حلقات برنامج بينات - سورة آل عمران - المكتوبة والمرئية

إنضم
07/05/2004
المشاركات
2,562
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الخبر - المملكة ا
الموقع الالكتروني
www.islamiyyat.com
حرصاً مني على نقل المفيد النافع لكم جميعاً حرصت على تفريغ حلقات برنامج بينات في الدورة البرامجية الجديدة وأضع بين أيديكم الحلقات التي تم تفريغها إلى الآن والباقي ما زال تحت الطباعة.

http://vb.tafsir.net/attachment.php?attachmentid=2514&d=1242639306

وهذا تفريغ الحلقة 6
http://www.islamiyyat.com/2008-11-19-15-41-55/2939--6.html


والحلقات موجودة على موقعي إسلاميات في حال تعذر فتح الملف على هذه الروابط
رابط الحلقة 2
http://www.islamiyyat.com/2008-11-19-15-41-55/2745--2.html

الحلقة 5
http://www.islamiyyat.com/2008-11-19-15-41-55/2916--5.html


الحلقة 6
http://www.islamiyyat.com/2008-11-19-15-41-55/2939--6.html

لا تنسوني من دعوة صالحة.
أرجو تثبيت هذا الموضوع حتى لا يضيع بين المشاركات بارك الله فيكم. وعند استكمال تفسير سورة آل عمران سيتم جمعها في ملف واحد ووضعها بين أيديكم لتسهيل الرجوع إليها.
 
السلام عليكم

فاتتني حلقة البارحة فأود أعرف متى الإعادة خاصة على العامة

لأني قرأتها أن العاشرة والنصف صباح الجمعة فهل يوجد إعادة اليوم الخميس؟
 
أخي الفاضل الغزالي جزاك الله خيراً على مرورك.
الحلقة لا تعاد يوم الخميس على حسب علمي ولكنها تعاد الجمعة مرتين الإعادة الأولى الساعة 4.15 فجراً والإعادة الثانية الساعة 10.30 صباحاً.
إن شاء الله سأطبع الحلقة بأقرب وقت لأنها فاتتني بالأمس أيضاً.
 
أبارك لك هذه الهمة وبارك الله فيك على هذه الدرر التي تنقلينها لنا وإلى مزيد منها فتح الله عليك .
 
[align=center]أختي الحبيبة / لاأقول إلا أحسن الله إليك
وجعل كل ماتقومين به في ميزانك 0000
[/align]
 
جزاكما الله خيراً أختي الكريمة هبة المنان وأخي الفاضل سالم بن عمر على تعقيبكما الطيب وتشجيعكما وهذا أقل الواجب تجاه هذا البرنامج القيم وهؤلاء العلماء الأفاضل أن نعينهم على كتابة هذا العلم لعلهم يجمعونه في المستقبل القريب بين دفتي كتاب ليستفيد منه المسلمون وتزخر به مكتباتهم.
فقط أحتاج منكم للدعاء الصادق بارك الله بكم.
 
حمل الان خمس حلقات من برنامج بينات سور ال عمران من الاية(44-90)...

حمل الان خمس حلقات من برنامج بينات سور ال عمران من الاية(44-90)...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انقل لكم حلقات برنامج ببينات ( سورة ال عمران )

بتاريخ 22-05-09
موضوع الحلقة : سورة آل عمران من الآية 44 الى الاية 52

جودة ممتازة

http://www.archive.org/download/muslim2006_1366/bayenat22-05-09.avi

جودة متوسطة
http://www.archive.org/download/muslim2006_1384/bayenat22-05-09.WMV

صوت
http://www.archive.org/download/muslim2006_1370/bayenat22-05-09.wma

بتاريخ 29-05-09
موضوع الحلقة : سورة آل عمران من الآية 52 الى الاية 63

جودة ممتازة

http://www.archive.org/download/muslim2006_1369/bayenat29-05-09.avi

جودة متوسطة

http://www.archive.org/download/muslim2006_1384/bayenat29-05-09.WMV

صوت

http://www.archive.org/download/muslim2006_1369/bayenat29-05-09.wma

بتاريخ 05-06-09
موضوع الحلقة : سورة آل عمران من الآية 64 الى الاية 75

جودة ممتازة
http://www.archive.org/download/muslim2006_1384/bayenat05-06-09.avi

جودة متوسطة

http://www.archive.org/download/muslim2006_1384/bayenat05-06-09.WMV

رابط صوت

http://www.archive.org/download/muslim2006_1384/bayenat05-06-09.wma

بتاريخ 12-06-09
موضوع الحلقة : سورة آل عمران من الآية 75 الى الاية 80

جودة ممتازة

http://www.archive.org/download/muslim2006_1397/bayenat12-06-09.avi

صوت

http://www.archive.org/download/muslim2006_1397/bayenat12-06-09.wma


بتاريخ 19-06-09
موضوع الحلقة : سورة آل عمران من الآية 81 الى الاية 90

جودة ممتازة

http://www.archive.org/download/muslim2006_1411/bayenat19-06-09.avi


صوت

http://www.archive.org/download/muslim2006_1411/bayenat19-06-09.wma
 
جزاك الله خيراً أخي الفاضل نايف على هذه الروابط وأرجو منك أن نجمع الملفات الصوتية والمرئية مع الملفات المكتوبة في مشاركة واحدة على غرار ما فعلنا مع برنامج التفسير المباشر في حلقات سورة ق والحجرات، وتكون المشاركة بعنوان

حلقات برنامج بينات - سورة آل عمران - المكتوبة والمرئية

هذا رابط الحلقات المكتوبة
http://vb.tafsir.net/showthread.php?t=16181


ما رأيكم؟
أرجو من شيخنا الفاضل عبد الرحمن الشهري أن يعطينا رأيه
 
هذا رابط تفريغ الحلقة الثالثة من البرنامج وبقيت لدي الحلقة الرابعة فقط ما زالت لم تُطبع لكن إن شاء الله تكون بين ايديكم في أقرب وقت. فقط أسألكم الدعاء.

http://www.islamiyyat.com/2008-11-19-15-41-55/3067--3.html
 
ما شاء الله تبارك الله .
أنا شاهدت أول حلقة مباشر .
امتلأت فرحاً وسروراً .

جزاك الله خيراً .
وحبذا لو تم جمع كل الحلقات السابقة مع اللاحقة إن شاء الله .
فإن فيها الفوائد لطلبة العلم ما الله به عليم .

جزاك الله خيراً أخي نايف السحيم .
وبارك الله فيك ، ولا حُرمت الأجر .
 
جزاكم الله خيراً على هذه الجهود الرائعة ونفع بعلمكم وجهدكم ، وجعله في موازين حسناتكم .
 
جزاك الله خيراً شيخي الفاضل دكتور عبد الرحمن على دمج الموضوعين وتعديل عنوان المشاركة لتكون أوضح.

بقي لكم في ذمتي الحلقة الرابعة وإن شاء الله تكون بين أيديكم في أقرب وقت ثم أضع الملف كاملاً الذي يشمل كل الحلقات.

لدي سؤال هل ستستكملون حلقات سورة آل عمران وتتوقفوا قبل رمضان أم أن البرنامج مستمر؟
 
لا حرمتم الأجر أختنا سمر الأرناؤوط .

جزاكم الله خيراً .

رفع الله قدركم ، ونفع الله بكم .
 
مناشدة:

الرجاء لمن لديه الحلقة الأخيرة من برنامج بينات بالصوت أو فيديو أن يرفعها لنا هنا حتى أقوم بتفريغها لأني تفاجأت أن الأربعاء الماضي تم عرض حلقة جديدة وكانت الحلقة في نهايتها فلم أتمكن من تسجيلها وطباعتها. وللأسف لم يتم عرض الحلقة في موعدها صباح الجمعة لا أدري ما السبب.
جزاكم الله خيراً
 
حرصاً مني على عدم انقطاع هذا الخير من برنامج بينات ونظراً لأن البرنامج يعرض بشكل يومي في رمضان طلبت من الأخت الفاضلة أم خالد في منتدى موقع إسلاميات بالتكرم بتلخيص الحلقات لنا بدل تفريغها حرفياً وبدأت مشكورة من حلقة الخامس من رمضان وهذا النص أضعه بين أيديكم. أسال الله أن ييسر لنا عمل تلخيص أو تفريغ الحلقات الأربع الأولى خلال شهر رمضان.

برنامج بينات - آل عمران - الحلقة 18
قناة المجد الفضائية 5 رمضان 1430


(قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)) آل عمران

مقدمة
تحدثنا في الحلقة الماضية عن الآيات { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)) فالله عز وجل يثني على العافين ويمتدحهم ويجعلهم من المحسنين ويعدهم بجنة عرضها السموات والأرض، غذن هناك مجال للاقتداء بالله عز وجل في هذا الأمر ولذلك قال (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152))
فكأن الله سبحانه وتعالى يقدم لهذا المبدأ وهذا الخلق الكريم بمدح هؤلاء ويقول إذا كان الرب يفعل ذلك بعباده وهي سنة من سننه فالعباد أحرى بهم أن يعفوا ويغفروا.


الأمر بالسير فى الأرض لتدبر السنن والموعظة بها
في الآية { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}إشارة إلى الإعتبار بما مضى وأن لا يقطع الإنسان علاقته بالتاريخ فقد أُمرنا بالسير فى الأرض والضرب فيها لننظر ماذا فعل الله فيها . أبشروا أيها المؤمنين بأن العاقبة لكم ولا تيأسوا.
ألاحظ فى قوله تعالى { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)} بأن البيان عام لكل الناس ثم { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} خص المتقين وهذا أسلوب يتكرر فى القرآن أن الله يخص المؤمنين أحيانا.
وقوله أن هذه "سنن" فهى السنن التى تنطبق على الناس كلهم كما ذكرنا من قبل فى سورة البقرة . فمن سننه أن يدين الكافر على الكافر والمؤمن على المؤمن والكافر على المؤمن أحيانا فهذه هى المدافعة ومن سننه تعالى أن ينصر المؤمنين.
وقد خلت من قبلكم أمم ووقع بينهم الحروب ثم كانت العاقبة لهم وفى هذا بيان للناس جميعا. ثم خص المؤمنين لأنهم هم المنتفعين بالسنن فعى الموعظة والهدى لهم.

(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{139}) هى عطف على ما سبق فلا تضعفوا فى المستقبل ولا تحزنوا على ما سبق. ثم العلو وهو الغلبة . وقد يكون العلو هو الغلبة ولكن فى غزوة أحد يقول لهم (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {139}) فما وجه العلو فيها ما دامت هناك هزيمة؟ . فهو علو من نوع آخر فهو علو المنهج وعلو الحق. فإذا جلست مع غير المسلم تجد أن عندك علو. عُلو فى الثقة وتتحدث عن حقائق هى أسطع من الشمس. وفى معركة أحد تأكيد لهذا المعنى عندما أوشكت على الإنتهاء قام أبو سفيان يقول " أعلو هبل" ويقول النبى لأصحابه ألا تجيبون؟ قولوا " الله أعلى وأجل".

بعض الكتاب يريدون أن يتأول أنها غزوة النصر ولا شك أن مآلها خيرا ولكن الحقيقة أنها هزيمة. أحيانا يكون عندنا عاطفة غير الطريقة العلمية. فقد وقعت المصيبة ولا شك أن مآلها خيرا. ولو تابعنا هذا المبدأيكون القول بأن لو قتل جميع المؤمنين لكان خيرا. وهذا غير صحيح كما جاء فى سورة البروج مثلا. والآيات توضح ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) فقد قتل حمزة عم النبى والرسول صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته. إذا العُلو يستلزم الإيمان. وكلما كان المرء متمسكا بدينه يكون علوه لا شك فيه. حتى فى بلاد الكفر فإنهم يحترمون من هو على مبادئه ويعتز بمبادئه على عكس من يستحى أن يتمسك بدينه فى تلك البلاد.

ومن المهم دراسة "السنن" فعندنا خلل فى ذلك .فمن وجه عقله ونظره فى ماجعله الله على وجه الإرض يستطيع أن يستفيد فى حياته ولكن بعض الناس لا يلقى لهذه السنن بالا. فمثلا سنة جعل النهار معاشا والليل سباتا فإذا خالفت هذه السنة إختلت الحياة. ومن السنن أن المجتمع الذى يظلم ولو كان مسلما سلط الله عليهم "العدل" ولو كان من كافرين. فلا بد من دراسة السنن. وفى الآية (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)) نجد أن "السنن" هى طرائق لا تحابى أحدا. والآية أيضا هى الأصل فى مشروعية دراسة علم التاريخ فهو ليس مجرد رواية وسرد للأحداث بل للموعظة. صحيح أن المسلمين كان لديهم عقيدة ولكن ما ساعد على إنتصارهم هو ظلم الدول التى قبلهم مما هيأ الجو لسقوطهم.

ونلاحظ أيضا فى الآية أن كلمة "سيروا" تأتى فى معنى السفر والسياحة مثل "امشوا" فلما كان الرزق كانت الآية (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك) أما فى القوة والحق فتأتى صفة ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ)20 المزمل.

دروس وعبر من معركة أحد

(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) لماذا يمسسكم بدلا من يمسكم؟ لما أصيب المسلمون فى أحد كان الكل فى حالة من الكآبة يرثى لها. فالله هنا يخفف عنهم بأن ما حدث لكم حدث لأقوام من قبلكم. مرة تهزمون ومرة تغلبون. لو جعل النصر حليفا للمؤمنين ما كفر أحد ولو جعل النصرحليفا للكافرين ما آمن أحد. فهذه سنة المرسلين فاذا كان أشرف أهل الأرض وأصحابه حصل لهم هذا فمن المنتظر حصوله لغيرهم. وهذه أيضا عن الضرب فى الأرض نفس العملية فيها المدافعة وتلك الأيام نداولها بين الناس وهو يحدث فى الآراء والمجالات والمنابر. ويتكرر نفس المعنى فى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران).

غزوة أحد فيها دروس. التعبير عن المصيبة بأنها "قرح" تعبير لطيف فيه إشارة إلى ما أصيبوا به من الجروح كما أستخدمت كلمة "تألمون" لنفس المعنى (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) النساء)

(وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) آل عمران) وعلم الله هنا كما فى سورة العنكبوت {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ }العنكبوت 3. فالعلم هنا ليس بعد جهل تعالى الله عن ذلك ولكن علم بظهور هذه الأشياء فالوقوع يصدق ما هو معلوم لديه فى اللوح المحفوظ.

قد يشارك الإنسان فى المعركة ولا يستشهد لأن الإستشهاد منة من الله تعالى وهذا هو الذى يتنافسون عليه. الذى يستشهد كأن الله إصطفاه وهذا المعنى ظاهر فى كثير من قصص الصحابة. فى قصة خالد بن الوليد الذى لم تهزم له راية فى الإسلام وقبل الإسلام مات على فراشه.

الفاصلة (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) قد يقف عندها المتأمل . هل فيما سبق شىء مرتبط بالظلم يستدعى هذه الفاصلة؟ نعم. يوجد أكثر من إشارة (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)المداولة التى حصلت هنا بسبب ظلم وقع و (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) قد تكون لأن إتخاذ الشهادة أو إصطفاء الله لعبده شرطه ألا يكون من الظالمين و(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) فالنفوس عندما تتعرض للهزيمة تتشوف تشوفا شديدا لمعركة قادمة للإنتقام وهذا ما شعر به الصحابة رضى الله عنهم حتى لما جاءت المعركة بعد أحد كانوا يتشوفون لأن يكفر عنهم ما وقع. فختم الله بها حتى لا يبالغ الذى يقول بأنه ظُلم بالإنتقام. حتى النبى صلى الله عليه وسلم وقع منه هذا لما رأى جثة حمزة فأقسم لأمثلن بسبعين .

وليمحص ويمحق معطوفة على ما قبلها. (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) ) المؤمنون يحدث لهم التمحيص والتطهير من ذنوبهم وتنقية قلوبهم . ويكون نصر المؤمنين محقا للكافرين . وأيضا قد يعطى الله الكافرين شىء من النصر الظاهر ليستحقوا بذلك أن تنالهم عقوبة الله استحقاقا تاما فإذا ما قتلوا المؤمنين وظلموا عباد الله ورفعوا الصليب أو الصنم . وكل هذا سبب فى محقهم. والتعبير "محص" و"محق" فيها تقارب التمحيص تنقية والمحق إبادة وإزالة تامة. الفرق بين محص ومحق تلاحظون {(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) البقرة}. الأزمة المالية الحالية انهيارات. وفى الأزمات نجد الخاسر والرابح ولكن هذه الأزمة كلها إنهيارات وهذا من معانى المحق.

كتب مقترحة لدراسة الغزوات

أكد المشايخ الأفاضل على أهمية أن يقرأ الدارس السيرة مع القرآن. إقرأ معركة بدر ثم إقرأ سورة الأنفال وإقرأ عن غزوة أحد ثم إقرأ هذه الآيات .

كتب فى الغزوات:

* السيرة النبوية للدكتور محمد أبو شحاته
* والسيرة النبوية للأستاذ محمد الصولجان
* والغزوات لمحمد أحمد ؟
* الجامعة الإسلامية -مجموعة السيرة -الغزوات
* كتاب الرحيق المختوم
* السيرة النبوية فى ضوء المصادر الأصلية دكتور مهدى رزق الله
* زاد المعاد لإبن القيم خاصة فى غزوة أحد.
* سبل الهدى والرشاد
 
تصحيح للكتب:

السيرة النبوية للدكتور محمد أبو شهبه
* السيرة النبوية للأستاذ محمد الصوياني
* الغزوات لمحمد أحمد باشميل رحمه الله ؟ (ارجو من الدكتور مساعد إمدادنا بإسم الكاتب لأني لم أتبينه)
* الجامعة الإسلامية -مجموعة السيرة -الغزوات
* كتاب الرحيق المختوم
* السيرة النبوية فى ضوء المصادر الأصلية دكتور مهدى رزق الله
* زاد المعاد لإبن القيم خاصة فى غزوة أحد (في الجزء الثالث) ذكر الفوائد المستنبطة من الغزوات وبخاصة غزوة أحد
* سبل الهدى والرشاد
 
جزاكم الله خيراً على تصحيح الإسم . وهذا تلخيص حلقة 6 رمضان التي أعيدت فجر اليوم:

الحلقة 20

6 رمضان 1430

لم تذاع الدقائق الأولى من هذه الحلقة بسبب إذاعة الأخبار حول فشل إغتيال الأمير نايف)
ويبدو أن الحديث كان حول الآية { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} 152 آل عمران}
الذين أذاعوا أثناء المعركة أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قُتل هم اليهود والمنافقون .وفى رواية أن عمر بن الخطاب سمع يهوديا يقول أثناء المعركة" قُتل محمد" فسل سيفه وقال لا أسمعن أحد يقول هذا. وهذا يليق بعمر رضى الله عنه كان ثابتا وعرف أن خبر مقتل النبى إن كان صحيحا لا ينبغى أن يعلن فى هذا المكان . ماذا حصل للمؤمنين؟ أصابهم الهم الشديد وكادوا أن يفشلوا
دار نقاش حول ما وقع من الرماة يوم أحد.
يرى د. عبد الرحمن الشهري أنه لم يقع بين الرماة لا تنازع ولا فشل . والرماة ما خالفوا أمر الرسول.لسبب. هو أمرهم بالثبات فى أماكنهم . هل أمرهم بالثبات لأجل غير مسمى؟ ويمكن أن نوازن بين هذا الموقف الذى وقع فيه الرماة وموقف الصحابة عندما أمرهم النبى بالإتجاه إلى بن قريظة وقال (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) . فمنهم من صلى هناك وأجّل الصلاة ومنهم من صلى فى الطريق وأكمل. قال لا تبرحوا أماكنكم وهم إجتهدوا فى فهم هذه العبارة بعد أن رأوا المشركين ينهزمون والمعركة تميل إلى النصر ولا حاجة هناك للبقاء فى هذا المكان وإتجهوا إلى الغنائم. .أين التنازع؟
ويقول د. محمد الخضيرى ود. مساعد الطيار بأن كان للرماة أمير وقف يقول لهم أن الرسول أمرنا وحذرنا ألا نبرح أماكننا حتى لو رأينا الطير يتخطفنا ولذلك (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ). قال ابن مسعود:" ما ظننت أن أحدا منا فى أحد كان يريد الدنيا إلا لما قرأت الآية التى إستخرج بها الله خبيئة نفوس بعض الصحابة" وكانت أحد درسا واضحا أنه أيها الناس لا يكون لكم قصد إلا وجه الله والدار الآخرة وطاعة الله ورسوله.
ولذلك فإن الذى يظهر أن بالفعل وقع من الرماة معصية وعوقب المسلمون بذلك وكان درسا للمسلمين باقى حياتهم ولذلك مهما اختلف المسلمون وحصل بينهم تنازع إلا وحل فيهم الفشل. والعصر الحاضر أكبر دليل على ذلك.
وكذلك نرى من سياق الآيات أنه لا ذكر لليهود ولا المنافقين انتهى دورهم فى غزوة أحد فى التثبيط الأول (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)آل عمران وأيضا فى {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)آل عمران} .وصُفى الجيش ولم يبق إلا طائفتين {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)} الله ثبتهم لما بدأت المعركة كانوا صادقين ولم يحدث لهم التنازع ولذلك نصرهم وجاء وعد الله. {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)} آل عمران. والحديث موجه للصحابة : فشلتم أنتم أى جبنتم أنتم وتنازعتم أنتم من بعد ما أراكم أنتم ما تحبون من النصر وبعدها قال من يريد الدنيا ثم صرفكم عنهم أنتم ليبتلبكم أنتم ثم عفا عنكم أنتم (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) الحديث كله منصب على الصحابة.
والآيات الأخرى تؤكد أن ما حدث فى أحد هو مصيبة كما سماها القرآن {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} 165 آل عمران. وممكن تسمى هزيمة. ولكن الحقيقة أن غزوة أحد معلم فى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ان بعض المعاصرين الذين يكتبون التاريخ عندهم عاطفة غير منضبطة يريدون أن يظهروا الصحابة لا يحدث منهم خطأ, يقولون أن كل الصحابة كانوا مجاهدين ,كلهم كانوا متعبدين . ولكن يجب أن يكون عندنا اعتدال. والرأى الذى ذكر قبل قليل مجانب للإعتدال محاولة نسب الخطأ إلى غير الصحابة مع أن الله سبحانه وتعالى نص عليهم (نسبه إليهم). و نحذر أننا عندما نأتى للقرآن وعندنا ثقافة معينة نؤول القرآن تأويلات بعيدة ونصرفه إلى معانى فيها تكلفات من أجل القضية التى نتوقع أن تكون كذلك. ويُجنى فى الآخر على ظاهر القرآن .
د. عبد الرحمن الشهري: الآن نحن نتحدث عن هذا الموضوع من منطلق نظم القرآن نفسه . نحن نتحدث عن قوله تعالى {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)آل عمران}. ثم جاء الحديث عن { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران} إلى {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} ثم {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} . فى قوله مسكم القرح ما هو هذا القرح؟ هو الإنكسار فى الجيش ثم جاء بعدها {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} هذا والله أعلم أن هذا القرح والإنكسار كان سببه ما أشيع أن النبى صلى الله عليه وسلم قد قتل فوقع الهرج فى صفوف المسلمين . من الذى أشاع؟ وأشاع ذلك المنافقون. (د. الخضيرى: الذى أشاعه ابن قمنة وبعض الصحابة تلقفوه والبقية من الصحابة استطاعوا أن يردوه )
ولكن هذا وقت وجيز ربما لا يتجاوز ساعة. من خلال {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} يمكن إستنباط منها أن الفشل والتنازع بسبب ما دب فى صفوفهم وضعف بعضهم . وقال بعدها {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} آل عمران. فلما ثبتوا { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران} لو كانوا هم المنكسرين لقال صرفهم عنكم وكف شرهم ولكن الله سبحانه وتعالى قد أشغل المسلمين بما وقع فى هذا الموقف من إنكسار . والمشركون فى هذا الموقف بالذات ولوا هاربين.
د. الخضيرى: على كل حال هذه فكرة يمكن أن تستنبط من السياق ونحن نستفيد كون يفتح الإنسان بصره وسمعه لما يقال من أفكار ثم يناقشها. كلام المفسرين جميعا والمشهور أن الرماة هم السبب.
آجالنا مقدرة ومكتوبة
{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران}. هذه الآية معنى بارز للأشياء التى نستفيد بها من كتاب الله عز وجل ويتميز به المسلمون عن مَن لا يؤمنون بالأديان أو من كان إيمانهم بالقضاء والقدر ضعيفا. وهو علمنا أن آجالنا مقدرة ومكتوبة عند الله لا يزيد الحرص من آجالنا ولا تنقص الشجاعةمن آجالنا أيضا. قال النبى صلى الله عليه وسلم" إن الرزق ليطلب العبد أكثر مما يطلبه أجله" الراوي: أبو الدرداء المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1630 - خلاصة الدرجة: حسن
ولذلك نجد المسلم يسافر ويذهب ويحج ويتوكل على الله عز وجل ويعلم أن أجله سيأتيه فى الموعد والزمان والمكان الذى قدره سبحانه وتعالى ولا راد له. فلا تتلكع فى الأمر. وإفعل ما تراه خير لك من سفر أو رحلة أو عمل ما دام لا يخالف شرع الله فالموت والحياة بيد الله.
ونلاحظ فى الآية مسألة مهمة فى علوم القرآن {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران} العطاء ما مقيد بشئ وهو هنا أطلق . فقد يفهم القاعدة أن هنا من يريد الدنيا يعطى . نأتى يسورة الإسراء يقول تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) الإسراء} أى نعجل له هو ما نشاء نحن ولمن نريده نحن . وهذا ملحظ مهم جدا فى علوم القرآن (حمل المطلق على المقيد) وليست القاعدة مرتبطة بالأحكام كما يظن البعض . نقول أن للقرآن أحكام وأخبار والقاعدة تطلق للأحكام والأخبار.
وفى فهم آخر للآية فإن هذا الوعد من الله يتحقق لكل أحد. من كان يريد شئ فى الدنيا يؤته منها(أىِ ّ منها) . ولهذا هذه الآية موضحة وسورة الإسراء تزيد فى الإيضاح أن لا يقع شئ إلا بالمشيئة الإلهية . أما من طلب الدنيا يحقق الله شئ منها . أى ليس كل ما يتمنى يتحقق وبهذا الفهم يمكن الجمع بين الآيتين.
النصر بالصبر والتقوى والإستغفار
فى الآية {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) آل عمران} قرن الله تعالى بين الصبر والنصر. وبعدها {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران} و {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) آل عمران} وأيضا كرر الحديث عن التقوى من قبل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) آل عمران} ونلاحظ فى المقطع الحديث عن الصبر وتكرار له . ( {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران} {وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران} فإن ما ضعفوا وما استكانوا إشارة إلى أن النصر مع الصبرولا يمكن أن يقع النصر أبدا بدون الصبر والتقوى.
ويأتى الله تعالى بمثال من الأمم السابقة {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران} وقد وقع لكثير من الأنبياء. فالصحابة وقعوا فى هذا الموقف وأشيع بينهم أن النبى قد قتل وأنهم صبروا وثبتوا {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران} وكان النصر. قارنوا بين {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)} وبين {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران}. فى موقف القتال يستغفرون أى أن القتال موطن للإستغفار وأن الإستغفار من أسباب النصر.
وهذا يؤكد المعنى الذين تحدثنا عنه .إنما الناس يؤتون قدر ذنوبهم, وأن النصر ليس مبتوراعلى حياة المسلم. النصر هو ثمرة لحياة المسلم وعمله أى (متصل) . أنت تريد أن تكون فاسقا مفسدا فى الأرض ثم إذا جاءت المعركة تريد أن يكون النصر من الله!! . لا بد أن يكون لك إتصال حتى لو اتخذت العدة لا يمكن ان يحدث ذلك.لابد أن يكون لك إتصال. وحتى مع هذا الإتصال لا بد أن تشعر أنك مذنب ومقصر مهما عملت من أسباب التقوى ودخول الجنة. ولذلك قالوا {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران} يستغفرون عن ما وقعوا فيه من أخطاء (ذنوبنا) وعن ما تجاوزوا فيه من حدود الله (إسرافنا) وهذه مبالغة فى تقصى ما يحدث من خلل فى حق الله عز وجل وهى دليل على الصدق فى الطلب لأن الإنسان الذى يطلب بصدق يلح. قال صلى الله عليه وسلم( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطاياي وعمدي ، وكل ذلك عندي) - الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6399 - خلاصة الدرجة: [صحيح]. هذا هو الإلحاح والتضرع
أثر العلم فى تثبيت المقاتلين
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران} وفى قراءة أخرى (قُتِلَ) وهى تناسب مع {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} والقراءة الثانية (قاتل) هذا حالهم ونبيهم بينهم فهم قدوة لكم أى تأسوا بهم فأنتم لستم بدعا كما قال {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) آل عمران} فالأنبياء هذه حالهم يقاتلون وقد يقتلون.
توجد ثلاث معانى كأن الآية تشير اليها. الربيون إختلف المفسرون وكلاهما صحيح. إما الربيون جمع رَبانى نسبة إلى الرب أى أنهم علماء فقهاء أولياء لله. أو يقال نسبة إلى الرِبَة (الجماعة) وهم علماء كثيرون فقهاء ويكون المعنى أى نبى قاتل معه علماء كثيرون فما وهنوا ولا استكانوا. والمعنى الثانى نبى قُتِلَ معه من أصحابه علماء كثيرون كما حدث لكم قتل كثير منكم فاقتدوا بهم ولا تهنوا. الثالثة كأين من نبى قُتِلَ.. ثم تقف. أى النبى هو الذى قُتل. والربيون الذين معه لم يهنوا. وهى تناسب الموقف الذى تعرضوا إليه. والمعانى الثلاث كلها صحيحة ومناسبة.
ونلاحظ من حيث اللغة أنه نفى الوهن والضعف وبينهما معنى مشترك . الوهن أشد من الضعف وقد يكون الوهن قلبى والضعف جسدى.وإستكانوا أى خضعوا لعدوهم . ولما نفى عنهم ذلك فمعناه أنهم صبروا. وكأين أصلها ( أى) أضيف لها الكاف.تفيد الكثرة
والآية تدل على أثر العلم فى تثبيت المقاتلين وهذا يتناسب لأن العلم سبب للصبر وتثبيت الأقدام. العلماء الراسخون فى العلم كأنهم راسخة جذورهم فى الأرض. مثل رسوخ الشجر والجبال. والنبى لم يقاتل إلا ومعه علماء. وهذا معناه أننا نقاتل عندما نربى الناس وقال النبى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام " ذروة سنامه الجهاد" يعنى أعلى ما فى الإبل ,ما قام إلا على أرجل وأركان. ونحن نحتاج عندما نرفع راية الجهاد أن نربى الناس ويكون فيهم علماء كثير ربانيين وهم الآن قلة.
فائدة أثر العلم فى الإنتصار واضح فى قصة صلاح الدين . يوجد كتاب قيم د. ماجد الكيلانى "هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس" . الهزائم التى وقعت للمسلمين كانت فى وقت كان الجهل فاشيا ومدارس القرآن الكريم فى دمشق مدرسة أو إثنين. منذ بدأت الأمة تصحو وتعد للنصر بدؤا بالمدارس وإعادة الناس للقرآن الكريم وتدبره والعمل به الى أن جاء النصر فى أيام صلاح الدين وعدد المدارس يزيد فى دمشق وحدها عن 500 دار. ولذلك كتب صلاح الدين المنجد كتاب"دور القرآن الكريم فى دمشق" وثانيا, من كان مع صلاح الدين فى الجيش؟ كان معه من الأعلام القاضى الفاضل عبد الرحيم البيسانى ومعه ابن قدامة صاحب المغنى وقد استشهد وكان معه من الفقهاء والقراء خلق كثير.
 
الحلقة 19

برنامج بينات. حلقة 6 رمضان 1430

مقدمة
فائدة مرتبطة بكتاب التفسير الكبير الذى نسب للطبرانى وقد طبع حديثا .وقد رأى المحقق أن الكتاب ليس فيه شىء يمت للطبرانى .وقد وفق المحقق إلى أن كتاب تفسير الحداد اليمنى هو نفس الكتاب الذى نسب للطبرانى وقد بين ذلك. وهنا ننبه إلى قضية قد يحتاجها طلاب العلم إذ يظنون أن التحقيق هو تخريج الأحاديث أو نسبة الشواهد الشعرية للعقائدية. التحقيق هو حقيقة أول ما ينصب عليه هو هل هذا الكلام لهذا المؤلف أولا ونسبة الكلام لصاحبه بسرد أدلة على ذلك . والثانية فى القضية تحقيق أن هذا النص بالفعل كما تركه مؤلفه أى تحقيق النص . أما الزيادات مثل توثيق الأحاديث النبوية والأبيات الشعرية والآيات القرآنية وغيرها فمن فعله فقد أحسن ومن تركه فإنه قد أتى على أساس التحقيق. ونحن نحتاج إلى ضبط النص الآن أكثر من إحتياجنا لهذه الزيادات. وذلك يبين لك قيمة المحققين الكبار لا تجد فى كتاباتهم استطرادات طويلة.
الإبتلاء من الدين
قال تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)) آل عمران. حسبتم أى ظننتم. ومع أن الجهاد هونوع من الصبر ولكن أيضابعد الجهاد هناك الصبر على المبادئ وما حصل من أذى ولذلك ميز بين الجهاد والصير. لأن بعد الجهاد ربما نحتاج إلى صبر مثل الصبر على المصيبة مثلا. وقد يكون مناسب لقصة أُحد.
إن كثيرا من الناس يريد الدين "الناعم" يريد الدين الشهى أى فيه صدقة وصيام مثلا بدون أن تكون فيه تبعات وتضحيات وبلاء وتمحيص. ونقول يا أخى لا تظن أن الدين هكذا . من ظن ذلك فقد ظن محال من الأمر.{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} العنكبوت . المؤمن يمُحص إيمانه ويعرف هل إيمانه صادق وهل عقيدته ثابتة أم أن الدين جاء لأنه وجد عليه أبويه. وهذا المعنى تكرر فى القرآن (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)التوبة.( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) البقرة). يصل الحال بهم لإستعجال النصر ليس لأنهم لا يثقون بما عند الله ولكن من شدة البلاء الذى نزل بهم . وفى سورة يوسف (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110) ) وهذه قضية خطيرة يجب أن نعلم أن الدين عجن فيه البلاء ستبتلى فى أهلك ومالك وعملك ووطنك .
وهذا من فوائد غزوة أحد. أتظنون أنكم إذا غزوتم إنتصرتم وكل مرة النصرمضمون؟ بل فيه خسائر وقتلى وأسرى. ولاسيماأنها جاءت وفيها إستعداد . معركة بدر لم يكن فيها استعداد ثم أصبح مطلوب منهم مقاتلة المشركين.ثم نصرهم الله. أما فى أحد فقد كانوا مستعدين ويعرفون أن هناك معركة وقريبة من المدينة وهم متحمسون ولكن هزمتهم. وبعض الناس يقول لو نُصر الناس فى أحد أيضا حتى يتمكن الإيمان ثم يبتليهم فى معركة ثالثة أو رابعة ولكن جاء الإبتلاء فى أول معركة كانوا متوقعين فيها النصر. لأنهم فى بدر نصروا (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) آل عمران.
قضية الإبتلاء هذه يغفل عنها كثيرا ولذلك سرعان ما ننهزم نفسيا فى كثير من المواقف. بضغط من الإعلام والكفار أصبح من الناس من يظن أن الجهاد الأصل فيه الدفع فقط وليس جهاد طلب. مطلوب من المسلمين القتال لنشر الدين ويستشهدون. حتى أن من المسلمين من يعتب على المجاهدين فى فلسطين وأفغانستان والعراق ولكن من الوهم اننا وهنا والله يقول لا تهنوا وقد دب الوهن فى نفوس المسلمين وأصبح الناس يريدون الإسلام الرقيق أو فى شئ يردك عن الجهاد والتضحية. ولكن القرآن ليس كذلك. الله شرع الجهاد لتقوى قيمة الدين فى قلوبنا. فمثلا الأب يشترى السيارة بعرقه فيهتم بها أما الإبن تُشترى له السيارة بمال الأب فلا يهتم لأنها جاءت بدون تعب. الله عندما شرع هذه الأشياء تتضح قيمة الدين فأنا جاهدت وجدت ولذلك لن أفرط فيه لأنك ضحيت من أجل دينك. والناس الآن تتوقف عن الدين لأنه جاء ببساطة وما ضحى من أجل دينه وبذل من أجله النفيس والغالى. (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) آل عمران) أى أن هناك تضحيات وقد لا تعود إلى أهلك. لا يوجد دين سماوى أو وضعي ولا توجد جماعة تنتمى الى فكرة معينة لا تقاتل وهذا من سنة الله فى الناس فانظر أين تكون مقتولا أو قاتلا . هل أنت فى حزب الله أم فى حزب الشيطان . هل رأينا الآن النصارى جلسوا وتركوا القتل والقتال؟ واليهود والمجوس تخلوا عن القتل؟ . هذه قضية كونية أرادها الله تعالى. ولكننا نعترف أننا خذلنا من أنفسنا قبل أن نخذل من غيرنا. نقول لمن يريدوا أن يطبعوا مع اليهود ويمدوا يد السلام إليهم هل سيقنع الهود بهذا؟ سيقاتلون أكثر ويحاولون أن يستحوذوا على أشياء أخرى الإقتصاد والسياسة وأشياء كثيرة فى العالم الإسلامى والله لو تمكنوا من ذلك لآذوا المسلمين أذى عظيما. اليهود أعقل منهم يعرفون أنهم لابد يستمرون فى القتال ويحاولون أن يحصلوا على ما يريدون. ماذا جنى الذين طبعوا ..فما جنوا أى شىء.
تمني البلاء
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)) آل عمران. والتنبيه على أن محمد صلى الله عليه وسلم رسول مثل الرسل بمعنى أن السنن التى جرت على الرسل جرت على محمد صلى الله عليه وسلم. الرسل الذين حصل لهم قتال أو غيرهم مثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام . نجد موافقات بين سيرة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم هاجروا من بلادهم وهذا جزء من الإبتلاء. وفى النهاية من حصل له فى الدعوة الى الله إبتلاء فأنظر تجد أن هناك قدوة من الأنبياء.
بعض الصحابة الذين لم يلحقوا بركاب البدريين كانوا يتمنون أن يلقوا المشركين فى غزوة أخرى.ولم يتصوروا كيف تأتى الهزيمة والخذلان والله تعالى يقول لهم (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) أى إنتبهوا مع أن المؤمن إذا لقى العدو يجب عليه أن يثبت ولكن لا يتمنى لقاء العدو . وفى الحديث :{ كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقرأته : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها ، انتظر حتى مالت الشمس ، ثم قام في الناس خطيبا قال : ( أيها الناس ، لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف . ثم قال : اللهم منزل الكتاب ، ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب ، اهزمهم وانصرنا عليهم ) .الراوي: عبدالله بن أبي أوفى المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2965 خلاصة الدرجة: [صحيح]}
لا إيمان إلا ببلاء ولكن لا نتمنى البلاء وإن جاء البلاء نصبر وفى ساعات العافية نسأل العافية. إن الصحابة الذين كانوا يتمنون الموت كان من حبهم للرسول والجهاد معه والشهادة ولكن الخلل جاء من عصيان الرسول فى قضية إدارة المعركة ولكن هم ليسوا منافقين بل صادقين مخلصين.
المبدأ ليس معلقا على الرجال
َمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)آل عمران. قصة الثبات على المبدأ. وهو ليس معلق على الرجال. المسلمين يضعفون فى مواطن كثيرة ولكنهم مثل النار التى تخمد ويعلوها الرماد ثم تظهر مرة أخرى.ومن الناس من يتعلق بالرمور وإتخاذهم أندادا ووضع التماثيل لهم أما تحن فلا نتعلق بإنسان و لا نقدمه على الحق أو أن نعلق الحق به. فإن مات أو قتل فنحن باقون على الحق. وكذلك عندما يموت الداعية فمن الناس من يمل الدين و عندما يموت عالم بعض طلبة العلم يتكلمون بأسلوب وكأنهم يقولون بعد هذا العالم انتهت الدنيا. وهذه نوع من المبالغات الزائفة وأحيانا تدخل فى باب التأبين والنعى المحرم بأنه كان يعمل كذا وكذا. فالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة ماتوا ولم يكن مثل هذا موجودا. وأنبه على طلبة العلم أن يتأنوا وينظروا وهذا النوع من الناس لا تستعجل به بل إقتدى بالرسول.
هذه الآيات نزلت فى معركة أحد فى أول الهجرة ومرت الأيام وهذه الآية موجودة. لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق الخبر كالصاعقة وأسقط فى أيدى الصحابة. عمر بن الخطاب لم يحتمل أن يقول أحد (مات رسول الله) وهدد أن يضربه بسيفه. لما جاء أبو بكر الصديق قالوا مات رسول الله ذهب وقبله وقال لعمر إجلس يا عمر فأبى وقال أبو بكر من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات . أبو بكر قوى وثابت حفظت عنه كثير من المواقف الفاصلة. ثم قرأ هذه الآية { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)آل عمران}. لما سمع عمر الآية سقط وقال (كأنى ما سمعت هذه الآية). عندما نتحدث عن الآية فى المناسبة مثلا (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) 185 آل عمران. فإن تفسرها فى حالة فرح أو فى حالة وفاة تكون أشد تأثيرا؟ . فمثلا أجمع الناس فى الحج وأفسر سور الحج. وفى رمضان تحدث عن آيات الصيام.
فى الخاتمة (انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) نحن مرتبطون بالله لا نعبد إلا الله وما محمد إلا رسول. دائما ننظر إلى ما يريده الله. وسنة محمد قد إرتضيناها لأن الله أمر بها. (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) آل عمران.
(انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) فيها تصويربلاغى. كيف أن الإنسان الذى يعلق نفسه بشخص فإن مات توقف كيف ينقلب الإنسان على عقبيه أن يجعل رأسه عند عقبيه مشهد غاية فى السوء . انتبه يا مسلم الا تتوقف . ديننا ثابت حتى يوم القيامة لأننا نرى فى آخر الطريق جنة عرضها عرض السماوات والأرض وأن منهجك عالى ( وأنتم الأعلون) فصاحب المنهج العالى لا ينقلب على عقبيه.إن الحياة الحقيقية فى الثبات والبقاء على المبدأ. ما نفر أبدا وهذا كان فى الجاهلية فما بال الإسلام.
(وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) .أولا الجزاء من الله وهذا كافى بأن يكون جزاء وافيا والثانى الشكر وهو أن تظهر عليه آثار الطاعة فى لسانه وأعماله. ما موطن الشكر هنا؟ شكروا ماذا؟ شكروا نعمة محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام الذى جاء به ونعمة الثبات على المبدأ فمن ثبت ولم ينقص على عقبيه فهو شاكر.
 
الحلقة 21
8 رمضان 1430

مقدمة - تعليقات على الحلقة السابقة
توقفنا عند أثر العلم فى تثبيت المؤمنين الصادقين فى الجهاد وإنطلقنا من قوله سبحانه وتعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)آل عمران}. ومن معانى الربيين العلماء الصلحاء وذكرنا أن من أسباب ثبات هؤلاء فى الجهاد هو العلم الذى تعلموه ولا شك أن العلم الذى يثبت هنا هو العلم بالله وسننه وصدق الأنبياء وما جاءوا به .
الإشارة إلى وجود كتاب تفسير " السراج المنير" للإمام الخطيب الشربينى المتوفى 977 وهو كتاب نفيس . ذكر فى آخر قول {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران} أى فهلا قلتم وفعلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؟. هو لم يفسر العبارة بل قال (أى) وهذه مسألة (لازم الخبر) وهى فائدة مهمة. من الكتب كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدى (قواعد الحساب) اعتمد على فكرة لازم الخبر. صفات الله الحسنى يبين لوازمها. ويستفاد من الصفة التى يصف الله تعالى بها نفسه أو الإسم ما يستلزمه . فمثلا السميع العليم يلزم منها أنه شديد المراقبة ويسمع دعاؤك ويطلع فماذا يلزم منها؟ أن تراقب الله فى السر والعلن.
من مواطن الإجابة فى الدعاء إلتقاء الصفوف. وهو ثابت فى السنة النبوية والعجيب أنه ثابت فى القرآن أيضا فى هذه الآية وفى سورة البقرة فى {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة} . أن الدعاء هنا مستجاب. وهذه مواطن إقبال القلوب على الله هى مواطن إستجابة { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) النمل} لأن المضطر يقبل على الله بكلياته . حتى لو كان كافرا {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65) العنكبوت} أى فى مواطن الأضطرار.
فكرة المثانى تتكرر. منهج القرآن التكرار . لاحظوا أن القضية تتكرر فى السورة . وبلاغة القرآن بقتدى بها . فنحن نكرر الفوائد إقتداء بالمنهج لكى لا ننسى.
من كتاب الخطيب الشربينى, قال تعالى "ثواب الدنيا" ولما جاء ثواب الآخرة قال " وحسن ثواب الآخرة" قال أى فى الدنيا الذكر والغنيمة وخص ثوابه بالحسن وهى الجنة وخص ثوابها بالحسن إشعارا بفضله وأنه المعتد به عند الله. ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة . ما قال ثواب الآخرة فقط لأن الله يتخير لهؤلاء الصادقين الشهداء الثواب المضاعف أى أحسن الدرجات وهذا ثواب الشهداء. لأن ثواب الآخرة هو الجنة ولكن لهم حسن الثواب ولذلك لما أحسنوا أحسن إليهم وجاءت الفاصلة {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران} الجزاء من جنس العمل.
لوازم الخبر . يقول تعالى { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود} وأيضا {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) فصلت} وأشار كثير من العلماء قالوا أن القرآن حق ,ولازمه حق كذلك. كلما أعملت ذهنك و تستنبط من القرآن فى الإستنباطات المنضبطة بالأصول الصحيحة, فهو حق لأنك تجد أن الشواهد تدل على ذلك. القرآن فيه ما يؤيد الإستنباط ففى هذه الآيات نتحدث عن الصبر نجد أن الآيات كلها تنصب على الصبر.
الله يطمع عباده بالمحبة { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} و { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } وهذا يدل على إن المحبة هى جزاء. ومن يريد أن يحول بينه وبين الجزاء فقد أساء . يؤؤل هذه المحبة تأويلا باردا فيقول هى إرادة الثواب سيحرم خيرا كثيرا. وهذا من معانى {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } من الآية 54 المائدة. والعجيب أن يحبهم ليس أن يحبونه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) آل عمران}

طاعة الكفار وإلقاء السمع إليهم
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) آل عمران} من هم؟ منهم هؤلاء الذين كفروا واليهود والمنافقون وأيضا من تأثروا بالمنافقين ومن يستمعون لهم. إذن ياأهل الإيمان لا تكونوا سماعون لأمثال هؤلاء لأنهم لو كانوا يهدون لهدوا أنفسهم. لأن من أطاعهم ينقلب على عقبيه . وهذا ما نسمعه الآن, لاداعى للجهاد فى سبيل الله ,إن الدول لا تحرر إلا بالطرق السلمية, عليكم بالحوار وضبط النفس. ما هذا المنطق؟ أمريكا لا تستعمل هذا المنهج, واليهود لما دخلوا فلسطين لم يدخلوها بهذا المنطق. ونقول ( { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)آل عمران} لا تظنوا أن لا ناصر لكم فالله ناصركم وإن ظننتم ألا قوة لكم فاعلموا أن الله معكم.
أين الذين كفروا هنا فى غزوة أحد؟ أين طاعة الكفار؟ المنافقون قالوا نحن نصحنا محمدا بأن يقاتلهم فى المدينة وأن هذه قضية بين محمد وقومه لا شأن لنا بها. المنافقون يستمدون هذه العبارة من اليهود { أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) الحشر}. فى التفسير الميسر يقول بأنهم اليهود والنصارى والمنافقين والمشركين. هذا يدل على أن الآية أعم من أن تكون مرتبطة فقط بسورة أحد. لماذا لا نقول أن هؤلاء كان لهم دور فى تثبيط المؤمنين وثنيهم عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أما النصارى لم يكن لهم دور فى أحد. وهذا يدل على أن الآية أعم من غزوة أحد.

فائدة متعلقة بالوقف
إذا جاء الخطاب (ياأيها) فإنه يدل أن هذا إستئناف منفصل عن ما قبله بمعنى أن الوقف على ما قبله وقف تام. وأن ما بعده إستئناف جديد. وقد يخلط على بعض الناس يقول كيف ان هذا إستئناف تام وأنتم تقولون أنه مرتبط بغزوة أحد . نقول أن التمام عند علماء الوقف نوعان :مطلق أى أن ما بعده ليس له علاقة بما قبله مطلقا ونوع جزئي له علاقة ولكن انتهى الحديث وأُتي بحديث مستقل ومرتبط بما سبق لجملة السياق. والسياق نوعان سياق جملة وسياق خبر أو قصة . سياق الجملة قد يحدث فيه خلاف فى العلماء هل هو وقف تام أم كافى. أما سياق القصة أو الحدث فلا خلاف فيه. والمقصود أن لا علاقة له مطلقا من ناحية الإعراب وليس من حيث المعنى. وهذا الوقف التام والكافى وهناك أيضا أنواع للتمام. ولكن نلاحظ أن القاعدة هذه لا تنطبق فى { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) الأحزاب}. أن ما من عموم إلا وقد خص حتى هذه القاعدة .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)} آية عامة من حيث المعنى وأن طاعة الكافرين والمنافقين تردك على أعقابك خاصة فى قضايا نصرة الدين ولكن لا يدخل فيها القضايا العامة مثل مهندس أو طبيب مثلا. لقد أصبح المسلمون يشتكون اليهود إلى اليهود والنصارى للنصارى وهذا لا يمكن. التاريخ يؤكد هذه القاعدة إلى اليوم والأمة عندما تعود لهذه القاعدة تنتصر وعندما تتخلى عنها تنهزم. هذه الآيات نزلت فى موطن محدد وهذا له دلالة , وهو أن بعض المسلمين قد تأثروا بما بثه اليهود والمنافقين بين صفوفهم.

الرعب من جنود الله
{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)} متى ألقي الرعب فى قلوب المشركين؟ عندما يتولى المسلمون ربهم يعتصمون بحبله اعتصاماً تاماً ويدخلون الحرب وليس في قلوبهم إلا الله سبحانه وتعالى. وعدهم الله بأن هؤلاء المشركين مهما كان معهم من العتاد والخطط الحربية فإن كانوا يملكون الأشياء المادية فإنهم لا يملكون قلوبهم هذه القلبو بيد الله والله يصرفها كيف يشاء وبما أنها فارغة من عبودية الله فإن الله فى ساعة الشدة يكشفها .{ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌٌ (43) إبراهيم} يفعل بها فعل الريح فالمقاتل معه سلاح فتاك ما عاد يمسكه بيده لأن المركز خواء إمتلأ بالرعب. الرعب جند من جنود الله , يلقيه الله فى قلوب هؤلاء فلا يبقى لهم مجال لأن تنفعهم أسلحتهم ولا عتادهم. في اليرموك كانوا يربطون بعضهم ببعض بالسلاسل في أرجلهم. أنزل الله تعالى هذه الآيات بعد المعركة .هل الآية (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) عن الماضى أم الحديث هنا عن المستقبل؟ . الكلام عن المستقبل { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران} من هؤلاء الذين سيلقى فى قلوبهم الرعب؟ يبدو أنها من باب الوعد المتناسب مع المصيبة أو الهزيمة. مع أنه أصابكم ما أصابكم فإن الله يتولاكم ما دمتم رجعتم . يؤيد ذلك الآية التى بعدها { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران} ولذلك المعركة الكبرى التى حدثت بعد غزوة أحد فيها معنى الرعب وهي الأحزاب وهي مثال لإلقاء الرعب. (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) المقصود "بهم" اليهود لأن أحد وقعت فى شوال فى السنة الثالثة للهجرة وبعدها بأربعة أشهر في ربيع الأول من السنة الرابعة للهجرة بني النضير { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) الحشر}. إن هذا الرعب هو ذاك. اليهود لم يتوقعوا أن يهزموا. ولكن ما وقع في ذهني هو فى بني قينقاع ثم بني النضير ثم بني قريظة و الأحزاب ما توقعوا الهزيمة لأن العوامل المدية ما كانت توحي بذلك.

أثر الشرك على خواء القلب . إذا اعتمد الإنسان على غير الله تخلى عنه ذلك الغير عند وقوع الشدائد. وعكسه الإيمان { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) إبراهيم} وهى كلمة التوحيد. لاحظ أن الناس الذين عندهم نوازع شركية خوف من الجن والعين والسحرة يستغيثون بغير الله نجدهم أكثر الناس جبناً عند الشدائد. ولكن الموحد تجده فى وقت الشدة أثبت ما يكون وأكثر الناس ثقة بالله مع أن كل المعطيات المادية قد لا تساعد لذلك هو ثابت رابط الجأش هذا معنى تراه بين الإيمان بالله والثبات بما ملأ الله قلبه به من التوحيد. تلاحظ فى المعارك المعاصرة كيف يأتي الجندى المسلم بعتاد بسيط أما الجندى الكافر يأتي بعتاد كبير حتى أصبحت وبالاً عليه إلا أنه { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌٌ (43) إبراهيم}.

وعد الله بنصر المؤمنين
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران} دخلنا فى أحد مرة أخرى. تحسونهم الحس بمعنى القتل الكثير . يدل على أنهم قتلوا كثيرا. وكلمة "بإذنه" يراد بها المعنى القدري وهذا يصدقه قوله تعالى { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) الأنفال} ويراد بها المعنى الشرعي لأن الله أذن لكم قتلهم والإثخان في القتل (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) الأنفال) فى هذا الموطن يحمد أن تقتل وتُرىِ المشركين القوة وتقذف في قلوبهم الرعب.
(حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ) صدق الله وعده فى حالة صدقكم معه, فجعلكم تحسونهم. ولكن اذا فشلتم وجبنتم وعصيتم بعد النصر لأنهم رأوا فلول العدو ذهبت والصحابة يلحقون بهم, قال بعدها (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) والسبب فى هذا هو التنازع بينكم. إرادة الدنيا إذا تغلبت على إرادة الآخرة سبب للهزيمة خصوصا اذا أدت إلى معصية الله لأن الانسان لا يستطيع أن يتخلص من نوازع نفسه الداخلية لأنه يحب الدنيا ولكن بدون معصية الله.
سؤال أين هم الملائكة فى المعركة؟ هل شاركت مشاركة فعلية فى أحد؟ شاركت فى بدر قطعا, ولكن فى أحد وباقي مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم كانت المشاركة بالتطمين والتثبيت وليس بالغزو كما قال مجاهد. وقد يكون السبب (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ) والله سبحانه وتعالى اشتطر (فإن تصبروا وتتقوا) وأنتم الآن لم تحققوا الشرط فلم يتحقق الوعد. مشاركة الملائكة لم تكن فقط في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بل كان المؤمنون المؤمنون كانوا يشعرون بالملائكة بوجودهم فى الصفوف ويشعرون بالطمأنينة مع شدة المعركة. وإخواننا المحاربين الآن يقولون كنا نشعر بذلك.
(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ) يقول ابن مسعود ما كنت أظن أن أحداً من الصحابة يريد الدنيا إلى أن نزلت هذه الآية. المقصود بالدنيا الغنائم، عصوا رسول الله لأجل لعاعة من الدنيا وكان ذلك بشيء من التأويل وتخلف عنهم النصر. فماذا نقول الآن نحن الآن أُشربت قلوبنا فى الدنيا وبعنا من أجلها كثيراً من أركان وفرائض هذا الدين ونرجو نصر الله ونرجو صدق موعوده؟! .
(ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ) إلا لأوقع بكم أشد العذاب . موقع العفو هنا عجيب. الخبر الآن كله عن ما وقع من بعض الصحابة من معصية ولذلك عتاب الله لهم أليم (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) قال (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) ثم صرفكم عنهم ليختبرهم. هم لم ينجحوا فى هذا الإختبار فى هذه المرة ولكن الله سبحانه وتعالى عفى عنهم (وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ). انظر وقع هذا على الصحابة وهذه التربية بيّن لهم ما وقعوا فيه ثم عفا عنهم. النبى صلى الله عليه وسلم فى تبوك لما أذن لبعض المنافقين وهو يعلم أنهم كارهون للذهاب معه عاتبه و قال { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) التوبة} قدم العفو وهذا دلالة على محبة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم حتى في مثل هذه الحالة. لو تأملت مقامات محبة الله لنبيه صلى الله عليه وسلم فى القرآن حتى فى مثل هذه الآيات لوجدت شيئا عجيبا جدا تقف عنده موقف الخاشع لهذا الرب العظيم في محبة الله لنبيه وعلى المؤمنين أن يحبوه.
{ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) آل عمران} يصف حال المؤمنين لما بلغهم خبر مقتل الرسول أو لما داهمهم جيش المشركين وهم يجمعون الغنائم يفرون فى كل إتجاه ولا يلون على أحد. والرسول يدعوكم فى أخراكم . كان يقول" أيها الناس إليََّ إليََّ" كان يدعوهم إلى الجزاء الأوفى و الثبات والصدق أى لما يحييهم ويدعوهم إلى الآخرة أم في آخرهم؟. كتب السبرة تقول أنه لما فرّ الصحابة كان يناديهم من الجبل فقوله في أخراهم يعني من خلفهم.
 
الحلقة 22
9 رمضان 1430
مقدمة
تكلمنا فى الحلقة السابقة عن العلماء. العلم ليس على كل حال يهدي الإنسان الى الجنة ولكن العلم النافع, علم الكتاب والسنة وعلم هذه الشريعة العظيمة هو الذي يوصل الإنسان إلى المقاصد النفيسة في الدنيا وفي الآخرة.
لا زال الحديث عن غزوة أحد ووصلنا إلى قول الله عز وجل {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)آل عمران } هذه الآية مرتبطة بما قبلها ارتباطاً وثيقاً وأُذكِّر بما ذكرناه في الحلقة السابقة عن الوقف. وهنا الوقف ليس تاماً لأن الآية مرتبطة بما قبلها إعرابياً . قال تعالى (إذ تصعدون) إما أن تكون ثُم صرفكم إذ تصعدون أو ولقد عفا عنكم إذ تصعدون فتكون مرتبطة معنى واعراباً بما قبلها.
النبى صلى الله عليه وسلم يتخير مكان المعركة
تصعدون: معنى الاصعاد هو المشي فى الصعيد وهو الارض المنبسطة وبعضهم يقولون تصعدون من أصعد هو الصعود من مكان المعركة لأن أرض المعركة كان فيها جبال. وبعض اللغويون يقولون الصعود هو الرقي والاصعاد هو الانتشار في الصعيد وقوله تصعدون هنا من الاصعاد، من أصعد وليس صعد. لو تخيلنا المعركة لعرفنا معنى الإصعاد وكيف كان المسلمون ينتشرون في أرض المعركة وحبذا لو خلال التفسير جئنا بخريطة لموفع المعركة فهذه تعطي الذي يتعلم التفسير تقريب واضح لمكان المعركة.
نلاحظ أن النبى صلى الله عليه وسلم عندما يدير معركة يديرها باحترافية عالية جداً ليست القضية أننا نتكل على نصر الله وتنتهي القضية عند هذا بل إن نصر الله سبحانه وتعالى ينزل علينا لأننا اتخذنا الأسباب والاحتياطات التي أمرنا الله بها وخاصة الأماكن. فكان صلى الله عليه وسلم يتخذ كل الاحتياطات ومنها إختيار الأماكن. واختياره صلى الله عليه وسلم مكان بدر ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : أشيروا علي في المنزل ، فقال الحباب بن المنذر لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت هذا المنزل أمنزل أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخره ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل هو الرأي والحرب والمكيدة . قال : فإن هذا ليس بمنزل ، انطلق بنا إلى أدنى ماء القوم . . .} الراوي: - المحدث: ابن العربي - المصدر: أحكام القرآن - الصفحة أو الرقم: 1/391 خلاصة الدرجة: ثابت.
ثم ذكر الخطة المذكورة ليكون عندهم ماء وليس عند عدوهم ماء. العدو من استكبارهم تركوا الإستعداد وما شعروا إلا وقد وقعوا فى الفخ. وفي أحد جاء المشركون المدينة من شمالها لأنهم لا يستطيعون دخول المدينة من جنوبها لوجود القلاع والحصون واكتفوا أنهم جاؤوا إلى أرض منبسطة ووادي. والنبي صلى الله عليه وسلم اتخذ مكانا رائعا جعل فيه جيشه . جبل أحد عن يمينه وجبل الرماة عن يساره وخلفه. جبل الرماة صغير يمكن أن يوضع عليه سرية من الجيش تحمى وتدير رحى المعركة. تتعجب من إختيار النبي صلى الله عليه وسلم للمكان حتى لو أردنا أن ننسحب عندنا جبل ولذلك عندما وضع الرماة على الجبل قال لهم عليه الصلاة والسلام: لا تبرحوا أماكنكم حتى لو رأيتمونا تتخطفنا الطير.
أنا كنت فوق جبل الرماة وكنت أتساءل كيف يصل السهم من هذا المكان البعيد؟ . ان هذه المسألة أشكلت على محمود شيت خطاب وهو رجل عسكرى من كبار من كتبوا في الحاضر في تاريخ الاسلام ومن كتبه كتاب (الرسول القائد) فجاء إلى أرض المعركة ولما راجع الروايات وجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وضع الرماة بالفعل فوق الجبل وضع آخرين في وسط الجبل للرمي. هؤلاء للرصد والحماية و وهؤلاء القيام الفعلي بالرمي. السهم لو رميت لا يتعدى 20 متر ثم يسقط والجبل أعلى من ذلك. أنظر فى غزوة الأحزاب وضع صلى الله عليه وسلم الخندق فى شمال المدينة. اختيارات كل هذه الأماكن تدل على الأخذ بالأسباب والعلم بالجغرافيا والفلك وكل الأسباب المحيطة معتبرة.
فائدة: متعلقة بالرسم.
" تَلْوُونَ" كتبت بواو واحدة ولو اننا نعتمد على الرسم – كما يقول بعض المستشرقين- لقرأناها "تلون" ولكن الأصل فى القراءة هو ما حفظ فى الصدور وليس ما كتب فى السطور. نجد أن هناك واو صغيرة أضافها علماء الضبط تنبيها على الواو الأخرى التى لم تكتب. والصحابة لم يكن عندهم إشكال في ذلك أن يكتبوها بواو واحدة ويقرأونها واوين، بعض العلماء المتأخرين أشاروا أنها من سوء هجاء المتقدمين أي كانوا ضعفاء فى الإملاء وليس هذا بصحيح. الإملاء اصطلاح تعارف عليه أهل كل عصر والإملاء إلى اليوم فيه خلافات. ألا ترون ان هذه فائدة تشير الى مفهوم الزوجية فى الحياة خلق الله كل شيء في الحياة على هيئة الزوجية، الآن في تلقي المصحف لا يقبل خط إلا بشهادة حافظ ولا يقبل حفظ حافظ إلا بشهادة مكتوب. هذين الشاهدين على ضبط النص القرآني. ونعمل بهذا إلى اليوم في رضد درجات الطلبة على الرغم من وجود التقنية لعمل ذلك. الصحابة كانوا لا يكتبون الآيات إلا بعدما يتأكدون منه.
(لا تلوون) معناها هربتم مسرعين حتى اذا ناديناكم لا تردون ولا تلتفتون وهذا ما وقع فى نفوسهم من الهلع والهروب في الموقف عصيب. ولم يكن صلى الله عليه وسلم بمنأى عن أصحابه ,كان هو الذي يثبت وهو الذي يدورون حوله وكانوا يقولون كنا نحتمي به لعلمهم انه أشجع الخلق. وشجاعة البدن راجعة إلى شجاعة القلب وثباته وثبات القلب راجع إلى الإيمان والإتصال بالله سبحانه وتعالى فأعظم الناس اتصالاً بالله سبحانه وتعالى هو أشجعهم قلباً وأشجع الناس قلباً هو أجرأهم. ومع هذه الصفات التى إتصف بها الرسول صلى الله عليه وسلم من الشجاعة والقوة لم يثبت أنه قتل بيده إلا أُبي بن خلف فى معركة أحد عندما قال بل أنا أقتلك يا عدو الله. فبالرغم من شجاعته صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يكن سفاكاً للدماء كما يتهمه الجهلاء.
{فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ}
الصحابة رضي الله عنهم وقع منهم ما وقع فى هذا الموقف فعاقبهم الله في نفس المكان. نستنبط فائدة أنه ينبغي على المؤمن ألا يحزن عندما يعاقَب فكان العقاب مباشرة فهذه نعمة وفي مصلحته. قد أعجل العقوبة لمحبته لك و لرحمته بك. ونجد بعضهم عندما يصاب بمصيبة فيعلوه الهم وبعضهم يتسخط ويقول أنا ماذا فعلت يا رب وكذا. أقول هذه نعمة على الانسان أن يعجل العقوبة. يقول حسن البصرى: إنني لأرى ذنبي في ولدي ودابتي وزوجي. وهذا من رحمة الله بالإنسان بتعجيل العقوبة حتى تأتى يوم القيامة بدونه وهو أيضا تقويم مباشر وحتى لا تتمادى في معصيتك. وما يؤكد ذلك {لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} ويقول المفسرون في قوله (فأثابكم غماً بغم) عاقبكم الله غما, غم القتل والجراح بسبب أنكم غممتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفتكم إياه وتنازعكم في الأمر، هذا قول ويشهد له واقع الصحابة. والقول الثاني وهو أقوم والله أعلم انه أثابكم غما بغم قتل رسول الله كان سبباً لزوال الغمّ الذي وقع في قلوبكم بالهزيمة والانكسار والمصيبة فلما سمعتم قتل رسول الله نسيتم مصيبتكم فكان ذلك من رحمة الله بكم. ولما علموا انه حي يرزق كأنه لم يصيبهم شىء يؤكد ذلك موقف الصحابية التي أبلغوها عن مقتل زوجها وأبيها وأخيها وهي تسأل ما فعل رسول الله؟ فقيل لها هو حيّ يرزقن فقالت كل مصيبة بعده جلل يعني سهلة أو صغيرة. الشيخ الشعراوى رحمه الله حام حول هذا المعنى الثاني فأجاد. الإصابة هنا كأنها بمعنى جزاء معنوي وليس من باب العقاب كما فى القول الأول أنها عقاب. أثابكم أي خفف عنكم المصيبة . (غماً بغم) فيها بيان معنى الأدوات هل الباء في (بغم) بمعنى على أو باء السببية أو باء بمعنى البدل يعني غماً بدل غم أو غماً بسبب غم أو غماً على غم.
(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) يبدو أنها مرتبطة بالحدث كاملاً (حتى اذا فشلتم) (منكم من يريد الدنيا) هو خبير بعملكم . مجموعة أعمال حصلت منهم وكلها اعمال فناسب أن يكون الختام (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)"خبير" يدل على الخبرة والعلم.فكل خبير عليم وليس كل عليم خبير. وتأكيد على ذلك قوله تعالى (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ) لم يكن أحد يعلمها من الصحابة رضى الله عنهم.
{ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) آل عمران}
النعاس من الرحمة ومن الشيطان
{ أَمَنَةً نُعَاسًا} يقول العلماء أن النعاس يأتي فى مواطن يكون فيها من الرحمان أو من الشيطان. المواطن التي يكون النعاس من الرحمن هو القتال أمام العدو. فالإنسان هو أمام عدوه يتوقع منه ضربة, فى تلك المواطن يسهر الشخص سهراً شديداً ويذهب نومه ولا وجود للإسترخاء. وهذه من المواطن التى كافأ بها الله تعالى المؤمنين وهذه من خصوصيات أصحاب الأنبياء أن يكافئهم مثل هذه المكافآت جزاء عاجلا جزاء لهم على صدقهم وهذا النعاس أمنة. وفي مواطن أخرى يأتي من الشيطان في خطبة الجمعة مثلا أو أثناء الصلاة أو في قيام الليل. قال أنس إن أبا طلحة قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد ، قال فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ، ويسقط وآخذه . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4562 خلاصة الدرجة: [صحيح]. وعن أبي طلحة قال : رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر ، وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس فذلك قوله تعالى { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا } . الراوي: أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري المحدث: الوادعي - المصدر: الصحيح المسند - الصفحة أو الرقم: 366. خلاصة الدرجة: صحيح على شرط مسلم
قال (أمنة) أولا وهذا تطمين وتأمين لهم وفي بدر قال (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) الأنفال) وهنا (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا ) قدّم الامنة هنا لأنها حال خوف فناسب أن يقدم الأمنة وحالهم في بدر لم يكن حال خوف مطلق لكن ليست حالهم كحالهم في أُحد.
{وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}
ومتى أهمتك نفسك أوكلك الله إليها وإذا كان همك الله والدار الآخرة تولى عنك وحفظك "احفظ الله تجده تجاهك" .هذا المعانى الرائعة أثارها سيد قطب في ظلال القرآن (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) وقال هؤلاء الأنانيون، المسلمون يتخطفون وهؤلاء همتهم أنفسهم. ولا شك أن هؤلاء هم المنافقون أما المسلمون الصادقون فكانوا يقاتلون مع رسول الله. نلحظ الصالحين من عباد الله وطلاب العلم وغيرهم الذين يهتمون بتوعية الناس وقضاء حوائجهم وإعادة الدين لمجده, هؤلاء من يقضي حوائجهم فى بيوتهم؟ هذا ليس مشغولا بهذه الأشياء فلا يشغله الله بها. أما من ليس له همّ إلا نفسه يشغله الله بهذه الأشياء. مهما تفرغت لله اعلم أن الله يكفيك مؤونة الحياة قد أشغل بها كثيراً من عباده. يكفيه إياها من تفرغ له.
{يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ } يظنون أن الله لا ينصرهم وهذا لا يقع إلا ممن ضعف يقينه وهم المنافقون. ولذلك قال بعدها (ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ)
نحن نتهاون بقضية الظن وهو حسن الظن بالله وعدم امتلاء القلب يقينا بموعود الله. هذا وقع فى القرآن كثيرا من أولئك الذين لا يعرفون الله حق معرفته ولا يقدرونه حق قدره وفي سورة الفتح تركيز كثير على هذا المعنى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) )
كيف يظنون أن الله لا ينصر دينه ويترك جنوده ويسلمهم إلى عدوه، قال (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ). (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)) ثم قال (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)) أي هلكى خاسرين . ثم يقول تعالى ( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15) الفتح) فعوقبوا على ذلك أنهم لم يتبعوا الرسول ولم يشاركوه فى المعركة. وهو نفس المعنى هنا (يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) ثم فصل {يقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} وفيها تفصيل لتلك الأمور القلبية التى لا يطلع عليها إلا الله ولذلك قال (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) متناسبة مع هذا الظن القلبي. (يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا) كأنهم يُسلبون الاختيار مع الرسول فهم جبناء لا يستحقون أن يُستشعروا. وهذا الذي أُبعد النعاس عنهم خوف القتل والآخرون المطمئنون بموعود الله أصابهم النعاس.
 
الحلقة 23
10 رمضان 1430 هـ
{ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) آل عمران}
تحدثنا عن قضية الظن الحسن وذكرنا أن المؤمن الموحد يحسن الظن بربه وخاصة في أوقات الشدائد واشتداد الكربات أما المنافق فلخوار قلبه وعدم علمه بالله سبحانه وتعالى يسيء الظن بالله جل وعلا ولذلك قال الله عز وجل ذاماً هؤلاء (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) لا يزيدنا النظر فى هذه الآيات إلا إيمانا بالله وتصديقاً بنصر الله لهذا الدين ولأوليائه. في المعارك الحربية الآن بعد كل معركة يصدر بيان يظهر فيه القائد ما هي الخسائر فى الصفين؟ ما هي الحوادث التي وقعت؟. وهذا ما نتحدث عنه من قوله تعالى (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)) أشبه ما يكون بالبيان بعد المعكرة وليس من الرسول صلى الله عليه وسلم القائد الأعلى للمسلمين إنما هو من الله عز وجل. البيان يتكلم هذه الأحداث. ومن العجيب أنه يتكلم عن أسرار النفوس ولا يوجد بيان عسكرى دنيوي يتكلم عن النفوس دخلها جبن أو وسوسة. ولكن هذا البيان إشتمل على أسرار عجيبة في حديثه عن النفوس. أنظروا إلى هذه الدروس العجيبة في المعركة. إذا كان النصر إستمر للمسلمين فى غزوة بدر وفي أحد خاصة ولم يقع فيهم جروحات, لن تكون هذه الفائدة والعبر والدروس التي لا زالت الأمة تجدها للآن. ولكن الدروس التي تحققت للصحابة في وقت المعركة ولنا نحن إلى اليوم ما كانت لتتحقق إلا بهذا البلاء والإنكسار. قبل المعركة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا. {تنفل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد قال رأيت كأن في سيفي ذا الفقار فلا فأولته قتلا يكون فيكم ورأيت أني مردف كبشا فأولته كبش الكتيبة ورأيت أني في درع حصينة فأولته المدينة ورأيت بقرا تذبح فبقر والله خير فبقر والله خير فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم} الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 7/183 خلاصة الدرجة: في إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف‏‏.
الثلم الذي في سيفه هو أن يقتل أحد من أهل بيته وقد قتل حمزة وأما البقرة التي تذبح فأصحابه قتل منهم نفر وأما الدرع الحصينة فهي المدينة لكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما تردد بعد أن رأى الرؤية وبقي في المدينة بل إستشار الصحابة. فلما أشاروا عليه بالخروج رأى أن إمضاءه للشورى أكثر مصلحة مع ما فيها من الخسائر. وبعد المعركة لم يعنف أو يعاتب أصحابه وهذه قضية مهمة للقائد عندما يأخذ مشورة أصحابه، فما بالنا اليوم إذا إختلف الواحد منا مع أصحابه يحتج بأنه هو أعلم.
في قوله (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) تذكرت موقف عبد الله بن أبيّ هو انخذل بالجيش وأكثر ما جعله ينخذل أن يقول محمدا يطيع الفتية وقد نصحته أن يبقى بالمدينة .فلما رأى النبي خرج من المدينة إستغل الفرصة وانسحب بالجيش.
هذا البيان الذي صدر من الله سبحانه وتعالى، كم فيه من الدروس التي نستنبطها . كل هذه الدروس من الإنكسارة وأكثرها من القرح الذي أصاب المؤمنين لما فيه من العبر والدروس. نذكر عمرو بن الجموح وهو شيخ أعرج قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني أريد أن أطأ الجنة بعرجتي هذه وأبنائي يمنعونني و قد أراد الله له خيرا وقد إستشهد (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ) من 140 آل عمران. وأيضاً عبد الله بن حرام أبو جابر في بدر خرج ابنه وإستشهد. فلما جاء يوم أحد طلب أن يخرج فإستشهد { لما قتل عبد الله ابن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك قلت بلى قال ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا فقال يا عبدي تمن علي أعطك قال يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية قال إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله عز وجل هذه الآية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ) الآية كلها . الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 2276 خلاصة الدرجة: حسن}
عندما ذكرنا كلمة (بيان) هذه نستفيد فائدة عظيمة لما يحصل مثل هذا الأمر الذي حصل للمسلمين في أحد .ويتكرر في تاريخ المسلمين . لماذا لا يتوقف العلماء أمام ذلك الذي حدث ويستنبطون منه العبر؟ فما يحدث الآن في فلسطين والعراق وفي السودان والصومال وفي أفغانستان وغيرها ومع ذلك الدراسات التي تكتب قليلة لدراسة أسباب الهزيمة وأسباب الفشل. لذلك ندخل تجارب ونحن لا نعرف ما الذي مر بنا قبل ذلك. ألا ترون أن هذا يعتبر منهجاً قرآنياً. مثلا في أفغانستان انتهت بانتصار المسلمين ولكن ما حصل للمسلمين ما يرجونه بسبب إختلاف المجاهدين فيما بينهم وفي النهاية ذهب جهاد 14 عاما. الذين كتبوا عن هذا الموضوع قليل لكن لم تقدم دراسات وبيانات تبين مكمن الداء حتى لا تتكرر المشاكل علينا (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) من 152 آل عمران. هذه القضايا ليست غائبة عن الدراسات وليست غائبة عن الكتب ولكن المشكلة أنها لا تطبق ولا يعمل بها ولا يراد لها أن تطبق أصلا .
في معركة أحد الآن نتأمل بطولات وتضحيات لا نجدها في معارك أخرى. مثلا قصة حنظلة (غسيل الملائكة) الذي خرج للجهاد ليلة عرسه قصة لا تجدها إلا في هذه المعركة. والأمر الثاني هي البطولات التي وردت عن أبي دجانة وعن حمزة رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب.{ لما كان يوم أحد إنهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له ، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثا ، وكان الرجل يمر معه بجعبة من النبل ، فيقول : ( إنثرها لأبي طلحة ) . قال : ويشرف النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلى القوم ، فيقول أبو طلحة : بأبي أنت وأمي ، لا تشرف ، يصبك سهم من سهام القوم ، نحري دون نحرك ، ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم ، وإنهما لمشمرتان ، أرى خدم سوقهما ، تنقزان القرب على متونهما ، تفرغانه في أفواه القوم ، ثم ترجعان فتملآنها ، ثم تجيئإن فتفرغانه في أفواه القوم ، ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة ، إما مرتين وإما ثلاثا} . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4064خلاصة الدرجة: [صحيح]. وأيضا نسيبة أم عمارة رضي الله عنها وكانت تقاتل بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي التي ضربت إبن قمنة على كتفه ولكنه ضربها ضربة أقوى.
الشاهد أن كل هذا لم يشفع لهم.التضحيات لم تشفع للإختلاف والتنازع الذي حدث بينهم، وهذا درس وهذا ما نريد أن يبرز حتى تتعلم الأجيال. مضت بنا حوالي 200 سنة من إنحطاط المسلمين و تغلب أعدائهم عليهم والقادم قد يكون أكثر ولكن ما استفدنا من هذا كله ولم نستعد. فمثلا الجزائر وما حدث فيها بعد قتال طويل , هذه التجربة لا نقول لم تسجل ولكن لم تبرز منها الدروس التي تستفيد منها الأجيال.
(يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا) إعتراض على القدر. من هم المعترضون؟ لماذا لا تكون طائفة من المؤمنين بدليل قوله تعالى (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) الأحزاب )؟ من المفسرين من يحملها على المنافقين. ولكن هنا هم أهل النفاق بدليل ما قبلها . نقول (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ). وقد روى الزبير { لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الخوف علينا , أرسل الله علينا النوم , فما منا من رجل إلا ذقنه في صدره , قال : فوالله إني لأسمع قول معتب بن قشير , ما أسمعه إلا كالحلم : { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } . فحفظتها منه , وفي ذلك أنزل الله : { لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا } لقول معتب } الراوي: الزبير بن العوام المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير -الصفحة أو الرقم: 1/428 خلاصة الدرجة: إسناده صحيح
يرد الله تعالى عليهم (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) وهى آية عجيبة جدا لو نتأملها المتأمل فمن الأمور ما لا يعلمها إلا هو ومنها أن يموت الإنسان فمن قال هذا سواء كان من المنافقين أو من ضعاف الإيمان فهو جاهل. فإن وجوده في المعركة لا يلزم القتل والعكس.
(قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) وسماها مضاجع وهذا من البلاغة بمكان فالميت المقتول على الأرض بعد موته كأنه مضجع عندما يريد أن ينام (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) من 16 السجدة. سبحان الله الذي صور هذا المشهد أنت لما ترى القتلى لا تفرق بينه وبين المضجع. وكأنها إشارة إلى أن ما أصاب الإنسان من الموت بعده حياة أخرى مثل المضجع يغفو ثم يقوم. قرأت للواء محمود شيت خطاب في الحرب التي حصلت بين المسلمين واليهود في فلسطين أن أحد القادة يتفقد الجنودومواقعهم الحصينة وكان له قريب في موقع غير محصن ويوجد رجل آخر من عامة الجنود في مكان محصن فأخرجه منه ووضع قريبه في هذا المكان المحصن خوفاً عليه. فلما بدأت الحرب انطلقت قذيفة وإستقرت في المكان الذي فيه قريبه وسلم ذاك وانظر إلى النتيجة. المفسرون يذكرون قصة سليمان عليه السلام لما جاءه ملك الموت زائرا وجاءه رجل فنظر إلى هذا الرجل نظرة قوية فخاف الرجل. فلما خرج ملك الموت سأل من هذا الرجل قال سليمان هذا ملك الموت. فقال الرجل أرسلني إلى مكان بعيد وهذا من الخوف فأرسله سليمان إلى مكان بعيد. فملك الموت ذهب إلى هذا المكان وأخذ روحه ثم رجع إلى سليمان وقال كنت أعجب لأن الله أمرني أن أقبض روح هذا الشخص الذي كان عندك في مكان آخر ولكني كنت أراه عندك. وقد يقول البعض أن هذه من الإسرائيليات ولكن المهم العبرة. أعجبني قول الطبري في كلامه عن الإسرائيليات نبه على هذه القضية أنها قضية ممكنة مادامت هذه من القضايا الممكنة فأمرها سهل ودخلت في مجال أنها ممكن أن تكون واقعا ولا شك من المعجزات التي تكون للأنبياء .
(وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) عندنا هنا الإبتلاء والتمحيص. الإبتلاء بمعنى الإختبار يعني يبتلي ما فيها من الإيمان والنفاق وحسن الظن بالله وسوء الظن بالله. والتمحيص هو تطهيرها من الذنوب وهو أخص. لماذا قال في الأول (صدوركم) والثانية (قلوبكم)؟ ذكرنا من قبل أن البيان جاء للحديث عن النفوس وتكلم عن المؤمنين وإن بعض المؤمنين صادق الإيمان ومنهم من وقع في التردد والظن وإن هناك منافقين نافقوا وانسحبوا فالله جعل في نهاية هذه المعركة نوع من التمييز بين هذه الصفوف فأنزل النعاس أمنة وهذا ما وقع إلا على المؤمنين الصادقين (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ) هذه الطائفة كأن من علامات أنها صادقة خالصة هذا النعاس. أما المنافقين هؤلاء لم يدخل النعاس عليهم هم الذين قالوا (هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ) كل هذا ليبتلي الله ما في صدوركم والابتلاء يعني الإختبار تعرض القلوب على محك الاختبار. والإختبار هو هذا الموقف الذي أصابهم بالذهول وبعضهم أسقط في يده لا يدري ماذا يفعل في الموقف العصيب حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف وحيداً أصيب بالجراح وأصيب بالسهام وكان طلحة يقي الرسول وتصيبه السهام هؤلاء هم الفدائيون الحقيقيون. أراد الرسول أن يصعد على صخرة صغيرة فما إستطاع من ثقل الجراح. لا شك أن هذا هو غاية التمحيص. الإبتلاء أعم من التمحيص. التمحيص كأنه تتبع بقايا الذنوب. ويبدو أن ما في الصدور أعم من ما في القلوب ويبدو أن ما في الصدور يشمل ما في القلوب وما يوسوس حولها أي ما لم يدخل القلب بعد .وإذا عبر عن الصدر فهو يشمل ذات القلب وما حوله من الشكوك والظنون التي لم تستقر. فالإبتلاء جاء شاملا لما في الصدور وفيها القلوب. أما التمحيص للشيء الذي دخل في قلوبكم من الوهن وضعف الإيمان هذا يحتاج إلى التمحيص لكن قبل أن يدخل إلى القلب ويستقر فيه فهو من الابتلاء ولم يتمكن من القلب فعبر عنه بالصدور والتعبير بالصدور أعم من التعبير بالقلوب والتعبير باللاء أعم من الابتلاء بالتمحيص.. فهو الشيء الذي دخل في قلوبكم من الوهن وهذا يحتاج إلى تمحيص. أما الإبتلاء فهو في الصدر. ألا ترون أيضا لأن الإبتلاء يراد به التفريق بين المؤمن والمنافق (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) المؤمنون ) أما التمحيص أن يقع شيء في هذه القلوب من ذنوب ونحوها فيمحصها الله بهذا الرعب حتى يزول لذا يمكن القول أن القلب هو محل إكتساب الذنب أو الحسنة { كنا عند عمر . فقال : أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن ؟ فقال قوم : نحن سمعناه . فقال : لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره ؟ قالوا : أجل . قال : تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة . ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر . قال حذيفة : فأسكت القوم . فقلت : أنا . قال : أنت ، لله أبوك ! قال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا . فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء . وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء . حتى تصير على قلبين ، على أبيض مثل الصفا . فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض . والآخر أسود مربادا ، كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا . إلا ما أشرب من مراه " . قال حذيفة : وحدثته ؛ أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر . قال عمر : أكسرا ، لا أبا لك ! فلو أنه فتح لعله كان يعاد . قلت : لا . بل يكسر . وحدثته ؛ أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت . حديثا ليس بالأغاليط} . الراوي: حذيفة بن اليمان المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 144خلاصة الدرجة: صحيح
أما الصدر فهو محل للهواجس والخواطر والظنون فذكر له الابتلاء. الخلاف بين العلماء هل القلب هو المقصود به المضغة التي في الصدر؟ في النهاية هو أنه المستقر به الوساوس والمقصود تمحيصه هو.
(وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) وهذا الختم للآية هو مناسب جداً لمضمونها، الموضوع في العلم الدقيق وفيما يتصل بالصدور من بداية الآية بل حتى من قوله (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}
الحديث في الآية السابقة كان مع قوم مرضى أما في هذه الآية فليس مع قوم فيهم نفاق بل هم من المسلمين ولا شك أن المسلم في حال الشدة يلحقه بعض خطاياه وذنوبه فيقع بشيء من الخوف والتولي وهذا لا يسلم منه أحد إلا من عصم الله وكمل إيمانه وقليل ما هم. (اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا) هذه تزيد من التأكيد أن من أكبر الأخطاء في أحد هي الهيبة التي دخلت قلوب الصحابة من كثرة أعداد المشركين. كانوا 1000 صاروا 700 بعد إنسحاب أبي والمشركين كان عددهم 3000 جاءوا بعدتهم وأتوا بالنساء معهم. فكان الوهن والمهابة التي وقعت في نفوسهم كانت من أسباب الفشل والتنازع بالإضافة إلى ما حدث من الرماة من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم. فقوله (اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ) هو هذا وأدخل في نفوسهم مهابة الأعداء مما أوقع في نفوسهم الوهن وشىء من التردد. استزلهم الشيطان بالتولي فتولوا وتركوا رسول الله بسبب كسبهم. إستزلهم أى أوقعهم في الزلل (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) من آل عمران 175. الشيطان كان يلقي في نفوس الصحابة نوع من الهيبة من المشركين. وخاصة في أحد كان للمشركين نوع من الشوكة. أولا كان خالد على الميمنة وكان عكرمة على اليسار وأبو سفيان يقود الجيش وحتى هند جاءت لتشفي غليلها. في الآية (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) آل عمران ) أذكر أن كل هؤلاء الذين ذكرناهم أسلموا وكلهم كانوا قواداً وهذا فضل الله تعالى. أبو سفيان في أحد كان ينظر المسلمون إليه كعدو بل رأس الأعداء وكذلك خالد و هند ولكن بعد ذلك أعزّ الله بهم الدين (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7) الممتحنة)
وأيضا هذه الآية نستفيد منها أن الإنسان لا يستهين بالذنوب لأنه إذا جاء الجد خذلته ذنوبه. فإذا كان أحدهم يعصي الله في شعبان ثم يقول أتوب في رمضان لكن المشكلة أن هذا ستخله ذنوبه، يريد أن يصلي يمنع من الصلاة، يريد أن يقرأ القرآن يجده أثقل عليه من جبل أحد والسبب الذنوب ولذلك العلماء يقولون (الحسنة تقول أختي أختي والسيئة تقول أختي أختي). علينا أن لا نتهاون في الذنب ونحن خطاؤن وأبناء الخطائين ولذلك نبادر بالتوبة ولا نتأخر في أن نتوب إلى الله تعالى وأن ننتبه للذنب وإن صغر. نتوب إلى الله تعالى حتى لا تدركنا عواقب هذه الذنوب وإلا ما الذي دعل بعض الصحابة ينخذلون في أحد وقال تعالى (ببعض ما كسبوا) هذا بعض ما كسبوا فكيف لو كان بكل ما كسبوا؟!
من لطائف الآية (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)) تكلم هناك عن بداية المعركة وإنسحاب المنافقين وهنا تكلم عن ماحصل في المعركة (التولي) . هناك قالوا (وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا) من 147 آل عمران وهنا قال (اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ) هناك يطلبون التثبيت وهنا يشير إلى ما وقع من أن الشيطان طلب لهم الزلة فزلت أقدامهم بسبب ما كسبوا وهذا من تناسب الألفاظ والمعاني في الآيات.
ولو تأملنا (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) كذلك أشار إليها في واقعة بدر (يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ) من الأنفال 41 . الجمعان مراد بهم هناك أبو جهل ومحمد وهنا أبو سفيان والنبي ويقول العلماء هو جمع محمد وجمع أبو سفيان للقتال في أحد. من لطائف علوم القرآن أن نقول أن "الجمعان" هنا لها معنى وفي بدر لها معنى وإن كان المعنى من حيث المفردة واحدة (الجيشان)
في قوله (وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ) قدم الرب نموذجا للعفو عن أولئك الذين تولوا وخذلوا النبي صلى الله عليه وسلم في موقف شدة وأصابتهم بعض الظنون السيئة وهم خيار الناس فالله يعفو عنهم .وبعد قليل سيأتي أمر النبي للعفو عنهم (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) من 159 آل عمران.
فائدة لغوية: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) قال إبن عاشور هي من مبتكرات القرآن مثل (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) من 1 الأنفال. وهذه لم تكن معروفة في لغة العرب قبل القرآن (ذات البين) صلاح العلاقة بينك وبين المسلمين. وذات الصدور تفهم منها بما تخفيه في صدرك وهو غير معروف. ذات الصدر هو المكان الذي لا يعلم ما فيه إلا الله.
ختم الآية (وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) غفور للذنوب لأنه تقدم ذنب. وحليم لا يعاجل في العقوبة لأنه عفا, وهي مناسبة. ومن أعظم المواطن التي ينبغي تدبر القرآن فيها هي تدبر صفات الله وأسمائه ومواضعها من الآيات ومعانيها. وهي أكثر الأشياء التي تورث الإنسان محبة الله وفهم آياته وأسمائه وصفاته. غفور إسم يتضمن صفة والفصة يتضمن أثر والأثر أن الله ستر هذا الذنب وغفر عنه وحليم لم يعاجل بالعقوبة لحلمه سبحانه وتعالى.
 
الحلقة 24

11 رمضان 1430

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا} عندما يأتي الخطاب بـ (ياأيها) الذين آمنوا فإن المخاطب به هم أهل الإيمان . قال ابن مسعود إذا قال يا أيها الذين آمنوا فارعنا سمعك فهو إما أمر تؤمر به أو شر تُنهى عنه. ولا شك أنه من الأوامر المرتبطة بالخير. { لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} كأنها تتمة للفكرة السابقة التي ذكرت في الآية السابقة { يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} من الآية154 آل عمران. الحقيقة هذا المعنى ركزت عليه الآيات لكثرة دورانه في عالم الناس وجوده في عموم الناس وهي أن يتوقع الناس أن الضرب في الأرض والسفر والخروج في القتال وغيره يجلب بالموت للإنسان. ولكن الموت بيد الله . كم من إنسان ورد موارد الموت ولم يصبه شىء فكم من القادة الذين مروا على الكثير من المعارك وملاقاة العدو ولم يصيبهم شىء. هذه القضية تتردد على ألسنة الكثير من النساء ..أخاف إبني يسافر أو يحج فيموت. كل خير تراه لنفسك وتؤمن به إعمل به. وقضية أن تموت أؤ لا تموت هي بيد الله. كم من مرة في مجلس معين يدخل ملك الموت ويأخذ من قد يكون أصغرهم سنا وأكبرهم مؤهلات للبقاء _كما يقال_ ويترك الآخرون. ولذلك فإن تأكيد الآيات على هذا المعنى لأنه مهم ولكثرة حاجة الناس إليه فينبغي أن يتطهر قلب المؤمن من هذا الشىء. وفيه أيضا إشارة إلى أن عدم الإيمان بقضاء الله وقدره من صفات الكفار. فقال (لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) لمصلحة عادية (أَوْ كَانُوا غُزًّى) أو خروج للحرب. لا شك أن الذي يذهب للحرب مظنة القتل أكبر ولكنه قدم الضرب لأنه أكثر. (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) هل هذا فعلا حقيقة؟ أبدا لأنه ذكر في الآيات السابقة (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ) من 154 آل عمران. في قصص كثيرة نجد سبحان الله أن الإنسان يسوق نفسه (يساق) إلى قدره. فهذا من المعتقدات الباطلة التي ينبه الله المؤمنين عليها. وأنها مما يشابه به المؤمنون الكفار. هؤلاء هذا إعتقادهم. إياكم أيها المؤمنون أن تشابهوا الكفار فيما يعتقدوا. وهذا الآن ملاحظ من الغربيين. يقتل منا كثير ومن أعدائنا أقل,انظر ما يصنعون هم على قتلاهم وما نصنع نحن على قتلانا. فرق كبير . أمهات الشهداء في فلسطين يهنؤون بإستشهاد أبنائهم بالرغم أنهم يصابون كل يوم في أبنائهم وأزواجهم. وبالرغم من ذلك راضيين صابرين ويعيشون حياة نفسية مستقرة.

(لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) هذه أول عقوبة . والآن ولذلك الجنود الذين يقتلون في العراق تقام دعاوى من أهلهم ضد الحكومة هناك. وأهلهم يتسخطون وذلك لأنهم لا يؤمنون بالقضاء ولا يؤمنون بالقدر. من لطائف الآية لماذا قدم الموت في (عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) ؟ لتناسبها مع (إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى) الضرب يناسب الموت والغزو يناسب القتل. وفي الآية الثانية ( وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) ذكر القتل أولا لأنه أقرب للمغفرة والرحمة من الموت فقدمها. لما جاء بالمغفرة والرحمة جاء بما يوصل لهما.

(وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ) عندنا إيمان راسخ أن الله هو الذى يحيي ويميت وأنت الآن حي فجاء أولا بيحيي. " من كتاب (الفرج بعد الشدة ) للتنوخي" وحكى محمد بن الحسن بن المظفر، قال: حضرت العرض في مجلس الجانب الشرقي ببغداد، أيام نازوك، فأخرج خليفة نازوك على المجلس جماعة، فقتل بعضهم. ثم أخرج غلاماً حدث السن، مليح المنظر، فرأيته لما وقف بين يدي خليفة نازوك، تبسم. فقلت: يا هذا، أحسبك رابط الجأش، لأني أراك تضحك في مقام يوجب البكاء، فهل في نفسك شيء تشتهيه ? فقال: نعم، أريد رأساً حاراً ورقاقاً. فسألت صاحب المجلس أن يؤخر قتله إلى أن أطعمه ذلك، ولم أزل ألطف به، إلى أن أجاب، وهو يضحك مني، ويقول: أي شيء ينفع هذا، وهو يقتل ? قال: وأنفذت من أحضر الجميع بسرعة، واستدعيت الفتى، فجلس يأكل غير مكترث بالحال، والسياف قائم، والقوم يقدمون، فتضرب أعناقهم. فقلت: يا فتى، أراك تأكل بسكون، وقلة فكر. فأخذ قشة من الأرض، فرمى بها، رافعاً يده، وقال وهو يضحك: يا هذا، إلى أن تسقط هذه إلى الأرض مائة فرج. قال: فوالله، ما استتم كلامه، حتى وقعت صيحة عظيمة، وقيل: قد قتل نازوك.لاوأغارت العامة على الموضع، فوثبوا بصاحب المجلس، وكسروا باب الحبس، وخرج جميع من كان فيه. فاشتغلت أنا عن الفتى، وجميع الأشياء، بنفسي، حتى ركبت دابتي مهرولاً، وصرت إلى الجسر، أريد منزلي. فوالله، ما توسطت الطريق، حتى أحسست بإنسان قد قبض على إصبعي برفق، وقال: يا هذا، ظننا بالله- عز وجل- أجمل من ظنك، فكيف رأيت لطيف صنعه. فالتفت، فإذا الفتى بعينه، فهنأته بالسلامة، فأخذ يشكرني على ما فعلته، وحال الناس والزحام بيننا، وكان آخر عهدي به." انتهى

(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ختم بالعلم . والآية مليئة بالتأكيد على معرفة الله لما في الصدور وما في القلوب ومراقبته . وفي هذه المعركة بالذات وما فيها من دروس عسكرية يؤكد على قضية أنه سبحانه وتعالى عليم بذات الصدور.

(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) لم يقل قتلتم أو متم في سبيل الله كأن الموت يقع على كل أحد وفي كل حال وقد يكون في سبيل الله أو لا يكون. وقدم القتل لشرفه لأنه في سبيل الله.

وجمع لهؤلاء بين المغفرة والرحمة (خير مما يجمعون). يعني ما أقبلتم عليه في الدار الآخرة خير لكم مما متم عنه فلِمَ الخوف من الموت؟ لِمَ الخوف من ملاقاة الموت؟. حالنا مثل حال الطفل أول ما يخرج من بطن أمه يصيح. لماذا تصيح؟ أنت تخرج من الضيق إلى السعة. هذا الطفل بعد ما يخرج يتنفس الصعداء ويحرك يديه ورجليه هل يفكر أن يرجع؟ لا. وكذلك حالنا الآن نشفق على الدنيا ونتمنى ألا نخرج منها . طيب ماذا سنلقى عند الله؟ هو خير لك من الدنيا وما فيها من الضيق والنكد وهذا عين الإيمان بالغيب وهذا من عجائب النفس أن الإيمان بالغيب لا يؤتاه كل أحد. ولهذا لو تأملت بعض الناس ينكر عليك إيمانك بالغيب وهو تجده يؤمن بالغيب من حيث لا يشعر لا يؤمن بالغيب الذي عندك ولكن يؤمن بغيب آخر ليس له مقدمات. الغيب الذي عندنا له مقدمات. بعض الناس لما يأتي يجادل فيها قد يغفل عنها خاصة من يناقشون الملاحدة وغيرهم أن الإيمان مقدمته عقلية. بعض الناس يظن أن الإيمان لا علاقة له بالعقل. الإيمان شيء والعقل شيء آخر هو يحاول أن يفصل بينهما. وليس بصحيح. هناك عقل فطري وأي كافر يؤمن لا يؤمن إلا بالعقل الفطري. لابد أن هناك مبدأ عقلي جعله يقتنع والعقل يهديه إلى أن يؤمن . إذا اقتنعت أن دين الله حق ستأتيك أشياء لا يدركها العقل الآن هي فوق العقل. القاعدة التي لا تستطيع أن تدركها بعقلك لا تأتيك . ما مقامك الآن؟ مقام التسليم ولكن لا تصل مقام التسليم إلا بعد مقام العقل {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} من البقرة 286. نقول لبعض الأخوة أن ينتبهوا لمثل ذلك . لا يناقش في هذا الموضوع أنت تؤمن بكذا. اثبت لى ودلل لي. المسأله ليست هنا, المسألة أن يؤمن بالله إلى آخر المقدمات العقلية فإذا إقتنع بهذا إقتنع بها فهذا جرء. أحيانا نناقش الجزئيات ونغفل الآخر.

(لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) كل الآيات التي جرت معنا تتحدث عن صنفين من الناس أو النفوس.تتحدث عن نفوس المؤمنين التي دخل الإيمان فيها فأثمرت ثمرات عجيبة مرت علينا . عندما ذكر المتقين {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران} المتقين وذكر صفات {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)} آل عمران. تحدث عن الذين ثبتوا في المعركة ومحص الله قلوبهم وقضية الأيمان بالقضاء والقدر .وكلها صفات المؤمن الراسخ. وتحدث عن نفوس لا تثمر هذه الثمرات . نفوس أنانية مكذبة يصيبها جزع (لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) . أصلا معركة أحد ومجىء قريش كان بالحسرة على من قتل منهم في بدر. وكذلك { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)} آل عمران. هذه النفوس المكذبة المتسخطة ليس عندها عفو ولا صبر ولا إحسان فلا يمكن أن ترجو منها , من تلك من النفوس المرابية { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} آل عمران. قرأت في الكتب التي تتحدث عن الربا وقصص المرابين أن أشد الناس قلوبا هم المرابين. وقد يقتل المرابي أو يسرق الآخرين أو يسجنهم مقابل المال. في حين أن المؤمن الصادق قد يتنازل عن نصيب من الدنيا من أجل الآخرة . ولذلك قال (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) فأطلق. وهذا من فوائد التفسير الموضوعي للقرآن عندما ننظر للسور كمقاطع قرآنية. نتحدث عن غزوة أحد كاملة , نتحدث عن صفات المؤمنين.

في قوله تعالى{وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158} لما ذكر المغفرة ذكر القتل. لما ذكر الموت ذكر الحشر و لم يذكر مغفرة. ذكر الأغلب ففي ملاقاة الناس وهو الموت. في الأولى نبه على فضل الشهادة في سبيل الله والثانية عامة لازمها الرجوع إلى الله. وهنا (لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ) من أساليب القصر لأن لا إله غيره.

{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران}

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ) يعني هذا اللين الذي حصل لك يا محمد كان رحمة من الله. وكون القائد يتميز باللين لا يمنعه من الحزم. هذا الذي وقع من الصحابة في أحد من معصية لان له رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه لفتة مهمة للقائد . لا يرضى بالخطأ ولكن يعامل المخطئ معاملة أخرى. الخطأ يجب أن يكون درسا للأمة ولكن هؤلاء المخطئون انظر إلى ماجعلهم يخطئون إنهم بشر لابد أن يخطئوا. ينبغي لك أن تلين لهم وأن تقابل ما حصل منهم من عثرة أو سقطة باللين والرحمة ولذلك فإنه صلى الله عليه وسلم لم يقدم عقوبات وتأديب لمن نكثوا العهد ونزلوا من الجبل وكان هذا من رحمة الله.

(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) هذا درس لكل القادة وأن يستوعبوا مَن تحتهم أن كان مدير مدرسة أو شركة أو غيرها بأي صورة من صور القيادة أن يكون لين الجانب وإتساع الصدر. لا يرضى بالخطأ ولكن المخطىء يعامله بحسب الحال وأن يلين له و يحتويه وإلا تخسره ويكون عدوا لك. كما كان لأبو عامر الفاسق كان من المنافقين في المدينة ولما قويت شوكة المسلمين ترك المدينة إلى قريش. فلما حارب المسلمين في أحد صنع أشياء أثرت في المسلمين ومنها أن حفر حفرا في ميدان المعركة فلما دارت الدائرة على المسلمين في آخر المعركة سقط صلى الله عليه وسلم في إحدى الحفر.

أظن أن بعض من انحرفوا عن الجادة كان من أسباب انحرافهم انهم في وقت من الأوقات عوملوا معاملة قاسية وأن من كان يربيهم لم يتخذ هذا الخلق العظيم في إحتوائهم. تجد أن لم يكن القائد متصفا بهذه الصفة مذا سيحصل؟ انه لا أستطيع ان يحتويه فلا يخرج عن الإطار. لأنه هو جاء اليك بقراره الشخصي ويخرج يقراره الشخصي. إن استعمال أسلوب العنف والقسوة في معالجة هفواته وأخطائه سيؤدي إلى أن تصنع عدوا . وهذا يفسر لنا وجود بعض من يكتبون في الصحافة والإعلام وقد كانوا في يوم من الأيام صالحين وشرفوا بهذا الخير العظيم. ما الذي جعلهم الآن حرابا وسهاما على الصالحين؟ هي قسوة في التربية مرت بهم.(وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ). إن أولى الناس أن يكون قاسيا ولا ينفض عنه الناس هو صلى الله عليه وسلم لأنه نبي الله . حتى لو كان قاسيا فهم ملزمون بإتباعه .وبالرغم من ذلك قال تعالى حتى انت لو كنت قاسي لانفض الناس من حولك. من نحن الآن عندما يأتي أصحاب السلطة بقسوة وعنف.حتى الأب ربما إبنك أو إبنتك يفعل ما لا ترضاه عامله بشيء من اللين.

ثم قال (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) كان المتوقع أن يقال له لا تشاورهم لأن الشورى كانت سبباً للخروج. ولكن هذا تأكيد على أن الشورى أمر ثابت. هذه الهزيمة أو الإنكسار الذي وقع كان بالشورى ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاتب أحدا. وهذا درس رائع قد نتشاور في أمر ,البعض يرى رأيا والنصف الآخر لا يراه , يقول هذا النصف قلنا لكم كذا. فيجب أن نتأدب. الأمر الثاني أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رؤيا كان من المتوقع أن ترجح رأي الذين وافقوه ولكن قال (ما ينبغي لنبي لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه . الراوي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري المحدث: الألباني - المصدر: فقه السيرة - الصفحة أو الرقم: 250خلاصة الدرجة: صحيح)

هذه الآية يجب أن تكون نبراسا وتدار في مجالسنا بين طلبة العلم ومن يكون مسؤلا يجب أن ينظر فيها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه) الإنسان في أمور التعليم والتربية يحس هذا بنفسه . إذا قسى في غير موطن القسوة يجد الناس تنفر منه وإذا هو رفق بالناس لانوا له وأعطاهم الخير الذي عنده . كلنا نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا جاءت هذه الأخلاق لماذا نضعف ولا نستطيع أن نقتدي به؟
 
الحلقة 25
12 رمضان 1430 هـ
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) آل عمران

{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) } هذه الآية تخص نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وتبين لنا تلك العناية الربانية بهذا النبي الكريم وما حباه به ربه من أدب وقد جاء في الأثر {أدبني ربي فأحسن تأديبي . الراوي: - المحدث: ابن تيمية - المصدر: مجموع الفتاوى - الصفحة أو الرقم: 18/375 خلاصة الدرجة: المعنى صحيح ، لكن لا يعرف له إسناد ثابت} وإن كان حديثا ضعيفا ولكن معناه صحيح. وهذه الآية تدل على أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لنبيه من الرحمة اللين والعطف على أتباعه الشىء الكثير. ونحن أتباعه بحاجة ماسة أن نقتدي به لأنها تجمع تجمع القلوب مع أننا نلاحظ بين المسلمين المشاحنات الشىء الذي لا نرضاه ولا نحبه ونسأل الله ألا يجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا.

(فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) ثلاث أوامر متتالية , اعفو وإستغفر وشاور. ثم قال{ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} .آية فيها متسع للقول الكثير وممكن نأخذ منها فوائد عبر ودروس كثيرة ومنها أهمية اللين للقادة وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون هناك إنفلات وجود إنفلات وفوضى بل إن جودة القيادة يكون فيها حزم ولين. ونلاحظ أن قال هنا هي رحمة من الله لك يا محمد أن جعلك لينا سمحا ومحبوبا لديهم . ثم قال عكس هذا (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) والبعض قد يتساءل ما الفرق بين فظ و غليظ القلب؟ الفظ هو الجافي الجلفالذي تخرج فلتات لسانه وتسمى فظاظة. وأما غِلظ القلب فهي قسوته. إنسان قاسي القلب لا يرق ولا يرحم ولا يعطف ويأخذ دائما مدخل بالشدة في الأمور والعنف ويحسم الأمور حسما فيه عنف إضرار بالآخرين ولا يراقب أحوال الناس ولا يحاول جمع كلمتهم بالرحمة والمودة واللين. ولذلك قال لو كنت أنت يا محمد فظا مع أن الله جمع لك من الصفات العظيمة وأنت سيد الثقلين لوكانت فيك هذه الصفة لإنفضوا من حولك . فإن كان الرسول وهو متصف بهذه الصفة فنحن من باب أولى .ولذلك نرى كثيرين من أهل العلم يكون عندهم فظاظة وغلظة إما في السمت والشكل وإما في طريقة إدارته. أما السمت فالمفروض أن يكون طالب العلم والداعية سمحا حتى في شكله وقسمات وجهه لأن الإنطباع الأول مهم جدا لمن يريد أن يتعامل معه . وكذلك لفظه في كلامه (خذ, إفعل, لا تفعل.. ). هذه الكلمات لا ينبغي أن تكون في قاموسه بل يكون إنسانا سمحا يستخدم الكلمات التي ترقق قلوبنا . والأمر الثالث في فعله وإدارته وقيادته { ما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يأثم ، فإذا كان الإثم كان أبعدهما منه ، والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط ، حتى تنتهك حرمات الله ، فينتقم لله . الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6786 خلاصة الدرجة: [صحيح] }. ونلاحظ في حادثة الإفك ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. كانت علئشة تتهم وهو لا يعرف كيف يصل إلى الحقيقة في هذه القضية ومع ذلك ما تصرف تصرفا واحدا يخالف الهَدي العام له صلى الله عليه وسلم وفي آخر المطاف بعد مرور فترة طويلة جاء إلى عائشة وقال { قال : أما بعد ، يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه} من الحديث الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4750خلاصة الدرجة: [صحيح]

هذه الآية تعتبر أصل في الَهدي النبوي في مثل هذه الأمور وأن هذا كان سمتا عاما في حياته وهو اللين وقد يقول قائل أن هذا ليس سهلا ولذلك هذا ما تدل عليه الآية بقوله (فبما رحمة) تركيب الآية فيه نوع من الغرابة وكان ممكن أن تكون فبرحمة من الله لنت لهم, فما دلالة هذه (ما)؟ دلالتها هو للتأكيد أن الرحمة التي أوتيها محمدا هي رحمة عظيمة ومؤكدة بهذا الأداء. أي إنها رحمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى لا يستطيع أن يتصف بها كل أحد. في تاريخ الإسلام الناس الذين يوصفون بها - أي بالحلم- ليسوا كثير فيقال حليم بني فلان { إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة . قال : يا رسول الله ! أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال : بل الله جبلك عليهما . قال : الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله .الراوي: زارع بن عامر بن عبدالقيس العبدي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5225 خلاصة الدرجة: صحيح} اذا وصف الإنسان بالحلم معناها أنه اتصف قبلها بالعقل والحكمة والصبر والإيمان وأنه يصبر ولا يستعجل وينتظر عواقب الأمور. والنبي صلى الله عليه وسلم كان فيه الصفة (الحلم) وصف بها أبوه إبراهيم { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)} هود . وإسماعيل{ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) } الصافات. صفة الحلم من الصفات العظيمة التي ينبغي أن يتخلق بها الإنسان.

في هذه الآية يمكن أن نجعلها نبراسا لكل قائد وكل ومسؤل وكل مربي . وهذه فكرة أريد أن أطرحها على السادة المشاهدين فكرة العناية في القرآن بما يمكن أن نسميه آيات "الباب" . المحدثون اعتنوا بأحاديث الباب والمفسرون لم يعتنوا بها ولم يكن من منهج التفسير. العز بن عبد السلام في كتابه (شجرة المعرفة والأحوال) كأني به استخدام هذا المنهج. لو نستطيع أن نخرج فهرسا بآيات الأحكام (الأحكام ليست مقصورة على الأحكام الفقهية) . فإن قصرها على الأحكام الفقهية فيه إهدار لحوالي 70% من الآيات التي يمكن أن نستنبط منها أخلاق, سياسة,وغيرها. هذه آية في الأخلاق العامة. خاصة أخلاق القادة.

والحقيقة أن أخلاق الناس متنوعة. حديث بن عبد القيس يدل على أن هناك أخلاق جِبِلية. هذا العَالِم الذي جبل على أخلاق لا نرضاها فلو لم يكن عالما لما تتغير أخلاقه هذه. ولكن هناك الأخلاق التي تؤخذ بالتكلف أي التعلم. ونحن نبحث عن هذا النوع من الأخلاق. الإنسان لو عرف في نفسه أن أخلاقه ليست جيدة لماذا لا يتكلف الخلق الحسن ؟ يتخلق. بعض الناس يعاتبك على الإبتسام ويعتبرها مخالفة لسمت العلم. من الذى وضع هذا السمت؟ يجب أن يكون عندنا المقياس وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وهنا نتعجب أحيانا مثلا في سلك القضاء قلما نجد قاضيا مبتسما. ونجد أن هذا صار سمتا. من أين جاء بهذا السمت؟ يدرسونه في أدب القاضي. أدب القاضي يكون على الكتاب والسنة. يجب أن نعيد جميع أخلاقنا إلى الكتاب والسنة وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم. كان لينا سمحا. كان يجلس بين أصحابه ليس عليه شارة . من لا يعرفه لا يميزه بين أن أصحابه .يكون متكئا معهم . خاصة أن منها ما نص عليه { تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة ، وبصرك للرجل الردئ البصر لك صدقة ، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة . الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1956. خلاصة الدرجة: صحيح}.كيف يتعامل مع السائلين{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)} الضحى

الآية تقول (لِنت) فما هي مظاهر اللين؟ هي التبسم والسماحة والعفو والكرم يأتيه الإعرابي يغلظ عليه بكلام و تصرفات ربما لا يرضاها بعض الناس. والنبي صلى الله عليه وسلم يتحملها وربما تبسم. انظر حاله مع أصحابه في أحد بعد الغزو لم يعاتبهم. بل أن من أسباب الهزيمة المشورة وأن أخذ برأيهم بعد المشورة

ثم قال فإذا عزمت { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} من 159 آل عمران. هذه الآية تيبين أن الشورى حتى لو وقع خلاف ما تريد من المكروه فإذا اتخذت قرارا مبني على الشورى وفشلت فهذا أحسن من الرأي الصائب الذي ينفرد به الواحد. لاحظ { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} الذين قال في حقهم ذلك هم أناس أخطؤا في حق الرسول فصارت النكبة ومنها أن قُتل حمزة عمه وحبيبه وهو صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته ودخلت حلقتان في وجنته وشج رأسه ويقول الله جل وعلا أعف عنهم مع هذه الحالة العصيبة. الأولى بالعفو بأن لا يبقى في قلبك شىء عليهم. وهل هذا يكفي؟ لا. هذا لا يليق بمقامك أن تعفو فقط ولكن زد على ذلكأن تطلب لهم المغفرة من الله وهذا من الإحسان . الأمر الثالث ثم عد إلى مشورتهم. هؤلاء أخطأوا لا يعني ذلك أن انتهوا ويخرجوا من المجتمع. هم أناس طيبون صالحون يستشارون فيما يعرفون وينبغي أن تبقي لهم هيبتهم وكرامتهم وتلك الخطيئة يمحوها الله.وأنتم امحوها من صدوركم واستغفروا لهم.



هذه فيها افتة في غاية الروعة . يخطئ الكثير في مجتمعنا خاصة من الشباب سواء الصالحين أو غير الصالحين. فلا يجوز أن نجعل هذه الزلات عرضا أوحاجزا بل يجب أن يندمجوا ولا يجوز لنا أن نمكن الشيطان منهم فيتخذهم أعداء للمجتمع.فإذا أخطأ الشاب أو زلت القدم وعرفناه الخطأ وإعترف به وتاب عنه, تطوى صفحته. يبدأ صفحة جديدة ولا يُذكر بالذنب .حتى بين أفراد لأسرة .ماذا قال أحد الصحابة { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسكران ، فأمر بضربه ، فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله ومنا من يضربه بثوبه ، فلما انصرف قال رجل : ما له أخزاه الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم ) . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6781خلاصة الدرجة: [صحيح] }نفرق بين تصحيح الخطأ وبين معالجة المخطىء وضمه .

{ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} هذا أمر للرسول وأيضا لأمته . أحيانا ينطبع في أذهاننا أن الأمر خاص بقوم معينين. ولكن عند التبصر نجدها عامة.مثلا { القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس على جهل فهو للنار . الراوي: - المحدث: الطحاوي - المصدر: شرح مشكل الآثار - الصفحة أو الرقم: 9/209.خلاصة الدرجة: صحيح} هل المقصود هو القاضي في المحكمة فقط؟. بل نحن نمارس الخطأ في حياتنا ربما أكثر من القاضى. المدرسة مثلا فيها طلاب كثيرون وكل واحد يشكى صاحبه. وأولادك في البيت وزوجاتك والجماعة في المسجد والجيران وغيرهم. هذا قضاء ونحن نمارسه و يجب أن نتقي الله. وأيضل (شاورهم) يفهم بعض الناس أن المقصود هو الملك أو المسؤول. بينما هي منهج حياة في بيتك مثلا لو تعلن أن الشورى مبدأ. وفي بيتك تشاور أفراد الأسرة ولو على قدرهم بدلا من قراراتك الخاصة فنحيي الشورى في بيوتنا. سنجد هذا أثر في تربيتهم ورضاهم وشعورهم بأنهم جزء من هذا البيت . وهذه قضبة غفل الناس عنها واشتغلوا بأن الشورى عند القائد. مثلا من الآيات أو الأحكام عموما منها { إن خيركم من علم القرآن أو تعلمه .الراوي: عثمان بن عفان المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 1/204. خلاصة الدرجة: إسناده صحيح} يتجه الذهن إلى القرآن فقط بل إنها تنطبق على جميع أنواع العلوم المرتبطة بالقرآن.

(فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) متى تشاورنا ثم عزمنا يجب أن نجد في الأمر ولا نتردد. إذا اتخذ الأسباب التي تنضج القرار فيمضي ويتوكل على الله . إستمر لأن التردد يصيب الناس بفوضى . وهذا مبدأ في الإدارة (لا تتردد). والذي يمنع الناس من التنفيذ هو الخوف من الفشل. فقد يشاور ولكن يخشى من الفشل . انت أخذت الأسباب وشاورت وإستخرت وعزمت فتوكل على الله فالأمور كلها تقديرها بيد الله. وهذا يطمن الإنسان أنه قدم الأسباب والباقي على الله وإذا فشلت ما عندك مشكلة . هذا اسلوب صحيح في الإدارة. في هذا الموقف اتخذ النبى صلى الله عليه وسلم الأسباب وكان الأغلبية يريدون الخروج وكان لديه رأي آخر تركه. فخرج وقع ما وقع . والله لم يقل أخطأت في الشورى. بل قال شاورهم .

{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} فلازم الخبر أن توكل عليه فقال بعدها { وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.

{ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} لما ذكر قبلها { وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)} كأنه أشار إلى معنى مرتبط بالقتال أشار إلى معنى في هذه الآية مرتبط بما قبلها .الآن الموقع موقع إنكسار ولكن هنا قدم النصر ثم الفشل من بعده. وهذا نوع من التعزيز لهم بعد هذا الإنكسارفالنصر من عند الله وإن ينصركم الله فلن يغلبكم أحد وهذا تحقق في بدر وهو قادر أن ينصركم في أحد كذلك ولكن فرطتم في بعض الأسباب. وهذه أشبه بأن تكون قاعدة عامة أن ينصر الله المؤمنين ولن يخذلهم أبدا. وهذا غاية التأمين. هذا التأمين الحقيقي أدخل على بركة الله وتوكل على الله هذا هو التأمين على الحياة. أنت الآن عندما تتوكل على الله, التوكل معناه إتخاذ الأسباب ثم تفويض الأمر لله سبحانه وتعالى وانظر إلى هذه الطمأنينة التي يشعر بها المؤمن وهو يتوكل { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} 58 الفرقان . أنت تقوم على مشروعاتك وأنت متوكل على الله, هذه الطمأنينة التي يشعر بها المتوكل يفتقر إليها الكافر والمنافق والعاصي.

كل الآيات تتحدث عن القلب والنفس والطمأنينة والإستقرار وما يشير إلى النفس مما يؤكد أهمية النفس. الآن الحضارة المادية لم تستطيع أن تصل إلى مكنون القلب حتى الدورات في تطوير الذات وغيرها تجد انها تتجه إلى تربية فضائل ولكنها فضائل مادية فلا استطاعت أن تخترق القلب . النظريات كلما تطورت تتجه إلى منهج الله. فهم الآن يقولون تبسم لتنجح في إدارتك وحياتك. ولكن نحن نقول تبسم لإبتغاء مرضاة لله . إن صاحب نظرية الإدارة بالأخلاق وكأنه جاء بشىء جديد. و هذه الآية التي تقدمت هي أصل.الغربيون اجتهدوافي التأكيد على الماديات لأن منطلقاتهم مادية ولا يرون إلا علم المادة . و الدورات ما تغير كثير عن آية أو حديث أقرؤها تغير حياتي وقناعاتي . هؤلاء ما وصلوا إلي الروح. ماذا غير الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحابة؟ غير الروح حقيقة. ولذلك حضارة الرسول لم تبني على المادة كما كان في الأمم السابقة { تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} من 74 الأعراف. و ماذا صنع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى غير وجه الأرض؟ بهؤلاء الأعراب الأجلاف.راح إلى المقصود الأساسي هي الروح اشتغل عليها .{من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2014خلاصة الدرجة: [صحيح]} {من قام رمضان ، إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 37خلاصة الدرجة: [صحيح]} اشتغل على القلوب فلما اشتغلت القلوب اشتغلت الأبدان.

نحن المسلمون لنا طريقة في التفكير ولنا حضارة ولنا منظومة فكرية متكاملة لابد أن نستفيد منها فأنت عندما تتأثر بآية من القرآن ولا تتأثر بنظريات وتتأثر بالحديث النبوي أكثر من النظريات فانت أقبل على هذا التراث والحضارة وتقرب إلى الله بها بتعلمها وبثها . وبحمد الله الآن أصبح المسلمون أكثر وعيا بقيمة ما بين يديهم من العلم و القرآن والسنة وأقبل الناس يتدبرونها ويعلموها وهذه نعمة من الله تعالى. ونحن نريد المزيد. نحن الآن نتحدث ساعة في آية واحدة ونشعر أننا لم نقول كل الأشياء وإذا أردنا أن نتوقف عند كل آية لكان في هذا درس كبير.

{ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } نلاحظ أن في القرآن يأتي الأمر بالتوكل يكون بالقصر والحصر. على الله. لأن التوكل جزء من التوحيد ولذلك يجب فيه إفراد الله سبحانه وتعالى. لا توكل إلا على الله . فنجد من يقول (توكلت على الله وعليك) وهذا خطأ. تقول وكلت فلان بشىء من باب الإنابة أما التوكل فهوليس إلا لله. ولهذا جاءت الواو باسلوب القصر يدل على أن التوكل عبادة لا تصرف إلا لله تعالى. تأملوا هذه الأعمال التي طلبت من العبد وكيف جاء النظم بها تجدون الأشياء التي لا تطلب إلا من الله تأتي بهذه الصيغة بالغالب. يدل على إننا في حاجة أن نفهم تلك اللغة التي نزل بها القرآن.

بعض الناس يسألون كيف أتدبر القرآن؟ نقول أن الآيات أنواع كما أخبر ابن عباس . هناك آيات إدراكها ليس بالعسير . وهناك آيات مرتبطة بعربية القرآن, لابد من معرفة اللغة لنتدبر من خلالها. وهناك آيات صعبة الفهم لا يدركها إلا العلماء . هذه الآيات , الأقدام عليها مظنة الزلل. هذه مراتب ثلاث يجب أن ننتبه لها .المرتبة العامة {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) } القمر. هذه كثير من آيات القرآن على هذا المنوال. وهناك آيات مرتبطة بطريقة العرب في لفظها ونطقها واسلوبها كما ذكرنا, تحتاج إلى اللغة. مثلا هنا (وَعَلَى اللَّهِ) جاءت الواو للقصر غير أن يقول توكلوا على الله. وهذا الأسلوب ليس كل واحد يعرفه. لازم معرفة باللغة العربية ودلالاتها . وعندما نقول للناس تدبروا القرآن بتخيل أنه يمكنه تدبر القرآن كله ولكن إنتبه نحن نأمرك بالتدبر لكي لا يكون بينك وبين الله حاجرا ولكن هناك أصول

فائدة : أن الله ربط الإيمان بالتوكل {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) } آل عمران.كلما كان توكلك على الله أكثر زاد إيمانك وكلما زاد إيمانك زاد توكلك
 
الحلقة 26
13 رمضان 1430 هـ
(تابع الحديث عن غزوة أُحد)

عمر بن الخطاب كان يقول إن سورة آل عمران أُحُدية نسبة إلى أُحد.
كنا قد وصلنا إل قوله تعالى (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)) وهذه قاعدة عامة وإن نصر الله تعالى إذا كتبه إلى جنده وأوليائه فلا خاذل لهم مهما كان عددهم وعدتهم. وجنود الله سبحانه وتعالى لا يعلمها إلا هو والمقاييس المادية التي تعودنا عليها في المعارك وفي النصر وفي الهزيمة ليست هي المقاييس التي تحكم هذه الأمة لأنه كما ذكر القرآن في مواطن كثيرة (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله).
وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) آل عمران

ما معنى يغل؟

المشهور أن الغُلول هو ما يؤخذ من الغنيمة قبل قسمتها وهذا من الكبائر أن يأخذ الجندي من الغنيمة قبل قسمتها. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عندما أخذ بعضهم شيئا من الغنيمة قبل قسمتها {في العبد الذي أصابه سهم عائر ، فمات ، فقال له الناس : هنيئا له الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا ، والذي نفسي بيده إن الشملة التي غلّها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشعل عليه نارا ، فجاء رجل بشراك أو شراكين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شراك من نار ، أو شراكان من نار . الراوي: أبو هريرة المحدث: البيهقي - المصدر: السنن الصغير - الصفحة أو الرقم: 3/398. خلاصة الدرجة: ثابت} .

هل معنى الآية أنه ما كان لنبي أن يأخذ من الغنيمة شىء قبل قسمتها؟ .هذا المقصود الأساسي الذي لأجله نزلت الآية لما فقد الصحابة شيئاً من الغنيمة قال بعضهم لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها. ونزلت الآية تدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأن رسول الله لا يمكن أبداً أن تنسب إليه هذه الخيانة وهذا دفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} الحج. وهذا يصدقه فإن كان الإنسان صادقا وأميناً يتولى الله الدفاع عنه وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. .

وأيضا في قراءة متواترة أخرى (يُغَلّ) فيها دلالة على معنى آخر وهو أن ينسب للقادة العظماء المحبوبين للناس أن ينسبوا لشيء من الخيانة لأن هذا لا يليق بهم. قرآءة (ما كان لنبي أن يُغَلّ) تعني ما صحّ ولا استقام أن يُنسب لنبي الغلول لأن الغلول خيانة والخيانة لا تليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

ويمكن أن يحمل الغلول على المعنى العام وهو الخيانة, يقصد بالغلول أن ما كان لنبي أن يخون أمته سواء في أخذ شيء من الغنيمة قبل قسمتها أو غيرها وهذه شهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه قد وَفَّى في إبلاغ الرسالة ولذلك لما { أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة ، فجعلها في فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية : ( كخ كخ ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة) . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3072خلاصة الدرجة: [صحيح]} وهي تمرة واحدة والذي أخذها وهو طفل غير مكلف وهي قد تكون من الصدقة وقد لا تكون لكنها هي من مال المسلمين أي من المال العام. وهذا من ورعه صلى الله عليه وسلم.

(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هذا المعنى كأنه يشير إلى الغنيمة بعينها ويمكن أن يقاس عليه كل من يأخذ ما لا يحل له من أموال المسلمين. انظر إلى النص الذى روي عن إبن مسعود في كتاب "تفسير التحرير والتنوير" للطاهر بن عاشور يقول: { ومن اللَّطائف ما في البيان والتبيين للجاحظ : أنّ مَزْيَداً رجلاً من الأعراب سرق نافجة مسك فقيل له : كيفَ تسرقها وقد قال الله تعالى : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) ؟ فقال : إذَنْ أحمِلُها طيّبةَ الريح خفيفة المحمل . وهذا تلميح وتلقي المخاطَب بغير ما يترقّب . وقريب منه ما حكي عن عبد الله بن مسعود والدرك على مَن حكاها قالوا : لمّا بعث إليه عثمان ليسلِّم مصحفه ليحرّقه بعد أن اتَّفق المسلمون على المصحف الَّذي كُتب في عهد أبي بكر قال ابن مسعود : إنّ الله قال : ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) وإنِّي غالّ مصحفي فمن استطاع منكم أن يَغُلّ مصحفه فليفعل . يقول الطاهر بن عاشور "ولا أثق بصحَّة هذا الخبر لأنّ ابْن مسعود يعلم أنّ هذا ليس من الغلول" .

والأثر في صحيح مسلم رواه بسنده {خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال : من يغل يأت بما غل يوم القيامة ، غلوا مصاحفكم ، وكيف تأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت ، وقد قرأت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة وإن زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان ، والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل ، وما أحد أعلم بكتاب الله مني ، وما أنا بخيركم ، ولو أعلم مكانا تبلغه الإبل أعلم بكتاب الله مني لأتيته ، قال أبو وائل : فلما نزل عن المنبر جلست في الحلق ، فما أحد ينكر ما قال .الراوي: أبو وائل شقيق بن سلمة المحدث: ابن كثير - المصدر: فضائل القرآن - الصفحة أو الرقم: 80. خلاصة الدرجة: أصل هذا مخرج في الصحيحين}

كأنه يقصد خذوا مصاحفكم واحتفظوا بها ولا تسلموها ويكون الغلول بمعناه العام اللغوي.
السؤال كيف أدخل ابن مسعود أمر المصاحف وهو أمرا إيجابيا في الآية التي جاءت بشيء سلبي؟ أخذها على أنها صارت مثلاً فيقول أنا أمسك مصحفي لأنه يرى أن هذا المصحف هو كتبته بنفسه وأخذه من صلى الله عليه وسلم فعلى قراءة من يريدونه أن يقرأ وعو أعلم الناس وهو صادق رضي الله عنه. ولكن قرار عثمان كان مستندا إلى الشورى ورأي الجماعة. فخالف ابن مسعود نظام الشورى ثم رجع بعد ذلك إليها رضي الله عنه. ولكن المقصد من جهة التفسير والاستنباط ونريد أن ننبه السامع إلى أن الطاهر عاشور فيما ذهب إليه له جانب من الصحة يجعلنا نتلمس أمر آخر. هل ابن مسعود الآن في مقام التفسير أم في مقام الإستنباط؟ والصحيح أنه كان في الإستنباط. فالطاهر بن عاشور رحمه الله رأى أنه في مقام التفسير فاعترض ويحق له ولكن اذا قلنا أن المقام مقام الإستنباط فالأمر أيسر لأن القاعدة في الاستنباط أنه يجوز الاستدلال بالآيات في غير ما نزلت له بضوابط معروفة. إن ما فعل ابن مسعود صحيح بل يعتبر مستندا يرجع إليه إذا أردنا أن نستدل بآية في غير مقامها من باب الاستدلال وليس من باب التفسير. ولم يعترض عليه أحد من الصحابة كن علي بن أبي طالب موجودا وهو من أعلم الناس بالتفسير .وذلك لكي يفرق السامع بين مقام الإستنباط ومقام التفسير. اننا لو تبينا أن المعنى الذي ذهب إليه ابن مسعود لا يلزم بالآية إذا هي إستنباط. فما دام هو ليس من باب التفسير فانما هو مقام الإستنباط فمقام الإستنباط أوسع.ولعلها قاعدة يفَرِق بها القارئ بين مقام التفسير ومقام الإستنباط.

تعميم المقصود بالآية
في قضية الحرص على المال العام وعدم التهاون فيه. الآن حصل تهاون بين المسلمين في عموم المال وخصوصه. لماذا خصّ الخطاب في الآية بالنبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)؟ الآية هي لعموم المسلمين وليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ولكن معناها أن النبي أولى بأن يتنزه عن هذا الإثم الذي لا يليق بمقامه الشريف وأيضا هو قدوة للمسلم . وليس المقصود فقط الغلول وحده بل المقصود الأخذ من أموال المسلمين العامة بدون وجه حق فإن حكم هذه الآية داخل فيه (وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). { يا أيها الناس من عمل منكم لنا على عمل فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة فقام رجل من الأنصار – أسود كأني أنظر إليه – فقال : يا رسول الله : اقبل عني عملك ، قال : وما ذاك ؟ قال : سمعتك تقول كذا وكذا ، قال : وأنا أقول ذلك ، من استعملناه على عمل فليأت بقليله وكثيره ، فما أوتي منه أخذ ، وما نهى عنه انتهى . الراوي: عدي بن عميرة الكندي الحضرمي المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3581 خلاصة الدرجة: صحيح} . وهذا أُنتهك كثيراً الآن في المدارس والدوائر الحكومية وقطاعات كثيرة متصلة بالمال العام في حين تجب المحافظة عليه فهو أمانة. { كلكم راع فمسؤول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده ، وهي مسؤولة عنهم ، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته . الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2554خلاصة الدرجة: [صحيح]}.

تجد الطلاب في نهاية العام الدراسي يكسرون ويفسدون أملاك المدرسة وهي مال الدولة. من هي الدولة؟ هي الأفراد . ومن الذي يُسأل عن هذا؟ أنت المسؤول عنه لأنه شاركت فيه { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} من 205 البقرة.

كما يدخل في هذا أيضاً قضية العناية بالمال العام وقد أصبح التساهل فيها الآن كثير وعادي. مثل إستخدام سيارة العمل في المصالح الشخصية . بالإضافة إلى الآية يوجد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم { قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، قال : ( لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، على رقبته فرس لها حمحمة ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك من الله شيئا ، قد أبلغتك ، وعلى رقبته بعير لها رغاء ، يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، وعلى رقبته صامت فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، أو على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد بلغتك ) . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 307 - خلاصة الدرجة: [صحيح]}. فالغلول فضيحة يوم القيامة نسأل الله السلامة.

انظر إلى الصحابي في الحديث الأول إستقال من عمله عندما رأى المسؤولية أما نحن الآن نتسابق على المناصب ونتهاون في استعمال المال. وأذكر الشيخ محمد بن عثيمين كان ورعاً في استعمال أوراق وهواتف وأموال المصلحة العامة إذا كانت المسألة خارج العمل أو مسألة خاصة. ومن الورع عدم استعمال المال العام مثل الورق والهواتف وغيرها في المصلحة الخاصة واليوم يقال هذا تشدد. ونقول أيها الناس انتبهوا ففي الآية وعيد شديد { ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} . وقوله صلى الله عليه وسلم (هدايا العمال غلول) والعمال هم الموظفون الذين يعملون للدولة وغيرها. لا يصح للأستاذ أن يأخذ هدية من طالب من طلابه.

وفي حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم عن العمال- والمقصود العامل هو موظف يعمل للدولة أو غيرها {استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللتبية ( قال عمرو وابن أبي عمر : على الصدقة ) فلما قدم قال : هذا لكم . وهذا لي ، أهدي لي . قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر . فحمد الله وأثنى عليه . وقال ( ما بال عامل أبعثه فيقول : هذا لكم وهذا أهدي لي ! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا . والذي نفس محمد بيده ! لا ينال أحد منكم شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، بعير له رغاء . أو بقرة لها خوار . أو شاة تيعر ) . ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه . ثم قال ( اللهم ! هل بلغت ؟ ) مرتين . الراوي: أبو حميد الساعدي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1832خلاصة الدرجة: صحيح}. مثلا طالب أعطى المدرس هدية فهذه غلول . وهي يجب أن ترد مع البيان والشرح بالأساليب التربوية المختلفة. كل من وجب عليه عمل لا يجوز أن يأخذ مقابله أجراً من غير من أعطاه أجر عمله. وإن كان من الحكومة أو شركة أو حتى حلقات تحفيظ القرآن.

تتبع رضوان الله
{ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}

عندما يذكر الله سبحانه وتعالى هؤلاء المؤمنين الصابرين وبالرغم مما وقع من الصحابة والعتاب وبعد ذلك العفو يبقى سؤال استنكاري (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ). لاحظ المقارنة بين الصورتين بعد نهاية المعركة هؤلاء الذين اتبعوا رضوان الله، لم يقل اتبعوا أوامر الله لأنهم اتبعوا الأوامر التي تؤدي إلى رضوان الله . وبين هؤلاء الذين باؤوا أي رجعوا بسخط الله لاشك أنهم ليسوا سواء كما قال عمر بن الخطاب (قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار) ثم حتى هؤلاء الذين اتبعوا رضوان الله ليسوا سواء بل هم درجات (هم درجات عند الله). في قوله تعالى (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) هم لا يقصدون أن يتجنبوا سخط الله فقط بل يريدون رضوان الله . النفوس يجب أن تكون عالية الهمة . فنقول ماذا يحب الله؟ ثم نسعى إليه. من الناس من يتهاون ويكتفي بالقليل فقط ويريد أدنى الواجب وأقل شىء يُدخله الجنة. أحدهم اتصل يأسلني عن أقل الحج لأنه لا يريد أن يتعب نفسه، نقول يا أخي لماذا تتعب نفسك! هل هذا حالك أيضاً مع أمور الدنيا؟ هل تقول ياناس أعطوني راتب الكفاف فقط الذى يعيشني؟ لا يليق بالمسلم أن يكتفي فقط بأن يعمل لئلا يكون في النار بل عليه أن يكون عالي الهمة ليصل لأعلى الدرجات في الجنة ويشسعى لرضوان الله تعالى.

في أسلوب الآية نجد (أفمن) الهمزة هنا للإستفهام الإستنكاري. بمعنى أن ليس هؤلاء مثل هؤلاء. وتكلمنا من قبل عن المثاني في أساليب القرآن فيأتي بالشيء وضده. وهنا لما قال (اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ) قال (بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ) أي عمل عملا نتيجته السخط مع أنه فعلها لينتفع.

لما تتأمل في صفات الله تعالى هنا (إن الله يحب) وكان الصحابة ينتبهون لهذه الأشياء ويتتبعون محابّ الله . نجد آيات كثيرة فيها (رضي الله عن) و(الله يحب المحسنين) فما دام الله يحب إذاً يجب أن نتتبع محاب الله . عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم { ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره . قال : قلت : يا رسول الله ! أويضحك الرب ؟ قال : نعم . قلت : لن نعدم من رب يضحك خيرا .الراوي: أبو رزين لقيط بن عامر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - الصفحة أو الرقم: 1/78خلاصة الدرجة: حسن}.

ومن لوازم الصفة (المحبة) أن تقوم إلى الصلاة مبكراً تريد المسارعة في مرضاة الله،. تتبع رضوان الله تحول حياتك إلى متعة. الواحد منا يفرح أن يرضي رئيسه فكيف بالله؟! وهو قد قال لك انه يحب المتوكلين ويحب المحسنين ويحب من يتقن عمله، وهذا دين عظيم. ولا شك أن تحبيب الله تعالى لعباده بهذه الأوصاف شيء عجيب جداً ولكنك تعجب ممن يفرغ هذه الصفات من مضامينها ويذهب بها إلى تأول بعيد جداً ويتكلف جاعلا هذه المعاني بعيدة في حين أن الصحابة رضي الله عنهم فهموها بسهولة. ولكن من يتأولون هذه الصفات هو في قرارة نفسه لا يستطيع تأويلها لكن النظرة الفلسفية والمعالجة الكلامية الفلسفية- التي كرهها علماء السلف ومنهم الشافعي- ابتعدوا فيه عن جادة الصواب مع أني على يقين أنهم في تعاملهم العام ليسوا كذلك. انظر إلى تتبع مرضاة الله في قصة لا فيها فلسفة بل بساطة بدون تكلف. دعا المأمون غلاما له و قال: ائتني بالماء لأتوضأ. فذهب الغلام و أتى بالماء, و لسرعته وخشيته من أمير المؤمنين وقع من يده الاناء فانكسر. فغضب أمير المؤمنين لهذا العمل. و أراد معاقبة الغلام. ولكن الغلام قال لأمير المؤمنين : يا أمير المؤمنين يقول الله تعالى "و الكاظمين الغيظ".قال المأمون: كظمت غيظي. قال الغلام: والعافين عن الناس. قال له: عفوت عنك. قال: والله يحب المحسنين. قال المأمون: أعتقتك لوجه الله الكريم.

وأيضا في إتباع رضوان الله علينا أن نتتبع كثل هذه الآيات في كتاب الله. قال { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} ثم وصفهم {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} آل عمران .

وتوجد آيات تدل على مساخط الله مثل قول الله عز وجل { تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)} المائدة. فانتبه أن تسلك هذا المسلك. وفقك الله لهذه الآيات والعمل بها. ونذكر كلمة عائشة رضي الله عنها قالت للسائل { دخلنا على عائشة فقلنا : يا أم المؤمنين ! ما كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان خلقه القرآن الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الأدب المفرد - الصفحة أو الرقم: 234 خلاصة الدرجة: صحيح لغيره}. الأخلاق التي أمر بها القرآن كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تتبعاً لمحاب الله ورضوانه فهو يعفو ويصبر ويحلم ويعطي.

في الحلقة الماضية تكلمنا عن دورات تطوير الذات . ونقول أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ أقرأ أي شيء لتطور نفسك ولكن أقرأ كتاب الله الذي فيه الخير كله فهو يخاطب البدن والروح ولكن تحتاج إلى من يتدبر. كل آية تفتح لك آفاقاً بلا حدود. من الملاحظ أن من عني بالدورات نجده ممن اعتقد ثم استدل على إعتقاده. يريد أن يدلل للأفكار التي درسها المعلومات من القرآن فيأتي بغرائب الإستدلالات وهذا لا نمنع منه لكننا نحذر منه وهو ما يسمى بـ "أسلمة المعرفة". يأتي بالآية لها معنى ووجه لا علاقة لها بما فكرته ويقول هذه الآية تدل على الفكرة ونجدها بعيدة كل البعد. وهذا يقع فيه من لا يفهم القرآن و"يتسَوّر" من أراد أن يستنبط يجب أن تكون لديه القدرة على ذلك.

فائدة: في قوله تعالى { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } تقدم في السورة التكرار على علم الله وإحاطته ومراقبته هو أيضاً في قضية الغلول. يمكن أن تختلس ولا أحد يحاسبك، لكن الله بصير بالعباد. في قوله (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ) وهي آية تحث على المنافسة والمسابقة في الخير وعلى { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)} آل عمران . ومادامت الدرجات عند الله , مفروض أن تسارعوا (فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة) الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 7423 - خلاصة الدرجة: [صحيح] }
 
الحلقة 27
14 رمضان 1430 هـ

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) آل عمران

وجه الإمتنان
الله سبحانه وتعالى يمتن علينا أن بعث فينا محمدا. ولو تأملت هذه المنّة العظيمة علينا نحن المسلمين ببعث النبي كيف كنا قبله وكيف أصبحنا بعده؟. وماذا لو لم يكن هذا الفضل العظيم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم؟, كيف كانت تكون البشرية؟. ما هو وجه الإمتنان في هذه النعمة العظيمة؟. ولماذا الله سبحانه وتعالى ذكر صفات خصّ بها النبي صلى الله عليه وسلم { من أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} ؟
مناسبة الآية ووجودها بعد غزوة أحد. لو تصورنا الصحابة وقد أصيبوا بهذا المصاب الجلل وأصابتهم الجراح, والنفوس مكلومة يأتي التنبيه على هذه المنّة العظيمة وهي منّة بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وأنه خصهم بهذه المنة بل أن الأنصار كانت لهم المنة مرتين, المنّة الأولى بكونهم ممن بعث لهم والمنّة الثانية أنه جاء إليهم مهاجرا وسماهم الأنصار. يقول انتبهوا إلى هذه النعمة وانتبهوا لهذا الفضل الذي بعثه الله إليكم فلا شك أن النفوس ترتاح. أنت تُذكِّر المريض بمنة الله التي بين يديه فتُهَون عليه المرض ويحمد الله سبحانه وتعالى. ولعل هذا أحد المناسبات في ذكر هذه المنّة العظيمة في هذا الموقف. وأيضاً يمكن أن يضاف أنه يقال لهم انتبهوا إنما بعث هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لكم فأطيعوه وإياكم أن تخالفوه فإن خالفتموه وجدتم الشقاء ودونكم المثال الحيّ (أُحد) لما خالفتم شيئا من تزكيته لكم ماذا حدث لكم ؟ ولذلك أعقبها بقوله تعالى { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران} من عند أنفسكم وليس من رسول الله ولا من الجهاد ولا من الدفاع عن الدين بل شىء أنتم وقعتم فيه فعوقبتم عليه.

ما وجه الإمتنان بالتلاوة؟ لماذا لم يقل بعث فيهم رسولا يفتح بهم البلاد ويقودهم من نصر إلى نصر ويعطيهم الدنيا, وهو ما يتوقع الناس أن يفرحوا به؟ لم يذكر شىء من ذلك ولكن قال { يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } وقال في موضع آخر {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58) يونس} المقصود أن فضل الله ورحمته هو الكتاب الذي أُنزل { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الأنعام} فهذا القرآن هو النور الذي نرى به كل شيء في هذه الحياة. المؤمن هو الوحيد الذي يرى ما وراء المادة بالقرآن ويرى ما وراء القبر وما وراء الموت وما وراء الدنيا. أما الكافر فهو يساق كل يوم إلى عالم مجهول. لا يدري من أين جاء ولا يدري أين سيذهب. أما المؤمن فجاءه من الله الثبات والهدى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى} المنّة بإنزال هذا الكتاب علينا لا تعدلها منة والسبب فيها هو محمد صلى الله عليه وسلم ولذلك هو المنّة العظمى . وهي من الآيات الدالة على رعاية الله ومحبة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم .

فائدة: من يتكلم عن نقل القرآن مِن مَن يخالفنا من المستشرقين أو من بعض الملاحدة أو من كان عنده شبهة من نقل القرآن سواء عن قصد أو غير قصد خاصة من بعض من يجتهدوا أن يخرجوا من القرآن ما يطعنون به عليه. نقول لهم لماذا دائماً تنظرون نظرة سلبية؟ لماذا لا تنظر إلى هذه الآيات التي تدلك على الكمال؟. إن بعض من بحثوا في تاريخ القرآن توصلوا إلى نتيجة يقول أن أولئك الذين جمعوا القرآن في عهد عثمان إحتمال النقص وارد عليهم لأنهم غير معصومون. نقول من أي شيء تنطلق؟ ألست تنطلق من آيات القرآن لتثبت ما تريد أن تصل إليه؟ انظر إلى هذه الآيات. الله سبحانه وتعالى يمتن على الناس برسول يتلو عليهم آياته. كم من الآيات التي كان يتلوها عليهم؟ ثم تعال إلى واقع النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرؤه عليهم في الصلوات والخطب والحِلَق. أليس يقول للصحابة أن {أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف كل شاف كاف . الراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1374خلاصة الدرجة: صحيح} أليس يعلمون السور؟ اذا جمعت كل هذه الدلائل والشواهد , ألا يدلك على أن القرآن قد حُفِظ كما نص الله تعالى { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر}. يقول تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً) ثم تفاجأ بأنه من أكبر الوظائف الذي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو مِنة من وظائفه أن يتلو القرآن، هل سيتهاونون في هذا الكتاب؟! لقد بذلوا كل شيء ليحافظوا عليه, فهو غاية الغاية. إذا تركوا ذلك فكأنهم لم يحققوا الهدف الذي بعث من أجله الرسول والهدف الذي أنزل به القرآن . بل إن الدليل التاريخي قاطع على أنهم كانوا أحرص الناس على جمعه وعلى حفظه. بين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين جمع القرآن في مصحف لم يتجاوز سنتين وقد كان جمعه في القلوب منتشرا.

معنى المِنة

{لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} أليس الإمتنان بالعطية مذموم؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى } من 264 البقرة.. هذا لأن الذي يمنّ ليس هو المتفضل الأصلي وهو مجرد واسطة لإيصال هذا الخير للغير , في حين أن منّة الله علينا فهي المنة الحقيقية. له المنة في كل تفاصيلها وفروعها. الله هو صاحب المنة هو الذي تفضل وأعطى ولذلك قال { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) الحجرات} إذن الفائدة أن الله له أن يمن على عباده بما يشاء. يمنّ عليك بأن رزقك وخلقك وبعث إليك الرسول صلى الله عليه وسلم ويمن عليك أن هداك للإيمان ولله المنّة. مثل هذه قضية الكبر. هذه قضية كانت تُشكل عليّ كيف أن الله نهانا عن الكِبر وقد جاء في الحديث {( ومن بغى على أخيه وتطاول عليه واستحقره حشره الله – تعالى – يوم القيامة في صورة الذر ، يطؤه العباد بأقدامهم ، ثم يدخل النار ، ولم يزل في سخط الله حتى يموت ، .......) الراوي: أبو هريرة و ابن عباس المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: المطالب العالية - الصفحة أو الرقم: 3/134 خلاصة الدرجة: موضوع}. وهو سبحانه وتعالى يصف نفسه بالكبر. لكني وجدت بالتأمل أن ذم الكِبر لنا لأننا ضعفاء ماذا نحن؟ ومم خُلقنا وماذا نحمل وإلى ماذا نصير؟ أما الله سبحانه وتعالى فهو الغني الكامل في غناه السيد الكامل في سؤدده الصمد الذي يصمد إليه في قضاء الحوائج ,الكبير فهو المتكبر وله الحق في ذلك وليس لأحد أن ينازعه هذا الأمر لا ملك مقرب ولا نبي مرسل فهو بحقّ الكبير المتكبر والذي يستحق..

بعض إخوة فرنسيون أسلموا على فطرتهم وكثير من غير المسلمين فطرتهم سليمة بحيث لو وجد من يدله وينصحه لاستجاب. يقول أحدهم: أنا عشت طيلة عمري على النصرانية وكنت أسير في حياتي وصحتي جيدة وأشعر أن هناك من يستحق أن أشكره ولكني لم أعرف من هو ولم أقتنع أنه يمكن أن يكون عيسى لما جرى له من الإبتلاء لا يمكن أن يقدم إلي كل هذا, وأنا أعتقد أنه صلب . حتى وفقني الله وجدت ترجمة لمعاني القرآن فوجدت الإجابة على سؤالي من هو الذي يستحق الشكر في أول الفاتحة { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الفاتحة} فقرأت فيها وتأملتها وقلت هذا إجابة السؤال وهو من يستحق أن أقدم له الشكر. فالفائدة الأولى أن الله صاحب المنّة.

ثانياً: يقول في القرآن أن أُرسل الرسول بشيراً للناس كآفة وهنا يختص بالمؤمنين لماذا؟ ما هو وجه التخصيص يا ترى؟ يظهر أن تمام المنة ظهرت على الذين استجابوا. فالكلام على تمام المنّة من لم يستجيبوا أرسل إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً فمنّ عليهم بإرساله لكنهم هم لم يستجيبوا، قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء} جميع العالمين ولكنهم لا يفقهون. لو تأمل الكافر ما وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم في حال حياته على الكافرين ودرسها دراسة منطقية إنسانية لوجد تمام الرحمة منه. ولكن هؤلاء يأتون بعداء ولا يأتون بتجرد، كن كافرا ولكن أدرس حياة النبي بتجرد وادرس حياة غيره وانظر الفرق! الرسول صلى الله عليه وسلم كان رحيما وهو يتعامل مع الكفار. انظر إلى الكمال من هم الذين كانت لهم المنة الكاملة هم الذين آمنوا واستجابوا.{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ }. ولذلك لو تأملت النص في قوله تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} مع أنه في سورة الجمعة قال { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ } من 2 الجمعة. فهناك ذكر أنه بعثه في الأميين وهنا ذكر أنه بعثه في المؤمنين إذا المنّة على المؤمنين ولكن البعث كان للجميع.

ترتيب الخصائص
(يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)
توضح الآية أبرز خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وهي قدوة للمعلِّم والمربي. لماذا قدم التلاوة ثم قال يزكيهم ثم قال يعلمهم الكتاب والحكمة؟. وفي آية أخرى قدّم التعليم على التزكية (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (129) البقرة)؟ قدمت التزكية هنا لأن لها علاقة بهذه النفسية التي يعالجها بعد المعكرة وما أصابها من الوهن والظن و الزلل فهي مناسبة. التلاوة هي بمثابة البلاغ وهي المهمة الأولى التي طلبت منه وهي الرسالة ، طلب منه أن ينذر { يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) المدثر}. قل لهم أن هذه الرسالة لكم فتتلو عليهم فتقوم عليهم الحجة. فإذا مَنَّ الله عليهم بالإستجابة يبدأ مشروع التزكية. التزكية قبل العلم لأن القلب إذا أقبل صار العلم له مكان في القلب لكن كيف تُعلِّم والقلب منصرف؟! هذا لا ينتفع ولذلك قال ابن عمر { سمعت ابن عمر يقول: لقد لبثنا برهة من دهر وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن ، تنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما يتعلم أحدكم السورة ، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه ولا أمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل . الراوي: القاسم بن عوف الشيباني المحدث: ابن منده - المصدر: الإيمان لابن منده - الصفحة أو الرقم: 106 - خلاصة الدرجة: إسناده صحيح على رسم مسلم والجماعة إلا البخاري} البعض يقرأ القرآن بمخارجه ويقرأ الروايات وليس في قلبه من الإيمان مقدار ذرة. وهذا هو الترتيب المناسب لهذه الآية وللآية التي في سورة الجمعة { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }من 2 الجمعة. لكن في سورة البقرة لما ذكر إبراهيم عليه السلام { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة} قدّم العلم لأن العلم هو الأصل وبه تكون التزكية فالتزكية مبنية على العلم ولكن من حيث الوجود في الواقع تكون التزكية أولا وهي قبول النفس لهذا الإيمان وإقبالها على الله ومعرفتها به ثم يأتي العلم والشرح والإيضاح والتفصيل. وفي الحديث { أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل ، إذا عملته دخلت الجنة . قال : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة المكتوبة ، وتؤدي الزكاة المفروضة ، وتصوم رمضان . قال : والذي نفسي بيده ، لا أزيد على هذا . فلما ولي ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة ، فلينظر إلى هذا . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1397. خلاصة الدرجة: [صحيح]}.

معنى التزكية

والتزكية فيها جانبان الجانب الأول هو التطهير والجانب الثاني هو النماء. وهذان الجانبان لو تأملتهما في جميع المواطن التي وردت فيها الظكاة والتزكية تجدها واضحة. فمثلا الزكاة سميت الزكاة لأنها تطهر المال وتنميه وكذلك في النفوس. نحن الآن أخذنا بدل لفظ التزكية لفظ تربية وبعضهم يسميه تصفية وهي ليست مثل التزكية ومعنى التزكية فيه معنى التطهير والنماء يعني تخلية وتحلية. في سورة النور في قصة الإك قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) النور } التعبير بالتزكية في غاية الدقة في القرآن وهي تنقية القلوب وتطهيرها بالقرآن وفهمه وتدبره . يتلو عليهم الآيات ثم يزكيهم لما قدم التلاوة على التزكية لأن البلاغ أولاً، هذا البلاغ واضح بالنسبة لهم ولذلك نقول أي بلاغ يكون فيه غموض فليس من التزكية في شيء، إذا كنت لا تستطيع إدراك الكلام الذي يقال لك فلا يمكنك أن تتزكى به،. فأنت لا تتزكى بكلام أنت لا تفهم معناه فهي أثر من آثار التلاوة أو البلاغ.

التزكية في القرآن قد أكد عليها تأكيدا كبيرا أكاد أجزم أنه لم يؤكد على شيء آخر مثله. أعلى التزكية هو التوحيد فهو أساس هذه التزكية والتزكية هي حمل هذه النفس للقيام بما أمرت به وتربيتها وحملها على الخير. انظر إلى ما أقسم الله عليه في سورة الشمس { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) } أحد عشر قسماً اجتمعت على هذا الشيء! ثم { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) الشمس} أي طهرها ولاحظ أن التعبير فيه تهديد فيه شيء من الحرارة والشدة. فينبغي على الإنسان أن ينتبه لمسألة تزكية نفسه.

نقول ياعبد الله لا تترك نفسك سبهللاً, تقول "أنا كده , طبيعتي كده" لا، إنك لا تقول هذا للوظيفة مثلا فقط تقولها في طاعة الله تقول أخلاقي لا تتغير!. بل زكي نفسك, علمها, دربها , إرعها حق الرعاية, فأنت مطالب بهذا ولا يعفى عنك. كان بعض الناس يقول عندي خلق لا أستطيع أن أغيره إذا أغضبني ولدي أغضب . هذا غير صحيح بدليل أن إذا أغضبك الوزير أو الأمير تسكت!. كيف يصير عندك القوة النفسية لضبط نفسك؟ إنك تعرف أن هناك مشاكل . أنت قادر على تغيير نفسك ولكنك تهمل نفسك. { وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس} أخفاها وأسفلها وأدناها.

ارتباط تزكية النفس بقراءة القرآن الكريم وتلاوته

فنقول لمن يريد أن يزكي نفسه عليك بالقرآن وتلاوته . ونقول لحامل القرآن زكي نفسك بالقرآن . إذا كنت تجد في نفسك من القصور ومن التقصير وأنت حامل للقرآن فإن تلاوتك فيها خلل فإن حملك للقرآن فيه خلل. لأن الله جعل ترابط بين التزكية والتلاوة فكأن التزكية أثر للتلاوة (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ). وأنت يا من تقول كيف أزكي نفسي؟ عليك بالقرآن, تمسك به , إوجد لك طريقة تتعلم ما تستطيع منه وتحفظ ما تستطيع منه , اقترب منه. ما أجمل هذه العبارة التي قالها الصحابة {إعرض نفسك على القرآن}. من لطائف معنى إعرض نفسك على القرآن أن الحسن البصري رحمه الله قرأ {ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ (1)} قرأها (صادِ) بالكسر وعليه فإنها عنده ليست حرفاً بل فعل أمر "صادِ" من المصاداة {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) عبس} أي إعرض عملك على القرآن. ولكنها قراءة شاذة.

عندما يقول الله سبحانه وتعالى لنا {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ } رسولا, ماذا يصنع يا رب؟ يتلو عليهم آياتك أولا، هذه أول صفة.فالمفترض أن تتوقف مع هذه الصفة،. أنت الآن تتلو القرآن وتحفظ وتحمله معك. ثم قال (ويزكيهم) ينبغي أن نقيس أمورنا ليس بكثرة ما نقرأ بل بما نعمل ونتدبر. هذه الآية لو توقفنا معها واعرض نفسك عليها. أنت تقوم تصلي ثم تنام. ماذا فعلت بينهما ماذا صنعت مع القرآن؟ البعض يمنّ الله عليه بالقرآءة فتجده قبل صلاة الفجر يقرأ وبعد صلاة الفجر يقرأ ويقرأ القرآن بعد كل صلاة، فقلت له ما حالك مع القرآن؟ أنت يوميا تقضي 7 أو 8 ساعات مع القرآن فقال هكذا أنا من يوم أن تقاعدت. قلت ما تقاعدت؟ أنت الآن بدأت عملك الحقيقي مع القرآن. فتنشّط الرجل وصار يتدبر ويسأل ويكتب الأسئلة والفوائد. وهذه رسالة الله إلينا ماذا استفدت منها؟ نحن نقرأ لكن نريد ما يعيننا كيف نقرأ. يجب أن تسأل الناس ماذا استوقفك؟ لتحفزهم. في إحدى المسابقات بين الطلاب في رحلة كان السؤال (هات آية بكيت عندها) فقال أحدهم ما أذكر أني بكيت عند آية من آيات الله، هذا السؤال أثّر في نفسي أثرا كبيرا. هل من المعقول أن هذا القرآن كان يُبكي رسول الله والصحابة وأنا لم يبكيني؟! هذا ديل على أن عندي مشكلة. منهج ممتاز ان تبحث عن البكاء، إبك وحدك ولا تظن أنك عندما تبكي أو تتباكى أنك منافق، لمثل هذا فليبكي الإنسان وعلى حاله فليبكي. تأمل نزول هذه الآيات على الرسول ومعه جبريل ومعه الملائكة وهو يقود الجيش ومعه الصحابة. تأمل المشهد وتقول رضي الله عن هؤلاء وعفى الله عنهم وتتوق نفسك إلى مثل هذه الروحانيات التي عاشها هؤلاء. وفي الآية {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) الإسراء} غاية المدح لأهل العلم وهذه شهادة لمن بكى تأثراً من كلام الله عز وجل أنه صار من أهل العلم. وهذا العلم تظهر ثمرته على الجوارح.
بمناسبة الحديث عن القرآءة الشاذة في قوله (ص والقرآن ذي الذكر) (صادِ) أذكر أن القرآءات الشاذة فيها معاني لطيفة وهي لأهل العلم ولا نطلبها من كل أحد. في قوله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ) في بعض القرآءات الشاذة وردت (من أنفَسِكم) يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء من أنفس العرب وهو كذلك كما أخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم.
 
الحلقة 28
15 رمضان 1430 هـ
وصيتين :

في كل يوم نرى أننا ما قلنا شيئاً في كتاب الله عز وجل وفي كل يوم نرى أن الكلام الذي نقوله والدروس والعبر التي نستنبطها شيء يسير مما ينبغي أن يؤخذ من هذا الكتاب العظيم ولذلك أوصي نفسي وأوضيكم أن نجعل هذا الكتاب نبراساً نستضيء به في سائر شؤوننا. وأوصي بوصيتين: الأولى أن نخلص لله جل وعلا في عملنا وفي ما نقول. والإخلاص بوابة الخلاص فلا عمل مقبول عند الله سبحانه وتعالى إلا به نسأل الله أن يجعلنا ممن يبتغون بعملكم وجه الله. والثانية أوصي من يستمع للبرنامج أن يكون مصحفه معه حتى يتابع الآيات ليعرف المعاني ويتوثق منها ويتابع الربط الذي يكون بين المقاطع لأننا أحياناً ننتقل بين الآيات للربط بينها وبيان شدة الاتصال بها. وهذا لا ينفع إلا حافظ أو إنسان يكون مصحفه بين يديه. ولا شك أن الإنسان إذا تابع بهذه الطريقة وأنصت وإستمع أنه يحظى بأجر مجالس الذكر التي قال صلى الله عليه وسلم {لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده الراوي: أبو سعيد الخدري و أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2700خلاصة الدرجة: صحيح} . ولعل بعضكم من يقول هذا مخصوص بالمساجد لا، هناك لفظ ذكر فيه المساجد ولفظ لم يذكر فيه . وما ذكر في المساجد لا يقيد ما لم يذكر فيه بل يكون من باب ذكر الفرد. فإذا اجتمع الناس في بيوتهم أو المدارس أو المحافل أو المساجد فهم داخلون بإذن الله في عموم هذا الحديث. ونحن نقول هذه أيضاً وسيلة جديدة للإستماع الذي يكون به الذكر.

ما زال الحديث عن الآية:
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران)
تكلمنا في الحلقة السابقة عن التزكية وثناء الله تعالى على نبيه.
المقصود بـ (الضلال)
(لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)) ذكر تعالى امتنانه ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى له أن يمتن على عباده بما يشاء فهو سبحانه صاحب المنّة. نضيف في هذا المجلس كيف عقّب الله سبحانه وتعالى فقال { وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} والإشارة إلى الضلال الذي كان فيه العرب والبشرية قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فكأنه هو الذي دل الأمة في هذه الجاهلية وكانت ضالة وتائهة وحائرة حتى أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم فدلهّا . قال تعالى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الزخرف}. وفي مواضع أخرى وصفه الله تعالى أنه هو نفسه صلى الله عليه وسلم كان ضالا فهدى { وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) الضحى} المقصود بالضلال هنا أنه لم يكن يدري عن هذا الخير وعن هذا القرآن ولا عن هذه التفاصيل الدقيقة. كان صلى الله عليه وسلم يتعبد ويتحنث في غار حراء ويرجو أن يجد من يدله في هذه الحيرة ولذلك قال { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } ولما جاءت التفاصيل في هذه الآية . حقيقة أن نزول القرآن منّة كبرى . هي منة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأمة كلها. يقولون إذا أردت أن تعفر قيمة الشيء فتخيّل فقده، تصور ما يكون عليه حالنا بدون القرآن ؟ يكون بيننا اختلافات وما في ثبات لأنه لا يوجد شىء نرجع إليه. نحن نقول للناس عليكم بالقرآن وبعضهم يقول أنا أرجع إلى القرآن فلا أجد ما تقولون وذلك لتفاوت الناس من حيث العلم والقدرة والفهم. ولكن الأمة كلها من تاريخ نزول القرآن إلى اليوم تعيش على هذا القرآن كلما تمسكت به انتصرت وفتح الله عليها وإذا تهاونت فيه إنتكست. مرت قرون طويلة على المسلمين يقتربون وينتصرون. ويصدق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الراوي: مالك بن أنس المحدث: ابن عبدالبر - المصدر: التمهيد - الصفحة أو الرقم: 24/331 خلاصة الدرجة: محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد} لابد أن نتمسك ليس فقط أن نقرأ . وقال (ان تضلوا) معناه أن هو هداية والتخلي عنه ضلال. وأيضاً هذا الوصف الذي عقب به سبحانه وتعالى وقال { لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } هذه الآية فيها إشارة إلى أن البشرية قبل محمد كانت في ضلال وفيها إشارة أخرى أنها إذا تخلت الأمة عن ما زكاهم به يرجعون إلى الضلال وهذا صحيح نجده الآن.

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) الضحى) قد يفهم البعض أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على ملّة قومه ولكنه كان على الحنيفية ولم يكن من المشركين وذلك للتنبيه . كلمة (ضال) تدل على أنه لم يكن عالماً بتفاصيل الشريعة وفسرتها الآية الأخرى { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الزخرف}.فالقرآن يفسِّر بعضه بعضا.

نجد أن وصف الضلال يوحش ولكن اذا عُرِف المقصود به بطل العجب. موسى عليه السلام وصف بالضلال {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) الشعراء} وصف نفسه بهذا أي قبل أن يوحى إليه. وهذه قاعدة أن لا تستوحش من الأوصاف التي أطلقها الله على الأنبياء أحياناً بعض الناس ينزعج من هذه الأوصاف من باب تعظيم الأنبياء ولكن نقول له إنتبه فأنت على خطأ . فأنت تحسن في جانب الأنبياء ولكن قد تسيء الأدب مع الرب فهو أعلم مني ومنك وهو قال الكلام فانتبه أن تقع في هذه المشكلة فلابد من الميزان الدقيق . ولذلك نلاحظ {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود} وهو يخاطب النبي نوح وقال أيضا مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ (205) الأعراف} لكن لا تأتي وتتقصد أن تقول أن النبي كان غافلاً، فإنتبه أن تسىء الأدب مع الله سبحانه وتعالى في أن تنفي عن أنبيائه ما وصفهم به هو سبحانه وتعالى فهو أعلم وأحكم في هذا. قضية أخرى أن بعض العبارات يكون لها معنى عرفي فيحملها الناس على المعنى العرفي ويدعون المعنى القرآني واللغوي مثل كلمة (أميّ) ومثلا كلمة (هلك) لا تقال إلا على الطغاة المفسدين والبغاة في الأرض ويقول بعض الناس ما بال الله قالها في حق يوسف {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34) } . (هلك) في اللغة تعني الموت. المعنى الزائد هذا عُرف عند الناس في هذا الزمان وإلا لم يكن موجودا . ألا ترى في علم الفرائض يقال هلك هالك عن زوج؟ فهذا العرف هو العرف اللغوي أو العرف القرآني كونه تغير أو كون الناس زادوا عليه أشياء إذن إذا أردت أن تستعمله في واقع الناس أرى أن لا تستعمل هذا الأسلوب فلا تقول أن الشيخ بن جبرين هلك لأن الناس يفهمون منها هذا الاستنباط ولكن عندما نفسر القرآن نحن نتحدث بلغة علمية وليس عندنا هذه المشكلة.

معنى الكتاب والحكمة
لما قال (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) فيها ملحظ مهم وهي أنه لما نزلت هذه الآيات هذه سورة مدنية نزلت في وقت لم يكتب القرآن كاملا ولم يكن مجموعا في كتاب. فهذا الوصف القرآني فيه إشارة إلى نوع الحفظ الذي سيكون عليه وهو أن يكون فى كتاب. أي يعلمهم الكتاب وهو لما يكتمل. ولهذا يجب أن ننتبه إلى هذه اللفتة اللطيفة لجهات حفظ القرآن حفظ الصدور وحفظ السطور {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) البينة}التلاوة حفظ في الصدور والكتابة حفظ في السطور. ونقول إن هذه الإشارات واضحة أن الله سبحانه وتعالى سيهيء السبب لكتابة القرآن وحفظه كما قال تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر} حافظون هناك سبب. الله حافظه قطعا ولكن ما هو السبب الذي أوجده ليكون هذا الحفظ؟ السبب هو هؤلاء الصحابة الذين كتبوه ووثقوه .وهذا ليس بدعا منهم وإنما طان بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم، ما كان يوحى إليه صلى الله عليه وسلم إلا كان يدعو من يكتبها. كان صلى الله عليه وسلم يشير إليهم ويوحي إليهم أنه لابد من ضبط هذا العلم بالكتابة . وهم كانوا يبادرون أيضا بالكتابة.كان ينادي الكُتاب وكان غيرهم يكتبون لأنفسهم. لذلك قال صلى الله عليه وسلم {لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن ، من كتب عني شيئا سوى القرآن فليمحه . الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: السخاوي - المصدر: فتح المغيث - الصفحة أو الرقم: 2/159خلاصة الدرجة: ثابت}. معنى واضح أنهم كلهم كانوا يكتبون القرآن.

الفائدة الثانية أن الحكمة كما قال العلماء المراد بها السنة والكتاب هو القرآن. فالرسول كان يعلم الكتاب والحكمة. تسمية السنة بالحكمة فيها شيء من اللطف في التنبيه على أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم فهو عين الحكمة لا يخالف الحكمة مطلقاً. إن قال شخص أليس الكتاب من الحكمة؟ نقول بلى ولكن كون تسمية السنة حكمة والقرآن كتاب فإن إفرادها معناه انها مرادة بذاتها ولذلك كان مصدر التشريع الكتاب والسنة. وإلا فالكتاب أيضا حكمة زقد وصفه الله تعالى بذلك {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34) الأحزاب} فالحكمة هي أيضا السنة . وهي الكتاب {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود} المقصود أن وصف السنة بالحكمة لا يعني منه نفيها عن القرآن ولكن المراد التنبيه على القيد الزائد في السنة فقد يفهم أن منزلتها أقل نقول لا ووصفها الله تعالى بأنها حكمة و أخبر صلى الله عليه وسلم عن نفسه {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) النجم }. هناك ملحظ في هذه القضية وهو أن الحكمة حقيقتها هي العمل بالعلم. عرّفها كثير من أهل العلم أن الحكمة هي أن تعمل بما تعلم، العلم الصادق إذا عُمل به حقا كان صاحبه حكيما. معنى هذا أن الكتاب لما أوحي إلى محمد صلى الله عليه وسلم قإنه صلى الله عليه وسلم د عمل بذلك كله فصار عمله وسنته القولية والفعلية والتقريرية حكمة لأنها جمعت بين العلم الصحيح والعمل الصالح المنضبط على منهج الله عز وجل.

مشروعية تعليم التجويد والتفسير
( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) يدخل في تعليمه للكتاب تعليم تلاوته وكان صلى الله عليه وسلم يعتني بذلك. كان يعرض عليه أصحابه ويعرضه على جبريل وجبريل يعرض عليه. لا شك أن أول شيء تعلمه النبي من القرآن هو تلاوته وكيفية أدائه. وفيها أيضا فائدة أخرى وهي تقديم القرآن على السنة في التعليم وفي الإستدلال وفي الإستنباط وفي كل المجالات عندما يكون عندنا آية وحديث نبدأ بالآية ثم الحديث لأن الله سبحانه وتعالى قدم الكتاب على السنة حتى قال ابن تيمية (إن السنة لا يمكن أن تنسخ القرآن ) يقصد بذلك أن القرآن محكم لا يأتي شيء في مرتبة ثانية لينسخه ويزيله. المقصود أن القرآن يقدّم ويعظم ويجل ويبدأ به. لما يكون عندنا درس تفسير ودرس سنة نبدأ بالتفسير. أيضاً التعليم يدخل فيه التجويد لأنه تعالى قال (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) تكلم عن التلاوة ثم جاء بتعليم الكتاب وأيضا يدخل فيها التفسير. وهذا يدل على أن من وظائف النبي الأساسية هي التعليم. قد يأتي من يقول أنه لم يحفظ عن النبي من التفسير إلا القليل وليس معنى ذلك أنه كان يترك شيئا مبهما على الصحابة لا يبينه لهم. بالعكس كان إذا أشكل شيء عليهم يسألون عنه. ومن ذلك دعاؤه لأبن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء ، فوضعت له وضوءا ، قال : من وضع هذا . فأخبر ، فقال : اللهم فقهه في الدين . الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 143خلاصة الدرجة: [صحيح] } قوله وعلمه الكتاب واضح أنه يقصد التفسير. وفي رواية أخرى علمه التأويل {اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل . الراوي: - المحدث: ابن عبدالبر - المصدر: الاستيعاب - الصفحة أو الرقم: 3/67خلاصة الدرجة: صحيح} . ويقصد بالكتاب القرآن وابن عباس رضي الله عنه كان بارعا في التفسير ولا شك أن هذا أحد فروع علوم هذا الكتاب.

عبرة من التاريخ

(وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) من ترك هذين المصدرين – الكتاب والسنة- وقع لا شك في الضلال المبين. من من استعرض تاريخ الأمة الإسلامية متى أخذت بهذين المصدرين عزّت وانتصرت ومتى تركتهما وقعت في الظلام. في عهد المأمون ترجمت الكتب اليونانية وغيرها من كتب الأمم السابقة . ماذا حدث للأمة؟ اختلفت وإضطربت ليس في أمور الفروع والتفاصيل وإنما في الأصول. وصار الناس لا هم لهم إلا الكلام ونشأت الفرق الفرقة الواحدة تنقسم إلى فرق كثيرة كل ذلك بسبب ترك الكتاب والسنة. ولذلك قيد الله للأمة في كل زمن من يعيدهم إلى المصدرين ناصعين أبيضين من غير أن يكون هناك شبهة ولا شك.

يوجد هنا استشكالين. الأول عن ترجمة الكتب. بعض الأمم التى كان لها تأثير في الحضارات السابقة العجيب أنه لم يرد لها ذكر لا في كتاب الله ولا في السنة وهذا فيه سر لعل من يسمع أن يبحث في ذلك. اليونان كان فيهم فلاسفة وحضارة كبيرة مسيطرة أثرت في العالم. والسؤال الثاني أنه من العجيب أن هذه الحضارة اليونانية بقيت آثارها في كتاباتها. وهذا يدل عليه القرآن في آيات كثيرة { ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1) القلم} و{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) العلق} مما يدل على أهمية الكتابة. إن هذه الحضارة اليونانية التي ماتت ونسيت لم يكن أحد يتعلمها ولا يتفقه فيها فكيف نشأت فكرة إعادة هذه الحضارة في هذه الأمة التي فيها هذين المصدرين الكتاب والسنة؟! هذا يدعو للتعجب، هو نوع من الكيد . والقصة مذكورة في كتب التاريخ أن المأمون أرسل إلى ملك الروم يطلبها فإستشار بطارقته فقال أحدهم أنها ما دخلت على قوم إلا أفسدتهم. فإذا ثبتت القصة لا شك أنه يفسر جزء من هذا المعنى . السؤال أن الأمة التي كانت تعيش في هذا الوقت ما كانت بحاجة ان تبحث عن هدى في غير كتابها فما الذي ساق هؤلاء أن يبحثوا ويأخذوا مثل هذا؟ والعجيب أن هذه الفلسفة وصلت في علم الكلام ولا زال آثار هذه الفلسفة والمنطق اليوناني موجودا إلى اليوم موجود فيما يسمى علم الكلام . في كل زمان أناس يتشوفون إلى ما عند الأمم الأخرى ولا يثقون بما عند الأمة الإسلامية فهم منهزمون نفسيا. كنا قبل أربعين أو خمسين سنة صحيح الأمة الإسلامية ليس لديها إمكانيات فنحتاج أن نبتعث أبناؤنا للأمم الأخرى للإستفادة من علومهم الدنيوية. اليوم ما إستطعنا أن ننقل التقنية إلى بلادنا ثم بدأنا نبتعث أبناؤنا مرة أخرى مع علمنا بما هناك من الإنحراف والفتن والفساد والتجارب السيئة. من ذهب يرى أماكن الإبتعاث لا يجد جديداً فيها. يتعلمون على النت وهي موجودة لدينا. إذا ذهبت تكتسب عادات وتقاليد ليست من دينك ولا من عاداتك من المفترض ألا تتعرض لها وليس من الشرف أن تتعرض لها وتتعلمها. في عهد المأمون عندما طالب بترجمة الكتب اليونانية كان الناس يتشوفون إلى حضارات وثنية وحضارات بائدة لا قيمة لها في جانب الفكر والهدى بين أيدينا. منذ ترجمت من عهد المأمون إلى اليوم ما جنينا منها؟ فرقة واختلاف وبلبلة. نهاية إقدام العقول ورجعوا في النهاية إلى القرآن. قال الشوكاني إختلفوا في الروح على 1100 قولا والحق ما قاله سبحانه وتعالى في { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85) الإسراء} قد إختصر لك الطريق. أمثال هؤلاء في كل وقت تجدهم يتطلعون لما عند الآخر ويناقشون ويقولون نريد أن نعرف ما عند الأمم الأخرى . نحن لو كنا أمة ليس لدينا القرآن ولا رسول ولا دين لكنا وافقنا ولكننا أمة عندنا قدرات وعندناكتاب الله بين أيدينا ألا نستطيع أن نقوم بأنفسنا؟

ننظر لمثال آخر الأمة اليايانية وجنوب شرق آسيا نجحت أن تأخذ من الغرب ماتريد أن تأخذه . لما أرسل اليابانيون أبناءهم أول الأمر تأثروا بالغرب في طريقة أكلهم وعاداتهم. فلما عادوا ورآهم الإمبراطور الياباني أمر بقتلهم جميعاً قائلا ما أرسلتهم ليأتوني بعادات أنا أريد الشيء الذي تميزوا به من تكنولوجيل وتقنية. وفريق آخر ذهب إلى الغرب يمارس العادات اليابانية حتى في أكل الأرز. وكان الغربيون يضحكون منهم ولكن كان لهم هدف واضح حتى أن أول واحد منهم من عكف سنوات يقرأ النظريات و جلس يدرس في الجامعة وفي النهاية ما حصّل شيئاً . اشترى آلة وفكها ثم ركبها مرات فعرف بالخبرة والتأمل فعرف سر هذه الآلة ما عرفها بالدراسة. و قال الإمبراطور الآن اصنع لي هذه الآلة فصنعها من أولها لآخرها. ولما جاء الإمبراطور لإفتتاح أول آلة تصنعها اليابان فلما اشتغلت وسمع ضجيجها قال هذه أحسن موسيقى سمعتها في حياتي. ثم بعد ذلك إختطت اليابان طريق الصناعة وأخذوا من العالم الغربي، فهم استقبلوا منهم ماهم بحاجة إليه وانتهوا منهم.

نعمة العقوبة في الدنيا
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
تشير هذه الآية إلى قاعدة عظيمة للمؤمنين. والإستفهام هنا إنكاري تعجبي. كأنه يقول لما أصابتكم هذه المصيبة تقولون هذا القول؟! أنّى هذا يعني من أين جاء هذا؟ هذه قاعدة إذا أصبت بمصيبة فاعلم ان الأصل أنها جاءت من عند نفسك . أنت أسأت في أمر ما فعوقبت بهذا العقاب وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى أن تعاقب في الحياة الدنيا ولهذا قال تعالى (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم). أي انما اصبتم جزاء ما اجترحتم وكسبتم. ولهذا قال بعدها { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قدير على أن يقدر لكم هذا الجزاء ويصيبكم به فلا تستغربوا أن يقع هذا عليكم فإذن هذه من القواعد القرآنية وسنة ثابتة في القرآن . أن الإنسان لا يصيبه شىء إلا بكسبه. في الشورى قال { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) } ما أصابكم شىء يسير وإذا راجعت الذنوب والمعاصي نجدها أكثر مما يقع من البلاء. ونلاحظ ونؤكد عليها من خلال هذه الآية { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ }من 123 النساء قد يشكل أنت تقول ويعفو عن كثير وهنا يقول يجزى به ؟ الجواب بأن ما يصيب الإنسان ليس هي هذه العقوبات الظاهرة من القتل والجرح والآلام العظيمةة حتى الهم والحزن { ما يصيب المسلم ، من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 5641خلاصة الدرجة: [صحيح] } هذا من العقوبات تخفيف ولذلك قال هذا كله جزاء لأشياء أنت فعلتها بنفسك. حدث قبل فترة أن بعض المشايخ جزاهم الله خيرا لما حدث بعض الآلام والعقوبات على المسلمين قال هذا من ذنوب المسلمين ما وقع لهم شىء إلا بذنوبهم وبعض الناس استنكروا هذا الأمر قالوا ما ذنب هذه الأطفال والنساء وكبار السن؟.و الحقيقة هذا غير صحيح . ما أصاب الناس من شيء فهو من تقصيره في حق ربه هذه قضية قررها القرآن وليست محل شك والحمد لله { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }. ولهذا فإن تأخير العذاب عن قوم لا يعني سلامتهم أو أنه لن يقع بهم بل قال في الآيات التالية {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) آل عمران } وهذه أشد من اذين يعاقبون في الدنيا. تذنب فتعاقب مباشرة هذا من رحمة الله بك ومن لطف الله بنا أن يعاقبنا وأحيانا لا يعلم ما هو الذنب الذي عوقب به من كثرة ذنوبنا بينما بعض الناس مثل الحسن البصري كان يعلم الذنب الذي يعاقب عليه لأنه كان يعد ذنوبه. فأنت إذا كثرت عليك ما تعلم على أي شيء وقعت هذه العقوبة. ابن سيرين اصيب في آخر عمره بالدين فحجز بذلك فلما سؤل عن الذنب قال عيّرت رجلا قبل أربعين سنة بهذا فإبتلاني الله به، تذكر ذنبه من أربعين سنة!.

ومقصود الآية أن ما أصابتكم مصيبة يوم أحد فقد أصبتم مثليها يوم بدر. قتل منكم في أحد ما يقارب السبعين من المسلمين وفي بدر قتلتم سبعين وأسرتم سبعين فلماذا تعجبون؟. وكان بعضهم يقول كيف نهزم؟ نحن مسلمون وهم مشركون فجاء الجواب هو من عند أنفسكم.
 
الحلقة 29
16 رمضان 1430

مقدمة عن قيمة مدارسة القرآن

أحب أن أقترح عليكم وأنتم تستمعون إلى هذا البرنامج أن تأخذوا العبرة من هذه المدارسة التي تكون بيننا نحن وهي أن المدارسة تثري معرفة الإنسان بالقرآن. ولا أخفيكم سراً أننا نُحَضّر أشياء قبل أن يأتي لهذه الحلقات ونقرأ من الكتب بين أيدينا ونحاول أن نجمع ما قاله العلماء لنحكيها لكم بلغة سهلة ميسرة. وإذا بدأت الحلقة ثارت أشياء وجَدّت لنا أشياء ببركة المدارسة. فالمدارسة لها فضل عظيم على الإنسان ليس فقط في فهم القرآن ولكن أيضا في استخراج وإستنباط المزيد. ونريد أن ننقل هذه الخبرة للمشاهدين. أحياناً يفتح للإنسان في حال المدارسة ما يكون مغلقاً من قبل. مثلا لما قرأنا الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) آل عمران} تبين لي مسألة كنت أبحث عنها وهي لماذا قدم ماتوا على قتلوا؟ ففتح لي في أثناء الحلقة وقد كنت أبحث عنها. كنت أشرح جزء عم في أربع شعب في الكلية مفترض أن أقول نفس الكلام. وأسأل نفسي بعد المرة الأولى ماذا سأقول في المرة الثانية؟ سأعيد نفس الكلام يا له من تعب! ولكني في المرة الثانية يفتح لي ما لم يفتح في الأولى وفي الثالثة أكثر وهكذا. قلت لو ألفت بعد أول مرة لقلت ماذا أصنع بما كتبت؟ لو صبرت حتى الرابعة أو الخامسة لكان أفضل. من معاني المدارسة في اللغة معنى أنعا تتغازر المرعفة وتزيد من كثرة المدارسة والمدارسة مأخوذة من التكرار على الشىء. ومنها درس الزرع. عندما يأتي المزارع بالثمرة ويضعها في المكان الذي تطؤه الدابة فتظل تطأه حتى يخرج الحب من السنابل. هذا يسمونه "الدرس" لأنه تكرار حتى تخرج الثمرة. فتكرار النظر والتأمل والتدبر في المدارسة تتغازر المعرفة وفي المدارسة نجد أن كل شخص ينظر من زاوية مختلفة وتتراكم المعرفة. فهي تراكمية. أنت نفسك تكرر الدرس أو العقول تنظر من زوايا مختلفة.

ما هي الوسائل العملية في طريقة المدارسة؟ كيف يستطيع الناس في البيت أو أي مجلس أن يصلوا إلى نتيجة؟ أي مجموعة لو قالوا نحن لسنا من أهل التخصص أو من أهل العلم الشرعي كيف لنا أن نستفيد؟ يمكن أن يقرؤا كتاباً في التفسير والمعاني العامة ثم يتأملوا الآيات وما يمكن أن يستفيدوه من استنباطات. صحيح أن له أثر في ثقافة الشخص كلما كان المعلومات عنده أكثر كان الإستنباط أغزر وأجود ولكن لا يخلو قارئ للقرآن أن تكون عنده إستنباطات بل أحيانا إذا سمعت إلى إستنباطات بعض العامّة تستغرب كيف وصلوا إليها. أذكر مثالا في الآية {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة} هم وقفوا عند "الدماء" قالوا كيف عرف الملائكة أن بني آدم لهم دم ولحم؟ ألا يدل هذا على أن كان من سبق كانت له دماء؟ . هذا السؤال لم يخرج إلا من خلال التأمل. تأملت كيف جاؤوا بالأسئلة، ناس بسطاء جدا في تخصص ليس شرعي ولكن فتح لهم هذا. فمن باب النصيحة للمسلمين لا يمنعكم مانع من التدبر ولكن لا تجعله تفسيرا تنشره بين العالمين. التدبر أمره أوسع يشمل التفسير وما قبل التفسير وما بعد التفسير، التفسير ثمرة من ثمرات التدبر ولذلك خوطب بالتدبر جميع الناس . وقد نزلت {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء} في المنافقين ونزلت {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد} للمشركين وهذا يدل على أن الخطاب ليس للعلماء فقط ولكن لعموم الناس. من يسمع هذا الكتاب مطالب بأن يفتح قلبه لكتاب الله. وفي كل العلوم أنت مطالب أن تتأمل وتتدبر. وفكرة مجالس للتدبر والتأمل فكرة رائعة وهي سنة نبوية كان صلى الله عليه وسلم يجلس مع جبريل وأصحابه للتدبر والصحابة كانوا يعملون ذلك . كان عمر رضي الله عنه يجمع الصحابة يتناقشون في القرآن حتى يقولون {قال معاذ بن جبل : اجلس بنا نؤمن ساعة الراوي: الأسود بن هلال المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: تغليق التعليق - الصفحة أو الرقم: 2/21خلاصة الدرجة: موقوف صحيح}.

في المجالس أجود من أن تتحدث أنت والناس يستمعون فقط أن تشرك الناس في الحديث فإذا قالوا نريد منك كلمة إجعلها حوارا . إقرأ ىيات وعلّق عليها واطلب آراء الموجودين. في أحد المجالس خرجت مع الإخوان فقلت دعونا نتأمل في آيتين فقط نخرج منها بفوائد إن شاء الله كبيرة في قوله سبحانه وتعالى {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) طه} فقط وقلت ماذا تفهمون من "طه"؟ قال واحد هذا إسم للنبي صلى الله عليه وسلم وقال واحد منهم هذا صحيح واستشهد بأبيات من الشعر (نحن اليمانون يا طه) وآخر قال قرأتها في كتاب. قلت هل مر عليكم أنها من الحروف المقطعة التي في أوائل السورة؟ قالوا لم يمر علينا لكن هذا هو المعنى المشهور، قالوا فلماذا لا تُمد؟ قلت لأن طا وها لا تمد. وفي { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى } سألت ما هي الفوائد ؟ قال أحدهم إنها ما جاءت لتُشقي بل جاءت لتُسعد. إذا هي سورة السعادة. وهذا إستنباط جيد وصحيح. ثم أن فيها إثبات لصفة علو الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن { أَنْزَلْنَا }. أعجب الحاضرين هذا الحوار فجعلناه دوريا. هذه فكرة رائعة لإستخراج الأفكار وتوليدها وإشراك الآخرين. مثلاً الأولاد عندك في البيت دعهم يشاركونك ولديك كتب التفسير نريد للشباب والصغار بدل أن يعرفوا فقط المجلات والألعاب . الناس اشتغلوا بالفضائيات والنت. وبدأت تتقلص قيمة الكتاب. الأسر الناجحة من أسباب نجاحها ربطها بالكتب والقراءة. الحقيقة أصبحنا أمة تلقين. نُلقن ونتلقن . نأخذ الأشياء جاهزة ولا نفكر فيها . نريد أن نحيي الفهم والنظر والتدبر في كل الأشياء وليس في القرآن وحده. يجب علينا أن نفكر في كل ما يتلى علينا وفي كل ما نسمعه وفي كل ما نقوم به. أنتم الآن تصومون لماذا نصوم؟ لماذا شرع الله الصيام؟ لماذا شرعت قراءة القيام؟ لماذا شُرع التسبيح ونحن راكعون؟ لماذا نقول مع المؤذن إذا كبّر الله أكبر وإذا قال حي على الصلاة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله؟ وهكذا. الله وضع هذا بطريقة عجيبة جدا موافقة للعقل ولكننا غافلون. ومن الأمثلة الناجحة أن جعلت هذه سياسة لي في جلسات لجيران المسجد مستمرة منذ 15 عاما كان المراد أن تكون درساً كالعادة واحد يلقي والباقي يستمع. ولكن لماذا لا يشارك الجميع؟ واحد يقود الجلسة لكن الجميع يشارك في أول الأمر لم يكن مستساغا والآن أصبح جزء لا يتجزأ من الجلسة. نتكلم في التفسير أو أي موضوع أو نستضيف ضيفا لابد أن الجميع يشارك أو يبدي رأيه أو يضيف ولذلك الحضور فيها لا يتخلّف لا في الإجازات ولا في الدراسة. قرأنا من خلالها كتبا كثيرة وسافرنا أسفارا من إثر هذه الجلسة.

معنى كلمة أصاب
{أوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) أل عمران } أصاب جاءت بمعنيين في هذه الاية: الأولى أصابتكم بمعنى الجراح والضر وأصبتم مثليها بمعنى نلتم أو أُعطيتم. فالإصابة الأولى فيها شيء ضار والثانية في شيء سار وكلاهما من مادة واحدة ولكن إختلف معناها في آية واحدة. الأولى معنى لازم والآخر متعدي أي أصبتم غيركم مثليها وهم المشركين. تقول سافرت فأصبت خيراً يعني نلت خيراً. فالفعل أصاب يأتي بمعنى متعدي ومعنى لازم (أصاب فلان جائزة). ومعنى آخر أصبت الصواب وأخطأت الجواب. أصبت بمعنى أردت وقصدت كما في قول الله عز وجل { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) } في سورة ص. وقد تكون في سورة ص أصاب بمعنى المطر و الصيّب هو مطر لأنه يصوب من السماء إلى الأرض بقوة أي يتجه. وهذا من الفوائد أن لغة القرآن التفقه فيها من ألذ ما يكون. إبحث في المعجم عن معنى أصاب موجودة في أصل صوَب ثم كيف أستخرجها من القرآن .

كان المشايخ يضربون بالأمثال تقرب لنا حقائق لذة اللغة يقولون انظر مثلا إلى كلمة "جنة" جَنَّ معناها ستر جنّ الليل إذا أظلم وستر ويقول انظروا هذا الستر الموجود في مواد متعددة اشتُقت من هذه المادة الأساسية . الجنون من ستر العقل والجنين مستور بالبطن والجنة لأن أرضها قد سترت بالزرع والبستان يسمى جنة لأنه يستر من يدخل فيه والمِجَن هو الدرع والمجنّة هي المقبرة والجنّ لأنهم يستترون عن الأعين{ يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف} كل هذا من مادة واحدة. كنت أدرس قصار المفصل { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) الناس} وقال طالب { الجَنّة }! قال اللغة العربية صعبة فالجَنة والجِنة فرق كبير. قلت هذا أيضا موجود عندكم . مثلا park ما معناها "موقِف" وما معنى bark معناها "نباح" فضحك الطالب. أحدهم كان يمشي ويريد أن يسأل الشرطي عن الموقف فسأله بلفظ bark فقال له الشرطي إنبح في أي مكان.

تعليق الأخطاء على الغير
{ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} إن كل ما أصابكم يرجع إلى أنفسكم
ونفسك ذُمّ لا تذمم سواها بشرٍّ فهي أولى من ذممت
إذا وقع أحدكم في مصيبة يبدأ يعلق أخطاؤه على الآخرين والمفترض دائما-حتى تربويا- كلما وقعت في مصيبة حاسب نفسك أنت لأنها هي الجهة التي يمكنك أن تتصرف فيها وإعتبر أن الآخرين ليس لهم علاقة بالأمر بهذا تربي نفسك. وهذا هو المقصود بالآية . الله يريد أن يربي المسلمين المؤمنين أن يراجعوا أنفسهم دائماً ويراجعوا الخلل، هذا الجيش الذي يقوده الرسول صلى الله عليه وسلم وموجود به العشرة المبشرين بالجنة ماذا تريد أشرف من هذا الجيش؟ ومعهم جبريل وعدد من الملائكة الكرام وبالرغم من ذلك وقعوا في تقصير بسيط جدا وهو أنهم اجتهدوا إجتهادا في غير مكان. فأصابتهم سماها الله مصيبة وقد سبق أن نصركم الله من قبل في بدر. بالرغم من ذلك الخلل في أنفسكم. دائما راجع نفسك وخططك سواء في أمور الدنيا وأمور الدين وفي الأمور التربوية .وما أكثر مشاكلنا في حياتنا الاجتماعية التي نحتاج أن نراجع فيها أنفسنا (قل هو من عند أنفسكم) راجع نفسك كما ذكرنا في الحلقة السابقة عن ابن سيرين الذي يراجع ذنوبه قال أنا شمت برجل قبل أربعين سنة فابتليت بهذا. وما أكثر هذا في حياتنا اليوم. أنا استفدت من هذه وأجيب بها من يسألني . كثير من النساء يشتكين من أسرهن وأزواجهن فأقول سأبدأ بك أنت وأنت معترفة أنه توجد مشكلة ولا أعرف تفاصيلها، هل تفعلين كذا؟ هل أنت مقصرة في كذا. من خلالها أكاد أحل نصف المشكلة إن لم يكن كل المشكلة . أنا لا أملك الطرف الآخر الذي قد ينكر كل هذا الذي تقولين بيدي أن اصلح من أمامي، الطرف الذي أمامي أبدى الشكوى. أنت يا أختي افعلي كذا وكذا وستلاحظين تحسناً في النتائج. هذه قاعدة الآن في تطوير الذات يكتبون فيها الكتب. أنت المسؤول عن تصرفاتك، لا تعلق أخطاءك على الآخرين نبحث عن شماعة نعلقها عليها . يعتذر شخص عن عدم حضور صلاة الفجر فأقول نم مبكرا فيقول ميكروفون المسجد ضعيف. الشاهد هو {{ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} } يجب أن تكون قاعدة للجميع أنت المسؤول عن تصحيح أخطائك.

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)

فهم القرآن قبل حفظه ضرورة. أول ما كنت أحفظ القرآن كنت لما جئت إلى هذه الآيات اتعب منها وكانت تعقدني أخاف أن أخطىء فيها مع أنها من أظهر الآيات إرتباطا ببعضها وأنا كنت أظن أن (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) معنى جديد ولذلك أخاف أن أنساها. فالواحد منا يجب أن يفهم قبل أن يحفظ أو يجمع بينهما.

"المصيبة" هنا هي ما أصابكم يوم التقى الجمعان وهو يوم أحد. وسبق أن ذكرنا أن لفظ الجمعان في كل موطن يراد بها أناس معينون. قال { فَبِإِذْنِ اللَّهِ} ما هو الإذن؟ هذا الإذن القدري لكنه إذن يستلزم العلم أى بعلمه ومشيئته. يقول البعض كيف يأذن الله بأذية المؤمنين؟. فهذا نسميه الإذن القدري لا يلزم الرضى ولا يلزم أن الله يحبه لعباده ولكن هذا الإذن له نتيجة إيجابية وهي تكفير الذنوب. قد يقرأ بعض الطلاب أو العامة في كتاب لا يعرف معتقد مؤلفه فيقول بدل بإذن الله (بعلم الله) ولا يحس فيها مشكلة. لكن إذا تأملت تجد أن بعض المعتزلة ومن نحى نحوهم إذا جاء عند هذه الآية يقول (بعلم الله ) لأنه يرى بزعمه أن الله لا يُقَدِّر الشر. يقول كيف يقدِّر الله المصيبة؟ لانه تلازم عنده الرضا مع القدر. أي أن الله لا يقدر إلا ما يرضى عنه. وهناك أمور كونية قدرية قد قدرها الله وإن كل مآلها بالنسبة للمؤمن خير كما قال صلى الله عليه وسلم { عجبا لأمر المؤمن . إن أمره كله خير . وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن . إن أصابته سراء شكر . فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر . فكان خيرا له - الراوي: صهيب بن سنان الرومي القرشي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2999خلاصة الدرجة: صحيح} ولا يكون ذلك إلا للمؤمن. نعم هذه ضراء إصابتهم وكان بينهم محمد وإن هذا كان بقدر من الله وأنه سبحانه وتعالى أنزله عليهم وهو يعلم ذلك. والمآل هو { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } ولذلك قيل أن ليعلم المؤمنين واحد من المآلات في سبب تقدير هذه المصيبة.

{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } ما هذا العلم؟ هذا خطاب للناس، الله لا يستجد في علمه شىء جديد لأنه يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون وهذا لا يكون لأحد. معناه أن علم الإنسان يستلزم الجهل , كان جاهلا ثم تعلم . والأمر الثاني أن علم الإنسان ملحوق بالنسيان . أنت تعلم مسألة و ممكن تتفيض في مسألة ثم تنساها أو تنسى تفاصيله ولذلك يذكرون في علم الحديث {من حدّث بشيء ونسي} يرويه عمن حدثه به ويقول حدثني فلان عن نفسي أني حدثته. فهذا علم البشر مسبوق بجهل ومتبوع بنسيان أما علم الله سبحانه وتعالى فغير مسبوق بجهل ولا ملحوق بنسيان ولذلك قال { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ }من 255 البقرة وقال { لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } من 52 طه.

{ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} ليس معناها ذلك أن إبتلاهم ليعلم ولكي يظهروا حاشاه ولكن ليبينهم ويوضحهم ويكشفهم لكم أنتم وقال المفسرون لكي يتحقق في الواقع وأيضا ليترتب عليه الثواب والعقاب لأن العلم الإلهي المجرد لا يترتب عليه الثواب والعقاب وهذا من كمال عدل الله إلا عندما يظهر ويجازيه عليه. وهذا من آثار علم الظهور، وكثيرا ما يأتي هذا الأمر { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) الأحزاب} وهذا ما وقع في بعض الفرق لما كانوا يحكمون العقل المجرد أو كانوا ينظرون إلى نوع من التماثل بين صفات الله تعالى وصفات العباد. فوقعوا في مثل هذه المشكلة . ظن بعضهم أن علم الله مثل علم الناس فوقع عنده إشكال في هذا ولهذا وصل بعضهم وهو من كبار علماء الكلام قال - في أحد مراحل حياته- قال إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات وهو قد رجع عن هذا الكلام وهذا يدلك على الخلل الذي يقع بسبب جعل العقل هو الحَكَم. وسبق أن قلنا أن العقل يفهم النص ويعترض عليه. إذا جاء العقل ليعترض على النص أو يتقدم عليه يحدث إشكال أما إذا جاء ليفهم النص فلا اشكال. فمن يقولون أنتم لا تحكّمون العقل والعقل ليس له مقام عندكم، هذا تَزَيُّد وهذا فهم خطأ. وقد شرحنا أن العلم علمان. علم قبل وعلم بعد. فالعلم الذي قبل لا يترتب عليه جزاء ولا عقاب لكن يترتب في علم الظهور. { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } ليس علم متجددا بالنسبة لله هو الله عالم به قبل أن يقع وهذا يسمى علم الظهور فقط وليس علما متجددا. قد يقول البعض أنتم الآن تثقلون علينا بهذه المعلومات ما فائدة هذا؟ نقول فائدته أن تتبع ظاهر القرآن فالأصل فيه أنه تسلم ولا يقع الإشكال إلا عندما تجعل العقل حكما على النص. وأنت لما ترى الشيء يكثر فى القرآن وروده تعلم يقيناً أنه ما دام كثر وروده فإن له هذا المعنى الظاهر لا غير. إذا تكرر مرة واحدة تقول هذا فيه مشكل وأقول أنك معذور لأنه مر مرة واحدة. لا شك أن هذه من المواطن التي يضل فيها بعض الناس ولذلك قال تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } من 26 البقرة. والله يبتلي من يشاء بما يشاء . وهذا مصداق للآيات الأولى في آل عمران { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } من 7 آل عمران ومثل هذه الآية قد تشكل على ناس وناس أخطأوا في فهمها { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } من 7 آل عمران

وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)

تكشف هذه الآية لنا عن حقيقة في نفوس هؤلاء المنافقون وكذب يتذرعون به وهم لا يعلمون أو يظنون أن المؤمنين بُلْه لا يفهمون. لا . إذا قال لهم المؤمنون ادخلوا معنا القتال. من هم هؤلاء ؟ هم المنافقون عبد الله بن أبي ومن معه. جرى نقاش بينهم وبين المؤمنين لما أرادزا الإنسحاب في الساعة الحرجة قالوا لهم قاتلوا معنا. قالوا لن يكون هناك قتال { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا } والله إنه أكذب من يكون في هذا، لو كان كلامكم صحيح كان يجب أن تخرجوا لتكسبوا الغنيمة والذكر الحسن وما خذلتم أهلكم وقبائلكم. أنت إذا رأيت واحد مشغول أو مسافر إعزم عليه من أجل أن تتجمل ويعدها لك حسنة. أنتم يا منافقون اعملوا بهذا .أنتم تقولون لن يكون قتال ولكن اخرجوا حتى تدفعوا عن أنفسكم الريبة. ولكنهم يعلمون أن سيكون قتال ودماء جاءوا في نفوسهم وتر. ولهذا نلاحظ { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا } المؤمنون الذين يقولون قاتلوا أو ادفعوا عنا حمية. نحن أولى الناس بكم ونحن من قبيلتكم { قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } هذه نفسية المنافق، الآن تدّعي الوطنية وتنتخي بيثرب والآن يثرب تهاجم فلو كنتم صادقين كنتم جئتم . تأمل بعض المعاصرين ممن فيهم ما فيهم من الدَخَن نجده يدعي الوطنية وهو ينتخي دائما بأمريكا ويستعدي أمريكا على بلده ويقول أنه وطني، ما أدري ما هذه الوطنية!.
 
الحلقة 29

16 رمضان 1430



مقدمة عن قيمة مدارسة القرآن



أحب أن أقترح عليكم وأنتم تستمعون إلى هذا البرنامج أن تأخذوا العبرة من هذه المدارسة التي تكون بيننا نحن وهي أن المدارسة تثري معرفة الإنسان بالقرآن. ولا أخفيكم سراً أننا نُحَضّر أشياء قبل أن يأتي لهذه الحلقات ونقرأ من الكتب بين أيدينا ونحاول أن نجمع ما قاله العلماء لنحكيها لكم بلغة سهلة ميسرة. وإذا بدأت الحلقة ثارت أشياء وجَدّت لنا أشياء ببركة المدارسة. فالمدارسة لها فضل عظيم على الإنسان ليس فقط في فهم القرآن ولكن أيضا في استخراج وإستنباط المزيد. ونريد أن ننقل هذه الخبرة للمشاهدين. أحياناً يفتح للإنسان في حال المدارسة ما يكون مغلقاً من قبل. مثلا لما قرأنا الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) آل عمران} تبين لي مسألة كنت أبحث عنها وهي لماذا قدم ماتوا على قتلوا؟ ففتح لي في أثناء الحلقة وقد كنت أبحث عنها. كنت أشرح جزء عم في أربع شعب في الكلية مفترض أن أقول نفس الكلام. وأسأل نفسي بعد المرة الأولى ماذا سأقول في المرة الثانية؟ سأعيد نفس الكلام يا له من تعب! ولكني في المرة الثانية يفتح لي ما لم يفتح في الأولى وفي الثالثة أكثر وهكذا. قلت لو ألفت بعد أول مرة لقلت ماذا أصنع بما كتبت؟ لو صبرت حتى الرابعة أو الخامسة لكان أفضل. من معاني المدارسة في اللغة معنى أنعا تتغازر المرعفة وتزيد من كثرة المدارسة والمدارسة مأخوذة من التكرار على الشىء. ومنها درس الزرع. عندما يأتي المزارع بالثمرة ويضعها في المكان الذي تطؤه الدابة فتظل تطأه حتى يخرج الحب من السنابل. هذا يسمونه "الدرس" لأنه تكرار حتى تخرج الثمرة. فتكرار النظر والتأمل والتدبر في المدارسة تتغازر المعرفة وفي المدارسة نجد أن كل شخص ينظر من زاوية مختلفة وتتراكم المعرفة. فهي تراكمية. أنت نفسك تكرر الدرس أو العقول تنظر من زوايا مختلفة.



ما هي الوسائل العملية في طريقة المدارسة؟ كيف يستطيع الناس في البيت أو أي مجلس أن يصلوا إلى نتيجة؟ أي مجموعة لو قالوا نحن لسنا من أهل التخصص أو من أهل العلم الشرعي كيف لنا أن نستفيد؟ يمكن أن يقرؤا كتاباً في التفسير والمعاني العامة ثم يتأملوا الآيات وما يمكن أن يستفيدوه من استنباطات. صحيح أن له أثر في ثقافة الشخص كلما كان المعلومات عنده أكثر كان الإستنباط أغزر وأجود ولكن لا يخلو قارئ للقرآن أن تكون عنده إستنباطات بل أحيانا إذا سمعت إلى إستنباطات بعض العامّة تستغرب كيف وصلوا إليها. أذكر مثالا في الآية {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة} هم وقفوا عند "الدماء" قالوا كيف عرف الملائكة أن بني آدم لهم دم ولحم؟ ألا يدل هذا على أن كان من سبق كانت له دماء؟ . هذا السؤال لم يخرج إلا من خلال التأمل. تأملت كيف جاؤوا بالأسئلة، ناس بسطاء جدا في تخصص ليس شرعي ولكن فتح لهم هذا. فمن باب النصيحة للمسلمين لا يمنعكم مانع من التدبر ولكن لا تجعله تفسيرا تنشره بين العالمين. التدبر أمره أوسع يشمل التفسير وما قبل التفسير وما بعد التفسير، التفسير ثمرة من ثمرات التدبر ولذلك خوطب بالتدبر جميع الناس . وقد نزلت {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء} في المنافقين ونزلت {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) محمد} للمشركين وهذا يدل على أن الخطاب ليس للعلماء فقط ولكن لعموم الناس. من يسمع هذا الكتاب مطالب بأن يفتح قلبه لكتاب الله. وفي كل العلوم أنت مطالب أن تتأمل وتتدبر. وفكرة مجالس للتدبر والتأمل فكرة رائعة وهي سنة نبوية كان صلى الله عليه وسلم يجلس مع جبريل وأصحابه للتدبر والصحابة كانوا يعملون ذلك . كان عمر رضي الله عنه يجمع الصحابة يتناقشون في القرآن حتى يقولون {قال معاذ بن جبل : اجلس بنا نؤمن ساعة الراوي: الأسود بن هلال المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: تغليق التعليق - الصفحة أو الرقم: 2/21خلاصة الدرجة: موقوف صحيح}.



في المجالس أجود من أن تتحدث أنت والناس يستمعون فقط أن تشرك الناس في الحديث فإذا قالوا نريد منك كلمة إجعلها حوارا . إقرأ ىيات وعلّق عليها واطلب آراء الموجودين. في أحد المجالس خرجت مع الإخوان فقلت دعونا نتأمل في آيتين فقط نخرج منها بفوائد إن شاء الله كبيرة في قوله سبحانه وتعالى {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) طه} فقط وقلت ماذا تفهمون من "طه"؟ قال واحد هذا إسم للنبي صلى الله عليه وسلم وقال واحد منهم هذا صحيح واستشهد بأبيات من الشعر (نحن اليمانون يا طه) وآخر قال قرأتها في كتاب. قلت هل مر عليكم أنها من الحروف المقطعة التي في أوائل السورة؟ قالوا لم يمر علينا لكن هذا هو المعنى المشهور، قالوا فلماذا لا تُمد؟ قلت لأن طا وها لا تمد. وفي { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى } سألت ما هي الفوائد ؟ قال أحدهم إنها ما جاءت لتُشقي بل جاءت لتُسعد. إذا هي سورة السعادة. وهذا إستنباط جيد وصحيح. ثم أن فيها إثبات لصفة علو الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن { أَنْزَلْنَا }. أعجب الحاضرين هذا الحوار فجعلناه دوريا. هذه فكرة رائعة لإستخراج الأفكار وتوليدها وإشراك الآخرين. مثلاً الأولاد عندك في البيت دعهم يشاركونك ولديك كتب التفسير نريد للشباب والصغار بدل أن يعرفوا فقط المجلات والألعاب . الناس اشتغلوا بالفضائيات والنت. وبدأت تتقلص قيمة الكتاب. الأسر الناجحة من أسباب نجاحها ربطها بالكتب والقراءة. الحقيقة أصبحنا أمة تلقين. نُلقن ونتلقن . نأخذ الأشياء جاهزة ولا نفكر فيها . نريد أن نحيي الفهم والنظر والتدبر في كل الأشياء وليس في القرآن وحده. يجب علينا أن نفكر في كل ما يتلى علينا وفي كل ما نسمعه وفي كل ما نقوم به. أنتم الآن تصومون لماذا نصوم؟ لماذا شرع الله الصيام؟ لماذا شرعت قراءة القيام؟ لماذا شُرع التسبيح ونحن راكعون؟ لماذا نقول مع المؤذن إذا كبّر الله أكبر وإذا قال حي على الصلاة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله؟ وهكذا. الله وضع هذا بطريقة عجيبة جدا موافقة للعقل ولكننا غافلون. ومن الأمثلة الناجحة أن جعلت هذه سياسة لي في جلسات لجيران المسجد مستمرة منذ 15 عاما كان المراد أن تكون درساً كالعادة واحد يلقي والباقي يستمع. ولكن لماذا لا يشارك الجميع؟ واحد يقود الجلسة لكن الجميع يشارك في أول الأمر لم يكن مستساغا والآن أصبح جزء لا يتجزأ من الجلسة. نتكلم في التفسير أو أي موضوع أو نستضيف ضيفا لابد أن الجميع يشارك أو يبدي رأيه أو يضيف ولذلك الحضور فيها لا يتخلّف لا في الإجازات ولا في الدراسة. قرأنا من خلالها كتبا كثيرة وسافرنا أسفارا من إثر هذه الجلسة.



معنى كلمة أصاب

{أوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) أل عمران } أصاب جاءت بمعنيين في هذه الاية: الأولى أصابتكم بمعنى الجراح والضر وأصبتم مثليها بمعنى نلتم أو أُعطيتم. فالإصابة الأولى فيها شيء ضار والثانية في شيء سار وكلاهما من مادة واحدة ولكن إختلف معناها في آية واحدة. الأولى معنى لازم والآخر متعدي أي أصبتم غيركم مثليها وهم المشركين. تقول سافرت فأصبت خيراً يعني نلت خيراً. فالفعل أصاب يأتي بمعنى متعدي ومعنى لازم (أصاب فلان جائزة). ومعنى آخر أصبت الصواب وأخطأت الجواب. أصبت بمعنى أردت وقصدت كما في قول الله عز وجل { فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) } في سورة ص. وقد تكون في سورة ص أصاب بمعنى المطر و الصيّب هو مطر لأنه يصوب من السماء إلى الأرض بقوة أي يتجه. وهذا من الفوائد أن لغة القرآن التفقه فيها من ألذ ما يكون. إبحث في المعجم عن معنى أصاب موجودة في أصل صوَب ثم كيف أستخرجها من القرآن .



كان المشايخ يضربون بالأمثال تقرب لنا حقائق لذة اللغة يقولون انظر مثلا إلى كلمة "جنة" جَنَّ معناها ستر جنّ الليل إذا أظلم وستر ويقول انظروا هذا الستر الموجود في مواد متعددة اشتُقت من هذه المادة الأساسية . الجنون من ستر العقل والجنين مستور بالبطن والجنة لأن أرضها قد سترت بالزرع والبستان يسمى جنة لأنه يستر من يدخل فيه والمِجَن هو الدرع والمجنّة هي المقبرة والجنّ لأنهم يستترون عن الأعين{ يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف} كل هذا من مادة واحدة. كنت أدرس قصار المفصل { مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) الناس} وقال طالب { الجَنّة }! قال اللغة العربية صعبة فالجَنة والجِنة فرق كبير. قلت هذا أيضا موجود عندكم . مثلا park ما معناها "موقِف" وما معنى bark معناها "نباح" فضحك الطالب. أحدهم كان يمشي ويريد أن يسأل الشرطي عن الموقف فسأله بلفظ bark فقال له الشرطي إنبح في أي مكان.



تعليق الأخطاء على الغير

{ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} إن كل ما أصابكم يرجع إلى أنفسكم

ونفسك ذُمّ لا تذمم سواها بشرٍّ فهي أولى من ذممت

إذا وقع أحدكم في مصيبة يبدأ يعلق أخطاؤه على الآخرين والمفترض دائما-حتى تربويا- كلما وقعت في مصيبة حاسب نفسك أنت لأنها هي الجهة التي يمكنك أن تتصرف فيها وإعتبر أن الآخرين ليس لهم علاقة بالأمر بهذا تربي نفسك. وهذا هو المقصود بالآية . الله يريد أن يربي المسلمين المؤمنين أن يراجعوا أنفسهم دائماً ويراجعوا الخلل، هذا الجيش الذي يقوده الرسول صلى الله عليه وسلم وموجود به العشرة المبشرين بالجنة ماذا تريد أشرف من هذا الجيش؟ ومعهم جبريل وعدد من الملائكة الكرام وبالرغم من ذلك وقعوا في تقصير بسيط جدا وهو أنهم اجتهدوا إجتهادا في غير مكان. فأصابتهم سماها الله مصيبة وقد سبق أن نصركم الله من قبل في بدر. بالرغم من ذلك الخلل في أنفسكم. دائما راجع نفسك وخططك سواء في أمور الدنيا وأمور الدين وفي الأمور التربوية .وما أكثر مشاكلنا في حياتنا الاجتماعية التي نحتاج أن نراجع فيها أنفسنا (قل هو من عند أنفسكم) راجع نفسك كما ذكرنا في الحلقة السابقة عن ابن سيرين الذي يراجع ذنوبه قال أنا شمت برجل قبل أربعين سنة فابتليت بهذا. وما أكثر هذا في حياتنا اليوم. أنا استفدت من هذه وأجيب بها من يسألني . كثير من النساء يشتكين من أسرهن وأزواجهن فأقول سأبدأ بك أنت وأنت معترفة أنه توجد مشكلة ولا أعرف تفاصيلها، هل تفعلين كذا؟ هل أنت مقصرة في كذا. من خلالها أكاد أحل نصف المشكلة إن لم يكن كل المشكلة . أنا لا أملك الطرف الآخر الذي قد ينكر كل هذا الذي تقولين بيدي أن اصلح من أمامي، الطرف الذي أمامي أبدى الشكوى. أنت يا أختي افعلي كذا وكذا وستلاحظين تحسناً في النتائج. هذه قاعدة الآن في تطوير الذات يكتبون فيها الكتب. أنت المسؤول عن تصرفاتك، لا تعلق أخطاءك على الآخرين نبحث عن شماعة نعلقها عليها . يعتذر شخص عن عدم حضور صلاة الفجر فأقول نم مبكرا فيقول ميكروفون المسجد ضعيف. الشاهد هو {{ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} } يجب أن تكون قاعدة للجميع أنت المسؤول عن تصحيح أخطائك.



وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)



فهم القرآن قبل حفظه ضرورة. أول ما كنت أحفظ القرآن كنت لما جئت إلى هذه الآيات اتعب منها وكانت تعقدني أخاف أن أخطىء فيها مع أنها من أظهر الآيات إرتباطا ببعضها وأنا كنت أظن أن (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) معنى جديد ولذلك أخاف أن أنساها. فالواحد منا يجب أن يفهم قبل أن يحفظ أو يجمع بينهما.



"المصيبة" هنا هي ما أصابكم يوم التقى الجمعان وهو يوم أحد. وسبق أن ذكرنا أن لفظ الجمعان في كل موطن يراد بها أناس معينون. قال { فَبِإِذْنِ اللَّهِ} ما هو الإذن؟ هذا الإذن القدري لكنه إذن يستلزم العلم أى بعلمه ومشيئته. يقول البعض كيف يأذن الله بأذية المؤمنين؟. فهذا نسميه الإذن القدري لا يلزم الرضى ولا يلزم أن الله يحبه لعباده ولكن هذا الإذن له نتيجة إيجابية وهي تكفير الذنوب. قد يقرأ بعض الطلاب أو العامة في كتاب لا يعرف معتقد مؤلفه فيقول بدل بإذن الله (بعلم الله) ولا يحس فيها مشكلة. لكن إذا تأملت تجد أن بعض المعتزلة ومن نحى نحوهم إذا جاء عند هذه الآية يقول (بعلم الله ) لأنه يرى بزعمه أن الله لا يُقَدِّر الشر. يقول كيف يقدِّر الله المصيبة؟ لانه تلازم عنده الرضا مع القدر. أي أن الله لا يقدر إلا ما يرضى عنه. وهناك أمور كونية قدرية قد قدرها الله وإن كل مآلها بالنسبة للمؤمن خير كما قال صلى الله عليه وسلم { عجبا لأمر المؤمن . إن أمره كله خير . وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن . إن أصابته سراء شكر . فكان خيرا له . وإن أصابته ضراء صبر . فكان خيرا له - الراوي: صهيب بن سنان الرومي القرشي المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2999خلاصة الدرجة: صحيح} ولا يكون ذلك إلا للمؤمن. نعم هذه ضراء إصابتهم وكان بينهم محمد وإن هذا كان بقدر من الله وأنه سبحانه وتعالى أنزله عليهم وهو يعلم ذلك. والمآل هو { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } ولذلك قيل أن ليعلم المؤمنين واحد من المآلات في سبب تقدير هذه المصيبة.



{ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } ما هذا العلم؟ هذا خطاب للناس، الله لا يستجد في علمه شىء جديد لأنه يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون وهذا لا يكون لأحد. معناه أن علم الإنسان يستلزم الجهل , كان جاهلا ثم تعلم . والأمر الثاني أن علم الإنسان ملحوق بالنسيان . أنت تعلم مسألة و ممكن تتفيض في مسألة ثم تنساها أو تنسى تفاصيله ولذلك يذكرون في علم الحديث {من حدّث بشيء ونسي} يرويه عمن حدثه به ويقول حدثني فلان عن نفسي أني حدثته. فهذا علم البشر مسبوق بجهل ومتبوع بنسيان أما علم الله سبحانه وتعالى فغير مسبوق بجهل ولا ملحوق بنسيان ولذلك قال { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ }من 255 البقرة وقال { لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } من 52 طه.



{ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا} ليس معناها ذلك أن إبتلاهم ليعلم ولكي يظهروا حاشاه ولكن ليبينهم ويوضحهم ويكشفهم لكم أنتم وقال المفسرون لكي يتحقق في الواقع وأيضا ليترتب عليه الثواب والعقاب لأن العلم الإلهي المجرد لا يترتب عليه الثواب والعقاب وهذا من كمال عدل الله إلا عندما يظهر ويجازيه عليه. وهذا من آثار علم الظهور، وكثيرا ما يأتي هذا الأمر { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) الأحزاب} وهذا ما وقع في بعض الفرق لما كانوا يحكمون العقل المجرد أو كانوا ينظرون إلى نوع من التماثل بين صفات الله تعالى وصفات العباد. فوقعوا في مثل هذه المشكلة . ظن بعضهم أن علم الله مثل علم الناس فوقع عنده إشكال في هذا ولهذا وصل بعضهم وهو من كبار علماء الكلام قال - في أحد مراحل حياته- قال إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات وهو قد رجع عن هذا الكلام وهذا يدلك على الخلل الذي يقع بسبب جعل العقل هو الحَكَم. وسبق أن قلنا أن العقل يفهم النص ويعترض عليه. إذا جاء العقل ليعترض على النص أو يتقدم عليه يحدث إشكال أما إذا جاء ليفهم النص فلا اشكال. فمن يقولون أنتم لا تحكّمون العقل والعقل ليس له مقام عندكم، هذا تَزَيُّد وهذا فهم خطأ. وقد شرحنا أن العلم علمان. علم قبل وعلم بعد. فالعلم الذي قبل لا يترتب عليه جزاء ولا عقاب لكن يترتب في علم الظهور. { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } ليس علم متجددا بالنسبة لله هو الله عالم به قبل أن يقع وهذا يسمى علم الظهور فقط وليس علما متجددا. قد يقول البعض أنتم الآن تثقلون علينا بهذه المعلومات ما فائدة هذا؟ نقول فائدته أن تتبع ظاهر القرآن فالأصل فيه أنه تسلم ولا يقع الإشكال إلا عندما تجعل العقل حكما على النص. وأنت لما ترى الشيء يكثر فى القرآن وروده تعلم يقيناً أنه ما دام كثر وروده فإن له هذا المعنى الظاهر لا غير. إذا تكرر مرة واحدة تقول هذا فيه مشكل وأقول أنك معذور لأنه مر مرة واحدة. لا شك أن هذه من المواطن التي يضل فيها بعض الناس ولذلك قال تعالى { فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ } من 26 البقرة. والله يبتلي من يشاء بما يشاء . وهذا مصداق للآيات الأولى في آل عمران { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } من 7 آل عمران ومثل هذه الآية قد تشكل على ناس وناس أخطأوا في فهمها { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ } من 7 آل عمران



وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)



تكشف هذه الآية لنا عن حقيقة في نفوس هؤلاء المنافقون وكذب يتذرعون به وهم لا يعلمون أو يظنون أن المؤمنين بُلْه لا يفهمون. لا . إذا قال لهم المؤمنون ادخلوا معنا القتال. من هم هؤلاء ؟ هم المنافقون عبد الله بن أبي ومن معه. جرى نقاش بينهم وبين المؤمنين لما أرادزا الإنسحاب في الساعة الحرجة قالوا لهم قاتلوا معنا. قالوا لن يكون هناك قتال { لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا } والله إنه أكذب من يكون في هذا، لو كان كلامكم صحيح كان يجب أن تخرجوا لتكسبوا الغنيمة والذكر الحسن وما خذلتم أهلكم وقبائلكم. أنت إذا رأيت واحد مشغول أو مسافر إعزم عليه من أجل أن تتجمل ويعدها لك حسنة. أنتم يا منافقون اعملوا بهذا .أنتم تقولون لن يكون قتال ولكن اخرجوا حتى تدفعوا عن أنفسكم الريبة. ولكنهم يعلمون أن سيكون قتال ودماء جاءوا في نفوسهم وتر. ولهذا نلاحظ { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا } المؤمنون الذين يقولون قاتلوا أو ادفعوا عنا حمية. نحن أولى الناس بكم ونحن من قبيلتكم { قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ } هذه نفسية المنافق، الآن تدّعي الوطنية وتنتخي بيثرب والآن يثرب تهاجم فلو كنتم صادقين كنتم جئتم . تأمل بعض المعاصرين ممن فيهم ما فيهم من الدَخَن نجده يدعي الوطنية وهو ينتخي دائما بأمريكا ويستعدي أمريكا على بلده ويقول أنه وطني، ما أدري ما هذه الوطنية!.
 
الحلقة 30

17 رمضان 1430 هـ

وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)



الخذلان في وقت الشدة

(وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) نبدأ بالحديث في مسألة الخذلان المؤمنين وقت الشدة وعقوبته. ويظهر ذلك جليا في موقف المنافقين في غزوة أحد عندما خذلوا النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في موقف عصيب. كيف تصرف صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف؟ لاحظ في قوله سبحانه وتعالى { وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا } قال المؤمنين ولم يقل وليعلم الذين آمنوا أما بالنسبة للمنافقين فقال الذين نافقوا . ولعل السبب في تغيير التعبير أن ظهور النفاق وبروزه في موقف خذلان هذا الجيش من المنافقين ظهر وكأنه يتجدد وكأنه يبرز لأول مرة للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين معه فجاء بالجملة الفعلية التي تفيد التجدد والحدوث. أما (ليعلم المؤمنين) هؤلاء المؤمنون الراسخون لم يتغير في موقفهم شيء فجاء بالجملة الإسمية. النبي صلى الله عليه وسلم عندما خذله المنافقين كان عددهم كبيراً يصل إلى ثلث الجبش و صلى الله عليه وسلم صبر وثَبَّت المؤمنين كلٌ في مكانه. ويقال في كتب السيرة أنه عُرض عليه أن يستعين باليهود فهم حلفاء فرفض وقال صلى الله عليه وسلم (مالي واليهود) فلم يستعن باليهود مع أن كان الموقف محرجا ولو كان إستعان بهم لقلنا هذا من باب السياسة الشرعية ولكان مقبولا عند كثير ممن يراقب الموقف ولكنه بالرغم من ذلك رفض وثبت الذين آمنوا ولم يستعين باليهود. الله يثبت المؤمنين في ساعات الشدة جزاء لهم على أعمالهم السابقة وإيمانهم وصدقهم مع الله وتوكلهم عليه. وتظهر آثار التثبيت في وقت الشدة. أيضا معرفة حقائق الناس ومعرفة أخلاق الناس وطبائعهم الذاتية . أظن أنه صلى الله عليه وسلم قد لاحظها بشدة في هذا الموطن فعندما عُرض عليه أن يستعين باليهود يعرف أن اليهود لا يقاتلون إلا من وراء جدر وأنهم جبناء يحبون الحياة ومثل هؤلاء لا يمكن أن يغامر الإنسان بوضعهم في معركة قد تكون مفرق طريق فقد يتسببون في مثل ما تسبب فيه عبد الله ابن أبيّ ويحدث من الفشل والخذلان أكثر مما حدث مع عبد الله ابن أبيّ. أتعجب لشىء في هذه السورة وسائر القرآن أن قلما يذكر مواقف المنافقين إلا وتُُتبع بالحديث عن اليهود هنا السورة ذكرت مواقف المنافقين وبعدها وبعدها { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ }من 181 آل عمران . وفي سورة الحشر لما جاء موقف اليهود قال بعدها { أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) } وفي سورة الأحزاب لما ذكر المنافقين والأحزاب ذكر اليهود. لماذا؟ لوجود تشابه بين تصرفاتهم ومعرفتة هؤلاء بالحق وكتمانهم له ومعرفة هؤلاء بالحق وكتمانهم له. فالنبي صلى الله عليه وسلم لن يغامر بقبول مثل هؤلاء لأن في نهاية المطافسيرجع أثره على المسلمين . يبدو أن هناك اتفاق استراتيجي بين اليهود والمنافقين من عهد صلى الله عليه وسلم إلى اليوم. ونلاحظه ونراه كما كنا نشاهد عهد صلى الله عليه وسلم . إتفاق على أعلى المستويات وحتى في أخص الأمور وكأنهم أخوة. لا يستحوا من الله . لم ينتصر أهل الكتاب على معركة في التاريخ إلا وكان المنافقون هم الذين يدخلون عن طريقهم (الطابور الخامس) الذين يُفشلون الصف الإسلامي.



(هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ) إشارة إلى أنهم كانوا مذبذبين ولكنهم في هذه الحالة التي تكلم عنها الله سبحانه وتعالى كانوا أقرب للكفر منهم للإيمان ومآلهم في النهاية كان إلى الكفر. ما فائدة هذا الخطاب؟ هو خطاب خاص بتلك الحالة التي حدث فيها الخذلان من المنافقين فالله يبين أنهم في هذا الوقت هم للكفر أقرب منهم للإيمان. سؤال. عندما يثبت لهم جزءاً من الإيمان, ما هو هذا الجزء إذا قلنا أن الإيمان أعمال قلبية ؟ الإيمان أجزاء كما أن الإسلام أجزاء. هذه الحقيقة يجب أن تكون معلومة. ولذلك أهل السنة يقولون أن الإيمان يزيد وينقص بحسب الأعمال وما يقع في القلب من تصديق الله عز وجل والتوكل والإخلاص. هم يؤمنون بالله ويؤمنون بموسى وإبراهيم ونوح ويؤمنون بكثير من الأنبياء الذين سبقوا موسى لكنهم ينازعون في عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم. وهم يعلمون محمدا كما يعلمون أبناءهم كما ذكر القرآن ولكن كذبوا به. هذا التكذيب أضر بإيمانهم كله. صار القدر من الإيمان الموجود في قلوبهم لا ينجيهم من الله لا ينفعهم في قبول إيمانهم وكذلك المنافقين . هذا القدر لا ينفع في براءة الذمة ولا في السلامة من العقوبة ولا في القبول عند الله . فهناك قدر من أصل الإيمان لابد أن يأتي جميع أركان الإيمان الستة إذا كذبت بواحد منها كأنما كذبت بها كلها. الذين كذبوا بنوح عليه الصلاة والسلام { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) الشعراء} لماذا قال كل المرسلين وما جاءهم مرسلين، إذا لماذا كذبوا بكل المرسلين؟ لأنهم كذبوا بنوح ومن كذب بالرسول كأنه كذب الرسل جميعا ولاحظ أن من كذب بالرسل فقد كذب بالله. والمعنى أن الإيمان الموجود مسماه فعلا ايمان ولكن هذا القدر من الإيمان لا ينفعهم بأن يكونوا مؤمنين ولا أن يخلصوا من عقوبة الله .



الألسن مغارف القلوب

(يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) جاء بفعل مضارع للدلالة على التجدد وهذا يبدو أن يكون ملازما للمنافق. لأن النفاق يتجدد مرة بعد مرة. ويقال عن سيرة عبد الله بن أبيّ بالذات أنه كان يمارس أعمالا في غاية الصفاقة فكان في يوم الجمعة يصعد على المنبر يستنصت الناس ويقول "أيها الناس هذا رسول الله إستمعوا وأنصتوا" بطريقة كان يمجّها كثير من الصحابة والكل يعلم أنه هو كان رأس المنافقين وهو كاذب. وقال العلماء أنه ما يُنسب القول للأفواه إلا كان المراد به التكذيب. مثلا في قصة الإفك (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) نسب القول للأفواه ولذلك دل على أنه كذب. وكذلك في سورة الفتح وفي غيرها من سورة القرآن وذكر ذلك القرطبي وتكاد تكون مضطردة. نسبة القول بالألسن دل على أن القائل كاذب والكلام كذب. يقول الناس الآن إذا سمعوا كلاما يعرفون أنه كذب يقولون هو "كلام" أي ليس له قيمة وليس هو بحقيقة . الناس يظنون أن الصدق هو مطابقة الكلام للحقيقة. الحقيقة أنه في القرآن الصدق هو مطابقة الكلام للواقع ولما في القلب وإلا لا يكون صدقاً بدليل { ذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون} هذا الكلام صحيح ومطابق للواقع ولكن لم يطابق ما في قلوبهم.{ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } لماذا سماهم كاذبين؟ لأنه غير مطابق للقلوب. هم صادقون في قولهم إنه رسول الله لكنهم كاذبون في الشهادة. والعلماء يقولون أن تمام الصدق هو أن يطابق الكلام ما في الواقع وأن يطابق ما في القلب وهذا تمام الصدق. وهذا هو معنى بيت الأخطل الذي يستشهد به كثير من العلماء:

لا تعجبنّك من خطيبٍ خطبة حتى يكون مع الكلام أصيلا

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جُعل اللسان على الفؤاد دليلا

اذا كان الكلام من القلب ويظهر على اللسان. أما إذا كان { يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } فهو ليس بصدق. ولذلك يقال عن خالد بن معدان التابعي المشهور كان يقول أن الألسن مغارف القلوب يعني نقّوا قلوبكم حتى إذا غرفت ألسنتكم شيئاً تغرف شيئاً من مكان نقيّ. هذا من التزكية الموجودة عند السلف والتي نفتقد كثيرا منها اليوم. في مرحلة الثانوية التي هي مرحلة التشكيل فلو أن الطالب اعتنى في هذه المرحلة بتزكية قلبه ونفسه وقرأ في كتب الزهد والزهد غير ما قد يتصور السامع من تقشف وإنما المقصود به التزكية وتربية القلوب. قيل للإمام أحمد هل يمكن أن يكون لأحد مال ويكون زاهدا ؟ قال نعم اذا كان في يده وليس في قلبه. قد ترى غنياً وافر الغنى وتجده زاهداً.



(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) فيها نوع من التهديد لهم وقد تحدثنا من قبل عن لازم الخبر وهنا فيه تهديد لهم وتخويف للمؤمن وأن الله مطلع على ما في القلوب وأن على الإنسان أن يكون حذرا. وهذا لا نكاد نجد لها مثيل في المناهج الوضعية وهو التربية الذاتية للمسلم أن يكونالرقيب ذاتياً وأن يوقظ الإنسان في نفسه الرقيب الذاتي { إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) } آل عمران و{ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) } آل عمران و{ إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) الأحزاب } . أنت الآن بمفردك تستحضر معاني هذه الآيات العظيمة ورقابة الله عليك وأنه مطلع على كل ما في صدرك وأنه خبير به ولا يخفى عليه شىء من أمرك فتستيقظ في نفس الإنسان هذه الصفة وهي مراقبة الله في السر والعلن فتزكو نفس الإنسان وهذا من أهم معاني التزكية. استحضار رقابة المدير قد تعينك ولكن ليس مثل إستحضارك لمراقبة الله سبحانه وتعالى .للإنسان



(الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

يستوقفني قوله تعالى (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) أنتم الآن إنسحبتم من المعركة وتركتم المؤمنين وسيجيئكم الموت كيف ستدرؤه عن أنفسكم؟ لا تستطيعون. والتعبير بلفظ (فَادْرَءُوا) كأنه شيء لا بد منه ثقيل وتفر منه النفس فالمطلوب أن تدرأ عن نفسه لكن لا تستطيع كما قال تعالى في مواطن أخرى { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ }من 78 النساء, جاء التعبير عن الموت في القرآن بطريقتين. { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ } فصوّر الموت على أنه يلحقك ويدركك. وفي سورة الجمعة قال { قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) الجمعة} لم يقل فإنه مدردككم فعبر بتعبير أروع أنه ملاقيكم إذا فررتم منه من جهة جاءكم من جهة أخرى (يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) القيامة).



(الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) الأخوة هنا ليست أخوة في الدين بل أخوة في الوطن لأن أغلبهم كانوا من الخزرج. من يقولون دواعي الوطنية البحتة التي لا ترتبط بالدين هذا غير صحيح وهذا لعب. كم رأينا من يكونوا إخواناً في الوطن وتكون بينهم من العداوة ما لا يعلمهم إلا الله. كيف نجمع هؤلاء؟. هؤلاء المنافقين هم من الأوس والخزرج واليهود كانوا مواطنين مع الرسول صلى الله عليه وسلم وخذلوه. كل القبائل اليهودية الثلاث خرجت من المدينة بواقع الخيانة العظمى التي هي إخلال بأعظم مقومات الوطنية والمواطنة. هم مواطنون في المدينة منذ مئات السنين وليسوا وافدين ولكن الناس الذين يقولون أن الوطنية يجب أن يجتمع الناس تحتها هذا غير صحيح ولا يوافقه الواقع ولكن حقيقة ما يجمع الناس هي المبادئ. المنافق عبد الله بن أبيّ كان ينظر أنه هو صاحب الوطن {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8) المنافقون} الأعز يقصد بها نفسه والأذل يقصد بها الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرين ويرى أنه هو صاحب البلد وأن النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين هم الوافدون. { قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا } الإشارة هنا في قعدوا فيه مه أنه سبق التأكيد على انخذال هذا الجزء من الجيش فيه نوع من التأكيد أنهم أهل قعود { وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) التوبة} القعود عن الجهاد صفة ذم في هذه المواطن. فهذا تصوير لحالهم (َالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا) القول والقعود وهذه قاعدة في العطف لو قيل قالوا وقعدوا أو قعدوا وقالوا هي متساوية ومتلازمة فهم حال قعودهم قالوا. وحال قولهم قعدوا.



تلاحظون أن المنافقين كأنهم يريدون أن يضخموا الخسائر ويقللون النصر في أعين المسلمين لكي يبرروا قعودهم وإنخذالهم ولذلك بيّن الله بعد هذه الآيات التالية أن من استشهدوا ما قتلوا وإنما انتقلوا للحياة الحقيقية فكأنه يريد للمؤمنين الصادقين أن ينتشلهم بعد الجراح من مشكلة المنافقين وهذه الأراجيف التي دائما تشيع بعد الإنتصارات . ثبت المؤمنون في فلسطين فأخذ المرجفون والمحللون يسحبون كل صور الإنتصار ويحولونها إلى هزيمة. كيف انتصرتم وقد قتل منكم كثير؟. كيف تقولون أنكم انتصرتم وفيكم جرحى؟!. والعجيب عندما ننظر إلى أهل الأرض لم نجد في القنوات واحدا قد تجهم أو غضب مما حصل.



فضل الشهادة

إن فلسفة الإنتصار الحقيقي للمعركة { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة أنه كان يغيب عنهم هذا المعنى الرائع في الشهيد وخاصة من استشهد في المعركة حمزة كان قتلته شنيعة. رماه وحشي بالحربة فوقعت في خاصرته وخرجت من ظهره. يقول وحشي رأيت حمزة في أثناء المعركة وهو يهدّ الناس هداً بسيفه مثل الليل فاختفيت وراء شجرة حتى تمكنت منه فرميته رمي الحبشة (خبراء في رمي الحراب) فإتجه إليّ ارادني قال فإبتعدت عنه حتى سقط. فتركته ثم نزعت رمحي فجاءت هند بنت عتبة رضي الله عنها وهي على الشرك فبقرت بطنه وأخرجت كبده ولاكتها وألقتها. كيف كان شكل حمزة في هذا الحال؟! ولما وقف عليه صلى الله عليه وسلم وكان في غاية التأثر قال (لن أُصاب بمثلك) تخيل موقفه صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى عمه ثم يقول الله سبحانه وتعالى { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } هذا من الإيناس العجيب جدا. وهذا فيه ازدواج فهو من جهة ردٌ على المنافقين الذين هونوا من شأن الإنتصار. وفي قراءة ابن عامر (قُتِّلوا) مبالغة سبحان الله أي ما أكثر من قُتل منهم. وهذا يدل على أنهم بالفعل كانوا يشيعون روح الهزيمة. فهذه الآية رد على هؤلاء أن كنتم تحسبون أنهم قتلوا فهم لم يقتلوا بل في حياة أنتم لا تعلمونها ثم هي إيناس للرسول صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء انتقلوا إلى حياة أخرى. وفيه تحضيض أولا نفى عنهم القتل { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا } أحياء عند ربهم هذه العندية لها معنى ثم قال فرحين. أنتم مكلومين وهم فرحين { بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } هم فرحين بما آتاهم الله من فضله (ويستبشرون) حتى كأنه يحسّر الصحابة على أنهم ما استشهدوا أيضا وما كسبوا هذا المكسب العظيم. وهذا ديدن الصحابة كانوا يعبرون من قُتل في المعركة له مزيّة. كما قال عبد الرحمن بن عوف لما قُتل مصعب قال قُتل مصعب وهو خيرٌ مني.



وفي الحديث: سألنا عبدالله ( هو ابن مسعود ) عن هذه الآية : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } قال : أما إنا سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ( أرواحهم في جوف طير خضر . لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعة . فقال : هل تشتهون شيئا ؟ قالوا : أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ . ففعل ذلك بهم ثلاث مرات . فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يُسألوا ، قالوا : يا رب ! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى . فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا ) . الراوي: مسروق المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1887 - خلاصة الدرجة: صحيح



وذكر فضل الشهداء في القرآن والسنة النبوية كثير. في هذه السورة وأيضا في سورة البقرة في قوله سبحانه وتعالى { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) البقرة} . هنا يقول { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } والحديث شرح ما جاء مجملا في هذه الآية. ويرزقون جاءت بالفعل المضارع دلالة على التكرار مرة بعد مرة. هذا في الحياة البرزخية وما جاء في سورة البقرة هو في الجنة (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ (25)). لما قال فرحين حال ويرزقون فعل كأنه دلالة على أن قوله فرحين أنها صارت صفة لازمة فيهم وهو من الفرح المحمود لأنهم فرحين بنعمة الله وهذا الفضل هو منّة زائدة من الله .



لما قال فرحين قال (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) كأن المسلم الأصل فيه أن إذا كسب نعمة أن يدعو إخوانه لها وهذه من الصفات الموجودة في الكُمَّل والخُلَص. لاحظ الرابطة بين المؤمنين: هؤلاء ماتوا ومفروض أن ينسوا الدنيا وما فيها ولكن رابطة الأخوة تجلعهم يهمهم إخوانهم واشتاقوا أن ينال إخوانهم ما نالوه هم{ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) الزخرف} ومصداقه في قصة الرجل المؤمن الذي قتل { قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) } يتمنى لهم مثل ما وجد لنفسه من الخير ومن الفضل. المقصود بالشهيد عندنا أولاً هو من يقتل في المعركة في سبيل الله وقد قال العلماء أن الشهداء نوعان شهداء الدنيا والآخرة وشهداء الآخرة. شهداء الدنيا والآخرة هم الذين يقتلون في سبيل الله. أما شهداء الآخرة فقط فهؤلاء كثير وهذا من فضل الله ورحمته بعباده أن جعل الله الشهادة ينال فضلها آخرون يلحقون بهؤلاء { أتعلمون من الشهيد من أمتي ؟ فأرم القوم ، فقال عبادة : ساندوني . فأسندوه ، فقال : يارسول الله ! الصابر المحتسب . فقال رسول الله : إن شهداء أمتي إذا لقليل ، القتل في سبيل الله عز وجل شهادة ، والطاعون شهادة ، والغرق شهادة ، والبطن شهادة ، والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة ، [ قال : وزاد أبو العوام سادن بيت المقدس : ] والحرق ، والسل الراوي: راشد بن حبيش المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 1396خلاصة الدرجة: حسن صحيح } وسّع صلى الله عليه وسلم معنى الشهادة. لكن هؤلاء الشهداء ليسوا في منزلة الشهيد ولا يعامل معاملته لأن الشهيد لا يصلى عليه ولا يغسل ويكفن في ثيابه أما هؤلاء فيغسّلون ويصلى عليهم ويكفنون كما يكفن سائر الموتى لكن الشهيد لمكانته ولعلو منزلته عند الله لا يصلّى عليه لأن الصلاة أصلا إستشفاع للميت وهذا شفعت له دماؤه وشفع له إقدامه على الموت { للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أقاربه . الراوي: المقدام بن معد يكرب المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 1663. خلاصة الدرجة: حسن صحيح غريب } واحدة منها كافية أن يقدم الإنسان روحه لله عز وجل في مكانها الصحيح فكيف إذا اجتمعت هذه كلها من الله وما لا نعلمه أكثر.



وأيضا من معاني { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } قضية الإستبشار بالشهادة أولا والإستبشار يالإيمان والإستبشار بنصر الله لعباده المؤمنين وتوقع الخير للمسلم والظن به الظن الحسن. هؤلاء قد ماتوا وأصبحوا عند ربهم ولكن بالرغم من ذلك يستبشرون ويحسنون الظن بإخوانهم من خلفهم انهم سيسيرون على نفس الطريق وينالون نفس الأجر ومعنى الاستبشار تجده في القرآن . كما في سورة التوبة{ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) التوبة} ففكرة الإستبشار في القرآن والإستبشار في الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى والاستبشار بفضل الله وأن هؤلاء المؤمنون يستبشرون أن ينال اخوانهم من الشهادة مثل ما نالوا هم { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 13. خلاصة الدرجة: [صحيح] } وموقف هؤلاء الشهداء من أعلى المواقف في محبة الخير لإخوانهم . أي أن استبشارهم هنا ليست للطلب بل من باب البشرى.



(فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } لا خوف عليهم فيها تغيير النظم وهو أحد أسباب الإشكال في التفسير والفهم. إذا تأملنا النظم قال { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ثم قال { فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ثم قال { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} ثم قال { أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} قد يظن البعض أنها يستبشرون ألا خوف عليهم فيكون (يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) ما موقفها؟ ولهذا ننتبه إلى أهمية علم الإعراب في أنه يكشف المعاني. قد يقول قائل أن الصحابة لم يكن عندهم إهتمام بالإعراب وذلك لأن الإعراب كان عندهم سليقة أما نحن فنتكلف لكي نفهم وهذا ما يدل على أهمية العلم لأنه مهم جداً في هذا الباب. لما ننظر إلى (ألا خوف عليهم) نجد بعضهم قال هي بدل من قول (بالذين) يعني يستبشرون بالذين بألا خوف. وبعضهم جعلها مفعول لأجله كأنه قال يستبشرون بالذين من خلفهم لأنهم لا خوف عليهم. وبعضهم جعلها مفعول لفعل محذوف وهو يقولون كأنها يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ويقولون للذين يلحقون بهم أقدموا فلا خوف عليكم ولا تحزنون. من الأشياء التي تشكل على طالب العلم المبتدئ قوله { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} فيظن أنها يجب أن تكون (أمواتٍ) لأنها مختومة بالف وتاء يعني من جمع المؤنث السالم ولكن هي ليست جمع مؤنث سالم وإنما جمع تكسير لأن أصلها (ميِّت) فالتاء أصلية والآن صارت جمع تكسير وليس مؤنث سالم فقال (أمواتاً) لأن الألف والتاء مزيدتين و (أمواتاً) مفعول به لفعل (تحسب). أما فى آية البقرة { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) البقرة} اختلف النظم فاختلف الإعراب (أمواتُ)



وأيضاً انظر إلى مكانة هؤلاء الشهداء عند الله سبحانه وتعالى كيف نقل الله حتى رغباتهم النفسية لإخوانهم الذين على قيد الحياة الآن يموت الميت ولا تدري ماذا يريد منك لكن في الاية الله سبحانه وتعالى نقل ما يتمناه الشهيد لك ونقل لك فضله ومكانته وجزاؤه عنده ونقل ما يتمناه لك، نسأل الله أن يرزقنا الشهادة في سبيله.
 
الحلقة 31

فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)

أسباب التمكين للدين
إن هذا التعقيب القرآني على الغزوة العظيمة وهي ثاني غزوة من الغزوات الكبار في تاريخ الإسلام تعطينا إشارة إلى أسباب التمكين لهذا الدين في الأرض وأنه لا يمكن أن يتمكن الحق إلا بتضحيات وبذل وجراح وإبتلاءات قد تزهق فيها الأرواح بل تزهق فيها أرواح الصفوة الغالية. ونريد أن نتحدث عن ما في هذه الآيات من أسباب النصر والتمكين للمسلمين والرسل.

ذكر الله الصبر وكان الحديث عن الصبر في القرآن حديثاً متواصلاً على أنه من أسباب التمكين الكبيرة خاصة في قصة موسى عليه السلام {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الأعراف} كثر الحديث عن الصبر في قصة موسى وكيف ثبتهم الله بهذا.

وفي قصة سليمان عليه السلام جاء الحديث عن أسباب نصره وتمكينه بكثرة جنوده فقال {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) النمل} أشار إلى كثرة الجنود والإستعداد. وفي قصة النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن الصبرر وفي أُحد ظهر الصبر أنه سبب من أسباب التمكين في الأرض وإنه لا يمكن هذا الدين إلا بالإبتلاء والتمحيص {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) آل عمران }

التقوى أيضاً من أسباب النصر. {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) آل عمران} .

وعدم التنازع أيضاً ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ بشوراهم قطع كل إختلاف بعد ذلك وهو لا شك من أسباب التمكين لأن التنازع هو أكبر سبب من أسباب الفشل وكونه يوجد أكثر من فريق للمسلمين هذا يدل على الفشل، قاعدة في الإسلام أن وجود الأحزاب والتحزبات دلالة على فشلنا. إذا تحزبنا لأشخاص أو لمبادئ أو غايات غير الراية التي قام عليها محمد صلى الله عليه وسلم وغير المهنج الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم ولنعلم أن هذا من أسباب الفشل. وعلينا جميعا أن نرجع إلى منهج محمد ونلتف حول هذا المنهج كما قال تعالى {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) آل عمران}. وهذا من صور العلو لمنهج الحق {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) آل عمران} من مظاهر الإستعلاء لمنهج الحق هو الوحدة وتوحيد الصف وتوحيد الكلمة والإستقامة على منهج صلى الله عليه وسلم أيضا. من أسباب التمكين أيضاً أولاً ترك الذنوب كبيرها وصغيرها. وترك المعصية حتى للقائد ومن ولاه الله عز وجل أمرنا فإن طاعته فيما ولاه الله إياه واجبة علينا ما لم تكن معصية ومخالفته ولو كنا نرى أنها أحسن أو أخير فإن فيها إخلال بنظام المؤمنين في تعاملهم مع إدارة الحرب. الرسول صلى الله عليه وسلم لما شاور أصحابه وقد أمره الله بالشورة وامتثلها لم يخالف الشورى وحاول أن تنسجم الأمور . والصحابة أيضاً كان يجب عليهم أن يلتزموا أمر الرسول ولا يعصوه فلما عصوه أراهم الله ثمرة هذه المعصية وكيف عجل الله لهم العقوبة {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) آل عمران} .

وأيضاً من أسباب التمكين الدعاء {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) آل عمران} وفي سورة البقرة {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} أي جاء النصر بعد الدعاء مباشرة . أيضاً من الأسباب الشورى. إذا كان الرعية والجنود يعامَلون كالقُطعان على أنهم أدوات أو آلات فلا شك أن تفقد معنويات الجنود وإخلاصهم لقائدهم وللمبدأ الذي يعيشون له. ولذلك جاء الأمر "شاورهم". أنت يا خير البشرية صلى الله عليك وسلم أكمل عقلاً وخير الثقلين لماذا يستشير من دونك؟ ولو كان أحد يستغني عن الشورى فهو أنت؟. يمدحهم الله تعالى أن (وأمرهم شورة بينهم) معنى ذلك أن الشورى من أسباب قوة الجيش وولائهم لقيادته ولمبدئه ثم كل جندي يشعر أنه مسؤول عن النصر والهزيمة. ولو ما شاورهم يقولون نحن لم نرد الحرب ولم نكن راضين. ومن أسباب التمكن أيضاً لما ذكر الله عز وجل "لا تهنوا" عدم السماح للوهن أن يدخل إلى القلوب والوهن هو الضعف ودخول الأسباب التي تجعل القلب ليس فيه عزيمة (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)) أي لا يجوز أن تسمحوا للوهن أن يدخل للقلوب. وقد يقول شخص أن الوهن يتسلل وهذا حق والشيطان لنا يقف بالمرصاد ولكن يجب علينا أن نضع العلماء في وسط الجيوش والمربيين والدعاة إلى الله عز وجل يتلوون عليهم القرآن يذكرهم بحقيقة هذه الحرب التي بيننا وبين أعدائنا، كلمات بعد الصلوات وقيام الليل تبعد هذا الوهن ونذكرهم بحياة الشهداء {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) آل عمران} إذا كنت خائفاً من القتل فإذا قتلت ستلقى خيراً مما لو تُركت. ومن أسباب التمكين مسارعة الإستجابة لله وللرسول { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران} أي لا يكفي أن تطيع فقط بل تسارع . وفي تعقيبه تعالى على الشهداء { الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) آل عمران } كانت صفة الإستجابة لله والرسول هي الصفة التي أهّلتهم لهذه العاقبة العظيمة وليس المقصود الإستجابة في موطن الحرب فقط بل الإستجابة لله المطلقة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) الأنفال} والله تعالى والرسول لا يدعو إلا لما يحيي الإنسان..

توسيع معنى الشهادة
ينفي القرآن الخوف والحزن لما قال لا خوف أي في المستقبل ولا حزن على ما فات { لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد} وقال أيضا { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) البقرة} وهذا كثير في القرآن وهما ضمان في الماضي والمستقبل، وهما أمران يكادان يكونان متلازمين. أن يخاف الإنسان على مستقبله أو يحزن على شيء يفوته فيقال لك عندك ضمان لك في الماضي والمستقبل وهذا أمن ليس بعده أمن، إذا ضمنت على المستقبل وأمنت من الماضي لا يبقى عندك ما تخاف منه.
في المرة السابقة كنا نتحدث عن الشهيد وفضله وقد يقول قائل أن هذه فرصة لا تسنح إلا لقلائل من الأمة (فرصة الإستشهاد في المعركة) ولكن الله سبحانه وتعالى رحيم فتح الله لنا الفرصة بالنيّة فمن سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه منازل الشهداء وإن مات على فراشه، هذه رحمة من الله. ولذلك نقول يا عبد الله أكثر من التطلع إلى هذه المنزلة فقد تموت في فراشك فيجعلك الله تعالى محشوراً مع الشهداء. السؤال أن تسأل الله الشهادة بصدق. ولذلك لما خرج صلى الله عليه وسلم بالصحابة في غزوة تبوك ترك صلى الله عليه وسلم في المدينة بعض الصحابة يتمنون أن يخرجوا معهم ولكن حبسهم عذر فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك ، فدنا من المدينة ، فقال: ( إن بالمدينة أقواما ، ما سرتم مسيرا ، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ) . قالوا : يا رسول الله، وهم بالمدينة ؟ قال : ( وهم بالمدينة ، حبسهم العذر ) . الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4423. خلاصة الدرجة: [صحيح]} . الجهاد باب أوسع من القتال، ولا يشترط أن يكون الجهاد بالخروج إلى المعركة بل الجهاد بماله ودعاءه. { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازيا في سبيل الله بخير فقد غزا ) . .الراوي: زيد بن خالد الجهني المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2843.خلاصة الدرجة: [صحيح] }. باب الجهاد مفتوح والحمد لله . ونحن نتحدث عن آيات الجهاد في يومنا هذا ننظر يمينا ويسارا كأنه يتحدث عن شيء محرم بينما هو ذروة سنام الدين حتى تكلم النبي صلى الله عليه وسلم عن أجر الشهيد وعاقبته وشارك بنفسه وتعرض للشهادة والصحيح أنه مات شهيداً لأنه مات مسموماً. والمفروض أن نتحدث عن هذه الشعيرة بصوت مسموع . صحيح أن هناك بعض الممارسات الخاطئة ولكنها لا تقدح في أهمية الجهاد في سبيل الله . هل بالفعل نحن صادقون أن نحذر الناس من هذا الأمر؟ إذا كنا صادقين فلنغلق وزارات الدفاع في البلاد كلها وفي البلاد الإسلامية. الجهاد جزء من حياتنا ونحن جهادنا على مبدأ وليس من أجل التوسع أو المال بل لأجل الله .ولكن يقام بشروطه المعتبرة شرعا أي في سبيل الله. ونحذر من الوقوع في ما يسيء إليه أو في غير ما شرع الله باعتباره هو جزء لا يتجزأ من حياة الناس ومن كينونة وجود الناس في الأرض { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة} ولو تركت أنت السلاح ما تركه عدوك. وهذه قاعدة مهمة في الحياة. الله سبحانه وتعالى منذ أن سال دم بني آدم كتب القتل على بني آدم. وفي قوله { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) البقرة} ما أجمل أن يسفك دمك في سبيل الله لإعلاء كلمة الله كما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعركة . هذا طريق نسأل الله تعالى أن يبلغنا إياه.

{وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} هذه قاعدة قرآنية { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) الكهف} فلينظر المسلم في هذه الفاصلة التي ختمت بها الآية . لم يضيع الله أجر الشهداء وأثابهم الثواب الكبير بل زادهم { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) آل عمران} وهذا من حسن ظنهم بربهم ولهذا وصفهم بأنه استجابوا لله ورسوله. الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين قتلوا ولا يضيع أجر المؤمنين الموجودين الآن الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما اصابهم القرح.

سرعة الإستجابة لله ورسوله
الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)

القرح المقصود { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ }(من 140 آل عمران) ما أصاب المؤمنين من الجراح في معركة أحد والإنكسار. وهذه الآيات لها مناسبة تتعلق بحمراء الأسد. كان القتال في أحد في النصف من شوال قي السنة الثالثة وكان يوم سبت. وحصل الإنكسار وحصل ما حصل لرسول الله وأصحابه ثم رجعوا إلى المدينة وتسامع أصحاب النبي بأن أبا سفيان وقريش ينوون الرجوع إلى المدينة. والحقيقة أن المشركين لما أصابهم ذهول الإنتصار وأرادوا أن يحافظوا على هذه الغلبة فرجعوا فقال هؤلاء انكسروا فلماذا لا ترجعون إليهم؟ . جاءت هذه الشبهة ولما سمع صلى الله عليه وسلم أراد ألا يطمع أهل مكة وقريش في المدينة وفي المسلمين فأمر من قاتلوا بالأمس أن يخرجوا ويلحقوا بعدوهم. وهذا فكرة غاية في الدلالة على أنه صلى الله عليه وسلم قد أوتي مجامع الحكمة والقيادة من أعلى جوانبها فأمر الصحابة الذين شهدوا أُحداً فقط أن يخرجوا ولم يأذن لأحد من من لم يشهد أُحد أن يخرج إلا جابر بن عبدالله رضي الله عنه. كانوا منشغلين بالجراح وكان بعضهم يحمل بعضهم على ظهورهم. ولكن انظر للإستجابة التامة لله ورسوله. هذا لا يطيقه الإنسان إلا إذا إمتلأ قلبه إيماناً ومحبة الله ورسوله وصدقا ويقينا وهذا ما حدث بالفعل. خرجوا حتى وصلوا حمراء الأسد. وتقع حمراء الأسد على طريق المدينة مكة فإذا خرجت من الحذيفة ترى الجبل على يمينك قائم سطحه أو رأسه مستوى وطرفاه من الغرب إلى الشرق. هذا هو جبل حمراء الأسد . ووصلوا إلى هناك وخيّم به الرسول صلى الله عليه وسلم حتى سمع بهم أبو سفيان فعرف أن ما أصابهم بالأمس هي عثرة أو كبوة جواد وليست هي انكساراً تاماً أو هزيمة، هي مصيبة ولكنها لم تكن القاضية { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) آل عمران} وسمع أبو سفيان بما حصل فهرب ولذلك سميت حمراء الأسد وجاءت الآيات لتثني على من خرج مع الرسول صلى الله عليه وسلم واستجابوا له بعد ما أصابهم الأذى الكبير. يكفيهم أن 70 من الصحابة يقتلون وهذه تحتاج لأسبوعين حتى الواحد يشفى نفسيا ويتخلص من آلآمه ويصلح حياته. قتل حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أيضا صلى الله عليه وسلم كان مجروحا. هم خرجوا جميعاً استجابة له ولم يعترضوا. أراد أن يتم الأمر لهؤلاء وحتى يظهر لأولئك أنهم وإن أصيبوا في الأمس فهم قادرون أن يحققوا مرادهم ويصلوا إلى عدوهم. الله يكلف عباده المؤمنون ليرفع درجاتهم. هم في هذا الموقف في أمس الحاجة للراحة بعد المعركة والله قادر أن يكسر شوكة قريش من دونهم ولكن الله أراد أن يرفع درجاتهم فأراد أن يحملهم على ذلك حملا. وكان رسول الله قد جرح وشج رأسه وكسرت رباعيته وعندما أراد أن يصعد فوق إحدى الصخور في جبل أحد ما إستطاع مع أنها كانت قريبة حتى صعد على ظهر أحد الصحابة. وبالرغم من ذلك يؤمر بالخروج في اليوم التالي، فيها مشقة ولكن الله أرادها لهم لكي يرفع لهم الدرجات ويكونوا قدوة لنا. مثلاً في مشقة الحج والجهاد أنس بن النضر قيل أنه ضرب أكثر من ثمانين مرة تشوه تماماً حتى لم يُعرف من الضرب والتشويه،فالدرجات العلا من الجنة لا تنال إلا بالتعب والجهاد. نحن ندعو أن يكون القارئ متبصرا بالآيات أن يقرأ غزوة أحد أولا ثم يقرأ الآيات فستجد من نفسك تفهم من المعاني واللطائف والأسرار الكثير ما لا تفهمه لو كنت تقرأ مباشرة.، الآيات تسلط الضوء على لقطات من المعركة وليست المعركة كلها.

الثبات على الحق
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)} العلماء يقولون أن"الناسُ" هي العامة المراد به الخصوص. والمقصود أن أبا سفيان كان يريد أن يثبط المسلمين فأرسل من يقول أن أبا سفيان يجمع جنوده ليعود إليكم فسمي هنا "الناسُ" فهذه عام مراد به الخصوص. أما الناسَ" المقصود بها أبو سفيان ومن معه. وهو العام مراد به الخصوص.و العام على ثلاثة أنواع كما ذكر العلماء: عام غير مخصوص مثل {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) الأحزاب} فهذا لا يمكن أن يخص. والثاني عام مخصوص وهو كثير في القرآن {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} من 11 النساء لا يراد به كل الأولاد فإن ولد القاتل والكافر لا يدخل فيها. الثالث هو العام الذي أريد به الخصوص وهو الذي ذكرناه هنا. وهو يكون لفظه لفظ العموم ولكن المتحدث يريد شخصا معينا. والعام في موضع يخصص في موضع آخر. وأنواع التخصيص متعددة. والعام المراد به الخصوص من لطائف علوم القرآن، قد يقال كيف نعرفه؟ فنقول انظر إلى هذا اللفظ هل يمكن تعميمه تعميماً مطلقاً على كل من يراد به؟ هذا إشارة إلى أنه مخصوص (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) هنا هل كل الناس قالوا هذا الكلام؟ لا. إذن هو مخصص. ومثال ذلك أنه يكثر بين المعنيين بالإعجاز العلمي قوله سبحانه وتعالى {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت} .هذه الآية من العام المخصوص وليست من العام الباقي على عمومه. القائل يرى أن "سنريهم" عام في جميع الكفار . وأنا أرى أنها خاصة بأهل مكة فقط. ما هو دليل التخصيص؟ هذه الآية يجب أن تنطبق على كل كافر منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى الآن لكن هل كل كافر تحقق فيه الآية؟ جماعات كبيرة من الكفار تحققت فيهم الآية ولكن أهل مكة نعم. ولذلك تنبه ابن عاشور إلى لازم الخبر قال {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) فصلت} فيؤمنوا. وهذا وقع لكفار مكة وهذا دليل على أن هذه الآية ليست من العام المطلق بل العام الذى يراد به الخصوص مثل { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } فالآية خاصة باهل مكة ولو عممتها يجب أن تثبت أن الله قد أوقع معنى هذه الآية عند الكفار منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم للآن. اليوم في أهل الكفر هل وقع فيهم هذا؟ لا العلماء منهم فقط من آمن واهتدى إذا اقتنع أن ما عندنا حق. محمل هذه الآية على العموم المطلق سببه عدم فهم علوم القرآن، موضوع العموم طويل وهو من أكبر أنواع علوم القرآن والتي هي من صلب علوم القرآن هو علم العموم والخصوص.
في قوله عز وجل { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ } فضلا عن الذي ذكرتموه ألا ترون أنه يقول للمؤمنين في كل زمان ومكان لو اجتمع الناس كلهم على أن يقولوا لكم شيئاً يخالف ما أمركم الله سبحانه وتعالى به فاعتصموا بالله وإياكم أن تنخذلوا من قبل مقالتهم. في زماننا هذا انظروا كيف أن الإعلام استحوذت عليه فئات من اليهود وصارت تتحكم فيه تسخره لخدمة أغراضهم وللصد عن سبيل الله ولكي يكون في خدمة مصالح الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم. ونحن قضايانا التي هي ذات حق واضح لا نستطيع أن نتواصل مع العالم بسبب أننا لا نملك الوسيلة الإعلاوية التي توصلها. ألا ترون أن عبر عن ذلك ليبقى المعنى يا أيها المؤمنون إذا قيل لكم أن الناس جميعا قد جمعوا لكم فلا تخشوهم واخشوني. يجب أن يكون عندكم من الثبات والصبر والتحمل واليقين بالله سبحانه وتعالى وبوعده وأنه لا يخلف الميعاد، إن كل قوى الكفر لو إجتمعت على أن تقاتل يجب أن يكون عندكم القوة والعزم والمدافعة والقيام بأمر الله عز وجل. وهذه لفتة رائعة جداً ومؤيدة بمواقف كثيرة وأن الصحابة كانوا دائما أقل عددا وعدة من أعدائهم وما كانوا يترددون أبدا، في مؤتة كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف بينما كان عدوهم 120 ألفاً، ليس المهم العدد والنسبة ومع ذلك في كل مرة يحققون إنتصارات حاسمة بسبب توكلهم على الله . وهذه الأشياء التي تذكر لا تزيدهم إلا إيمانا ولا تربكهم وى تضعفهم بل تزيدهم إيمانا ويقولون { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }. في غزوة الأحزاب { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) الأحزاب} لاحظ هذا المعنى هو الذي يجب أن يبقى. الآن أمريكا تأتي في العراق أو السودان تصاب قلوب كثيرة بالرعب، فيقال ستدك بنا المدن وتمتلئ القلوب رعبا وتبدأ الأراجيف في وسائل الإعلام. المفروض أن نكون أقوياء بالله عز وجل وأن نثبت ونزداد إيمانا كما في قوله الله عز وجل{ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة} تأتي هذه الفتنة مستمرة ومع ذلك لا يتعظون من المرة الأولى. لا شك مبدأ اليقين بوعد الله. والثبات مبدأ ليس سهلا. الثبات في مواطن الفتن . نسأل الله الثبات في المعارك. وما أكثر المعارك في حياة المسلم حتى مع النفس. الثبات على المبدأ والإستقرار والتواصي به مبدأ ينبغي أن نصبر عليه.

(حسبنا) بمعنى كافينا. والوكيل سبق بيانه. قالوا { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} نعم الوكيل الله وكلوا أمرهم إلى الله سبحانه وتعالى وفوضوا أمرهم له. وفيها من معاني الكفاية. ونطيل فيها في المجلس القادم بإذن الله .
 
الحلقة 32
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)

العموم والخصوص
(الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) ذكرنا في الحلقة الماضية أنها نزلت في حمراء الأسد. وأن كلمة (الناس) الأولى في الاية مراد بها نعيم بن مسعود والثانية مراد بها الجموع التي كانت مع أبي سفيان. وتكلمنا عن علم العام والخاص وأن هذه من العام الذي أُريد به الخصوص وبيّنا أن هذا له ضوابط وأنه لا يكون هذا إلا في أناس معينين إما فرداً وإما جماعة. إضافة في موضوع العموم والخصوص أنها من المسائل العلمية اشتركت في علوم القرآن مع أصول الفقه. فمن يقرأ في علوم القرآن يجد العموم والخصوص "العام والخاص في القرآن الكريم" ومن يقرأ في أصول الفقه يجد العموم والخصوص. ولكن في علوم القرآن بعض الإضافات خاصة بالقرآن مثل عموم الأخبار وأمور تتعلق بالعقيدة. أي أن باب العموم والخصوص ليس خاصا بالأحكام الفقهية والشرعية. فهذا فرق بين تناول الأصوليين لها وتناول المتخصصين في علوم القرآن. وننبه القارئ في كتب علوم القرآن فهناك من يقول أن من كتبوا في علوم القرآن مثل السيوطي والزركشي لم يضيفوا جديدا على ما كتبهم من قبلهم من الأصوليين. نقول نعم وليس معنى ذلك اننا نحن لا نضيف ولذلك هناك جانب يتعلق بالأخبار وهذا مهمل وقد أغفل بالفعل .فنحن نضيف فيه كثيرا. ومن ما يمكن أن يضاف في هذه المسألة المهمة أن السلف عندهم قاعدة عامة وهي أنهم يعبّرون عن العام بمثال له وهذا جزء مما يتعلق بالمبحث العام. نقول إن كان علماء الأصول عُنوا بجانب الأحكام بالذات واشبعوه بحثا لأن مادة بحثهم كانت متعلقة بالأحكام إفعل ولا تفعل فإننا نحن أيضا يجب علينا أن نضيف إضافات مما تركه العلماء المتقدمون وهو يدخل في باب العموم.
أرسل الدكتور الشهري رسالتين: رسالة للمتخصصين في علوم القرآن أن يوسعوا دائرة البحث في الموضوع لتشمل ما لم يتحدث عنه الأصوليون عندما يدرّسوم مادة العموم والخصوص للطلاب يجب عليه أن ينظر نظرة أوسع من نظرة الأصوليون لأن كثيراً ممن يكتب في علوم القرآن نجد أن كل مراجعه في العموم والخصوص والمطلق والمقيد والمباحث المشتركة بين أصول الفقه وعلوم القرآن تجد أن المراجع كلها أصولية. ورسالة أخرى للزملاء المتخصصين في أصول الفقه أن يقتربوا أكثر من القرآن في دراستهم للموضوع وفي تطبيقهم وليتهم يطبقون هذه القواعد على القرآن الكريم أثناء تدريسهم لمادة أصول الفقه. ونحن ندرس في أصول الفقه في الشريعة كما ندرسها ونكتفي بمثال واحد لكل مسألة. ندرس آيات الأحكام في نفس الكلية فلا نجد صدى لتلك القواعد الأصولية التي ندرسها في مادة أصول الفقه . ولا زلت ادعو أن تفعل مادة أصول الفقه في تدريس آيات الأحكام مثلا كيف يطبّق باب العموم والخصوص باب المطلق والمقيّد وباب المجمل والمبين فيجد الطالب حلاوة ليس لها نظير عندما يطبق. وهذه دعوة عامة في العلوم الشرعية والتطبيقات وأذكر أن كان معنا دكتور محمد الخضيري والدكتور محمد بن صالح الفوزان في جلسات ورتبنا فيه أن يكون لنا نوع من التطبيقات في هذه المسائل فكانت مثمرة ولعل الدكتور محمد يعطينا بعض النماذج التي صنعها في أمثال القرآن.
أجاب د. محمد الخضيري إن مشكلتنا الكبيرة أننا ندرس العلوم الشرعية بأمثلة وقواعد جاهزة مسبقاً. ولكن أن يقول الشيخ مثلا إقرأ من أول النساء مثلا أين العموم فيها. وأين الخصوص؟ أين المطلق وأين المقيد وأين المبين؟ ويأخذنا آية آية سيكون عندنا دربة ومِران عظيمة جدا. أما أن نأخذ مثالاً واحداً في القياس (الخمر) وفي العموم (يوصيكم الله بأولادكم) وفي النسخ أربع آيات معروفة. لا يذكر مثال على التدرج إلا في تشريع الخمر بينما توجد آيات كثيرة المفترض أن تفعّل هذه المواد حتى تكون عملية في حياة الناس وهذا هو الإبداع وهذا هو الإعمال الحقيقي للعلوم الشرعية في حياة الناس. نجح أحد الأساتذة وهو من سوريا معنا في كلية الشريعة كان يدرّسنا النحو في السنة الرابعة. وفي يوم الأربعاء يعطينا واجبا يقول إعرب قول الله تعالى آية، سواء أخطأت أو أصبت المهم أن تحاول أن تعرب الآية. وفي يوم السبت يقف عند الباب يسحب الواجب وكل من جاء بالواجب أخذ نفس الدرجة سواء أخطأ أم أصاب يقول المهم شغلت مخك في إعراب الآية . وكان الإعراب ثقيل علينا أول مرة ثم تبين لنا أن إعراب القرآن أيسر من إعراب كلام الناس. ثم يكتب الآية ثم نعربها جميعاً كلمة كلمة وانتهى الدرس. إنتهينا من الفصل الدراسي وقد أُزيلت عنا رهبة الإعراب. والعجيب في الأمر كان معنا الدكتور محمد خميس في كلية المعلمين وهو تخصص لغه عربية ومعه قراءات وهو في الأصل دكتوراه في اللغة العربية فقلت ما رأيك أن نجلس جلسات لإعراب القرآن؟ قال لا مانع فجلسنا وأعربنا، في المرة الأولى أو الثانية قال لي هل تصدق أن هذه أول مرة في حياتي أجلس جلسة إعراب القرآن أنا أتهيب من إعراب القرآن ولا أحب أن أمارس هذا الأمر ولكن أنت الآن تجعل لي القواعد أمثلة حية من كتاب الله وهذا يعين على الفهم. وهذا ما حرص عليه عبد الخالق عضيمة في كتابه العظيم "دراسات لأسلوب القرآن" .
أيضاً في المسائل المشتركة بين علوم القرآن وأصول الفقه أخونا فهد الوهبي الآن يبحث هذه الحقيقة وله أشرطة ألقاها فيها معلومات مفيدة للغاية. وبيَّن ما هي المباحث التي تكلم فيها الأصوليون وما هي المباحث التي زادها الذين كتبوا في علوم القرآن ما يتعلق بعلوم القرآن وقد سمعت له في دورات علمية في الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والحقيقة والظاهر والمأوّل كان فيها إضافات وابداعات . هذه المسائل يمكن أن تكون في ثلاث دوائر دائرة مشترك بين علوم القرآن وأصول الفقه ودائرة لعلوم القرآن ودائرة لأصول الفقه.

التوكل على الله
(وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173))
بيّنا في الحلقة السابقة المعنى العام . هذه كلمة عظيمة ويشرع قولها عند مجيء أو جثوم أو إقبال الكرب والأخطار العظيمة التي تأتي علي المؤمنين فتصيبهم في الحالة النفسية في مقتل ما لم يؤمنوا بهذه الكلمة ويؤمنوا بمقتضاها. فإن سمعت خبرا تقولها يعني الله هو كافينا وهو نعم من يُتوكل عليه فيذب عنا ونكون في معيته فنظفر بالنصر والتأييد. كلمة حسبُنا يقال فلان فأحسبني أي كفاني. ونحن نفهم الكفاية فهماً من الواقع الفقهي أن الكفاية هي أدنى الدرجات للوصول إلى الحاجة كأنه بمعنى الكفاف. ولكن المقصود بها الكفاية التامة أعطاني فأحسبني أي كفاني كفاية تامة وأغدق علي. لما تقول حسبنا الله يعني الله كافينا من كل وجه، سيعطينا الله من فضله ويحفظنا ويؤيدنا ويرفعنا وهي كلمة كبيرة وقيل في الأثر أن جبريل عليه السلام نزل على إبراهيم وهو سيُلقى في النار فقال هل لك إليّ حاجة؟ قال أما إليك فلا وأما إلى الله فنعم وقال حسبنا الله ونعم الوكيل. فأحسبه الله وكان نعم الوكيل { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) الأنبياء} وأيضاً عن ابن عباس: { حسبنا الله ونعم الوكيل } . قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا : { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } . الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4563 خلاصة الدرجة: [صحيح]. ولهذا نقول ليكن مما تذكر الله به هذه الآية { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } في مثل المواقف كلما سمعت خبراً سيئاً أو أذى لمسلم أو أمراً دهم المسلمين أو أيضا في ذاتك. بعض الناس لما يسمع هذه الأشياء يخاف ويبدأ يحسب حساباته ويفكر في كل شيء إلا في هذه الكلمة لكن نقول له قل هذه الكلمة وتفكر في معناها { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) الأنفال}وأن الكفاية والحسب من عند الله أي هو كافيك فلا تجزع منهم ولا تتوقع شرا ما دام الله سبحانه وتعالى ناصرك وكافيك ومؤيدك. ومن يتأمل فيها أن من كان الله معه لا يضره ولو خذله البشر جميعاً ومن لم يكن الله معه لم ينفعه شيء وهذا معنى (إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)) هذه نفس المعنى وممكن أن نأخذ منها موضوعاً قيماً وهو كفاية الله لعباده المؤمنين لها آيات كثيرة منها هذه الآية وفي قصة إبراهيم وقصة يوسف وموسى والأنبياء كلهم وكيف أن الله كفاهم وعيسى كفاه الله وأنقذه

ثمرة التوكل
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)
وهذه هي النتيجة عندما قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل كانت النتيجة (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ). ولكن كيف لم يمسسهم سوء وهم مثقلون بالجِراح ؟! ما المقصود بالسوء إذن؟ المقصود به أنهم لم يصيبهم سوء المعصية للرسول صلى الله عليه وسلم والله سبحانه وتعالى . ولكن هذه الجراح تندمل. ولكن ماذا فعل أعداؤهم { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) آل عمران } الناس يرجعون بالغنائم ولكن هم رجعوا ومعهم سخط الله. انظر إلى (فانقلبوا) عبّر بالفاء لأنها تدل على سرعة الإستجابة وأنه نصرهم وثبتهم وأعانهم وغفر لهم ورفع درجاتهم. و"فضل" أي أزيد مما كانوا يرجون تفضل عليهم بشيء زايد . ويمكن أن يكون من معاني السوء أنه لم يصبهم بعد ذلك أذى، لم يمسسهم سوء من المشركين. قال (لم يمسسهم سوء) وهم أصابتهم الجراح فكأنه تجاهل الجراح هذه إذا حملناها على غزوة أُحد لكن لو حملناها على حمراء الأسد هم لم يدخلوا في حرب أصلاً. هم حققوا الاستجابة ومع ذلك لم يمسسهم سوء وانقلبوا بالنعمة والفضل من الله. وتذكر بعض الروايات عنهم أنهم وجدوا من النشاط في غزوة خمراء الأسد والخفة ما كانوا لا يعهدون في أنفسهم لأنهم كانوا جرحى لكن لما استجابوا وجدوا من الخفة والنشاط وهذا من فضل الله عليهم لاستجابتهم للرسول.صلى الله عليه وسلم

(رِضْوَانَ اللَّهِ ) انظر التكرار فيما مر معنا { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) آل عمران } وهذا تأكيد وإشارة إلى أنهم رضي الله عنهم في هذه المعركة كانوا يسيرون في رضوان الله أُنظر أين رضوان الله في هذه المعركة؟ هو في الإستجابة لأمره بقتال المشركين والوقوف أمامهم والتصدي للمشركين ورفع الدين وبذل كل الجهود في نصرة هذا الدين، وهذا كله إتّباع لرضوان الله تعالى وهذه محاب الله فعلى الإنسان أن يحاول أن يتتبع محاب الله يتتبع ما يحب الله (وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) لعلع الله تعلى يلحقه بهؤلاء.

أولياء الشيطان
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
المفسرون لهم قولان في الآية لا تعارض بينهما. وبالتأمل نجد أن هذا صحيح وهذا صحيح. فالقول الأول (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أولياءه أي الذين يطيعونه ويوالونه يخوفهم ولذلك يسيرون في حياتهم كلها في خوف. مثلا لا تطلق لحيتك أنك لو أطلقتها يقول ستتعرض للمشاكل والتصنيف بأنك رجعي وإرهابي وأصولي، هذا من تخويف الشيطان لأوليائه الذين أطاعوه ومشوا في دربه، يخيفهم كلما أرادوا خيرا ثبطهم عنه إذا أراد أحدهم أن يصلي مع الجماعة يخوفه أن الناس يتهمونه فيخيفهم ويوهمهم بهذه التوهيمات. والقول الثاني للسلف في هذه الآية (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ) أي يخوفكم بأوليائه. أي أن (أولياءه) منصوب على نزع الخافض. هذا خروج في الحقيقة عن الظاهر. ولكن له دليل ودليله هو تتمة الآية { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ } .نستفيد من الآية أن الشيطان يخوفهم ويخوف المؤمنين بأوليائه إذا أراد المؤمنون أن يفعلوا الخير قال انتبهوا الأعداء سيفعلوا بكم الأفاعيل سيجمعون عليكم من القتال والقنابل العنقودية وغيرها وتيدأ الأراجيف. أي يخوفكم أيها المؤمنون بأولياؤه قال الله { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ }. يجب أن نعرف أن أعظم مكايد الشيطان في صده الناس عن دين الله هي مكيدة التخويف.ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجبن ومن الخوف مما يلقيه الشيطان في نفوس المؤمنين. والخوف من أحد الأسباب التي وقع بسببها الفشل والتنازع الذي وقع في قلوب المجاهدين من الوهن والخوف من الأعداء وهذا من تخويف الشيطان ولذلك قال تعالى { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } يُظهر أنهم أقوى منكم وهذه التتمة (فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ) تؤيد هذا المعنى. الواحدي في (البسيط في التفسير) وقف عند هذه الآية وأشار إلى قضية مهمة وهي أنك لا تفهم كلام السلف إلا إذا فهمت الإعراب فجمع بين الإعراب وبين كلام السلف في الآية ثم حلل تفسير السلفي في بعض المواطن. كان الإعراب بالنسبة لهم سجية. لما نقول { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ } قال السياق يخدم القول الثاني أي أنه يخوفكم بأولياؤه فلا تخافوهم. ولكن المعنى الأول أن الشيطان يخوّف أولياءه الذين اتبعوه هل هي بمعزل عن لا تخافوهم؟. إذا تأملت { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء} يعني يزرع في نفوسهم الخوف فيتبعونه فلا تخافوهم لأن كيد الشيطان كان ضعيفاً , فكأن قوله (فَلَا تَخَافُوهُمْ) فيها المعنى اللازم إذا كان الشيطان يخوف أولياؤه فهم ضعفاء لأن مُخَوِّفهم ضعيف { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76) النساء } فهذا يعتبر براعة ممن نبه على هذا المعنى وقد يقول قائل ما علاقة تخويف الشيطان بأوليائه؟ بينما يقول (فَلَا تَخَافُوهُمْ) نقول هذا هو الرابط.

ومصداق هذه الآيه نجده في الذين يخوفون الناس بالسحرة والكهان مثلا هؤلاء ضعفاء وهم أوسخ الناس يعيشون في الأماكن الرديئة لو كانوا يستحقون أن يُخافوا لعاشوا عيشة الملوك. بل إنهم بحاجة للملوك أكثر من حاجة الملوك لهم، ماذا قال السحرة لفرعون؟ { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) الأعراف} لو كانت صناعتهم تنفعهم لما احتاجوا أن يقولوا ذلك.

وبعد أن حذر تعالى من الشيطان الذي يخوف أولياءه أنه أشار أيضا أن الكافرين كيدهم أيضاً في ضلال أيضا. الشيطان أصلا ولي للكافرين وأخذ على نفسه عهدا أن سوف يتفرغ لعداوة المؤمنين. فقال الله سبحانه وتعالى (فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ولاحظ كيف قال (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني شرط للتغلب على الشيطان وعلى أولياؤه أن تكون مؤمناً فكلما زاد إيمانك قل خوفك من الشيطان. المؤمن إذا إطمأن قلبه بالإيمان والصدق فإنه لا يخاف الشيطان وأولياؤه ولا يخاف من السحرة وغيرهم.

سنة الإملاء
وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
في السورة هذه تكرار لكلمة "يسارعوا" { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران } المسارعة إلى المغفرة أما هنا فالمسارعة إلى الكفر. النبي صلى الله عليه وسلم كان من شفقته على أمته أنه يحزن لما يرى هؤلاء على كفرهم ولذلك قال تعالى في سورة الشعراء والكهف (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)) لا تقتل نفسك من الأسى والحزن للذين لم يستجيبوا لك. وأنت بلّغت وأدّيت ما عليك ولكنه هو الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم .{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) الكهف } { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)} الشعراء).

قال (وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) . لماذا يارب؟ { إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } يذكر لك العِلّة حتى تعرف الحكمة في إمهال هؤلاء وقد قال من قبل { حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } . يسارعوا إلى الكفر. ولكن يريد الله ألا يجعل لهم أيّ حظ في الآخرة أيّ حظ وأي نصيب من الخير { يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ } ولذلك هؤلاء يحشرون في الدرك الأسفل من النار. ثم قال عذاب عظيم ثم وصفهم أيضاً وقال أنه من شدة المسارعة إلى الكفر يذهبون للكفر كأنهم اشتروه { إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ } مقابل الإيمان الذي هو الرحمة والصدق وتكون به الطمأنينة الدنيوية والأخروية ومع ذلك يؤثرون الكفر فيشترونه كيف؟ طبعاً لا يوجد شراء للكفر ولكن لشدة حرصهم عليه شُبِّهوا بأنهم يشترون . وردّ عليهم { لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وقال من قبل { وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } التكرار في الأول عذاب عظيم. لازم الخبر هو نفسه { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } إذا كانوا لا يضرون الله فهم لن يضروا أولياءه من باب أولى. ثم قال هؤلاء الكفار لماذا لم يعجل لهم العقوبة؟ قال { أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } أي نمهلهم ليزدادوا إثماً ولهم عذاب أليم وهذا من كمال عدل الله لا يأخذ الظالم إلا بعد أن يوغل في الإثم والظلم فإذا أخذه أخذ عزيز مقتدر. فيأخذه أخذة لا يفلت منها. نجد هنا عذاب عظيم إلى قَدْره ثم أليم في وقعه في أجسادهم ثم عذاب مهين. عذاب عظيم إشارة إلى قدره وأليم إشارة إلى وقعه في أجسادهم والثالث مهين في نفوسهم فقد تتعرض أحياناً لموقف أليم وليس مهين والعكس. إذا صفعك أحدهم أمام الناس هذه إهانة ولو أنها غير مؤلمة جسديا لكنها مهينة والله سبحانه وتعالى جمع لهم بين عظيم ومهين وأليم.

هذه تُشكل على لحُفّاظ نجد عظيم ثم أليم ثم مهين. ولكن من وسائل الضبط وسيلة الضبط بالأسلوب المعجمي تأخذ الحرف الأول من كل كلمة تنظم منها كلمة. خذ من عظيم (عين) ومن أليم (ألف) ومن نهين (ميم) وهي كلمة عام إحفظها وهذه إحدى أساليب الضبط.

(إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ) الإملاء أي الإمهال. وإعطاء فرصة . وفي الآية رَدُ على من قصر تصوره ويقول ما بال التسونامي يجىء شمال آسيا ولا يجيء في أمريكا في الدولة الظالمة؟ كما قال تعالى { نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا } ليزدادوا إثماً . سُنة الإملاء سنة ربانية وقد يستمر هذا الإملاء سنين طويلة ليس بأعمارنا نقيس. ومن أكبر أخطائنا نحن البشر أننا نقيس بأعمارنا أي بالسنوات. منذ متى وأميركا متجبرة وفعلت باليابان ما فعلت { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ } العذاب المهين سيجيء لا محالة ولكن متى؟ هذا قدر الله، والله أدرى به ولذلك قال سبحانه وتعالى { فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) الطارق} نستفيد من ذلك ألا نستبطىء النصر من الله. وأن لا يغرنا أن الكفار أقوياء وما زالوا يزدادون قوة، هذا من الإملاء سيأتي الله باليوم ترى فيه أمريكا قد سخطت. هذا يجعلنا عندما نلتقى مع هؤلاء لا نغتر بما هم عليه فلا تغتر بما هم عليه ولا تعترض على القدر فتقول لماذا وقع العذاب هنا ولم يقع هناك؟ .

الآيات إذن فيها فوائد: قوله { لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا } هي نكرة في سياق النفي يعني ( أي شيء). هؤلاء الكفار مهما صنعوا لن يضروا الله شيئاً . وتكرارها في الآيات { إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} ثم يؤكد أيضا { لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } هذه نكرة في سياق النفي فهي تدل على العموم. وهناك فائدة الحقيقة أن النكرة في النفي والنهي والإستفهام كما ذكر العلماء تدل على العموم. أما النكرة في سياق الإثبات فإنها لا تدل على العموم إلا في بعض السياقات كما في قول الله عز وجل { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) التكوير} السياق دل على أن نفس هنا عامة. الأصل أن النكرة في سياق الإثبات خصوص ولا تدل على العموم.

أيضا في قوله " لاتحسبن" وهناك قراءة" لايحسبن" وإن اختلف المخاطَب، لا تحسبن يا محمد أو لا يحسبن هؤلاء الذين نزل فيهم هذا الخطاب وهم الذين كفروا.
 
الحلقة 33
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)

نلاحظ أن الآيات إستئناف لأن الحديث السابق كان عن الكفار والمنافقين منذ قول { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) آل عمران }. وقبل ذلك نلاحظ أن الآيات السابقة فيها إشارة واضحة إلى الكيد الذي كان عند الكفار والمنافقون واليهود للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله { وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) آل عمران } إشارة إلى تطمين الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نعم نحن نلاحظ هذا الكيد وهذا السعي للإفساد فيما بينكم بكل وسيلة ممكنة فنلاحظ أن يكرر { لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا } لإدخال الطمأنينة على قلبه صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ونحن نقول أن هذا وعد من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في كل زمان أن الله وعدهم بالنصر إذا حققوا شروطه { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ (من 160 آل عمران )} بمعنى أنك إذا حققت شروط النصر فاطمئن ولن يضرك الأعداء شيئاً. وهذه تفتح باب الأمل والتفاؤل لكل المضطهدين من المسلمين في كل مكان أنهم ينبغي عليهم أولا أن يحققوا أسباب النصر في أنفسهم وفي أُسرِهم وأولادهم ويربوا أنفسهم تربية يستحقون معهها النصر . فالآيات التي مرت معنا كلها فيها إشارة أن النصر يوهب ولا يؤخذ . فالنصر من عند الله سبحانه وتعالى .حتى الملائكة لو نزلوا في المعركة ليس لكي يحققوا النصر لكن لتطمئن قلوبكم فقط أما النصر فمن عند الله . لأن البعض يقول نريد أن نُعد لكي ننتصر نقول أنت تعد لكي تكسب رضا الله وتحقق أسباب النصر أما حقيقة الانتصار فهو من عند الله سبحانه وتعالى يهبه لمن يشاء.و لذلك فمعركة أحد درس رائع كل مقومات النصر كانت موجودة في الجيش الإسلامي ولما وقع منهم المخالفة والعصيان وقع ما وقع من الإنكسار. الآيات أشارت إشارة غير مباشرة أن الكفار كانوا في غاية الغيظ من أن ينتصر محمد صلى الله عليه وسلم خاصة في بداية الحياة في المدينة واليهود والمنافقون كان عندهم أمل أن ينكسر محمد وأن يخرج من المدينة وكان عندهم طموحات سياسية .فلما وقعت المعركة وانتصر صلى الله عليه وسلم وكان في حمراء الأسد دليل على هذا الإنتصار.

{ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) آل عمران } هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين أنه يبتليهم ببلايا ويصَّرف فيهم الفتن حتى يكون من حكمته أن يتعرف المؤمنون على من اندسّ فيهم وليس منهم. الكافر عرفت عداوته وانتهى. ونحن الآن في داخلنا ناس يتسترون بالدين . يصَلّون في الصف الأول ويجاهدون ويتكلمون بإسم الدين وقد تكون لحاهم أطول من لحانا وأصواتهم بالقرآن خير من أصواتنا لكن في قلوبهم غل على الذين آمنوا وفي نفوسهم من الدَخَن ما الله به عليم، هؤلاء كيف نعرفهم؟ وكيف نتقي شرهم. ونحتاط منهم؟. هذه قضية خطيرة. الله بحكمته وبعلمه وحسن تقديره ينزل البلايا فيمحص الصدور. وهذه البلايا مع شدتها علينا إلا أن فيها هبات ورحمات فعلينا أن نشكر الله . نحن في فتنة غزة هذا العام بانت لنا أموراً كانت مخفية علينا ما كانت لتظهر حتى لو جاء انسان مطلع وبصير وأثبت لنا بالدلائل بعض الحقائق التي ظهرت لنا لأنكرناها وقلنا يا فلان أحسن ظنك إتقي الله هذا من وسوستكم أيها المحللون وغير ذلك. ولكن جاءت الفتنة من داخل غزة ومن داخل فلسطين ومن الدول العربية ومن القنوات الفضائية ومن الصحف ومن الكُتّاب ومن المسؤلين ومن الرؤساء ومن كل واحد حتى من طلاب العلم والدعاة وكشفت وأظهرت وأطلعتنا على خفايا { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } ما كان يذركم مختلطين لا يعرف بعضكم بعضا حتى تقدم هذه الفتن { يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } وهذا درس نستفيد منه أن الفتن لله فيها حِكم ومن حكمها أن يبين الله هؤلاء من هؤلاء وإن بعض الأمور لا تنهض إلا بالمشقة والإجتهاد وهذا منها، قال تعالى في سورة محمد { وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) محمد} لو نشاء لأريناك هؤلاء المنافقين بعلامات يعرفون بها ويميزون من بين سائر الناس، قال{ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} أما لحن القول فستعرفون منه المنافقين معرفة تامة من كلامهم وعباراتهم ستعرفهم قطعا. أما أن تعرفهم بسيماهم فهذا لن يكون إلا بمشيئة الله وقد شاء الله لمحمد أن يعرفهم بسيماهم فعرفهم بأسمائهم وأسر بها لحذيفة بن اليمان.

لما يذكر الله في القرآن التمييز يقدم الخبيث أولاً " يميز" أي يفرز أو يفصل { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) الأنفال} وأيضا { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) يس} فكلها تشير إلى تمييز الخبيث المجرم وهذه فائدة أنه ليس الهدف من التمييز البيان فقط بل يميز المنافق من المؤمن ومحقه وإهلاكه وفضحه وكبته وهذا هو الذي ظهر في هذا المعنى. وفعلا بعد أحد ميّز الخبيث من الطيب وكبتهم ولم تقم لهم قائمة. كلمة "ميز" جاءت كلها مع الخبيث (وامتازوا اليوم أيها المجرمون) (ليميز الله الخبيث من الطيب) ولذلك إستنبط بعض العلماء أظنه تقي الدين الهلالي قال كلمة إمتاز وممتاز ويمتاز لا ينبغي أن تستخدم في الأمور الطيبة وينبغي أن تستعمل كما إستعملها القرآن في الأمور الخبيثة. وهذا فيه دقة في الاستنباط لكن هذا مصطلح قرآني إلا أن الناس تعارفوا على غير هذا المعنى ولا نريد أن نعممها فتغير عرف الناس.

{ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ } لما قال سبحانه وتعالى { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} الكلام موجه للمؤمنين كيف تعرفون هذا من هذا. فلو أطلعهم على الغيب فلان كذا وفلان كذا لإنتهى الإبتلاء. فنبه الله على هذه الحكمة العظيمة أنه لا يطلع على مثل هذا الغيب لأنهم في مقام الإبتلاء. نلاحظ أن هذا من حكمة الله ولو أطلعنا الله على خبيئته لما صار هناك إبتلاء ولإنتفت الحكمة التي يريدها الله سبحانه وتعالى لهم. ولإنتفى شيء آخر أيضا وهو الإجتهاد أن تتعرف على الطيب من الخبيث وهذه عبادة. أنت تتبع قناة هذا وكتابات هذا لأجل أن يكون هناك جهاد تؤجر عليه لتعرف ماذا تدع وماذا تأخذ. وأمر آخر نجد أن النفوس من طبعها عندها فضول لمعرفة الغيب وتتشوق لمعرفته لكن الله رحمنا ألا يطلعنا على الغيب . إذا قيل لك أنك ستربح ألف مرة ولكنك ستخسر خسارة شديدة كيف تعيش حياتك؟ ومن رحمة الله أن غيّب عنا هذا ليست عقوبة لنا بل هي رحمة بنا.

{ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } فيها نوع من الإلتفات ما قال ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه ولكن يقول { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ} كأن الإبتلاء رحمة بالمؤمنين الذين اتصفوا بهذه الصفة هذه واحدة. والأمر الثاني أن قال { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} كأن هناك قائل قال لماذا لا تطلعنا على الغيب لنعرف المنافق من المؤمن فنرتاح؟ لأن ليس من سنته سبحانه وتعالى ولا من حكمته أن يطلع أحد على الغيب إلا من إرتضى من رسول لذلك قال { يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ } ليطلعه على بعض الغيب. وقد أطلع الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم على شىء بالرؤيا التي رآها قبل المعركة. { وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} قد يقول قائل ما موقعها الآن والكلام عن الغيب؟ هذه إشارة إلى أن ذكر الرسول هنا لأنه يطلع على جزء من الغيب { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) الجن}

استدراك
حملت الآية على أنها خطاب للمؤمنين. وهناك قول آخر لإبن عباس ذكره الطبري يقول الله للكفار ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه من الكفر حتى يميز الخبيث من الطيب فيميز أهل السعادة من الشقاوة فهو يرى أنها خطاب للكفار.

{ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ } هذا المعنى تكرر في القرآن وهو الإجتباء والإصطفاء {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ (من 124 الأنعام} {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) آل عمران} هذه الآيات الإجتباء والإصطفاء التي خص بها الله هؤلاء الأنبياء من المهم التنبه إلى أمر وقد أشرنا إليه من قبل وهي أن سبحانه وتعالى الذي قال { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } قال { قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ (من 140 البقرة)} . فقد يرد في بعض من إجتباه الله في القرآن بعض الأفعال التي ذكرها الله عنهم أو بعض الأوصاف التي وصفهم الله بها فيأنف بعض المسلمين أن تنسب هذه الأوصاف لهؤلاء المجتبين ويدعي أن هذا منافي للأدب وأن هذا فيه سوء أدب. تأمل نحن نحمد لك حرصك على الأنبياء ولكن انتبه ألا تقع في سوء الأدب مع الله لأن الذي إجتبى هؤلاء هو الله سبحانه وتعالى وهو الذي ذكر هذه الإعال منهم ولكن قل أن يذكر ذنبا إلا ويذكر بعدها توبته منها وأن الله قد تاب عليهم. لذلك الحسن كان يقول ما ذكر الله ذنوب الأنبياء ليعيرهم بها ولكن لنقتدي بهم في التوبة . وهذا يفتح للمسلمين باب الإقتداء بأنس بشر يقع منهم أحيانا اجتهادات فيصيبون ويخطئون . صعب علينا أن نقتدي بالملائكة وهم لا يعصون الله ما أمرهم وليس عندهم شهوات ولهذا قال { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (من 93 الإسراء)} فنحن نأخذ جانب الرسالة ولا ننتبه للجانب البشري مع أنه واضح جداً. وهذه من نعم الله علينا أنه اجتبى من البشر رسلاً. صحيح أن النبي معصوم فهناك جانب من العصمة يغفل عنه كثير من الناس وهي العصمة من التمادي في الذنب . هذا لا يوجد في الأنبياء ما ذكر لنبي من ذنب إلا وذكر استغفاره وذكر توبة الله عليه. بل أن الله ينبهه عليه مثل ما حصل من داود في سورة ص { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (من 24 ص) } ثم قال (فغفرنا له) مثل هذا إذا كان يذكر أنهم استغفروا هل استغفر ولم يغفر له شىء ولم يقع منه ذنب؟ يقول بن قتيبة أن بعض الناس يستوحش من نسب الذنب للنبي والله سبحانه وتعالى قد ذكره. لا يُستوحش من هذا لأني أنا لا أدعي شيئاً على النبي من ذات نفسي وإنما ذكره الله سبحانه وتعالى. وهذا ذكره البغوي عندما جاء لتفسير سورة يوسف { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) } اختلف الناس في ما هو هم يوسف ويكادون يتفقون أنه الهمّ الفاحشة. أما همّ يوسف فقد اختلفوا فيه لكن الجواب الذي ذكرته عن ابن قتيبة قال وبعض الناس يصيبه الورع في أن ينسب هذا إلى يوسف وهو أنه وقع في نفسه هذا الأمر ولكن الله عصمه. قال ولو كان هذا مما ينزه عنه الأنبياء لما قال به عامة السلف ولما ورد ذكره عند الصحابة والتابعين . قال عامة السلف أن الهم المذكور في الآية هو من جنس الهمّ الذي قامت به، ولكن بعض الناس يقول همت ليضربها مثلا. وهذا في الحقيقة تنقص من يوسف صلى الله عليه وسلم لماذا؟ كأنك تنزع عنه بشريته فلا يحصل به إقتداء. هذا التابعي الذي دعا الله أن إذا مرت به إمرأة أنه لا يفرّق بين لو مرّت به خشبة أو مرت به امرأة وأوتي ذلك هذه ليست فضيلة لأنه انتزع مقام الإبتلاء. يوسف بعد أن همّ هو أكمل لأنه هم بسيئة ولم يفعلها فكتب له بها حسنة. قال صلى الله عليه وسلم { من هم بسيئة ، فإن عملها كتبت عليه سيئة ، وإن لم يعملها كتبت له حسنة - الراوي: - المحدث: الشوكاني - المصدر: الفتح الرباني - الصفحة أو الرقم: 4/1753. خلاصة الدرجة: صحيح} . ننبه له في مثل هذه الأمور . تحقيق مثل هذه الأشياء يمشي مع عاطفته وبأسلوب خطابي وإنشائي بعيد عن العلم ويكرر ألفاظا ليس وراءها تحقيق. هذه أمور علمية يجب أن ننبه لها ونكون وقافين مع كتاب الله ومع سنة صلى الله عليه وسلم. وإلا إذا أنت منعت هذا فأنا عندما أسمع البخاري يقول أن صلى الله عليه ذكر حديثا عن موسى .{إن موسى كان رجلا حييا ستيرا ، لا يرى من جلده شيء استحياء منه ، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا : ما يستتر هذا التستر ، إلا من عيب بجلده : إما برص وإما أدرة ، وإما آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى ، فخلا يوما وحده ، فوضع ثيابه على الحجر ، ثم اغتسل ، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها ، وإن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول : ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل ، فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ، وأبرأه مما يقولون ، وقام الحجر ، فأخذ ثوبه فلبسه ، وطفق بالحجر ضربا بعصاه ، فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ، ثلاثا أو أربعا أو خمسا ، فذلك قوله : { يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها } الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3404. خلاصة الدرجة: [صحيح]. وأدرة هي إنتفاخ الخصية. لو كنا نستخدم نفس الأسلوب ماذا نصدق؟ موسى كليم الله يمشي عريانا بين بني إسرائيل ؟! لماذا لا نستوحش هذا؟ فهذا نص واضح وصريح لا يحتمل التأويل. التأويل إذا فتح بابه وصلنا إلى سفسطة الفلاسفة المشهورة.

في غزوة أحد لم يُقتل النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه أوجعه المشركون وكادوا يقتلونه ولكن الله قد حفظ الرسل الذين يبلغون الرسالات من القتل فلم يقتل رسول من الرسل من الذين جاؤوا بالرسالات أما الذين جاءوا مجددين لرسالات سابقة فإن القرآن يذكر قتل الأنبياء وليس الرسل (ويقتلون الأنبياء). هذ أمر والأمر الآخر أن الله يجتبي الرسل. وقال سبحانه وتعالى { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (من 253 البقرة)} تكليم الله للنبي من أفضل أنواع الإجتباء والاصطفاء. ولذلك فإن موسى ومحمد من أعلى الرسل زأفضلهم لأنهم حظوا بهذا. مسألة أخرى إستوقفتني كنا في حفل إحتفال جامعة الملك سعود بإنشاء كراسي أبحاث وتعطي من يدعم الكرسي تشريفاً بوضع إسمه في لوحة الشرف وتعطيه ميدالية الجامعة. فرأيت بعض من دعموا الكراسي من الأغنياء والمسؤلين الكبار وهم يشعرون بالسعادة عندما يرون أسماؤهم فتذكرت قوله سبحانه وتعالى { وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) ص} فقلت سبحان الله الواحد منا يبحث عن التميز والشرف ويفرح به يعني عندي استعداد لدفع الملايين من أجل أن يوضع إسمي في لوحة الشرف فأقول كيف بهذا التمييز الذي ميز الله تعالى هؤلاء الأنبياء { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) آل عمران } آل إبراهيم ثم كيف اصطفى أبنائه كلهم أنبياء. أقول في نفسي ما هذا الشرف؟ وهذا هو الإصطفاء الحقيقي في الدنيا وفي الآخرة.، كيف يميزهم الله في الدنيا والآخرة وكل من يدخلون الجنة بسببهم { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) الصافات} انظر إلى النبي كيف ميزه الله في الحياة من الزهد في الدنيا { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) الشرح} وقلت أين نحن من هذا

{فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} تكرر معنا أن التقوى ارتبط بها الصبر ولكن هنا ارتبط الإيمان بالتقوى لأن الإيمان هنا في هذه الآية هو المراد فجمعه مع التقوى فيصبح الإيمان هو ما يقع في القلب والتقوى هي العمل.{ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }. لما كان الكلام عن الصبر والتقوى تكرر للتأكيد فلماذا لم يأتي هنا مرة أخرى؟ نقول أن لما ذكر قبلها { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ } و { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } .وهنا قال { فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا } وإن تؤمنوا إيمانا صادقا وتتقوا الله بأعمالكم فتفعلوا الأوامر وتتركوا النواهي. إذا جمعتم بين هاتين الخصلتين فلكم أجر عظيم. تنكير الأجر ووصفه بالعظيم لتعظيمه. وأيضا كون الإيمان هنا أنسب لأنه ذكر الغيب هنا وما يليق بالغيب هنا هو الإيمان به. ولذلك إذا أخذنا بقول ابن عباس في { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ } بأنها خطاب للكفار فهذا يتناسب جداً. فائدة لغوية: (ليذر) فعل مضارع البعض يقول أن ليس له فعل ماضي ويقول آخرون أنه موجود (وذر) هذا القايس ولكنه لا يستخدم ونادر. وذر- يذر - وذراً

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) ألا ترون أن الحديث عن البخل في هذا الموطن مرتبط إرتباطا شديدا بأمر الجهاد في سبيل الله؟ لأن الجهاد قد يكون بالبدن أو المال. وقدم الجهاد بالمال في كثير من الآيات باعتبار أنه ميسور لكثير من الناس وهو أيضاً العنصر الأعظم في قوة المؤمنين في جهادهم في سبيل الله ولذلك في عامة الايات يقدم جهاد المال على جهاد النفس. جهاد المال باعتبار أنه أول إختبار لك في صدقك فقد تكون مريضا لا تستطيع الجهاد. جاهد به حتى تبرئ ذمتك أمام الله وتري الله من نفسك خيراً. ثم أيضا تنتفي العبودية لهذا المال إذا كنت تعبد المال فلن تخرجه وتبذله في هذا الميدان. أما إذا كنت تعبد الله فهذا المال يصبح قليلا في عينك ليرضى ربك عنك ولعل ذكر البخل في هذا الموطن لهذه العِلّة.

وهناك قول آخر بأن البخل هنا أعم من البخل بالمال وإنه يدخل فيه البخل بالعلم لمناسبة ذكر أهل الكتاب كانوا يعرفون محمدا كما يعرفون أبنائهم وبالرغم من ذلك كذبوا وكتموا ذلك العلم. ولذلك في سورة التوبة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ (من 34 التوبة ) } ثم قال { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (من 34 التوبة ) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35) } جمع بين كتمان العلم الذي يكتمه علماء أهل الكتاب وبين عدم إخراج زكاة الذهب والفضة والعقوبة.

هذا من توسيع لمفهوم الآية ولكن ليس هو المقصود. أغلب المفسرين قالوا بأن المراد به الزكاة. وفي الحديث في البخاري قال {من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع ، له زبيبتان ، يطوقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه - يعني بشدقيه - يقول : أنا مالك أنا كنزك . ثم تلا هذه الآية: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله } . إلى آخر الآية . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4565. خلاصة الدرجة: [صحيح]}. لعل يؤيد ذلك ما جاء بعدها {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران } وهذا أيضاً يرجح قول ابن عباس أن الآيات ما زالت تخاطب الكفار. من تفاسير السلف يؤيد أن المقصود بالبخل البخل بالعلم وأن المقصود هم علماء اليهود ويحدث من علماء اليهود وكتمان الحق وهذا صحيح. وتحدثنا سابقاً عن التفريق بين مجال الإستنباط ومجال التفسير أنه إذا كان الكلام المذكور متناسقاً مع الآية فهو من باب التفسير وإذا لم يكن متناسقاً مع الآية فهو من باب الإستنباط وهذا ما ذُكر هنا وهو صحيح وذكره بعض السلف وكان أخص العلم العلم بالرسول وهذا يمكن أن يدخل في معاني قوله سبحانه وتعالى {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) الشورى} الحق هو البين الظاهر المعلوم والميزان هو ما توزن به الأمور . فنحن الآن نرى الحديث عن البخل نقول البخل بالعلم أولى منه لأن إنفاق العلم أيسر من إنفاق المال فإذا بخل به الإنسان فيكون أشد من بخله بالمال

{ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ممكن أن تشمل هذا وهذا . ولكن لما قال { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } هذا ما جعلكم تقصرونه على المال وليس بالضرورة ولكن قد يكون التطويق عن من بخل بعلمه فيكون البخل بالعلم والمال. وهذا ليس بالضرورة أن يكون صحيح أن الحديث بالمال أظهر.
 
الحلقة 34
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)

ذكرنا في اللقاء السابق أن السياق يتحدث عن البخل بالمال ولا يمنع دخول البخل بغير المال قياسا لأن النص (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ) يدخل فيه المال والعلم كما فسر البخاري أن الرسول فسره أنه البخل بالمال ومثل ما فسره ابن عباس بأنه البخل بالعلم وهو كتم اليهود أمر النبي صلى الله عليه وسلم . ومما يناسبه أن الآية قبلها { اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } ولم يقل آمنوا بالله ورسوله مما يشير أن الإيمان بمحمد هو الإيمان بموسى وعيسى فلا غضاضة عليكم أن تؤمنوا بمحمد فرسولكم عيسى وموسى بشروا به. والأمر الثاني إذا إستقرأت آيات البخل في القرآن تجد أنها تأتي بالمال وتأتي العلم.

(سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هذه هي عقوبة. والتطويق هو أن يوضع الشيء للإنسان كالطوق له. ففي يوم القيامة يطوق الإنسان جزاء له على عمله السيء يطوق ما بخل به على رقبته ويأتي البعير وله رغاء والشاة ولها ثغاء لأنه منع زكاتها ويأتي الذهب والفضة وقد طوق الإنسان بها فيكون ذلك علامة له في يوم الموقف وفضيحة أي فضيحة.

ما هي الذنوب التي يفضح أصحابها في الموقف يوم القيامة منها البخل ومنها الكبر { يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يسمى : بولس تعلوهم نار الأنيار ، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال . الراوي: جد عمرو بن شعيب المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2492. خلاصة الدرجة: حسن صحيح} ومنها الربا { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (من 275 البقرة)} والغلول في الغنيمة { وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ من 161 آل عمران } وتشتعل عليه في قبره، وأيضا الخيانة الغادر يرفع له لواء يوم القيامة ، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان - الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6177- خلاصة الدرجة: [صحيح . نسأل الله ألا يفضحنا. الله يحاسب يوم القيامة كل واحد بمفرده ويقول { بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخذ بيده ، إذ عرض رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ويستره ، فيقول : أتعرف ذنب كذا : أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول : نعم أي رب ، حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه هلك ، قال : سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم ، فيعطى كتاب حسناته . وأما الكافر والمنافق ، فيقول الأشهاد : { هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين } . .الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 2441.خلاصة الدرجة: [صحيح]} فإن فضل الله واسع سبحانه وتعالى.
قوله { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} في مقابلها {ولله ميراث السموات والأرض} هو الذي أعطاكم قبل أن تموتوا وهو الذي يرثكم بعد أن تموتوا فلماذا تبخلوا فيما طلب منكم أن تنفقوا فيه؟. الله هو الذي يعين المنفق على الإنفاق فعندما يرزقك الله المال ويعطيه لك ليس لذكاءك وغباء الآخرين وإنما هو رزق ساقه الله إليك بكرمه وفضله ويبتليك فيه{ هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ (من 38 محمد)} هذه فلسفة كثير من الناس لا يفهمها. تقول لأحد الميسورين تبرع بمال فيبخل ويظن أنه أساء إلى هؤلاء ولكن أنت أسأت إلى نفسك، يبخل عن نفسه كأنه يقول لله أنا لا أريد هذا الأجر في الآخرة. هذا هو لسان حاله ولذلك الآيات { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران } فيها معنى انتهز الفرصة ومنها في المال الذي تنفقه وهو مهم في قضية المسارعة فبإمكانك أن تنفقه في الجهاد ونشر العلم وفي طباعة الكتب قبل أن يفوتك هذا الخير. والعجيب أنه يموت البخيل ويترك هذا المال الذي بخل به على نفسه حسرة للورثةفهو يورث . سمعت قصة أن أحد التجار كان يبني مسجداً قبل أن يموت ثم مات قبل أن يكتمل المسجد فأوقفت كل الأعمال ليقتسم الأبناء التركة والأبناء بخلوا على أبيهم أن يكملوا المسجد من حصصهم بقيت 400 ألف لم يدفعوها مع أن الأب ترك الملايين، انظر ماذا يحدث بعدك؟ فأنفق وقدم لنفسك، قال سبحانه وتعالى { وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ (من 223 البقرة) } . وبعض التجار يتحسس من شىء ليس مطالبا به فالناس يتكلمن عن مشروع يعجبه فيدفع المال للمشروع ولكن المشروع يقدر الله أن يفشل فينزعج التاجر. نقول لا تنزعج فإن الذي عليك هو النيّة الصادقة ينتهي دورك عند دفعك للمال ويكتب لك الأجر. أما الثمرة والنتيجة فلست مطالباً بها. لو جاءك واحد ورأيت أنه صادق واعطيته ثم ظهر أنه سارق فقد كتب أجرك. ما بعد ذلك ليس مما تطالب به. صحيح أن الحرص والنظر في أين يذهب المال هذا مطلوب ولكن وقوع الفشل لا يعني أن تتوقف عن الدعم. ويدخل إبليس على التجار والمحسنين من هذا الباب بأن تتشكك أن يكونوا سارقين أو أن يفشل المشروع . أقول سبحان الله المفروض أن أجرك سيكتب كاملا لما تُخرج المال حتى لو سرق من أول ليلة . طبعا الإنسان يتأكد ويتثبت ولكن إياك أن تمنعه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رجل : لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد سارق ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق على سارق ، فقال : اللهم لك الحمد ، لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق الليلة على زانية ، فقال : اللهم لك الحمد ، على زانية ؟ لأتصدقن بصدقة ، فخرج بصدقته . فوضعها في يدي غني ، فأصبحوا يتحدثون : تصدق على غني ، فقال : اللهم لك الحمد ، على سارق ، وعلى زانية ، وعلى غني ، فأتي : فقيل له : أما صدقتك على سارق : فلعله أن يستعف عن سرقته ، وأما الزانية : فلعلها أن تستعف عن زناها ، وأما الغني : فلعله يعتبر ، فينفق مما أعطاه الله . الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1421خلاصة الدرجة: [صحيح]} الله يتقبل الصدقة . صحيح أن النفس تتشوف أن يرى ثمرة ماله، نعم. ولكن لا تغفل هذا الجانب. فأنت تتعامل مع الله ولا تتعامل مع الناس.

ملحظ آخر وهو موضوع المنة في الصدقة بعض المحسنين رأيناه يكاد يمن عليك وأنت تطلب مالاً لدعم مشروع خيري ويسأل من يشرف على المشروع؟ وما هي الضمانات؟ أنا محسن أنا أخبرتك عن هذا المشروع وسأتحمل عنك تبعة هذا. فإياك أن ترى أنك متفضل بل أنا المتفضل عليك وأسلوبك في التعامل هذا ومحاولة إبانة أنك تبحث عن الضمانات هذا فيه نوع من المنّة. ونلاحظ أن ما رأيت إنساناً يتشرط في إعطاء الصدقة إلا رأيت أن الصدقة لا تبلغ أثرها وإذا كان المحسن سمح النفس في صدقته يبارك الله فيها. بعض الناس تسأله هل تريد شيئاً يقول أبدا إفعلوا ما بدا لكم أسأل الله أن يتقبلها فتجد من أسباب البركة شيء لا يوصف. يقول إنسان هذا البئر أريدك أن تحفره في أفقر مكان وعند أحوج الناس يكادون يموتون من العطش لماذا يشترط هذا ؟ أو أحدهم يريد أن تصرف زكاته لطالب شريعة متعلم لغة عربية ذو مال، أقول لا تتشرط. ينبغي لنا عندما نتصدق أن يكون الإنسان سمحا.
{ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } هو بخل بشيء هو من فضل الله وهو الذي أعطاك ففي هذا نوع من إساءة الأدب مع الله . تعطي شخص مليون ثم تطلب منه خمسين ريالاً فيقول لماذا خمسين؟ . الله يعطيك ثم يطلب منك من باب الإختبار ثم يثيبك عليه { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة } هذا هو الإبتلاء . تستوقفني قصة الثلاثة من بني إسرائيل دائماً الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى والأقرع والأبرص { إن ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص وأقرع وأعمى ، بدا لله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكا ، فأتى الأبرص فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن ، وجلد حسن ، قد قذرني الناس ، قال : فمسحه فذهب عنه ، فأعطي لونا حسنا ، وجلدا حسنا ، فقال : أي المال أحب إليك ؟ قال : الإبل - أو قال البقر ، هو شك في ذلك : أن الأبرص والأقرع : قال أحدهما الإبل ، وقال الأخر البقر - فأعطي ناقة عشراء ، فقال : يبارك لك فيها . وأتى الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : شعر حسن ، ويذهب عني هذا ، قد قذرني الناس ، قال : فمسحه فذهب ، وأعطي شعرا حسنا ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : البقر ، قال : فأعطاه بقرة حاملا ، وقال يبارك لك فيها . وأتى الأعمى فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : يرد الله إلي بصري ، فأبصر به الناس ، قال : فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم ، فأعطاه شاة والدا ، فأنتج هذان وولد هذا ، فكان لهذا واد من إبل ، ولهذا واد من بقر ، ولهذا واد من غنم ، ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته ، فقال : رجل مسكين ، تقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال ، بعيرا أتبلغ عليه في سفري . فقال له : إن الحقوق كثيرة ، فقال له : كأني أعرفك ، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله ؟ فقال : لقد ورثت لكابر عن كابر ، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت . وأتى الأقرع في صورته وهيئته ، فقال له مثل ما قال لهذا ، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا ، فقال : إن كنت كاذبا صيرك الله إلى ما كنت . وأتى الأعمى في صورته ، فقال : رجل مسكين وابن سبيل ، وتقطعت بي الحبال في سفري ، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري ، فقال : قد كنت أعمى فرد الله بصري ، وفقيرا فقد أغناني ، فخذ ما شئت ، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخدته لله ، فقال : أمسك مالك ، فإنما ابتليتم ، فقد رضي الله عنك ، وسخط على صاحبيك .الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3464خلاصة الدرجة: [صحيح]}

وما أكثر ما نراها من الناس عندما يأتي سائل يرده الناس ردا عنيفا وقد نهى عن ذلك { وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ (من 38 محمد)) في حين أن الله تعالى غني عنك وهو الغني ونحن الفقراء.

وفي قوله سبحانه وتعالى { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) البقرة } } يذكر الشيخ الشعراوي لفتة جميلة أن هذا من إحترام الله لعبده كأن هذا المال ماله هو والمفروض ان يقول اعطني مما أعطيتك ولكن الله يحترمك كأنه مالك أنت الذي كسبته بنفسك يقول أقرضني غياه وإعطي عبدي هذا من مالك وأنا أعوضك بالخلف في الدنيا ثم تأتي المضاعفة التي لا حدود لها في الآخرة وهذا إحترام لإرادة العبد وإختباره وتكريمه. وهذه ترتبط بها الثواب والعقاب عندما يعطيك حرية الإنفاق فيترتب عليها الثواب والعقاب { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (من 9 الحشر)} وفينل من يتغلب على هذا الشح وما أكثرهم وفينا من يوفقه الله فيتغلب على الشح.وينفق في سبيل الله.

(وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) إيراد هذه الجملة فيما يتعلق بالبخل واضح جدا . أنك تبخل ولكن الله سبحانه وتعالى له ميراث السماوات والأرض غني عن مالك وصدقتك. فإذن أنت الذي بحاجة لله سبحانه وتعالى. عندما نتأمل الآية بعض الناس يقول ليت فلان من الأغنياء يعطيني بعض المال ولا يقول يارب أعطني. كما حدث مع قارون لما خرج في زينته { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) القصص} لو قدّر الله -وهو نادر- جاءك رزق من فلان تجد أنك تشكره أكثر مما تثني على الله سبحانه وتعالى مع أن الله جعله سببا في وصول المال إليك . جاءت إمرأة إلى عمر بن عبد العزيز ومعها يتيمات لها ليعطيهم من العطاء. فلما أعطى الأولى قالت الحمد لله ولما أعطى الثانية قالت الحمد لله ولما أعطى الثالثة قالت شكر الله لك يا أمير المؤمنين قال أما وقد رددت الفضل إلى أهله فإنا كُنا نعطي وأما وقد جعلت الفضل إليّ فدعي هؤلاء يواسين الرابعة. علينا أن ننسب الفضل لله تعالى.

قصة عن صالح الراجحي وهي مشهورة ذكرت في الكتاب الذي أُلّف عنه وهي قصة فيها عبرة. وكان رجلا يعمل في بداية حياته لما جاء إلى هنا حمالا يحمل المتاع . هذا الرجل الغني بدايته جِدّ وكدّ وتعب . كان يمشي في شوارع الرياض فمر الملك عبد العزيز في موكبه وكان من عادته أن يفرّق المال على الناس خاصة بعد أن أنعم الله بنعمة البترول . فلما مرّ رأى هذا الرجل يمشي فرمى له ببعض الريالات فمر صالح من عندها ولم يلتقطها فتعجب الملك من ذلك الرجل وهو على غير عادة الناس. قال لصاحب السيارة قف وارجع لماذا لا تأخذ المال؟ قال أنا غني عنه ,الذي أعطاه يعطيني. يقول هذه الثقة بالله جعلت الله يعطي هذا الرجل عطاء واسعا حتى أنه صار في سنين لا يعرف كيف يؤدي زكاته ويبحث عن مخارج في كيف يخرج الزكاة من كثرتها تبقى شهراً كاملاً والناس يصطفون لأخذها حتى ينهيها قبل أن يذهب للعمرة. إذا وثق الإنسان بالله سبحانه وتعالى وجعل الأمر إليه سيجد كيف يحصل من الخير.

(وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) ختم بالعلم والخبرة ومرت قبل ذلك وهي هنا مرتبطة بأن البخل دسيسة في النفس وتظهر في العمل. فقال هذا الذي تعملونه الإنفاق أو عدم الإنفاق هو عمل والله خبير به ومجيء خبير تدل على العلم بما في النفوس من دسائس. قد تخفى على الناس

(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181))

المقصود بها طائفة من اليهود الذين تجرؤا وقالوا هذه الكلمة الخبيثة فيها روايتان يقال { دخل أبو بكر الصديق , بيت المدراس , فوجد من يهود أناسا كثيرا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له : فنحاص , وكان من علمائهم وأحبارهم , ومعه حبر يقال له : أشيع . فقال أبو بكر : ويحك يا فنحاص , اتق الله وأسلم , فوالله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله , قد جاءكم بالحق من عنده , تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل , فقال فنحاص : والله _ يا أبا بكر _ ما بنا إلى الله من حاجة من فقر , وإنه إلينا لفقير ! ما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا ! وإنا عنه لأغنياء , ولو كان عنا غنيا ما استقرض منا كما يزعم صاحبكم ! ينهاكم عن الربا ! فغضب أبو بكر , فضرب وجه فنحاص ضربا شديدا وقال : والذي نفسي بيده , لولا الذي بيننا وبينك من العهد لضربت عنقك يا عدوا الله , فأكذبونا ما استطعتم إن كنتم صادقين , فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد , أبصر ما صنع بي صاحبك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال : يا رسول الله , إن عدو الله قد قال قولا عظيما , زعم أن الله فقير وأنهم عنه أغنياء ! فلما قال ذلك غضبت لله مما قال , فضربت وجهه , فجحد ذلك فنحاص وقال : ما قلت ذلك , فأنزل الله فيما قال فنحاص ردا وتصديقا لأبي بكر : { لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء } الآية .الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 1/444. خلاصة الدرجة: إسناده جيد أو صحيح} وبعض الكتب تقول هذا لا يليق بخُلُق أبي بكر الرجل الأسيف ولكنه ليس كذلك إذا انتهكت حرمات الله بل هو من أقوى الصحابة.

وهذه الآية { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } فيها فائدة أن التعبير في القرآن الكريم "قد سمع الله " إشارة أنه كان في مجتمع سري أو مغلق وإنها لم تكن مما يقوله اليهود علنا ويكثرون منها ويتوقعون ألا تُعلن ولكن كشفهم الله وفضحهم. قالت عائشة رضي الله عنها {عن عائشة قالت الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلمه في جانب البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل { قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله } الآية .الراوي: عائشة المحدث: ابن عساكر - المصدر: معجم الشيوخ - الصفحة أو الرقم: 1/163.خلاصة الدرجة: صحيح)

فنحاص جاء يشتكي ابا بكر فذكر أبو بكر ما قاله فنحاص فأنكر فنحاص فجاءت الآية شهادة من الله سبحانه وتعالى تؤكد معنى أن هذا المجتمع مغلق واستطاع فنحاص أن يُنكر وما عند ابي بكر ما يُثبت هذا الكلام فجاءت الشهادة من الله (قد سمع الله). وبمناسبة ذكر فضل أبى بكر الصديق أنه في غزوة أحد عندما جرح النبي وقتل بعض أصحابه وانسحب أبو سفيان بالجيش فنادى أبو سفيان هل فيكم محمد؟ فسكتوا بأمر النبي صلى الله عليه سولم، قال هل فيكم ابن أبي قحافة؟ (الذي هو أبو بكر.) فسكتوا، فقال هل فيكم ابن الخطاب؟ فسكتوا، فقال أبو سفينان قد كفيتم هؤلاء (ما دام هؤلاء قد قتلوا فقد ضاع أمركم) فما تمالك عمر بن الخطاب نفسه فقال قد أبقى لك الله ما يسوؤك، يستفاد من هذه القصة فائدة أن ترتيب الصحابة أبو بكر ثم عمر ترتيب حتى عند المشركين يعرفونه يعرفون أن أحق الناس بالولاية بعني النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر. ثم عمر وهذا أيضاً دليل يؤكد أحقية هؤلاء بالخلافة ويناقض ما يقوله الشيعة أنهم يقدمون علي على أبي بكر وعمر.

(لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)) الكلام عن البخل، لكن هل المراد الإخبار بأن الله سمع أم المراد لازم الخبر وهو التهديد؟ المراد التهديد والوعيد بلا شك. وإن كان بعض الناس خلط فجعل اللازم هو المقصود وما عداه ليس بمقصود نقول لا، سمع بمعناها المعروف في اللغة وأن الله يسمع الأصوات سمعا وله سمع يليق به ولكن اللازم أيضا مقصود وذلك أن الله يتهددهم ولذلك جاء بعدها { سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )

أليس من عقيدتنا أن كل ما يحدث هو مكتوب ؟ إذن فلماذا يكتب مرة ثانية؟ هذا من تمام الضبط والإحكام في أمر الله عز وجل. الأشياء مكتوبة قبل الخلق في كتابه وعند النفخ وفي بداية كل سنة وفي بداية كل يوم وأيضا بعد العمل فيه كتابة وكلها متطابقة لا خلاف بينها.ولا تباين ولا اضطراب

من فوائد الآية لما قال { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } أن حكاية مثل هذا الكلام الذي لا تقبله النفس. ولولا أن ذكره الله لم يتجرأ أحد أن يقوله. فمن قال هذا في حقه هو تنقّص وأيما تنقص ومع ذلك ذكره الله نلاحظ بعض طلاب العلم يأنف من ذكر كلمة أو معتقد ويزعم أحياناً أن هذا فيه إشارة للشبهة. فنقول ليس هذا هو المنهج القرآني. نعم قد يكون هناك شبهة في بعض الأمور ولكن ليس هو المنهج يجب أن نفرق بين الأصل وما يخرج عن الأصل. الأصل أن إيراد الشبهة كاملة منهج قرآني، ذكر الكلام بمعايبه منهج قرآني ونلاحظ بعض طلبة العلم ممن يحقق بعض المخطوطات يواجه كلاماً لا يوافق عليه (مثل بجاه النبي) وهو يخالف هذا يقول ذكر المؤلف كلمة كذا. وأذكر أيضا نقلاً ذكره ابن عطية في (المحرر الوجيز) في قول تعالى (من شر غاسق إذا وقب) قال ابن عباس كذا قال كلام لا يمكن أن يقوله ابن عباس، هذا التصرف ليس سليماً وليس من الأمانة العلمية وليس من الفقه. هل سنكون الآن على المنهج الذي ربانا عليه القرآن ليس هذا هو المنهج وإلا فلماذا تضع نقط على هذا الكلام؟ هل هناك أشنع من هذا الكلام على الله؟ هم ينسبون إليه الفقر.

ومن الفوائد أيضا من الآية سوء أدب اليهود مع الله ومع الأنبياء. كنت أقرأ في تلمود اليهود قرأت فيه كلاما في غاية الوقاحة والبشاعة والقبح مع الله ومع غير اليهود ثم وفي نفس اليوم أقرأ هذه السورة فوقفت عند هذه الآية وأقول سبحان الله لا تستغرب على اليهود هذا الحقد وسوء الأدب إذا كانوا أساؤا الأدب مع الله وقتلوا الأنبياء. لماذا نتوقع منهم اليوم من العدل والإنصاف؟ هذا من الجهل. بحقائق الأمور

نلاحظ فائدة أنه ثنّى على مقالتهم أنهم قتلوا الأنبياء الذي لا يحترم الله لا يحترم الأنبياء ولذلك قال (سنكتب ما قالو) وسنكتب أيضا قتلهم الأنبياء، أشار إلى هذا الذنب بالذات يعني أن هؤلاء الذين لا يعرفون قدر الله لا يعرفون قدر أنبيائهم، قد نستغرب كيق يقدمون على قتل نبي، إذا كان قدر الله عندهم بهذه الصورة فما هو موقفهم من الأنبياء؟!. أقل. ما قال "ونقول لهم ذوقوا" بل قال "ونقول ذوقوا" مقابل لما قالوه قاتلهم الله أنى يؤفكون. ثم يقول مبينا السبب { ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ }. لا يظلم وقد حرم الظلم على نفسه. هم يفعلون كل هذا على علم وعلى بينة وبالرغم من ذلك يكذبون ويتهمونالله بهذه الفرية العظيمة ولذلك كان الغضب عليهم { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) الفاتحة} لأنهم علموا ولم يعملوا. ما أوقح هؤلاء اليهود! من كلامهم على الله وقتلهم الأنبياء وقولهم على عيسى وأمه واتهامها أنها زانية. لما تتأمل تاريخهم خاصة تاريخهم الأخلاقي تجده في غاية السقوط. ولعله من إبتلاء للمسلمين في هذا الزمان ولعل إرتفاع شأن اليهود في هذا الزمان الآن هو عقاب لنا بعد تنازعنا وضعفنا .فأدام الله هذه الشرذمة التي حكى الله عنها في كتابه من سوء الأخلاق والسقوط وعصيان الله دليل في أننا حاجة ماسة للعودة إلى الله. ولذلك بعض اليهود قالوا لن تنتصروا علينا أيها المسلمون حتى يكون عددكم في صلاة الفجر كتعدادكم في صلاة الجمعة، هذا مؤشر، أنتم لستم ملتزمون بدينكم. المؤشر هو إقدامكم على صلاة الفجر. وفعلا في صلاة الجمعة أعداد كبيرة ولكن أين هم في صلاة الفجر للأسف؟

{ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } كيف نفى بصيغة المبالغة ولم يقل ليس بظالم للعبيد. بعض العلماء يقولون أن نفي الأكثر هو نفي للقليل هذا صحيح لكن نقول ما وجهه؟ مثل "زوارات" لعن الله زوارات القبور .الراوي: - المحدث: موفق الدين ابن قدامة - المصدر: الكافي - الصفحة أو الرقم: 1/275.خلاصة الدرجة: صحيح }. استنبط منها البعض أن يجوز للمرأة أن تزور مرة أو مرتين فلا تكون زوارة (صيغة مبالغة). والبعض قال زوارة مثل ظلام للعبيد. نحن نؤمن بأن الله لا يظلم مثقال ذرة ولذلك نستغرب لماذا قال ظلام؟. يقال جاء مناسبة مع كثرة العبيد،. لا يظلم هذا ولا يظلم هذا فإنه ليس بظلام. كما نلاحظ قول "للعبيد" لماكان أمرا لا يختص بالمسلمين بل يخص المؤمن والفاجر و خيّر وشرير قال للعبيد أي نفى الظلم عن كل عبد لله لكن لما يكون الخطاب للمؤمنين ينسبهم إليه { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) الحجر} ينسبهم لنفسه إضافة تشريف وتكريم. المراد هنا الكلام ليس مراد به المؤمنون بل كل الناس.
 
الحلقة 35
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)

لقد ختمنا كلامنا في الحلقة السابقة ببيان بعض الفوائد في قوله تعالى (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (182)) لماذا جيء بصيغة "ظلام" ولم يقل "ظالم" للعبيد. وقلنا فائدة أخرى في قوله تعالى "العبيد" ولم يقل "العباد" وذلك ليشمل الناس كلهم البر والفاجر فهؤلاء لا يضافون إلى الله عز وجل لأنه لا يضاف منهم لله عز وجل من لا يتمثل العبودية الإختيارية. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) الكهف} إضافة إليه لأنه قام بحق العبودية . وأيضا {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) الزمر}. ونضيف أن الآية فيها تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الظلم بالإضافة إلى أن صيغة المبالغة (ظلام) جيء بها لتتناسب مع صيغة الجمع في "العبيد". فيها إشارة أيضا أن الله سبحانه وتعالى وبالرغم أنهم عبيد له منقادون ليس لهم من الأمر شيء إلا أنه سبحانه وتعالى منزّه عن ظلمهم. والأصل أن السيد لا يُسأل عن ظلم عبيده وعن تصرفه معهم فهم لا يستطيعون أن يشتكوا لغيره لأنه هو سيدهم والمتصرف بأمرهم والله صاحب القدرة المطلقة الذي يخاف من الظلم هو الذي يخاف من عاقبة الأمر. السيد عندما يتورع عن ظلم عبيده فإنما هو خوفاً من العاقبة والله سبحانه لا يخاف العاقبة وبالرغم من ذلك أنه من كمال عدله أنه لا يظلم مقدار ذرة مع أنه لا يسأل عما يفعل وهذا من صفات كماله سبحانه وتعالى وعلوه وينبغي عندما نقرأ هذه الآيات نلاحظ وأنت تقرأ في سورة آل عمران والقرآن كله هل تجد شخصية النبي صلى الله عليه وسلم تظهر لك في هذه السورة؟ هذه الآيات التي نزلت الآن فيها وعظ وتهديد وبيان وتسلية كلها لا تدل على أن المتكلِّم بالقرآن هو النبي صلى الله عليه وسلم وهو في هذه المعركة وبعد هذه الجراح وإنما هي إشارة فيها دلالة إلى أن المتحدث هو من يملك الدنيا والآخرة ويعرف الغيب ويثيب ويعاقب ويتوعد ويتهدد وهو سبحانه وتعالى حتى يقول {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) آل عمران} ويقول {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) آل عمران }وأيضا {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران }. كما ذكر د. محمد بن موسى في كتابه القيم الإعجاز القرآني أنك عندما تقرأ كتب البشر تستطيع أن تستخلص شخصية المؤلف ولما تقرأ قصيدة تستخلص شخصية الشاعر وفي القرآن لا تستطيع أن تجد وراءه شخصية بشرية لا تجد فيها ما في البشر من الغضب والنوازع البشرية لا تجد إلا علم وقدرة وإحاطة. وهذا كان سبب إيمان بعض المشركين والمعاصرين من النصارى. هذه اللفتة كانت سببا لإيمان بعضهم منهم من قال أنه كان يتوقع أن الكتاب لمحمد فراح يبحث عن شخصية محمد فلم يجد وجد أن المتكلم إنسان آخر وأن محمد مجرد مبلِّغ. وعلى العكس من ذلك الذي يقرأ في التوراة لا يجد فيها إشارة أو دلالة على أنها من عند الله ولا حتى من عند موسى ولا عيسى وفيه إشارة أن الذي كتب هذه التوراة والإنجيل أنه شخص ثالث لا هو الله ولا هو النبي الذي يزعمون أنه جاء بهذا الكتاب. ولذلك يقولون أن أقدم النسخ التي عثر عليها من التوراة بينها وبين موسى 300 سنة. والأناجيل أيضا التي كتبت بينها وبين عيسى مفاوز ومن كتبوها ليسوا من تلاميذه ولا من حواريه ولذلك فيها من التحريف الشىء العجيب، الله تعالى تكفّل بحفظ هذا القرآن. ولذلك عندما نتحدث في مجالسنا هذه الآية تدل على كذا وانظر إلى قوله تعالى كذا فنحن مطمئنون أن هذا حق وأنه كلام الله ونحن مطمئنون أن لم يدخله أي تحريف. وإن كان دخله تحريف لوجدنا في أنفسنا شيء في الإستنباط. ولكن عندهم في التوراة والإنجيل لا يوجد هذه الطمأنينة والشعور بالنعمة والفضل الذي امتن الله به على أهل القرآن.
وقلنا أن صيغة ظلام جيء بها من أجل الجمع ولهذا شاهد في سورة غافر قال تعالى {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) غافر} فلما جاء بالذنب جاء بغافر ولما جاء إلى قوله تعالى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه} لما جاء للجماعة , لكل من تاب هو غفار مهما كثر ومهما كثرت ذنوبهم جاء بـ"غفار" صيغة مبالغة.

{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}

هذا تابع لما قبله {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } (من 181 آل عمران ). هذا من جدل القرآن فهو يذكر شيئا من جدلهم ويرد عليهم ردا مفحما فيقول إن هؤلاء قالوا إن الله عهد إلينا على لسان الرسول الذي جاء إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار .يعني أنت يا محمد ليس لديك هذه الميزة أو الخصلة فنحن لا نؤمن لك حتى تكون كذلك. الله يرد عليهم { قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. الذي قلتم أي بالقربان تأكله النار. وهذا يدل على أنكم كاذبون في دعواكم وأن هذه الدعوة مجرد مماحلة ومماحكة لا طائل من ورائها. في الأمم السابقة كما في قوله سبحانه وتعالى { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة} كيف تُقُبِل؟ قالوا أن الله إذا قرّب أحدهم شيئاً يرسل نارا فتحرق القربان فتكون هذه علامة على قبوله وسار ذلك في الأنبياء. ولذلك قصة طريفة يقولون بنى عبد الملك بن مروان دارا وبنى الحجاج بن يوسف دارا فجاءت صاعقة فأحرقت دار عبد الملك فتشاءم بذلك فجاءه الحجاج فقال يا أمير المؤمنين قد تقبل الله قربانك ولم يتقبل قرباني فسُريّ عن عبد الملك. لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ما خص به الله عن بقية الأنبياء قال {قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحلت لي الغنائم . الراوي: جابر بن عبدالله المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3122. خلاصة الدرجة: [صحيح]} فنحن الأمة الوحيدة التي أحل الله لها الغنائم. هذه أراد اليهود أن يستغلوا هذه الثغرة ضد النبى صلى الله عليه وسلم ولكن جاءت على رؤوسهم. هناك أنبياء تقبل الله قرابينهم ونزلت النار على ما تقربوا به إلى الله ومع ذلك ما آمنتم بهم!. يا كذبة إذاً أنتم تريدون المماحكة!..
فائدة في المناظرة انظر كيف يلقن الله الحجة للنبي { قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} هذا ما كان يعرفه النبي ولكن الله يلقنه ويعطيه الحجة. ولما قال (بالبينات) دلالة على أن البينة التي يعرف بها أنه رسول أم لا أن هذه الأشياء ليست هي البينات. هذا الكتاب الذي جاء به محمد هو البينة الدالة على أنه رسول من عند الله كما قال تعالى { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت} إن كنتم تطلبون آيات فقد جاءت هذه الآية العظمى أليست كافية بأن تؤمنوا بأنه رسول الله وأنه جاء بالبينة الحقة من الله. بعض الناس ربما يقول في نفسه أنا أرى أن دلالة معجزة موسى على نبوته أقوى من معجزة القرآن على نبوة محمد. معجزة موسى عصا يلقيها فتنقلب ثعبان وتأكل الثعابين يرى بعض الناس أن هذه دلالة أقوى والله يقول .{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) العنكبوت}. في هذا إشارة أن دلالة القرآن على نبوة محمد أشد من دلالة معجزات الأنبياء السابقين على نبوتهم ولكن نحن فينا نقص وضعف في إدراك هذه الحقيقة من إدراك أعجاز القرآن بما فيه من الأسرار والحجج الجازمة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ضعف فينا وخلل يجب علينا جميعا تداركه وأن نحيي في الأمة العناية بالقرآن ولغة القرآن حتى يتذوقوا هذه الأسرار التي جعلت القرآن حجة أبلغ من الحجج السابقة ولذلك تسمى الآية الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم على نبوته. فكما أن موسى كانت معجزته العصا فإن القرآن هو الآية الكبرى للنبي على نبوته.

يقول { قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. فيها دلالة على أهمية معرفة التاريخ وأن من يناظر أمثال اليهود والنصارى وغيرهم ينبغي أن يكون عارفا بالتاريخ حتى يستطيع أن يحتج عليهم..قد جاءت رسل بهذه القرابين وما آمنتم بهم. وهذه مسألة تاريخية فيها الدلالة على أهمية معرفة التاريخ عموما وتاريخ من تناظرهم خصوصا.

في قوله { فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} هذه تكرر معناها في القرآن وفيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم أنت لست بدعا في هذا الطريق إن كنت كُذبت وأنت تضيق ذرعا بتكذيبهم لك فهناك رسل قد كذبوا قبلك جاءوا (بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ) بمعنى أنهم جاءوا بالشيء الواضح التام الذي تقوم به الحجة أنه مرسل من الله ومع ذلك كذبوا. فما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ليس بدعاً فليس بدعا أن يكذبوا رسول الله خاصة من هذه الأمة التى بلغت من البعد عن الحق الشيء الكثير جداً. ما آمنت بما رأت وهي تراه أمامها فكيف بشيء غيبي بما يخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بما عنده وهم يعلمون ان ما أخبرهم به هو الحق ولكن هذا هو الحسد.

لما قال بالبينات ثم قال والزبر والزبر جمع زبور ومادة زبر بمعنى كتب. ما الكتاب المنير هنا؟ الزبور إشارة لما سبق من الكتب والكتاب المنير إشارة إلى ما نزل على الرسول. أو أن تكون كلمة الكتاب اسم جنس بأنه الكتاب المنير الواضح إشارة إلى أنه ينير الطريق . البينات واضحة في نفسها والكتاب المنير فيه إشارة أنه ينير الطريق. وممكن ان نقول أن الزبر إما يراد به ما أنزل على الأنبياء السابقين أو الزبر ما أنزل على الأنبياء والكتاب يكون الجنس وهي الكتب التي أنزلت بما فيها كتاب النبي. ومعروف أن الزبور هو ما نزل و { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) الأنبياء} فسرها كثير من السلف بأنها التوراة.

أظن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطمع في أن اليهود تسلم لأن ما عنده من الحق يوافق ما هو مزبور في كتبهم. كان يتطلع إلى ذلك أنه لما تأتيهم أدنى بينة من عندي توافق ما عندهم فيؤمنون لي، الله يقول له انتبه { فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ }صار عندهم أوضح بينة وأعظم معجزة فكذبوا، فإطمئن يا محمد ولا تحزن ولا تجزع إن كُذبت من قبل هؤلاء. وكان صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه يحب أن يوافقهم فيما ليس عنده فيه وحي حباً بالخير ولأنهم أصحاب كتاب حتى أمر بمخالفتهم فيما يفعلون. هو جاء من مكة وكان أهل مكة مشركين فكان يتوقع من أهل الكتاب أن يؤمنوا به وقد أسلم منهم كثير مثل عبد الله بن سلام وكان لإسلامه صدى فقد كان حبرا من أحبار اليهود. وقد سعد النبي بإسلامه { لو آمن بي عشرة من أحبار اليهود لآمن بي كل يهودي على الأرض ، أو على ظهر الأرض .الراوي: أبو هريرة المحدث: ابن القيسراني - المصدر: ذخيرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم: 4/1994 - خلاصة الدرجة: [فيه] محمد بن سليم ليس بالقوي}. ولكن الذين أسلموا من اليهود هم من غير الأحبار.

{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}. هذه الآية لما جاءت في هذا الموطن هل لها مناسبة؟ كأنها والله أعلم أن هذه إشارة إلى أنها سنة إلهية . بعد المعركة هناك من قتلوا واستشهدوا وناس نجوا هل معنى هذا أنهم سلموا سلامة لا موت بعدها؟ لا. وانما هي آجال، هي مسألة آجال مكتوبة ومحددة، وجاءت عاقبة القصة كلها أن الله محاسب الذين كذبوا والذين خذلوا وأيضا الذين صبروا . فقال تعالى { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} وهذه قاعدة قرآنية لا يتخلف عنها أحد. ولاحظ أنه عبر بـ(ذائقة) التذوق باللسان لكنه عبر هنا بالموت كأن فيه شىء يذاق. ثم قال { وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فالحساب والعقاب والثواب الحقيقي هو ما يكون يوم القيامة يوم الحساب والفوز والنصر الحقيقي هو أيضاً هناك. فكأنها مناسبة لختام الحديث عن المعركة والدروس التي أخذت منها والحديث عن اليهود وما تقدم.جاءت الآية كأنها تذييل لهذه القصة. لاحظ (زحزح) معنى مكرر يدل على معنى التدافع كأنه يُدفع شيئاً فشيئاً عن النار كما في كبكبوا . كرر زح زح ويسمونها الرباعي المضعف مثل زلزل وزحزح وكبكب وجلجل. وفي الغالب تجد الدلالة المعنوية موافقة للنطق اللفظي وهذا من أسرار العربية أن مطابقة اللفظ للمعنى. عندما تقول جرجر تلاحظ فيه جر شيئاً فشيئاً، زحزح كأنه زح زح قليلا قليلا. لاحظ أن الأصل أن الإنسان في نار جهنم { وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) العصر} وقال في سورة مريم { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) مريم}.ونلاحط كلمة "نذر" هنا. (من زحزح عن النار وأدخل الجنة) والإدخال لا يكون إلا برحمة الله نسأل الله أن يزحزحنا عن النار وأن يدخلنا الجنة بعظيم فضله ورحمته.

ويدلك على أن النجاة من النار تحتاج إلى بذل وإلى العمل والجهد والبذل, هذه الزحزحة لا تأتي بمجرد التمني وإنما لا بد من العمل. ابتلاءات أُحد كأنها من أجل هذه الزحزحة. وكذلك قال { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)} العقبة هي العمل الصالح . ما هو؟ فَكُّ رَقَبَةٍ (13) البلد} العقبة هي العمل الصالح،. من يقتحم هذا العمل الصالح؟ فأعطى المثال فقال {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} مسغبة أي جوع شديد ثم قال {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)}. إذا نحن عندما نريد أن نقي أنفسنا من نار جهنم نحتاج إلى كثير من الجهد والعمل والبذل حتى ننقذ أنفسنا ولذلك قال تعالى { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) الأعلى}. تزكى أي تفعل والتفعل يحتاج إلى بذل وتكلف والنبي صلى الله عليه وسلم قال {اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال : اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى ظننا أنه ينظر إليها . ثم قال : اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة .الراوي: عدي بن حاتم الطائي المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6540.خلاصة الدرجة: [صحيح]}. كأن النار فيك فيك ولكن إتقي الله بشق تمرة. في ختام سورة آل عمران قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) آل عمران } أي اصبروا فإذا صبر عدوكم تحتاجون أن تغالبونهم في الصبر، مصابرة ، صابرنا ثم قال رابطوا { وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}

لاحظ في قوله زُحزح وأُدخل مبني للمجهول للعناية بالحدث وترك المحدِث. كما أنه قدم الزحزحة عن النار من باب التخلية على إدخال الجنة من باب التحلية وهو ترتيب واقعي فكما يقول النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة أحد إلا وقد صُفّي. وكأن من زحزح عن النار أنه قد لامسها ثم بعد عنها شيئا فشيئا حتى يخلص منها ثم يدخل الجنة ولهذا قال (فقد فاز) إذن بداية الفوز دخول الجنة. قيل للإمام أحمد متى تجد الراحة يا إمام؟ قال عند أول قدم أطؤها في الجنة. حتى بعد الخروج من النار وقبل دخول الجنة هناك قنطرة يقف عليها المؤمنون فيُصفى ما بينهم لأنه لا يدخل الجنة أحد وفي قلبه شيء على أخيه. سنجد أهوالاً عظيمة نسأل الله أن يقينا شرها ويدفع عنا ضرها برحمته.

هذا التفصيل الموجود عندنا عن اليوم الآخر غير موجود لا عند النصارى ولا عند اليهود. ولذلك يموت منهم ميت فيدعون أنه صعد إلى السماء عند إلههم المزعوم وأنه ينظر إليهم وغيره من هذا الكلام العجيب. الحمد لله المسلم عنده تفاصيل عن إذا مات كيف يغسل ويكفن وكيف يحاسب والأسئلة في القبر معروفة عندنا قبل الاختبار وعرصات يوم القيامة كذلك {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم}. كأنه ينقل لنا نقلاً حياً ولكن نجد فينا الغفلة والتساهل.

أيضا فائدة في هذه الآية { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} الزمخشري له كلمة في كتابه الكشاف في التفسير عندما فسّر هذه الآية فعلق على "قد فاز" قال فأي فوز أعظم من ذلك!؟ البلقيني يقول استخرجت من كشاف الزمخشري اعتزاليات بالمناقيش لأن الزمخشري من المعتزلة وهم ينفون رؤية الله في الدنيا والآخرة ويستدلون بقول موسى { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي (من 143 الأعراف)}. لن تراني يعني مطلقا. يقول البلقيني أن هذا من الزمخشري "وأي فوز أعظم من ذلك" هذا نفي لرؤية الله في الآخرة ورؤية المؤمنين لله في الجنة هي أعظم فوز وهو أعظم من دخول الجنة. ولكن أقول أن هناك نوع من التكلّف في قول البلقيني وليس بالضرورة أن الزمخشري قصد هذا القول ولكن لما عهد فيه أنه يدس اعتزالياته ذهب الناس لكشف تلك المدسوسات. ومن أشدهم على الزمخشري أبو حيان الأندلسي ورأيت السمين الحلبي ينتصر للزمخشري على شيخه ماذا يقصد؟ يقول هذه دسيسة اعتزالية ويأتي تلميذه فيقول هذا من الشيخ تكلف أو تحامل.
مرت قصة في هذه الآية في رمضان قبل ثلاث سنوات كنت قادماً لصلاة التراويح في المسجد فسمعت جلبة على غير العادة فاستغربت وسالت قالوا امرأة سقطت في الداخل والنساء يستنجدون فأمرت النساء أن يستتروا فإذا بالمرأة قد جاءت وصلت النافلة قبل الصلاة وهي في التحيات اضطجعت على شقها الأيسر والنساء ما يدرون ماذا يصنعون فلما دخلنا إذا بالمرأة مستلقية لا ندري ماذا بها، ومن توفيق الله أنه كان معي في ذلك اليوم أحد الأطباء وفقه الله فناديته وعمل فحصاً مبدئياً للمرأة فقال يجب حملها الآن للمستشفى ونقلها في سيارته ودخلت للصلاة وهو قال لي يظهر أنها ماتت فقرأت في الصلاة وكنا وصلنا إلى هذه الآية (كل نفس ذائقة الموت) فكنت كلما قرأت تذكرت هذه الآية وهذا الموقف وفعلاً المرأة ماتت في الليلة الرابعة من رمضان في المسجد فاتصلت بأبنائها وذهبت إليهم أعزيهم وقلت والله لو خُيرت لكنت مكانها، ميتة في رمضان بعد صيام وفي بيت من بيوت الله وهي في صلاة، الملائكة تصلي عليها ما أجمل هذه الميتة. وهذا فضل واصطفاء ونحن نتحدث عن الإصطفاء في سورة آل عمران.
 
الحلقة 36
لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)

مقدمة
وقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)} الفاصلة (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) تكررت في القرآن ولكن إذا تأملنا الآية سبق أن ذكرنا أن عندنا في كتاب ربنا من الوضوح الكامل لكل ما سيمر على المسلم وغير المسلم ومنها هذه الموازنة بين الحياة الدنيا وحياة الآخرة وبعد أن ذكر ما وعد الله به المؤمنين من الجنة قال { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} والمتاع هو ما يتمتع به الإنسان ثم ينقضي ولذلك سمي متاعاً وزاد في وصفه بأنه غرور يغتر به الإنسان إنما هو زائل. إذا تأملنا في هذه الآيات نجد أن فيها موعظة وعبرة غاية في التذكير ولكن كما قال الله سبحانه وتعالى { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) المطففين} ماذا يمنعنا أن نتعظ من مثل هذه الآيات؟ هو الرين الذي يكون على القلب وكلما كان الإنسان من ربه أقرب كان اتعاظه أكبر وكلما كانت المعاصي كثيرة على نفسه كلما إبتعد حتى يكره الموعظة ويقع عنده إعراض يصل إلى حد الكره . لماذا تذكره بخلاف ما هو متمتع به؟ والمشكلة أيضا كأن ختام الآية يشير إلى أن كون الإنسان لا يفوز بالجنة وفي كونه لا يتعظ ولا حتى يتذكر الموت أو يتنغص بذكر الموت هو الانشغال بالدنيا ولذلك قال العلماء والحكماء "حب الدنيا رأس كل خطيئة". كنت أظن هذه مبالغة ولكن وجدت أن الإنسان لا يعصي الله إلا عندما يحب الدنيا فيترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأعمال الصالحة وغير ذلك كل هذا بسبب حبه للدنيا. يجب على المسلم أن يطهر قلبه من حب الدنيا وليس المطلوب هو ألا يسعى فيها وألا يطلب المال بل المقصود ألا تقع في قلبه وألا تزاحم حرصه على الحياة الآخرة ولذلك قال { وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} المتاع عندما يذكر في القرآن يراد به الشيء الذي يتمتع به ثم يزول { مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) النازعات} ساوى بيننا وبين الأنعام ما يؤكل ويشرب لأنه يذهب ويزول. ولذلك وصف الكفار الذين لا يهتدون بهدى الله { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف} والله سوّى بيننا وبين الأنعام في جانب الاستمتاع بالأكل وبالحياة الدنيا فنحن والأنعام فيه سواء. فينبغي على المؤمن أن ينظر للآخرة وتصبح الدنيا في يده وسيلة لتلك الغاية السامية ولا يستطيع ذلك إلا من وفقه الله لذلك. تأمل في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان كيف كان من الأثرياء في زمانه وبالرغم من ذلك كان لا يسبقه أحد في البذل للإسلام وفي معركة تبوك جهز جيش العُسرة فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى فقال ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم. جمع القرآن بين أمرين في كونهما يغران الناس هما { وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (33) ( من 33 لقمان)} الغَرور وهو الشيطان. إذاً أضر شيء بالإنسان هما هذان الأمران الشيطان الذي يوسوس الذي لا يكف عن الوسوسة والحياة الدنيا التي تغر الإنسان غرورا شديدا. وقد حمعها الشاعر فقال:
إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي
الشيطان أخذ على نفسه عهدا أن يتربص بنا ويأتينا من كل الطرق المتاحة له فلا غرابة أنه يوسوس وأنه يزين. بعد أن ذكر الموت ذكر البلاء وكأن هذا تعقيب على ما ذكرنا من قبل قصة أحد. أصبتم بالموت فكل الناس سيموتون. الموت إذا مزية إلا أن يموت الإنسان في سبيل الله لغاية عظمى وناس يموتون ميتة عادية.

البلاء يصيب الجميع
طيب هؤلاء ماتوا وانتهوا , الباقين صار لهم بلاء في أنفسهم وفي أموالهم أو أي الابتلاءات التي تصيب الإنسان . ولذلك عقب بذكر البلاء قال { لَتُبْلَوُنَّ } يعني لو سلمتم من البلاء في أُحد فإن البلاء ملازم لكم. فلأن تبتلوا في ذات الله خير من أن تبتلوا في غير ذلك. هل يسلم أحد من البلاء؟ الكبير أو الصغير؟ كل لا يسلم من البلاء { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) البلد} { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء} الذي في سلامه من الإبتلاء هل يظن ألا يبتلى؟ بعض الناس لا يصاب بالأمراض بكثرة وبعضهم لا يصاب مثلا بموت أبنائه أو الفقر. هل هو بمنأى عن البلاء؟ لا بل ما هو فيه أشد مما هم فيه، فهو أيضا مبتلى. قال عبد الرحمن بن عوف ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر. فإن البلاء في السراء أيضا شديدا على النفس لأنه يحتاج إلى شكر. { لَتُبْلَوُنَّ } اللام للقسم والنون مشددة أي والله لتبلون. هذا المعنى تأكيداً لما قلنا سابقا من أن القرآن مثاني مذكور في قريب من هذه الصيغة في سورة البقرة { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة} هنا فيها تفصيل أكثر. تلك فيها تخفيف فقال "بشيء" يعني لم يتم البلاء من رحمته ألا يجمع البلاء على عبد فيبتلى في ماله ووطنه وخلافه ولكن بشيء يقلبه الله بين السراء والضراء حتى ينظر إلى عبوديته في كلتي الحالتين. وقال تعالى { إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) الشرح} لا ينزل البلاء إلا ومعه رحمة وهذا من رحمة الله. قدم الأموال على الأنفس لأن البلاء فيها أكثر والناس أكثر تعلقا بها ويقولون المال شقيق الروح.

أصل في الحرب الإعلامية
{ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } يشير إلى ما وقع من أهل الكتاب في أحد وما سيقع منهم على مدى التاريخ مع المسلمين وأنهم سيسمعون منهم أذى كثيراً. تعال نستعرض التاريخ ما قاله فنحاص اليهودي وأمثاله { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } هذه كانت شديدة على أبو بكر أشد من أن يضربوه وكذلك بعض الصحابة لأنه شعر بألم شديد لما سمعهم يسبوا الله تعالى, المشركون يعرفون أن بلال إذا سبوا الرسول فأنه أشد في أذيته من سبه هو نفسه فكانوا يسبون محمد ليؤذوه من شدة محبته صلى الله عليه وسلم . قالوا لأحد الصحابة عندما أمسكوه في مكة هل تود أنك في بيتك آمن سالم ومحمد مكانك؟ قال والله ما وددت أنني في بيتي وأن محمد تصيبه شوكة وهو في بيته وهذا من شدة محبته للرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الأذى مستمر إلى الآن , الذين أساؤا للنبي برسم الكاريكاتير يلاحظون أن المسلمين قد اشتعلوا غضبا وهذا من علامات الإيمان قد لا أتأثر إضا شتمني أحد لكن لا أتحمل أن يشتم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو بكر وهو أحلم الناس لم يتحمل وصفع اليهودي, نحن في أذى. هؤلاء يسبون إلى ديننا وتاريخنا والقرآن والمسلمين وهذا كله من الأذى. والله يقول { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } بالتأكيد والقسم (لتسمعن) إشارة إلى أنه أكثر في الأذية وإلقاء التهم والإهانات.

لما أكد على السماع بعد البلاء دل على أن سيكون كثيراً وأن المؤمنين ينبغي لهم أن يكونوا ثابتين ولا يتأثرون بما يسمعون من الكفار. العجيب أنه قال أذى والأذى ليس هو الشيء الذي يضر الإنسان هو يؤذيه ويقلقه ويخرجه عن وضعه الطبيعي ولكنه لا يضره أي ليس فيه قتل ولا دماء ولا أشلاء وهو كثير الآن نجد الإعلام اليهودي الذي هيمن على العالم يشتغل على هذه القضية اشتغالا كبيرا فيصفنا بأوصاف بالغة في البشاعة والقبح وكل ذلك ينبغي ألا نقابله بالبغي والعدوان والظلم والخروج المشروع والتعقل. وهذا أذى وغالباً أذى مثل هؤلاء لا يأتي إلا ردة فعل لما يراه عليك من الخير. أي هو حسد. ولذلك قدم الذين أوتوا الكتاب على المشركين مع أن المشركين أشد كفرا من الذين أوتوا الكتاب ولكن الذين أوتوا الكتاب يحسدونا على ما أوتينا فماذا يفعلوا؟ يسمعوننا أنتم تفعلون كذا ورسولكم كذا تزوج تسع نساء وأشياء من هذا القبيل التي يريدون منها أن يستنقصوا من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا نظرنا من ناحية شعبية مستوى الأفلام فهي كثيرة الإساءة للإسلام يلتقطون ما يظنونه عيوبا في تاريخنا الإسلامي فيبرزونه. وعلى المستوى العلمي نجد دراسات كثيرة لكثير من المستشرقين والملحدين والمرتدين أيضا على نفس الوتر ويدعون الحيادية ولا منهج علمي فيطعنون في المسلمين وفي الصحابة في أمهات المؤمنين وفي قواد المسلمين وفي عدالة الصحابة. كل هذا داخل تحت هذا الأذى. ما الحل؟ { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } وهذه تكررت كثيرا في هذه السورة. في مجال المعركة قال { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) آل عمران} وهنا أيضا { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا } وهو مجال معركة أيضا . وقال ذلك من عزم الأمور يعني من الأمور التي يعزم عليها. من الأمور الشاقة التي لا يطيقها كل واحد ولذلك تحتاج هذه المعارك فعلا إلى حسن إدارة وسياسة وألا يستفزنا عدونا فيها. وهذا الآن الذي وقع فيه بعض الشباب هداهم الله لما سمعوا الإعلام الغربي يسب ويشتم ذهبوا يتصرفون تصرفات ليست من الصبر والتقوى في شيء. ما ذنب هذا النصراني المسكين الذي يعيش في البلد الفلاني أن يحرق بيته أو تكسر سيارته لأن الإعلام اليهودي يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!. أنا أذهب إلى الذي آذى فأناظره وألجمه الحجة أما هذا المسكين فليس له من أمره شيء. وهذا من الحكمة حسن إدارة المعركة. الآن هم يريدون أن يستفزونك حتى يزيدوا في الأذى حتى يقولوا للعالم كله انظروا تصرفات المسلمين!. هل هذه تصرفات تليق بمن يدعون أن عندهم رسالة للناس كافة! فيجب أن تقطع عليهم الطريق لذلك نحن الآن الحمد لله كثير من المسلمين أحسنوا استثمار هذه الفرص. لما سبوا الرسول صلى الله عليه وسلم بادرت كثير من الهيئات لإنشاء المنظمات للتعريف بالرسول صلى الله عليه وسلم تعالوا نعرفكم، هم شرذمة قليلة تشيع هذا ولكن تعال للملايين التي لا تعرف شيئا تعالوا نعرفكم بهذا الشخص وحقيقته وقد دخل الناس في دين الله أفواجا وكانت خيرا. وهذا من حزم الأمور وحسن إدارتها استثمرناها. وجهات أخرى طبعوا المصاحف وترجموها وبذلوها للناس. إن حب الفضول دفع كثير من الناس الذين لا يسألون عن محمد عليه الصلاة والسلام وعن الإسلام أن يقولوا من هذا الرسول؟ وما هو الإسلام؟ نقرأ . فعرفوا أن الحقيقة غير ما يروج له هؤلاء الكذبة. ولذلك { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا } هذه أصل في الحرب الإعلامية. هذه الآية أصل في الجهاد الإعلامي ينبغي للمسلم أن يستحضرها . اليهود لما تسلموا الإعلام وأمسكوا بزمامه سلطوا الحرب على المسلمين . ماذا جنى العالم من ذلك؟ صار العالم لا يعرفون شيئا عن الإسلام إلا الإرهاب . تسأل بعض الغربيين ماذا تعرف عن المسلمين يقول العبارات التي يبرزونها وهي ليست مشرفة وهذا خطير وهذا لا يستغرب. عندما يأتي عدوك ليدير الحرب بشكل إحترافي أنا أحترمه ولكني ألوم نفسي بأني لا أقابله بمثل طريقته.

الإعلام الهادف الإسلامي الآن ما أحوجه للتقويم وإلى أن يكون صاحب رسالة وعندنا القدرة . هل نحن فقراء؟وعندنا نقص في الكفاءات؟. أبدا عندنا رسالة سامية ونحن أولى أن نكون عالمين في إعلامنا. اليهود ليسوا أصحاب رسالة ولا تراث ولا تاريخ تاريخهم غير مشرف وحضارتهم غير مشرفة ليس لها بعد. ولكن بالرغم من هذا أنظر ماذا فعلوا . ونحن أصحاب رسالة سامية ومبادئ وقيادات وتاريخ مشرف تخاذلنا ولا نبرز هذا التراث والحضارة في وسائل إعلامنا وإنما ما نراه غير مشرّف ولا يكون هذا إعلام دولة إسلامية أو غير إسلامية بما فيها من انحراف ولكن بدأت الحمد لله وسائل الإعلام الهادفة في الدول الإسلامية والعالم العربي الآن في التنافس ونحن في طريقنا إن شاء الله لاسترداده. ماذا يصنع الإعلام؟ في إفريقيا الناس يستجيبون للدين بطريقة سهلة فسأل أحدهم ما السبب؟ وفي فرنسا يجلس الداعية عشر سنوات ولم يسلم على يدة أحد وهو داعية وعنده لغة وغيرها. السر يرجع إلى أمرين. أولا الدعاية الإعلامية المغرضة ضد المسلمين فتجد هناك مناعة قوية ضد المسلمين فلا يمكن أن يدخل في الإسلام يقول حتى لو صدقت فكل الناس ضده. والثانية الحسد. لما يقول هؤلاء العرب الذين هذه صورتهم, أيأتون بخير؟ لا والله ما أتبعهم. يمكن يأتي خير منهم وأكون في يوم تابعا لهم؟ لا والله. فيمنعه الحسد من قبول الحق وإتباعه. وقد قالها كثير منهم نحن نعلم أن هذا هو الحق ولكن لا نستطيع أن نسلم. لماذا؟ إنه يرى أن فيه غضاضة عليه. هذا الكبر والحسد مآله عند الله سبحانه وتعالى { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ (109) البقرة} . هذه آية واضحة وصريحة ممن يعلم السر وأخفى.

{ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } الأمور التي يعزم عليها وينبغي أن يتهيأ لها الإنسان لأنها شديدة وتحتاج إلى قوة وبأس وجد وصبر ومصابرة ومرابطة كما قال لقمان لإبنه وهو يعظه { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لقمان} هذا من الأمور الصعبة والشاقة على النفس تحتاج أن يصبر عليها. كذلك هنا. الصبر على الإبتلاء ليس سهلا ولذلك المثابرة في رد المكايد يحتاج منك إلى جد وإلى مصابرة. وهذا ما ختمت به هذه السورة .

انتقال الحديث إلى اليهود أليس فيه غرابة؟ السورة تحدثت عن معركة أُحد أخرجت المنافقين. والمنافقين في الحقيقة مرجعهم اليهود وقد ذكرنا هذا من قبل. بدأ الحديث في السورة عن النصارى ثم أحد ثم اليهود. والتاريخ يؤكد أن اليهود كانوا مرجعية للعرب حتى المشركين حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لما أُرسل واحتارت قريش كيف ترد عليه أو تثبت كذبه ذهبوا إلى اليهود لأنهم هم المستشارين ليعطوهم مسائل تثبت أنه كذاب لأنهم أهل كتاب . فالله سبحانه وتعالى نقل الحديث من المنافقين العملاء إلى أسيادهم القادة وهم اليهود. وهم بالفعل مرجع لهم من أول التاريخ واليوم.

كتمان العلم
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } ليبينوا هذا الميثاق أي الكتاب للناس. والثمن القليل هو متاع الدنيا القليل والغرور الذي تكلم الله تعالى عنه. هذه الآية لو تأملتها انظر إلى من آمن من أهل الكتاب خاصة إذا كان من علمائهم ورهبانهم وأحبارهم تجد مصداق هذه الآية أهم ميثاق أخذ على هؤلاء أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه هو خاتم الأنبياء وتصديق الرسالة. إن تصديقهم به دليل على انتهاء العهد الذي كان لأهل الكتاب وإبتداء العهد التالي وهو للعرب. وهذا هو أكبر ما جادل فيه اليهود حتى اليوم وحاولوا إخفاءه. حتى أن بعضهم لما قامت عليه الحجة وأراد أن يفر قال نعم هو نبي ولكن هو للعرب. إذا كان نبياً فقد قال أنه رسول للناس جميعا فيجب أن تصدقه. فانقلبت عليه من حيث لا يشعر.وهذه قالها بعض نصارى العرب. التأكيد على أخذ الميثاق على أهل الكتاب عليه كثير من البحوث .أولا ورد في سورة البقرة فكان هذا من باب المثاني تثنية الشيء. وتعرفون الزهراوين كأنهما سورتان متكاملتان يصبان في نهر واحد. هناك أخذ الميثاق وذكر الله النهي عن كتمان شيء ما أوحي من الكتاب حتى في أول البقرة يقول تعالى { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة} وهنا في آخر آل عمران { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ }

هل هذا خطاب لأهل الكتاب فقط؟ هنا يأتي القياس. نقول هذا الخطاب ابتداء لأهل الكتاب ثم هو كذلك لكل من كان عنده علم يحتاج إليه الناس ولا يوجد عند غيره فإنه يدخل في هذه الآية. لماذا؟ لأنه أحيانا يتدارأ الفقهاء الفُتيا فلا تُنزّل هذه الآية عليهم مثل ما حدث عن بعض الصحابة وبعض التابعين أنهم كانوا يدعون الفتيا كلما جاء أحد يسأل قالوا إسأل فلاناً، من ورائهم . هذا لا يدخل في هذا الباب. بعض المفتين لمايسألك تقول له إسأل فلان فهو أعلم مني فيقول أنت تعرفه تقول نعم أنا أعرفه ولكن أحسن لك اسأل فلان أعلم مني. يقول { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ } يا شيخ لماذا تكتم العلم؟ . أقول هنا انتبه إذا كان كاتم العلم في هذه اللحظة يؤثر في أمر جلل فيدخل في هذه الآية أما إذا كان لتدارؤ الفتيا لا تدخل في هذا الباب بل يمدح على ذلك كما كان الصحابة والتابعين يفعلون ذلك .

ومن فوائد الآية أن ينبغي بيان الحق للناس جميعا ولم يخص فئة معينة. وهذه مشكلة أهل الكتاب اليهود والنصارى أن عندهم خصوصية في علم الكتاب. مرت مرحلة كبيرة في التاريخ كان العلم مقصورا على الرهبان والأحبار. وعموم الناس لا يستطيعون أن يفهمون شيئا من الكتاب المقدس إلا بواسطة الرهبان والأحبار . الآن انفتح الباب وأصبح الكل يتحدث في الكتاب المقدس وينقدونه ويكذبونه ويردون ما فيه بالأدلة وما زال الرهبان في صوامعهم يظنون أنهم مازالوا يحتكرون الدين. عندنا الدين لكل أحد ولابد ومن حق كل مسلم أن يعرف ويتأمل حتى قال عمر بن عبد العزيز لا يهلك العلم حتى يكون سرا، هذه إشارة إلى هذا المعنى. قال سبحانه وتعالى هنا { لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ } هذه كانت تكفي ولكن قال { وَلَا تَكْتُمُونَهُ } للإشارة إلى أن الكتمان ذنب لأن البعض قد يقول غيري سيبينه ولكن الله سبحانه وتعالى قال لا تكتمونه . امتناعكم عن البيان هو كتمان. الأمر الثالث { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } الله قد أخذ ميثاق علماء الكتاب أن يبينوا الحق ويظهروه للناس ولا يكتمونه فماذا كان تصرفهم؟ ما قال فكتموه ولكن لجحودهم به واستهزائهم به وحدهم قال { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا } قال "نبذوه" وهذا يقال للشيء الذي لا يبالى به . واشتروا به ثمنا قليلا أي باعوه بالدنيا.

أهل الكتاب لم يقدروا الله ولم يقدروا الأنبياء ولم يصدقوا موسى الذي جاءهم بالتوراة بل كذبوه وردوا عليه ما جاء به ونبذوه وراء ظهورهم من أجل الدنيا وحسداً للرسول صلى الله عليه وسلم. هذه الآية أخافت كثير من العلماء و أطارت النوم من عيونهم وعرضتهم للمهالك فكان كثير منهم تعرض لمقابلة الطغاة والصدع بالحق لأن الله أخذ الميثاق على أهل الكتاب. كم هم الذين حاولوا أن يثنوا الإمام أحمد عن أن يجهر بكلمة الحق في قضية خلق القرآن ولكن عندما يقرأ هذه الآية يسكت الناس. ماذا أصنع بهذه الآية وقد أخذ الله علي الميثاق؟. يعني نحن أخذ علينا الميثاق. نسأل الله أن يعيننا على أن نقوم بحق هذا الكتاب وأن نبينه للناس ولا نكتم شيئا منه ولا نشتري به ثمنا قليلا. أسأل الله لي ولكم ذلك.
 
الحلقة 37
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)

وقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالى { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)} وكما ختمنا أن هذه الآية وعيد لكل من أوتي علما أن يبينه للناس ولا يكتم شيئا ولا تأخذه في الله لومة لائم. وقد قلنا إن هذه الآية قد أقضت مضاجع العلماء وأطارت النوم عن أعينهم وعرضتهم للمهالك ولقوا بسبب القيام بها أذى يلقون به عند الله أجرا عظيما ورفعة ومنزلة عالية لأنهم قاموا بحق هذا الكتاب وأدوا زكاة هذا العلم فبينوا للناس ولم يكتموا شيئا مما أوتوه. ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء القوم الذين يبينون الحق للناس ولا يخشون في الله لومة لائم. وننبه إلى مسألة مهمة وهي مسألة المسؤلية الاجتماعية لطلبة العلم أمام الأمة . فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية أخذ الميثاق على أهل العلم أن يبينوه للناس ولا يكتمونه وذكر الله حال العلماء من أهل الكتاب وكيف أنهم فشلوا واشتروا بآياته ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم وكتموا الحق. وأقول للإخوة الذين وفقهم الله لطلب العلم وهو لا شك شرف ومنزلة عالية ولكنه أيضا مسؤلية إجتماعية ينبغي على طالب العلم أن يستحضرها لأنني ألاحظ الكثير من طلبة العلم يؤثر التخفي ويؤثر عدم الظهور . هو يرغب في إفادة الناس ولكن لا يريد أن يسلك مسالكها لا يريد أن يخطب الجمعة ولا يلقي كلمة في مسجد ولا يريد أن يشرح كتاب ولا يسجل حديثا في الإذاعة أو في قناة فضائية ولا ينكر منكرا وإنما يشتغل بحاجة نفسه في زمان الناس في أمس الحاجة إلى علمه. نحن لم نأتي إلى هذا المكان لأننا أعلم الناس نحن أعرف الناس بتقصيرنا وجهلنا وقلة علمنا لكننا نجتهد ونحاول بقدر ما نستطيع أن نؤدي شيئاً من الأمانة التي افترضت علينا فأنا أدعو إخواني الذين يسمعون هذه الكلمة أن يراجعوا أنفسهم ويتغلبوا على الوساوس الشيطانية في نفوسهم ويقدموا لهذا الدين ما يستطيعون بالبلاغ خاصة في مجال البيان العلمي. هؤلاء العلماء الله أخذ عليهم الميثاق أن يبينوا ما تعلموا ويوضحوه للناس وفي القرآن والسنة قد بيّن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عقوبة من يكتم العلم { من كتم علما يعلمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار .الراوي: - المحدث: الزرقاني - المصدر: مختصر المقاصد - الصفحة أو الرقم: 1068.خلاصة الدرجة: صحيح}. ماذا يصنع طالب العلم الذي يتعلم ويفني عمره في التعلم ثم لا يبلغ منه شيئا؟!. لا أستطيع أن أفهم ماذا صنع بهذا العلم؟! قد يقول أنا أصلا مقصر, ليس لي حظ من العبادة والعمل كيف أقوم بين الناس وأذكّرهم وأبيّن لهم وأنا أعرف من نفسي الذنب والتقصير وعدم القيام بواجب هذه الكلمة التي أتحدث بها أمام الناس فأخشى أن أكون منافقا، أنا أخشى أن أحمل نفسي تبعة المسؤلية بشكل زائد وأنا مقصر فيما عندي . لو أخذنا بهذه الشبهة الشيطانية ما قام بالعلم أحد. من يزعم أنه غير مقصر أو أنه قد قام بكل شيء؟! هذه حقيقة من حيل الشيطان لهذا قد يقول قائل أين أُخذ عليّ هذا الميثاق؟ نقول أخذ عليك هذا الميثاق بنص الآية كل من أعطي العلم أخذ عليه الميثاق . ما دمت دخلت في سلك أهل العلم فقد دخلت في الميثاق.

أقول وفي نفسي شيء من الحسرة نلاحظ أن بعض من يتصدى للناس قد سؤل قبل أن يتفقه فيما يتكلم به. وهذه خطيرة أيضا وهذه مشكلة أخرى ننتبه لهذا الجانب. فالإنسان إذا أراد أن يتكلم يتكلم بما يعلم كن صادقا مع نفسك. اعرض علمك الذي تتكلم به على من يحسنه وكن صادقا في أخذ ملحوظاته بدون أن تكون في نفسك حرج من ملاحظاته . مرة أنزلت مقالا في ملتقى أهل التفسير عن بعض من يتصدى لعلم التفسير في بعض القنوات وهو لا يحسنه ولم يأخذه عن أهله وكلامه فيه ضعف وأخطاء علمية وأقوال لم يقل بها أحد من العلماء حصل انزعاج واتصل بي بعض الأخوة قالوا أنت ألقيت حجرا في ماء راكد وستثير الناس عليك بهذا المقال. قلت أنا لم أقل فلان ولا علان وصفت أوصافا فإذا واحد ظن أنني أردته أسأله هل أنت تُحضر لدرسك؟ إن قال نعم فقد خرج أنا أنتقد الذين لا يحضرون لدرسهم ولا يأتون الأمور من أبوابها. هل تعرف منهجية التفسير؟ إن قال نعم فقد خرج. من يتصدى للناس يجب أن ينتبه أن يكون على قدر المسؤلية التي وقف عندها أمام الناس ويجب أن يكون عندنا أيضا تقبل لو واحد منا صادفه انتقادات استفدنا منها كثيراً. ولا أقول من باب تزكية أنفسنا ولكن هكذا يجب أن نكون. الحقيقة. نحن نريد أن نضع الأمور في نصابها فنقول إن طالب العلم الذي درس وأصبح مؤهلا ينبغي عليه أن يبلغ وأن يعلم وأن يؤدي الأمانة والمسألة ليست تفضيل لك أن أقدمك وتصبح معروفا بين الناس. نتجاوز عن هذه النظرة ونخلص نياتنا لله سبحانه وتعالى. فمن يقوم بأمر الدين إذا تراجع الناس ؟! ومن يقوم بأمر العلم وأمر الحق؟! وفي الجانب الآخر نحذر أشد التحذير فمن تصدى قبل أوانه فقد تصدر لهوانه وقد أساء لنفسه وللعلم وللقرآن . فالمسألة مسألة توازن والموفق هو من وفقه الله سبحانه وتعالى للعمل والبذل والأمة في أمس الحاجة الناس يسألون ويريدون من يبين لهم خاصة في المجتمع نجد كثيراً من الزملاء في الجامعات متخصصون وطلبة علم ولكنك لا تجد لهم أثرا في المجتمع. في مسجدي أجد ستة أو سبعة من طلبة العلم المميزين لم أظفر في يوم من الأيام بكلمة أو درس أو موعظة. لماذا؟ قالوا أنت موجود. كل واحد منكم له مسؤليته الخاصة به، كل واحد منكم عنده مسؤلية يقوم بها ويتصدى لها. أضف إلى ذلك في هذا الزمن في نظري أن الأمر صار أيسر من ذي قبل لأن الوسائل التي يمكن للإنسان أن يقوم بها لأداء هذه الأمانة تعددت. ممكن ألقي درسا أو خطبة جمعة أو حديثا إذاعيا أو تلفازيا ولا أجد دار نشر تنشر لي ولا جريدة الآن عبر الإنترنت يمكن أن تنشر ما تشاء من الخير والعلم وتنبه على الأخطاء وأسرع انتشارا من الجرائد والمجلات وأبقى وأسرع وصولا للناس. الوسائل التي يستطيع الإنسان أن يبلغ بها هذا العلم أصبحت كثيرة إذن الحجة قامت علينا فلنتق الله في هذا الأمر ولا نظن أن القضية أمر مستحب. هي أمانة وواجبة عليك يجب أن تؤديها وأن تقوم بهذه الأمانة خير قيام. أليست هذه من الأسئلة الأربعة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم { لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيما أفناه ، وعن علمه فيما فعل ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ، وعن جسمه فيما أبلاه .الراوي: أبو برزة الأسلمي المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2417.خلاصة الدرجة: حسن صحيح }.

قوله تعالى { لَا تَحْسَبَنَّ} وفيها قراءة (لا يحسبن) .لاحظ أن بعض التفاسير كتبت على قراءة قالون مثل تفسير ابن عاشور . وبعض التفاسير كتبت على القراءة التي كان المفسر يقرأ بها فننتبه إلى أأمرين أن نص المصحف قد يكون كتب بتلك الرواية وبعض الناس قد يعتقد أنها خطأ. والأمر الثاني ممكن المصحف يكتب بقراءة حفص ولكن المفسر يفسر برواية قالون فننتبه بأي شيء يفسر المفسر وهذه من الفوائد التي تخفى على بعض طلبة العلم أو بعض المحققين مع الأسف.

قوله {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} متصلة بما قبلها . مازال الحديث عن أهل الكتاب اليهود بالذات لأنهم هم خالطوا الرسول صلى الله عليه وسلم. ولما سألهم صلى الله عليه وسلم عن بعض المسائل فأجابوه فرأوا أنهم حمدوا أنفسهم وفرحوا بما أعطوا صلى الله عليه وسلم من العلم الذي سألهم عنه أو أنهم كتموا وفرحوا بما كتموا ولكن قال { يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وهو الآن ثنى عليهم بأمور لم يفعلوها وهذا كثير مما نجده في أخلاق اليهود ولهذا لما نتأمل أحوالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوه ويدعون أنهم فعلوه وهم لم يفعلوه. هذه النفسية نبه عنها سبحانه وتعالى فقال { فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} لو تأملنا الآية التي قبلها لما أخذ الميثاق عليهم ثم جاء بهذه الآية معناه أن ما يفعلونه الآن يستحق العذاب. قرأ مروان بن الحكم وكان في المدينة { لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فقال لئن كان كل واحد منا يفعل فعله ويفرح به ويحب أن يحمده الناس بأفعاله سيعذّب لنعذبن أجمعين. فأرسل غلامه إلى ابن عباس يقول إذا كان كل واحد عمل عملا وفرح به سنعذب أجمعين. فقال مالكم ولهذه الآية؟ إنما نزلت في اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن مسألة فكتموها وأظهروا غيرها فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ففرحوا أنهم تجاوزوا هذا الموقف وفرحوا بأنهم لبسوا عليه الأمر ولم يكشفهم فلما خرجوا نزلت هذه الآية { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ}. مراد ابن عباس في رده على مروان التنبيه على أن ما أدخله مروان في معنى الآية ليس في معنى الآية في شيء إنما معنى الآية مرتبط بمسألة أشبه ما نقول مصيرية مسألة مرتبطة بالدين. ونلاحظ أنهم كتموا أمرا عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الدين واستحمدوا أنفسهم بهذا الفعل وفرحوا به. ابن عباس نبه على أن سياق الآيات للغرض المعين. وهذه فيها فائدة وهي أن التفسير اللغوي لا يكفي لفهم الآيات أحيانا فمروان بن الحكم من أهل اللغة وهو من بني أمية من قريش أي عربياً وليس أعجمياً وبالرغم من ذلك أخطأ في فهم هذه الآية على ظاهرها اللغوي ولكن ابن عباس نبه على أمر أدق وهو السياق الذي توجد فيه وسبب النزول ولذلك التفسير ليس باللغة فقط. التعامل مع القرآن يجب أن يكون فيه حذر ومراجعة لكلام المفسرين حتى تعرف أسباب النزول وهذه هامة جدا. لأننا نجد بعض من يفسر القرآن الكريم يعتمد على لغته وبعض المراجع اللغوية وهذا لا يكفي. مروان بن الحكم فهم الآية على ظاهرها. مثلا إذا أحد يقول ما شاء الله عليكم اخترتم هذا الديكور الجميل فنحن نبتسم ونسكت أو نفرح بما قيل ظنا انه منا. هذا هو الأمر الذي ذهب إليه مروان والآية تحكي أمرا آخر لا علاقة له بهذا الأمر، الذي ذهب إليه مروان لو كل امرئ فرح بما آتى وأحب أن يحمد على ما لم يفعل لنعذبن أجمعون هو فهمها على المعنى العام والمراد هو ما يتعلق بكتمان العلم الذي يؤثر في قضية عملية أو علمية ودليل ذلك اتصالها بالآية التي قبلها كما قال ابن عباس.

انظر ما ذكر أبو سعيد الخدري فيما رواه البخاري عنه قال { أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت : { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } . الآية . الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4567خلاصة الدرجة: [صحيح]}. الظاهر أن الآية تشمل هذا وهذا ولكن لا تحمل على علتها لا تحمل على ما ذهب إليه مروان من أن الإنسان قد ينسب إليه أشياء وهو غير كاره وهي أشياء عادية. قد يشكل على البعض ما ذهب إليه ابن عباس والسياق أنها في اليهود واضح فكيف روى البخاري ما روى عن ابن سعيد؟ . وهو روى عن مروان بن الحكم فهل هذا تناقض؟ نقول لا. قولهم "فنزلت" لا تلزم أنها سبب النزول المباشر لكن لو تأملنا الحدث الذي حدث من المنافقين هل يدخل في معنى الآية أم لا يدخل؟ يدخل، فكأن أبا سعيد أراد أن يقول أن الآية تشمل هذا الصنف من المنافقين الذين فعلوا هذا الفعل. انهم ادعوا أنهم قاموا بأمر في الإسلام ولم يقوموا به. ويؤكد ذلك ما رواه الطبري ابي حاتم عن ابن عباس {قوله يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا أن يقول الناس لهم علماء وليسوا بأهل علم لم يحملوهم على خير ولا هدى ويحبون أن يقول الناس أنهم فعلوا} أن يقول الناس أنهم قد فعلوا وبذلوا وجاهدوا وضحوا وهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك وإنما كانوا يبحثون عن الدنيا وينبذون الكتاب وراء ظهورهم ويشترون به ثمنا قليلا ونحن نحذر من هذه الصفة . إحذر يا مسلم أن تتزيَّ أمام الناس بأنك من العُبّاد أو ممن يصلون الفجر ومن يقومون بأمر الدين وأنت لست كذلك . هذه وصية. في عصر الإعلام يحاول بعض الناس التزي بشيء ليس فيه من قريب أو بعيد يعني يظهر أنه من أهل الدين والإصلاح وهو من أهل الإفساد وأهل الفجور. نحذر أن نتصف بهذه الصفة.

{ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ختام لسورة آل عمران هذه السورة العظيمة التي يتحدث سبحانه وتعالى في أولها عن النصارى ثم غزوة أحد وطال الحديث فيها ثم يرجع الآن كما ختم سورة البقرة { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) البقرة} هنا نفس القضية يقول الله سبحانه وتعالى { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. افهم من هذا أنه يأتي بيان ملكية الله للأشياء بعدما يذكر الأمر والنهي والتفاصيل يقول انتبهوا يا عبادي المُلك لي وحدي وأنتم عبادي وأنا المتصرف في ملكي كيف أشاء خصوصا بعد ربطها بالبقرة. وجاء بنفس اللفظ تقريبا في سورة آل عمران وبعد الأوامر. لا يُسأل عما يفعل. خذوها مأخذ الجد وقوموا بها فأنتم عبيد لله والله هو المالك لكم والمتصرف فيكم والذي بيده كل شيء من شؤونكم.
ثم ختام عجيب للسورة { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} ثم يذكر من صفاتهم { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لاحظ كيف يذكر مواطن العبد في عبادته لربه سبحانه وتعالى وخلوته مع ربه وذكره له في قيامه وقعوده وعلى جنبه . وهناك فائدة تأمل عندما ذكر مواطن العبادة قال (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) قدم القيام لأنه أشرف ولأن الأصل في العبادة أن تصلي قائما. ولكن لما ذكر المرض { وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) يونس} قدم المضجع لأن الأصل في المريض أن يكون مضجعا فبدأ من تحت مراعاة لحالته. لأن المريض كلما كان مضجعا كان أشد مرضا قال دعانا لجنبه وهذا أدعى للإجابة أو قاعدا أخف. أما هنا ذكر العبادة قياما وهو الأصل. وبعضهم قال القنوت وهو طول القيام ثم بعدها قاعدا ثم على جنوبهم. وأيضا فيها أن الذكر يقال في كل الأحوال وليس في حالة واحدة فقط وما يكون من الذاكرين الله كثيرا حتى يذكر الله في كل أحواله. قالت عائشة رضي الله عنها تصف النبي صلى الله عليه وسلم { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه .الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: العلل الكبير - الصفحة أو الرقم: 360. خلاصة الدرجة: صحيح}. يعني في الفراش وعندما يقوم وعندما يصلي وعندما يدخل ويخرج من الخلاء وعندما يركب, أي في كل الأحوال. ولا يكون الإنسان من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات حتى يكون كذلك. تصور لو كان الذكر مثل الصلاة لا يكون إلا في أوقات مخصوصة وطريقة مخصوصة سيكون صعباً.{ أن رجلا قال يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله . الراوي: عبدالله بن بسر المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3375. خلاصة الدرجة: صحيح}

لاحظوا أن من فضل الله علينا أن علمنا كيف نذكره . علمك ما هو الذكر الذي تقوله لتذكره به. أمرك أن تذكره ثم فال إذا أردت أن تذكرني فقل كذا وكذا. حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يوم القيامة أنه يأتي فيسجد بين يدي الله {.......... فأنطلق ، فآتي تحت العرش ، فأقع ساجدا لربي ، ثم يفتح الله علي ، ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه لأحد قبلي ، ثم يقال : يا محمد ! ارفع رأسك ، سل تعط ، واشفع تشفع ، فأرفع رأسي ، فأقول : يا رب ! أمتي أمتي ، فيقال : يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب .... الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1466. خلاصة الدرجة: صحيح} أي يفتح علي أن أذكره بأشياء جديدة. كذلك هنا هذا من فضل الله علينا عندما قال هنا قولوا { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}. ما أجمل التعليم! يعلمك كيف تدعوه ويبشرك أنه يستجيب لك وهذه لا تكاد تجدها في كتب أهل الكتاب تعليم العبد كيف يذكر ربه. ولذلك نلاحظ في الاية { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} هذه تعلموها من ربهم { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا (27) ص }. علمه كيف يدعوه. هذه الآية كان صلى الله عليه وسلم يذكرها إذا قام من الليل في العشر آيات الأخيرة من آل عمران قبل أن يصلي. وهذا يعطيك تنبيه لماذا خص الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآيات؟ لأن هذه الآيات فيها تذكير بهذه العبادة عبادة الذكر والتفكر والأدعية عندما تقولها في ظلام الليل والإنسان مستقبل عبادة من أشرف العبادات وهي قيام الليل ويتلو هذه الآيات ستجد أنها مناسبة. أقول اختارها صلى الله عليه وسلم أو أوحي إليه بها وهي بالفعل في مكانها وأقول هذه سنة فاعملوا بها لتعلموا أن هذه الآيات وضعت في مكانها خصوصاً إذا علمنا أنها بدأت بأمر بيان عظمة الرب من خلال رؤية مخلوقاته { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} . من هم أولوا الألباب؟ هم {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} . هم يخرجون من الذكر إلى التفكر ويتفكرون في السماوات والأرض ثم يدعون أي بدأوا بالذكر ثم عادوا إلى الذكر وهو الدعاء { فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} . وهناك أمر أتمنى ألا يغفل عنه الإنسان. يظن الناس أن الذكر باللسان ولكن الحقيقة أن الذكر بالقلب ولكنه يظهر على اللسان تقول نسيت شيء فذكرته أي ذكرته بقلبك. أفضل الذكر ما كان بالقلب واللسان. ذكر اللسان ذكر محمود ولكن أفضل منه وأعظم ذكر القلب لأنه هو الأصل. وهو الذي يطهر القلب ويزكي القلب ويتحرك به القلب وهو الذي ينسى ويغفل. لاحظ { لِأُولِي الْأَلْبَابِ} إشارة أن ذكر الله دليل على عقل صاحبه، الرجل كلما زاد ذكرك لله دل ذلك على عقلك وأنت صاحب لب وأنك فعلاً رجل عاقل لأنك تكثر من ذكر الله سبحانه وتعالى. نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن المتدبرين له والعاملين به على أكمل وجه .
 
انتهت بفضل الله وقفات المشايخ الفضلاء في سورة آل عمران تقبل الله منا ومنهم ونفع بهم وزادهم علماً وإلى الملتقى في حلقات جديدة بعد رمضان إن شاء الله تعالى مع سورة أخرى من سور القرآن العظيم.
 
من قناة المجد العلمية
برنامج بينات



الحلقة الـ(1)
تأملات في سورة آل عمران
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r1.rm
الحلقة الـ(2)
تأملات في سورة عمران

http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r2.rm
لحلقة الـ(3)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r3.rm
لحلقة الـ(4)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r4.rm
الحلقة الـ(5)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r5.rm
الحلقة الـ(6)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r6.rm
الحلقة الـ(7)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r7.rm
الحلقة الـ(8)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r8.rm
الحلقة الـ(9)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r9.rm
الحلقة الـ(10)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r10.rm
الحلقة الـ(11)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r11.rm
الحلقة الـ(12)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r12.rm
الحلقة الـ(13)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r13.rm
الحلقة الـ(14)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r14.rm
الحلقة الـ(15)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r15.rm
الحلقة الـ(16)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r16.rm
الحلقة الـ(17)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r17.rm
الحلقة الـ(18)
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r18.rm
الحلقة(19]
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r19.rm
الحلقة 20
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r20.rm
الحلقة 21
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r21.rm
الحلقة22
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r22.rm
الحلقة 23
http://woroodalkhaleej.com/ramadan09/6r23.rm
 
[align=center]اسأل الله أن يجزيك خير الجزاء، وأن يجعل ما تقومين به خالصاً لمرضاة الله

3/11/1430هـ[/align]
 
عودة
أعلى