حكم بيع المدبر

كان للحاكم حسب العُرف الزماني الذي مضى أن يبيع مال المدين و يستوفي دينه ، و هذا الغُلام القبطي كان عبدا في مال سيده ، تعاقد معه سيده على أن يصبح حرا بعد موته ،ولكن كان السيد مديونا و كان فقيرا و له أبناء ، فلما سمع النبي بأنه فقير و مديون و طالبه الدائنون بأموالهم باع القاضي و الحاكم الذي هو النبي صلى الله عليه و سلم الغُلام القبطي ب 800 درهم و رد الأموال إلى أصحابها ، و مابقي أخذه السيد و أبناءه ، و أما الغلام القبطي فقد إشتراه رجل من بني عوف و أحسن إليه و عاش زمنا و مدة طويلة بعده إلى السنة الأولى من خلافة ابن الزبير في مكة حيث توفي سنة 65 هجرية ..
 
أختي الكريمة الفاضلة دانية ، توصلت ببريدك حول أسئلتك في مسائل دينية ، و العبد الفقير مجرد طالب علم لست مفتيا ، لكن إن كان الأمر له علاقة بقناعات دينية تُحاولين البحث فيها ، و كانت مسألتك تتعلق بها ، فإني لن أتردد في إطلاعك على ما توصلت إليه بفضل الله من خلال البحث في هذه المسائل .
بريدي الإلكتروني : [email protected]
 
للفائدة فقط سوف أذكر مذاهب العلماء في بيع المُدبَر على ثلاث مسائل :
المسألة الأولى في قول المذاهب : هل التدبير من الوصية أو عقد مستقل عن الوصية :
و معنى المسألة هل التدبير و الوصية شيء واحد مادام أن السيد يجعل نفاذ العقد بعد موته ؟؟ و بتالي فالتدبير لا يُلزم صاحبه و يجوز أن يرجع فيه السيد في حياته و يبيع المدبر ، و هو قول جابر بن عبد الله و ابن مسعود و هو قول الشافعي و أبي سليمان و عليه الشافعية و مذهب الحنابلة و مذهب علي بن حزم الظاهري و المشهور من مذهب الظاهرية و هو قول عمر بن عبد العزيز و محمد ابن المكندر و مجاهد و فقهاء مكة وهو مذهب طاووس بن كيسان و هو مذهب عطاء و محمد بن سيرين إلا أنهما يقولان أن بيع المدبر مكروه غير أنه جائز لصاحبه ، و هؤلاء يستدلون بأدلة من بينها أن الله أحل البيع و حرم الربا ، و هذا البيع مما أحله الله ،وأن للإنسان أن يتصرف في ماله مادام أنه لم بقترف محرما و، و بيع المدبر ليس من المحرمات و استدلوا على جواز الرجوع في التدبير و أنه وصية بأدلة منها من أنه عقد عُلقَ نفاذُه على موت صاحبه فهو إذا وصية تخرج من ثلث مال السيد و استدلو بما رواه جابر بن عبد الله أن رسول الله باع المدبر ، و استدلوا بكثير من الآثار ليس هذا مكان إستقصائها كلها .
و أما الطائفة الثانية فإنهم عدوا التدبير عقدا مختلف عن الوصية ففرقوا بين التدبير والوصية و قالوا أن عقد التدبير لازم و عقد الوصية غير لازم و أن الفرق بينهم بصيغة العقد و أن مقصود السيد هو الذي يحسم العقد ، قال بهذا القول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عمر و زيد بن ثابت و من التابعين سعيد بن المسيب و شريح القاضي و هو قو ل سفيان الثوري و الأوزاعي و الإمام الزهري و الإمام النخعي بهذا قال الإمام مالك و فقهاء المدينة المنورة و تبعه فيه أصحابه و هو المشهور من مذهب المالكية و هو قول الحنفية و و قالوا أن ما إستدلت به الطائفة الأولى لا تجيز بيع المدبر بإطلاق و إنما تُجيزه للسيد ذو الحاجة و الفاقة و المدين فهي كحكم الضرورة ، و أن الحديث الذي رواه جابر إنما هو حديث في رجل عليه دين و هو فقير و له أهل و أبناء فباع النبي عبده عليه ليُعطي المال للمدينين و مابقي تركه للرجل الفقير لما ورد عن جابر من طريق أخرى صححها ابن دقيق العيد كتابه الإلمام بـأحاديث الأحكام أنه قد "
أعتق رجلٌ من الأنصارِ غلامًا له عن دَبْرٍ وكان مُحتاجًا وكان عليه دَينٌ فباعه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بثمانمائةِ درهمٍ فأعطاه إياها وقال : اقضِ دَينَكَ " إذا فالحديث جاء نصا في بيع المدبر لضرورة وفاقة ، و لا يُمكن الإستدلال به على الجواز ، لما جاء في الأثر عن الصحيح الموقوف على عبد الله بن عمر " الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ ، وَلَا يُوهَبُ ، وَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ" و قد رُوي موصولا إلى رسول الله لكن للأمانة ان المحدثين رجحوا انه موقوف على ابن عمر لم يرو هذا الحديث عن ابن عمر عن رسول الله إلا عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ ، وَلَا يُوهَبُ ، وَهُوَ حُرٌّ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ }و عبيدة بن حسان ضعيف لم يرو الحديث موصولا إلى النبي غيره و صحيح انه موقوف على ابن عمر . ....يُتبع في المسألتين الباقيتين ...
 
عودة
أعلى