حَقِيْقَةُ هَارُوْتَ وَمَارُوْتَ فِيْ ضَوْءِ السِّياَقِ القُرْآنِيْ

إنضم
10/05/2012
المشاركات
1,360
مستوى التفاعل
37
النقاط
48
الإقامة
جدة
الموقع الالكتروني
tafaser.com
بسم الله الرحمن الرحيم

حَقِيْقَةُ هَارُوْتَ وَمَارُوْتَ فِيْ ضَوْءِ السِّياَقِ القُرْآنِيْ


  • الآياتُ الكريمة موضع الدراسة:
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) البقرة


  • مقدمة:
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

لاشك أن القصة الواردة في الآية الكريمة الثانية بعد المائة من سورة البقرة تثير تساؤلات عميقة وقضايا إيمانية دقيقة مهما تجاهلنا ما يختلجُ في أنفسنا تجاهها فإنه تبقى في النفس منها ما يبقى ، فمفهومُ الآية ِالظاهرِ أنَّ هاروتَ وماروتَ كانا مَلَكيْن من الملائكةِ يعلِّمان الناس السِّحر ، وفي نفس الآية نَسَبَ تعليم السحر إلى الشياطين (وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ولا شك أن السِّحرَ كفر فكيف يرسل الله ملكين ليعلمان الناس الكفر وهو الهادي دوماً إلى سواء السبيل ؟؟ ، وكيف يكون هذا العمل منسوباً لملكين من الملائكة وهم الذين لا يختارون بل يطيعون على الدوام فهم (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).

لقد تعرضت هذه القصة لتفسيرات ورؤى عديدة أقحمت فيها الإسرائيليات الباطلة والمنقولات الواهنة والتفسيرات المخالفة لسياق ومقتضى الآية الكريمة ، ولم أقع على ما يستحضر آيات القرآن الكريم ليسترشد بها فيما يقول ، ولا يمكن في ما أعتقد أن تفهم الآية بمعزل على السياق القصصي والسردي القرآني في مواضع القرآن المختلفة ، كما أن توظيف الإسرائيليات في هذا الموضع بالذات وفي هذه القصة سقطة كبيرة وخطأ بيِّن فبني إسرائيل هنا موضع اتهام بالتحريف والتزوير والكذب في هذه الآية فكيف يحتج بقولهم لتفسيرها ؟؟.


وفي هذا البحث انجلى فهمي الخاص عمَّا تنطوي عليه الآيات بما لا يخالف ظاهرها ولا يعسف مفهوم النص إلى مرمىً بعيد ويتفق مع سنن الله تعالى حتى يستقر الفهم السليم ويتميز عن سواه ، وسأبدأ ببيان مواطن التناقض والانحراف في السائد من التفاسير والتأويلات التي نسب معنى الآية إليها ومن ثم أبدأ في سرد تاريخي للجوانب التي تمس هذه القصة في تاريخ سليمان عليه السلام بنقاط ضوء حتى تصل بنا وتقودنا لمفهوم هذه الآية بناءً على الآيات الكريمة التي سنسترشد بها بإذن الله.

ومن ثم ننتقل إلى تأمل الآية ومفرداتها وربط حقائقها بعضها البعض والتأويل الذي أراه متفقاً ومتسقاً مع مقتضى الآية الكريمة وهو ما نختم به هذا المقال.



  • بعض ما اشتُهِر في تأويل الآية الكريمة:
قبل أن نبدأ في ما اشتهر من تأويلات لهذه الآية فقد لاحظت أن كثير ممن تصدى لشرحها وتأويلها لم يحملها على ظاهر النص بل استعان بنصوص إسرائيلية أو تأويلات غريبة ليحرف الآية عن مفهومها الظاهر ، ومن تلك التأويلات :

أولها : القول بأن “ماللجحد أي : لم ينزل الله على هاروت وماروت سحراً.

أقول: ولكن توجيه ذلك لا يستقيم مع سياق الآية وتقديرها ( واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان واتبعوا ما انزل على الملكين ببابل) ودليل ذلك تثنية قوله (يعلِّمان) أي الملكين وبذلك يكون هذا القول مردود بسياق الآية.

ثانيها: القول بإثبات نزول السحر على الملكين وتعليمهما وتعذيبهما لقاء ذلك : قال قتادة والزهري عن عبد الله : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، كانا ملكين من الملائكة ، فأُهبِطا ليحكما بين الناس ، وذلك أن الملائكة سخروا من أحكام بني آدم . قال : فحاكمت إليهما امرأة فحافا لها ، ثم ذهبا يصعدان ، فحيل بينهما وبين ذلك ، وخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا . قال معمر ، قال قتادة : فكانا يعلمان الناس السحر ، فأخذ عليهما أن لا يعلما أحدا حتى يقولا :إنما نحن فتنة فلا تكفر“.

أقول : وهذا قول باطل في حق ملائكة كرام لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، ولم يعرف في كتاب الله أن الله أنزل ملائكة تحكم بين الناس أو أرسل ملائكة من غير جنس البشر تقوم فيهم مقام الرسل وكيف يكون العصيان من الملائكة وهم لا ينبغي لهم العصيان وليس لديهم ارادة الاختيار والتمييز أصلا فهم مجبولين على الطاعة فقط.

ثالثها : عن قتادة قوله : ( يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) . فالسحر سحران : سحر تعلمه الشياطين ، وسحر يعلمه هاروت وماروت .

اقول : من أين له ذلك ؟؟ والله جل وعلا عطف السحر الذي تتلوه الشياطين على السحر الذي أنزل على الملكين فكانا في آخر الأمر سحراً يخرج من الملة (إنما نحن فتنة فلا تكفر).

رابعها : عن مجاهد : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) ، وهما يعلمان ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، وذلك قول الله جل ثناؤه : ( وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا ) . وكان يقول : أما السحر ، فإنما يعلمه الشياطين ، وأما الذي يعلم الملكان ، فالتفريق بين المرء وزوجه ، كما قال الله تعالى .

أقول : ولكن الله يقول (ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) أي يختارون من علوم السحر ما يفسدون به بين المرء وزوجه ولكن هذا لا يلزم أن كل ما لدى الملكين من علوم السحر حصراً في مسألة التفريق ، ولكن ذلك فيما يبدو غالب اختيار اليهود من علم الملكين.

خامسها: عن قتادة قال : حدثنا أبو شعبة العدوي في جنازة يونس بن جبير أبي غلاب ، عن ابن عباس قال : إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم ، فلما أبصروهم يعملون الخطايا قالوا : يا رب ، هؤلاء بنو آدم الذي خلقته بيدك ، وأسجدت له ملائكتك ، وعلمته أسماء كل شيء ، يعملون بالخطايا! قال : أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم . قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا! قال : فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض ، قال : فاختاروا هاروت وماروت . فأهبطا إلى الأرض ، وأحل لهما ما فيها من شيء ، غير أن لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا ، ولا يزنيا ، ولا يشربا الخمر ، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق . قال : فما استمرا حتى عرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن ، يقال لها : ” بيذخت ” فلما أبصراها أرادا بها زنا ، فقالت : لا إلا أن تشركا بالله ، وتشربا الخمر ، وتقتلا النفس ، وتسجدا لهذا الصنم! فقالا : ما كنا لنشرك بالله شيئا! فقال أحدهما [ ص: 428 ] للآخر : ارجع إليها . فقالت : لا إلا أن تشربا الخمر ، فشربا حتى ثملا ودخل عليهما سائل فقتلاه ، فلما وقعا فيما وقع من الشر ، أفرج الله السماء لملائكته ، فقالوا : سبحانك! كنت أعلم! قال : فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، فاختارا عذاب الدنيا ، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت ، وجعلا ببابل .

والقول عن عمير بن سعيد قال ، سمعت عليا يقول : كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس ، وأنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت ، فراوداها عن نفسها ، فأبت إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء . فعلماها ، فتكلمت به ، فعرجت إلى السماء ، فمسخت كوكبا .

أقول : : تلك من الأخبار المنكرة التي لا يصح نقلها لما تحمله من مفاهيم تناقض ما علمناه في القرآن من شأن ملائكة السماء المكرمين الذين نزههم الله عن الفحش والسوء وعصمهم منه عصمة تكوينية فمثل تلك الأقوال لا يشك في بطلانها ثم أنها لا تناسب السياق القرآني الذي يخبرنا بنزول السحر علماً على الملكين وتحذيرهما لكل من يتعلمه بأن العمل به كفر ، وما جاء من أحاديث في شأن هاروت وماروت فضلا عن وهنها والحكم بوضعها فلم تتطرق إلى تعليم السحر مما يدل على اضطراب موضوع الرواية أصلا ومتناً.

سادسها : وقال الكلبي : كتبت الشياطين السحر والنيرنجيات على لسان آصف كاتب سليمان ، ودفنوه تحت مصلاه حين انتزع الله ملكه ولم يشعر بذلك سليمان ، فلما مات سليمان استخرجوه وقالوا للناس : إنما ملككم بهذا فتعلموه ، فأما علماء بني إسرائيل فقالوا : معاذ الله أن يكون هذا علم سليمان ! وأما السفلة فقالوا : هذا علم سليمان ، وأقبلوا على تعليمه ورفضوا كتب أنبيائهم حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل على نبيه عذر سليمان وأظهر براءته مما رمي به فقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين . قال عطاء : تتلو تقرأ من التلاوة . وقال ابن عباس : تتلو تتبع ، كما تقول : جاء القوم يتلو بعضهم بعضا . وقال الطبري : اتبعوا بمعنى فضلوا .

أقول : لا يستقيم ذلك مع ما لسليمان عليه السلام من سلطان وملك عظيم وتسخير أن يدفن تحت مصلاه بخيانة كاتب له وهنا نحن نستنسخ طعن اليهود في سليمان عليه السلام ونعتقد انه تنزيها له وهو في حقيقته طعنٌ صريح في ملكه ونزاهة من ائتمنهم على شئونه ، كما أن القول بأن سليمان عليه السلام هو من دفن تلك الكتب تحت كرسيه طعناً في نبي الله فكيف تقع تحت يده كتب كهذه ولا يمزقها وينتقم ممن أحضرها بسلطة ملكة وقوته.


  • السياق التاريخي وتوجيه الآية الكريمة :
في هذا المطلب سنتتبع ملك سليمان منذ نشأته وحتى اندثاره ومنه إلى هذه الآية الكريمة :

- أورث الله الملك لسليمان بعد أبيه داود عليهما السلام وآتاه ملكاً لم يسبق لأحد مثله استجابة لدعوته إذ يقول تعالى : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40) (ص).

- فأخضع الله جل وعلا الجان والشياطين تحت سطوة عبده سليمان عليه السلام فسخرهم لعمل ما يشاء يقول ربنا جلت قدرته : (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (13) سبأ ، وعاقب من يقصر منهم فصفدهم في الأغلال وكانت تلك الحقبة أسوأ حقبة مرت على شياطين الجن في التاريخ فقد أهان سليمان عصاتهم وعذبهم شر عذاب وكانوا في أحسن أحوالهم مسخرين يصنعون له الأسلحة والآنية والمصنوعات بأنواعها ولا يجرؤ أحدهم على الاعتراض أو التقصير وإلا فإن العذاب الشديد هو مصيره يقول تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) سبأ.

- من ذلك نتيقن ونعلم ما كان الشياطين يكنون من بغض شديد وعداء منقطع النظير لسليمان عليه السلام حتى شعروا بالحقارة والضعف حتى آخر لحظات عبوديتهم فيقول جل من قائل: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14) سبأ . ومن ذلك نستنتج أن القول بأن تسخير الجان استمر في حكم رحبعام ابن سليمان غير دقيق ، فالآية تفيد بانتهاء التسخير باكتشافهم لموت سليمان عليه السلام ، ثم أن ملك سليمان لا ينبغي لأحد من بعده.

- من كان طليقاً حراً من عتاة الشياطين ومردة الجان لم يكونوا صامتين تجاه ما يتلقاه الشياطين من اهانة وتصفيد وعذاب على يد سليمان فأوحوا لفساق من بني اسرائيل طلاسم وتعاويذ وشعوذات يتلونها على ملك سليمان لعلها تستنقذ اخوانهم ويظهرون بها على ملك سليمان (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) الجن :6 ، ولا يتمكن الجان من إحداث تأثير على البشر ما لم يعينه على ذلك أحد منهم فكانت الشياطين تختار لشعوذاتها وتعاويذها من انحرف من قوم سليمان لتلاوة تلك التعاويذ لعلها تحقق مرادهم (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ).

- مفهوم التلاوة يختلف عن مفهوم القراءة العادية فالتلاوة إنما هي قراءة لنص بعد قراءة آخر ، فعندما تقرأ نصاً تتبع في قراءته قارئاً يسبقك تكون قراءتك بذلك تلاوة ، والقارئ الذي يُقرأ عليه يصح أن يقال له (يتلو) والتالي الذي يتبع ما يقول القارئ ويكرره (يتلو) أيضاً ، والتلاوة تختلف عن القراءة العادية إذ يرجى بتلاوتها حدوث أمر كحصول نفع أو وقوع ضر ، فمراسيم الملوك إذا تصدر وتقرأ يقال (تتلى) إذ أن قارئها مملي عليه وليس هو صاحب القول ، وينتج عن تلك التلاوة حدوث نفع أو وقوع ضرر.

والقرآن الكريم حين تلاوته فإننا نقرأ نصه كما قرئ على نبيه صلى الله عليه وسلم وكما قرأه عليه من بعده أصحابه فكانت قراءة القرآن في أصلها تلاوة.

وقراءة القرآن يرجى بقراءتها برء من سقم أو حصول أجر أو اتباع أمر فلذا كانت قراءة القرآن تلاوة من هذا الباب أيضاً.

- وبذلك فاتباع ما تتلو الشياطين على ملك سليمان أي قراءة الشعوذات والطلاسم التي تقرأها الشياطين يتلوها فجار اليهود لإحداث ضرر – في ظنهم – على ملك سليمان واستنقاذ أسرى الجان بذلك ولكن الله أفشلهم عما يريدون.

- ومن جراء فشلهم وبغضهم الشديد لسليمان أشاعوا من خلال أوليائهم ممن تبعهم من اليهود بأن ملك سليمان كان سحراً استعان به لتسخير الجان والشياطين والريح لسلطته كذباً وبهتاناً وزوراً على نبي الله وهدفهم تدمير عقيدة التوحيد وإحلال الشرك في نفوس الناس فنفى جل وعلا عنه ذلك (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ) وكانوا في ذلك شديدي الإخلاص لأوليائهم من اليهود ولذلك فإن سحرهم من أشد السحر وأسوأه.

- لما قضى الله عليهم أن يدمر ملكهم على يد نبوخذ نصر ويسبي اليهود رقيقاً على بابل عاشوا حياة الذل والسخرة تحت حكم البابليين مئات السنين وفشا بينهم أخبار دولتهم العظيمة التي كان سليمان على قمتها فانتشر بينهم أن ما كان من قوة عند سليمان إنما كانت سحراً واستعانة بالجان والشياطين ، وهذا يدفع كثير من بني إسرائيل اعتبار ذلك السحر شرعياً جائزاً لا حرمة فيه طالما كان هذا فعل سليمان عليه السلام وكان هذا المفهوم الخطير ينذر بتحول الديانة التوحيدية إلى عبادة للشيطان من دون الله ، وكان في بابل أقدم المذاهب السحرية والشعوذات القائمة على النجوم وبني اسرائيل ما عاشوا بين قوم ضُلّال إلا ونافسوهم في الضلال والوثنية أو السِّحر والشعوذة كما حدث معهم في مصر قبل الخروج الأول وبعده عندما عبدوا العجل وكما حدث في السبي البابلي إذ تطلعوا إلى الوصول لدرجات متقدمة من السحر والاستعانة بغير الله لما تنطوي عليه نفوسهم الخبيثة من الشر والشرك والكفر.


  • هاروت وماروت.
من خلال كافة المعطيات القرآنية والتاريخية يمكن تلمس حقيقة هاروت وماروت وربط الحقائق بعضها ببعض لنصل لنتيجة ترجح ما يلي:

- أن الله جل وعلا حينما رأى ضلال بني إسرائيل في السبي البابلي عن حقيقة سليمان عليه السلام وأن ضلالهم هذا سيشرِّع السحر كعقيدة أصلية من الديانة أرسل إليهم ملكين مكرمين منزهين عن الضلال هما هاروت وماروت.

- أنزل الله عليهما علوم السحر وكيفيته ليبينونه لبني إسرائيل ويميزون المعجزة التي أوتيت لسليمان عن هذا الكفر فبثهما في بني إسرائيل يعلمانهم بكيفية السحر وكيف أنه استعانة بغير الله وكفر به وشرك وأن هذا يستحيل أن يكون فعل سليمان عليه السلام بل هو مروق وكفر وخروج من الإسلام والتوحيد.

لماذا أرسل جل وعلا ملائكة ؟؟ ولماذا أرسل ملكين وليس واحد ؟؟

أولا : أن الملائكة لا تنتفع بالسحر ولا تسعى إليه وقد أودع الله فيها من القدرات والخوارق ما يتجاوز قدرات الجان والشياطين كما أن ما يحوزون من (علم السحر) لا يمكن أن يطبقونه لاختلاف طبيعتهم وبالتالي لا يمكن أن يطلق عليهم سحرة لأنهم لا يستعينون بالجان فهم أقدر وأقوى من الجن والإنس.

ثانياً : أن الملائكة لا يحصل منهم العصيان والانحراف البتة فهم مجبولون على الطاعة الدائمة بينما البشر قد يحصل منهم الضعف وتحدثهم أنفسهم الأمارة بتطبيق هذا العلم لمعرفة نتائجه فقد يقع في المحظور ويخرج من الإسلام بسبب ما قد توسوس به إليه نفسه.

ثالثاً : أن بني إسرائيل شعب مشاكس عنيد مجادل فإن أُرسل إليهم بشر استغل مجرميهم ذلك ليثبتوا به أن السحر من أصول الديانة وأن سليمان كان بالفعل ساحراً وقد يقتلون هذا المرسل كما هي عادتهم في قتل الأنبياء بل إنهم قتلوا في بابل من الأنبياء عدد كبير ولكنهم يعجزون عن ذلك حينما يكون ملكٌ من الملائكة وهذا دليل رحمة الله بهم وإمهاله لهم.

رابعاً : اختار الله جل وعلا ملكين لأنه فيما يبدو لو كان واحداً لربما ألَّهوه وقدسوه وربما عبدوه من دون الله فكانا ملكين شاهدين على البلاغ.

خامساً: أن الملائكة أقدر المخلوقات على تبيان الفرق بين السحر والمعجزة في طريق تنزيه سليمان عليه السلام وتبرئته مما الصق به فهم يملكون من القدرات ما يبين للناظر كيف أن السحر تخييل والمعجزة حقيقة وقدرة مودعة من الخالق.

فأدى هاروت وماروت رسالة ربهم إلى بني إسرائيل وبينوا لهم أن الفعل كذا يكون بالكفر والتجديف في حق الله ولا ينبغي أن يكون ذلك من سليمان وأخبرا من يعلمان بأن تطبيق هذا العلم كفر والسحر كفر لذلك فلم يقولا (إنما نحن فتنة فلا تفعل السحر فتكفر) بل قالا (إنما نحن فتنة فلا تكفر) فأصبح عمل السحر كفر بذاته.

ومن يقول أن الله لا ينبغي أن ينزل علم السحر ليتعلمه البشر غاب عنه أن الله عنده علم كل شئ وأنه جلت قدرته علم الإنسان وأرشده لطريق الخير ودله وأرشده على سبيل الشر وجعل الاختيار رهين بإرادته فقال جل وعلا (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد:10 وقال سبحانه عن نفس الإنسان (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس . ، فلولا دلالة الله جل وعلا للإنسان إلى طريقي الخير والشر وتحذيره له من سلوك طريق الشر لما عُرِفَ التقي من العاصي والكافر من المؤمن وهذا من تمام عدله جلت قدرته ومما يمايز به بين خلقه ويرفع بذلك أناسا ويخفض آخرين بأعمالهم.

وأما القول بتساوي الفعلين بين الملكين والشياطين إذ يقول جلت قدرته : (وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ويقول في ذات الآية (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) فالأول تعليم تزيين و إضلال وغواية ، وتعليم الملكين تعليم إنذار ودعوة وهداية .

فهاروت وماروت ملكين مبعوثين من الله لإنذار بني إسرائيل وتعليمهم الفرق بين السحر والمعجزة إنذاراً وتحذيراً لبني إسرائيل الذين فشا فيهم السحر والكفر وإثباتاً لبراءة سليمان عليه السلام وإقامة للحجة الدامغة عليهم بما لا يجعل لبني إسرائيل حجة يركنون إليها هرباً من عقاب الله جل وعلا
هذا والله أعلى وأعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط المقال في المدونة
 
وأود لفت نظركم إلى أن القول بأن ما نافية في قوله تعالى :( وما أنزل على الملكين ..) قول قوي من حيث اللغة والسياق ولا ينافي أو يناقض ما ذهبت إليه من فهم لمعنى اﻵية .
 
بارك الله فيك و هو ماذهب إليه الدكتور صلاح الخالدي في كتابه قصص السابقين
 
الاستاذ عدنان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا لما كتبتم من بيان.
لم افقه تعريفكم القراءة و فصلكم بينها وبين التلاوة:
وإليكم ما أُشكِل عليّ:
"فعندما تقرأ نصاً تتبع في قراءته قارئاً يسبقك تكون قراءتك بذلك تلاوة"
الإشكال الاول:
أرأيت القراءة؟: أهي النطق بكلام مكتوب؟ أم هي النطق بالكلام سواءً مكتوبا و محفوظا.
وكذلك الإشكال في التلاوة، أهي النطق بكلام قد سُمِع؟ أم هي النطق بكلام سواء مسموعا و مقروءا؟
"
والقارئ الذي يُقرأ عليه يصح أن يقال له (يتلو) والتاليالذي يتبع ما يقول القارئ"
لعلك تريد "والسامع الذي يُقرأ....."؟.

 
السلام عليكم
الأخ عدنان
لى سؤال لو سمحت
كيف نجزم أن الشياطين فى الآية هم شياطين الجن وليسوا شياطين الانس ؟
ربما نعلم أن شياطين الجن توحى إلى ، توسوس إلى ، تأز البشر وليس تتلو عليهم ،
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأحبة الكرام اشكر لله ثم لكم مداخلاتكم التي لا شك أنها ستثري المبحث من خلال هذه المدارسة وأقول وفقني الله وإياكم تجاوباً مع اسهامات ونقاط النقاش التي أثيرت :

  • الأخ الكريم محمد آل الأشرف شرفه الله ووفقه
سلمت وبوركت أخي ، وفيما يتعلق بالقول أن "ما" نافية وليست بمعنى "الذي" وأن ذلك لا يتعارض مع فحوى هذا البحث فأقول وفقك الله بل يتعارض معه وذلك قد بينه ابن جرير رحمه الله ، ووجه التعارض هو أن القول بأن "ما" نافية يستلزم أن يكون الملكين غير هاروت وماروت ، وقيل في ذلك أن الملكين هما "جبرائيل وميكائيل" وأما هاروت وماروت فرجلين كانا يعلمان الناس السحر وصفة الملكين لا تعود لهما ، وهذا القول مرجوح عند ابن جرير وعليه إشكالات كثيرة وأرى أنه تكلف في الفهم غرضه محاولة نفي نزول السحر على ملكين من الملائكة ولكنه عقَّد مفهوم الآية وأخلَّ بتراكيبها اللغوية ، فالقول بأن الملكين غير هاروت وماروت يوجب الوقف اللازم بعد مفردة "الملكين" حتى يُستأنف السياق بدلالة أخرى ، أما وقد اضيف الإسمين (هاروت وماروت) إلى (الملكين) فظاهر الآية واضح تماماً وهو أن الملكين هما هاروت وماروت .
كما أضيف أن القول بأن هاروت وماروت ليسا الملكين وأنهما مجرمين يعلمان الناس السحر عدوانا على الله وتوحيده فكيف ينهيان الناس عن العمل به ويصفانه بالكفر؟؟ ، أرجو أن أكون أوضحت ما أردت إيصاله وأجاب عن تعليقكم شيخنا الكريم.

  • الأخ الكريم الجنوبي وفقه الله ورعاه:
لم أطلع على كتاب د.الخالدي ولكني حملت الكتاب اليوم وسأقراه بإذن الله تعالى وشكر الله لكم وبارك فيكم.

  • الأخ المبارك الأمين الهلالي حفظه الله:
لقد حدثت المقالة بتبيان المقصود فيما يخص التلاوة ولعل التحديث يوضح ما قصدته بمعنى التلاوة وهو كالتالي:
"مفهوم “التلاوة” أخص من مفهوم “القراءةفالتلاوة نطق نصٍّ مكتوب أو محفوظ أُمليَ إملاءً ، والتَّالي لاينبغي أن يَكُون أعْلى من صاحب الكتاب درجةً ومرتبةً ، فالوزير يتلو أمر الوالي إذ ينطقه ويقرأه كما قيل بلا زيادة أو نقص ، ولكن لا يصح أن يقال أن الأمير يتلو شكاية الخادم مثلاً.
والتالي الذي يتَّبع ما يقول القارئ ويكرره (يتلو) أيضاً ، والتلاوة تختلف عن القراءة العادية إذ يُرجى بتلاوتها حدوث أمر كحصول نفع أو وقوع ضر ، فمراسيم الملوك إذا تصدر وتقرأ يقال (تتلى) إذ أن قارئها ممليٌّ عليه ويتلو ما ينتج عنه حدوث نفع أو وقوع ضرر. والقرآن الكريم حين تلاوته فإننا نقرأ نصه كما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم وكما قرأه عليه من بعده أصحابه فكانت قراءة القرآن في أصلها تلاوة ، وقراءة القرآن يرجى بقراءتها برء من سقم أو حصول أجر أو إتباع أمر فلذا كانت قراءة القرآن تلاوة من هذا الباب أيضاً.
وما تتلو الشياطين (شياطين الجن أو شياطين الإنس) له دلالة الخضوع والإتباع ممن يتلو على ملك سليمان ما يتلو من شعوذات وطلاسم ، ويعلم بأن تلك الطلاسم ينبغي أن تقرأ بقواعد وطرق مخصوصة كما شرعها أصحابها من الشياطين واتَّبَعَهُم في ذلك السحرة والمشعوذين قراءة مقننة حتى تؤتي تأثيرها الشيطاني فأسميت هنا تلاوة لاشتمالها على كل ذلك (استعلاء الشياطين على أوليائهم ، وخضوعهم بقرائتها كما هي رجاء إحداث ضرر لسليمان وملكه)"
وأود إضافة لما تفضلت به –ولا شك أنكم وفقكم الله تدركون ذلك – بأن التلاوة تطلق على النطق بالنص المحفوظ أو قراءة النص المكتوب فطالما كان قائله أو ممليه أعلى درجة مهيمنا على قارئه سميت قراءته تلاوة.

أستاذنا الكريم الأستاذ مصطفى سعيد وفقه الله
الآية الكريمة تحمل الإشارة للفريقين بلا تعارض ، ولكن لا نختلف - في اعتقادي- بأن عناصر الآية لا تخلو من (شياطين الجن ، شياطين الإنس ، عامة الناس ، سليمان عليه السلام،الملكين هاروت وماروت) ولكل موضعه في الآية ولكن لا شك أن شياطين الإنس لم يكونوا ليعلموا طرق الكفر في سبيل إعمال السحر إلا بواسطة شياطين الجن الذين أخبروهم بطريقة الاستعانة بهم وتعاويذ استخراجهم واستجلاب عونهم .
ولكن في رأيي أن شياطين الجن هم الأقرب للإشارة في الآية إذ يعلِّمون الناس السحر فهم ليسوا من الناس إذن فيما يظهر ، وإن كان تعليم السحر مروق شيطاني فتعلمه أيضا ، ولكن لا أرى كما أسلفتُ تعارضاً أن تحتمل الإشارتين .

وأعتقد أن تذييل المقال فيما يخص دلالات اختيار ملكين لتبليغ هذه الرسالة دون غيرهما من المخلوقات هي خلاصة ما يسوغ تسميته استنباطاً من سياق الآية بما اطمأن إليه فهمي للآية.
والله تعالى أعلم .
 
الآية في بيان أن ملك النبي سليمان عليه السلام معجزة نبوته من الله سبحانه ، وليست سحرا كما زعم اليهود الذين اتبعوا الشياطين ونسبوه إلى النبي سليمان وأتهموه بادعاء النبوة ، ولم ينزل الله السحر على الملكين هاروت وماروت ، وإنما كانا يعلمان الناس ما يمكنهم من التفريق بين السحر ومعجزة النبوة وقبل ذلك يحذرانهم من أن يفتتنوا بما علموا فيكفروا ، إلا أن من الناس من كان لا يتعلم من أجل بناء الإيمان في نفسه ، إنما كان يتعلم منهما كي يسحر غيره من الناس ويفرق بين الأزواج .
 
شيخنا الكريم عدنان جزاك الله خيرا.
إذا كان الأمر كما ذكرتم بالنسبة لهاروت و ماروت،و أن مهمتهم كانت تبرئة نبي الله سليمان مما رماه به أعداء الله، فما وجه وصفهم بالفتنة في قوله تعالى: ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ؟ أفيدونا مأجورين، و أكرر شكري لكم أجمعين.
 
الآية في بيان أن ملك النبي سليمان عليه السلام معجزة نبوته من الله سبحانه ، وليست سحرا كما زعم اليهود الذين اتبعوا الشياطين ونسبوه إلى النبي سليمان وأتهموه بادعاء النبوة ، ولم ينزل الله السحر على الملكين هاروت وماروت ، وإنما كانا يعلمان الناس ما يمكنهم من التفريق بين السحر ومعجزة النبوة وقبل ذلك يحذرانهم من أن يفتتنوا بما علموا فيكفروا ، إلا أن من الناس من كان لا يتعلم من أجل بناء الإيمان في نفسه ، إنما كان يتعلم منهما كي يسحر غيره من الناس ويفرق بين الأزواج .

أتفق معكم أخي الكريم في ذلك تماماً ولكن عدم إنزال "علم السحر" على الملكين يُشكل عليه العطف في الآية (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ ) فإن لم يكن ما نزل عليهم سحراً فهو من جنس السحر لأن العلم بالشيء يلزم الالمام بمعارفه وطرقه وهذا وجه الفتنة ومكمنها ، بوركت ووفقك الله.

شيخنا الكريم عدنان جزاك الله خيرا.
إذا كان الأمر كما ذكرتم بالنسبة لهاروت و ماروت،و أن مهمتهم كانت تبرئة نبي الله سليمان مما رماه به أعداء الله، فما وجه وصفهم بالفتنة في قوله تعالى: ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) ؟ أفيدونا مأجورين، و أكرر شكري لكم أجمعين.

أخي الفاضل انا طويلب علم صغير وفقك الله ، وأقول أن وجه وصفهم لأنفسهم بالقول "إنما نحن فتنة" يمكن أن يتبين فيما يلي:
عرّف أبوهلال العسكري الفتنة في الوجوه والنظائر بأنها "شدة الاختبار" ولا شك إتاحة أمر والنهي عن إتيانه من أشد الفتنة واختبار النفس وزجرها عن الباطل وعمَّا نُهيت عنه ولتقريب الأمر نأخذ قصة طالوت عليه السلام مثلاً إذ قال (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ) فكان النهر أمامهم يقاسون العطش الشديد وفي نفس الوقت ينهون عن الشرب منه ابتلاء واختباراً وفتنة ليعلم الله حقيقة إيمانهم (وهو جل وعلا أعلم).
فكانت معرفتهم بأسرار السحر والنهي عن إتيانه اختبار عظيم فمن أسرَّ الكفر في نفسه وتجاوز النهي وارتكب السحر سقط في الفتنة وصار مفتوناً كافراً قائمة عليه حجة الله بالغ اليه النذير واعياً عالماً بالتحذير.
وقوله تعالى ( إنما نحن فتنة فلا تكفر ) أي : إنما تعليمنا لك فتنة فلا تعلِّمِ السحرَ أحداً ولا تعمل بهِ فإنَّ العملَ بهِ كفر ، فكان ما يقولانه يحمل النهي والتحذير من تعليم السحر والعمل به وهذا يحمل دلالة شرعية على تحريم تعلم السحر والعمل به على حد سواء وإنما استثني من ذلك الملكين بأمر الله للغاية التي اسلفت في ذكرها
وإن تبين للإخوة الكرام فوق ذلك فلا حرمنا الله مما يفتح الله به عليكم جميعاً . والله اعلم
 
ما معنى : يعلمون الناس السحر ويعلمون الناس السحر الذي أنزل على الملكين أو ألهماه ؟

أخي الحبيب الاستاذ محمد آل الأشرف :
يَقولُ جلَّ شَأنه (الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ مَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) فاشْتَمَلتِ الآيةُ الكَريمة على العطفِ بينَ (السِّحْرِ و مَا أُنْزِلَ على المَلَكين) وفي هذا دلالةٌ بأنَّ ما أُنزِلَ عَلى المَلكينِ هو مِنْ جنِسِ السِّحر ويَتَساوى معه في درجةِ الحُرْمَةِ وجُرْم اتِّباعه حيثُ جَرّم اللهُ فِي هذه الآية السِّحر وما في حكمهِ مما اتَّبعهُ بنو إسْرائيل واستبدلوا آيات اللهِ بهِ.
وظَاهِرُ الآية بأنَّ هَذا السِّحر أنزل على الملكين إنزالاً وليسَ من جنسِ معرفتهما وفطرتهما وفي ذلك دلالة هامة للغاية بأن الملائكة لا يَدْخُل في اعمالهم مثل هذه الأمور وليسوا ممن يسعى لها أو يستعملها فلولا (إنزال) الله هذا العلم عليهما واختصاصه لهما بهذه المهمة ليعلمان الناس في سبيل تحذيرهم وبيان الشر من الخير لهم لما كانا ممن يحملون منه شيئاً ، لكي لا يأتي من ينسب السحر كمهارة ومعرفة تختص بها الملائكة بل إنها حادثة مخصوصة ارادها الله لما سلف من بيان في أصل هذا الموضوع ولعل هذا ما قصدته من سؤالك ان كنت فهمته على مرادك وفقك الله ، والله تعالى أعلم
 
ومن باب التدارس أيضا أسألك ، ليس عندك دليل على معرفة ما أنزل على الملكين إن كانت ما موصولة في الآية ، فما أدراك أن ما أنزل عليهما سحر أو من جنس السحر ؟
ويلمس فضيلتكم من أسئلتي أني أسعى إلى بيان قوة قول من قال بأن ما في الآية نافية الذي به يستوي بحثكم ويستقر وينفع الله به بإذنه تعالى.
 
بسم1
جميل جداً ومدارسة مباركة استاذي الحبيب ، دعنا نعود لتوجيه الآية التي تصفه بالقوة وهو أن "ما" نافية وليست للوصل واسمح لي فضلاً منك أن تجيب عما يستشكل في القول التالي:

قال الطبري رحمه الله تعالى في هذا التوجيه:
تأويل الآية - على هذا المعنى الذي ذكرناه عن ابن عباس والربيع ، من توجيههما معنى قوله : ( وما أنزل على الملكين ) إلى : ولم ينزل على الملكين - : واتبعوا الذي تتلو الشياطين على ملك سليمان من السحر ، وما كفر سليمان ، ولا أنزل الله السحر على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر "ببابل هاروت وماروت" . فيكون حينئذ قوله : " ( ببابل هاروت وماروت ) ، من المؤخر الذي معناه التقديم . [ ص: 420 ]

فإن قال لنا قائل : وكيف - وجه تقديم ذلك؟

قيل : وجه تقديمه أن يقال : واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان [ من السحر ] ، وما أنزل [ الله السحر ] على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل ، هاروت وماروت - فيكون معنيا ب "الملكين" : جبريل وميكائيل ، لأن سحرة اليهود ، فيما ذكر ، كانت تزعم أن الله أنزل السحر على لسان جبريل وميكائيل إلى سليمان بن داود ، فأكذبها الله بذلك ، وأخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن جبريل وميكائيل لم ينزلا بسحر قط ، وبرأ سليمان مما نحلوه من السحر ، فأخبرهم أن السحر من عمل الشياطين ، وأنها تعلم الناس [ ذلك ] ببابل ، وأن اللذين يعلمانهم ذلك رجلان : اسم أحدهما هاروت ، واسم الآخر ماروت . فيكون " هاروت وماروت " ، على هذا التأويل ، ترجمة على "الناس" وردا عليهم .
"

أولاً: فقد وقفت على ما ذكر من أن سحرة اليهود زعمت بأن الملكين هنا "جبريل وميكائيل" ولم تذكر التوراة التي بين أيدينا ولا التي في زمن الطبري هذا القول ابداً وبذلك فمن يقول هذا القول عليه أن يدلل على مخالفة ظاهر الآية وليس العكس.
ثانياً: اذا كانت نافية فهذا يعني أن هاروت وماروت كما أسلفنا ليسا ملكين بل رجلين اليس كذلك؟
ثالثاً: هل كانا يحذران الناس من العمل بالسحر ؟ أم أن جملة "وما يعلمان من أحد " الآية منفية أيضاً؟

أحب أن اشكر الأخ "الجنوبي" وفقه الله وسدده على دلالته الموفقة لكتاب د.صلاح الخالدي الذي وجدت فيه استدلال لطيف على التفريق بين "ما" النافية و "ما" للوصل ووجدت كثير مما طرقته في المقال مذكور في توجيهه للآية ولكن فيما يتعلق بطبيعة "ما " هنا فقد ذكرت تسع مرات فلنرَ كيف كانت:

مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ ........................................................... (وصل بمعنى "الذي" )
مَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ ................................... (نافية)
مَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ .................... (وصل بمعنى "الذي" )
مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ .. (نافية)
مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ ...................................... (وصل بمعنى "الذي" )
مَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ........................... (نافية)

مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ .................................................... (وصل بمعنى "الذي" )
مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ .............................................. (نافية)
مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ
.............................. (وصل بمعنى "الذي" )

فنلحظ التناوب والتراتب بين النفي والوصل في الآية وهذا يشير لصحة ظاهر الآية ومجانبة تأولها بتلك الصورة للصواب والله أعلم ، فأعتقد أنه ينبغي الإجابة على الأسئلة في هذا الرد وفي الرد السابق بشأن توجيه النفي وما يتبع ذلك من تأثير على بقية أجزاء الآية واختلال الفهم بالكلية عند القول بالنفي.

حفظكم الله تعالى وسددنا وإياكم أستاذنا.
 
ليست هناك تراتبية ابتداء !
أما تصور أحد تراتيبة ما ثم بناء المعنى عليها فهذا بدع من القول .
وإنما يستدل على المعنى بالسياق وتركيب الكلام عند العرب .
فالسياق وتركيب الكلام ( التقديم والتأخير في الألفاظ ) يؤيد المعنى : وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين.
وللكلام صلة بإذن الله
 
(وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ), اتبعوا: اي اليهود, مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ: الفعل المضارع يفيد استمرار التلاوة من قبل الشياطين على ملك سليمان, والدليل: يعلمون الناس السحر, وليس علموا الناس السحر سابقا في عهد سليمان, بل ان فعل التلاوة على ملك سليمان من قبل الشياطين والذي يتحقق به السحر مازال مستمراً وكذا تعليم الناس. ولمن يقول ان (على) بمعنى (في) اي في عهد ملك سليمان فنقول هذا يتعارض مع سلطان سليمان وما منحه الله من قوة فكيف يستقيم ان يحدث من وراءه وفي عهده ان تتلوا الشياطين المسخرين له على ملكه ويعلمون الناس السحر وهو لا يعلم شيئا عن ذلك؟ وهو ايضاً يتعارض مع ظاهر النص القرآني فلو حدث ذلك سابقا لاستعملت ( ما تلت الشياطين وليس تتلوا).
(وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ):فهل ما انزل هو شيئاً اخر غير السحر؟ لكن المهم هنا انه انزل على الملكين وليس هما نزلا به, وان مكان الملكين اصلا ببابل وقد نزل عليهما؟ فأين بابل هذه؟ وهل هي في الارض ام في السماء؟ اسئله محيرة.
وبالعودة الى كلمة (تتلوا): فهل في ذلك دلالة على ان ملك سليمان مازال قائماً؟ وهو ما يتفق مع كونه ملكا عظيما؟ لكن اين هو وقد وجدت ممالك في ارض مصر اقدم منه ولم يعثر على اي قطعة اثرية تشير اليه؟ نحن لا ننكر وجودة وعلى يقين تام بوجوده ولكن في اي ارض؟؟؟؟؟؟؟؟ فهل كانت الريح التي تسافر شهراً بعصفها وعنفوانها وسرعتها الكبيرة لتنقل سليمان على ارجاء قطعة صغيرة من الارض ككرتنا الارضية هذه؟ والتي تستطيع الريح المرور من اقصاها لادناها في يوم او يومين؟؟؟؟؟؟؟؟.
 
إن الله تعالى سمى السحر في هذه الآية بالكفر ، فكيف ينزل الله الكفر على أحد من خلقه ملك أو غيره ؟
كما أنه لم يرد في الآية ذكر لجبريل وميكائيل عليهما السلام وليس فيها ما يشير إليهما ، وقد نصت الآية على ذكر الملكين هاروت وماروت وأن الله لم ينزل عليهما السحر ولا شيئا من جنسه وإنما كانت مهمتهما تعليم الناس في ذلك الزمان ما يزيل شبهة السحر عن النبي سليمان ومايفرق به بين السحر وما آتاه الله لنبيه سليمان معجزة لنبوته ، فلا يختلط على الناس أمر السحر - الذي رمى اليهود به النبي سليمان - بأمر النبوة ومعجزات النبوة ، وإن من شأن القرآن كشف الباطل وتعريته والإرشاد إلى كيف يتجنب ، ومن شأنه كذلك بيان الحق ، والهداية إلى كيف يلتزم ويتبع ، وأنزل الله الملكين هاروت وماروت لتوضيح ذلك للناس وتعليمهم التمييز والتفريق بين السحر ومعجزة النبي كي لا يبقى الأمر مختلطا عليهم ، وهكذا شأن القرآن في بيانه وهدايته .
هذا والله أعلم .
 
"قال عبد القادر بن شيبة الحمد غفر الله له في تفسيره ( ٢٣٢/١ ): وأخطر أنواع السحر ما كان بالرقى الشيطانية والنفث في العقد، وهذا النوع من السحر لا يفعله إلا الكافر بالله، ولما كثر شرّ هذا النوع من السحر أنزل الله الملكين هاروت وماروت ببابل من أرض العراق يعلمان الناس فك سحر المسحورين ويحذرانهم من إيذاء الناس بالسحر، ويقولان لكل من يعلمانه إنما نحن فتنة فلا تكفر أي فلا تستغل فرصة معرفتك الفك سحر المسحورين بسحر الناس، وفي ذلك يقول الله تبارك وتعالى:{وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (سورة البقرة 102)، وذلك أن تعليمهما كان ذا وجهين، يمكن استخدامه في وجوه من الشر ويمكن استخدامه في وجوه الخير، وهو فكُّ المسحور، وكما قال عز وجل:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (الأنبياء 35)، وقد تكون معرفة طرق الشر ضرورية للقضاء عليها وفي ذلك يقول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه *** ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه " انتهى.

" التسهيل لتأويل التنزيل لمصطفى العدوي، ج 2، تفسير سورة البقرة (67 - 176)، ص 167.
***___***​
وأمَّا كون استعمالِ السِّحر لفك السِّحر (النشرة) حرامًا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلَّمَ لما ورد في الحديث الذي هو في سنن أبي داوود ومسندِ الإمام أحمد بإسنادٍ جيّدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: "هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ"، فلعلَّه كانَ جائزًا في شريعتهم ونسخ في شريعتنا، أو لعله أحلَّ لفترة وجيزةٍ لعموم الفساد آنذاكَ، أو لعلَّه أُحلَّ للملكين دون غيرهما للفتنةِ أو للعلاج والفتنةِ.
والله أعلم.
 
من الممكن أن يكون ما كان يعلمه الملكان للناس هو علم يمكن استخدامه في ما ينفع الناس ، ونفس هذا العلم يمكن استعماله في غير محله عن طريق السحر فيتحول من نافع إلى ضار، مثل ألفريد نوبل الذي اخترع الديناميت ليريح عمال المناجم من تعب تكسير الصخور بالفؤوس، فحولته شياطين الإنس إلى أداة قتل ودمار إلى اليوم بمتفجرات وأحزمة ناسفة ، فقرر أن يوصي بمعظم ثروته لجائزة نوبل اعتقادا منه أن اختراعه تسبب في الضرر لكثير من البشر.
الشياطين الذين كان يصفدهم سليمان عليه السلام ويلقي بهم في السجون هم الذين نقموا عليه وأرادوا تشويه سمعته، وإلى الآن ما زال السحرة يستعملون في طلاسمهم ما يسمى بخاتم داوود الذي هو نجمة سداسية، وخاتم سليمان النجمة الخماسية ، فتحولت النجمة الخماسية المفرغة إلى شعار للشيطان.
وأما الشياطين فهي لا يمكنها أن تتلو كلاما أو تعازيم على عامة الناس ، فالسحرة وحدهم هم الذين يمكنهم أن يتواصلوا مع الشياطين فيسمعون ما يتلونه .
 
عودة
أعلى