ختم النبوة

إنضم
12/01/2006
المشاركات
452
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=justify]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]
الحمد لله والصلاة والسلامعلى محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد
فإننا بين حين وآخر , نسمع عمن إغتر بنفسه , ووسوسة له الشياطين بأنه نبي , وأغرب ما في الأمر هوتصديق هؤلاء لأنفسهم ومتابعة بعض الناس لهم , والمعرفة بالشريعة تحيل أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ,فما الفرق بين مدعي النبوة والنبي ؟ وهل دليل كذب هؤلاء الذين يكثروا في حالة جهل الناس بختم النبوة ؟ ألا يوجد أمور أخرى تفرق بين مدعي النبوة والنبي ؟.
بداية التفريق بين النبي ومدعي النبوة هو الفرق بين الصادق والكذاب :فالنبي: كل من أوحي اليه من الله بشرع ليعمل به .وأصلها من النبأ اي الخبر , أي أنه يخبر بالوحي بالأخبار والأوامر , أما مدعي النبوة فهو من يزعم ذلك كذبا .
وإنما يميز النبي عن المتنبيء بسيرة وأحوال كل منهما ثم ما يجريه الله على يد النبي ليبين للناس صدقه ,وهي الآيات البينات ,التي يعرفها الناس ولا يخفى عنهم حقيقتها , ولا يستطيعوا مثلها , ولا يمكن أن يلبس على الناس شيء من هذا إلا جهلا منهم وإستغفال لهم .
فالنبوة بإختيار الله عزوجل واصطفاؤه :أخبر الله عز وجل عن الأنبياء أنه اصطفاهم الله من بين الناس , قال عزوجل : "اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ " [الحج/75، 76] " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" [آل عمران/33] , " وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" [البقرة/132]. "وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ" [الأنعام/124] فبين عز وجل أن أصل النبوة إصطفاء من الخالق , وهي ليست رياضة نفسية ولا علوم عقلية مكتسبة من التجربة في الحياة ولا مقدرة جسمية ,وأن هذا الإصطفاء إنما هو بعلم الله عز وجل :وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" [القصص/68], فهو عز وجل لا شريك له في خلقه ولا في إختياره ولا يشرك في حكمه أحدا ,وهذا أيضا يعني أن النبي إختاره الله بحكمته فلا يصطفي الله من يتغير حاله ولا من هو فاسد في الأصل ," وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ" [الزخرف/31، 32].فهذا أصل النبوة إنها إصطفاء من الخالق . وكذا يترتب عليه أن كل تبعات النبوة هي من إختيار الله عز وجل , سواء كانت الرسالة التي يكون مكلف بإتباعها أم الكتاب .قال عز وجل : "وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف/203] ," وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ "[يونس/15]ولا تكون حتى الاية بإختياره بل بتفضل الله عزوجل :" وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" [العنكبوت/50] وقال عز وجل :" وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا "[الإسراء/90-93] فالنبي يتبع ما يوحى إليه وهومكلف كباقي البشر بالعبادة وإنما أُعطي من الآيات ما يكفي الناس لصدقوا نبوته وبلغهم من الشرع ما يحكم به بين الناس ويصلح حالهم .
سيرة النبي قبل وبعد النبوة : وهي أن النبي يكون مشهورا بخلقه الحسن الموافق للفطرة السليمة و فهو ليس مجهولا بل هومعروف بذلك فقد أخبر الله عز وجل عن إعتراف الكفار بسيرة نبيهم قبل الرسالة , وعدم كذبه وحسن خلقه :" قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ" [هود/62] وأخبر عن يوسف عليه السلام عندما إستخبر الملك عن ما رمي به يوسف :" قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ "[يوسف/51] وأاخبر عن نبينا صلى الله علي هوسلم :" قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" [يونس/16] وهو أمر معروف من سيرته صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس قال :" لما نزلت ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) صعد النبي صلى الله عليه وسلم الصفا فجعل ينادي : " يا بني فهر يا بني عدي " لبطون قريش حتى اجتمعوا فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ " قالوا : نعم ما جربنا عليك إلا صدقا . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " . فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فنزلت : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) " متفق عليه . وسبب معرفة سيرته قبل النبوة أن يعلم الناس صدقه , فلا يقبل الناس أن يأتي سيء الأخلاق فيزعم النبوة . فهي تدفع أن يكون سيء الأخلاق أو المجهول نبي . ولا يعني مجرد حسن الخلق والشهرة بذلك أنه نبي , ولكن لا يكون نبي بخلاف ذلك .
وللنبي آية تدل على صدق دعواه , وهذه الآية هي دليل قطعي لا يقبل الشك تعرفه الناس بدون الحاجة إلى غيرهم , ولذلك سمية آية بينة , أي دليل واضح ,وهذه صفة آيات الله التي أرسلها مع رسله :" تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101) وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف/101-103]
"ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآَيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ "[يونس/74، 75]
وهذه الآيات تكون من عند الله عزوجل يرسلها مع النبي بحكمته جل وعلى وعلمه ,فتكون هذه الأية مما يفهم الناس ما هي ولا يلبس عليهم بها .فهي ليست سحر يزول بزوال أثر السحر, ولا كهانة فيها ما فيها من العجزوالكذب ,ولا من الخدع التي تنكشف,وأمثلة ذلك كثير منها :
ناقة صالح عليه السلام :" وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ " [هود/64] فهي تأكل وتشاركهم الماء وأصلها من الطين ,فلا يخفى على أحد انها ليست سحرا لأعينهم و لا خدعة عليهم . :وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا [الإسراء/59].
عصى موسى عليه السلام :" فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ (44) فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [الشعراء/44-47] فالكل يعلم أن الساحر لا يستطيع تحويل العصى ولا الحبل إلى أفعى وإنما هم يخيل إليهم ذلك فتحدث رهبة في صدورهم .وبعد إنتهاء أثر السحر يزوال كل شيء أما ما فعله موسى عليه السلام فهو حقيقة لقفت حبالهم وعصيهم .فلما أخذها لم تعد حبالهم ولا عصيهم" فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [الأعراف/118]
ولهذا يعلم الناس أن السحر لا يعدو كونه خدعة , وأدل شيء عليه حال الساحر , فالساحر يزعم تحويل اشياء, ومع هذا نرى فساد حاله وطلبه المال ممن يعمل له السحر ,وكأن هذه آية كذب السحرة وصدق الله عز وجل إذ قال" وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى "[طه/69]" فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ [يونس/76، 77].
ومن ما يكون مع النبي هو ما يدعوا له من الشرع أو الرسالة : فالنبي إن لم يرسله الله برسالة أمر بأن يتبع رسالة آخر الرسل : "إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ " [المائدة/44].
وهذه أدل علامة على النبوة وأكبر دليل يحتج به على من يدعي النبوة ,وبيان ذلك أن من يدعي النبوة لا يجوز أن يكون ممن من يجهل الشرع والحكم بين الناس بعد نبوته .بل يجب أن يكون بعد نبوته يعمل بالكتاب وما يوحى اليه : قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ [الأحقاف/9]فكل الانبياء يدعون الى التوحيد وعبادة الله والاحسان للناس , فليس أحد منهم يأتي بخلاف الآخر بالعقائد و الاخبار والشرع في أصوله واحد .
ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [النحل/123] فالحنفية السمحاء هي أصل دعوة الرسل . ولا يكون أحد من الأنبياء يدعو للشرك أو يدعي لنفسه الالوهية :" مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" [آل عمران/79، 80] وهذا خلاف لما يفعله بعض هؤلاء وما سيفعله الدجال .فالنبوة تزيد صاحبها شرفا ورفعة ,وتجعله بالناس أرحم وإلى الله أقرب . و يؤخذ عليهم الميثاق : وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران/81] وكان النبي يخلف النبي كما أخبر النبي عن بني اسرائيل ثم إن النبي يخبر ويبشر بمن بعده ويبشر بنبي مخصوص , وهو محمد صلى الله عليه وسلم, فلما كان الميثاق أخذ عليهم بإتباع محمد صلى الله عليه وسلم كان هوخاتم النبيين لإستحالة أخذ ميثاق اللاحق بان يتبع السابق ,ويترك ما معه, بل إما أن يسير على أثره أصلا أويأتي بشريعة تنسخ السابق ولا يجوز العكس .فالجديد لا ينسخ بالقديم .


بعد بيان هذه الأمور فإن إدعاء النبوة ليس بالأمر الذي يستطيعه أحد إلا نبي وقد كفانا الله البحث في أحوال الناس بختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وهي واضحة جلية في الشرع مما يدفع أن يدعي أحد النبوة وكانت خصائص نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فيها ما يدل أيضا على كذب هؤلاء فكانت هذه الخصائص تشير الى كذب مدعي النبوة ختم النبوة والتشريع .
لماكان الإسلام خاتم الاديان وكان الرسول محمد صلى لله عليه وسلم خاتم النبيين كان لرسالة خصائص تكذب من يدعي النبوة بعده صلى الله عليه وسلم , وأهم هذه الخصائص :
آية نبوته دائمة :تناسب آية النبي ان تكون حجة على الناس بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فالقرآن هو آية صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم و كان لنبوته آيات أخر ولكن هذه هي الاية التي بينت نبوته وشهدها الجميع . وبيان ذلك أن الخالق عزوجل بعث كل نبي الى قومه خاصة فيبين لهم ,ويريهم الآية ,ويرونها في حياتهم,فتكون حجة عليهم,فناقة صالح عليه السلام كانت تجول وترد الحوض وتشرب الماء قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (155) وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (156) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ [الشعراء/155-157] حتى عقرها أشقى القوم ,وموسى عليه السلام كان يأتي أهل مصر بما يشاهده كل الناس حتى بعد اجتماعهم يوم الزينة وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف/132-134] وهكذا حال كل آية ولكن الله عزوجل أراد أنتتناسب آية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مع كونها ستبقى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فكان دليل نبوته القرآن الذي تحدى الناس أن يأتوا بمثله: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة/23، 24] فتعهدعز وجل بجمعه وأن لا يضيع منه شيء :" لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" [القيامة/16-19] , وحفظ القران من الضياع والتحريف "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" [فصلت/41، 42],فكانت آية نبوته باقية بعد موته حتى يرث الله الأرض ومن عليها .وقد بين الله عز وجل حال الأمم السابقة في تكذيب رسله فقال جل وعلا :" وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآَيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآَتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا "[الإسراء/59] وذلك عندما طلب المشركين أن يأتيهم النبي بآية مثل الاولين فبين لهم ان هذا رحمة بهم, وتأخير لهم كي لا يتعجلهم العذاب . قال سبحانه :"فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [القصص/48-50]. وحتى اليهود فقد طلبوا منه آية وهي :" الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ" [آل عمران/183، 184]
ولم يستجب الرسول لهم بما طلبوا من آيات . بل بين لهم أن هذا النبي متبع لما يوحى إليه من ربه وأن الآيات تأتي بأمر الله عز وجل : "وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ " [الأنعام/109، 110]" وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "[العنكبوت/50، 51] " قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ" [الأنعام/58].
فلما كانت دلالة النبوة هي القران وبين الله عز وجل أن هذه آية خالدة لا يغسلها الماء ولا تبليها الشهور كانت حجةعلى الناس إلى يوم الدين فلا يمكن أن يأتي نبي جديد وتكون الآية لغيره موجودة .
طبيعة الرسالة : وهي الاسلام الدين الخاتم فقد بين سبحانه عن ذلك لقوم موسى عليه السلام : "وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "[الأعراف/156، 157] وبين عز وجل خصائص القران وتشريعه بانه مهيمنا على الشرائع . :"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" [المائدة/48] فلا يكون شرع مبدلا للإسلام بل هو خاتمة الأديان .
فكل مدعي للنبوة يجب التحقق من حاله فنجد كذبه يتبين إما من حاله وسيرته وبتبين كذبه بما يزعم أنه دليل نبوته فيكون ما يدعيه هو أمر مما يستطيعه الناس فالناس يقدروا على تعلم السحر والخدع بل ويميزوها عن الحقيقة فلا يلتبس عليهم الأمر ثم إن الشرع اكتمل فلا يحتاج الى نبي مع وجود رسالة متبعة باقية خالدة ,فلا يلتبس الأمر بعد ذلك إلا على الجهال الذين لا يريدون أن يتبعوى شيئا سوى الهوى , وقد كفانا الله البحث عن نبي بختم النبوة وكمال الشريعة وحفظها

ختم النبوة وشبهة القادينيية والبهائية ومن زعم استمرار الوحي والرد عليهم :
إنها حقيقية بديهية يعرفها عامة المسلمين فضلا عن علمائهم ، وبالرغم من ذلك فإنه يخرج لنا في كل عصر من العصور من يدّعي أن سلسلة النبوة لم تنته ببعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وأنها مستمرّة حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، بل نرى بين الحين والآخر من يجعل من نفسه نبياً ، ويدّعي اتصاله بالوحي ، لغرضٍ في نفسه وهدىً في قلبه ، علّه أن يحضى باجتماع الناس حوله ، ولو أدّاه ذلك إلى إخراج معاني النصوص الشرعيّة عن سياقها ، وتحميلها ما لا تحتمله من المعاني ، لتوافق دعواه ، وتؤيّد هواه .

وهذه الدعوات على الرغم من سطحيّتها وتفاهتها ، إلا أنها تلقى رواجاً واسعاً في أوساط الجهلة والبسطاء ، أو تلك البعيدة عن مهبط الوحي ونور العلم في أصقاع الأرض ، فكان لابد من استعراض الشبهات التي ينطلقون منها ويستندون إليها.

ادعاء استمرار النبوّة- يرتكز من يدّعي أن باب النبوّة لم يقفل بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – على قوله تعالى : { ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين } (الأحزاب/40) وذلك بإخراج الآية عن مفهومها ، بل وتحوير معناها لتكون دليلاً لهم لا عليهم .

وأغرب هذه التأويلات وأكثرها تعسّفاً ، هو قول البهائيّة في تفسير الآية ، حيث قلبوا بين معنى النبوّة والرسالة فجعلوا النبوّة أشمل من الرسالة، فالنبي – عندهم - هو صاحب الشريعة ، والرسول لا يأتي بشريعة جديدة ولكنه يرسل بشريعة من قبله .

و أضافوا إلى هذا الخلط رأياً عجيباً ، وهو أن ( الختم ) المقصود بالآية أمرٌ نسبي ، وذلك بتخصيص معنى ( الختم ) لكل مرحلة زمنيّة , فجعلوا من موسى عليه السلام خاتم رسالة اليهود ، وعيسى عليه السلام خاتم رسالة النصرانية ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم رسالة الإسلام .

ويشهد لفساد هذا كله الواقع واعتقاد أهل الأديان السماوية ، فاليهود لم يزعموا أنه لا نبي بعد موسى عليه السلام ، فمع تكذيبهم لنبوة عيسى ومحمد صلوات الله عليهم إلا أنهم يؤمنون بــ(الميسا ) وينتظروه ليتبعوه ، ولذلك قالوا لنبينا صلى الله عليه وسلم كما في الآية الكريمة: { الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار } (آل عمران:183) ، إذاً فاليهود لم يدعوا ذلك - كما قال البهائيون - ، والأمر معروف لمن أراد التحقق منه من اليهود أنفسهم وكتبهم .

أما النصارى فإنهم يعتبرون بولس مؤسس المسيحية الحالية بعد حرفها عن التوحيد ، والنصارى يؤمنون به كرسول ، وتعاليمه عندهم مقدسة ، أضف إلى ذلك البشارات التي جاءت في كتبهم والمتعلّقة ببعثة محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يدلّ على عدم إيمانهم بختم النبوّة .

أما أهل الإسلام فأطبقوا على أنه لن يبعث نبي جديد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ، مع إيمانهم بأنّه قد أُرسل للناس كفاة , إذاً فرسالته هي للعموم الناس لا لأمة بعينها دون غيرها .

ثم كيف يستقيم القول بأن النبي هو صاحب الشريعة والله سبحانه وتعالى يقول : { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا }( المائدة : 144 ) ، وهذا يبطل القول من أساسه .

ومن التأويلات الباطلة لمعنى (ختم النبوّة ) ما زعمته القياديانية أو الأحمديّة ومن حذا حذوهم ، أن محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبوة , تشبيهاً له بالخاتم الذي يلبس بالأصبع ، فهو عليه الصلاة والسلام في الأنبياء الأجمل والأكمل , فلا يعني الوصف بـ( خاتم النبوّة ) كونه آخرهم .

والجواب على ذلك من عدّة أوجه
الأول : أنه قد ثبت صراحة في عدد من الأحاديث الصحيحة في مبناها ، الصريحة في معناها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – هو خاتم الأنبياء والرسل جميعا ، بدلالة الألفاظ التالية : ( ولكن لا نبي بعدي ) ( وأنا العاقب ) ، ( فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين ) ، ( لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ ) إلى غير ذلك من الأحاديث المشتهرة .

فمن يخالف هذه النصوص فقد حاد عن الشرع ، وخالف كلمة المسلمين وإجماعهم ، والله تعالى قد توعّد من قام بذلك بقوله : { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا }( النساء : 115 ) .

الثاني : معنى الختم في اللغة هو الانتهاء ، لأن "ختم " وكل ما يرد لها دائما تكون آخر الشيء ، كما قال ابن جريرة في تفسيره : " لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع والفراغ" وهذا واضح وبين من كلام العرب.

فقد جاء في لسان العرب ( 12/163 ): " وخِتامُ القَوْم وخاتِمُهُم وخاتَمُهُم آخرُهم عن ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - خاتِمُ الأَنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام ، والخاتِم والخاتَم من أَسماء النبي صلى الله عليه وسلم وفي التنزيل العزيز : { ما كان محمد أَبا أَحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتِمَ النبيّين } : أَي آخرهم " .

وفي تاج العروس (ص : 7687 ) ما نصّه : " والخاتم من كل شئ عاقبته وآخرته ، و الخاتم آخر القوم كالخاتم ، ومنه قوله تعالى : { وخاتم النبيين } أي آخرهم " .

وفي مختار الصحاح ( 1/71 ) : " وخَتَمَ الله له بخير ، وختم القرآن : بلغ آخره ، واخْتَتَمَ الشيء ضد افتتحه ، والخَاتَمُ : بفتح التاء وكسرها والخَيْتامُ و الخَاتَامُ : كله بمعنى ، والجمع الخَوَاتِيمُ ، و تَخَتَّمَ : لبس الخاتم ، وخاتِمةُ الشيء آخره " .

وفي معجم المقاييس لابن فارس ( 2/200 ) : " (ختم) الخاء والتاء والميم أصلٌ واحد، وهو بُلوغ آخِرِ الشّيء. يقال خَتَمْتُ العَمَل، وخَتم القارئ السُّورة. فأمَّا الخَتْم، وهو الطَّبع على الشَّيء، فذلك من الباب أيضاً؛ لأنّ الطَّبْع على الشيءِ لا يكون إلاّ بعد بلوغ آخِرِه، في الأحراز. والخاتَم مشتقٌّ منه؛ لأنّ به يُختَم، والنبي صلى الله عليه وسلم خاتَِمُ الأنبياء؛ لأنّه آخِرُهم " .

وجاء في تهذيب اللغة للأزهري : ((وقوله جلَّ وعزَّ: )مَا كانَ مُحَمّدٌ أبَا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ ولكنَّ رسول اللهِ وخَاتِمَ النَّبِيِّين( معناه: آخر النَّبيِيِّن. )) ( 2/474 ) .

الثالث : إذا كان بوسع أهل الباطل ادّعاء المجاز في قوله تعالى : { وخاتَم النبيّين } بالفتح ، فلن يكون بوسعهم تأويل القراءات المتواترة والواردة بكسر التاء : { وخاتِم النبيّن } لا سيّما وأنها قراءة الجمهور عدا حفص ، والأمر المعروف بين أهل التفسير أن اختلاف القراءة يعطي الكلام دلالة وتوسيعا في المعنى أو توضيح له ، ولا يكون متناقضا فيما بين آياته { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } (النساء/82) ، وقراءة الجمهور نصٌّ في إثبات ختم النبوّة ، فكيف يسعهم الإجابة عن ذلك ؟ .

الرابع : لو تأمّلنا سياق الآية لوجدنا فيه الدلالة على ختم النبوّة ، وينفي معنى ( الأفضليّة ) الذي ذكروه ، ذلك لأنّ الآية تدلّ على انقطاع نسل النبي – صلى الله عليه وسلم – من الذكور ، لأن بنيه ماتوا صغاراً ، وقد جرت العادة أن الرسل عليهم السلام لم يخل عمود أبنائهم من نبي ، فلو كان له ولد بالغ مبلغ الرجال لكان نبياً ، ولم يكن هو خاتم الأنبياء ، فكان من المناسب أن يكون المعنى أنه عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء ، ولذلك قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الآية : " يريد لو لم أختم به النبيين لجعلت له ابنا يكون بعده نبيا " .

أما لو جعلنا معنى ( ختم النبوة ) المذكور في الآية هو أفضليّة النبي – صلى الله عليه وسلم – على من عداه من الأنبياء والرّسل ، فما العلاقة بين نفي الأبوّة المذكور في الآية وإثبات الأفضليّة له ؟ ، لا شكّ أن المعنى سيختلّ .

ولقد حاول المتؤوّلون لمعنى ( ختم النبوّة ) الاستناد إلى حديث صحيح يظنّون أنّه دالٌّ على ما يدّعونه ، وهو قول أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: ( صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء وإن مسجده آخر المساجد ) رواه مسلم ، فقالوا : " معنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( آخر الأنبياء ) هو نفس معنى قوله : ( مسجده آخر المساجد ) وهو الإشارة إلى الفضل والمكانة ، فإننا نعلم أن مساجد كثيرة قد بُنيت بعد المسجد النبويّ ، فيكون معنى الحديث : مسجده عليه الصلاة والسلام أفضل المساجد ، وهو أفضل الأنبياء " .

وهذا التأويل غير مقبول ، لأن معنى (آخِر ) في لغة العرب تكون بمعنى الأخير ، ولذلك سًمّيت الدار الآخرة بهذا الاسم ، لأنّه لا دار بعدها ، ولم يُعهد أبداً ورود لفظة ( الآخِر ) بمعنى (الأفضل ) .

أما التوجيه الذي وجّهوا به الحديث ، فينفيه السياق ، فإن الحديث يعقد المفاضلة بين المساجد الثلاثة ، وهي المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وهذه المساجد الثلاثة قد بُنيت على أيدي الأنبياء كما هو معلوم في التاريخ ، ,وهذا أي مبنى المساجد يعني أي المساجد الثلاثة المذكورة سابقا لأن الألف واللام في قوله – صلى الله عليه وسلم - : ( المساجد ) ليست للجنس بل للعهد ، ويدلّ على ذلك صراحة ما رواه البزّار عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أنا خاتم الأنبياء ، ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء ) .

ومن شبهات أهل الباطل ما ذكروه عند قول النبي – صلى الله عليه وسلم – ( ليس بيني وبينه نبيٌّ، يعني عيسى عليه السلام، وإنه نازلٌ ) رواه أبو داود ، فقالوا :كيف يكون النبي– صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء ,وقد أخبرنا أن المسيح عيسى عليه السلام سينزل ، والمسيح نبي؟

وهذا الحديث لا يؤيدهم في شيء ، بل هو حجة عليهم ؛ لأن عيسى عليه السلام بعث نبيا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - , ونزوله عليه السلام لا يسلبه نبوته ، بل إن الأحاديث تشير أنه يوحى اليه من الله ,والمسيح كان نبيا قبل محمد - صلى الله عليه وسلم - .

ومن شبهاتهم كذلك زعمهم أن حديث" لوعاش لكان صديقا نبيا" عن إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، يدلّ على إمكانيّة وجود نبوّة بعده – صلى الله عليه وسلم - ، ومعلوم عند أهل اللغة أن لفظة ( لو ) لا تدلّ على إمكانيّة الحصول لأنها تفيد امتناع الجواب لامتناع الشرط ، وذلك كقول المتخاصمين يوم القيامة : { قالوا لو هدانا الله لهديناكم } ( إبراهيم : 21 ) .

ثم إن هذا الأثر قد رُوي بطرق صحيحة عن الصحابة ما يدفع شبهة هؤلاء ، فعن عبدالله ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال : " لو قضي أن يكون بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي عاش ابنه ، ولكن لا نبي بعده " رواه البخاري ، وعن أنس رضي الله عنه قال : " رحمة الله على إبراهيم ، لو عاش كان صديقا نبيا ، و لكن لم يكن ليبقى ؛ لأن نبيكم آخر الأنبياء " رواه أحمد وابن ماجة .

وكذا باقي شبههم فإنها إما ببتر الحديث أوبالإستدلال بالضعيف والموضوع ، ومثال الثاني استدلالهم بخبر : ( يا عباس ، أنت خاتم المهاجرين ، كما أنا خاتم النبيين ) والحديث موضوع ، وكذا الخبر: ( أنا خاتم الأنبياء ، وأنت يا علي خاتم الأولياء ) ذكره الخطيب البغدادي وهو حديث باطل .

ومن مثال منهجهم الانتقائي للأحاديث انتقاء قول عائشة رضي الله عنها : "لا تقولوا لا نبي بعده ، ولكن قولوا خاتم النبيين" , فالعبارة ليست حديثا مرفوعا , وليس فيه نفيٌ لختم النبوّة ، وإنما قالته لدفع إنكار نزول عيسى عليه السلام ، يدلّ على ذلك ما ذُكر عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، فقد قال رجل عنده : " صلى الله على محمد خاتم الأنبياء ، لا نبي بعده " ، فقال المغيرة : "حسبك إذا قلت خاتم الأنبياء ، فإنا كنا نحدث أن عيسى عليه السلام خارج ، فإن هو خرج فقد كان قبله وبعده " رواه الطبراني في الكبير ، فكيف يستدل بمثل هذا الحديث على بعث أنبياء جدد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟

والحاصل أن لفظ ختم تعني الطبع والإنتهاء , وأننا نقطع بأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بعده نبي جديد , وأن عيسى عليه السلام نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم . ومن يثبتُ خلاف ذلك من أهل البدع ، فإنه يبحث عن ما يقوي بدعته بأي طريقة ، فيأخذ الموضوع ويترك الصحيح من الأخبار , ويقتطع أجزاء النصوص ويتمسك بها ويترك ما قبلها وما بعدها ، ويكفينا إجماع المسلمين على ختم النبوة بمحمد – صلى الله عليه وسلم - ، وبعد هذا لا يكون لأحد أن يخرج عن إجماع المسلمين في دين كفل الله بحفظه إلى يوم القيامة .

أدلة ختم النبوة :
لوضوح قضيّة ختم النّبوّة عند الصحابة ، لم يتردّدوا لحظة في تكذيب كلّ من ادّعى النبوّة ، سواء في ذلك من عاش في عصر النبي عليه الصلاة و السلام – كمثل مسيلمة الكذّاب والأسود العنسي - أو جاء بعد – كسجاح وطليحة الأسدي والمختار الثقفي- .

ولذلك نجد أن ابن الزبير رضي الله عنه عندما قيل له إن المختار الثقفي ادّعى نزول الوحي عليه نفى ذلك على الفور ، وسخر من ذلك قائلاً :صدق، ثم قرأ قوله تعالى : {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون} (الشعراء/221-223)، ونرى كذلك أم أيمن رضي الله عنها تبكي انقطاع الوحي إلى الأبد قائلة : " أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء " رواه مسلم .

وبالتالي فتكذيب الصحابة لهؤلاء الأفّاكين لم يكن مجرّد رأي واجتهاد ، بل تصديقاً لما أخبر به القرآن وما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم – من الأخبار التي تفيد انقطاع النبوّة من الأرض .

ومنها قوله تعالى :{ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما }(الأحزاب/40) ، فهذه الآية تدلّ بلفظها وسياقها أن النبوّة قد خُتمت بمبعث النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يخالف في ذلك أحدٌ من السلف ، والمعنى أن النبوة كانت في محمد - صلى الله عليه وسلم - من نسل إسماعيل عليه السلام , ثم قدّر الله على نبيّه ألا يكون له ذرّية ، ولم يكتب له أن يكون أباً لأحد من الناس ، فبين الله عز وجل أنقطاع النبوة بعده , كما بين أن زيدا ليس ابنا لمحمد صلى الله عليه وسلم وكذا بين أن ابناء النبي لم يبلغوا الحلم ليكونوا رجالا بينهم , وانما توفوا قبل ذلك , فلا يكون بعده نبي من نسله صلى الله عليه وسلم , ولما ختم النبوة وهي أعم من الرسالة كان النبي صلى الله عليه وسلم بذلك خاتم الأنبياء والرسل ، ويشهد لذلك قول ابن أبي أوفى رضي الله عنه : " لو قضي أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي عاش ابنه ، ولكن لا نبي بعده " رواه البخاري .

وإلى جانب ذلك فقد جاء في السنّة ما يشير إلى مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم – بين إخوانه من الأنبياء والرسل ، ويدلّ في الوقت ذاته على ختم النبوّة به , في جملة من الأحاديث الصحيحة التي وردت في مواطن عدة ومناسبات مختلفة ، بلغت بمجموعها حدّ التواتر – كما سنشير إلى ذلك لاحقاً - .

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :( مثلي في النبيين ، كمثل رجل بنى دارا ، فأحسنها و أكملها و أجملها ، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها ، فجعل الناس يطوفون بالبنيان و يعجبون منه ، و يقولون : لو تم موضع هذه اللبنة ، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة .) رواه أحمد.

ومثله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مثلي ومثل الأنبياء ،كمثل قصر أحسن بنيانه ، ترك منه موضع لبنة ، فطاف النظّار يتعجبون من حسن بنيانه إلا موضع تلك اللبنة ، فكنت أنا سددت موضع اللبنة ، ختم بي البنيان وختم بي الرسل " رواه ابن حبان وهو صحيح .

وفي رواية : ( فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين ) والحديث بهذا اللفظ متفق عليه , والحديث وإن تعدّدت ألفاظه فإنها تتفق في بيان أمرين : علوّ منزلة النبي – صلى الله عليه وسلم – ومكانته ، وتمام بنيان النبوّة بمبعثه عليه الصلاة والسلام ، فلا يكون بعد تلك اللبنة موضع لنبي آخر .

ومن الأحاديث الدالّة على ختم النبوّة ، حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إني عند الله مكتوب : خاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ) رواه الحاكم وابن حبان والترمذي ، ورواه أحمد والبزار والطبراني بنحوه .

وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم انقطاع النبوة بين الناس ، في الحديث الذي رواه أبو هريرةَ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ ) رواه البخاري ، وهذا صريح في انقطاع الوحي وتمام النبوة .

وروى الترمذي في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الرسالة والنبوة قد انقطعت ، فلا رسول بعدي ولا نبي ، قال : فشق ذلك على الناس ، فقال : لكن المبشرات قالوا يا رسول الله وما المبشرات ؟ قال رؤيا المسلم ، وهي جزء من أجزاء النبوة ) ، وهذا بيان كاف شاف من النبي عليه الصلاة والسلام أنه هو من ختم به أمر النبوة ، بحيث لا يرسل الله بعده رسولا ولا يبعث نبيا .

كما أنّ ختم النبوّة من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم التي فُضّل بها على إخوانه من الأنبياء والرّسل ، كما جاء في الحديث : ( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ ،أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً ، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ )رواه البخاري ، وهو يطابق معنى الآية ويزيد عليها بيان أنه صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة فلزم الناس كلهم اتباعه والإيمان به , فلا يكون بعده نبي ولا رسول ، وذلك لانتفاء الحاجة إلى مبعث نبيّ جديد ، حيث وجد في أمته - صلى الله عليه وسلم - من يحمل رسالته , فينشرها في العالمين.

ويشير إلى هذا المعنى قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ ، قَالَ فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ – أي يجب الوفاء ببيعة الأوّل - فَالْأَوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ ) متفق عليه ، فبين عليه الصلاة والسلام أن شأن بني إسرائيل كان مستقيما باتباعهم أنبيائهم ، وأنه لن يخلفه نبي ، وإنما سيكون خلفاء.

وفي تسمية النبي – صلى الله عليه وسلم – لنفسه بالــ(العاقب ) دلالة على ختم النبوّة والرسالة ، فعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ : ( أَنَا مُحَمَّدٌ ، وَأَنَا أَحْمَدُ ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي ، وَأَنَا الْعَاقِبُ ، وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ ) رواه مسلم وأحمد والترمذي , ومعنى العاقب : الذي يعقب كل الأنبياء ولا يعقبه نبي ، ولو كان بعده نبي لسمي عاقبا دون (ال) التعريف.

وفي غزوة تبوك قال النبي لعلي رضي الله عنه بيانا لمنزلته :( أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي ) متفق عليه .

وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذّابين الذين يأتون فيدعوا النبوة ، وذلك في الحديث الذي يرويه ثوبان رضي لله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :( سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، و أنا خاتم النبيين ، لا نبي بعدي ، و لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله ) ، رواه مسلم.

وفيه بيانُ أن الحق باقٍ في هذه الأمّة مهما تطاول الزمن وظهرت الفتن , وفي قوله : ( فأنا خاتم النبيّين ) قطع للطريق على هؤلاء الأفّاكين وإغلاقٌ لهذا الباب بالنصّ الصريح الواضح .

وذكر ابن كثير والقرطبي في تفسيريهما ، أن الإخبار بقوله - صلى الله عليه وسلم - ( لا نبي بعدي ) بلغ التواتر , فإن النبي قد قرّر ما دلّ عليه الحديث في أكثر من موضع ، بما لا يبقي شكّاً في صدور الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام ، ولذلك فإن الأمة مجمعة على تكذيب من يدعي النبوة , واعتبروا ذلك مفارقةً للإسلام ، وأوجبوا عليه حدّ الرّدة .

وبعيداً عن الآيات المحكمة والأحاديث الصريحة والإجماع المنعقد ، فثمّة دلالاتٌ على ختم النبوّة والرسالة تظهر لمن تأمّل خصائص رسالته عليه الصلاة والسلام .

فمن ذلك أن آية نبوته دائمة : فالقرآن هو أعظم الآيات الدالة على صدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وإن كانت لنبوته آيات أخر ولكن هذه هي الآية التي بينت نبوته وشهدها الجميع ولم يزل الإعجاز والتحدّي بها قائماً بعده إلى يوم الناس هذا ، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، بخلاف آيات الأنبياء السابقين فإنها كانت آنيّة الآيات لحظيّةً غير مستمرّة ، سرعان ما ينتهي عملها ويزول أثرها .

أما النبي – صلى الله عليه وسلم – فقد أراد الله عزوجل أن تتناسب آية نبوته مع كونه خاتم النبيّين ، فكانت القرآن الذي جاء به التحدّي للخليقة كلّها على الدوام أن يأتوا بمثله فقال { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة/23، 24) ، وتعهد عز وجل بجمعه وأن لا يضيع منه شيء فقال :{ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } (القيامة/16-19) , وحفظ القرآن من الضياع والتحريف فقال { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } (فصلت/41، 42),فكانت آية نبوته باقية بعد موته حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

كذلك نرى في طبيعة الرسالة التي جاء بها النبي – صلى الله عليه وسلّم – ما يؤيّد خاتميّة النبوّة والرسالة ، : فالإسلام هو الدين الخاتم الذي ارتضاه الله للبشريّة ، كما قال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } (المائدة : 3 ) ، وقال تعالى : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران : 85 ) .
وإذا نظرنا إلى الإسلام وجدنا شرعه مكتمل شامل على كل شيء ولم يغفل شيء وكذا وجدناه مناسبا لكل زمان ومكان وعرق ,بل ليس فيها يء من الإصر ولا الأغلال {‏ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم‏} (الأعراف : 57.( ووجدنا في شريعة الاسلام الحل لكل مشاكل الأمم , وكلما أراد الناس الهدى والرشاد في غيره وجدوا الضلال وضنك العيش.

وبين عز وجل خصائص القرآن وتشريعه بأنه مهيمنا على الشرائع : قال تعالى{ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } (المائدة/48 ) فلا يكون شرع مبدلا للإسلام ، بل هو خاتمة الأديان .

إنها إذاً قضيّة محسومة ، اجتمع فيها صحة السند مع تعدد الرواة عن النبي – صلى الله عليه وسلّم – في أحاديث عدّة ومع تعدد المواطن ، وكلها تنصّ على قفل باب النبوّة وانقطاع الوحي , فهل يملك أحدٌ بعد ذلك أن يُغالط أو يعاند؟ .


والحمد لله رب العالمين
 
عودة
أعلى