج مفاصلة منهج الله الذي أنزله ليدخل الخلق جميعاً بشموله ، قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)) وبيان أنَّ الإسلام لا يختلط بالكفر .
((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) تأملها جيداً في واقع حياتك وجميع تصرفاتك وأوقاتك ، لي إخلاصي وتوحيدي .
والحكم المذكور في قوله تعالى : ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) حكمٌ مستغرقٌ لكلِّ زمان ومكان لا يتبدل ولا يتعطل ولا يتأخر .
وهذه السورةُ فيها منْ رحمات الله أنَّ الله قرَّر فيها المفاصلة مع الكفار كي لا يختلط الحق بالباطل ، وكي لا يلتبس ؛ ولأجل أنْ لا يختلط الإسلام بالكفر ولا الهدى بالضلال .
ومما تشمله الآية الآخيرة في قوله تعالى : ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) الجزاء والحسابُ ؛ أي : حسابي على نفسي وحسابكم عليكم ، ولا يؤخذ أحدٌ بجريرة أحد إلا إذا كان متسبباً ، قال تعالى : ((قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُون)) أمَّا منْ تسبب في أوزار الآخرين فقال تعالى : ((وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُون)) .
[TABLE="width: 100%, align: left"]
[TR]
[TD][TABLE="width: 98%, align: left"]
[TR]
[TD][TABLE="align: center"]
[TR]
[TD]وليس فيها إقرارٌ للكفار على دينهم الباطل ، وإنَّما المقصودُ كما في قول الله عز وجل: ((وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)) وقوله : ((وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)) ، أي : تهديد هؤلاء المشركين الذين ما عرفوا الله ولا قدروه حق قدره.
يقول ابن القيم رحمه الله: وفي تقديم اختيارهم على دين الله تهكم واستخفاف بهم، قال الله عز وجل : ((لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) ، فهو بمنزلة أن تقول لإنسان : هذا سم وهذا دواء، فتقديمك للسم ليس إعلاءً له وإنما استخفافاً بشأنه.
[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[TR]
[TD][/TD]
[/TR]
[TR]
[TD][TABLE="width: 98%, align: left"]
[TR]
[TD][/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]

[/TD]
[/TR]
[/TABLE]
 
عودة
أعلى