حين يتحدث القرآن عن الليل ..

عمر المقبل

New member
إنضم
6 يوليو 2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الحمد لله ، ... وبعد: فهذه خطبة استضاءت بنور القرآن ، كنتُ خطبتها منذ أكثر من ثلاث سنوات ، حرصتُ أن تكون مرتبطة بواقع الناس، محاولاً أن تعالج مشكلةً عمّت وهي السهر المفرط في أمثال هذه الليالي الصيفية، ولا حاجة للتنبيه على أن مقام الخطبة ليس مقام استيعاب ، بل هو مقام تذكير وتنبيه ، وإلا فالآيات التي تحدثت عن الليل كثيرة جداً، والمؤمن تكفيه آية واحدة ، جعلنا الله من المعتبرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله ، ... وبعد :
فحينما يبدأ موسمٌ كموسم الإجازة ،تتنوع الأحاديث ،وتختلف ألوان الخطاب ، نظراً للنقلة الكبيرة التي تحدثها هذه الإجازة في المجتمع ، نقلةً يصل تأثيرها إلى مؤسسات الدولة ..
وماذا عسى الإنسان أن يتحدث أو يقول ؟! وما الذي يمكن للخطيب أن يتناوله في مقام كهذا لا يحتمل الناس فيه سوى عدة دقائق ؟!
بيد أن هناك عاملاً مؤثراً ـ في كل المواضيع التي تطرح ـ ،بل هو السبب في هذه النقلة كلها ،والمشاريع المتنوعة برمتها .. إنه عامل الوقت ..
وإذا كان اليوم نصفين : ليل ونهار ،فإن لليل النصيب الأكبر من هذه البرامج ،ومن سمر الناس ،وحديثهم ،خصوصاً وأن الإجازة تأتي في ـ بلادنا ـ في حرٍّ لاهب ،وصيف لاغب.
ولن يجد المرء أجمل ،ولا أحسن ،بل ولا أشد وعظاً له ،من أن يتأمل كلامَ خالق الليل عن الليل ..
فكم تحدث القرآن عن الليل ؟! وكم في حديثه عنه من الوعظ البليغ لمن عقل ذلك !!
1 ـ إن أشرف شيء يمكن أن يذكره الإنسان ـ وهو يتحدث عن الليل ـ أنْ يكون ابتداء نور القلوب ،وحياة الأرواح ،وطب القلوب الحقيقي في هذا الجزء من اليوم : (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ،وليس هذا فحسب ،بل أول ما نزل الوحي على كليم الرحمن نزل عليه ليلاً ،حينما سمع ربه يكلمه ،في الوادي المقدس طوى ،قريباً من الشجرة.
2 ـ إنه الزمن الذي أسري فيه بأشرف جسد إلى أعلى مكان! (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) ولا تسل عن بركات هذه الإسراء وخيراته ،ولو لم يكن من ذلك إلا فرض الصلوات الخمس ،لكفى به فضلاً .
3 ـ إنه الليل .. الذي ذاق فيه أهل القرآن لذة مناجاة الله فيه بكلامه!
ألم يستوقفك قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6))؟!
ألم تسمع قوله سبحانه : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)؟!.
بل ألم تسمع ذلك العتاب المبطن لمن آتاه الله علماً ،ولم يكن له نصيب من الليل : (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)؟!.
لقد وجد الصالحون في قديم الزمان وحديثه ، هذه اللذة في ترتيل آيات الله ،ومناجاته بها ،حتى قال قائلهم : أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.
وقال آخر : ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل التملق في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة.
ولكن : هل يمكن أن ينال هذه اللذة أناسٌ امتد سهرهم إلى ساعات الفجر في كلام مباح؟!
فضلاً عمّن ضيعوه في محرم من القول والعمل؟!
وهل يمكن أن ينالها من ملأ خزينة أعماله بالنهار في باطل من القول والعمل؟!
قِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ س : مَا نَسْتَطِيعُ قِيَامَ اللَّيْلِ ، قَالَ : أَبْعَدَتْكُمْ ذُنُوبُكُمْ.
وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ : : إذَا لَمْ تَقْدِرْ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَصِيَامِ النَّهَارِ فَاعْلَمْ أَنَّك مَحْرُومٌ مُكَبَّلٌ كَبَّلَتْك خَطِيئَتُك.
قَالَ ابن رجب : مَا يُؤَهِّلُ الْمُلُوكُ لِلْخَلْوَةِ بِهِمْ إلَّا مَنْ أَخْلَصَ فِي وُدِّهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُخَالَفَةِ ،فَلَا يُؤَهِّلُونَهُ وَلَا يَرْضَوْنَهُ لِذَلِكَ.
ولهذا كان من أحسن ما أثنى الله به على مؤمني أهل الكتاب قوله تعالى عنهم : (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)!
فما الذي يوقظهم من الفرش اللذيذة ؟ والنوم الهنيء ؟
فيقال : لقد سمعوا الحادي .. لقد سمعوا رسول الله ج يخبر عن ربه ـ الذي خزائن الدنيا والآخرة بيده ـ يقول : ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ؟!
وهل يفرط في هذا إلا محروم ؟! وهل يفرط في هذا إلا محروم ؟! وهل يفرط في هذا إلا محروم ؟!
إخوة الإسلام :
4 ـ وإذا كان الحديث عن الليل في القرآن ،فلا يمكن لنا أن نتجاوز امتنان الله تعالى علينا بهذه النعمة ،وكونه سكناً ولباساً ومناماً : قال ـ : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) ،وقال أ : (وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ،وقال ـ : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا).
وإن هذا الامتنان يوجب على العبد أن يقف معه وقفات ،أهمها :
1 ـ كثرة الشكر والثناء على الله ،فإن الله يقول : (وما بكم من نعمة فمن الله).
2 ـ أن يوطن نفسه على السير فيها على هذه الفطرة التي فطر الناس عليها ، فلا يقلبن الليل نهارا ،ولا النهار ليلاً ؛ لأن مخالفة الفطرة ـ في هذا الأمر ـ تقلل بركة العمر بل قد تذهبه.
أيها المسلمون :
وللمنفقين مع الليل أسرار وأخبار ... ، فقد سمعوا قول ربهم : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) .
جاء في ترجمة الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب y ـ المشهور بزين العابدين ـ حفيد النبي ج ،جاء في ترجمته أنه كان يُبَخّلُ ـ أي : يوصف بالبخل ـ فلما مات وجدوه يقوت مائة أهل بيت بالمدينة ، فلما جاء المغسل ليغسله وجد بظهره أثاراً مما كان يحمل بالليل من الجرب إلى المساكين ،حتى قال أحد أهل المدينة : ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين ([FONT=Mcs Swer Al_Quran 3][1]http://vb.tafsir.net/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1)[/FONT].

سلام الله على تلك الأرواح .. ورحمة الله على تلك الأشباح .. لم يبق إلا أخبار و آثار .. كم بين من يمنع الحق الواجب عليه .. و بين أهل الإيثار ؟! :


لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم * * * ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد !


أقول قولي هذا ،وأستغفر الله ...


الخطبة الثانية

الحمد لله ،والصلاة والسلام ... ،أما بعد :
فكما أن للّيل جانباً مشرقاً ،وصورةً وضاءة .. فهو ـ أيضاً ـ وقتٌ نبّه الله عباده إلى أن أحد أوقات غفلة الناس ، فليحذروا سخط الله ،وبأسه ، قال تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) ، وقال ـ : (أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)).
فهل يعقل هذا المعنى ،من يمضون أوقاتهم بما لا يرضي الله ، بل بما يسخطه ؟!
وهل يعي هذا المعنى أهل السهرات الآثمة ؟! والليالي الحمراء ؟!
هل يعي هذا الدرس الإلهي من قطّع ليله بأعمال تزيد من رصيد سيئاته ؟!
(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
فالآمن من مكر الله خاسر .. ،والذي يصفه بأنه خاسر ليس محللاً اقتصادياً ،ولا خبيراً اجتماعياً ،ولا ،بل هو رب العالمين أ .
ومن صور مكر الله بعبده .. أن ينسيه ساعة الموت ،فيقبض على معصية ،وسوء خاتمة ـ والعياذ بالله ـ وأنى له الاستدراك ؟! (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
وأخيراً ...
تذكر صورتين اثنتين لاثنين يعملان في الليل، أحدهما قال الله عنه: {أمن هو قانت ... }، والآخر أتته المنية وهو يشرب ،أو يزني ،أو في أي معصية كانت .. فليحذر العبد أن تمر به تلك الساعة التي ذكرها الله عن بعض العصاة والمجرمين : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

اللهم بارك لنا في ليلنا ونهارنا ، وفي عمرنا كله ..


اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها ،وخير أعمالنا خواتمها ، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك فيه


اللهم أصلحنا ،وأصلح بنا ،وأصلح أحوالنا .. اللهم بصرنا بمواطن الزلل منا ..


([1]) حلية الأولياء 3/136.
 
جزاكم الله خيراً فضيلة الشيخ عمر على هذه المشاركة واللفتة والإشراقة القرآنية المهمة الصادرة عن قلب متدبر لآيات الله تعالى..
والحمد لله على فضله وإنعامه..
 
بسم الله الرحمن الرحيم​
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه واقتفى أثره واهتدى بهداه جعلنا الله أجمعين منهم، أما بعد:
فجزاك الله خير الجزاء على هذه الإطلالة على هذا الجانب الهام في المأخذ وفي المناسبة، ولكن وددت لو طعمتها ببعض الجوانب اللغوية التي تشير إلى عظمة هذا الليل وعظمة ما فيه، مثل:
1- أن الله سبحانه وتعالى قدمه في الذكر على النهار في مواضع أقسم فيها بهما.
2- ما فيهما من عظمة في جانب الإقسام بهما ودلالات ذلك وكيفية توظيفه في أعمال البر في حياة الناس.
3- أن صورة الليل والنهار اختلفت في القرآن في مواضع لاختلاف الدلالات والسياقات، فالعسعسة من شأن الليل بينما التنفس من شأن الصبح وحده لا النهار بأكمله، وبالعكس مجيء الضحى أولا مقابل الليل إذا سجى.
وغير ذلك من الوقفات التي يمكن أن تلفت السامعين والقارئين إلى أهمية استثمار الليل من ناحية، والتفكر في مواطن وروده في القرآن من ناحية أخرى.
وعلى كل حال لفتة رائعة منك فجزاك الله خير الجزاء، ونبه إلى أمثالها في مطابقة الواقع والاحتياج أذهان الواعظين والخطباء.؟
جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
 
بارك الله فيك وجزاك الفردوس .. موضوع مهم جدا كلنا نحتاجه في هذه الإجازة .. وقد تحول الليل نهار والنهار ليل .. نسأل الله أن يردنا ردا جميلا ..
 
خطبةٌ موفقةٌ، وموضوعٌ تَمسُّ الحاجةُ إليه حقاً، واستخراج موفق لآيات القرآن التي تتحدث عن الليل مع ربط حسن بمعانيها الإيمانية والتربوية ، وليت الخطباء يستفيدون من هذه الخطبة فيخطبون بها الجمعة القادمة في مساجدهم فالناس في الإجازة يحتاجون التنبيه على مثل ذلك، فقد غل السهر على الناس والإخلال بصلاة الفجر، فلا يكاد يُصلي الفجر من جماعة المسجد إلا قلةٌ قليلةٌ، مع كثرتِهم وانتظامهم في بقية الفرائض ، مِمَّا يدلُّ على أن الخلل في السهر المبالغ فيه .
بارك الله فيكم يا أبا عبدالله ونفع بعلمكم وزادكم من فضله .
 
بارك الله فيكم ونفع بكم ، جاءت هذه الخطبة ونحن في أمسّ الحاجة إلى التذكير.. أحسن الله إليكم
 
خطبة قيمة رائعة! بارك الله فيك شيخنا الفاضل عمر على هذه التذكرة وما أحوجنا إليها ونحن في الصيف وما أدراك ما الصيف! وشهر رمضان المقبل علينا الذي حولناه إلى صوم ونوم وسوء خلق بالنهار وأكل ولهو وتخمة بالليل عافانا الله وإياكم من أن نكون من هؤلاء الذين لا يعرفون قيمة الليل ولا لذة العبادة والمناجاة فيه!
تستوقفني كثيراً الآية (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا (16) السجدة) فهل تأملنا كيف يمكن للجنوب أن تجافي النوم؟ هي من كثرة تعودها على قلة النوم من أصحابها تشعر بأن ملاصقتها للفراش أمر مؤرق فلا يهنأ لهذه الجوانب بالاً إلا أن تصحو وتناجي ربها فإذا كانت هذه حال الجنوب فكيف تكون حال القلوب؟ لا شك أنها قلوب متعلقة بالله تعالى وتعرف بحق معنى ولذة مناجاة رب العباد وتستشعر قربه ورعايته وحفظه لعباده المستغفرين بالأسحار.
ووقفة أخرى إذا استشعرناها هان علينا أمر قيام الليل والعبادة فيه: لنتخيّل أن ضيفاً جاءك زائراً في آخر الليل فالعادة أن نستعد لاستقبال هذا الضيف ونبقي كل من في المنزل ساهراً لإكرامه والقيام بواجب الضيافة وفي المقابل يتنزل رب العزة كل ليلة في الثلث الأخير من الليل كما ينبغي لجلاله ونحن نغلق الباب ونقول آسفون، هذا وقت النوم أو وقت اللهو! فننصرف عنه لنغطّ في نوم عميق لن نفيق منه إلا بعد صلاة الظهر أو العصر في بعض الأحيان!
إذا فكرنا في الأمر على هذا النحو أظننا سنستحي أن ننام عن مناجاة الله تعالى على الأقل في جزء من الليل وليكن في الجزء الأخير منه قبل ساعات الفجر الأولى. وليكن لنا برنامج بسيط نطبقه ونداوم عليه وإن قلّ لأن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ. فلمن يستصعب القيام بالليل فليقم على الأقل ربع ساعة أو نصف ساعة يصلي فيها ركعتين ثم يجلس في مصلاه يستغفر الله ليكتب من المستغفرين بالأسحار ثم ليدعو الله بما شاء موقناً أنه تعالى معه يجيب دعاءه بدليل قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ(186) البقرة) ولنداوم على هذا الوقت القصير مدة ثم نزيد فيه بحسب استشعارنا للذة العبادة في هذه الأوقات.
جعلنا الله وإياكم ممن لهم نصيب من العبادة في الليل وابعدنا وإياكم عن مجالس اللهو وأنواعه في الليل والنهار وملأ أوقاتنا بذكره وأشغلنا بطاعته وعبادته آناء الليل وأطراف النهار، اللهم آمين.
وعذراً على الإطالة.
 
بارك لله في الجميع .
إذا كان هذا حديث القرآن عن الليل عموماً ، فكيف سيكون حالنا في أمثال هذه الليالي ؟!
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
 
عودة
أعلى