حلقات مُفرَّغة ( متعلّقة بكتب التّفسير) من برنامج مِداد ( متجدّد)

إنضم
7 سبتمبر 2008
المشاركات
21
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الإمارات
الموقع الالكتروني
www.ibnothaimeen.com
التّعريف ببرنامج مداد :
يستضيف الأستاذ إبراهيم السلمي معد ومقدم برنامج "مداد" في كل حلقة متخصصّاً في فنٍّ معيّن مع رحلة ثقافية جديدة بين أروقة الكتب، في فقرات نافعة ماتعة ومنوعة، حيث تضم محاور وفقرات البرنامج، فقرة "في الميزان" يتم فيها مناقشة الضيف عن كتاب وفقرة "عشاق الكتب"، وفقرة "مع القراء" وفي هذه الفقرة يتم سؤال الضيف عن الكتاب الذي يقرأه حاليا.. كما يتم الاتصال هاتفيا بأحد المهتمين بالقراءة وسؤاله عن آخر كتاب قرأه ومميزاته، وتأتيكم فقرة "نادي القراء" وهي الفقرة التي يتم فيها نقاش قضية متعلقة بالقراءة ومنهجياتها ويستقبل فيها البرنامج اتصالات المشاهدين، وسيكون نقاش هذه الحلقة حول "المكثرون من التأليف"، ثم فقرة "ثمرات الأوراق" وفيه يذكر الضيف فوائد في غير مظانها مستخلصة من بطون الكتب، وكالمعتاد سيتم عرض الكتب الجديدة في فقرة: "الوراق" والحديث بشكل مختصر عنها وجامع، ويختتم البرنامج مضمونه بفقرة "اخترنا لك" وهو عبارة عن ترشيح كتاب من قبل الضيف يستحق الاقتناء والقراءة ،ويبث على الهواء الساعة التاسعة والنصف مساء كل أحد. أوقات الإعادة : الإثنين العاشرة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً، الأربعاء الواحدة ظهراً، الجمعة: 12:45 ليلاً.​

الحلقات المتعلّقة بكتب التّفسير:

الحلقة الأولى : عرض لعدد من كتب التّفسير.. الدكتور : مساعد بن سليمان الطيّار.. تاريخ : 19 ربيع الآخر 1431
الحلقة السادسة : تفسير الكشّاف للزمخشري الدكتور عبدالرّحمن الشهري . تاريخ:2 جماد الآخر 1431
الحلقة السابعة : كتب علوم القرآن العرض والمنهجية ..الدكتور: مساعد بن سليمان الطيّار. تاريخ: 9 جماد الآخر 1431
الحلقة العاشرة : كيفية قراءة الكتب المُطوّلة في التفسير ..الدكتور مساعد بن سليمان الطيّار تاريخ: 8 رجب 1431
الحلقة الثانية عشر: علم التّجويد والتأليف فيه ومنهجية قراءة كتبه. الدكتور عبدالرحمن الشّهري. 29 رجب 1431
الحلقة الخامسة عشر : المعاجم القرانية . الدكتور عبدالرّحمن الشّهري. 24 شوّال 1431
الحلقة الثالثة والعشرون : كتاب في ظلال القرآن سيد قطب الدكتور عبدالرّحمن الشّهري 28 ذي الحجّة 1431
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم الاخت الفاضلة أم عبد الباري
وان شاء الله نفتح موضوع جديد ندرج فيه كل هذه الحلقات
المتعلقة بعلوم القران لمشايخنا الفضلاء في برنامج مداد علي هيئة فيديو وصوت
لتكون متاحة للجميع لتعم الفائدة بعون الله

 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيكم الاخت الفاضلة أم عبد الباري
وان شاء الله نفتح موضوع جديد ندرج فيه كل هذه الحلقات
المتعلقة بعلوم القران لمشايخنا الفضلاء في برنامج مداد علي هيئة فيديو وصوت
لتكون متاحة للجميع لتعم الفائدة بعون الله​
وإيّاكم أختي الكريمة ، نفع الله بكِ وجزاك الله خيراً على جُهودك في تسجيل حلقاته
جزى الله القائمين على هذا البرنامج خير الجزاء ،
والله أسأل أن ينفع بهم وبضيُوفهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها
 
شكر الله لك أختي الفاضلة أم عبد الباري على همتك العالية وبارك بجهودك الطيبة في هذا الملتقى. وأظنني بهذه المشاركة فهمت أنه سيكون هناك مشروع لتفريغ الحلقات التي أشرت إليها والمتعلقة بكتب التفسير أليس كذلك؟
 
أين أجد هذه الحلقات ماعدا الحلقة كتاب في ظلال القرآن? لو تفضلت الأخت أم عبدالباري أو الأخت ام الحارث أو الأخت سمر الأرناؤوط برفع هذه الحلقات و لكم مني خالص الدعاء و من جميع من يستمع لهذه الحلقات.
 
شكر الله لك أختي الفاضلة أم عبد الباري على همتك العالية وبارك بجهودك الطيبة في هذا الملتقى. وأظنني بهذه المشاركة فهمت أنه سيكون هناك مشروع لتفريغ الحلقات التي أشرت إليها والمتعلقة بكتب التفسير أليس كذلك؟

بارك الله في الجميع
حتي نوفر الوقت والجهد هناك بعض الحلقات تم تفريغها في منتدي قناة دليل علي هذا الرابط فنقوم بتفريغ ما لم يتم تفريغه
http://idaleel.tv/vb/showthread.php?t=872

أين أجد هذه الحلقات ماعدا الحلقة كتاب في ظلال القرآن? لو تفضلت الأخت أم عبدالباري أو الأخت ام الحارث أو الأخت سمر الأرناؤوط برفع هذه الحلقات و لكم مني خالص الدعاء و من جميع من يستمع لهذه الحلقات.

الحلقات موجوده علي هذا الرابط
http://idaleel.tv/vb/showthread.php?t=684

ولكن ان شاء الله جاري اعداد موضوع مستقل هنا في الملتقي للحلقات التي تهتم بالقران وعلومه
 
بارك الله في الجميع ..
بالنّسبة للتفريغ فسيتم بحول الله تفريغ ما لم يتم تفريغه سابقاً وَسُندرِجه في هذه الصفحة إن شاء الله
شكر الله لكم جميعاً ونفع بكم الإسلام وأهله ..
 
برنامج مداد حلقة بُثّت يوم الأحد بتاريخ 24/ شوال/ 1431
(مقاطع مختارة.... بِتصرُّفٍ يسير)
مقُدِّم البرنامج : بِسم الله الرَّحمن الرَّحِيم، مُشَاهدِّي الكِرام، سلامُ الله عليكم ورحمتُه وَبركاته، وحيَّاكم الله إلى لقاءٍ جَديد من لقاءات برنامجكم الأسبوعي مِداد،في هذا البرنامج كالـــمُعتاد مشاهديّ الكرام نأنَس وإيَّاكم بالجُلوس إلى الكُتُبُ وعُشَّاقها والاستزادة من أخبارها، بالطَّبع شاهدتُم البيِّت الذِّي جاء على "شَارةِ البرنامج" وهو بيتٌ نتمثّل به كثيراً في برنامجكم مــِداد.
أعزُّ مكانٍ في الدُّنى سَرجُ سابِحٍ.... وخيرُ جَليسٍ في الزَّمان كتابُ
في مطلع هذه الحلقة التي أعدِكُم إن شاء الله أن تكون حلقةً ماتعةً ومفيدة.
أرِّحب بضيفي الكريم الدكتور/ عبدالرحمن بن معاضة الشِّهري. فحياَّكم الله
الضَّيف: أهلاً وسهلاً بك، وحيَّا الله الإخوة المشاهدين الكِرام.​
مقدِّم البرنامج: فَرِحنا كثيراً بكم في هذا البرنامج شيخ عبدالرحمن، وإن أذنتَ لي سبق أنّك سُئلتَ في إحدى المرَّات في إحدى البرامج أظن في العِيد، عن سبب خروجك مرَّتين في برنامج مِداد وهذه هي المرَّة الثالثة ، اسمحلي فضيلة الشِّيخ أن أجيب عنك، الضُّيوف عندنا في برنامج مداد ربَّما هذه خَلطَة لا يَعرفُها الكثير من النَّاس وهي أنّنا عندنا مجموعة من الضُّيوف قد لا نتجاوُزُهم لأنّنا نشترط في ضيفنا شروطاً قد لا تكون موجودة في بعض المتَّخصِّصين الأكَاديمين، مثلاً نشترط أنَّ يكون صاحِب قراءة موسوعية ومُهتم بالكتاب وأيضاً مُهتم بمتابعة جديد الكُتُب، ربَّما نجد مثلاً بعض الضُّيوف الكِرام والمختَّصين في مجالهم قد يكونون في مجال المبدعين لكنّهم ليسوا مثلاً أصحاب صِلَة بالمكتبات وجديد الكُتُب ربما يكون هذا شرط لا يُوافق برنامجنا ، وأنتُم على شَرطنا شرط البُّخاري، فحيّاكم الله يا أبا عبدالله.​
الضِّيف: الله يحفظك ، أرجو أن أكون عند حُسن ظنِّك.​
مقدّم البرنامج: وأنتم إن شاء الله كذلك ، تأذن لنا فضيلة الشيخ ننتقل إلى الفقرة الأولى من هذا البرنامج.
فقرة الورّاق ( جديد المطابع) : ومن جديد المطابع التي رأيناها في هذه الأيّام.
1- كتاب الطبقات الصَّغير أو كتاب الطبقات الصُّغرى: كما هو موجود للمؤلِّف لأبي عبدالله محمد بن سعد المؤرِّخ المشهور، كثير من النّاس ظنّ أنَّ هذا الكتاب مفقود يا شيخ، وبالفعل وجده محمد زاهد والمحقق المشهور بشّار عوّاد ، وقد حُقِّق الكتاب في مجلدين ربّما كانت أكثر من ألف صفحة ، المجلد الأوّل 472 ص، والمجلَّد الثاني 430 ص، طبعة دار الغَرب الإسلامي بتونس. الجميل فيه الفهارس كثير من النّاس عندما يقرأ في كِتاب الطَّبقات كتب التّاريخ ينتهي الكتاب من دون فهرس فيضّطر الإنسان أن يكون معه العشر المجلدات أو العشرين المجلد حتى يعرف الفَهارس ، فهارس الطَّبقات الأسماء الأعلى موجودة في المجلد الأوّل ، لكن الفهارس الكبرى موجودة في نهاية المجلّد الثاني وطبعاً هذه طريقة جيدة إلى حد ما.
الضَّيف: طبعاً الدّكتور بشّار مدرسة في التحقيق في كتب التَّاريخ والرِّجال
المُقدّم : طبعاً هو ذكروا أنّهم ما وجدوا إلا نسخة ًواحدة وطبعاً هذا مزعج، لكنّهم قابلوه على كتاب الطّبقات الكبرى وقابلوه على كتب التراجم الأخرى فخرجت بهذا الشّكل
الكتاب الثاني ( المُفصّل في القواعد الفقهية ) للدكتور يعقوب بن عبدالوهّاب الباحسين عضو هيئة كبار العلماء، وقدّم له الدُّكتور عبدالرحمن السديس مدير جامعة المعرفة العالمية، طبعة الدّار التدمرية وجامعة المعرفة العالمية...
وهذا الكتاب في أصله محاضرات ألقيت على طلاّب جامعة المعرفة ثمّ أخذها الشِّيخ مرّة أخرى وحرَّرها وأعاد كتابتها ثم خرج بهذا الشّكل
يقول الشيخ السديس :
هذا الكتاب الذي بين أيدينا يتميّز بعدّة ميزات منها:
الأوَّل: أنّه يتناول علماً من أهمّ علوم الشَّريعة
الثاني : تميّز المؤلف في هذا الفن وعلوّ كعبه فيه، فقد تمَّيز بكتاباته ودراسته المتعمّقة في هذا العلم ...
إصدارات الشيخ السّابقة ونبذة من سيرته:
فقرة الميزان :
المقدّم : الكتاب "هو مفردات ألفاظ القرآن للرَّاغب الأصفهاني"،، قبل أن نتكلم عن هذا الكتاب نرغب بتعريف عن هذا المؤلف
الضيّف: هو أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضّل المعروف بالرّاغب الأصفهاني،وهو من علماء مدينة أصفهان وهي مدينة من مدن فارس ، توفي سنة 425 على الصّحيح مما ذكره المترجمون ولذلك هو متقدِّم الوفاة، وأخطأ من كتب أنّه توفيَ سنة 502
قد أدرك الصّاحب بن عبّاد، قد أدرك ابن فارس صاحب ( مقاييس اللُّغة) ولذلك يُعتبر كتاب ( الـــمُجمَل في اللُّغة ) لابن فارس من أبرز مصادره التي اعتمد عليه في كتابه هذا وهي من مميزاته.كذلك لم أجد في ترجمته أنّه أدرك ابن فارس وقد أخذ عنه ولكنّي لمست في الكتاب تأثُّراً بكتاب ( المجمل لابن فارس)، وابن فارس له كتابين في المعاجم في اللُّغة بعض النَّاس لا يعرف إلاّ كتاب ( مقاييس اللُّغة) اعتنى فيه بالاشتقاق الكبير ،وكتاب ( المجمل في اللُّغة ) فقد رتَّب هذا الكتاب ترتيباً معجمياً، وحَرَصَ فيه على ألاّ يذكُر فيه إلاّ الصَّحيح ممّا صحّ عن العرب من اللُّغة . ولذلك هو يَكاد يُضاهي الصِّحاح للجوهري في جودة اللُّغة، لذلك اللُّغة لو وجدتها في كتاب المجمل فهي أشبه ما يكون بالأحاديث الصحيحة .
وللرَّاغب الأصفهاني كتباً كثيرة من أشهرها:
محاضرات الأدباء وهي اختيارات أدبية وهي مثل عيون الأخبار لابن قتيبة
وله كتاب اسمه( الذَّريعة في مكارم الشَّريعة) وله غيرها من الكتب.
وله كتاب في التّفسير طُبع جزءاً منه محقَّقاً في دار الوطن بتحقيق الدكتور عادل الشِّدي
المقدّم : له كتاب اسمه ( الكُليّات ) لا أدري إذا كان موجوداً أم مفقوداً
الضيّف : ليس موجوداً. وله أيضاً كتب جيِّدة في القرآن ولكنّها ليست موجودة.
المقدّم : بالنسبة لكتاب (مفردات القرآن ) هل سُبِق إليه غيره؟
الضيّف : مفردات ألفاظ القرآن هي تتحدَّث عن ألفاظ القرآن الكريم وليست فقط عن غريب القرآن الكريم، فهو حاول أن يستوعب كل الكلمات التي وردت في القرآن الكريم ويتحدّث عنها، وفاته تقريبا ثمان مفردات فقط.فهو جهد رائع جدّاً. يعتبر الكتاب من أجود معاجم المفردات القرآنية ولذلك أثنى عليه العلماء بعد الزّركشي وغيره ، ولذلك بعضهم يوصي بحفظه وبعضهم يُكثر من النّقل عنه.
من ميزات هذا الكتاب:
أوّلاً: أنّه حاول استيعاب مفردات القرآن، ثانياً: أجاد في البيان عن المفردات فهو عندما يتحدّث عن مُفردة إنّما يتحدّث حديث عالم متّتبع مستقصي للمعاني ولذلك يُعتبر من أقدم من تحدَّث عن المفردة من زاويتين من زاوية ( جانب الحقيقة في المفردة ) ثمّ التَّعبيرات المجازية، لذلك هو قد سبق الزمخشري في كتابه ( أساس البلاغة) يعتبر من مميزاته أنّه يتحدّث عن المعانيى الحقيقية للمُفردة ثم يأتي بالمجازية.
أيضاً حسن ترتيبه فقد رتبّه ترتيبا معجميا، والمعجم المقصود به هو الكتاب الذّي رُتِّبت فيه المواد ترتيباً ألف بائياً أو أبجدياً حسب حروف المعجم. وأصل كلمة معجم تكلّم عنه ابن منظور في ( لِسان العرب) كلاماً جيِّداً.
طبعاً المؤلف رتّب كتابه ألف بائياً ، ثم يأتي في داخل كل كتاب فسمّاه ( كتاب الألف، كتاب الباء، كتاب التّاء) إلى آخره ، فيُرَتِّبها داخل المفردة على حسب الألف ثم الباء ثم التاء إلى آخره. فيبدأ بكلمة ( أبى)، فمثلاً تُريد أن تبحث عن كلمة (حَرَد) كما في سورة القلم ( وغَدَوا على حَردٍ قادرين)، زمان قبل الرَّاغب الأصفهاني بل قبل السجستاني صاحب كتاب ( نزهة القُلوب). لعلّنا نتحدّث عنه عندما نتحدّث عن المعاجم، أوّل من ابتدأ في المعاجم القرآنية فكرة ترتيب المفردات على حسب الألف بائي دون السُّور ، كان ابن قُتيبة يُرَّتبه على حسب السُّور ، فأنت الآن كلمة (حَرَد) مباشرة تذهب إلى سُورة القلم تجد الكلمة ، لكن هنا لا ، تذهب كتاب الحاء ثم تتبَّع الحاء ثم الباء ثم التَّاء إلى آخره حتى تصل إلى حرَث ثم حَرَجَ ثمّ حَرَد، فتجد كلمة (حَرَد) يقول الحَرد المنعُ من حِدَّةٍ وغضَبِ يعني ليس المنع العادي. قال عزَّوجل ( وغَدَوا على حَردٍ قادرين) أيّ على امتناعٍ من أن يتناولوه قادرين على ذلك، ونزَلَ فلاناً حِريداً أيّ ممتنعاً عن مخالطة القوم فهو حريدُ المحل، وحاردت السَّنةُ منعت قطرها.. انتهى.
لكن انظر إلى كلمة أخرى وَردت أكثر من مرّة مثل ( حَرَجَ) يقول أصل الحَرَج والحَرَاجي مجتمعُ الشيئين ص 226، وتُصُوِّر منه ضيقَ ما بينهما، فالضيِّق حَرَجٌ ،وللإثمِ حَرَجٌ قال تعالى ( ثمَّ لا يجدوا في أنفسهم حَرَجاً) وقال عزَّوجل ( وما جعل عليكم في الدِّينِ من حرج) وقد حَرِجَ صدره قال تعالى ( يجعل صَدَرَه ضيِّقاً حَرَجا كأنما يصَّعَّدُ في السَّماء) وقُرئَ (حَرِجاً) أي ضيِّقاً بكفره لأنّ الكفر لا يكاد تسكُنُ إليه النّفس لكونه اعتقاداً عن ظنٍّ، وقيل ضُيِّق بالإسلام كما قال تعالى (خَتَم الله على قلوبهم ) وقوله تعالى ( فلا يكن في صدركَ حَرجٌ منه) قيل هو نهيٌ، وقيل هو دعاءٌ، وقيل هو حُكمٌ منه، نحو ( ألـَم نشرح لكَ صَدرَك) والمتحرِّج المتحوِّبُ المتجنِّبُ من الحَرَجِ والحبو.
فنُلاحظ أنّه يجمع الآيات التي وردت في نفس اللّفظة من القرآن كامل وهذه ميزة عنده، فيُقَدِّم الحديث عن القرآن ثمَّ يستشهد بالأحاديث أحياناً ويستشهد بالشِّعر أحياناً ، ثمَّ إذا كانت لها معانٍ مجازية ذكرها بآخر حديثه.
المقدِّم : طبعاً كلمة ( عَدَل) ذكر الآيات كلّها في العَدل،وذكر معنى العَدل وما يتبعها
الضيّف: نعم ،طبعاً هناك بعض الكلمات في القرآن الكريم تكرَّرت كثيراً فهذه يُطيل فيها.
المقدِّم : لكن إذا كانت الكلمة خُماسية كيف أرُجع الكلمة وأعرف أنّها موجودة .
الضيّف: ممتاز، تُرجعها إلى أصله،
المُقدِّم : ولكن كيف أرجِعها إلى أصلها مثل كلمة الحكمة
الضيف: حَكَم، لابد أن يكون لديك معرفة بالصَّوت ، ولذلك (نُزهة القلوب) للسَّجستاني أسهل منه، فإنّها رتّبها ترتيباً ألف بائياً لكن لم يُرجعها إلى أصولها، فمثلاً كلمة ( أقامُوا)لا تجدها في مادة (قَوَمَ) وإنَّما في مادة الألف (أقام) وهكذا فهذه طريقته، وحقيقةً طريقته مميَّزة.
وأيضاً من مميزات الرَّاغب الأصفهاني التي أجَادَ فيها وهي أنّه لا يكتفي بالمعاني التي يذكرها أصحاب اللُّغة، يعني يرجِع إلى كُتُب معاجم اللُّغة يستفيد منها كثيراً مثل كتاب( الـــمُجمل ) كما قلت لابن فارس ومن سبقه ككتاب ( العين ) للخليل بن أحمد الفراهيدي. لكن هناك معاني في المفردات القرآنية يدُّل عليها السِّياق في القرآن لا يذكرها علماء اللُّغَة، فهذا يَلتقط المعاني التي يدُّل عليها السِّياق ويُضيفها هنا، ولذلك تميّز بهذه الـــمِيزة، ولذلك يُعتبر من أجود كُتب المفردات على الإطلاق .
الـــمُقَدِّم : وطريقته في التفسير طريقة محمودة يا شيخ
الضيَّف : طبعاً، فهو على مذهب أهل السُّنة والجماعة كما ثبتَ في ترجمته، وكان يَرُد على القدرية وعلى المرجئة والمعتزلة فهو سُنِّي كما يظهر من كتابه. طبعا ميزة الكتاب لمّا طُبِع بهذا المستوى في مجلد واحد، الآن لمّا تُريد أن تبحث عن أيّ آية لابد أن تُرجِعها إلى أصلها، ثمَّ تبحث عنها في المادة ، وقد صنع الأخ المحقق (صفوان داودي) جزاه الله خير، طبعاً الكتاب له تحقيقات كثيرة حقّقها الدكتور محمد أحمد خَلَفَ الله عام 1390 وطبعه مرّة أخرى، وحقَّقَه نور محمد كَرَاجي في باكستان، وحُقِّقَ تحقيقات في بيروت وطُبِعَ طبعات كثيرة جِدّاً ، فهذا الكتاب من أكثر الكتب طباعةً في غريب القرآن. ثمّ حقّقها الأخ صفوان داودي 1412 من الطبعة التي عندي هنا هذه هي ( الطبعة الأولى) دار القلم، فأجاد فيها أيَّما إجادة جزاه الله خيراً ، فهو أجود تحقيق موجود الآن هو هذا التّحقيق وجمعه في مجلّد واحد، فعندما تحمله الآن في يدك تستطيع أن تُراجع أيّ مفردة بكل سهولة وتُرجعه إلى أصله
المقدِّم: ولا يعني من سيرجع لهذه اللّفظة سيرجع إلى معناها فقط بل سيعرف اشتقاقها وماذا يُستعمل له
الضيف: بالضّبط، لاحظ الآن من المؤخذات الآن – و الحقيقة هي ليست بملحوظات عميقة- فقد فاته ثمان مفردات كلمة (زَبن) في قوله ( سندعُ الزّبانية) ومادة ( قَرَشَ) في قوله ( لإيلافِ في قريش) ومادة (كَلَحَ) في قوله ( وهم فيها كالحون) ومادة ( قَدَوَ) في قوله ( فبهُداهمُ اقتده) ، وفي مادة (نَضَخَ) في قوله (فيهما عينان نضَّاختان)، كان المفترض أن يذكرها، كلمتي خردل ، وفَنِيَ في قوله ( كلّ ُ من عليها فانٍ) هذا استدركها المحقق على السَّمين الحلبي صاحب (عمدة الحُفَّاظ) لعلّنا نذكره
أيضاً كان يَحصل عنده خلل نادراً في ترتيب بعض المفردات ، نادراً أحياناً يختار اختيارات ضعيفة في معاني المفردة، وينسى بعض التقسيمات فيقول وهي على أربعة أنحاء ثمّ يذكر ثلاثاً. وهي أمور شكلية.
المُقدِّم : لكن بالنسبة للمفردات بهذا العدد وهذه الكمية الضَّخمة، هل هناك كتاب استوعبه أو قريب من استيعابه
الضيف : نعم هناك كتاب استدرك عليه وهو كتاب ( عمدة الحُفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ) للسَّمين الحلبي تلميذ أبِّي حيَّان الغرناطي له كتاب بهذا العنوان في أربعة مجلّدات حقَّقه الدكتور محمد آل تونجي وهو قد بناها على هذا ، بنى كتابه على هذا الكتاب ولكنّه أضافه إضافات جيّدة ، السّمين الحلبي له إضافات في الاشتقاق، له إضافات في الاستشهادات ، في البيان ، فالسّمين الحلبي عالم، حتى المراجع التي رجع إليها بعضها مفقود ممّا يَدُّل على أنّه رجلٌ لا يُشَّكُّ في علمه، وله (كتاب الدُّر المصون في علم الكتاب المكنون)
المقدِّم : من يقرأ هذا الكتاب يا شيخ.
الضَّيف: يقرأه البَّاحثون وطلبة العلم بالدَّرجة الأولى، ويقرأه أوساط طلبة العلم.فأنا أُوصِي بهذا الكتاب طلبة وخاصة هذا الطبعة الجيِّدة وهو من المصادر المهمّة المعتمدة في معرفة مادة ألفاظ القرآن الكريم، عندما تريد تُراجعها وتستذكرها وتشرحها وتبيِّنها لطلابك.

المقدِّم : ربَّما بعض النَّاس يَضحك على عُشَّاق الكُتُب عندما يَدخل بيته فيُشاهد مكتبته الكبيرة، هل توافق على من يقول في أنَّ من لا يُحب الكتب محروم يا شيخ؟
الضَّيف:والله طبعاً من جرَّبها وذاق لذّة القراءة والعلم فيها والـــمُتعة الحقيقة فعلاً يعتبر أنَّه محروم. بعض النّاس لا يُشاركنا هذا الرأي ويعتبرنا نحن مجانين وأنفقنا أموالنا فيما لا ينفع .
المقدِّم : الزبير بن بكار ، قال : قالت بنت أختي لأهلنا : خالي خير رجل لأهله ، لا يتخذ ضرة وسرية . قال : تقول المرأة : والله هذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر.​
سؤال لكم فضيلة الشيخ: كتابٌ لم تستطع أن تُكمله.
الضَّيف: هناك كتب كثيرة الواحد يتوقف عن إكمالها لأسباب كثيرة، منها (العقل العربي) محمد عابد الجابري قرأت فيه ثمّ توقفت.
المقدّم: ننتقل لفقرة مع القُرَّاء هذه الفقرة دكتور عبدالرحمن من الفقرات الجديدة في هذه الدورة، نسأل ضيفنا عن الكتاب الذِّي يقرأه حالياً ..​
الضَّيف: الحقيقة أنا مؤخراً وصلني كتاب ثمين جِدّاً هو (فهرس المخطوطات العربية والتُّركية والفارسية في المكتبة السّليمانية ) وهذا فهرس فريد ورائع جدّاً وحديث الصُّدور1431، قام عليه الدكتور محمود السِّيد الدِّغيم وهو باحث سوري متفننّ حقيقة ومتقن للغة العربية والتُّركية واللُّغة الفارسية، وتعرف أنَّ المخطوطات في المكتبة السُّلمانية مكتوبة بالتركية كثيرٌ من معلوماتها وبالفارسية بعض المخطوطات، فهذه المكتبة السليمانية تعتبر الآن هي المكتبة الرئيسية في تركيا أشبه ما تكون بمكتبة الملك فهد الوطنية بالمملكة هنا ، فالمكتبة السليمانية هي المكتبة الأُم نفسها وملحق بها تقريبا 115 أو116 مكتبة إضافية بعض هذه المكتبات التي أُضيفت فيها تحتوي على خمسة آلاف مخطوط أو ستة آلاف مخطوط أو أربعة آلاف ، أو جُمعت من المكتبات الصَّغيرة والمساجد وأماكن الزوايا، فالدكتور محمود الدِّغيم قام بفهرسة المكتبة الأساسية وذكر في الفهرس أنَّ هذه المكتبة السليمانية تصل إلى 65 ألف مخطوطة، طبعاً الفهرسة الدَّقيقة لهذه المكتبة الحقيقة مفيدة جِدّاً للباحثين ، لذلك أنا أقول لطلاب الدراسات العليا والباحثين الذين يستمعون إلينا اقرؤوا هذا الفهرس ففيه الكثير من المخطوطات الجديرة بالتحقيق ، طبعاً هذا الفهرس دعمته مكتبة المنهاج في جدّة وجهة أو مركز تابعة لها اسمها سقيفة الصَّفا في جِدّة وطباعة فاخرة وأنيقة ورائعة جِدّاً، وفهرس مميِّر أوّل مرة تجد فهرس موجود بشكل الكتروني كامل وموجود بشكل البي دي إف، وموجود بشكل الوورد، وتستطيع أنَّك تبحث فيه عن المخطوط ، أيضاً مُزَّود بصور للمخطوطات يعني المخطوطات المميزة أوّلها وآخرها مُصَّورة ، ذكر أنَّ بعض المجامع التي فهرسها مجموع واحد فيه 79مخطوطة يعني رسائل صغيرة قد تجد فيها نفائس.يقول الباحث الآن محمود الدِّغيم الآن أنا بصدد إخراج مماثل لمكتبة راغب باشا وهو كان الصَّدر الأعظم في مرحلة من مراحل الدَّولة العثمانية المتأخرة. وقبل أن أنسى أنا أشكر الأخ عبدالحميد العمري الذِّي أهداني هذا الفهرس وأرسله لي من مكة جزاه الله خيراً
المقدِّم : أيضاً هناك أمر آخر دعم بعض المشاريع العلمية من قِبل الوقفيات أو الجِّهات الأخرى
الضيَّف: نعم ،أحيي الإخوان في سقيفة الصَّفا فهم قد بذلوها بسعر ٍ ليس بغالٍ من جهّة ، والأمر الآخر أتاحوها الآن للباحثين لو تذهب عندهم يُعطوك نسخة الكترونية مجَّاناً .
المقدّم: ثمّ أيضاً من الاهتمام بالمكتبات القديمة أنا يحضرني الآن مثل الشيخ الألباني وغيرهم
الضيّف:: لا وأيضاً نقطة أخرى يا شيخ إبراهيم ، على سبيل المثال ارجع إلى كتاب المُعرَّب للجوالقي بتحقيق أحمد شاكر وانظر إلى حديثه عن كلمة( آزر ) اسم والد إبراهيم وهل هو اسم والده أم اسم عمّه ، كلام رائع جدّاً ورجع إلى مراجع كثيرة جِدًّا مع أنّه ما يوجد بين يديه فهارس فأنا أقول لو كان بين يديهم الفهارس ماذا كانوا سيصنعون؟ بالرّغم من أنّهم يعملون في مخطوطات لا يوجد فهارس تُقرِّب المعلومات كما نصنع اليوم، فالآن بعض الباحثين تفوته معلومات موجودة في صحيح البخاري ويقول لم أجدها فيما بين يديَّ من المراجع.
فقرة نادي القّرّاء.. عن الكتاب نتحاور:
المقدِّم : المعاجم القرآنية هل هي بهذه الأهمية وهذه الكثرة فضيلة الشيخ.
الضَّيف: المعاجم التي تخدم الدراسات القرآنية كثيرة جِدّاً ، لكنِّي ركَّزت على المعاجم المتصِّلة بالقرآن مباشرة، فلم أذكر معاجم مصطلحات التجويد، ولا معاجم علوم القرآن، وإنّما المعاجم المتَّصلة بالنّص القرآني مباشرة، ولعلّنا نذكر سبعة عشر نوع فقط.
أسئلة المتّصلين:
نتدارس مع إخوة لنا كتاب غريب القرآن للسجستاني ، وكتاب التفسير الميَّسر ، وكتاب تفسير السِّعدي، السؤال للشيخ هل هناك كتب أخرى ينصحنا به الشيخ؟
أشيد بهذه المدارسة ونسأل الله لهم القبول، وكلّها كتب قيِّمة فكتاب التفسير الميِّسر ومدارسته مهم جِدّا، كتاب السجستاني من أهم كتب غريب القرآن لكن ترتيبه فيه نوع من الصُّعوبة لا سيما بأنّ التفسير الميسر مرّتب على حسب سور القرآن ويأتون لغريب القرآن فيجدونه مرتَّباً ترتيباً ألف بائي فيضطرب عندهم الترتيب، لكن لو يقرأون كتاب ( التبيان في غريب القرآن ) لابن الهائم طبعته دار الغرب فهو قد رتّب كتاب نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن للسجستاني رتّبه على حسب ترتيب سور المصحف فهو أنسب لهم .
كتاب مختص بالنُّكت القرآنية في التفسير؟ الكتب كثيرة جدا ، فنختار له كتاب نظرات لغوية في آيات القرآن الكريم للدكتور صالح بن حسين العايد ، فهذا الكتاب مُشِّوق لما فوقه إن شاء الله.
طالبة مبتدئ ترغب بالاستفادة من كتب اللُّغة الخاصّة بالتفسير؟
ما دام السؤال في كتب اللّغة : فإني أنصحها بكتب البلاغة القرآنية للشيخ فضل حسن عبّاس فهذا كتاب قيِّم تعيد قراءته
من أراد التفسير الذي يتكلّم عن اللّغة الكتب كثيرة ولعل من اوسعها كتاب التحرير والتنوير للطّاهر ابن عاشور وهو كتاب ضخم لا يصبر عليه إلا طالب علم، ولكن من أجودها إرشاد العقل السّليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السّعود العِمادي كتاب قيّم جدّاً في العناية ببلاغة القرآن الكريم والإعراب، استفاد من الزَّمخشري كثيراً وتجنَّب الكثير من مزالقه ووسّع عبارة الزَّمحشري حتى يُفهم .
أريد كتاب موّثق في النّاسخ والمنسوخ من آيات القرآن؟ أنصحه بكتاب الآيات المنسوخة في القرآن الكريم للدكتور عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي ذكر بأنّ الآيات التي قيل بنسخها لا تتجاوز التسع آيات. هناك نواسخ القرآن الكريم لابن الجوزي ، والنّاسخ والمنسوخ لأبي جعفر النَّحاس.
المقدِّم: نرجع فضيلة الشيخ لموضوعنا عن المعاجم القرآنية.
الضيّف: طبعاً الكتاب المشتمل على ترتيب معيّن يقال له معجم، معجم الأدباء ، معجم الأدوات ، معجم الصَّنائع ، فالآن نحن نتحدّث عن المعاجم القرآنية ، حاولت أن أرِّتبها على حسب الكتب الموجودة عندي في المكتبة فقط وإلا هي أوسع من ذلك فظهر عندي سبعة عشرَ نوعاً
أوّلها : المعاجم القرآنية: وكتب المعاجم كثيرة جِدّاً وأوّل ما يصح ان يُسَّمى معجم كتاب نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن الكريم العزيز للإمام للسجستاني، لأنّه رتّبه ترتيباً هجائيا على حسب الحروف، أمّا ترتيب ابن قُتيبة ترتيب أبي عُبيدة معمر بن مُثّنى في المجاز فهو على حسب السِّور وهذا لا يُسمّى معجم.
كتاب نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن الكريم العزيز للإمام أبي بكر محمد بن عُزَيز للسجستاني وليس ابن عُزير هناك خلاف طويل في اسمه لكن الرَّاجح هو هذا عُزِيز، توفي 330 هجرية وهذا الكتاب ميزته أنّه قرأه على شيخه أبي بكر بن الأنباري وهو من الكبار الذي تُوفي سنة 328 رتبّه على تريب الحروف وليس على ترتيب السُّور، ثمّ رتّب كل مادّة داخل الحروف حسب الترتيب الألف بائي ، مثال : باب الجيم المضمومة طبعاً هو يُقدِّم الكلمة المفتوحة ثمّ المضمومة ثمّ المكسورة ، مثال : (جُناح) : إثمٌ ، ثمّ جُنبٌ غريب وجُنُبٌ بعيد كما في قوله تعالى ( فبصُرَت به عن جُنُب) أيّ عن بُعدٍ، وجُنُبٌ الذي أصابته جنابة إلى آخره. فالكتاب مُركّز فكان ترتيبه للكتاب مفاجئ للنّاس وغير معهود فجاء ابن الهائم فرتّبه على حسب سور القرآن الكريم وأجاد في ذلك.
من كتب المعاجم : قاموس الألفاظ القرآنية ، المستشرقين كتبوا عن هذا النُّوع عدّة كتب منها ( سلك البيان في مناقب القرآن) لجوهان بيرنيس، وقاموس الألفاظ القرآنية لأحد المستشرقين ، أيضاً معجم الكلمات الأثرية في القرآن والمعلّقات لأحد المستشرقين كتبه وشرح فيه 96 كلمة من غريب القرآن الصعبة وشرحها على المعلّقات واستشهد عليها من الاشعار التي وردت في المعلّقات بالذّات ، أيضا كتاب معاصر جميل جِدّاً : اسمه كتاب معجم ألفاظ القرآن نادرة الاستعمال في لغتنا المعاصرة للدكتورين نشأت صلاح الدِّين، وحامد عبدالهادي ، هذا كتاب جيّد طُبِع في الوقف السُّني في العراق مؤخّراً ، هذا جيّد للبَّاحثين الآن أنصح به لأنّ على الأقل لو لم تستفد منه إلا أنّه يجمع لك الألفاظ الغريبة ، لأنّ غريب القرآن مسألة نسبية فما هو غريب عند شخص قد لايكون غريب عند شخص آخر وأيضاً ما هو غريب علينا اليوم قد لا يكون غريب على المتقدِّمين، فحاولوا أن يذكروا الألفاظ الغريبة في الواقع.
المقدِّم: لكن هل كان الأئمة في السّابق كالسجستاني مثلاً يرى أنّها غريبة على مجمل النّاس ، او أنّه يخشى أنّه ياتي في زمن لا يفهمه النّاس.
الضّيف: الحقيقة هذه مسألة درستها في أحد البحوث وهو ( غريب القرآن مسألة نسبية من حيث الزَّمان ومن حيث المكان) فمجاز القرآن لأبي عبيدة العدد فيه قليل ، وكنت أجريت موازنة لعدد من السّور، فوجدت أنّ أي ّسورة من السُّور خذها عند أبي عبيدة تجد عنده سبع كلمات شرحها، أمّا ابن قتيبة تجد أنّها قد زادت ، تأتي عند الإمام السجستاني تجد أنّها قد زادت اكثر، عند المفردات للرّاغب الأصفهاني استوعب المفردات كلّها ولم يقتصر على الغريب فقط، فأنا قدّمت الغريب وقلت معاجم الغريب التي رأى أصحابها أنّها غريبة فعلاً.
النوّع الثاني من المعاجم: معاجم الألفاظ مع شرحها ،، والغريب أقل من معجم الألفاظ ،، من أمثلة معجم الألفاظ : (معجم الألفاظ) للرّاغب الأصفهاني ، ومثل( عمّدة الحُفّاظ) للسَّمين الحلبي، ومنها (معجم ألفاظ القرآن الكريم) الذي صدر عن مجمع اللغة العربية في القاهرة ( هذا كتاب ثمين وأنا أنصح به) وطُبع على سنوات وكانت فكرته أنّه قد اقترح محمد حسين هيكل رحمه الله عام 1360 اقترح أن يُصنّف معجم لمفردات القرآن الكريم بحيث يتناول معاني هذه المفردات في الوقت الذي نزلت فيه في وقت الوحي، ثمّ كيف تطوّرت بعد ذلك ، وهذه فكرة رائعة جِدّاً ، وبالمناسبة هو الذِّي قدّم لكتاب ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) لمحمد فؤاد عبدالباقي، فبقي الكتاب عشرين سنة وهم يكتبون فيه ثمّ أصدرته دار الشُّروق بطبعة أنيقة، وقام على هذا الكتاب عبدالفتاح فرّاج ثم توالى عليه اللُّغويِّون من أساتذة المجمع اللُّغوي وإبراهيم مذكور وغيرهم فهو كتاب قيّم مثال : مادة( رَجَف) وردت في القرآن الكريم في أربع مواضع : ترجُفُ، الرَّجفة، الرَّاجفة، المرجفون. أولاً: رجَفَ يرجُفُ رجفاً ورَجفاناً تحرّك واضطرّب اضطراباً شديداً ، ترجُفُ : يوم ترجُفُ الأرض والجبال ، والرَّجف الاضطراب منه قوله: فأخذتهم الرّجفة، الرَّاجفة الواقعة التي تزلزل عندها الأجرام ومنه يوم ترجُف الرّاجفة . وأرجفه زلزله وحرّكه حركةً شديدة وأرجف إرجافاً خاض في الفتنة والأخبار السيئة فهو مُرجف. والمرجفون الذّين يُشيعون في النّاس الأخبار السَّيئة ليوقعوهم في الاضطراب ( لئلا ينتهي المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنُغرِّينك بهم ).
النوع الثالث : المعاجم المُفهرسة لألفاظ القرآن الكريم دون شرح : مثال : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبدالباقي هذا كتاب رائع جدّاً للباحثين ، مثلاً مادة ( رَجف) المرجفون ترجف الرّاجفة تجد كل الكلمات موجودة في مادة رجف وكذلك تجد رقم الآيات واسم السُّورة .محمد فؤاد عبدالباقي استفاد من كتاب نجوم الفرقان في أطراف القرآن للمستشرق فلوجن، وبالمناسبة المستشرقون في الآونة الأخيرة وحتى ذكر هذا محمد حسين هيكل في مقدِّمته قال: وقد سبقنا المستشرقون في تأليف هذه المعاجم مؤخَّراً كتبوا المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، وكتبوا المعجم المفهرس للحديث النبوي وهو طبعاً مترجم.
تحتاج للمعجم المفهرس عندما تستشهد عندما تخطب خطبة جمعة تريد أن تستشهد بآية قد تفوتك فتستفيد منه هناك أيضا محاولات معاصرة كتاب : معجم ألفاظ القرآن الكريم لحسَّان عبدالمنَّان ، الدّليل الكامل لآيات القرآن الكريم حسين محمد الشّافعي على غرار الفهرست القرآني للدكتور أشرف عبد الغني الهرّاس ،ومنها المعجم الميِّسر لألفاظ القرآن الكريم حسب بداية الكلمة للشيخ إبراهيم رمضان كلّها على المنوال. لكن يبقى أشهرها كتاب المعجم المفهّرس لألفاظ القرآن الكريم .
سؤال من المتصلين وقد أشار إلى كتاب عمدة التفسير لأحمد شاكر:
فضيلة الشيخ ما هو الاختصار الأمثل لتفسير ابن كثير ؟ كتاب عمدة التَّفسير من تفسير ابن كثير للشيخ أحمد شاكر الشيخ طبع ثلاثة أجزاء من الكتاب ووصل إلى سورة الأنفال تقريبا، ثمّ ما بعد ذلك لم يختصره الشيخ ولم يُشرف عليه ، الآن مؤخراً طبعت دار طيبة الاختصار كامل ، ولو طُبعت بين يدي الشيخ لرُّبما أضاف ورُبما نقّح فلعل هذا هو سبب الضّعف في آخره ، وهناك كتاب أراه في نظري مناسباً وهو (اليسير في اختصار تفسير ابن كثير) هذا مجلّد ضخم قام عليه ثلاثة من الإخوة الباحثين وأشرف عليه الشيخ صالح بن حميد.
عودة على كتب المعاجم القرآنية :
رابعاً: المعاجم المفهرسة للأدوات والضمائر : مثل دراسات أسلوب القرآن للدكتور محمد عبدالخالق عظيمة رحمه الله، فالقسم الأوّل من الكتاب تكلّم فيه عن الأدوات والضمائر ، الشيخ لم يصنع فهرس في الكتاب في الأخير ولو صنعه لكان رائعاً وهو جدير أن يُفهرس، الحروف مثل : حروف المعاني كل حرف له وظيفة، سواء لغوية او نحوية أو صوتية.
هناك كتاب (معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم) للدُّكتورين إسماعيل عمايرة ، وعبدالحميد السَّيد ويُمكن ان نُلحق بها
عجم حروف المعاني في القرآن الكريم ) في ثلاث مجلدات لمحمد حسين الشَّريف وهو كتاب قيِّم جِدّاً لا يُستغنى عنه . فهرسَ فيه مثلاً لكل حروف الاستفهام ، وذكر مواضعها، حروف العطف، حروف الشَّرط، حروف الجزاء إلى آخره..
على سبيل المثال : مثل كلمة أحزاب، تحدّث عن همزة الاستفهام ثمّ أشار إلى مواضعها في القرآن الكريم مثل : سواء عليهم أأنذرتهم ام لم تنذرهم. أيضا: قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ، قال: ألم أقل لكم . فإذا أردت ان تبحث عن همزة الاستفهام تجده هنا.
كتاب آخر متعلّق بالصرّف: وهو أشبه بالمعجم الصَّرفي للقرآن الكريم واسمه ( معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن الكريم ) للأستاذ أحمد محمد الخراط. يعني هي المفردات التي وقع فيها إبدال أو إعلال مثل إنّما توعدون لآتٍ . آتٍ هنا وقع فيها إعلال لأنّ أصلها آتيٌ فحُذفت الياء فأصبحت آتٍ فهو قد درس كل المفردات التي في القرآن الكريم التي فيها إعلال أو إبدال قسّممها قسمين الأسماء والأفعال، فهو كتاب قيّم أنا أنصح به الإخوة الباحثين طبعته دار القلم قديماً.
خامساً: معاجم القراءات القرآنية : معجم يجمع القراءات القرآنية في القرآن الكريم حسب السُّور، فيأتي إلى السُّورة ثمّ يورد المفردات التي وقع فيها خلاف بين القرّاء العشرة أو الأربعة عشر ، ومن أشهرها الآن : معجم القراءات القرآنية لأحمد مختار عمر ولعبد العال سالم، وأجود منه : معجم القراءات لعبداللطيف الخطيب في أربعة عشر مجلّداً ، فأيّ لفظة تريد أن تعرف القراءات فيها تذهب إلى موضعها حسب ترتيب المصحف، وتجد أنّها قراءة فلان وفلان وفلان ، ويُرجعك إلى المراجع.
فكرة المعاجم كلّها سواء في القرآن الكريم أو غيرها : تقريب المعرفة ، تقريب الألفاظ، تقريب الموضوعات ، تقريب المعاني
من المعاجم القرآنية الممتازة جدّاً والتي رأيتها:
( المعاجم التي تجمع بين النّوعيين معجم موسوعي لألفاظ القرآن الكريم وقراءته ) من أجود المعاجم ضخم جداّ لأحمد مختار عمر
قاموس الألفاظ القرآنية لحسين الشّافعي رائع جّدا فهرس الأفعال والأسماء الصَّريحة والأدوات والضّمائر.
سادساً: هناك معاجم أخرى معجم الموضوعات، ومعجم الأمكنة ، معجم المواضع ، معجم الحيوانات ، ومعجم الألفاظ الاقتصادية
وهناك معجم لطيف جِدّاً: معجم للتّراكيب المتشابهة لفظاً في القرآن الكريم ) مثلاً ( أولم يروا) (ألم تَر) ( أولا يعلمون) وأمثالها تريد أن تعرف أين وردت في القرآن الكريم.
هناك : معاجم للنّبات ، ومعاجم للحيوان ، ومعاجم للأعلام في القرآن الكريم .
المقدِّم : جميل جِدّاً ،كثير من النّاس يظن أنّه ليس هناك وفرة في المعاجم القرآنية، أشكرك فضيلة الشّيخ شكراً جزيلاً على هذه الفائدة والإمتاع .
فقرة : شوارد وفوائد في غير مظانها ... لا يحصل عليها إلا من جَرَد الكُتب واطّلع عليها
من كتاب : فهرس المخطوطات العربية والتُّركية: يقول المؤلف الدِّغيم عن الخليفة المتوكِّل يتحدّث في وقت إقامته للسُّنة وقمعه للبدعة :
وبنفس الوقت أغلق باب الاجتهاد بوحه أهل الأهواء والبدع من المعتزلة، والباطنيين، والزَّنادقة، والمارقين من الدّين. وحصل الاجتهاد بالمجتهدين من أتباع المذاهب السُّنية الأربعة، ثمّ ذكر في الهامش قال : إنّ البَّاطِنيين قد عكسوا الصُّورة وادّعوا أنَّ المتوكِّل أغلق باب الاجتهاد بوجه المسلمين عامّة، وهذه أكبر كِذبة انطلق لها بعض المؤلّفين في تاريخ أصول الفقه.
وأنا فعلاً أقرأ كثيراً في كتب أصول الفقه أنّه أُغلق باب الاجتهاد، وأنّه من أسوأ ما مرّ إغلاق باب الاجتهاد
من كتاب جلاء الأفهام في فضل الصّلاة والسّلام على رسول الله لابن قيم الجوزية
حديثه في المفاضلة بين أمهات المؤمنين : خديجة بنت خويلد وعائشة بنت الصدِّيق رضي الله عنهنَّ : قال وهو يتحدّث عن خديجة واُختلف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال ، وسألت شيخنا ابن تيمية رحمه الله تعالى فقال : اختص كل واحدةٍ منهما بخاصّة فخديجة كان تأثيرها في أوّل الإسلام، وكانت تُسَّلي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتُثَّبته وتُسَكِّنَهُ وتبذلُ دونه مالها فأدركت غُرّة الإسلام ، واحتملت الأذى في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم فكانت خير نصير لرسول الله في أعظم أوقات الحاجة فلها من النُّصرة والبذل ما ليس لغيرها. وأمّا عائشة رضي الله عنها فتأثيرها في آخر الإسلام فلها من التفّقه في الدِّين وتبليغه إلى الأمّة وانتفاع بنيها بما أدّت إليه من العلم ما ليس لغيرها.
المقدِّم: ولكن رأيت الإمام الذّهبي قد قدّم خديجة على عائشة في الفضل وذلك في فصل سيرة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
فائدة أخرى من كتاب التسهيل لابن جُزّي الكلبي في التفسير
فائدة في أصول الفقه : عند قوله تعالى ( وأحل الله البيع) قال ابن جُزّي هذه الآية ردٌ على الكُفّار وإنكار للتسوية بين البيع والرِّبا، وفي ذلك دليل على أنّ القياسَ يهدمه النّص لانّه جعل الدّليل على بطلان قياسهم تحليل الله وتحريمه. يعني ما قال الله أخطأتم في القياس عندما قالوا البيع مثل الرِّبا بل أبطل الله هذا القياس وقال : وأحلّ الله البيع وحرّم الرِّبا .
فقرة اخترنا لكم... كتاب ينصح به الضّيف:
أنصحهم بكتاب صغير الحجم كثير النّفع وهو كتاب قواعد في معرفة البدع طبعته دار ابن الجوزي في 191ص، قرأته ثلاث مرّات، ذكر فيه 23 قاعدة ممتازة جِداّ في معرفة البدع وأنا انصح به الإخوة يقرأوه ويُكرِّروه ويحفظوه إن استطاعوا وأنا رأيت الشيخ عبدالرحمن المحمود شرح هذا الكتاب. وهو كتاب قيّم
كتاب معرفة قواعد البدع .. للشيخ: محمد بن حسين الجيزاني
شرح صوتي للكتاب شرح فضيلة الشيخ عبدالرحمن المحمود
المقدِّم : أحسن الله إليكم ،الحقيقة أمتعتنا يا شيخنا الكريم، وأترك لكم في نهاية الحلقة مساحة مفتوحة تخاطب فيه المشاهدين.
الضيّف : أسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم أيّها الإخوة المشاهدون وشكر الله لكم يا شيخ إبراهيم ، و أنا أحيي المشاهدين وأنصحهم فعلاً بمصاحبة الكتاب لأنّ الكتاب فعلا يزيد في عقلك وهو طريقك إلى عالم المعرفة،وخير الأوقات هي الأوقات التي تقضيها مع الكتب وخاصة التي حول القرآن ، وأنصح نصيحة نصحها الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه ( الموافقات) عندما نصح بالقراءة في كتب المتقّدِّمين وأهل السنّة ، أنصحه أن يقرأ للمتقدِّمين من العلماء فهم أقعد وأعلم وألفاظهم أكثر جزالة وبركة وفي كل علم في الفقه وأصول التفسير وعلوم القرآن وفي غيرها لكلامهم من البركة ما لاتجد في غيرهم من المتأخرين. والعناية بالوقت في سبيل ذلك
وصلّى وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً
 
حلقة " في ظلال القرآن والمكثرون من التأليف " بُثَّت في تاريخ : 28- ذي الحِجّة- 1431


المقدِّم : بسم الله الرّحمن الرّحيم، أهلاً بكم مشاهدينا الكِرام في برنامجكم " مِداد" حيث نعيشُ وإيّاكم شيئاً من الأجواء مع الكُتُب والحياة مع الكتب حياةٌ مع عالَمٍ آخر، حيث يُسافر المرء ويتنّقَلُ بِروحه وعقله في أيِّ مكان يريد وهو باقٍ في مكانه ينقُل المرء خبرات غيره من النّاس فينقُلها إلى نفسه يقرأ في تواريخ الأُمم وأسلافها، ويقرأُ في تجارب الآخرين فيرى نفسه قد عاشَ معهم بينما هُم في عوالم أخرى ، رُبّما كان بعضهم تحت الأرض منذُ مئات السِّنين، رُبّما كان بعضهم يبعُد عنه آلاف الأميال، لكن تُقَرِّب القراءةُ البعيد وتنقل الخِبرات والتَّجارب، فإذاً الحياة الأخرى امتدادٌ لِعُمُرٍ آخر للإنسان وهو لا يزال في حياته، نحن في برنامج " مداد" نحاول أن نعيش شيئاً من هذه الأجواء. في البدء هذه تحيِّة وترحيب بضيفنا الكريم : د. عبدالرّحمن بن معاضَة الشّهري .. حيَّاكم الله فضيلة الشّيخ.


الضَّيف: حيَّاكم الله وبيّاكم ، وحيّا الله الإخوة المشاهدين الكِرام.


الــمُقدِّم: وأنتم من أهل البيت فضيلة الشيخ،كثير من الإخوة يستبشرون إذا رأوا فضيلتكم هو ضيفُ الحلقة، الذّي أرى أنّكم تُضيفون إليه شيئاً كثيراً.


الضيف: هذا من حُسن ظنّكم، الله يحفظكم.


المقدّم: لكن قبل أن نشرع في أوّل فقرة من فقراتنا، سؤال: كنتُ قد سألتُهُ أحد ضيوفي في البرنامج الإِعلان الأسبوعي المتكرر عن برنامج مِداد الذّي ينزل بشكل مستمر. يُبيّن حَجم مقدار القِراءة في العَالم العربي، وهُناك الحقيقة بعض الإحصائيات المُزعجة التّي تُبيّن أنّ الكتاب في العالم العربي يقرأه مثلاً ثلاثة آلاف شخص يقرأون كتاباً واحداً أحياناً أكثر من ذلك، حركة الترجمة فيها بُطئ. النَّشر ، الكتب الأكثر مبيعاً أحياناً يُعلنون عن كتاب الأكثر مبيعاً خــَمسين ألف نسخة أحياناً يكون في هذا نوع من الإشكال. لكن في المقابل نُشاهد في معارض الكتب إقبال، نشاهد في بعض المكتبات إقبال، كيف يمكن أن نُفسِّر مثل هذه الظَّواهر؟


الضيّف: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدلله والصّلاة والسّلام على رسول الله، لو نظرنا إلى مثل هذه الإحصائيات بعين المتفائل لاعتبرناها بدايةً للعودة بإذن الله إلى الطّريق الصّحيح والعودة للكتاب، ولكن عندما تنظر لها بعين المتشائم الذّي يُحوّلها إلى بُكائِّــية،أن العالم العربي لا يقرأ،وأنّ الأمّة الإسلامية بعيدة عن الكتاب، وأنَّ أُمّة اقرأ لا تقرأ ونحو ذلك فأنا لستُ من دُعاةِ هذه الشِّعارات، وأرى أنّ مثل هذا البرنامج ونظرائِه ينبغي أن يكون بإذن الله علامة من علامات العَودة للكتاب والرُّجوع إليه.


وكما تفضَّلت هناك علامات كثيرة مُبشِّرة ولله الحمد حتى على مستوى الشّباب والشّابّات الآن هناك قِراءة بِشكل أو بآخر. صحيح أنّه قد يكون هناك عُزوف عن الكتاب المطبوع، لأنَّ الشّبكة العالمية الحقيقة أحدَثت أثراً حتى على مستوانا نحن الآن أصبح الواحد يرجع إليها كثيراً.لكن في الــمُحَصِّلة هناك عودة للقراءة وأرجو أنّها تكون بإذن الله مُستمرة ومُتعاظمة حتى تُصبح ثقافة للجميع بإذن الله .


المقدِّم: بإذن الله، وطبعاً الحديث عن القِراءة الالكترونية،والكتاب الالكتروني وأثر ذلك على الكِتاب الورقي،لكن في إِشارةٍ سريعة يعني في السَّابق كان الواحد إذا أراد أن يأخُذ معلومة رُبّما أخذ كتاباً فجَرَدَهُ أو قَرأ جُزءاً كبيراً منه حتى يصل إلى معلومته، هنا في هذه الحال سيكون قد استفاد معلومته هذه بخصوصها واستفاد أشياء كثيرة جِدّاً لم تكن تخطُر بباله. الآن مع محرّك البحث العالمي أصبح الإنسان يجد معلومته في عشر ثواني بشكل سريع، فهل في هذا أثر على ثقافة الإنسان؟


الضيف : الحقيقة فعلاً أنّه يُحدِث تشوّه فعلاً، الوُصول السَّريع للمعلومة مباشرة يحرمُكَ من خير كثير كنتَ ستُحصِّله لو كُنتَ قرأت هذا الكتاب، بل أشد من ذلك يا شيخ إبراهيم الفَهارس التّي خُدِمت بها الكُتُب فوَّتت الكثير من الفَوائد لكن يبقى مهما كان نحن لابد أن نستفيد من هذه التَّقنيات، ودائماً تبقى كثير من هذه القَضايا أسلحة ذات حدّين، إذا استفاد منها الواحد بشكل إيجابيّ فإنّهَا تنفع بإذن الله تعالى.


المقدّم: لكن ممكن أن يكون الشّخص قارئاً جيّداً وهو يقرأ عبر الشبكة العالمية.


الضيف: نعم ، أنا أعرف أشخاص لا يقرأ إلا من خِلال الكتب الالكترونية وهو من أميز البَّاحثين الذّين نعرفهم.


المقدِّم: وتبقى المسألة متعلّقة إذاً بالقراءة ليست متعلّقة بوسيلة القراءة، بارك الله فيكم فضيلة الشّيخ.


أوّلاً: فقرة الورّاق( جديد المطابع)


المقدّم: عطفاً على كلامكم حول الــمُبَّشِرات،من الــمُبَشِّرات التي نُشاهدها أننّا عندما نحرص على مجموعة من الكُتُب لعرضها نقتني بعض الكُتُب حتى تأخُذ دورها في العَرض هُنا في البرنامج فَتَمُرّ الأسابيع وتكون هذه الكُتُب قديمة، فَنَضطَّر إلى البحث عن كتب جديدة، وهذا ممّا يدُلّ على أنّ هناك مُبَشِّرات وأن المطابع تزخر بالكُتُب الجيّدة.ونحن نحتار كثيراً بالكتاب الذّي نعرِضُهُ، لأننّا نُريد أن نعرِض شيئاً مُميِّزاً أو شيئاً جديداً لم يُسبق إليه، والكتُب كثيرة وبعض الإخوة اقترح علينا مجموعة من الكُتُب، وإلى الآن لم تأخذ دورها في العرض، نأمل ألاَّ تبقى تلك الكُتب حتى تكونَ فريدة.


الضيّف: رُبّما أنّك تشعُر أنّك في حَاجة إلى أن تُخَصّص برنامج لعرض الجديد.


المقدّم: نعم،أوّل كتُبِنا هو كتابٌ لطيف وظريف جِدّاً وهُو أيضاً جديد ،ويتعلّق بالكتُب "حكايةُ منع الكتب وقائع تاريخية ودوافع دينية وسياسية واجتماعية .. المؤلف: منصور بن عبدالله الــمُشَّوَح .وهو كتاب لطيف مِـــمّا يُقارب مائة وسبعين صفحة، وجعلها كأنّها حكاية: قضية منع الكتب، كيف بدأت،وما دوافعها، وهل هُناك كُتُب أُحرِقت، وهُناك كُتُب طُمِرت في المياه، وهُناك أشخاص قُتِلوا لأجل الكُتُب، وهذه كُلّها لأجل هذا الكتاب الذّي تدعو النّاس إلى قراءته وهو يُسبِّب هذه المشاكل.


الضيف: قد يقتل.


المقدّم: نعم، لكن الكِتاب فيه لَطافة وطَرافة،لم يذكر فيه دار النّشر واقتنيته من المكتبة التدمريّة. تحدَّث المؤلف عن الأسباب التّي تمنع الكُتب مثل الأشياء التّي تُخِلّ بالأدب والذَّوق العام، فضلاً عَن الأَشياء العِلمية والشّرعية.بل رُبّما بعض الــمُؤلِّفين الــمُتميِّزين مُنِعت كُتُبُهم فترة من الفترات ثُمَّ سُمِحَ بها فيما بعد، لكن رُبَّـما لم يكن هناك كلام عن المنع الجديد الذّي هو يُثير أسئلة النّاس كثيراً وما آلية الرَّقابة، م يكن هناك كَلام كثير عنها، على كُلٍّ الكتاب مفيد وطريف.


وأمّا الكتاب الآخر فضيلة الشيخ فهو كِتابٌ باِلكاد أحمله وهُو إن شاء الله مفيد جِدّاً، وأنا لن أتحدّث عن هذا الكتاب هذا الكتاب سأطلب منكم الحديث عنه وهو كتاب : "الشَّاهد الشِّعري في تفسير القرآن الكريم .. أهميّته وأثرُه ومناهج الــمُفَّسرين في الاستشهاد" به، تأليف الدُّكتور/ عبدالرَّحمن بن معاضة الشّهري .. الأستاذ المشارك بجامعة الملك سُعُود. وهذا الكتاب من طبع مكتبة دار المنهاج بالرّياض وهو من طباعة هذه السَّنة، وللأمانة الإخوة في مكتبة المنهاج جعلوه طباعة عام 1431، بينما الكُتُب الموجودة الآن في المكتبات كُلُّها عام 1432 استباقاً للسنة القادمة ، هل لَكُم بإطلالة سريعة عن هذا الكتاب فضيلة الشيخ؟


الضيف: جزاك الله خيراً، طبعاً هذا الكِتاب " الشَّاهد الشّعري في تفسير القرآن الكريم" هو رِسالتي التّي تقدَّمتُ بها لدرجة الدُّكتوراة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في قِسم القرآن وعُلُومه. وقدَّمتُها للطِّباعة منذ سنوات للإخوة في مكتبة دار المنهاج ولم يصدُر إلاّ في هذه السنّة 1431.وهو -كما تفضَّلت- يقع في مجلد كبير الحجم فِعلاً، وقد حذفت منه كثير من الفهارس، وبعض المواضع التي رأيت أنّه من الممكن أن يُستغنى عنها، لأنَّ الأخ النّاشر قال لي أنّه لن ينتشر الكِتاب لو أبقيته في عدّة مجلّدات من خلال تجربة، فأنا أنصحك أنَّك تختصر بحيث أنّه يخرج في مُجلّد واحد ، فهو أظُنّ ( 960) صفحة تقريباً، لكن إخراجه رائع وأشكُر أخي عبدالله السِّنان صَاحب دار المنهاج، لأنّه اعتنى به كثيراً في إخراجه. أمّا الحُكم على الكِتاب فهو متروك للإخوة القُرّاء .


فالشَّاهد الشّعري تتبّعَت فيه منهجية استشهاد الــمُفسِّرين بالشَّواهد الشّعرية، فتحدَّثت عن نشأة الاستشهاد، وعن قيمة الشَّاهد الشّعري الذّي يُستشهد به، وشُروطُه، وضَوابطه، ومعايير الاستشهاد ،ثمّ قُمتُ بعملية إحصائية للشّواهد الشّعرية في كُتُب التّفسير المعتمدة،وخرجت بإحصائيات دقيقة: من هم أبرز الشُّعراء الذِّين احتّج الــمُفَسِّرون بشعرهم حتى يستطيع القارئ أن يحفظ شعر الأعشى لأنَّ الأعشى هو أكثر شاعر احتُجَّ به الــمُفسِّرون واللُّغوييِّون، أيضاً استطعت أن أصِل إلى إحصائيات دقيقة في القبائل التّي احتّج المفسّرون بها بشعرهم وخلُصت إلى بعض التّوصيات ببعض الكُتُب المميّزة التي أوصيت بحفظها لأنّها هي التي لا تخرج شواهد المفسِّرين عنها مثل: الــمُفضلِّيات، الأصمعيات، ديوان الحماسة لأبي تمّام. فهذا أبرز ما في هذا الكتاب، وهناك أشياء تأصيلية أيضاً درست مسائل نافع بن الأزرق دراسة موَسَّعة من حيث السند ومن حيث المتن، وحللّتها تحليلاً أيضاً أرجو أن أكون قد وُفِّقت فيه.


الــمقدّم : قِصَّة نافع بن الأزرق مع ابن عبّاس، قصّة صحيحة؟


الضيف: نعم هي ثابته في أصلها. ولكن هُناك تَزَيُّدات في كثير من الروايات نقدتها في هذا الباب. وجمعت الروايات التي وردت فيها في كتب المحدّثين ، وكتب المفسِّرين ، والأُدباء.


المقدّم: الشّاهد الشّعري في اللّغة عموماً أو في الإعراب خصوصاً، أم في ماذا؟


الضيف: في جميعِها، طبعاً إذا أُطلِقَ الشّاهد الشِّعري فهو الشّاهد اللُّغوي في الدَّرجة الأولى، والشَّاهد النّحوي ثمّ يأتي تبعاً له الشّواهد الشِّعرية التي تأتي في البلاغة وفي التّاريخ وفي غيرها، وهي ليست شواهد بقيمة الشّواهد اللُّغوية والنّحوية.


المقدّم: هل مرَّ بكم فضيلة الشّيخ أثناء إعداد الرّسالة بيتٌ من الشّعر، واتضّحَ على ضَوئه الآية وضوحاً لم يرِد سابقاً؟


الضيف: طبعاً كثيرة، مثلاً في قوله تعالى ( عَنِ اليَمينِ وعَن الشِّمال عِزين) ما المقصود بالعِزين؟ هناك بيت لِعَبيد بن الأبرص احتّج به الــمُفَسِّرون كُلُّهم. وهو :


وَجَاؤُوا يُهرعونَ إليهِ حتّى .... يَكُونوا حولَ مِنبرهِ عِزيناً


فواضح من الشّاهد الشّعري أنّ المقصود بالعِزين هُنا : حِلَقُ الرِّفاق.


المقدّم: بعض النّاس في هذا البيت خُصوصاً يقول تظهر عليه الصَّبغة الإسلامية ، فكيف يكون شعر جاهليّ؟


الضيف: طبعاً هذا مجرد نقد انطباعي كما يُقال،لكن في الحقيقة أنّه ثابت لِعَبيد بن الأبرص وهو شاعر جاهليّ.


المقدّم : الملاحظ فضيلة الشّيخ أنّ كثيراً من الرسائل العلمية تُطبع على حالها، أحياناً تُطبع بعد عشر سنوات، بل بعد عشرين سنة ، والمعروض في هذا البرنامج رسائل جامعية جميلة ومهمَّة في موضوعها طُبعت بعد اثنى عشر سنة، أو بعد عشرين سنة، لكن لم يتغيّر فيها شيء قُدِّمت للطّبع كما قُدِّمت لنيل الدَّرجة ، رأيكم في مثل هذا ؟


الضيف:طبعاً هذا من التّقصير لا شكّ، وقد حدثت لي تجارب في هذا الباب أنّي طلبتُ من بعض الزُّملاء أن يطبع رسالته، وهو منذ عشرين أو أكثر خمس عشرين سنة، هو يُسَّوِف فقلتُ له أَخرِجها على أيّ وجه كانت، فخرجت بمعلومات قبل خمس وعشرين سنة. وقد خرجَت كثيرٌ من الكتب التي قال عنها أنّها مفقودة أو مطبوعة، وكان الأولى أن يُراجعها ويُبيّن ذلك، ولكن ما لا يُدرك كُلُّهُ لا يُترَك جُلُّه، ولكن هذا تقصير لا شك لو ينشط الباحث ويُراجع كتابه ويُضيف إليه ثُمَّ يُخرِجُهُ لكان أولى...

نهاية فقرة الورّاق ..
 
فقرة في الميزان:
المقدّم:هذه فقرة في الميزان وهي فقرة رئيسية في برنامجنا،وقد نُكرّر بين كُلّ ثلاث حلقات أو ما أشبه ذلك ما هو معيار الكتاب الذّي نضعهُ في " الميزان". نحن لا نقصد بوضعنا الكتاب في الميزان أننّا ننقُدُ الكتاب بمجمله أو أن نُثنيَ عليه بمجمله، لكن في الغالب أننّا نختار الكُتب التّي أثارت جدلاً، حولها كلام، كُتب مشهورة ، في الغالب نرجو أن نكون وُفّقنا إلى أنّ أغلب الكتب بهذا الشّكل
كتابــُنا في هذا الأسبوع هو كتابٌ في فترة من الفترات مَلأَ الدُّنيا وشَغَلَ النّاس لكن لا يزال الحديث عنه موصولاً. وهُـــــو كـــتــــــاب
" في ظـــِلالِ الــــــقُــــرآنِ" لِسَيِّد قُطُب - رحمه الله- الكلام عن الكتاب كثير، وأُلِّفت حوله مؤلَّفات، نريد بدءاً أن نعرف هذا الكتاب؟
التّعريف بمؤلّف الكتاب
الضَّيف: طبعاً هذا كتاب " في ظِلالِ القرآنِ" كتاب ألَّفه الأستاذ/ سَيِّد قُطُب إبراهيم -رحمه الله- ولتألِيفه قِصَّة. طبعاً، سيدّ قُطب إبراهيم هو أُستاذ مِصري، وُلِدَ في قـــرية قريبة من أسيوط في شهر شعبان 1324 هجري، وقُتِل عام 1386 هجري، فهو عاش تسعَ وخمسين سنة وعشرة أشهر تقريباً لــــم يَصِل إلى الستِّين. تخــرَّجَ من كُليِّة دار العُلـــوم فهو تخصُّصَه آداب- لُغَة عربية، فرحمه الله نَشَأ في القاهرة نشأته العِلمية في الجامعة وأصبح يكتُب مقالات، تعرَّف في تلك المرحلة على الأُستاذ/ عبّاس محمود العقَّاد وتأثّر به كثيراً وكان يرتاد مكتبته وله كِتابات في النَّقد الأدبي سيّد قُطب، ويُعتبَر مِنَ النُّقاد المميِّزين له كتاب في النّقد الأدبي مميِّز فعلاً وجيّد له إضافات في النّقد الأدبي، فهذه نشأته الأَدبيّة. وكان في أوَّل أمره غير مُتَّجِـه إلى الالتزام الإِسلاميّ بمعناه الدّقيق، فكتب كتابات كثيرة في هذه المرحلة، ثمّ رُبَّما عندما رجع من الولايات المتحدّة وعمره تقريبا في الخامسة أو السّادسة والأربعين بدأ يتّجه ويكتب في الإسلاميات وبدأ يكتب في " ظِلالِ القرآنِ"
قصّة في ظِلال القُرآن ( المرحلة الأولى)
قصّة في ظلال القرآن بدأت عندما طلب منه الأستاذ أظن اسمه محمد رمضان، وهُنا أريد أنّي أقرأ من تلخيص جيّد للأستاذ الدّكتور صلاح عبدالفتّاح الخالدي، ولعلّنا نذكر هذا إن شاء الله عندما نذكر الكتُب التّي صُنِّفت في هذا والأستاذ صلاح عبدالفتّاح الخالدي كانت رسالته في الماجستير والدُّكتوراة عن كتاب "في ظلال القرآن وما حوله"، قال: لــمّا أصدر سعيد رمضان مجلة المسلمون عام 1370 هجريّاً . طلب من سيّد قُطب أن يكتُب مقالةً أسبوعية في هذه المجلّة فوافق سيّد قُطُب أن يكتب هذه المقالة في زاوية سمّاها "في ظلال القرآن" وكان سيد قطب قبل ذلك صنّف كتاباً سمّاه " التَّصويرُ الفنّي في القرآن الكريم" وهو كتاب صغير الحجم.وأسلوب سيّد قطب أسلوب رائع جِدّاً حقيقةً ومُميِّز ويُحسن الوُصول إلى دَقائق النَّفس الإنسانية والتّعبير فهو مُجيد من هذا الجانب. وقد أَدخله بعضهم في مدرسة أبُولُو لأنّهم كانوا يُعنَون بالجانب النَّفسي والإنساني في الأدب."التّصوير الفني في القرآن الكريم" بناه على نظرية أنّ القرآن الكريم قائم على هذه النّظرية في التّصوير الفنّي ، وأنّ القرآن الكريم يعتمد أسلوب التَّصوير في تعبيره. كما في سورة الأعراف في
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الأعراف: 175، 176].
تُلاحظ التَّشبيه بالكلب وكيف أنَّـه شبَّه عَالم السُّوء الذِّي نكص على عقبيه بالكلب. طبعاً هذه صورة الحقيقة في غاية البشاعة . سيّد قطب يقول : منذ وأنا صغير وأنا أتأمّل هذه الصُّورة! وتأمّلت مثل قوله سبحانه وتعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ) الآية 11 من سورة الحجّ. أتصوَّر شخص على حَافَّة مكان هَاوي يتأَرجَح!. فيقول: لَفتت نظري هذه الفِكرة وبدأت أكتُب هَذه الصُوَر، أُبرز الصُّور التّي في القرآن الكريم وأَتتَّبَعُها، واقترح أنّها تكون رسالة دكتوراة لكن لم يتصدّى لها أحد فأبرزَها في كتابه هذا. الحقيقة كتابه هذا يُعتبَر مُميّز جِدّا واستطاع من خلاله أن يُبيِّن المقصود بالتَّصوير الفَنِّي في القرآن ويضرب على ذلك أمثلة كثيرة.
المقدّم : هذا إبداع جديد.
الضيف: نعم لا شك ، وحتى لا يُظلَم الرَّجُل هذا فعلاً شيءٌ استطاع أن يُبيِّنه، تماماً كما صَنَعَ عبدالقاهر الجرجاني في نظرية النّظم وقراءة الشِّعر . فأراد سيد قطب أن يُطبِّق هذه النَّظرية في التّفسير بشكل أوسع من خلال زاويته " في ظِلالِ القرآن" في مجلّة المسلمون كَتبَ سبع مقالات في مجلّة المسلمون ثمّ توقَّف، وقال في المقالة الأخيرة أننّي سوف أبدأ من الأسبوع القادم في موضوع آخر، وأمّا في ظِلال القُرآن سوف أُخرِجُهُ في كتاب. طبعاً هو كتب إلى الآية ( 103) من سورة البقرة في المقالات، وَلَقِيَت المقالات قَبُولاً عند النَّاس وبدأُوا يُتابِعُونها بشكل جيّد.وهذا يَدُلّ يا شيخ إبراهيم على أنّ النّاس كانوا يقرأون في ذلك الوقت. لاحظ أنّه نشر أوّل مقالة من الكتاب في يوم 6/ 5/ 1371 يعني قبل سِتين سنة تقريباً. فهذه المرحلة الأولى.
في ظلال القرآن ( المرحلة الثانية )
لــمّا بدأ سيّد قُطُب يُخرِجها في كِتاب أَخرج الكتاب فعلاً في أكتوبر عام 1952 خَرَج الجزء الأوّل. وعد القُرّاء أنّه سيُخرِج كل شهرين تفسير جزء، فِعلاً أخرَجَ أربعة عشرة جُزءاً في هذه المرحلة .
في ظلال القرآن ( المرحلة الثالثة)
اُعتُقِلَ سيد قُطُب.كما تعلم أنَّ سيد قُطُب – رحمه الله- اِنتمى في آخر عمره إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان قبلها لا ينتمي لأحد. وسيد قطب بالمناسبة من الأُدباء النُّقاد الشَّرِسين كان له معارك أدبية، كان في صَفّ العقّاد ضد الرّافعي ومحمود شاكر رحمهم الله جميعاً وغفر الله لهم. كانَ شَديد الـــمِراس في كتابته مع أنّه كان نحيل الجِسم – رحمه الله- . ولذلك أذكر علي الطَّنطاوي رحمه الله- يقول: التقيت بسيد قُطب في مكتب خالي مُحبِّ الدِّين الخطيب ففوجئت به! قال: شخص نحيف، وديع، قال: وكنت أقرأ لهُ مقالاته في مجلّة الرّسالة في غاية القُوّة والقسوة فيقول : كنت أتوقع الشّخص غير هذا، رحمهم الله جميعاً.
فالشّاهد أنّه لــمّا اُعتقِلَ بعد أن أتّم أربعة عشر جُزءاً وصل إلى نهاية سورة إبراهيم تقريباً. اُعتُقِلَ وَدَخل السِّجن فبقي في أوّل سجنه ما استطاع أن يُكمِل وكان متّفق مع دار إحياء التراث العربي التي هي البابي الحَلَبي ( المكتبة) أنّه يُكمِل التّفسير. فلمَّا دخل السِّجن ومُنِع من الكتابة رفع دعوى البابي الحلبي على الحُكومة لأنّهم الآن منعُوه من حَقِّه سوفَ يُكلِّفه توَّقُف التَّفسير آلاف الجُنيهات وهو يُطالِب بدفع الحكومة لهذه الجُنيهات. أو أنّهم يَتركُون سيد قطب يُكمِل الكِتاب. فرأت الحكومة كون سيد قطب يُكمِل الكتاب أقلّ كُلفة من أنّهم يدفعون. فعلاً بدأ سيد قطب رحمه الله يكتب بقيّة الكتاب وهو في المستشفى لأنّه مَرِض وكانَ عليل الجسم، فخرج من السّجن ودخل إلى المستشفى وبدأ يكتُب بقيِّة أجزاء التَّفسر فعلاً، وعَيَّنت الحُكومة الشِّيخ محمد الغزالي رحمه الله يُراجِع التَّفسير، يعني يكتُب سيد قُطب يُراجعه الشِّيخ محمد الغزالي، ثمّ يأذن بطباعته. فيقولون أنّه لم يقف أمام أيّ شيء كَتَبه سيّد قطب إلاّ عندما كتب في سورة البّروج لأنّه كان فيها إشارة إلى مُعاناته التّي وقعت له رحمه الله. أكمل سيد قُطُب التَّفسير في نهاية السّبعينات( 1378- 1379
لـــمَّا وصل سيد قُطُب إلى الجُزء الثّامن والعشرين، والتّاسع والعشرين، والثّلاثين. بدأ يَكتُب بطريقةٍ أكثر عُمقاً في التّفسير، وتبيَّن له أنّه فرّطَ فيما كتَبَ سابقاً، لأنه كان فيما كتبه سابقاً يكتُب الآيات ثُمَّ يُعلِّق عليها تعليقات، ولكن لــمَّا وصل إلى الأجزاء الأخيرة بدأ يتوقّف وقفات كثيرة مع الآيات، ويُضفي عليها ، وأنّ القرآن الكريم جاء لكي يُغيّر المجتمع ويُغيّر النّاس وبدأ يقف مع الآيات. وهو ناقد أدبي من الطِّراز الأوّل ويُحسن التَّحليل الأدبي للنُّصوص فلمَّا وقف مع هذه السُّور. وجد أنّه في حاجة ماسَّة إلى أنّه يعود من أوّل القرآن فيكتُب من هذا المنهج . لــمّا وصل للجُزء الثّامن والعشرين، والتّاسع والعشرين، والثّلاثين وانتهى. بدأ يُعيد وهو لا يزال في السِّجن، بدأ يُعيد كِتابة التَّفسير من أوّله،ورأى أنّه في حاجّة وهذه تُسمّى الطبعة الثّانية الـــمُنَّقَحة، طبعاً البابي الحلبي طبعت الاجزاء الأولى وانتشرت في النّاس.لــمّا دخل السِّجن بدأت دُور النّشر في بيروت تعيد الطباعة وتنشر وتُصوّر بغير إذن. فلمَّا بدأ يعيد التّفسير عاد الجزء الأوّل والثاني والثّالث والرّابع وصل إلى نهاية الجزء الثالث عشر. طبعاً الدّكتور صَلاح الخَالدي يُسمِّي هذه الفترة مرحلة التّفسير الحركي للتّفسير. وله كتاب اسمه المنهج الحركي في تفسير ظلال القرآن" . لــمّا وَصَل سيد قُطب إلى نهاية الجزء الثالث عشر قُتِلَ رحمه الله ولم يُكمل. لذلك من الجُزء الرّابع عشر إلى الجُزء السَّابع والعشرين ما زالت الطَّبعة الأُولى أو المرحلة الأولى.
ولذلك أنصح الإخوة القُرّاء أن يقرأوا مواضع فعلاً مُميّزة جِدّا من تفسير سيد قُطب مع أنّها حتى من المرحلة الأولى ليست كُلّها على وتيرة واحد فيها إبداع وفيها تميّز. مثلا تفسيره لسورة فاطر (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) الآية :2 من سورة فاطر أنا أدعو القُرّاء أن يقرأوا هذا الموضع من تفسير في ظلال القرآن ، تفسيره لسورة الأنعام ومقدّمته لها لا نظير له، تفسيره لسورة الأنفال لا نظير له . استطاع أن يكتب فيها كتابة مُميّزة لم يُسبق إليها، فهذه قصّة كتاب في ظلال القرآن باختصار.
تابع ( فقرة في الميزان)
 
quote.gif

(((ما يفتح اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)))

وحين تستقر هذه العقيدة في قلب إنسان تتحول تصرفاته وتعتدل موازينه ؛ لأنها تقطعه عن كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله . وتغنيه عن كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله . وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض، وتفتح أمامه باب الله .
يجد هذه الرحمة من يفتحها الله له فيكل شيء ، وفي كل حال , وفي كل مكان . . يجدها في نفسه ,ويجدها فيما حوله , حيثما كان , وكيفما كان ، ولو فقد كل شيء مما يعد الناس فقده هو الحرمان . . ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء , وفي كل وضع , وفي كل مكان ، ولو وجد كل شيء مما يعده الناس علامة الوجدان والرضوان .وما من نعمة - يمسك الله معها رحمته - حتى تنقلب هي بذاتها نقمة . وما من محنة –تحفها رحمة الله - حتى تكون هي بذاتها نعمة . . ينام الإنسان على الشوك - مع رحمة الله - فإذا هو مهاد . وينام على الحرير - وقد أمسكت عنه - فإذا هو شوك القتاد .
ويعالج أعسر الأمور - برحمة الله - فإذا هي هوادة ويسر . ويعالج أيسر الأمور – وقد تخلت رحمة الله - فإذا هي مشقة وعسر . ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام . ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار !يبسط الله الرزق - مع رحمته - فإذا هو متاع طيب ورخاء ; وإذا هو رغد في الدنيا وزادإلى الآخرة . ويمسك رحمته , فإذا هو مثار قلق وخوف .
يمنح الله الذرية - مع رحمته - فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع ,ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله . ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء , وسهر بالليل وتعب بالنهار !
ويهب الله الصحة والقوة - مع رحمته - فإذا هي نعمة وحياة طيبة , والتذاذ بالحياة . ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي , فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح , ويدخر السوء ليوم الحساب !

 
ويعطي الله السلطان والجاه - مع رحمته - فإذا هي أداة إصلاح , ومصدر أمن,ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر . ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما , ومصدر طغيان وبغي بهما , ومثار حقد وموجدة على صاحبه مالا يقر له معهما قرار , ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ,ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار !والعلم الغزير . والعمر الطويل . والمقام الطيب . كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال . . . مع الإمساك ومع الإرسال . . وقليل من المعرفة يثمر وينفع , وقليل من العمر يبارك الله فيه . وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة .
ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال .
وجدها إبراهيم – عليه السلام - في النار .
ووجدها يوسف - عليه السلام - في الجب كما وجدها في السجن .
ووجدها يونس - عليه السلام - في بطن الحوت في ظلمات ثلاث .
ووجدها موسى – عليه السلام - في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة , كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه .
ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور . فقال بعضهم لبعض: (فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته).
ووجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار . .
ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها . منقطعاً عن كل شبهة في قوة , وعن كل مظنة في رحمة , قاصداً باب الله وحده دون الأبواب
 
ومن الآثــار:
إن المؤمن إذا علم أن الله إذا فتح أبواب رحمته لأحد فلا ممسك لها . ومتى أمسكها فلا مرسل لها . كانت مخافته من الله . ورجاء ه في الله .. إنما هي مشيئة الله . ما يفتح الله فلا ممسك . وما يمسك الله فلا مرسل .. يقدر بلا معقب على الإرسال والإمساك . ويرسل ويمسك وفق حكمة تكمن وراء الإرسال والإمساك .

(((ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده)))
لو استقر هذا المعنى في قلب إنسان لصمد كالطود للأحداث والأشخاص والقوى والقيم . ولو تضافر عليها الإنس والجن . وهم لا يفتحون رحمة الله حين يمسكها , ولا يمسكونها حين يفتحها . . (وهو العزيز الحكيم). .

إنها رحمة الله يفتح الله بابها ويسكب فيضها في آية من آياته . آية من القرآن تفتح كوة من النور . وتفجر ينبوعاً من الرحمة . وتشق طريقاً ممهوداً إلى الرضا والثقة والطمأنينة والراحة
في ظلال القرآن .. سورة فاطر ( الآية 2)
 
سلمت يمينك أختي الفاضلة أم عبد الباري على هذا التفريغ لهذا البرنامج القيم فعلًا جزى الله القائمين عليه خير الجزاء وكذلك الضيوف الكرام والمتابعين له نفعنا الله جميعًا بما نسمعه.
 
بارك الله فيكم
تفريغ حلقة في ظلال القرآن مع د. عبدالرحمن ناقص
وبعد المشاركة 11 توقف التفريغ

وتحول إلى اقتباس من الظلال
 
تابع ( فقرة في الميزان)
المقدّم : بعض النّاس يقول هذا كتاب بلاغة ونقد ولا يمكن أن نقول أنّه كتاب تفسير. هناك بعض المؤلفات خرجت تقول أنّه ليس من كُتُب التّفسير.كيف يكون مثل هذا فضيلة الشيخ؟
الضيف: والله طبعاً سيد قطب رحمه الله في كتابه في المقدمة قال: أنّ الحياة في ظلال القرآن نعمة لا يعرفها إلاّ من ذاقها، وأشار إلى أنّه إنّما يكتب تأملات في ظلال القرآن. ولا شك أنّ عبارته فهمها بعض النّاس على ظاهره على أنّها مجرّد تأمُّلات وهو واقعه كذلك فعلاً، فلا تجد في كتابه كما تجد في كتاب الطّبري مثلاً ، أو كتاب الجامع لأحكام القرآن، هو لا يذكر الخلافات الفقهية في الآيات هو لا يُفصِّل في آيات الأحكام، هو لا يتوَّقف مع الإعراب، ولا توجيه القراءات، هو لا يتوسَّع في ذكر الأقوال المأثورة في التّفسير، نعم إذا نظر إليه الباحث من هذا المنظور فهو صحيح، لكنَّه في الحقيقة هو كتاب من كُتُب التّفسير ولا أريد أن نكون حسّاسين، لأنّه ليس لدينا معيار دقيق لِنَقُول به هذا يدخل في كتب التّفسير وهذا لا يدخل في كتب التّفسير، هو كتاب تناول القرآن الكريم من سورة الفاتحة إلى سورة النّاس، وتكلَّم عن كُلِّ الآيات كلاماً جيّداً مقبولاً على أصول التَّفسير والضَّبط.
وله مصادر أيضاً اعتمد على تفسير الطّبري، وتفسير ابن كثير، وتفسير الكشّاف، وعلى تفاسير معتمدة، اعتمد في الأحاديث على الكُتُب الستّة وغيرها، على أسباب النُّزول، اعتمد في السِّيرة النَّبوية على كُتُب كثيرة من الكُتُب المعتمدة في السيرة النّبوية، في التّاريخ، في الواقع المعاصر. فإخراجُه من كُتب التّفسير بمجرد أنّه قال هذه تأمّلات في ظلال القرآن أنا أعتقد أنّه غير دقيق.
وهذا صنيع الــمُفسِّرين، حتى ابن جرير الطبري –رحمه الله- هو نقل من الكتب التي سبقته ومثله ابن عاشور، وابن كثير ، ليس النّقل عن المتقدّمين من العلماء عيباً. وأيضاً أنا لا أرى أنّها نقطة جوهرية كونك تقول هذا كتاب من كتب التّفسير أو ليس من كتُب التّفسير، نحن نريد أن ننفع النّاس في هذا البرنامج ونقول لهم هذا الكتاب مفيد لكم أو غير مفيد، وأنا أقول كتاب في ظلال القرآن كتاب مفيد جِدّاً.
المقدّم: أيضاً هُناَك بعض المواطن التي تكلَّم عنها ربّما لم يتكلّم عنها غيره بـمثل هذا الرُّوح، تكلَّم عن الرِّبا مثلاً، تكلَّم عن آيات المواريث، حتى رأيت بعض المشايخ الكِبار استفادوا منه في قضية الرّد على الشُّبَه الموجودة وكيف أحسن في الردّ فيها كالشِّيخ صالح الفوزان. هنا بعض الملاحظات على الكِتاب على سبيل المثال ملاحظة تكثُر وقد سُئل عنها سماحة الوالد الشيخ / محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- أنّ الكتاب فيه إشكالات عَقَدية من أهمّها قوله بوحدة الوجود في غير موضع لا سيما في تفسيره لقوله: ( قُل هو الله أحد) فكيف يُوجَّه مثل هذا؟
الضيف: طبعاً صدقت هذه من الملاحظات التّي قيلت، ولكنّها ملاحظة غير موضوعية وغير علمية، وسيد قطب نفسه قد ردّ هذا في كتابه ( خصائص التّصوّر الإسلامي) ردَّها ردّاً شديداً، ولكن الإشكالية فعلاً في كتاب سيد قطب رحمه الله أنّه كتبه بأسلوب أدبي وتسَهَّلَ في العبارة، كعادة الأدباء، سيد قطب أديب صاحب قلم سيّال فعلاً ويتسَّمح في العبارة، فبعض العبارات الذّي يُريد أن يحملها على محمل غير مقبول يستطيع ولكن الـــمُنصِف إذا أرجَعَ كلامه هذا المتشابه أو الذِّي فيه تسمُّح إلى كلامه الــمُحكَم الذّي ردّ فيه هذه الأشياء فإنّه يتضّح له أنّه قد فهمها فهماً خاطئاً ، وسيد قطب نفسه كان يقبل مثل هذه الملحوظات ويُعدِّل أحياناً ويُنكِر أنّه يقصد هذا المعنى الباطل، وأذكر للشيخ/ بكر أبو زيد رحمه الله كلاماً جميلاً في ذلك فقد أرسل له أحد المشايخ رسالة في كتاب نقد فيه سيد قطُب نقداً شديداً كان من ضمنها اتّهامه بوحدة الوجود، وتكفير المجتمعات، وكلام يقشّعر منه جلد المؤمن حقيقة. فيقول الشيخ بكر أبو زيد اضطررت أن أقرأ الكتاب، فوجدته أبعد ما يكون عن هذا.
المقدّم: وأيضاً تكلّم عنه في كتابه المشهور : معجم المناهي اللّفظية، ذكر بعض الألفاظ التي قد يكون فيها خطأ .
الضيف: أحسنت، مثل قوله أحياناً: إيقاعات القرآن، موسيقى القرآن، الجَمال البدويّ. لكن لو دققَّت فيها لوجدت أنّ الأمر فيها سَعَة، لكن الذِّي يريد أن يرى أنّها خطأ فيُمكن أن يقول هذا خطأ فعلاً، نحن عندما نتحدَّث عنه سنذكُر بعض المآخذ عليه.
المقدّم: لكن سنبقى في قضية الأشياء الرئيسية في قضية العقيدة مثلاً نحن ذكرنا هذا وحدة الوجود . قضِّية إنكار أحاديث الآحاد في العقيدة هذه مشهورة، تأويل بعض الصِّفات على طريقة بعض المتكلّمين.
الضيف: هذه كلُّها أخطاء مردوة على سيد قطب ولا شك في ذلك، وهي مــَلحُوظَات موجودة في كثير من كتب التّفسير.
المقدّم: أيضاً في حديثه عن بعض الصَّحابة.
الضيف: طبعاً هذه عبارات كانت موجودة في كتاباته الأولى كما في كتاب " العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم" . رجع عنها في الطَّبعة الأخيرة واعتذر منها وهو في حديثه عن الأنبياء في القرآن الكريم حديث في غاية التَّـوقير والاحترام لهم.ولذلك يَنبَغِي في الحكم على أيَّ مؤلّف من المؤلفين أن يُنظر إلى كلامه الأخير وكيف رجع عنه لأنّه سيد قطب أديب. وأريد أن أشير هنا إلى مسألة مهمّة وهي العَدل والإنصاف في القرآن الكريم. ( اِعدلوا هُو أقربُ للتّقوى)،( يا أيُّها الذّين آمنوا كُونوا قوّامين بالقسط شُهداء لله ولو على أنفسكم) كتاب في ظلال القرآن كتاب مفيد جِدّاً، وسيد قطب اُعتُقُل وأُعدِم، وصار لَهُ ضجَّة لِشَخصِّيَتـِه، ولما كتبه، وكتب الشّانــئون والحاسدون عنه كثيراً فبالغ أيضاً المحبُّون في تعظيمه، فوقع الـــخَلل من هنا، ولا يخلو كتاب من كُتُب التَّفسير من مُؤاخذات وملحوظات قد تكون قوّية لكن لا يمنع هذا من الاستفادة منه.
المقدّم: يبقى عندنا فضيلة الشِّيخ أنّ كثيراً من الألفاظ الموهمة، ولظروف وقت الحلقة أنصح الإخوة بالرُّجوع إلى كتاب الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله فإنّه قد تتبّع هذه الألفاظ وهذه الأخطاء في كتابه " المورد الزُّلال في التنبيه على أخطاء الظِّلال"
الضيف: جيِّد.وليس كل ما فيه يُوافَق عليه الشِّيخ.ولكن في مجمله جيد.
المقدّم : لكنّه تتّبعه تتبعاً كاملاً. يبقى عندنا أيضاً بعض المآخذ التّي أُخِذَت على الشَّخص نفسه مثلاً، على سبيل المثال بعض النّاس يقول: هذا الرّجل لا يُؤخذ منه التّفسير والعلم لأنّه ليس تخصُّصُه شرعيا ولا يَظهر على سِيماه سِيما العلماء فلذلك لا يُوثق في علمه.
الضَّيف: طبعاً نحن لا نتكلّم عن سيد قُطُب كشخص،نحن نتحدّث عن كتاب في ظِلال القرآن، والعلم يا إخواني مبني على الحُجّة وعلى الدّليل وعلى البُرهان، الكتاب قرأناه ورأينا ما فيه من فوائد، وحتى بعض الملحوظات التّي يكتُبها بعض الذِّين يُؤاخذونه والله إنّا قرأناها وأعدنا قراءتها فوجدنا أنّها ليست بهذه الحساسية وبهذه الصّعوبة، حتى بعض الذّين يقولون في أخطاء عقدية ويُبالِغ فيها ترجع إليها حتى الخطأ في العقيدة يقع من الغير. نحن عرضنا لكتاب الكشّاف للزمخشري ولم يكن هذا ردّاً لهم. ثم ّ الحديث في حلقة هذا البرنامج وفي غيره لطلبة العلم المنصفين.
المقدِّم : لكن هنا سؤال مهم: هل يعني هذا الحديث عن تزكية في ظِلال القرآن في الجُملة، هل يعني هذا الموافقة على كُل ما ذكره المؤلّف في كتبه الأخرى، أم فقط في ظلال القرآن.
الضيف: نحنُ نتحدّث فقط عن كتاب في ظلال القرآن، علماً أنّ هناك رسالة جيّدة كتبها الأخ/ ماجد شبالة رسالة دكتوراة في جامعة صنعاء ( منهج سيد قطب في العقيدة) واطّلعت على أكثرها بواسطة أحد الــمُناقشين الدكتور: صالح صواب- حفظه الله- تتبّع فيها كتب سيد قطب كاملة وذكر موقف سيد قطب من مصادر التّلقي، موقفه من الصَّحابة، قضايا التَّكفير، قضايا باب التّوحيد،فوجد أنّ الرّجل مُوافق لأهل السُّنة في الجُملة وأنَّ الملحوظات التّي وقع فيها ملحوظات، أنا أتصوّر لو بُيّنت له لرجع عنها. فالمسألة في هذا الإطار العلمي.
المقدِّم: ومن الأسئلة المهمّة: من يقرأ هذا الكتاب، هل يقرأه الــمُتَّخصِّص فقط، أو الأديب صاحب البلاغة، أو يقرأه الجميع
الضيف: والله أنا أرى الكِتاب يقرأه كل مُثَّقف، الكتاب أسلوبه سهل ورائع جدّاً، ويجعلُك تدخل في أَجواء السُّورة، لو يقرأون مقدّمته لسورة الأنعام، سورة البروج، سورة العنكبوت، سورة فاطر، سورة آل عمران في حديثة عن غزوة أحد، أنا شخصيّاً عندما أُحضّر دروسي أذهب إلى كتاب الطّبري، وإلى كتاب الدُّر المنثور، وإلى كتاب المحرّر الوجيز.كل مصادر التَّفسير المعتمدة أستفيد منها فأجد في كتاب في ظِلال القرآن ما لم أجِدها فيها كُلّها. فلابد أن يُنصَّف الرَّجُل.
وأشير هنا إلى كتاب "في ظلال القرآن في الميزان" وهذا يُوافَق نفس عنوان الحلقة. للدكتور/ صلاح عبدالفتّاح الخالدي هذا جزء من رسالته في الدُّكتوراة كتاب قيّم، طبعته دار عمّار. أيضا كتاب " مدخل إلى ظلال القرآن" كتاب تكلّم عن منهجه بشكل رائع جِدّاً لنفس المؤلف وهو قد اعتنى كثيراً بكتاب سيد قطب في ظلال القرآن وكتب عنها دراسات كثيرة.
وهنا كتُب أخرى:
كتاب "في ظلال القرآن دراسة وتقويم" للدكتور/ صلاح عبدالفتّاح الخالدي
كتاب " تخريج أحاديث في ظلال القرآن" لعلويّ عبدالقادر السقّاف. كتاب قيّم جِدّاً
كتاب " فتح ذي الجلال في تخريج أحاديث الظِّلال" لأبي عائش عبدالمنعم إبراهيم، وأبي حذيفة محمد إبراهيم. هذا كتاب جيّد في التخريج.
كتاب " مدخل إلى ظلال القرآن الكريم " للدُّكتور / عدنان زرزور، هذه مقالة الحقيقة. وأيضاً له كلام جيّد للمؤلف عن ظلال القرآن في كتابه " علوم القرآن"
كتاب" المورد العذب الزّلال في بيان تتبّع أحاديث الظِلال" للدكتور/ عبدالله الدُّويش – رحمه الله-
كتاب" منهج سيد قطب في ظلال القرآن " ( رسالة دكتوراة) للدكتورة/ أسماء محمد فدعق – في جامعة أم القرى- 1414
أنا الحقيقة عندما تتبَّعت كل ما كتبه هؤلاء، وهم من بلدان مختلفة ومن مدارس مختلفة، وجدت أنهم يتّفقون في قيمة الكتاب،وبيان إيجابياته، والملحوظات التّي أُخِذت عليه
المقدّم : إضافة إلى مقالات كثيرة في ملتقى أهل التّفسير وفي غيره،ونقاشات مفيدة لمن أراد الاطّلاع عليه
الضيف: هي دعوةٌ للاستفادة من هذا الكتاب.
المقدّم: بارك الله فيكم فضيلة الشّيخ، نسأل الله عزّوجل أن نكون ممن يعيش فعلاً في ظلال القرآن ، شكراً لكم على هذه المعلومات الثَريَّة والقيّمة.
نهاية فقرة في الميزان
(ما زال التفريغ مستمّراً بحول الله نرجو لنا وللجميع الفائدة)
 
فقرة نادي القُرَّاء ( مستشاركم الثّقافي عن الكتاب نتحاور)
المقدّم : هذه الفقرة التي نلتقي وإيَّاكم فيها أيُّها الإخوة المشاهدون، من كان لديه إضافة أو استدراك أو سؤال سواء عمّا تمّ طرحُهُ في فقرة الورَّاق، أو في الميزان، أو كان لديه سؤالٌ عام، أو كانت لديه مُداخلة حول فقرة نادي القُرّاء، والتي ستكون بإذن الله كما أعلنا عن الــمُكثرين من التَّأليف قديماً وحديثاً. حيَّاكم الله مرّة أخرى فضيلة الشّيخ؟
الضيف: الله يُحيِّيكُم جميعاً.
المقدّم:المكثرون من التأليف، هناك بعض العلماء المشهورون ليس لهم إلاَّ كتاب أو كِتابان ولكن لها صولة وجولة مشهورة، وهناك من المؤلّفين من لهم عشرات الكُتُب موجودة في السُّوق ومطبوعة. وهناك من المؤلّفين من قيل أنّ لهم مائة أو مائتين كتاب لكن لا نجد منها كتاباً ، الإكثار من التأليف قديما وحديثاً، نستعرض المكثرين من التأليف على مراحل التاريخ المختلفة فضيلة الشيخ ؟
الضيف: طبعاً الإكثار من التَّأليف لا شك أنّه له عدّة زوايا، أوّلاً نوعية التأليف هناك فعلاً مُكثِرون من التأليف وتآليفهم قيّمة جِدّاً ، وأنت تفرح بكل كتاب تجدّه له، على سبيل المثال لابن تيمية الآن لو خرج كتاب جديد له هل تقول ابن تيمية أزعجنا بكثرة مؤلّفاته؟ بالعكس تُسارع إليه وتجد فيه إضافة علمية، وهناك بعض المؤلّفين مُكثِر ولكن لا تستوقفك كثيراً، لأنّك جرَّبت كما يقول الشّاعر:
لا أذُودُ الطَّير عن شَجَرٍ .... قَد بلوتُ الــمُرَّ من ثَمَره.
يعني جرّبت كتاب وكتابين فوجدتها ضعيفة فلم تَعُد تستوقفك. فهناك فرق بين هذا وهذا سواءً عند المتقدّمين أو المتأخرين، يعني هُناك مُكثرون من القُدماء كثرة تآليفهم ليست جيّدة كثيراً، وبعضهم لا بالعكس لا تزيده كثرة التأليف إلا جودة.
أسئلة المتصلّين:
س1: لديّ سؤال فضيلة الشيخ ذكرتم أنَّ جميع كتب التّفسير إلا وقد وُجِد عليه مأخذ، فهل هذا التّعميم يدخل فيه كتب أهل السُنّة؟
الجواب: نعم صحيح، تفسير ابن جرير الطبري فيه مُؤَاخذات على سبيل المثال: في قوله تعالى في سورة النّساء ( واللاَّتي تخافون نشُوزُهُن فعِظوهُنّ واهجروهُنّ في المضاجع واضربوُهُنّ) ذهب إلى اختيار معنىً غريب في معنى ( اُهجروهُنّ) المفسِّرون كلُّهُم يقولون (اُهجروهُنَّ) الهجر المعروف. ابن جرير الطبري – رحمه الله يقول: اِربُطُوهُنَّ بالحِبال أيَّ ( بالهِجَار). فهذا اختياره وهذا مخالف وواضح ولكنّ هذا لم يَنقُص من إمامة ابن جرير الطبري – رحمه الله. أيضاً ذهب ابن جرير الطبري رحمه الله اختار في أنّ الذّبيح من أبناء إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام أنَّه إسحاق بن إبراهيم، في حين أنّ كثير من العلماء والجمهور منهم على أنّه إسماعيل. فهذا لم يَنقُص من تفسيره رحمه الله تعالى .
المقدّم: لكن ممكن المؤاخذات هذه مؤاخذات في اختيارات معيّنة لا يتعلّق بها مثلاً أحكام عقدية أو ما أشبه ذلك، لكن إذا كان هنا في ظلال القرآن أو في غيره من الكُتب تأويل آيات الصّفات؟
الضَّيف: هذه أخطاء مهما كانت، اُنظر أخي الكريم لا يوجد كتاب بشري كما قال الله جلّ وعلا( ولو كانَ من عِندِ غير الله لَوَجَدُوا فيه اختلافاً كثيراً) فأيّ كتاب غير القرآن ستجد فيه اختلافاً كثيراً. لكنَّ المنصف هو من يستفيد الإيجابيات ويتجَّنب السَّلبيات
المقدّم : إذاً نعود إلى المكثرين من التأليف فضيلة الشّيخ، هل تذكُرون بعض الأسماء المشهورة في التأليف؟
الضيف: الشيخ عبدالفتّاح أبُو غُدَّة رحمه الله له كتاب قيّم جِدّاً ( قيمة الزّمن عند العُلماء) ربّما أنّكم قد عرضتمُوهُ سابقاً. تكلّم عن هذه الفقرة وهي الــمُكثرون من التّأليف قديماً وحديثاً ذكر ابن أبي الدُّنيا فقال إنّه ترك ألف تأليف. وابن عَسَاكر ألّف تاريخه في ثمانين مُجلّداً. وقال السُّيُوطي منتهى التّصانيف في الكَثرة ابنُ شاهين. صنَّف ثلاثمائة وثلاثين مُصَّنَفاً منها التَّفسير في ألف جزء. والــمُسند في خمسة عشرة مائة (ألف وخمسمائة جزء) وقال السُّيوطي: وهذا من بركات طيّ الزَّمان كالمكان..)، ترك الإمام ابن حزم أربعمائة مجلّد فاشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقة. عبدالرّحمن بن أبي حاتم الرّازي لهُ كُتُب كثيرة جِدّاً . الحاكم النّيسابوري صاحب المستدرك على الصَّحيحين له ما يبلُغ ألف وخمسائة جزء منها تخريج الصّحيحين، والعِلل، والأمالي ....) ابن تيمية وابن القيّم: ألَّف ابن تيمية ثلاثمائة مؤلَّف في فنُون مختلفة نحو خمسائة مجلّد. وتلميذه ابن القيّم نحو الخمسين مجلّد. البيهقي كذلك. ابن العربي المالكي أيضاً من المكثرين من التأليف له كتاب مفقود من كُتُبه ( أنوار الفجر) في ثمانين مجلّد وله كتاب في شرح الموطّأ. وله كتاب في أحكام القرآن وغيره.
المقدّم : ابن جرير الطّبري له كتابان مشهوران، وهل هي موجودة تآليفه؟
الضيف:ابن جرير الطبري هذا الرّجل من نوادر الإسلام رحمةُ الله عليه وهو إمام كثرة التأليف لا تزيده إلا جودة، للأسف لا يُوجد من تأليفه إلا ّ( تاريخ الأمم والملوك ) وهو من أضخم كُتُب التّاريخ، وكتاب التفسير ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن ) وهو أفضل كتاب في التّفسير وأجودها. وله كتاب ( التَّبصير في معالم الدّين)، وله كتاب في الفقه، وفي القراءات وغيرها ولكنَّه مفقودة. وفُقِدَ منها الكثير، لكن الذّي وُجِد منها يدُل على إمامته وعُلُّو كعبه. وله كتاب ( تهذيب الآثار) وهو متقدّم. ورأيتُ أنّه قد كتب ثلاثمائة وخمس وثمانين ألف صفحة تقريباً. كذلك ابن الجوزي من الذِّين صنَّفُوا مؤلَّفات كثيرة جِدّاً أكثر من ألف مصنَّف نُسِبت إليه. ابن تيمية رحمه الله يقول: أعددت له أكثر من ألّف مصنّف، ثمّ رأيت له كُتب بعد ذلك، كذلك ابن حجر العسقلاني.
المقدّم : عودة لأسئلة المتّصلين فضيلة الشيخ:
أنّ كتاب الظّلال قد كُتِبت رهينة حالة نفسيةة والحالة الشّعورية عاشها الكاتب- رحمه الله- ولو كُتبت في غير ذلك لتغيّر الوضع؟
الضيف: هذا كلامٌ صحيحٌ مائة بالمائة، سيد قطب رحمه الله كتب كتابه وهو يعيش حالةً من الظُّلم في السُّجون المصرية في ذلك الوقت، وأنَّ هذا انعكس على تفسيره فعلاً، بل إنّه زاده. ولذلك أنا قلت أنّ النُّسخة الـــمُنَّقحة من كتابه في ظلال القرآن متأثرِّة بالواقع الذّي كان يعيشه في مُدَّة السِّجن لأنّه انفرد بالقرآن. ويُمكن أن يُقاس عليه ابن تيمية - رحمه الله- فلمّا سُجِن انفرد بالقرآن، فحَزِنَ على أنّه قد أمضى عُمرُه السَّابق في غير القرآن.وهذا لا شك حتى نحن نشعُر به يا شيخ إبراهيم عندما ننفرد بالقرآن في أيّام رمضان وفي ليالي رمضان يشعُر الإنسان أنّه مُقَّصر تقصيراً شديداً في حقِّ كتاب الله. هناك فرق يا شيخ إبراهيم بين من يأتي يُفسِّر وهو في مكتبته وفي بيته ومع زوجه وأولاده. إذا فَرَغ ذهب لكتابة أسباب النُّزول ونَقّح الروايات، وبين رجُل يكتُب التَّفسير في الزنزانة لاشك أنّ هناك فرق ولابد أن ينعكس هذا على المعنى. لكن أنا أقول للمتصِّل الكريم، الحقيقة أنَّ هذه إيجابية في تفسير سيد قطُب لأنّه جعلته يعيش هذه الحقيقة التّي في القرآن الكريم والقرآن الكريم أخي الكريم هُو كتاب نزل لكي نعمل به ونتمَثَّلَه. ولذلك سيد قطب يقول في مواضع عند تفسيره لسورة العاديات، وسورة البُروج يقول: أنا استشعرت فعلاً معاني هذا القُرآن الكريم وأنا عاجز عن التّعبير، لذلك فأنا أقول لكم أيُّها القُرّاء أننّي لم أستطع أن أنقل لكم المعنى الذّي ظهر لي من هذه الآية. مع أنّه رجل من أقدر النّاس على الكلمة. لذلك أعجبني كلام للشيخ/ بكر أبو زيد – رحمه الله – عندما قال : أننّي لم أجِد فيمن نقدَهُ من يُوازيه في بلاغته وبيانه، فإمّا أن يكون هناك تكافؤ في البلاغة وفي الأُسلُوب، وإلاّ فلتُكسَر الأقلام.
المقدّم: وهذا سؤال أيضاً: هل كثرة التأليف على حساب الجودة؟
الضيف: هي مسألة منطقية يا شيخ إبراهيم ، أنّك إذا رَغبت في كثرة التأليف سيكون على حساب الجودة لأنّك لن تجِد وقتا ًللتّنقيح، ولذلك ابن عطيّة الأندلسي له كتابين: ( فهرست ابن عطيّة) تكلّم فيه عن شيُوخه. وكتابه في التّفسير( المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) كتابه ثمين جِدّاً، ومُحرَّر، ورائع. وبدأ يكتُب فيه منذ كان شابّاً ولم ينتهي منه إلى قريب من وفاته يُضيف إليه. فلا شكّ أنّه خرج في غاية التَّحرير. ابن جرير الطّبري كان يتأنّى في كتابته وفي إملائه لتفسيره ولذلك جاء جامعاً للبيان عن معاني تأويل آي القُرآن في غاية الرّوعة. أيضاً على سبيل المثال: ابن حجر العسقلاني له مُصنّفات كثيرة جِدّاً يقول تلميذُه السّخاوي في ترجمته: سمعتُ ابن حجر يقول لستُ راضياً عن شيء من تصانيفي، لأنّي عملتُها في ابتداء الأمر، ثمّ لم يتهيَّأ لي من تحريرها سوى شرح البُخاري ومُقدِّمته(فتح الباري)، والمشتبه، والتّهذيب، ولسان الميزان. فانظر هذا ابن حجر العسقلاني مع أنّ الكُتُب التّي ليس راضياً عنها في غاية الجودة لكن هذا من يريد أن يُنقِّح ويكتُب. ابن الجوزي يقولون في ترجمته: كان لا ينظر في تصانيفه يُخرجها ولا يُنقِّحها ولا يُراجعها ولذلك وقع خللُ كثير في تصانيفه، لكنّني قلتُ يوماً : أنّ كتابه (زاد المسير) ليس من هذا النّوع بل هو من أجود كُتُبُه فقد راجَعَهُ ونقّحَهُ فليست على إطلاقها الإكثار على حساب الجودة إلا عند بعض الذّين يتساهلون. والسُّيوطي – رحمه الله كتبه ليست على درجة واحدة في الجودة أيضاً .
المقدّم: لكنّ السُّيوطي من المكثرين حتى أنّه ألّف في آخر عمره لما ترك المدرسة ألّف تآليف ضخمة جِدّاً، السؤال هو: هل هُناك بركة معيّنة في الوقت ؟
الضيف : لا شكّ أنّ من أهم أسباب كثرة التَّأليف الحِفاظ على الوقت. هذه في الدّرجة الأولى ولا تجد مُكثِراً من التأليف وهُو مُضيّع لوقته.ثانياً : توفيق الله سبحانه وتعالى للإنسان. الأمر الثالث: أنّ الله تعالى يُؤتي القَبُول من يشاء من عباده. ولذلك يذكرون عن ابن فارس رحمه الله أنّه قد أُوتِيَ حظّاً وقَبُولاً في التَّصنيف صاحب المعجم. وقيل للإمام مالك أنّ هناك مُوَطَّأت كثيرة موطّأك الذّي ستُضيفه. فقال كلمةً جميلة: ما كان لله يبقى. وأنا أقول هذا فعلاً، ما كان لله يبقى من المؤلّفات قديماً وحديثاً.
المقدّم: لضيق الوقت فضيلة الشّيخ ، أريد أن أصل إلى المكثرين من التأليف حديثاً
الضيف: منهم الأستاذ أنور الجِندي- رحمه الله- له ثلاثمائة كتاب. أيضا الشيخ عبدالعزيز السّلمان صاحب (موارد الظمآن في دروس الزّمان)، الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله- له كُتُب كثير ة جِدّاً، عبّاس محمود العقَّاد من المكثرين وكذلك طه حسين، حمد الجاسر أيضاً- رحمه الله- الأستاذ / محمد خير يوسف رمضان من المكثرين، أيضاً ناصر العُبُودِي الرَّحالة أظُنّ له مائة وخمسة عشر كتاب كُلُّها في الرّحلات وأسلوبها جميل جِدّاً. الأستاذ / غانم قدُّوري الحمد من أساتذتنا في الدراسات القرآنية من الـــمُكثرين الــمُجِيدين في التأليف.
المقدّم: عودة لأسئلة المتّصلين فضيلة الشيخ : التأليف هل له سِنّ مُعيّن؟
الضيف : الأجود أنّه يترّيث الإنسان حتى يكبُر وينضُج، ولا يُبادر إلى التّأليف إلا إذا كان شيئاً مُمَيَّزاً .كما قال المتنبي.:
ليس الحَدَاثةُ عن حِلمٍ بــمانِعةٍ ... قد يُوجَدُ الحِلمُ في الشُبَّان والشِّيبِ..
فيوجد هذا وهذا، بل هُناك مُصَنَّفات محمود شاكر له كتابه ( المتّنبي) وعمره أربع وعشرون أو ستُ وعشرون سنة من أجود كتبه.
المقدّم: كان معنا في الأسبوع الماضي معالي الشيخ/ الدكتور يعقوب الباحسين يقول: كل كُتُبي لم أُخرج كتاباً منها إلاّ بعد أن رضيت عنها.
الضيف: وهذا والله أجود. وهنا نُقولات جميلة جِدّاً في كتاب ( قيمة الزّمن عند العلماء) لكن هناك من بقي خمسين سنة أو ستين سنة يكتب . لكن هذه مبالغة أيضاً. فالتّوسط أفضل.
المقدّم: الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله يقول: أنّي ألّفتُ كُتُباً لكن ما أخرجتها إلا بعد أن نِلت الدّرجة العالمية يقصد الدُّكتوراة.
الضيف: بل أضرب لك مثال يا شيخ إبراهيم بعض الزُّملاء له رسالة ماجستير ودكتوراة، رسالته في الماجستير أفضل من رسالة الدُّكتوراة بمراحل.
المقدّم: عودة لأسئلة المتّصلين الكِرام : حول كيف يبدأ الإنسان في قراءة كتب التّفاسير؟ لا سيما كتاب التّفسير الميّسر
الضيف: هو كتاب التّفسير الميّسر يُبيّن لك المعنى فقط، لا يُفصّل أكثر من ذلك فهو يكفيك في أن تفهم الآية، لكن إذا أردت أن تنتقل إلى مرحلة أخرى فعليك بكُتُب أوسع مثل: ( تفسير القرآن العظيم) لابن كثير، ( الوجيز) للواحدي، ( الواضح في التّفسير) للشيخ محمد الصّابوني،(أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير) الذّي ذكرته الأخت في سؤالها لأبي بكر الجزائري، وهناك كتاب رائع جِدَّاً وأنا أنصح به اسمه ( الــمُقتَطَف من عُيُون التّفاسير) للشيخ الحصني/ التــــُّركي أحد علماء تركيا كتاب قيّم جِدّاً وأسلوبه سهل، كتاب اسمه (جامع البيان في تفسير القرآن) لمعين الدّين الإيجي. أيضاً كتاب قيّم وفي مُجّلد واحد فالخيارات كثيرة.
المقدّم : سؤال : الأخت الكريمة : في معنى قوله تعالى ( إنّا فتحنا إليك فتحاً مُبيناً) ما المقصود بالفتح؟ هل هُو فتح مكّة. كما جاء في أيسر التّفاسير.
الضيف: لا شك أنّه المقصود به صُلح الحديبية وليست فتح مكّة، لأنَّ صلح الحديبية كان فتحاً حقيقة. ونزلت بعدها مباشرة. فسبب النُّزول واضح فيها. وأنا لا أذكر أنّ الشيخ أبو بكر الجزائري ذكر أنّ المقصود بالفتح فتح مكّة
المقدّم : سؤال لأحد المتّصلين: هناك أناس عندهم خوف من القراءة، وهل المقصود بالقراءة أن أقرأ ثمّ أحفظ، أم يطّلع ويقرأ؟
الضّيف: بل الإنسان يطّلع ويقرأ ولا يخاف من القرِاءة، لكن الحقيقة أنّه من توفيق الله للإنسان. وأنت - جزاك الله خيراً- يا شيخ إبراهيم أنّ هذا البرنامج رائع جِدّاً يَدُلّ النّاس، نحن كُنّا في حاجّة ولا زلنا في حاجّة إلى من يَدُلنا على الكتاب الجيّد لأنّ الوقت ثمين والعمر ينفد.وأنت لا تستطيع أن تقرأ كُل هذه الكُتُب. فالأخ لو يبدأ مثلاً بكتُب الشيخ علي الطنطاوي يقرأ فيها ويستمتع بها حتى تُحبَّب إليه القِراءة في كتب الأدب، ثمّ يقرأ بعد ذلك فيما شاء من العلم.
المقدّم: لكُم تَحقيق على منظومة للسيُّوطي – رحمه الله ؟
الضيف: نعم، أنا حقَّقت منظومة السُّيوطي في ألفيته في البلاغة وقدّمتها لدار المنهاج وهي موجودة عند الأخ / عبدالله السِّنان الآن في دار المنهاج ، وأيضاً قد أخبرني أنّه انتهى من صفِّها.
المقدّم: عودة لأسئلة المتّصلين: هناك عودة للقراءة بحمدالله لكن يخشى أن تكون هذه القراءة غير مُوَّجَهَّة أن يكون هناك بُعد عن التأصيل الشّرعي ممّا يُحدِث إشكال لاسيما في قراءة النُّصوص الشَّرعية والكتب الشرعية.
الضيف: حقيقةً تخَوُّف الأخ الكريم في محلّه، لكنِّنا في غمرة يا أخي العزيز هذا الانفتاح المعرفي الذّي تراه، الشبكة العالمية تستطيع من خلاله أن تصل إلى أيّ كتاب ونحن في الحقيقة ندعو إلى القراءة بدُون تحفُّظ، في ظلّ هذه الدعوة لا شك أنّه سيكون هناك ضحايا، هناك بعض الشّباب يقرأ في الكُتُب المنحرفة وبعض الرِّوايات المنحرفة وللأسف الشّديد أنّه في معرض الكتاب أنت تُلاحظ هذا يا شيخ إبراهيم تجد الإخوان والاخوات يتجَّمعون على كتب الرِّوايات المنحرفة ويتركُون الكتب الجيّدة. لكن أنا اعتبر القراءة في حدّ ذاتها إيجابية.
فقرة اخترنا لكم ( كتاب مميّز يختاره ضيف الحلقة)
المقدّم : نترك لكم فضيلة الشيخ الكتاب الذّي ستختاره للمشاهدون.
الضَّيف: نحن عندما نختار كتاباً إنّما هي وجهة نظر شخصية ، ومحبةً في نفع النّاس أجد كتب انتفعت بها فأوصي بها ، منها : كتاب
( فقه الائتلاف) للمؤلف: محمود خزندار... من مطبوعات دار طيبة في الرِّياض.. كتاب قيّم جيّد أرجو أن ينتفع به الإخوة المشاهدون.
المقدّم: في ختام الحلقة أشكركم فضيلة الشيخ شكراً جزيلاً ، والشُّكر موصول كذلك لجميع المشاهدين والعاملين معنا في البرنامج وكذلك الذّين تواصلوا معنا .
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
بارك الله في الجميع
حتي نوفر الوقت والجهد هناك بعض الحلقات تم تفريغها في منتدي قناة دليل علي هذا الرابط فنقوم بتفريغ ما لم يتم تفريغه
http://idaleel.tv/vb/showthread.php?t=872



الحلقات موجوده علي هذا الرابط
http://idaleel.tv/vb/showthread.php?t=684

ولكن ان شاء الله جاري اعداد موضوع مستقل هنا في الملتقي للحلقات التي تهتم بالقران وعلومه

جزيت خيرا يا أختي ام الحارث و بورك فيك
 
الحلقة الثّانية عشر . بُثّت في تاريخ. 29 رجب 1431
عنوان الحلقة : علم التّجويد والتأليف فيه، ومنهجية قراءة كُتُب هذا الفنّ
مقاطع مختارة ..
فقرة الورّاق:
المقدّم: وقد يكون من جديد المطابع فضيلة الشِّيخ قديماً،سواء كان الكتاب مفقوداً لسنوات طويلة، أو يُطبَع لأوّل مرّة كاملاً ، أو تكون رسالة علمية تبقى عشرين سنة أحياناً ثمّ تخرّج، أنا معي بين يدي كتاب من شهر أو أكثر ولكن في كل مرّة الوقت يُداهمنا فلا أستعرضه.ولكن يظهر أنّه من الأقدار أنّــَه تــأخرنا فيه حتى تكونوا موجودين. وهو كتاب " تفاسير آيات الأحكام" تأليف أ.د علي بن سليمان العبيد .الأستاذ/ بقسم القرآن وعلومه سابقاً. ووكيل الرئيس العام للمسجد النَّبوي حاليّاً. هذا الكتاب له قِصّة ، وأظن أن فضيلتكم يعلم قصَّتها.
الضّيف: صدقت، هذا الكتاب للشيخ علي وهي رسالة الدكتوراة التِّي قدّمها لقسم القرآن في جامعة الإمام، ونُوقش في جماد الثاني عام سبع وأربعمائه وألف، ومنذ ذلك الوقت لم يُطبع الكتاب . فكُنَّا في الجمعية في السَّنَوات الأخيرة ألــــححنا عليه في أن يُخرجه على أيّ وجه كان. فخَرج بـهذه الصُّورة ولذلك قد يقرأ فيه بعض الاُخوان ويقول فاته كثيرٌ من الكُتُب المطبوعة حالياً لم يذكرها خلال ثلاث وعشرين سنة وقد طُبعت كثير من كُتُب أحكام القرآن.ولكن كونه خرج بهذه الطّريقة خيرٌ من ألاّ يخرج.
المقدّم : إذاً هذا الكتاب كما هو واضح من عنوانه يعتني بالكتُب المؤلّفة في تفاسير آيات الأحكام ويذكر مناهجها. وطبعاً قسَّم كُتُب الأحكام إلى المحمودة والمذمومة.
الضّيف: نعم ، وهو كتاب قيّم وفيه جُهد كبير، والدُّكتور كتبه قبل أن يُطبع كثير من كُتُب أحكام القرآن، سافر إلى تُركيا، وإلى مصر، وإلى غيرها من أجل تحصيل مخطوطات الكُتُب التي كتب عنها، في الحقيقة أنا أعتبره من أجود الكتُب التّي تحدّثت عن مناهج كتُب أحكام القرآن وطريقتها وقيمتها العلمية.
المقدّم: لا سيما أنّه أيضاً ذكر بعض التَّفاسير المتقدِّمة فيها.
الضَّيف: بالضَّبــط.
المقدِّم: ولو سألناكم فضيلة الشّيخ ما أفضل كتاب في " تفاسير آيات الأحكام"
الضّيف : والله هذا طبعاً سؤال واسع، كتُب أحكام القرآن كثيرة جِدّاً -خاصّة التِّي كُتِبت على المذاهب- فتجد في كُلِّ مذهب كتاب من كُتُب أحكام القرآن مميَّزة ، فعلى سبيل المثال في المذهب الحنفي: كتاب ( أحكام القرآن ) للجصّاص الحنفي . هذا من أجود كُتُب أحكام القرآن – الحقيقة- لولا حِدَّة الشيخ الجَصّاص – رحمه الله- على خُصُومه – أحياناً- من الشَّافعية والمالكية إلاّ أنّ كتابه ثــمين جِدّاً ، والذِّي يتفقّه به يجد فقه رائع جِدّاً . وهناك كتاب أيضاً من كُتُب الــــمالكية مشهور جِدّاً هو كتاب ( أحكام القرآن ) لابن العربي المالكي – هذا من عُمَد كُتُب الأحكام- لا يستغني عنه طالب العلم أبداً، وقد استوعبه الإمام القرطبي في كتابه ( الجامع لأحكام القرآن ). ويُعتبر كتاب ( الجامع لأحكام القرآن ) للقرطبي من أوسع كُتُب أحكام القرآن على الإطلاق.
المقدّم: عفواً فضيلة الشيخ، يعني من قرأ في كتاب (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي يستغني عن كتاب (أحكام القرآن ) لابن العربي المالكي.
الضَّيف: نعم هو كما ذكرتم .الله يحفظكم. وحتّى أنّه استفاد من طريقته، لأنَّ ابن العـــَربي هو الذي كان يصنع وهذه فيها أربعَ مسائل، وهذه فيها خمس مسائل، فيها سبع مسائل ثمّ يُرَّتبها ترتيباً كمَا رتّبها القرطبي بعد ذلك. أيضاً كتاب ابن الفرس الغَرناطي من كتب المالكية الرائعة جِدّاً في كُتُب أحكام القرآن،وهُـو طُبِع مُؤَّخراً في أربعة مجلّدات أيضاً كتاب قيّم جِدّاً أنصح به. وهناك للشّافعية كتاب الكِيالهراسي كتاب ثمين جِدّاً في أحكام القرآن.
المقدّم : الذِّي لفت نظري استعراض الشِّيخ علي لتفسير خمسائة آية لمقاتل بن سليمان. هل هذا التّفسير هو لمقاتل بن سليمان؟
الضيف: نعم،لأنَّ مقاتل توفي سنة (150) هجريّاً
المقدّم: وهو يُعتبر من أقدم كُتُب التّفسير إذاً؟
الضيف: نعم، طبعاً له تفسير مقاتل، غير تفسير خمسائة آية، ولكن تفسير خمسائة آية عدَّها الشِّيخ علي على أنّه من كُتُب تفسير آيات الأحكام.
المقدّم : إذا كتاب " تفاسير آيات الأحكام" للشِّيخ علي بن سليمان العَبيد هو من جُزئين، جمعية تبيان ( الجمعية السُّعودية للقرآن وعُلومه) ومن صَفّ وإخراج دار التدمرية.
المقدّم: الكتاب الآخر هو أيضاً كتاب يعتني بالتَّفسير، طبعاً هذه الكُتُب كلُها جاءت قدراً ، لكن هذا يظهر أنـّه من المناسبات اللّطيفة.
الضيف: الحمدلله، وأيضاً هي كُتُب حديثة الصُّدور.
المقدّم: طبعاً نحن شرطنا في البرنامج أن تكون الكُتُب المستعرضة جديدة
الضيف: نحن نستفيد كثيراً من برنامجكم.
المقدّم: الله يحفظكم ، هذا شرف لنا فضيلة الشِّيخ.
المقدّم : الكتاب الثاني: "التَّــرجيح بالسُنّة عند الــمُفسِّرين جمعاً ودراسة " للدكتور / ناصر بن محمد بن صالح الصَّانع وأيضاً رسالة علمية، والكتاب أيضاً من طبع دار التَّــدمرية، لا إشكال أنّ السُّنة هي المصدر الثاني لتفسير القرآن، إذا كان القرآن يفَسَّر بالقرآن، فكذلك التفسير بالسُنّة. الذّي لفت نظري في الكتاب هو أنّه المؤلِّف ذكر لماذا خالف بعض المفسِّرين بعض الأحاديث التّي فسّرت بعض الآيات؟ هذا الحقيقة التّي لفت نظري في الكتاب وإلاّ فالكتاب عموماً مفيد، وذكر مجموعة من التَّرجيحات لكنّه اقتصر على مجموعة من الكتب كتاب الطبري ( جامع البيان عن تأويل آي القرآن) ، وأيضاً تفسير ابن كثير ( تفسير القرآن العظيم) ، وتفسير ابن عطيّة ( تفسير المحرّر الوجيز). وهذه الكتب التّي تعتني بالآثار
الضَّيف: طبعاً يدخُل هذا البَحث تحت ما يُسَّمى بأُصول التَّفسير، وتحت نقطة بالذّات التي هي : التّرجيح عند المفسِّرين. ومن ضمن التّرجيح التّرجيح بالسُّنة . فهو يتحدَّث عن : أنَّه إذا وقَعَ خلاف بين المفسِّرين في تفسير آية ثمّ جاء أحدهم فَرجَّح قولاً على قول استدلالاً بالسُّنّة النّبوية فهو يتكلّم عن هذه النُّقطة بالذَّات.
المقدّم: وذكر أنّه اختار ابن عطيّة، وابن جرير، وابن كثير لأنّه يذكرون أقوال المفسِّرين ويعتنون بالتّرجيح، ومع الدُّكتور مساعد الطيّار قبل فترة في نفس البرنامج وذكر أنّ ابن جرير يذكر ويُرجِّح لأنّ بعض النّاس يذكر أنّ ابن جرير فقط مجرّد جامع و ناقد. وهذا خطأ فهي من الأشياء التّي يبنغي أن يعرفها النَّاس ويُنبّه لها .
ننتقل إلى فن آخر وكتاب آخر وهو كتاب شرح ( القواعد الأربعة والأصول الثّلاثة ونواقض الإسلام وكشف الشُّبهات) هذه الرسائل الصّغيرة الأربع للإمام المجدّد/ محمد بن عبدالوَّهاب- رحمه الله- ، شرحها فضيلة الشيخ/ عبدالرّحمن بن ناصر البَّراك، واعتنت بها اللَّجنة العلمية في شبكة نور الإسلام وقرأها على الشِّيخ وأخرجها عبدالرّحمن بن صالح السِّديس. ميزته : أنّ هذه المتون التّي اعتاد بها العلماء عندنا أن يبتدأوا فيها تدريس طُلاّيهم في العقيدة أن قد جُمِعت وشُرِحت في هذا الكتاب شرح جيّد وقُرأ على الشِّيخ وفقّه الله، وهذا الكتاب أيضاً من طبع دار التّدمرية.
ننتقل إلى كتاب آخر أيضاً: وهو كتاب ( التّعليقات على عمدة الأحكام ) للشيخ / عبدالرّحمن بن ناصر السّعدي – رحمه الله تعالى- وعمدة الأحكام للحافظ المقدسي رحمه الله اننتشر وميزته أنّه يجمع احاديث الأحكام في الصّحيحين فلذلك يستغني الإنسان في البحث عن صحّته، واختُصرَ اختصارات كثيرة ما بين متوسط ومختصر ومطوّل ، ولكن ميزة هذا الشّرح أنّه للشِّيخ عبدالرّحمن بن ناصر السّعدي جمعها أحد تلامذته الشيخ عبدالله بن محمد العوهلي. وحقّقه الشيخ عبدالرّحمن الأهدل ، ومراجعة وتعليق الشّيخ / محمّد البَّسام. أُخرِج في مجلّد واحد
الضيف: أهداني نسخة قبل البرنامج – جزاه الله خيراً- يعني أنَّ هذا الكتاب من تأليف الشِّيخ السّعدي رحمه الله ؟
المقدّم : نعم من تأليف السَّعدي ، لكن كتب هذه التَّعليقات وهذه التقييدات تلميذُه الشيخ عبدالله العوهلي. الحقيقة وأنا أتصَّفح الكتاب وجدت أنّ الشيخ السعدي يخرج - أحياناً- عن الموضوع لأشياء مفيدة على سبيل المثال: طبعاً الشيخ السَّعدي متقدِّم في زمن المتأخِّرين – فلذلك يُستفاد منه رحمه الله كثيراً- أذكُر مثلاً كلامه عن الحجاب عجبت أنّ الشيخ رحمه الله تكلّم عن واقع بنات المسلمين اليوم كيف أنَّهم تركُوا الحجاب ثمّ تكلَّم عن القُرون المفضّلة يقول رحمه الله : فاحتَجَبَ نساء الصَّحابة والتّابعين وتابعيهم و استَّمر على ذلك عمل القُرون المفضَّلة فكان كالإجماع عندهم حتى شذّ بعض الفُقهاء فقال بعدم وجُوبه فنما هذا الأمر حتّى عُدَّ هذا القول الباطل خلافاً في هذا الزّمان. وأخذ به كثير من الملتزمين، ثمّ ذكر علماء بعض الأمصار وقال : إنّي لأعجب كيف ينصُرون هذا القول نصراً عظيماً، ثمّ قال في النّهاية: وهذه المسألة جاءت عرضاً - بمعنى أنّه استطراد منه - .. بعدها في صفحات أخرى ذكر مسألة إرضاع الكبير حديث سالم مولى بن أبي حذيفة أنّه خاص به وهذا ترجيح من الشِّيخ الفقيه الأصولي.
ننتقل إلى كتاب آخر وهو كتاب : فقه الإمام عطاء ابن أبي رَبَاح ومنهجُهُ فيه. تأليف نجم عبدالله العيساوي أحد علماء العراق ، دار ابن كثير وهو الإمام المكيّ المفسِّر الفقيه المشهور وهو تلميذ ابن عبّاس ومولاه. يُذكَر أنّه كان أشَل، وأعرج ...
الضيف: سبعة عُيُوب.
المقدّم: نعم ، ولكنَّه بزَّ النّاس حتّى ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول لأهل مكّة : أتسألونني عن المناسك وفيكم عطاء! وهذا شرف لعطاء – رضي الله عنه-ميزة الكتاب: حاول أن يجمع من كتب الفقه، ومن كتب الخلاف ، كل الأقوال التّي نُسِبت إلى عطاء رحمه الله ثمّ يذكر أقواله، قبل ذلك قدّم بمقدّمة يذكر عن منهج الإمام عطاء في فقهه الحقيقة فيها فوائد كثيرة جِدّاً. وقد يستغرب بعض النّاس هذه النّقولات الفقهية الكبيرة عن عطاء التّي بعض الناس يظُن أنّه مختص بالتّفسير، والبعض يظُنّ أنّه مختص فقط بالمناسك لكن الرّجل من أهل الفقه العظيم، وإن كان الفقه يحتاج إلى تحرير ويحتاج إلى دراسة. حاول المؤلف أنّه يختصر ومع ذلك خرج في هذا السِّفر الضّخم فكيف لو بسط القول!
نهاية فقرة الورّاق
 
فقرة في الـــميزان
المقدّم : اسمح لي فضيلة الشيخ أن نبدأ هذه الفقرة ببيتين :
والأخذُ بالتّجويد حتمٌ لازِمٌ ... من لم يُجوّد القرآنَ آثِمُ
لأنّه به الإلهُ أنزلا....... وهكذا منه إلينا وصلَا
هذان البيتان من ضمن منظومة ابن الجزري المشهورة ( منظومة الجزرية) هذا البيت بالذّات قد يكون أثار جدلاً، فنحنُ الآن بصدد أن نضع هذه المنظومة في الميزان .
الضيف: بسم الله الرّحمن الرحيم، الحمدلله والصَّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً، منظومة ابن الجزري هي أُرجوزة عدد أبياتها ( 107) ، وبعض النُّسخ ( 102) فقط. وهي منظومة على بــَحر الرَّجَز جَمَع فيها الإمام ابن الجزري -رحمه الله- ما ينبغي على قارئ القرآن أن يتعلَّمه من علوم التّجويد. حتّى يُتقِن علم التّجويد كعلم دراية وإلاّ فعلم التّجويد يُؤخَذ بالتَّلقي والمشافهة أصلاً ، وكانَ على ذلك الصّحابة والتّابعون وأتباعُ التّابعين ومن بعدهم يتلّقاه اللاحق عن السّابق ولا يتّوقفُون عند هذه القواعد التّي نعرفها اليوم فيقال هذا ( إدغام، وإخفاء، وإظهار....) ومن الأشياء التي أريد أن أنبّه إليها يا شيخ إبراهيم أنّ علم التَّجويد وعلم النَّحو ارتبطت بالقرآن في أصل نشأته، فأبو الأسود الدُؤلي عندما نَقَطَ ما يُسمُّونه ب"ِنَقط الإعراب" هو في الحقيقة بدأ يضع النّحو في ذلك الوقت، والتَّجويد أيضاً ارتبط بالقرآن، وإلى اليوم التَّجويد لا زَال مرتبط بالقرآن ولذلك أبنائنا الصِّغار يُتقنون التّجويد
المقدّم: رُبّما لم يسمعُوا بهذه اللّفظة التّجويد
الضيف: نعم، ولكنَّهم يُتقنُون التّجويد ويطبّقونه – ولله الحمد- بسهولة عندما يتدَّربُون عليه، وتُصبح مهارة يَصعُب الإخلال بها فيما بعد. لكن النَّحو – كما تُلاحِظ- عندما انفصَلَ عن القرآن الكريم أصبحنا نُعاني معاناة شديدة في اللُّغة العربية ، وأصبح ضبط قواعد النَّحُو صعباً . ولذلك أنا أقول ليتنا نستطيع أن نُرجع النَّحو نربطه بالقرآن الكريم، وهناك محاولات في هذا ولكنّها لم تنجح بعدُ.
منظومة الجزرية وضعها ابن الجزري – كما قلت – مقدّمة طبعاً، عندما تستعرض المؤلّفات في التَّجويد القديمة يطول بك الحديث- لعلّنا نأتي إليها في فقرة الورّاق. ابن الجزري – رحمه الله- يُعتبر متأخّر فهُو قد تُوفّي في منتصف القرن التّاسع ( 830) تقريباً . وله مؤلّفات كثيرة منها ( النّشر في القراءات العشر) وهو كتاب مشهور جِدّاً في القراءات، والأقوال التّي ذكرها ابن الجزري في هذا الكتاب تُعتبر عُمدة استقرّ عليها الأمر في علم القراءات والتّجويد. لكن هذه المقدّمة التّي قال فيها : وبعد إنّ هذه مقدّمة .. في ما على قارئه أن يعلمه.
الأشياء الأساسية والضَّرورية في علم التّجويد، نفع الله بهذه المنظومة نفعاً عظيماً، وأصبح النّاس يحفظونها من عهد ابن الجزري إلى اليوم، ولذلك نُسَخُها المخطوطة كثيرة جِدّاً لا تكاد تُحصى، وشُرُوحها أيضاً كثيرة جدّاً وهي سَلِسَة لذلك أنا أقول للطُلاّب دائماً احفظوها، وأنا أحرص دائماً على حفظها وعلى مراجعتها لأنّها إذا أتقنها الطّالب والقارئ فهي تُسَّهِل عليه استفسار مَسائل التّجويد وتفاصيله. وهي أيضاً ليست طويلة ( 107) أبيات تحفظها بسهولة. أَضِف إلى ذلك ترتيبه للمقدِّمة رتَّبها ترتيب رائع جِدّاً اِبتدأ فيها بالأشياء التّي ينبغي فعلاً أن تُقَدَّم، فبدأ بمخارج الحروف والصّفات، ومخارج الحُروف والصّفات من المباحث التّي ينبغي فعلاً على من يُدَّرس التَّجويد أن يبدأ بها.
المقدّم: كثير من النّاس لا يبدأون بها.
الضيف: نعم ، يبدأون بالنّون السّاكنة والتنوين، لأنّ يقولون المباحث الأخرى صعبة. ولذلك يبدأون بالنّون السّاكنة والتنوين وما يتعلّق بها، وعلى كل حال هذه مسألة إجرائية.كونك تبدأ بالمخارج والصّفات للكبار والصّغار.
لكن أنا شخصيّاً أُدَّرِس الطُّلاب الجامعة هذا الــمُقرّر، فأبدأ بالمخارج والصّفات فأجد لذلك أثر، لأنّك عندما تبدأ بالمخارج ثمّ تأتي بصفات الحروف تتحدَّث عن الحُروف بشكل مفرَد ، وهذا ينتفع بها كثيراً غير العَرب، لأنَّ في الحقيقة مخارج الحروف وصفاتها من المباحث التّي تشترك بين التّجويد وبين اللُّغة العربية نفسها ( الصَّوتيات).وحتّى في اللُّغة الإنجليزية يدرسون المخارج والصّفات على لغتّهم ( اللُّغة الإنجليزية، واللُّغة الفرنسية .. ) وغيرها، ولها معامل تُدرس بها. ولذلك تُلاحظ بعض غير العرب ينطق الحروف العربية بشكل غير صحيح فيقول ( الـــهمدلله ربِّ العالمين). طبعاً لا تستغرب هذا فأنت تُدَرِّس الطَّالب مخارج الحروف فتكتشف أنّ ( الهمزة، والهاء ، والحاء، والعين ، والخاء والغين) تخرج من الحلق. فهو ما زاد فقط على أن حصل له اضطراب في نفس المخرج فبدلاً من أن يقول الـــحمد) قال ( الــهمد) وبعضهم يقول ( الـــخمدُ. الرخــــمن الرخيم) وكذا، فهؤلاء أنت تقول لهم تعلَّم العربية ولا تقول لهم تعلًّم التّجويد. لأنَّك أنت ما زلت في المرحلة الأولى .
المقدّم: حتى بعض اللَّهجات العربية عندما ينطقون الثاء سين ( هما مخرج واحد)
الضيف: بالضَّبط، وهذا سبب بسيط، ولذلك أنا أشرح للطُّلاب المخارج والصِّفات، فعندما آتي للإدغام ، والإقلاب، والإظهار ، يعرف لماذا أُدغِم هنا ، ولماذا أُظهِر لأنَّ المسألة ترتبط بالصِّفات والمخارج، فابن الجزري بدأ بهذه الطَّريقة، طبعاً خُدِمت هذه المقدِّمة خدمات كثيرة جِدّاً ،وشُرِحت شروح كثيرة جِدّاً ، ومخطوطاتُها تزيد عن الثلائمائة مخطوطة، وشُرَّاحُها كثيرون، وشرحها في عهد المؤلِّف وبعده ، من ضمنها شرح لابن المؤلِّف له شرح مطبوع وموجود. من الشُّروح أيضاً بعنوان " الطِّرازات الــمُعلِمَة في شرح الــمُقدِّمة " لعبد الدائم الأزهري ، مُتَوَّفى سنة (870
بعده بسنوات قليلة، نعم وهذه من الشُّروح الجيّدة طُبع بتحقيق الدكتور/ نزار خورشيد عقراوي في دار عمَّار وهو من الشُّروح الجيّدة للمقدّمة وهي متوسطّة ليس بالطّويل.
المقدّم: لكن عفواً، قبل أن نتجاوزه ، هل يُعَد ابن الجزري من أوائل من ألَّف في علم التجويد؟
الضيف: لا طبعاً. وسوف نأتي إلى التّأليف في الفقرة القادمة.
الضيف: أيضاً من الشُّروح الممتازة للمقدَّمة الجزرية ، شرح المقدّمة الجزرية لِطـَاش كُبــريزاد المتوَّفى سنة ( 968). هذا شرح رائع جِدّاً. وحقَّقهُ الدُّكتور / محمد سيدي الأمين في الجامعة الإسلامية. وطبَعَه مُجمّع الملك فهد في هذه الطّبعة النّفيسة الجميلة جِدّاً ، اعتنى المؤلِّف بإعراب كُلِّ المنظومة، طبعاً مِيزة الإعراب: أنّه يُزيل أيّ شُبهة في القراءة الخاطئة للنَّص، ولذلك فأنت تفهمها فهماً صحيحاً ولا يـَحصُل لك أيّ التباس في معانيها،، وشرحها شرحاً رائعاً جِدّاً ومُتوَّسطاً أيضاً.
أيضاً من الشُّروح الــــمُوسَّعَة للمقدِّمة الجزرية ( الجَـواهِر الــمَضِية على المقدِّمة الجزرية) لِسَيف الدِّين ابن عطاء الله الفَضَالي الــمِصري، مُتَوَّفى سنة ( 1020) حقَّقته الأخت / عزّة بنت هاشم مــَعِيـــني . طبعته : مكتبة الرُّشد. أيضاً هذا من الشُّروح الواسعة فعلاً لهذه المنظومة المختصرة وهو رائع جِدّاً ، يعني استوعب كُلّ مسائل التّجويد التّي تتعلّق بهذه المقدِّمة وأنصح به.
من الشُّروح المتأخرة – والتّي أنا أعتبرها من أجود شُروح المقدِّمة الجزرية- شرح صديقنا الدَّكتور/ غانم قدُّوري الحمد بعنوان ( شرح المقدِّمة الجزرية) . وهو يقع تقريبا في ( 710) صفحات. مَطبوع طبعة راقية جِدّاً، طبعه الإخوان في مركز المعلومات والدِّراسات القرآنية في معهد الإمام الشَّاطبي في جِدَّة. واستوَعب فيه الدُّكتور غانم معظم الشُّروح السَّابقة لكنّه أضاف إليها شيئاً لم تتطَّرق إليه في معظمها وهو ما يتعلّق بربط التّجويد بالدِّراسات الصَّوتية المعاصرة . ولذلك قال تحته: يجمع بين التُّراثُ الصَّوتي العربي القديم والدَّرس الصَّوتي الحديث. فهذا الشَّرح الــمُوسَّع الحقيقة أنا أنصح طُلاَّب العلم بقراءته ، والاستفادة منه ، فهو رائع جِدّاً ، وهناك شرح مختصر من هذا الشّرح للدكتور / غانم قدُّوري أيضاً في جزء صغير وأنا أعتبره من أجود شروح المقدِّمة الجزرية
المقدّم: وكم ترك الأوّل للآخر.
الضيف: نعم هذا صحيح.
المقدّم: نحن الآن تكلَّمنا أيضاً دكتور عن هذه المنظومة بنوع من ذكر محاسنها وذكر شروحها، ولكن هل هناك بعض المآخذ ؟
الضيف: طبعاً أنتم ذكرتم في أَوَّل سُؤالكم :
والأخذ بالتّجويد حتمٌ لازمُ.... من لم يُجوّد القرآن آثِمُ..
لأنّه به الإلهُ أنزلا .. وهكذا منه إلينا وصلا..
طبعاً هو ذكر في بداية المقدِّمة حكم الالتزام بالتَّجويد و قال إنَّه لازم وحتمٌ، وطال الحديث في هذا الموضوع لكن الخُلاصة التّي نُريد أن نَصِل إليها: أنّه ينبغي على كُلِّ مسلم أن يعتني بتلاوة القرآن تلاوة صحيحة، ولا ينبغي على طلبة العلم أن يُهوِّنوا من شأن التّجويد. ويقولوا أنَّ فيه تَقَّعُر وأنَّ فيه تَنطُّع ، وأذكُر كان هناك بعض المؤلّفات التّي تدعو إلى عدم الأخذ بالتَّجويد. وأنَّ العُلماء الكِبار لم يكونوا يُجَوِّدُوا القرآن، لكن الحمدلله لم يُكتَب لهذه الــــمُحاولات النّجاح. فينبغي فعلاً إشاعة هذا الأمر. ثمَّ إنَّ الأمر في غاية السُّهولة- الحمدلله- ما هي إلاّ صدق العزيـــمة وتلَّقِي القُرآن الكريم عن الــمُقرئين الـــمُتقنين ، والاستعانة بالصَّوتيات الموجودة الآن، وأدوات التّقنية في محاولة ضبط التّلاوة وتصحيحها هذه هي الخُلاصة.
المقدّم: لكن نحتاج أن نقف عند هذا التّعليل : لأنّه به الإلهُ أنزلا .. وهكذا منه إلينا وصلا..
بعض النَّاس يقول لا، هذه الطَّريقة التّي يقرأ بها القُرَّاء الآن- وربَّما أشار إلى هذا الذَّهبي أيضاً من قبل - قد لا تكون هي القراءة التّي نقلت فعلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فهل زاد علماء التّجويد والقراءات شيئاً من عندهم؟
الضيف: طبعاً هذا الكلام غير صحيح، لأنَّ التّجويد بهذه الطَّريقة التِّي نقرأ بها اليوم هو مأخُوذ بالتّلقي. فالنّبي صلى الله عليه وسلّم أخذ القرآن الكريم من جبريل مشافهةً ولم يأخذه مكتُوباً . وكان يُدارِسه القرآن في كُلِّ سنة، والمدارسة كانت تشمل مدارسة ألفاظه، ومدارسة معانيه. ثمّ الصَّحابة أيضاً أخذوه عن النَّبي صلى الله عليه وسلّم بهذه الطِّريقة ولذلك النّبي صلى الله عليه وسلّم عندما قال للصَّحابة : من أراد أن يقرأ القرآن ، غضّاً كما أُنزِل فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد – أيّ عبدالله بن مسعود-. وأيضاً أُبيّ ابن كعب كان النّبي صلى الله عليه وسلّم يستمع إلى قراءته. ولذلك لما سُئِلَ ابن أُبيّ بن كعب قالوا له: هل أبوك كان يُدرِك ماذا كان يقصد النّبي صلى الله عليه وسلّم عندما يَعرِض القرآن عليه؟ فقال: نعم، حتّى يعلم النّاس أنّها سُنّة. -يعني يأخذها الآخر عن الأول- . ثُــمَّ التَّابــِعــُون أخذوه بهذه الطّريقة، أبو عبدالرَّحمن السُّلَمي عندما أرسله عثمان بن عفَّان مع المصحف الذِّي بُعِث إلى الكُوفة جَـلس أربعين سنة وهو يُعلِّم القرآن الكريم ، ماذا يُعلمّهم؟ يعلمّهم تلاوة القرآن الكريم ويُخرِّج والقُرَّاء والحُفَّاظ وهكذا إلى اليوم، التَّـهوين منه - أنا أعتبره- محاولات غير مُوَّفَقَة.
المقدِّم: لكن ما ذكره ابن الجزري صحيح في أنَّ العلماء تناقلوه بهذه الطَّريقة.
الضيف: نعم ، لأنّه به الإلهُ أنزلا .. وهكذا منه إلينا وصلا..
المقدِّم : بعض النَّاس قد يقول أيضاً أنَّ ضبط الغُنن مقداره حركتين، والمد مقداره أربع أو خمس أو ست.
الضيف: نعم ، هذه أشياء قد يقع فيها الاختلاف والاجتهاد مقادير المدود، والــغُنن وما يتعلّق بها، لكن هذه تكون من اللَّحن الخفّي، وهذه لا يُؤَاخَذ بها إلاَّ طلبة العلم المتخصَّصين ،أمّا سائر ذلك فلابد من إشاعته في النّاس.
المقدّم: يبقى سؤال أخير في هذه الفقرة وهو: قراءة القرآن في غير الصَّلاة، وفي غير مُدَارَسته، وفي غير تلاوته كأن يقرأه في درس، أُلاحِظ على الشيخ محمد الأمين الشَّنقيطي – رحمه الله - عندما أستمع أشرطته- عندما يقرأ الآية يقرأها بمدودها وبغُنَنَها، وبعض العُلماء في هذا الزّمن يفعلون هذا الأمر ثمّ يشرحُونها، فهل أيضاً قراءة القرآن عندما يقرأها الإنسان في خُطبة ،أو في موعظة ،أو إرادة تفسير، أو شرح ، أن يُحاول أن يُـــميِّـــز بين القرآن وبين غيره في القراءة؟
الضيف: والله هذه الحقيقة لا أرى أن نقول فيها يجب أو لا يجب، هذه مسألة من المباح من تَلاها تلاوة كالقرآن فليس في ذلك شيء ، ومن قرأها قراءة عادِّية فهذا جائز.
المقدّم: بارك الله فيكم فضيلة الشيخ.
نهاية فقرة في الميزان
 
نادي القُرَّاء ( مستشاركم الثّقافي عن الكتاب نتحاور)
المقدّم: نادي القُرّاء – فضيلة الشيخ- اليوم هو امتداد الحقيقة لفقرة في الميزان، نحن سنتكلَّم في نادي القُرّاء عن التآليف في علم التَّجويد، ومتى بدأ التّأليف،ومنهج القراءة في علم التّجويد، بعض النّاس رُبَّــما لا يخطُر في باله أنّه في التّجويد مُؤَّلفات كثيرة، بعضهم عندما أشار إلى الكتب يستغرب أنّ هناك مؤلّفات أخرى، وأنتم ذكرتم أنَّ عندكم كتب أخرى أيضاً لم تأتوا بها ، لو أخذنا مجمل عن متى بدا التأليف في علم التّجويد؟
الضيف: طبعاً كما تفضَّلت – كتُب التّجويد كثيرة جِدّاً- وأنا الحقيقة اُبتُلِيت بأننّي أشتري كُلّ ما أراه من كُتُب التّجويد لأنّي أُدِّرس هذا الــمُقرّر، فالحقيقة اكتشفت أنّ المسألة أصبحت كُلّ معلّم حلقة يُصَّنف كتاب في التّجويد – لكَ أن تتصوّر هذا-
أوَّل الــمُؤلَّفات التّي حُفِظت لنا في علم التَّجويد هي قصيدة عدد أبياتها ( 51) بيت، يُسمُّونها القصيدة الخَاقانية لأبي مُزاحِم الخاقاني -رحمه الله- المتُوَّفى سنة تقريباً ( 325) ومولود سنة ( 248) ، له قصيدة رائية يقول:
إنّي نظمتُ في علم الأداء قصيدةً .
وذكر فيها بعض أحكام التَّجويد -ليست شاملة طبعاً- أشبه ما تكون بالمنظومة البيقونية في علم الحديث ، يعني فيها إشارات إلى أحكام التّجويد، ولكن تُعتبَر هي أوَّل مُصَنَّف في علم التّجويد. وقبل ذلك كانت مباحث علم التّجويد مُفَرَّقة في كُتُب اللُّغة، وفي كُتُب القراءات، مثل كتاب " القراءات" لأبي عُبيد القاسم بن سلاّم، ومثل كتاب " المقدّمة " للخليل بن أحمد الفراهيدي، تكلَّم عن مخارج الحروف وهذا من مباحث علم التَّجويد طبعاً، ثمّ تحدَّث تلميذه سيبويه في كتابه ( الكتاب) تحدَّث عن مخارج الحروف، وتحدَّث في باب الإدغام عن الإدغام وما يتعلّق به وعن الصّفات.
المقدّم: كلمة التَّجويد- أبا عبدالله – متى عُرِفت ؟
الضيف: هذه لــم تُعرَف إلاّ في الحقيقة في القَرن الرّابع، في كتاب أبي عَمر الدّاني، وبعد قصيدة الخاقاني وقد حقَّقها الدُّكتور / غانم قَدُّوري الحمد قديماً، وحقَّقها الدُّكتور/ عبدالعزيز قاري أيضاً عام ( 1400) تقريياً هجرياً . وهي مطبوعة في المكتبات.
أيضاً من الكُتُب القديمة : كتاب لأبي الحسن عليّ بن جعفر السَّعيدي بعنوان ( التَّـنبيه على اللَّحن الخَفِي واللّحن الجَلِي) والسَّعيدي تُوفي سنة ( 410) وهذا من عُلماء المشرق وهي رسالة مختصرة – لكن الحقيقة- تتحدَّث عن اللَّحن الخَفيّ، واللَّحن الجَليّ بشكل جميل تدل على أنّه كانت المسألة واضحة في ذهنه.
ثمّ جاء كتاب (الرِّعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التّلاوة) ) لمكيّ ابن أبي طالب القَيسي – رحمه الله- وهو من عُلماء الأندلس الكِبار، ألّفه ( 420) هجرِّياً. تُوفِّي ( 437) هِجريّة – وهذا الكِتاب من أجود وأثـمن الكُتُب المتَّقدِّمة- تحدَّث فيه عن مخارج الحروف بالتَّفصيل، وتحدَّث فيه عن صفات الحُروف بالتّفصيل، تحدَّث فيه عن أحكام النُّون السَّاكنة والتنوين. ويقول: أننِّي بدأتُ في فكرة تأليف يجمع أحكام أداء القرآن الكريم وتلاوته منذ عام 390 هجرياً ، قال: ثمّ لم أجِد أحداً سبقني إلى هذا فما اتَّضحت الرُؤية . لم تتضِّح في ذهنه فتركه ما يُقارِب الثلاثين سنة ما كَتَب فيه شيئاً، ثمّ بعد ثلاثين سنة بدأ في إكمال الكتاب لعلَّـه عندما رجع إلى قُرطبة، ولذلك أنت لا تستطيع أن تُحدِّد من هو الذِّي سبق، هل هُوَ مَكيِّ بن أبي طالب في كتابه (الرِّعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التّلاوة) طبعاً هذا طُبِع 1391) بتحقيق الدُّكتور:أحمد حسن فرحات، هذه الكُتُب التّي أعرضها من أثـمن كُتُب التّجويد، لذلك أتمنى من الإخوان الذّي ليس لديه هذه الكُتُب أن يشتريه.
وهُنا كتاب معاصر له وهو: كتاب لأبي عَمر الدَّاني ، وطبعاً أبي عَمر الدّاني أشهر من مكيّ بن أبي طالب صاحب كتاب ( التَّيسير في القراءات السَّبع) ، وصاحِب كتاب ( جامع البيان في القراءات ) . وله هذا الكتاب
المقدّم: وصاحب كتاب الــمُقنِع أظنّه طُبع.
الضيف: نعم ، أحسنت. وصاحب هذا الكتاب (التّحديد في الإتقان والتّجويد) أيضاً موجود كلمة التَّجويد في عنوان الكتاب كما هو موجود في كتاب (الرِّعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التّلاوة). توفيّ الدّاني ( 444). طبعاً أيضاً الكتاب حُقِّق عن طريق الدُّكتور / غانم قَدُّوري الحمد، وطُبع في دار عمَّار. وبالمناسبة الدُّكتور/ غانم قَدُّوري الحَمَد له فضل الحقيقة على طلبة العلم لأنّه أخرج لهم هذه الكُتب القديمة في علم التَّجويد، وكانت الحقيقة مخطوطة معظمها.
المقدِّم: جزاه الله خيراً
الضيف: كتاب (التَّحديد في الإتقان والتّجويد) لأبي عَمر الدّاني مع كِتاب (الرِّعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التّلاوة) هذا الكتابان الحقيقة عُمدة من عُمَد كُتُب التَّجويد، استوعَبا الحديث عن مخارج الحروف، وبالمناسبة – كُنّا قبل قليل كُنّا نتحدّث عن منظومة ابن الجزري وهو مشهور بقوله في منظومته:
وليس بينه وبين تَركه... إلاّ رياضة امرئٍ بِفَكِّهِ
يتحدَّث عن علم التَّجويد، الشيخ الدّاني – رحمه الله- في كتابه هذا يتحدَّث بنفس العِبارة، ولذلك أنا أقول أنَّ نفس العِبارة الذِّي استخدمها ابن الجزري أخذها من كلام الدَّاني في كتابه (التَّحديد في الإتقان والتّجويد)
المقدّم: هُو الحقيقة الكُتُب مهمِّة لكن يظهر الكُتُب لا تُعلِّم الإنسان حقيقة كيف يُؤدِّي التّجويد، وبهذا ممكن نأخُذ رأي الشِّيخ ضيف الله الشمراني، وهو مختَّص بهذا الجانب
الشيخ ضيف الله الشمراني - السّلام عليكم-
مداخلة الشيخ: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
المقدّم : مساء الخير، نسأل الله عزَّوجل التّوفيق للجميع ، يبدو أنَّ كُتُب التَّجويد فيما ذكر الدُّكتور عبدالرّحمن لو قرأها إنسان لمدَّة عشر سنوات فإنّه لا يُمكن أن يَكُونَ مُجوَّداً. هل هذا صحيح يا دكتور ضيف الله؟
مداخلة الشيخ : أوّلاً أُحييك، وأحيي شيخنا الفاضل/ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشّهري
المقدِّم والشيخ: حيَّاك الله.
مداخلة الشيخ: حفظكم الله ، وبارك فيكم، وأشكركم على برنامجكم
المقدِّم: يارب الله فيك
مداخلة الشيخ: بالنّسبة لــِما سألتم - حفظكم الله – بخصوص ما ذكر الدُّكتور عبدالرّحمن على أن الإنسان إذا قرأ في كتب التّجويد عشر سنوات، أقول بل ولا عشرين سنة فلن يفَقَهَ مسائل التَّجويد، وعِلم الأداء لأنَّ هذا الفَنّ لابُدَّ فيه من التَّلَقِي، أقول – حفظكم الله- إنَّ الأصل في طلب العلم أن يكون بطريق التَّلقين والتَّلقي عن الشُّيوخ وثني الــرُّكَب بين أيديهم، ومُلازمة دُرُوسِهم وحِلَقهم إذِ الشَّأن كما قيل: من دَخَلَ العِلم وحده خرج وحده، وَأَولى العلوم بالتَّنبيه في طلبها على وجه التّلقي : علم قراءة القُرآن الكريم وتجويده. فقد تواتَر عند أهل الفَنّ أنَّ القِراءة سُنَّة مُتَّبَعة يأخُذها الآخر عن الأوّل. ونُقِلَ عن بعض السَّلف قولهم: اقرأوا كما عُلِّمتم.
وترجِع أهميّة التّلقي في هذا العلم بالذَّات في أمورٍ أبرزها ما يلي:
أوَّلاً: أنَّه من العُلُوم المنقولة بالتَّلَقِّي جيلاً عن جيل نقلاً متوتراً، فجبريل عليه السَّلام تلَّقاه عن الله جلّ وعلا، ومحمّد صلى الله عليه السّلام تلقّاه عن جبريل الأمين عليه السَّلام، وكان يُدارسه القرآن الكريم في كُلِّ عام، وفي عامه الأخير مرّتين، والصَّحابة رضوان الله عليهم تلَّقَوهُ عن النّبي صلى الله عليه وسلّم وهكذا إلى أن وصل إلينا محفُوظَ الأداء كما حُفِظت ألفاظه ومعانيه.
ثانياً : أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلّم كان يُوجِّه عامّة الصَّحابة رضوان الله عليهم لأخذ القراءة وتلقِّيها عن المتقنين منهم كقوله صلى الله عليه وسلم : خُذُوا القرآن من أربَعة: من عبدالله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأُبيّ بن كعب.
ثالثاً: أنَّ في هذا العِلم مسائلَ كثيرة لا تُحكَم ولا تُضبَط إلاَّ بالمشافهة، كتحقيقِ مخارج الحُرُوف وصِفاتها اللاّزمة والعارِضة، وأحكام النُّون السَّاكنة والتنوين، والميم السّاَكنة، والرَّوم الإشمام والاختلاس، ومقادير المدود والإمالات، وكذا مراتب القراءة من تحقيق وتدوير وَحَدر. وما إلى ذلك من مسائل.
رابعاً: أنَّ الكتُب – كما تعلمون – تحوي الغَثّ والسَّمين. والصَّواب والخطأ.
أقول -حفظكم الله- وهذا الكلام الآنِفُ الذِّكر لا يعني التَّقليل من التَّجويد النَّظِريِّ بحال، فإنَّهُ لابُدَّ لطالب هذا الفَنّ المتُخصِّص فيه من القراءة في كُتُبه الـــمُتَّقدِّمة، والمتأخِّرة ، والمعاصرة لفظاً ونثراً، مع العِناية بعلم الأصوات والاستفادة منه في تحرير مسائل هذا العلم، وتحقيق القول فيها.
وأُشيرُ هنا: إلى مُساهمة أستاذنا الكبير الدًّكتور/ غانم قدُّوري الحمد – حفظه الله ورعاه- في التَّقريب بين الــمُجَوِّدين والصَّوتيين في تصانيفه النَّفيسة، ومن أبرزها: ( الشَّرح الكبير لــِمُقدِّمة ابن الجَزَريّ) والذِّي لا يستغني عنه مُتَخصِّص، فقد حقَّق فيه ودَقَّق، واستبطَن فيه عُمَدَ شُرُوح الجزرية بسبكٍ فريد وقالب عجيب.فجزاهُ الله خيراً.
ثمّ أنَّي أَوَّدُ الإشارة في حديثي عن أهمية التَّلَقيّ إلى شُرُوط من يُتلَقَّى عنه فقسَّمتها إلى قسمين - باختصار-
القسم الأوّل : ( الشُّروط الواجبة وهي كما يلي)
أوّلاً: الدِّيانة، والورَع ، ومخافة الله وتعالى.
ثانياً: أن يكون ضابطاً مُتقِناً للرِّواية التِّي يُقرِأ بها.
ثالثاً: أن يكون مُجازاً من شيخٍ متقن صحيح السَّند.
رابعاً: أن يكون مُتيَقِّظاً أثناء القراءة، بحيث يَرُدّ على الطَّالب خطأَهُ من غير تساهُل أو تفريط.
خامساً: ان يكون ذا حظٍّ من الدِّراية بحيث يُبيِّن للطّالب ما يُشكِل عليه من أحكام .
سادساً: أن يكون عارفاً بالوقف والابتداء.
سابعاً: أن يكون عارفاً بما يحتاج إليه من رسم المصحف.
ثامناً: ان يكون عارفاً بعلم عدِّ الآي، أو بما يحتاج إليه في الرواية التِّي يُقرِأ بها.
تاسعاً: أن يكون عنده أساسيات في عدد من العلوم: كالاعتقاد، والفقه ، والأُصول، والعربيّة.
القسم الثاني( وأمّا الشُّروط الــمُكمّلة) فهو:
عُلُّو السَّند
وأن يكُون المقرئ عالماً بالقراءات.
وأن يكون لديه ممارسة طويلة في التّعليم والإقراء,
قال الــمَرعشيّ – رحمه الله – (في جُهد الــمُقِلّ): ويتوقّف الكمال فيه- أيّ في تحصيل علم التَّجويد- على معرفة ثلاثة فنون: علم القراءات، علم رسم المصاحف، وعلم الوقف والابتداء
وهذا الكمال الذِّي ذكره الإمام المرعشي – رحمه الله تعالى – يشملُ الكمال الواجب، والكمال الــمُستَّحق.
المقدِّم: بارك الله فيكم فضيلة الشيخ/ ضيف الله الشمراني عضو هيئة التّدريس بالجامعة الإسلامية .وشكر الله لك.
 
المقدِّم : أريد فقط فضيلة الشيخ أن أُعلِّق على مسألة الإشمام، ذكر أحد المشايخ أنّ شيخهم كان يُدَّرسهم القرآن في الرِّياض وكان كفيفاً ، ومرَّت عليه هذه المسألة ولم يعلمها ولم يتصَّوَرها ، فمن حرصه رحمه الله قال لأحد طُلاَّبه : امسك شفتي وضُمّها، حتّى أعرف كيف أدائها. من حرصه على تطبيق هذا الشَّيء الذِّي لا يُعرَف إلا بالمشاهدة.
الضَّيف: صدقت، صحيح .طبعاً بعض القُرّاء - عفواً يا شيخ- الكفيف البصر إذا صار يُقرِأ الطَّالب يستعين ببعض طُلاَّبه المتقنين، في التَّأكُد من أنّ التلميذ يُطبِّق الإشمام بشكل صحيح، لأنَّه لا يُمكن أن يُدرِكه الكفيف.​
المقدِّم: طبعاً هذا ممّا شُغِل بها على الــمُجَوِّدين، وهنا فائدة الإشمام في هذه الحالة في سورة يوسف في حفص وفي غيره (تأمنّا .. تأمننا) القراءة واحدة. لكن فقط ضَمّ الشَّفتين.​
الضيف: الحقيقة هذه من دقائق علم اللُّغة الجميلة التّي تدُل على عناية العُلماء باللُّغة ، لكن طبعاً الذِّي ينظُر إليها الآن نظرة سريعة يقول ليس لها داعي، لكن في الحقيقة بالعكس تدُل على العناية باللُّغة، لكن بغضّ النّظر عن مثل هذه الدَّقائق التّي قد تخفى على الكفيف، لكن - لعلمك- من أفضل النَّاس إقراءً، وأكثر النّاس صبراً في الإقراء، وجلوساً له، واحتساباً فيه،هُم القُرَّاء الذِّين فقدوا نعمة البصر، فلا تستغرب من هذا.​
المقدِّم: وذكر الحقيقة الشِّيخ ضيف الله قضية معرفة المقرئ ببعض الأمور ذكر منها: الوقف، والابتداء.​
الضَّيف: طبعاً الشيخ ضيف الله – جزاه الله خير – ذكر شروط جميلة وأضاف أن يكون مُجازاً إجازةً صحيحة، طبعاً هو يحتاط لِبعض الخَلل الذِّي دخَل في مسألة الإقراء، بعضهم يُقرء بأسانيد لاندري من أين أتى بها. فجزاه الله خيراً.​
المقدّم: لكن أهمية أن يكون الــمُقرء أيضاً عالماً بالتّفسير، عالماً بمواطن الوقف والابتداء، علم عدِّ الآي -الآن- أظُن كثير من النّاس بعيدون عنه فضلاً عن رسم المصاحف، كثير من الحفظة المتقنين لا يعرف الفرق بين الألفاظ .( نعمت- رحمة) هل هي التّاء المفتوحة، أم مربوطة، هل هذا مهم الآن فضيلة الشِّيخ؟
الضيف : والله الحقيقة يا شيخ إبراهيم لابد من العناية بالعلم، وبثّ العلم، وتعويد الطُّلاب عليه خاصَّة نحن عندنا في المشرق خلل الحقيقة في تدريس رسم المصحف، وتدريس الطُّلاب عليه.وهناك مشروعات الآن جميلة تُحاول أنّها تُبَّسِط رسم المصحف وتُدَّرب الطُّلاب على معرفة الفَرق بين التَّاء المفتوحة، والتَّاء المربوطة، متى تُكتب تاء مفتوحة وتاء مربوطة في القرآن الكريم، لأنَّ رسم المصحف رسم مختلف عن الرَّسم الإملائي الذِّي تعوَّدنا عليه فينبغي الحقيقة أن نُشيع هذا العلم، وننشره ونُقرِّبه للطُلاّب الصِّغار حتّى يتعوَّدوا على رسم المصحف. لذلك النّاس في المغرب خيرٌ منَّا، فإنّهُم يدرُسُون رسم المصحف، ويكتُبون ختمةً كاملة بأيديهم، يتدَّربُون على ظواهر الرَّسم العثماني وكيفية كتابتها.​
المقدِّم: كتابة المصحف – بغير الرَّسم العثماني- هذا أجمع العلماء على منعها​
الضيف: طبعاً كتابة المصحف – كاملاً- الصّحيح أنّه يُمنع منه.​
المقدِّم : نحن وقفنا عند أربع كتُب فقط​
الضيف: نستعرض بقيّة الكتُب، كتاب ( التَّحديد في الإتقان والتَّجويد) لأبي عَمر الدَّاني ، وكتاب ( الرِّعاية ) لمكيّ بن أبي طالب كتابان لا يستغني عنهما دارس التّجويد وينبغي عليه أن يعتني بها. يأتي بعدها كتاب اسمه ( الــمُوضِح في التَّجويد) لعبد الوَّهاب القُرطبي الــمُتوَّفى سنة (461). هذا الكتاب رائع جِدّاً اعتنى كثيراً بالحديث عن مخارج الحروف والصِّفات، رتَّب أبواب علم التَّجويد ترتيباً رائعاً جِدّاً على حسب مراعاة الصَّوتيات، وقدَّم بين يدي الكتاب بحديث عن اللُّغة، وعن اللَّحن الخَفيّ واللَّحن الجَليّ، ومتى بدأ يدخُل اللَّحن على ألسنة العرب – دخول الأعاجم على العرب- تحدَّث عنه، وهذا يدُلُّك على أنَّ علم التَّجويد في الحقيقة مُرتبط باللُّغة أيضاً، عندما تُريد أنَّك تُعلِّم طالب لغة عربية وهو لا يُتقِن العربيّة فأنتَ في الحقيقة ينبغي أن تبدأ معه بالمخارج والصِّفات، وأنا أُجَرِّب هذا مع الطُّلاب غير العرب الذِّين يَدرُسُون عندي أجدهم يستفيدون فائدة عظيمة عندما يدرسون مخارج الحروف والصِّفات في لُغتِّهم قبل أن يكون ذلك في تجويد القرآن الكريم.
المقدِّم: لكن للأسف أبناء المسلمين والعرب خصوصاً عندهم تهاون كبير في هذا الجانب​
الضيف : هذا تقصير من المعلمين يا شيخ إبراهيم، عندما يُهوِّن بعض العُلماء أو طلبة العلم من التّجويد بحُجَّة أنّه تنطُّع أو تكَلُّف، يأتيك مثل هذه الثِّمار الــمُرَّة عندما يتهاوُن النّاس في القراءة. لكن عندما يُشاع في النّاس - كما هو الحال اليوم الحمدلله- يُصبح النّاس يُجوِّدون، أبنائنا الصِّغار، ونسائنا، وبناتنا يُجوِّدون .فانتشر هذا العلم ولله الحمد​
المقدِّم: هل هناك حوادث معينة اقترنت ببدأ اللَّحن لا سيما في القرآن الكريم؟​
الضيف : طبعاً اللَّحن بدأ قديماً الحقيقة، منذ الصَّدر الأوَّل من أيام عليّ بن أبي طالب، من أيام أبو الأسود الدُّؤلي، ومن أيّام الحجّاج، الحجَّاج نفسه عندما قال ليحيى بن يَعمُر هل تراني ألحن يا يحيى في اللّغة ؟ قال : نعم ، قال: في ماذا؟، قال: في القرآن، قال: هذا أشدّ!. ثمّ تلا عليه قول الله ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وأزواجُكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها أحبَّ إليكم من الله ورسوله ....) الآية. فقال : أنت تقول أحبُّ إليكم. فقال: إذاً، لا جَرَمَ أنّك لا تسمع منّي لحناً بعد اليوم. وطرَده وأخرجه من العراق ونفاه إلى خُراسان أو إلى بلاد ما وراء النّهر، فالشَّاهد أنَّ اللّحن قديم، وبدأ يشيع في ألسنة النّاس لــمّا خالطهم غير العرب هذا شيء طبيعيّ، فبدأ العلماء يحتاطوا لذلك، بوضع كتُب اللَّغة وكتُب النّحو.​
المقدّم: يقولون أنَّ الوليد على منبر المدينة قال: ياليتها كانتُ القاضية، فكان عمر بن العزيز يسمع فقال : ياليتها كانت عليك. لــمَّا رآه لحن، وهذا مستغرب من شخص يعيش مع أناس أصحاب فصاحة وبلاغة، ومع ذلك يلحن..​
الضَّيف: أحياناً عندنا إشكالية يا شيخ إبراهيم نظُنّ أنّ النّاس قديماً كانوا يتحدَّثُون العربية الفُصحى كما هي موجودة في الكتُب، وهذا ترى غير صحيح، النَّاس في الصَّدر الأوَّل كانوا يتحدَّثُون باللُّغة، ويتحدّثون على السَليقة فرُبَّـما أنّهم يتهاوُنُون ما دام أنَّ الأمر واضحاً ، ولذلك يذكرون عن بعض أئمة اللُّغة الكِبار أنّهم كان لا يحرصِون ويتَكَلَّفُون الإعراب في كَلامهم، كالإمام ثعلب وغيره من الأئمة .​
المقدِّم: بعضهُم يقول اللَّحن عند الخَاصّة كالتَّفاصُح عند العَامّة.​
الضَّيف: نعم، ولذلك حتى اليوم لو أردت أنّك تتحدَّث بالعربيّة الفُصحى ولا تلحن وتتفَيقَه في هذا، النّاس يملُّونك حتى في البرامج الحِوارية، يعني يُخفِّفها الواحد قليلاً، بحيث تكون لغتك لغة مفهومة لكنَّك لا تتقعَّر حتّى لا يملّك النّاس.​
أيضاً من الكُتُب الثّمينة في معرفة التَّجويد:(التّمهيد في معرفة التَّجويد) لأبي العَلاء أحمد بن الهمذاني العطّار. هذا كتاب ثمين جِدّاً، أخرج فيه عدد من الرِّوايات التّي تتحدَّث عن أهمية الإعراب، واللُّغة،ورواها بإسناده أخرج فيه ما يُقارب (560) أَثَر بإسناده، تحدَّث فيه عن التَّغني،وتحدَّث فيه عن ثواب التّرتيل، وأهمية التّرتيل، وماله من الكرامة، وماله من الثَّواب، ثمّ تحدَّث بعد ذلك عن أحكام التَّجويد وعن بعض المخارج وكيفية التَّلَفُظ، وذكر بعض الكلمات التّي يقع اللَّحن فيها كثيراً عند القُرَّاء فهُو كتاب ثمين، تُوفِّي الهمذاني سنة (569) وهُو من القُرَّاء الكِبار جِدّاً. طبعاً هناك كُتُب كثيرة جِدّاً لكن منها ابن الجزري، ابن الجزري يُعتبر مَعلَم من معالم القِراءات والتَّجويد له كُتُب كثيرة، صنَّف كتاب اسمه ( التَّمهيد في علم التّجويد) حقّقه البَّوَاب وأيضاً الدكتور / غانم قَدُّوري، واستفاد في منظومته الجزرية من هذا الكِتاب (التَّمهيد في علم التّجويد) يستفيد من يُريد أنّه يستشرح الجزرية من قراءة كتاب التَّمهيد له.
ننتقل للعصر الحديث: هُناك كتاب اسمه ( نهاية القول المفيد في علم تجويد القرآن المجيد) للشِّيخ/ محمد مكيّ نصر، وهذا كتاب ثمين جِدّاً فِعلاً، وأنصح به - الإخوة- طلبة العلم ، وإن كان للأَسف لم يُطبَع طبعة جيّدة - إلى الآن طبعاته كُلّها ضعيفة. لكنّه كتاب مليء بالتّفاصيل العلمية المهمّة التّي يحتاجها قارئ القرآن الكريم.
أيضاً كِتاب من الكُتُب الموسوعية وهو كتاب ( هدايةُ القاري إلى تجويد كلام الباري) للدُّكتور/ عبدالفتّاح السيِّد.أنا أعتبره من أوسع كُتُب التّجويد المعاصرة ،طبعاً أوّلاً: لعلمه ولجلالته وهُوَ من أئمة القُرَّاء المتأخرين- رحمه الله- وكان يُدَّرس في الجامعة الإسلامية في المدينة، وطُلاَّبُه ما زالوا إلى الآن موجودين، استَوعب في كتابه هذا وأَطال فيه وأتى على مُعظم مسائل التَّجويد، فلا تكاد تسأل سؤال في التَّجويد وتفاصيله إلا وتجده في كتاب ( هداية القاري) ، فأنا أنصح به الباحثين.
هناك كتاب آخر صَدَر عن مُجمَّع الملك فهد أيضاً مُؤَّخَراً – وأنا أنصح به كثيراً – كتاب اسمه ( التَّجويد الــمُيَّسَر).
المقدِّم : كالتَّفسير الــمُيَّسر .​
الضيف: التَّجويد الــمُيِّسر كتاب أشرف عليه الشيخ/ علي بن عبدالرَّحمن الحُذيفي، وصنَّفه :​
الشِّيخ / عبدالرَّافع رضوان
الشِّيخ/ محمد عمر حَوِيَّة .
الشِّيخ/ حازم حيدر
الشِّيخ/ محمد سِيدي الأمين
هذا كتاب ثمين جِدّاً، يعني استَوعَبُوا فيه بشكل مُيَّسر أهم مسائل علم التَّجويد، يشرحُونها بشكل مُبَسَّط ومُختصَر ومُرَّكَز ومُراجَع.قام عليه هؤلاء الجهابذة. ثُمَّ في كُلّ باب يذكُرون منظومة تَنظُم هذه الأبيات إمّا أبيات ابن الجزري، وإمّا أبيات السَّمَنُّودِي أو غيره من علماء التّجويد المميِّزين.
أختم بكتاب – ولا أريد أن أُغفِله- وهو كتاب ( سُنَن القُرَّاء ومناهج الــمُجَوِّدين) هذا الكتاب أنا أُكثِر القراءة فيه وأنصَح به كثيراً، وهو لشيخنا الدُّكتور : عبدالعزيز عبدالفتَّاح القَاري. كتاب رائع جِدّاً، نحن نتحدَّث هنا عن أحكام التِّلاوة، والإدغام، والإظهار، والإقلاب. هُنا يتحدَّث عن السُّنَن التِّي ينبغي على الــمُجَوِّد أن يعتني بها من اتَّباع السُّنة، وعدم التَّكَلُف، وعدم التَّنطُع، وفي كم يُــختَم القُرآن الكريم، وكيف يُقرَأ. لأَنَّ الحقيقة نحن نتحدَّث بين إفراط وتفريط أحياناً، إمَّا بعضُنا يقول التَّجويد هذا ما له داعي، وبعضنا يجعله من أشَقّ ما يكون حتى أنَّ الحرف لا يخرج بين يديه إلا بِطُلُوع الرُّوح. الشِّيخ ذَكَر في هذا الكِتاب أنَّ المسألة وسطٌ بين الأمرين، وأنَّه ينبغي فِعلاً أنَّك تُحبِّب إلى النَّاس علم التَّجويد وتُرَّغِبهُم فيه. هذا ما أردت أن أختِم به.
المقدِّم: أليس له شيءٌ قَريب من هذا في التِّبيان في آداب حملة القُرآن؟​
الضيف: بلى، لكن طبعاً هي آداب عامَّة في التّعامل، لكن سُنن القُرَّاء استوعبها -جزاهُ الله خيراً-​
المقدم: كتبت هنا نقطة في أثناء كلام الشِّيخ ضيف الله الشمراني لــمَّا قال : هذا الإسناد العظيم ...، أذكر كلمة للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله- لـمّا تكلَّم عن القرآن قال: وقد جاءنا بأعلى إسناد عرفته الدنيا الرسول صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه الصّلاة والسّلام عن ربّ العزّة تبارك وتعالى، فلا عجب أن يهتّم النَّاس بالإسناد في تلاوة القرآن. نشكر لكم فضيلة الشيخ في ختام هذه الفقرة وننتقل للفقرة التّالية.
ثمرات الأوراق ( شوارد الفوائد ونوادر الفَرائد المخبوءة بين بطون الكتب في غير مظانّها)
المقدِّم: طبعاً وبعد طلبات بعض الأُخوة ألاَّ تكون الفوائد فوائد عادّية، غيّرنا بعض الأشياء حتى تكون الفَقرة عبارة فوائد في غير مظانها ونحن استعرضنا في هذا البرنامج كثيراً حتى أنّه بعض الضيوف سابقاً قد جاء بكتب في التّاريخ، وفي اللُّغة، وفي الأدب، واستخرج منها فوائد في تخصّصه هو، فأحياناً حتى المتخصص في فَنّ معين يجد فوائد في تخصصه في فنون أخرى. وهذه هي فائدة التَّقييد أثناء القراءة كم يـمُر على الإنسان فوائد فلا يُقيّدها فتذهب عليه أدراج الرياح. فهل يمكن أن نأخذ فضيلة الشيخ شيئاً من هذه الفوائد ؟​
الضيف: نعم ، الحقيقة الفوائد من هذا النُّوع كثيرة، ابن جرير الطبري -رحمه الله- كان له اختيار في القراءة، وجدت مرّة في كتاب ( غاية النِّهاية) في غير ترجمة ابن جرير الطَّبري، ولكن في ترجمة أحمد بن عبدالله بن الحسين بن إسماعيل الجُــبني الــمُتوفّى سنة 381 ، فذكر في ترجمته قرأ على محمد بن جرير الطبري الإمام باختياره سنة 308 ، ابن جرير تُوفّي سنة 310 ، يعني قبل وفاته بسنتين قرأ عليه أحمد بن عبدالله باختيار ابن جرير نفسه. ابن جرير كان له قراءة يقرأ بها، لا يقرأ برواية حفص، أو حمزة ...، ولكن باختيار هو يراه وكان يُقرأ به إلى نهاية حياته.
المقدّم: أين ذهب هذا الاختيار؟​
الضيف: والله طبعاً، للأسف أنت الآن عندما تقرأ في تفسير ابن جرير الطَّبري تجد أنَّ الآيات التّي في التَّفسير كُتِبت برواية حفص، مع أنَّ الدكتور/ مساعد الطيّار اكتشَفَ يوماً أنّ ابن جرير الطبري لم تبلُغه رواية حفص عن عاصم، لأنَّه يقول في موضع مثلاً في قوله تعالى:(كلاّ إنّها لظى.نزَّاعةً للشَّوى) قال: ولو قرأ أحدٌ بالنَّصب لكان ذلك صحيح لغةً. لكنّه لم يقرأ احدٌ بالنَّصب مع أنّه هذه رواية حفص - من مفردات حفص- فلمَّا تتبَّع بقيِّة مفردات حفص وجد أنّه لا يتعرّض لها ابن جرير الطَّبري .​
المقدّم: هل كان يقرأ بقراءة أخرى، أم باختياره أيضاً؟​
الضيف: هذا المفترض، المفترض أنّهم أثبتوها بالاختيار الموجود​
المقدّم: هذا إشكال.​
الضيف: نعم لا شك هذا إشكال، صدقت. فهذه من الفوائد التّي فرحتُ بها في ترجمته​
المقدّم: كلمة " باختياره" هذه ، من لا يفهمها قد يقع في حرج​
الضيف: العلماء الكِبار المتقدِّمون مثل ابن جرير، ومجاهد، كانوا يتخيُّرون من القراءات الصحيحة المروية عن النّبي صلى الله عليه وسلّم، ليس برأيه وإنِّـما يتخيّر من قراءات الأئمة الصحيحة فيختار ما أجمع عليه القُرَّاء يأخُذ به فتكون قراءةً له. ويُسَّمونه اختياراً وَهَذه مسألة الحديثُ فيها ذو شُجُون.​
فائدة أخرى:
الضيف: أيضاً من الفوائد التّي لا يُمكن أن أنساها الحقيقة. مرّة من المرات كنت أكتب في الماجستير رسالة بعنوان "ابن فارس الرازي وجهوده في التّفسير وعلوم القرآن" وله كتاب في التَّفسير مفقود واسمه " جامع التَّاويل في تفسير القرآن" فكنت أبحث عن هذا الكتاب وأحاول أن أجد له أثر في كُتُب التّراجم ما وجدت له أثر. وفي يوم من الأيام وأنا أقرأ في كتاب من كتب التّاريخ واسمه " التــَّدوين في أخبار قــزوين" للرَّافعي، فوجدت في ترجمة الغضبان تلميذ ابن فارس يقول: وَرَدَ قزوين،وسُمِعَ منه جامعُ التَّأويل لأحمد بن فارس بها في الجامع سنة ثمان عشرة وأربعمائة بسماعه من أحمد ابن فارس . "وفي جامع التأويل" – ثم ذكر: ونقل نقولات عن جامع التَّأويل هذه- قال: وفي جَامع التأويل حدَّثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم القطّان حدّثنا أبو يعقوب إسحاق بن أحمد بن مِهران الرّازي إلى أن قال عن الرَّبيع بن أنس في قوله تعالى ( يوم نحشُرُ المتّقين إلى الرَّحمن وفداً) يُعطَون،ويُحيَّونَ،ويُكرَمُونَ،ويُشَّفَعُونَ وفيهم سلمان رضي الله عنه. فطبعاً أنا فرحت بهذه النُّقولات من "جامع التأويل" لأنّي ما وجدت لها أي أثر إلاّ في هذا الكتاب الذّي في التّاريخ​
المقدّم: وهذا شيء عجيب، أحمد بن فارس هو نفسه صاحب مقاييس اللُّغة؟​
الضيف: نعم ، له كتاب في التَّفسير في أربع مجلّدات مفقود اسمه " جامع التأويل"​
فائدة أخرى:
الضَّيف: أيضاً من الفوائد التّي وجدتها في كُتُب الأدب، كتاب اسمه " ثمرات الأوراق" لا بن حِجَّة الحموي. فكُنتُ أبحث في موضوع الصَّرفة في إعجاز القرآن الكريم والقول بها ونقد هذا القول، يُقال : أنَّ المعتزله كلهم يقولون بهذا القول، فأنا أردت أنّي أُوَّثق هذا الزّعم وهذه الدّعوى أنّ المعتزلة كلُّهُم يقولون بالصَّرف. والصَّحيح أنّهم لا يقولون كلُّهُم بهذا، والنّظَام من المعتزلة له وجهة نظر في الصَّرف، زميله الجاحظ يخالفه ويَرُدّ عليه فيقول بِصَرفــَة أخرى، فوجدت في ثمرات الأوراق يقول ابن حِجّة الحموي: المعتزلة طائفةٌ من المسلمين، يَرَون أنَّ أفعال الخير من الله، وأنَّ أفعال الشَّرَ من الإنسان، وأنَّ القرآن مُخلوقٌ مُحدَثٌ ليس بقديم ... إلى أن قال: وأنَّ إعجاز القُرآن في الصَّرفَة لا أنّه في نفسه معجزٌ ولو لم يصرِف الله العرب عن معارضته لأَتَوا بما يعارضه. فأنا فرحت بهذا النّقل جِدّاً ، لأنَّ فعلاً فيه دعوى من ابن حِجَّة الحموي إلى أنَّ المعتزلة كُلُّهم يقولون بهذا وهذا غير صحيح.​
المقدم: هذه فائدة عظيمة أنّ الإنسان يجرِد الكتُب ، ويقيّدها في هذه البطاقات​
الضيف: ترى فكرة البطاقات هذه مهمّة جِدّاً ، أشتري منها بالكميّات​
المقدّم : هل تُفهرِس هذه البطاقات فضيلة الشيخ؟​
الضيف: عندي ما يقارب يمكن الخمسة عشر ألف بطاقة مكتوبة ،كل ما يمُر عليك فائدة تكتُبها ، ثمّ أفهرسها على حسب الفُصُول، والأبواب، والبحوث، والمباحث، ولذلك تتجمَّع مع الزَّمن مَادَّة البحث بشكل أتحدَّى واحد يستطيع أن يجمعها بشكل سريع ، لكنَّها مع اللَّيالي والأيام. فأنت مثلاً خلال عشر سنوات تستطيع أن تجمع لك يمكن عشرين بحث، ولكنّك لو أردت أن تأخُذ كل بحث لوحدها وتجمع مادّته ثم تنتهي منه وتبدأ ما يمكن أن تصل. المقدّم : الحقيقة الفوائد ماتعة ، ولكن وقت الحلقة قاربت على الانتهاء فهل من كلمة تودّ توجهيها للمشاهدين؟​
الضَّيف: الحقيقة أشكرك على إتّاحة هذه الفرصة، وأريد أن أختم بدعوة الإخوة الذّين يستمعون إلى هذه الحلقة، إلى أن يجمعوا مع هذه الكُتُب الاستفادة من البرامج الحاسوبية التّي قرّبت موضوعات التجويد " المخارج والصّفات" خاصَّة المخارج لأنّها لا يمكن ان تتضّح إلا بحركة يتحرّك بها اللِّسان، فالبرامج سدّت هذه الثّغرة فكانت عوناً للكتُب القديمة.​
المقدّم :نشكرك فضيلة الشيخ لمشاركتكم شكراً جزيلاً، وأنتم مُشَاهديّ الكرام الشُّكر لكم لمتابعتكم .. نستودعكم الله .. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.​
تتمة للفائدة : حلقة سابقة من برنامج ( مبادئ العلوم). عنوان الحلقة ( مبادئ عِلم التّجويد).
 

الحلقة الثالثة والثلاثون::بُثّت في تاريخ : 24- ربيع الأول – 1432 هجرياً

في الميزان: كتاب تفسير المنار لمحمد رشيد رضا – رحمه الله-
ضيف الحلقة : الأستاذ الدّكتور/ فهد بن عبدالرحمن الرُّومي
أستاذ الدراسات القرآنية بجامعة الملك سُعُود.
المقدّم: بسم الله الرّحمن الرحيم، أيُّها الإخوة والأخوات، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيّاكم الله إلى هذا اللِّقَاء الجديد من لِقَاءات برنامجكم الأسبوعي المباشر (مِدَاد) ، هذا البرنامج الذّي نتكلَّم فيه عن الكُتُب، وعن الثَّـقافة، وعن أهميتِّها في حياة الإنسان، يَتزامن هذا البَرنامج في هذا الأُسبوع مع قُرب افتتاح المعرض الدُّولي للكتاب في الرِّياض والذِّي سيكون يوم الثُّلاثاء الــمُقبل السَّادس والعشرين من شهر ربيع الأوَّل الموافق الأَول من شهر مارس 2011. وستكون هناك تغطية لهذا المعرض بإذن الله في برامج أخرى سنتحدّث عنها في نهاية الحلقة.
في مَطلع هذه الحلقة، هذه تحيَّة وترحيب بضيفنا الكريم : الأستاذ الدُّكتور/ فهد بن عبدالرَّحمن الرُّومي أستاذ الدِّراسات القرآنية بجامعة الملك سُعُود، حيّاكم الله دكتور.
الضيّف: حيَّاكم الله وبيَّاكم ، وأهلاً وسهلاً بكم، وبالإِخوة الــمُشاهدين.
المقدّم: وكَمَا أننِّا نُرِّحب بِكم، فإنّناَ نقول لكم إنَّ الإخوة يعرفونكم في هذا البرنامج من خلال تَقريرين أعددناه معكم في فقرة ( عُشَّاق الكُتُب) استمتعنا الحقيقة بالجلوس معكم دَقائق لا أقول سُويعات، في مكتبتكم العَامرة نسأل الله عزّوجل أن يجعلها عوناً لكم على الطَّاعة ، اِئذن لي الدُّكتور فهد من خلال هذا المدخل، ومن خلال تدريسكم للطُّلاب في الجامعة ، بل ولطُّلاب الدِّراسات العُليا أيضاً، وتَعامُلُكُم مع كافَّة شرائح المجتمع، ومن خلال زياراتكم لمعارض الكُتُب أن أسأل سُؤالاً مُهِمَّاً، وقد سألت فيه كثيراً من الضُّيوف في هذا البرنامج نظرتُكُم إلى مستقبل الثّقافة عموماً في بلادنا العربية، وإلى قضيِّة القراءة خصوصاً، وهل لها مستقبل مُشرق بإذن الله، وترى أنّ النّاس قد عادوا إليها بشكل جيّد، أم أنَّ الأمر يَحتاج إلى كثيرٍ من الوقت؟
الضَّيف: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدلله ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
لاشكَّ أنَّ الإنسان بِحاجة إلى غِذاءِ رُوحه كما هو بحاجة إلى غذاء جسده، وغذاءُ الروح يُتنّوع وهذه معارض الكُتُب تشتمل على كِميَّات من هذه الأغذية فيها النّافع وفيها الضّار.
بالنسبة للقراءة هناك من يشتكي من ضَعف القِراءة وإقبال النّاس على القِراءة، حينما مثلاً نأتي في بعض ساعات الانتظار في المطارات أو في غيرها، نجد أنَّ بعضَ الأجانب كُل واحد منهم قد تأبَّطَ كتاباً وألقى نَظَرهُ عليه، لا يلتفت يمنةً ولا يسرة حتى يُعلن عن الإقلاع، وفي الطائرة كذلك... إلى آخره.
لكن حين نرى هذه المعارض للكتب الدَّولية وانتشارَها، وكثرتها أيضاً ونجد إقبال الكَبير عليها فإننا نقول إنَّ هناك قُرَّاء، لكن ما هو نوع القراءة؟ من هم الذِّين يقرأون؟ الحقيقة أنّا بحاجة إلى أن نُرسِّخ مفهوم القراءة عند الأطفال، حتى تَنمُو القراءة معهم وينمو كقُرّاء مُدركين لما يقرأون، ويعرفِون أسلوب وطريقة القراءة، وأوقات القراءة.
وأنَّ القراءة لا تحتاج إلى تخصيص وقت.بل الآن الكُتُب متيسّرة يستطيع أن يقرأ في جميع أحواله، في انتظاره، في سيّارته، في جميع المواقف، يستطيع أن يقرأ مثل هذه الكُتُب.
المقدِّم: هل تُشَّجِع فضيلة الشيخ القراءة الالكترونية سواء في الآيفون أو في أيِّ جِهاز؟
الضَّيف: والله ليس كُلّ كتاب يُقرأ عبر هذه المواقع الالكترونية، لكن هناك مقالات، هناك مقاطع، أمّا أن تقرأ كتاب كامِل في هذه المواقع الالكترونية ، أنا بالنسبة لي لا أ قرأ ، وإذا رأيتُ مقالاً أو بحثاً قيّما أُصَوّره على ورق وأقرأه بعد ذلك.
المقدِّم: هل هذه عادة، أم أنّ فعلاً تقول أنَّ هذا هو الأمر المهم؟
الضَّيف: أوّلاً: أريح للنَّظر أنّك تقرأ في أوراق، ثانيّاً : تستطيع أن تُعلِّق وتعيد القراءة وتكتب ما شئت، وتحتفظ بها، أيسر بالنسبة لي أنا.
المقدِّم: لكن عفواً، قد لا يكون هذا فهماً صحيحاً، لكن عندما قلت المكتبات، أو الكتب أو المعارض قد يكون فيها الضَّار وفيها النّافع، هل هناك قراءة قد تكون ضارّة على الإنسان، أليست كل قراءة تنفع الإنسان؟
الضيف: القراءة أحياناً تنفع، وأحياناً تضُرّ . عندما يقرأ طفل صغير ما نراه في كثير من مكتباتنا مع الأَسف وفي الألعاب التِّي يقرأونها، في تعليم بعض الأُمُور فإنَّه يميل إلى تطبيقها في حياته، ولهذا تقع كثير من الجرائم نتيجة لقراءته الخاطئة، فالطِّفل يَحتاج إلى توجيه، مثل ما أننّا نحرص على غذائه السَّليم نحرص أيضاً على قراءته السليمة.
المُقدّم: بعض النّاس يقرأ مثلاً مقالات، أخبار، أشياء من هذا القبيل قد تكون وقتية وآنية هل لها أثر جيّد في تنمية ثقافة الإنسان؟ .
الضَّيف: القراءة بجميع أنواعها جيّدة، لكن هذه مثل الأغذية والوجبات السَّريعة والمهمّة، لكن إذا كان سيقتصر على هذه الثَّقافة فهذه تُشتِّت ذهنه ولا تُعطيه نُبوغاً ولا تفوُّقاً في علم معيّن
المقدِّم: أذكر فضيلة الدكتور فهد في مكتبتكم، فيها عدد كبير وهائل – ما شاء الله- من الكُتُب المطبوعة وكذلك المخطوطة في تخصُّص القرآن وعلومه، هل تُشجِعُون التَّخصُصّ، والشَّخص الذّي يتخصص في مجال من المجالات لا يقرأ إلا فيه،أم يجب عليه أنّ يقرأ في شتى المجالات والفنون
الضَّيف: بالنسبة لمكتبتي فيها ولله الحمد بعض الكتب التّي حاولت جمعها في التّخصص وغيره، لكن قضية الاقتصار على كتُبٍ معينّة – إلى حدّ ما- أنا تخصصّي علوم القرآن أُركِّز في هذا التّخصص ، لكن لا يعني أنّي لا أتوسَّع في مجالات أخرى كالحَدِيث وعلومه- لأنَّ العلوم بعضها مكمِّل لبعض- فالمتعلّم لعلوم القرآن لا يستغني عن أصول الفقه، ولا يستغني عن العقيدة، ولا يستغني عن الحديث والفقه.

فقرة الورَّاق
المُقَدِّم: مِن جَديد المطابع دُكتور فهد ( القَولُ الشَّاذ وأَثــــَرُهُ في الفُتيَا) من تأليف الأُستاذ الدكتور / أحمد بن علي بن سير المباركي عضو هيئة كبار العُلماء،وعضو اللّجنة الدائمة العلمية للإفتاء، تقديم معالي الشِّيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السُّعودية.
يقول المؤلف: أنَّ سبب تأليف هذا الكِتاب استيحاءً من القَرَار الملكي الذِّي نزَل في رمضان الماضي، وكان الحَدِيث فيه عن أَهمية ضبط الفُتيا، وعدم الأخذ بالأقوال الشّاذة المهجورة ، الحقيقة البَحث قيّم جِدّاً ، وهُو من نَشرِ دَارِ العِزّة بالسُّعودية، تكلَّم فيه المؤلِّف عن الفُتيا، وأهمية الفُتيا، ومعناها والخِلاف، وأهمية الخلاف، والخلاف المقبول، والخِلاف غير المقبول، ثمّ الأقوال الشّاذة ، وكيف يُحكَم على القول بأنّه شَاذّ، ثمّ تحدَّث عن كلام أهل العلم في التَّعامل مع زلاَّت العُلماء، ثمّ ذكر نَماذج من الأقوال التّي حَكَم فيها أَهل العِلم بالشُّذوذ .
الكتاب الثاني : ( التَّمايز العَادِل بين الرَّجُل والمرأة في الإسلام) تأليف الأستاذ الدُّكتور/ محمود بن أحمد الدُّوسري، هذا الكتاب مجموعة رسائل عِلمية بحثية محكُمّة الأُستاذية ، طبعة دار ابن الجوزي ، جَعَلَ على طُرَّة الكتاب قول الله عزوجل ( وليسَ الذّكرُ كالأنثى ) هُو لم يَقُل التَّفاضل، بل سمّاَه ( التَّمَايُـز) ووصفه (بالعَادِل) ذكر أشياء كثيرة جِدّاً ممّا يَتَمَايزُ به الرَّجُل عن المرأة في الأمور الفقهية وغيره.
الضَّيف: وممَّا تتميَّز به المرأة أيضاً على الرَّجل.
المُقدِّم: جميل جِدّاً، لأنَّ البعض يظُنّ أنّ كُلّ الفضل للرَّجل وليس للِمَرأة مِيزَات، الحقيقة الكتاب أيضاً قد خُدِمَ بفهارس علمية جيّدة، ونحنُ قـَد عَرضنا في حَلقة سَابقة كتاباً بعنوان( الفُروق الفِقهية بين الرّجُل والمرأة) هذا أيضاً قد يَصُبّ في نفس المعلومة.
الكتاب الثّالث: ( رِتَاج المعاملات) الدُّكتور / فهد بن صالح الحُمود قراءة تأصيلية في المناهي الشّرعية ، تكلّم عن مفهوم المالية في الإسلام، عن الرِّبا ، الغَرَر، الإِضرار، بيع الدَّين، الإعانة على المعصية في الأمور المالية بضوابط جيّدة، ويبدو أنَّ الكتاب من نشر المؤلّف
الكتاب الرابع: أمّا الكُتيّبات الثلاث الأخيرة فهي بُحوث عِلمية مُحكَّمة من كُليّة المعلّمين بجامعة الملك سُعود من تأليف الأستاذ الدُّكتور/ عبدالله بن عبدالرّحمن الرُّومي. منها ( البَحر في القرآن الكريم آيات ودلالات )، ( المطر في القرآن وأحوال نزوله)، ( تنازع قَواعِد التَـّرجيح عند المُفسِّرين) وأظن للدُّكتور أيضاً رسالة وبحث في تنازع قواعد التَّرجيح.
الضَّيف: نعم عند تفسير الرَّازي.
نهاية فقرة الورَّاق



 
فقرة في الميزان
المقدِّم : الكتُب التِّي تُوضَع في الميزان كثيرةٌ دكتور فهد، ولا أظُنّ عندما نضع كتاباً في الميزان أننّا نريد أن نُخفِّف من شَأنه، بل كثير من الكُتُب التِّي وضَعناها في الميزان هي كُتُب مُهمّة، ولَعَلَّ الكتاب الذِّي سنضَعُهُ اليوم في الميزان هي من الكُتُب الهمّة، والتّي لا يستغني عنها الــمُتخصِّص في فنّه اليوم هو تفسير الــمنار لمحمد رشيد رِضَا – رحمه الله-
قبل ذلك أنتم فضيلة الشيخ لكم عناية بهذه المدرسة، لوحَدَّثتمونا عن ذلك؟
الضَّيف: بالنِّسبة لِتَفسير المنار لمحمد رشيد رضا – رحمه الله تعالى- كانَ هو مَوضُوع رسالتي في الماجستير(منهج الــمَدرسة العَقلية الحَدِيثة في التَّفسير) فقد تَقدَّمت تقريباً أواخر القرن الماضي (1397- 1398) برسالة إلى جامعة الإمام بعنوان (منهج الــمَدرسة العَقلية الحَدِيثة في التَّفسير) كانت تُعنى بدراسة تفسير المنار، والتّفاسير التِّي تأثَّرت به، طبعاً معروف أنَّ أعلام هذه المدرسة هم جمال الدِّين الأفغاني – أستاذ هذه المدرسة ومُؤسِّسها – ثمّ تلميذُه محمد عبده، ثمّ تلميذه أيضاً محمد رشيد رضا. محمد رشيد رضا أعتقد أنّه وُلِد عام (1282) من الهِجرة في طرابلس الشّام ونَشَأَ هناك، كان اتَّجَاهُه في البِداية صُوفيّاً وكان يَعتني بقراءة كُتُب الغزالي، بل وَصَفَ نفسه أحياناً أنّه تعتريه نشوة رُوحية لقراءة هذه الكتُب حتى يَشعر بأنّه أشبه ما يكونُ - يطير-
إلى أن عَثَرَ في مكتبةِ وَالِدِهِ عَلى جُزئين من أعداد مجلة ( العُروة الوُثقى) التي يُصدِرها جمال الدِّين الأفغاني في بَاريس، ثمّ بعد ذلك قرأ هَاتين النُّسختين وتأَثَرَ بِهما كثيراً حتّى اتَّصل بجمال الدِّين الأفغاني، وطلب منه أن يَصحَبَه، واتَّصَل بالشِّيخ محمد عبدُه وكان في الشّام ، ثمّ تقريباً ( 1315) من الهجرة انتقل من طرابلس إلى القَاهرة ووصل يوم السَّبت، واتصَّل بشيخه محمد عبده ضَحوةَ الأحد، هنا حَصَل تَحوُّل من المدرسة الصُّوفية إلى المدرسة العقلية.
المقدِّم: هل كان الشِّيخ محمد عبده شيخ الأزهر آنذاك؟
الضيف: لا لم يكُن شيخ الأزهر، بل كان من الــمُصلحين وكان له شأنٌ في التَّعليم، لأنَّ شيخ الأزهر بعد ذلك محمد مصطفى المراغي من تلاميذ محمد عبده، بل كان شيخ الأزهر في ذلك الوقت ممن يُحاربُون مثل هذه المدرسة في الأزهر، بل كان بعضهم يحمل عَصَاه ويُخرِجُهُ من الجَامع.
نقول إنّه بعد ذلك عَرَض عليه، وبعد سنة تقريباً ( 1317) في أوّل محرّم بدأ يُلقِي درساً نتيجة اقتراح تلميذه محمد رشيد رضا في الجامع الأزهر، وحضر حوله عدد من التَّلاميذ.
المقدِّم : درساً في ماذا؟
الضيف: درساً في تفسير القرآن، لأنَّ الأستاذ محمد عبده كانَ له رأياً في تفسير القرآن نتيجة اقتراح تلميذه محمد رشيد رضا بأن يُفسِّر القرآن تفسيراً عصريّاً بعيداً عن الإسرائيليات، يُرَّكِزُ فيه على مبدأ ( الإصلاح الاجتماعي).
لكن كثير من القواعد التّي يَضعَها الإنسان يقع أحياناً في مخالفتها، فوقعت هناك بعض المخالفات حتّى في المنهج الذِّي رَسَمُوه.
محمد رشيد رضا رحمه الله لــمَّا اقترح على شيخه بدأ هو بنفسه يحضُر الدَّرس، ويكتُب كلامَ أستاذه ويُسجِّلهُ، ثمَّ في اللّيل يسهَرُ عليه، ويُنقِّحُهُ، ويُرتِّبُهُ، ويصُوغُه هُو بأسلوبه، كأنَّ المعنى العامّ فقط من شيخه، والصِّياغة لمحمد رشيد رضا، ثمّ في الغَد يَعرِض ما كتَبَهُ على شيخه فيُجِيزه، وينشرُهُ في مجلته التّي أنشأها، وهي مجلة ( الــمَنار) .
المقدِّم: يعني هَذَا هو أصل تفسير ( الــمَنار)
الضيف: نعم، ولهذا سُمِّيَ التّفسير بتفسير ( الــمَنار) لأنّه كان ينشره في مجلة المنار، لم يَصدُر إنّما كان يصدُر حلقات في هذه المجلة، استمَّرَ على ذلك إلى أن تُوفِّيَ الأستاذ محمد عبده بعد أن وصل إلى الآية ( 125) من سورة ( النّساء) ، ثمّ بعد ذلك استقَّل الأستاذ محمد رشيد رضا بالتّفسير عن شيخه وكان يُبيّن منهجه بعد ذلك، فكان يعتني بالسُّنة النّبوية، ويعتني بجانب التّفسير البلاغي لبعض الكلمات، ويُظهِر الوَجَه الإعجازي للقرآن الكريم، والإصلاح الاجتماعي لمجتمعه.
المقدِّم: وهل أنَهى محمد رشيد رضا تفسير القرآن الكريم كاملاً؟
الضّيف: محمد رشيد رضا – رحمه الله – وصل تقريباً إلى الآية ( 110) من سورة ( يُوسُف) ثمّ توقّف، بعد ذلك جَاءَ أحد تلاميذه وأتمَّ سورة (يُوسُف)، والتَّفسير الآن موجود في إحدى عشرَ مجلداً إلى قبل آخر سورة يُوسُف.
المقدِّم: هل أَعَادَ النَّظر في تفسير الخَمسة الأجزاء الأُوَل؟
الضَّيف: لا لم يُعِدّ النَّظرَ بل استمرَ، لأنَّ الثَّلاثة الأجزاء تقريبا كانت لِشَيخه الأستاذ محمد عبده .
المقدِّم: يعني نستطيع أن نقول أنَّ هذه الأجزاء هي من تفسير محمد عبده، وليست لمحمد رشيد رضا؟
الضَّيف:أنا أقُول أنّ كُلَّها من محمد رَشيد رضا، ولكن كان يلتزم المعاني التِّي يَسوقها شيخه محمد عبده، لا يَكاد يخرَج عنها كثيراً، إنّما الصِّياغة صياغة محمد رشيد رضا.
المقدِّم: عفواً دكتور، أنتم ذَكرتُم أنّه اقترح على الشِّيخ محمد عبده أنّه يُفسِّر القرآن للنّاس تفسيراً عصريّاً يُناسب واقعهم، والمشكلات الاجتماعية، أليس هَذَا هو المفترض في التّفسير في مثل هذا الوقت، يعني الآن كتب التّفسير الموجودة قد اعتنت بكثير من الأشياء الــمُهِمَّة مثل الأَحكام، والبَلاغة، وغيرها، الأَشياء التّي تُناسِب النَّاس، وتتجَدَّد في عصرهم، لكي يُنزِلُوا وقائِعهم على كتاب الله عزَّوجَلّ، أليسَ هذا هو التَّفسير المطلوب في هذا الزَّمان؟
الضَّيف: لا شَكَّ أنَّه هو الــمَطلُوب، وقد سَلَكَ محمد رشيد رضا بعد وفاة شيخه بدأ يتحوَّل إلى السَّلفية شيئاً فشيئاً إلى أن تُوفِّيَ رحمه الله سنة ( 1354)، لماذا؟ لأنّه تقريباً لــمَّا فتَحَ الملك عبدالعزيز الرِّياض ( 1318) بدأ ينشُر بعض كُتُب السَّلف، ولم يكُن في المملكة ثَّــمتَ مَطَابِعَ في تلك الفترة، فكان يَطبعها في مِصر في مطبعة المنارِ نَفسها، وكان الشِّيخ محمد رشيد رضا يُراجعها، فتبيَّن في قراءاته له، منهج آخر لم يكُن يَطَّلِع عليه كثيراً من كُتُب الدَّعوة، وكتُب السَّلفية، فبَدأ تحوُّلُهُ يظهر كثيراً، لكن بَقِيت بعض الآثار في تفسيره إلى أن تُوفِيَ رحمه الله تعالى.
المقدِّم: يعني تحوُّله لــَم يَكُن من الصُّوفي إلى السَّلَفي، ولكن مِنَ الصُّوفي إلى العقلي ثمّ بعد ذلك إلى السَّلفية؟
الضَّيف: هذه هي المراحل التّي مرَّ بها - رحمه الله- لكن كما قلت أنّه يَظُلّ جوانب مستمرة في حياة الإنسان وإن تغيَّر، فإنّه يبقى فيه.
المقدِّم: أثر هذا التَّحول على التَّفسير، هل هو ظاهر في بعض السُّور والأجزاء؟
الضيف: هُو نفسه ذكر ذلك في تفسيره، وبيّنَ أنّه تحوّل عن منهج شيخه، حيث بدأ يعتني بالسُّنة النّبوية، ويَذكر التّفاسير التّي لا يعتني بها شيخه، ولكن وَقعُوا في بعض الأخطاء باعتبار أنّها المدرسة العقلية التِّي تُنسَب إلى العَقل- وإن لم يكُن هذا هو العقل- في إنكار مثلاً المعجزات، أو تأويلها بحيث لا تكون به معجزات مثل: كإنكار مثلاً انشقاق القمر، وكذلك مريم عليها السَّلام لــمَّا ولدَت عيسى عليه السَّلام فإنّهم يُأوُّلون في ذلك - مَذكُور هَذا في تَفسير محمد رشيد رضا وقد أشرتُ إلى هذا.
فمثل هذه التَّأويلات ، والتّخريجات أرَادوا بها الخُروج عن خَرق العادة، وأنَّ هذا شيءٌ معروف، لأنّ المعجزة هي أمرٌ خارق للعَادة، وهم لا يُؤمنون بهذه الخوارق
المقدِّم: وما الإِشكال - من النَّاحية العقلية – في كون العَادة قد تُخرَق؟
الضيف: أنَّهُـم يقولون أنَّ العَقل لا يُؤمن بخارِق للعادة ، الحقيقة أنَّ فيه خطأ بين أمر الخارق للعادة، وخارق للعقل، أنا في رأيي أنّه ليس كُل أمر خارق للعادة خارِق للعقل، مثلاً النّارُ نفسُها العقل لا يَحُكم بأنّها حارَّة، ولولا أنَّ الإنسان اعتاد عند لمسه للنّار أنّها حارَّة ما عَرف أنّها حارّة، لو أتيت بإنسان لم يَرى النّار قَطّ ورآها لا يستطيع بعقله أن يعرف أنَّها حارة فهذا أمر عادي، إنّما عرفنا حرارة النَّار باعتيادنا عليها، وملامستنا لها، وإِحساسنا بها. هذا هو الذّي جعلنا نُحِسّ.
المقدِّم: هل هذا هو الملمح الأبرز فقط في إشكالات مثل هذه المدرسة، أم أنَّ هناك أشياء أخرى؟
الضَّيف: هناك قضايا أخرى مُسَّلمة: كإنكار المعجزات، الطَّير الأبابيل التِّي تَرمي زعمُوا بعضهم أنّها جراثيم، إنكار بعض المخلوقات مَثل الجنّ تأويلها بالجراثيم، والميكروبات، تأويل الملائكة بالقُوى الخيرية أمور كثيرة عَرَضُت إليها في كتابي ( مَنهج المدرسة العقلية الحديثة في التّفسير).
أيضاً جوانب أخرى تجد مثلاً أنَّهم يُحاربون الإسرائليات، لكن وَقَعُوا فِيمَا هُو أَخطر من ذلك، هُم امتنعوا عن نقل الإسرائليات، لكنّهم ينقلُون من مّا يُسَّمَى (بالكتاب الــمُقَدَّس) يَنقُلُــون من نُصوص التّوراة، ونُصوص الإنجيل، إذاً هُم أصَّلُوه، فهذا تأصيل للإسرائيليات أيضاً، فكانَ المفروض أن نترُك هذا ونترك ذاك، خاصَّة أنّ بعض ما نقلته المدرسة العقلية يُخالِف النَّص القرآني كمُكث نُوح عليه السَّلام، معروف أنّه لَبثَ في قومه ألف سنة إلا خمسين عامّاً (950) ، هم يقولون أنّه عمره كان ( 650) عاماً هذا لا يصُح
المقدِّم: أليس في هذا مخالفة للنَّص القرآني، كيف يُأَوِّلُون هذا؟
الضيف: هذه قد تمُرّ أحياناً، علّقت لجنة المراقبة في الأزهر أنَّ هذا يُخالف النَّص القُرآني، الذّي بيّن أنّ نوح عليه السَّلام مَكَثَ في قومه ألف سنة إلا خمسين عامّاً.
المقدّم: هذا اعتماد على الكتاب المقدِّس ( 650) عاما؟
الضَّيف: هذا مجرّد إيراد، مُجرَّد استشهاد، فنحن نقول قضية أنّهم تفرُّقوا على رُواة الإسرائيليات، بأنّهم يَروُون من الإسرائيليات ما يُخالِف العقيدة الإسلامية، لكن يجب ألاَّ نُنكِر الجُهد الكَبير الذِّي في تفسير المنار، من الإصلاح الاجتماعي وتحذيرهم من بعض الاعتقادات الباطلة من التّمسح بالقُبُور، وزيارة القُبُور، وبعض ما يحدُث في مصر في ذلك الوقت كانوا يُحذِّرون من ذلك ويُصلِحُون.
المقدِّم: لكن من يَدرُس هذه المدرسة ويأخُذ بها، هل نهيهُ عن مثل التّمسح بالقبور وزيارته، هل يأخُذ من ناحية نصيِّة شرعية، أم يأخُذه من ناحية شرعية؟
الضَّيف: هو من النَّاحية شَّرعية وافقت أيضاً ما يَراه، لأنَّ صاحب الهَوى، لو كان الآخر يميلُ إلى جَوازِ ذلك لوجد من النُّصوص إلى ما يَدعم به رأيه، لكن هؤلاء الحقّ يقال أنَّ لهم نشاط كبير في الإصلاح الاجتماعي في ذلك الوقت،وإن كان بعض ما يُسمَّى الإصلاح ليس بإصلاح كإِباحة بعض الرِّبا، وأنّ الرِّبا يكون مُحرَّم إذا كان أضعافاً مُضاعفة، ومثل ذلك فكان في بعض الجوانب فيها أخطاء.
المقدِّم: ذكرتُـم أنَّ بعض شيوخ الأزهر كان يُخرِج هؤلاء من الجَامع بالعَصا، هل كانت هناك ردَّة فعل عنيفة تجاه هَذِه المدرسة في تلك الأيام؟
الضيف: نعم كان هناك ردَّة فعل في ذلك الوقت وبعده ، ولا تزال الكتابات مستمرة بين مُؤَّيد ومُعارض، والحقيقة أنَّ هناك غالٍ في الطَّعن فيهم، وأنَّ هناك من هو غالٍ في الإعجاب بهم .
المُقدِّم: يبقى سؤال فضيلة الشيخ : بالنَّسبة لكتاب تفسير المنار هل تُوصِي بقراءته للجميع ، وللمختصِّين، وكيف يستفيد الإنسان منه؟
الضَّيف: الحقيقة أن تُوصِي بقراءته للجميع فيه صعوبة، ولكن للمختّصين، وللمصلحين سيجد فيه بعض النُّصوص، وبعض الآراء، وبعض الأدوية لبعض القضايا والمشَاكل الاجتماعية، ولكن كونه يقرأ فيه المختّص وغيره سيقع في بعض المفاهيم الخاطئة.
المقدِّم: النَّاس بحاجة إلى كتاب في التّفسير يُواكِب تطُّلعاتهم، وحَاجاتهم، مع الاحتفاظ بكتُب السّلف من ناحية التّقدير والاحترام، وأنّ هي المصدر الأصيل للتفسير، لكنّ النّاس بحاجة إلى ما يُناسبهم في وقتهم، فهل هناك تفسير في هذا الباب؟
الضيف: كُتُب التّفسير كثيرة، ولا يَكادُ تفسير يَخلُو من مَلحوظة، أو من خطأ، وكُلّ تفسير من هذه التّفاسير له مشرَبٌ خاصّ ، فما يُناسب فلان لا يُناسب الآخر، لاختلاف الأذواق، واختلاف الآراء هُناك تفاسير للمُختَّصين، وهناك تفاسير للعَامّة، وهُناك تفاسير للمُثَّقفين – من غير المختَّصين- فلا تستطيع أن تقول هذا التَّفسير هو الأَفضل، لكن تفسير عبدالرّحمن بن ناصر السّعدي ( تيسير الكريم الرّحمن في تفسيرِ كَلامِ المنّان) تفسير مختصر ويَصلُح للِقِراءة لجميع الطَّبقات تقريباً، وإن كان هناك بالنِّسبة للمختصين من التّفاسير ما يُعطيه مادةً علمية أكثر من تفسير ابن السِّعدي رحمه الله
المقدِّم: بارك الله فيكم دُكتور، في هذه الأيام كنت أقرأ في الأَجزاء الأُوَل من مجموعة محمد الخضر حِسين – رحمه الله- كان جزء كبيرة منها في بِدَايته عَن تفسير الآيات، هل لكم عِناية بها ؟
الضيف: لا ليست لي عِناية بها، الشِّيخ محمد الخضر حِسين، هو شيخ من شيوخ الأزهر، وهُو من تونس، ولا شكّ أن كتاباته أيضاً متميّزة.
نهاية فقرة في الميزان
 
نسأل الله أن يجزيك خيرا ؛ فكم استفاد من هذا التفريغ الكثير من طلبة العلم ..
بالمناسبة كنت أبحث عن حلقة للشيخ عبدالرحمن الشهري عن غريب القرآن في برنامج مداد ، فهل علمت عنها ؟ أو أنا متوهم ؟ وأين أجدها إن كانت موجودة ؟
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى