عبدالله الشهري
New member
- إنضم
- 13/01/2006
- المشاركات
- 245
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 16
أثارت عندي مقالات الدكتور مساعد الطيار - جزاه الله خيرا - في هذا الملتقى بعض سوانح الفكر حول قدم العربية وأصالتها ، فجالت في خاطري لطائف علمية رأيت أن أرقمها هنا لينظر فيها ، تكميلاً للفائدة. فأقول بعون الله: إن المتتبع ليجد أنه يعزب ملحظ أصالة كثير من الألفاظ العربية وقدمها وانتشارها عن نظر بعض المفسرين ، لظنهم أن العربية شيء غير السريانية و العبرية ، هم يعرفون أن لبعضها تتعلق ببعض ، ولكنهم ربما جهلوا أصلها العام المشترك الذي تعود إليه في أزمان غابرة ، وهو العربية نفسها ، فيحكمون على أمثال هذه الألفاظ بكونها أعجمية. فعندما يقرأ ابن عامر "إبراهيم" على أنها " إبراهام" [1] فهي عربية عتيقة لا تعدو كونها راجعة إلى أسلوب نطق عربي عن لهجة من لهجاته الضاربة بأصولها في عمق التاريخ . ولكنك تجد البغوي- رحمه الله- يقول : عن قراءة ابن عامر : قرأ ابن عامر" إبراهام" بالألف في أكثر المواضع ، وهو اسم أعجمي ، ولذلك لا يجر [2]. ومثله أيضاً ما نقله عن عكرمة أن أوائل أسماء الملائكة : جبريل ، ميكائيل ، إسرافيل ، وهي "جبر" ، "ميك" ، "إسراف" تعني عبد بالسريانية ، وأما "إيل" فتعني الله تعالى [3]. وهنا لي تعليقات:
صحيح تماماً ما قيل في معاني هذه الأوائل ، ولكن قبل اصطلاح من تأخر من الناس على تسمية اللغات بعربية وسريانية وعبرية ، أقول هذه عربية لا سريانية ، هي سريانية اصطلاحاً ، ولكن حقيقتها عربية أصيلة ، لعدة اعتبارات لطيفة أذكرها فيما يلي :
1- جبر : فيها معنى الإكراه والقهر، وهو معنى لصيق بدلالة العبودية ، قال تعالى عن السموات والأرض (ائتيا طوعا أو كرها).
2- ميك : أميل شخصياً إلى أنها عربية عتيقة ، أحياها القرآن ، مع أنها لم تكن تعرفها العرب وقت التنزيل وقبله ، ولكنها كانت معروفة عند اليهود ولذلك قالوا لعمر رضي الله عنه : وأما ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والمغنم [4] . ولكن كيف عرفنا أن معناها "عبد" ؟ هنا سأستنتج طريقة عجيبة تفتح الباب على نكتة مهمة ومعلومة خطيرة ، وهي أني لما رأيت "ميك" تذكرت كلمة "meek" في الانجليزية [5] ، وهي متطابقة تماماً نطقاً ومعنى مع هذه الكلمة ، فهي تعني "عبودية" أو "استسلام" ، ثم إني لم أكتف بهذا ، بل ذهبت إلى معجم المفردات "السنسكريتية"، التي يقولون أنها أقدم لغة في العالم ، فوجدت كلمة " mekhalam" أو "ميكالام" ، ومعناها : رق أو ربط ، وهي تحمل دلالة تتقاطع مع معنى العبودية ، فالرق والعبودية كذلك ، ثم لك الآن أن تلحظ هذه السلسلة التي تربط العربية بالسنسكريتية بالانجليزية ، فيا ترى ماذا تحمل من دلالة ؟ تحتاج لمزيد سبر وتفتيش.
3- أسر : من أسر يأسر أسراً وهكذا هو العبد أسير لربه أو سيده ، وهذه دلالة تتواءم مع "ميك" من حيث أنها في السنسكريتية تعني : الرق أو الربط والوثق.
4- كلمة "إيل" : عربية أصيلة وهذا من أكبر الأدلة على قدم العربية وكونها اللغة الأم لشعوب المنطقة بأسرها. عندما رأيتها تذكرت قول حسان بن ثابت عن قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم:
[align=center]وأشهد أن إلّك من قريش = = كإلّ السقب من رأل النعام[/align]
والشاهد قوله "إلّك" و "إلّ" ، ومعنى "إلّ" في لغة العرب : القرابة والأصل ، وزاد الفيروزآبادي : والربوبية ، واسم الله تعالى ، وكل اسم آخره إل أو إيل فمضاف إلى الله تعالى [6]. هذا ولمزيد من التأصيل كنت قد بحثت هذا في كتابي "Truth Exposed" ،وفيه أنا عندما نفتش في ما يسمى بالآارمية – على الاصطلاح اللساني الذي درج عليه الناس - نجد أن قوم عيسى يقولون "alaha" أو "الله" ولكن بإشباع آخرها فتحاً ، وأما في العبرية فيقول قوم موسى "eloha" أو "إلوها" ، وعندنا في العربية أقربها قولنا "إله" ومنه قراءة ابن عباس (ويذرك وإلاهتك) أي عبادتك ، ولذلك يقول جيرالد ديركس ، القس الأمريكي الذي أسلم ، في كتابه (الهلال والصليب) : وهنا نرى التشابه الكبير بين أشياء جاءت في الكتب الثلاثة القرآن والعهد القديم والجديد [7] . وقد اختلف العلماء في أصل لفظ الجلالة ، فذهب الخليل وغيره إلى أنه اسم علم على الباري جل في علاه ، وذهب قوم إلى أنه مشتق ولكن اختلفوا في اشتقاقه فقال قوم هو من قولنا أله إلاهة أي عبد عبادة ،وقال قوم هو من إله إذا قلنا ألهت إلى فلان أي سكنت إليه واطمأننت إليه ، وقال قوم هو من قولك ولاه من الوله وهو شدة الحاجة يقال: وله الطفل إلى أمه ، ولكن في الحقيقة لا خلاف كبير لمن تأملها ، فإنها كلها تشتمل في أصلها على معنى الحاجة والانجذاب والافتقار وكلها معان تدور عليها عبودية الآدمي لربه.
قبل الختام ، أود التنبيه على أمر مهم ، ألا وهو إسهام التقعيد النحوي من بداية ظهوره إلى يومنا هذا في ضرب نوع من الغبش على حقيقة أصول كثير من الألفاظ في لغة العرب ، وخاصة تحت الباب المعروف في كتب النحو بـ "ما ينصرف ومالا ينصرف" ، حتى صارت الأسماء العربية الأصل لكثير من الأعلام - ومنهم بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - أعجمية فهي - مع العلمية - لا تقبل الصرف. وأنا لا أرى حاجة إلى جعل "الأعجمية" هي العلة النحوية هنا ، إضافة إلى أنها تخدعنا بجعلنا نظن أنها غير عربية ، ولكن لنقل هي لفظة عربية لا تستوي سلاسة وسلامة النطق إلا بعدم صرفها ، وهذه علة صوتية (فونيتيكية ) [8] في حقيقة الأمر أكثر من كونها علة تتعلق بالعجمة من عدمها. هذا بالإضافة إلى كثير من المباحث الأصولية والمعاجم والمصنفات التي تورد ألفاظاً عربية من القرآن وتدعي أنها أعجمية الأصل عُرّبت ، وجرى بها اللسان العربي فكيّفها على الطريقة العربية ، أو أنها هكذا وفقاً لمبدأ التوافق بين اللغات ، كل هذه عوامل ساهمت بطريقة ما في تحديد طبيعة الإطار البحثي الذي ننظر نحن المتأخرون من خلاله للأشياء.
======================
[1] وهكذا تنطق تماماً في الانجليزية مع اختلاف يسير للغاية.
[2] معالم التنزيل ، ص100.
[3] معالم التنزيل ، ص 80.
[4] معالم التنزيل ، ص 80.
[5] انظر Merriam Webster.
[6] القاموس المحيط ، ص 962.
[7] Truth Exposed، ص52.
[8] phonetics علم الأصوات ، والمشكلة أن هناك خلط بين محاولات التعليل العقلي والتبرير الصوتي لوضع الكلمة نطقاً ، ربما ساهم فيه امتزاج علوم المنطق والفلسفة بعلم اللغة عند الأوائل.
صحيح تماماً ما قيل في معاني هذه الأوائل ، ولكن قبل اصطلاح من تأخر من الناس على تسمية اللغات بعربية وسريانية وعبرية ، أقول هذه عربية لا سريانية ، هي سريانية اصطلاحاً ، ولكن حقيقتها عربية أصيلة ، لعدة اعتبارات لطيفة أذكرها فيما يلي :
1- جبر : فيها معنى الإكراه والقهر، وهو معنى لصيق بدلالة العبودية ، قال تعالى عن السموات والأرض (ائتيا طوعا أو كرها).
2- ميك : أميل شخصياً إلى أنها عربية عتيقة ، أحياها القرآن ، مع أنها لم تكن تعرفها العرب وقت التنزيل وقبله ، ولكنها كانت معروفة عند اليهود ولذلك قالوا لعمر رضي الله عنه : وأما ميكائيل إذا جاء جاء بالخصب والمغنم [4] . ولكن كيف عرفنا أن معناها "عبد" ؟ هنا سأستنتج طريقة عجيبة تفتح الباب على نكتة مهمة ومعلومة خطيرة ، وهي أني لما رأيت "ميك" تذكرت كلمة "meek" في الانجليزية [5] ، وهي متطابقة تماماً نطقاً ومعنى مع هذه الكلمة ، فهي تعني "عبودية" أو "استسلام" ، ثم إني لم أكتف بهذا ، بل ذهبت إلى معجم المفردات "السنسكريتية"، التي يقولون أنها أقدم لغة في العالم ، فوجدت كلمة " mekhalam" أو "ميكالام" ، ومعناها : رق أو ربط ، وهي تحمل دلالة تتقاطع مع معنى العبودية ، فالرق والعبودية كذلك ، ثم لك الآن أن تلحظ هذه السلسلة التي تربط العربية بالسنسكريتية بالانجليزية ، فيا ترى ماذا تحمل من دلالة ؟ تحتاج لمزيد سبر وتفتيش.
3- أسر : من أسر يأسر أسراً وهكذا هو العبد أسير لربه أو سيده ، وهذه دلالة تتواءم مع "ميك" من حيث أنها في السنسكريتية تعني : الرق أو الربط والوثق.
4- كلمة "إيل" : عربية أصيلة وهذا من أكبر الأدلة على قدم العربية وكونها اللغة الأم لشعوب المنطقة بأسرها. عندما رأيتها تذكرت قول حسان بن ثابت عن قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم:
[align=center]وأشهد أن إلّك من قريش = = كإلّ السقب من رأل النعام[/align]
والشاهد قوله "إلّك" و "إلّ" ، ومعنى "إلّ" في لغة العرب : القرابة والأصل ، وزاد الفيروزآبادي : والربوبية ، واسم الله تعالى ، وكل اسم آخره إل أو إيل فمضاف إلى الله تعالى [6]. هذا ولمزيد من التأصيل كنت قد بحثت هذا في كتابي "Truth Exposed" ،وفيه أنا عندما نفتش في ما يسمى بالآارمية – على الاصطلاح اللساني الذي درج عليه الناس - نجد أن قوم عيسى يقولون "alaha" أو "الله" ولكن بإشباع آخرها فتحاً ، وأما في العبرية فيقول قوم موسى "eloha" أو "إلوها" ، وعندنا في العربية أقربها قولنا "إله" ومنه قراءة ابن عباس (ويذرك وإلاهتك) أي عبادتك ، ولذلك يقول جيرالد ديركس ، القس الأمريكي الذي أسلم ، في كتابه (الهلال والصليب) : وهنا نرى التشابه الكبير بين أشياء جاءت في الكتب الثلاثة القرآن والعهد القديم والجديد [7] . وقد اختلف العلماء في أصل لفظ الجلالة ، فذهب الخليل وغيره إلى أنه اسم علم على الباري جل في علاه ، وذهب قوم إلى أنه مشتق ولكن اختلفوا في اشتقاقه فقال قوم هو من قولنا أله إلاهة أي عبد عبادة ،وقال قوم هو من إله إذا قلنا ألهت إلى فلان أي سكنت إليه واطمأننت إليه ، وقال قوم هو من قولك ولاه من الوله وهو شدة الحاجة يقال: وله الطفل إلى أمه ، ولكن في الحقيقة لا خلاف كبير لمن تأملها ، فإنها كلها تشتمل في أصلها على معنى الحاجة والانجذاب والافتقار وكلها معان تدور عليها عبودية الآدمي لربه.
قبل الختام ، أود التنبيه على أمر مهم ، ألا وهو إسهام التقعيد النحوي من بداية ظهوره إلى يومنا هذا في ضرب نوع من الغبش على حقيقة أصول كثير من الألفاظ في لغة العرب ، وخاصة تحت الباب المعروف في كتب النحو بـ "ما ينصرف ومالا ينصرف" ، حتى صارت الأسماء العربية الأصل لكثير من الأعلام - ومنهم بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام - أعجمية فهي - مع العلمية - لا تقبل الصرف. وأنا لا أرى حاجة إلى جعل "الأعجمية" هي العلة النحوية هنا ، إضافة إلى أنها تخدعنا بجعلنا نظن أنها غير عربية ، ولكن لنقل هي لفظة عربية لا تستوي سلاسة وسلامة النطق إلا بعدم صرفها ، وهذه علة صوتية (فونيتيكية ) [8] في حقيقة الأمر أكثر من كونها علة تتعلق بالعجمة من عدمها. هذا بالإضافة إلى كثير من المباحث الأصولية والمعاجم والمصنفات التي تورد ألفاظاً عربية من القرآن وتدعي أنها أعجمية الأصل عُرّبت ، وجرى بها اللسان العربي فكيّفها على الطريقة العربية ، أو أنها هكذا وفقاً لمبدأ التوافق بين اللغات ، كل هذه عوامل ساهمت بطريقة ما في تحديد طبيعة الإطار البحثي الذي ننظر نحن المتأخرون من خلاله للأشياء.
======================
[1] وهكذا تنطق تماماً في الانجليزية مع اختلاف يسير للغاية.
[2] معالم التنزيل ، ص100.
[3] معالم التنزيل ، ص 80.
[4] معالم التنزيل ، ص 80.
[5] انظر Merriam Webster.
[6] القاموس المحيط ، ص 962.
[7] Truth Exposed، ص52.
[8] phonetics علم الأصوات ، والمشكلة أن هناك خلط بين محاولات التعليل العقلي والتبرير الصوتي لوضع الكلمة نطقاً ، ربما ساهم فيه امتزاج علوم المنطق والفلسفة بعلم اللغة عند الأوائل.