أمين الشنقيطي
New member
((حقيقة وقوع الاختيار من القراء توضيحات وردود ))
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد:
فهذا بحث سيجلي -إن شاء الله - مسألة (وقوع الاختيار من القراء وحقيقتها)، ويرد على شبهة كان قد طرحها الباحث الموريتاني الأستاذ الحسن ولد ماديك -حفظه الله-في ملتقى أهل التفسير، ثم أصدر فيها حكمه الجرئ بأن القراء كانوا من الجرأة بحيث قرأوا بغير مانزل، وأن اختيارات كبار القراء منهم كابن مجاهد. والداني –رحمهما الله ..وغيرهما ، هي اختيارات مبكية.
ويظهر والله أعلم أن الأمر غير ذلك،وأن (الاختيار) له حجيته عند القراء ،وله تعلقه الواضح بتاريخ علم القراءات،وبأدلته التاريخية الموثوقة، وبمراجعه الوافية الأصيلة،وبتأصيلات العلماء الدقيقة له في كتبهم،كمكي في الإبانة ،وأبي شامة في المرشد الوجيز ،وغيرهما، التي وصلوا فيها إلى الاستناد إلى الاختيارات الثابتة ، الواردة عن كبار القراء كالإمام نافع بن أبي نعيم الليثي وغيره، وعن العلماء المدققين كأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي حاتم السجستاني،والإمام الطبري، والإمام أبي القاسم الهذلي،وغيرهم،
وهذا كله جعل عددا من الباحثين المحققين المعاصرين، يؤلف في الاختيار بحوثا مهمة ، ككتاب الاختيار في القراءات منشؤه ومشروعيته وتبرئة الإمام الطبري من تهمة إنكار القراءات المتواترة، للدكتور عبد الفتاح اسماعيل شلبي ، وكتاب الاختيار في القراءات القرانية وموقف الهذلي منه، للدكتور نصر سعيد وغيرهما..
وزيادة في توضيح هذه المسألة للقراء الكرام، وإبراز حقيقتها الجلية عند القراء، سأعرض -إن شاء الله - لما أورده هذان الكتابان الجليلان من أدلة وبراهين، ونتائج مهمة فيه، ثم أكشف عن مسائل جديدة في الموضوع ظهرت لي بعد البحث والتأمل.
وليعذرني القارئ في كثير من الاختصارات، في المسميات،والإحالات، والنقول ، وبإمكان من أراد متابعة ذلك مراجعة ذلك في أصول مانقلته.
(1) البحث الأول: فيه معنى الاختيار ومنشؤه:
وإليك أخي القارئ بعض ماعرضه هذا البحث القيم :
يقول عبد الفتاح شلبي : " لعل أول من ذكر معنى الاختيار، ومنشأه الإمام أبوجعفر الطبري... جاء في كتاب المرشد الوجيز: قال الإمام أبوجعفر الطبري " الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت ....وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت فرات لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد -قراءته بحرف واحد- ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية ،ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أذن في قراءته به". مرشد/139، شلبي 6.
ويقول أيضا "والطبري في هذا النص يشرح رأيه في أن القراءات التي يحتملها رسم المصحف العثمان رضي الله عنهي إنما هي حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم والأمة مخيرة بين هذه القراءات التي يشتمل عليها الحرف الواحد.."تفسير الطبري1/58.
ويقول أيضا : "والإمام أبوعمر رضي الله عنه و الداني أكثر وضوحا من الطبري في شرحه معنى الاختيار ومنشأه في القراءات ، إذقال في جامع البيان " وجه الاختلاف في القراءات أن رسول الله كان يعرض القرآن ...فكان جبريل يأخذ عليه في كل عرضة بوجه وقراءة من هذه الأوجه والقراءات المختلفة ..ولذلك أباح لأمته القراءة بماشاءت منه مع الإيمان بجميعها ولم يلزم أمته حفظها كلها ..بل هي مخيرة في القراءة بأي حرف شاءت منها...كتخييرها... بأي الكفارات شاءت ... فكذا أمروا بحفظ القرآن ..ثم خيروا في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءوا..إذلم يلزموا باستيعابها كلها..جامع البيان /...شلبي/7
ويضيف : " أن الداني قال في موضع آخر "إن معنى إضافة كل حرف مما أنزل الله ..إلى من أضيف من الصحابة كأبي ..من قبل أنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراء به وملازمة له ..وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار المراد بها أن ذلك القارئ ..اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة وآثره على غيره وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به وقصد فيه وأخذ عنه فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد. شلبي/7.
ثم عرض لبعض القضايا المتصلة بالاختيار:
كالقراءة سنة ، وهي قضية مرتبطة لأن اختيار القراء مشروط بأن يكون مما تلقاه رسول الله .. فتبين أن أصحاب القراءات من أهل الحجاز والشام والعراق كان منهم من عزى قراءته التي اختارها إلى رجل من الصحابة قرأها على رسول الله .../10 شلبي.تفسير القرطبي /58.
قال ابن مجاهد: " القراءة التي عليها الناس هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم وقام بها في كل مصر رجل ممن أخذ من التابعين أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيه طريقه وتمسكوا بمذهبه.البرهان1/338. شلبي/11.
ثم قرر شلبي: أن الاصل في سنة القراءة ... وأن الأصل الذي يعتمد عليه أن ماصح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف...ومتى فقد واحدا فاحكم بأنها شاذة..النشر 1/44
قال شلبي: "وعلى هذا فالاختيار مشروط بسنة القراءة ..فلواجتمع عدد لايحصى ..فاختار كل منهم حروفا بخلاف صاحبه وجرد طريقا في القراءة على حدة في أي مكان كان وفي أي أوان بعد الأئمة الماضيين..بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف بشرط الاختيار لما كان ذلك خارجا عن الأحرف السبعة ..بل فيها متسع إلى يوم القيامة.غاية ابن الجزري1/361.شلبي 13
وقال شلبي: ويلخص السخاوي سنية القراءة فيقول: "واعلم أن أئمة الدين أجمعوا على قراءة السبعة حين اعتبروا قراءتهم...إلى أن يقول: "ومما يوضح تمسك هؤلاء الأئمة بالنقل مانراه في قراءاتهم من قراءة حرف في موضع على وجه وقراءة ذلك الحرف في غير الموضع على خلاف ذلك كما قرأ نافع يحزن.. ثم ختم كلامه بقوله: "وهذا واضح في التمسك بالأثر".جمال القراء 2/644.شلبي 15.
وقال شلبي أيضا: "مايوضح صلة القراءات بالسند المتصل ..وأن ذلك ركن القراءة قول ابن الجزري في تعريف القراءات هي علم بكيفية اداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة. منجد/3.
وما أخبر به الأصمعي .. أن أبا عمرو بن العلاء ...يقول لولا أنه ليس لي أن أقرا إلا بماقد قرئ لقرأت حرف كذا كذا، وحرف كذا كذا / السبعة /48.
وماجاء عن علي رضي الله عنه: " قال نزل القرآن بلسان قريش وليسوا بأصحاب نبر ولولا أن جبريل نزل بالنبر على النبي صلى الله عليه وسلم ماهمزنا وهو لغة قريش وأهل الحجاز .المفصل لابن يعيش 9/108.
وفي السبعة قال: حدثني ... قال قلت لأبي عمرو بن العلاء (وبركنا عليه) في موضع (وتركنا عليه) في موضع أيعرف هذا ؟ فقال مايعرف إلا أن يسمع من المشايخ الأوليين.
وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرا (يقص الحق) فقلت له إن أباعمرو يقرأ (يقض الحق)..وقال: القضاء مع الفصل، فقال نافع: وي ياأهل العراق تقيسون في القرآن.
ومعنى قول أبي عمرو " القضاء مع الفصل" أي إني اخترت هذه لهذا، ولم يرد رد القراءة الأخرى..
ومعنى قول نافع: "تقيسون في القرآن" لم يرد به أن قراءتهم أخذوها بالقياس، وإنما يريد أنهم اختارو ذلك لذلك، والقراءتان ثابتتان...
وقال ابن أبي هاشم: "يريد أنا لم نأخذ القراءة على قياس العربية إنما أخذناها بالرواية"./16.
ــــــــ
(2) البحث الثاني ( الاختيار في القراءات القرانية وموقف الهذلي ت465هـ منه)،
وهو بحث مستل من رسالة دكتوراة للدكتور نصر سعيد،وعنوانها اختيارات أبي القاسم الهذلي من خلال كتابه الكامل في القراءات الخمسين،
وإليك أخي القارئ بعض ماعرضه هذا البحث القيم:
قام الدكتور بذكر عشرة فصول مسبوقة بمقدمة ومشفوعة بخاتمة، في الفصل الأول بين معنى الاختيار في باب القراءة، نشاة الاختيار، فشروط الاختيار ،وفي الفصل السادس معايير الهذلي في اختيار القراءات ،وفي التاسع موازنة بين اختيارات أبي عبيد وأبي حاتم والهذلي ،والعاشر اختيارات الهذلي في الميزان، ثم النتائج.
- في الفصل الأول أورد معاني الاختيار اللغوية ، كالاصطفاء والانتقاء ثم فرق بينها فالاصطفاء أخص من الاختيار ويختلف عن الانتقاء، والفرق بينه وبين الإرادة على أساس أصل الاختيار وهو أن المختار المريد لخير شيئين ، ولو اضطر إلى إنسان إرادة شيء لم يسم مختارا /14،
وذكر الفرق بين الاختيار والإيثار وهو أن الإيثار هو الاختيار المقدم ، وكان العلماء اصطلحوا على الاختيار وليس الإيثار .
-ثم عرّف معنى الاختيار في باب القراءة : بأن يعمد من كان أهلا له إلى القراءات المروية فيختار منها ماهو الراجح عنده ويجرد من ذلك طريقا في القراءة على حدة/ التبيان للجزائري 121، نصر سعيد 15.
ثم قال نصر سعيد: "ومعنى ذلك أن ينتقي من له الاختيار من القراءات المروية ماهو راجح عنده بناء على فكرة معينة سواء ذكرها أم لم يذكرها ثم هو لم يتقيد بمذهب بعينه ولم ينسب الى مصدر بذاته، فأبو القاسم الهذلي مثلا انتقى أصول قراءته ومفراداتها من عدد كبير من شيوخ عصره بلغ عددهم ثلاثمائة وخمسة وخمسين إماما من أرباب الاختيارات الذين بلغوا رتبتها أي السبعة والعشرة فهو لم يترك إماما ...حتى فند قراءته ثم اختار من مجموع هذه القراءات مارءاه راجحا عنده/15
- ثم عرض للتوسع في إطلاق الاختيار:
وذكر أنّ توسع العلماء في الإطلاق ...لبيان سبب نسبة القراءة إلى القارئ..وأنه اختياره وليس اختراعه أو اجتهاده/17.
وذكر أن من التوسع قول الداني: " إن معنى إضافة الاختيار..إلى من أضيف إليه ..أنه كان أضبط..وإضافة الحروف والقراءات الى أئمة القراء بالأمصار..أي اختار ذلك الإمام (القراءة بذلك الوجه من اللغة) وأثره على غيره..حتى اشتهر به ..وأخذ عنه، فلذلك أضيف إليه دون غيره..وهي إضافة اختيار ودوام لاإضافة اختراع../جامع الداني. نصر سعيد/18 .
ثم ذكر منهج الاختيار في تاريخ القراءات وأنه نشأ عنه ماعرف بالقراءات السبع أو العشر./18 نصر سعيد
وأنه ابن مجاهد قد اختار القراءات السبع للقراء السبعة وارتضى الأكثرون اختياره وإن عارضه بعضهم. /السابق
وأن شوقي ضيف محقق السبعة سمى الانفرادات اختيارات،ولم يوافقه على ذلك أي نصر سعيد.. نصر سعيد /19
وأن لفظ اختار ورد عند ابن الباذش 1/55، وشعبة غاية نهاية 1/292 والبغوي، والنشر1/38، وقابة /262،
والحاصل إطلاق اللفظ (الاختيار) على القراءة جائز عندما نريد أن نوضح معنى إضافة القراءة الى فلان.. وإطلاقها على مافعله ابن مجاهد في انتقاء السبعة ...جائز من باب المعنى اللغوي للاختيار فهي كلمة موجودة منذ نشأت الاختيار.
كما فرق بين القراءة والاختيار: فذكر أن القراءة هي أن يكون للمقرئ قراءة ...والاختيار أن يأخذ من مجموع القراءات ..حروفا يفضلها لسبب..قد يكون حرف منها من قراءة في حين يكون الحرف الآخر من قراءة اخرى /16، قراءات القراء المعروفين للاندراي/28.
- وفرق كذلك بين الاختيار والانفراد: وأنهما بمعنى الانتقاء لبعض القراءات والأوجه القرآنية التي يرجحها من اختارها أوانفرد بها بسند صحيح ،ولكن الانفراد فيه معنى يختلف عن الاختيار فهو ماانفرد به إمام أو راو من قواعد وأحكام قرائية أوحروف معينة من أول القرآن إلى آخره مع التزامه في بقية المواضع بماقرأ به الشيخ الإمام ولذلك سمي انفرادا أي أنه سار على قراءة معينة من أول القرآن في حروف معينة انفرد بها روضات الجنات فيما انفرد به ثلاثة الدرة محمود علي بسة /6.
مثال الانفراد انفرد أبوجعفر عن غيره من العشرة من تسهيل همز (اسرائيل) مع التوسط وصلا فقط في القرآن كله /السابق
فهذه انفرادات ألف فيها البعض .السابق 16.
متى نشأ الاختيار: لمعرفة ذلك نبحث في المراحل التي مرت بها القراءة..في عهد النبي صلى الله عليه وسلم..ومعنى قولهم اختار النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهذه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟
وكان جوابه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، أو اختار النبي صلى الله عليه وسلم ...تطلق على كل قراءة ليست منسوبة إلى أحد من أئمة الرواية ونقلها المحدثون وهي كثيرة في محتسب ابن جني وغيره../26
ولمعرفة ذلك أيضا ذهب الدكتور نصر إلى أن إنزال القرآن على سبعة أحرف من أول مانزل في مكة /32.
اختيار الصحابة: في العهد المدني يختار بعض الصحابة من الأحرف حرفا معينا تعلمه من رسول الله...لحديث البخاري عمر رضي الله عنه مع هشام بن حكيم.../35.
الأحرف السبعة (وعلاقتها بالاختيار):
-في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
القراءات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت وحيا ..وليس مافهم من الحديث أنه التوسيع على المسلمين أول الامر ..بحجة الأمية..وغيره كله لاحجة فيه..لأن المسلمين كان لديهم فسحة في أن يختاروا من القراءات المختلفة مايناسب ألسنتهم ...والعربي قد ينتقل لسانه من لهجته إلى لهجة أخرى فيستعملها كما ذكر ابن جني فيصعب عليه نطق لفظة من لهجة عربية غير لهجته في القرآن .
وأن الأمر في قراءة القرآن أمر إتاحة في اتباع القراءة لا أمر إباحة في اختراع قراءة حتى لايظن ظان أن المسلمين في أول أمرهم كانوا يتعبدون بقرآن اخترعوه تيسيرا ثم نسخه الله وأقر قرانه، نعوذ بالله من هذا القول/43 .
وقد رد الألوسي على السيوطي بقوله: "فكم من صحابي هو من قبيلة وعى كلمة نزلت بلغة قبيلة أخرى ..وليس له أن يغير ماوعى..وهذا يدل على أن مرجع السبع الرواية لا الدراية..فرَدُّ الإمام السيوطي لا أدري ماذا أراد منه ؟روح المعاني1/21. نصر سعيد 44
ملاحظات للدكتور نصر سعيد:
- من القراءات مامرده اللهجات،ومنها الإعراب والاختلاف في الصيغ ،والمرادف، وعليه فتفسير الأحرف بأنها القراءات المتعددة قول سديد..ولايحدد الرقم سبعة بل يطلقه ..كما يلاحظ التكلف في تفسير الأحرف بسبعة لغات أو سبعة أوجه كقول الرازي..كما أن من التكلف الوقوف عند رأي واحد ..حيث يمكن أن تكون الآراء الأخرى مجتمعة داخلة في مفهوم الحديث صالحة لتفسيره .../47.
في عهد أبي بكر رضي الله عنه:
-هو أول من جمع القرآن بالأحرف واليه تنسب المصاحف البكرية جمعها في سنة واحدة تقريبا/48.
-لم يحرص الصحابة على أن يكون لدى كل واحد نسخة لأن جمعه لسبب هو خوف ذهاب الحملة،وليس لحدوث خلل في قراءته /49.
اختصاص زيد بهذ الجمع كان لأمور/49، هذا الجمع يحتمل أن له علاقة بالاختيار في القراءة ..يفسر باختيار زيد ..وأنه شهد العرضة الأخيرة ..فكان أبوبكر رضي الله عنه أراد جمعه من العسب..وجمعه بالقراءات التي استقرت بالعرضة الاخيرة/50.
وفي عهد عمر رضي الله عنه: ظهرت المصاحف في الأمصار بإملاء كبار الصحابة الذين كانوا يعلمون القرآن فكان ابن مسعود رضي الله عنه يملي المصاحف في الكوفة في خلافة عمر رضي الله عنه . ابن أبي داود 137.
وكان اختيار عمر رضي الله عنه هو لغة قريش حيث أنكر على ابن مسعود رضي الله عنه لغة هذيل..
وابن عبد البر قال : "يحتمل أن هذا من عمر رضي الله عنه على سبيل الاختيار لا على أن قراءة ابن مسعود رضي الله عنه (بلغة هذيل) لاتجوز ، وقال ابن عبد البر : إذ أبيحت قراءته على سبعة أوجه أنزلت، جاز الاختيار فيما أنزل. الكلم الحسان/20،نصر سعيد 51
ورأي عمر رضي الله عنه في اختيار أبي رضي الله عنه ، قال" إنا لنرغب عن كثير من لحن أبي يعني لغة أبي رضي الله عنه. المصاحف 41.نصر 51.
نتائج هذه البحث القيم:
-الأصل في الاختيار صحة السند وليس لهجة القبيلة/121 .
-حد الاختيار انتقاء القارئ لحروف معينة لعلة ما من جملة قراءات بشرط أن يكون أهلا للاختيار ...واختياره ضمن القراءات المروية .
ويختلف عنه الانفراد في التزام المنفرد قراءة معينة مع اختيار بعض الحروف الأخرى من قراءات غيرها .. /121
- الاختيار نشأ منذ عهد الصحابة/121
- اختيارات الهذلي من أهم الاختيارات إذ كلما كثرت القراءات صعبت الاختيارات./122.
- عدم الجزم بنزول الأحرف بالمدينة وخلو المكي من القراءات حكم بظن، لاحتمال وجود قراءات أنزلت في العهد المكي لنزول أكثر القرآن في مكة وحاجة الدعوة لعدد من القراءات .
- ثم طرح الباحث موضوعا جديدا وهو دراسة موضوع الاختيار في القراءات دراسة متأنية تشمل جوانبه التاريخية واللغوية والمنهجية ، وكذلك دراسة علل الاختيار ات وبيان الفروق الأساسية بين اختيارات القراء/122.
أخيرا: هذا بعض ماأردت بيانه في مسألة وقوع الاختيار من القراء،
وبعد التعرف على ماسبق من دراسات قيمة، أجد من المهم البحث عن
أمر مهم أشار علي به بعض المتخصصين في القراءات ألا وهو الخاجة إلى تبيين صورة هذا الاختيار في واقع القراءات الحالي:
على أساس هل الاختيارات كانت معروفة وصورتها هي أن تكون من أول القرآن الى آخره ..باختيار واحد؟ مثلا: هل تكون على شكل رواية حفص بطريق عمرو،ثم من طريق عبيد ..كل واحدة من اول القرآن إلى آخره ...
وهو أمر معمول به في الإقراء الآدائي..
- أو أن يكون بجمع حروف ثم قراءتها مجموعة كحروف منتقاة خلال القراءة على الشيوخ أو من الكتب، لكل قارئ،أوراو أوطريق على حدة ، أي أننا عند القراءة نذكرقارئا نذكر له حروفا قرأها في هذا الموضع،أو أخرى في مواضع أخرى، دون أن يكون ذلك من أول القرآن الى اخره....
- وهذا معمول به في القراءات المدونة في الكتب والمتون التي جمعتها. مما لايعد قرانا لكنه طريقة لجمع الاختيارات في وقت واحد لقارئ أو مجموعة قراء..
وأختم أخيرا: بأن الإجابة عن هذا الأمر المهم شديد الأهمية عند القراء اليوم، وتتطلب معرفته بحوثا جديدة. والله أعلم.
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد:
فهذا بحث سيجلي -إن شاء الله - مسألة (وقوع الاختيار من القراء وحقيقتها)، ويرد على شبهة كان قد طرحها الباحث الموريتاني الأستاذ الحسن ولد ماديك -حفظه الله-في ملتقى أهل التفسير، ثم أصدر فيها حكمه الجرئ بأن القراء كانوا من الجرأة بحيث قرأوا بغير مانزل، وأن اختيارات كبار القراء منهم كابن مجاهد. والداني –رحمهما الله ..وغيرهما ، هي اختيارات مبكية.
ويظهر والله أعلم أن الأمر غير ذلك،وأن (الاختيار) له حجيته عند القراء ،وله تعلقه الواضح بتاريخ علم القراءات،وبأدلته التاريخية الموثوقة، وبمراجعه الوافية الأصيلة،وبتأصيلات العلماء الدقيقة له في كتبهم،كمكي في الإبانة ،وأبي شامة في المرشد الوجيز ،وغيرهما، التي وصلوا فيها إلى الاستناد إلى الاختيارات الثابتة ، الواردة عن كبار القراء كالإمام نافع بن أبي نعيم الليثي وغيره، وعن العلماء المدققين كأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي حاتم السجستاني،والإمام الطبري، والإمام أبي القاسم الهذلي،وغيرهم،
وهذا كله جعل عددا من الباحثين المحققين المعاصرين، يؤلف في الاختيار بحوثا مهمة ، ككتاب الاختيار في القراءات منشؤه ومشروعيته وتبرئة الإمام الطبري من تهمة إنكار القراءات المتواترة، للدكتور عبد الفتاح اسماعيل شلبي ، وكتاب الاختيار في القراءات القرانية وموقف الهذلي منه، للدكتور نصر سعيد وغيرهما..
وزيادة في توضيح هذه المسألة للقراء الكرام، وإبراز حقيقتها الجلية عند القراء، سأعرض -إن شاء الله - لما أورده هذان الكتابان الجليلان من أدلة وبراهين، ونتائج مهمة فيه، ثم أكشف عن مسائل جديدة في الموضوع ظهرت لي بعد البحث والتأمل.
وليعذرني القارئ في كثير من الاختصارات، في المسميات،والإحالات، والنقول ، وبإمكان من أراد متابعة ذلك مراجعة ذلك في أصول مانقلته.
(1) البحث الأول: فيه معنى الاختيار ومنشؤه:
وإليك أخي القارئ بعض ماعرضه هذا البحث القيم :
يقول عبد الفتاح شلبي : " لعل أول من ذكر معنى الاختيار، ومنشأه الإمام أبوجعفر الطبري... جاء في كتاب المرشد الوجيز: قال الإمام أبوجعفر الطبري " الأمة أمرت بحفظ القرآن، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت ....وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت فرات لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد -قراءته بحرف واحد- ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية ،ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أذن في قراءته به". مرشد/139، شلبي 6.
ويقول أيضا "والطبري في هذا النص يشرح رأيه في أن القراءات التي يحتملها رسم المصحف العثمان رضي الله عنهي إنما هي حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم والأمة مخيرة بين هذه القراءات التي يشتمل عليها الحرف الواحد.."تفسير الطبري1/58.
ويقول أيضا : "والإمام أبوعمر رضي الله عنه و الداني أكثر وضوحا من الطبري في شرحه معنى الاختيار ومنشأه في القراءات ، إذقال في جامع البيان " وجه الاختلاف في القراءات أن رسول الله كان يعرض القرآن ...فكان جبريل يأخذ عليه في كل عرضة بوجه وقراءة من هذه الأوجه والقراءات المختلفة ..ولذلك أباح لأمته القراءة بماشاءت منه مع الإيمان بجميعها ولم يلزم أمته حفظها كلها ..بل هي مخيرة في القراءة بأي حرف شاءت منها...كتخييرها... بأي الكفارات شاءت ... فكذا أمروا بحفظ القرآن ..ثم خيروا في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءوا..إذلم يلزموا باستيعابها كلها..جامع البيان /...شلبي/7
ويضيف : " أن الداني قال في موضع آخر "إن معنى إضافة كل حرف مما أنزل الله ..إلى من أضيف من الصحابة كأبي ..من قبل أنه كان أضبط له وأكثر قراءة وإقراء به وملازمة له ..وكذلك إضافة الحروف والقراءات إلى أئمة القراءة بالأمصار المراد بها أن ذلك القارئ ..اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة وآثره على غيره وداوم عليه ولزمه حتى اشتهر وعرف به وقصد فيه وأخذ عنه فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء وهذه الإضافة إضافة اختيار ودوام ولزوم لا إضافة اختراع ورأي واجتهاد. شلبي/7.
ثم عرض لبعض القضايا المتصلة بالاختيار:
كالقراءة سنة ، وهي قضية مرتبطة لأن اختيار القراء مشروط بأن يكون مما تلقاه رسول الله .. فتبين أن أصحاب القراءات من أهل الحجاز والشام والعراق كان منهم من عزى قراءته التي اختارها إلى رجل من الصحابة قرأها على رسول الله .../10 شلبي.تفسير القرطبي /58.
قال ابن مجاهد: " القراءة التي عليها الناس هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم وقام بها في كل مصر رجل ممن أخذ من التابعين أجمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيه طريقه وتمسكوا بمذهبه.البرهان1/338. شلبي/11.
ثم قرر شلبي: أن الاصل في سنة القراءة ... وأن الأصل الذي يعتمد عليه أن ماصح سنده واستقام وجهه في العربية ووافق لفظه خط المصحف...ومتى فقد واحدا فاحكم بأنها شاذة..النشر 1/44
قال شلبي: "وعلى هذا فالاختيار مشروط بسنة القراءة ..فلواجتمع عدد لايحصى ..فاختار كل منهم حروفا بخلاف صاحبه وجرد طريقا في القراءة على حدة في أي مكان كان وفي أي أوان بعد الأئمة الماضيين..بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف بشرط الاختيار لما كان ذلك خارجا عن الأحرف السبعة ..بل فيها متسع إلى يوم القيامة.غاية ابن الجزري1/361.شلبي 13
وقال شلبي: ويلخص السخاوي سنية القراءة فيقول: "واعلم أن أئمة الدين أجمعوا على قراءة السبعة حين اعتبروا قراءتهم...إلى أن يقول: "ومما يوضح تمسك هؤلاء الأئمة بالنقل مانراه في قراءاتهم من قراءة حرف في موضع على وجه وقراءة ذلك الحرف في غير الموضع على خلاف ذلك كما قرأ نافع يحزن.. ثم ختم كلامه بقوله: "وهذا واضح في التمسك بالأثر".جمال القراء 2/644.شلبي 15.
وقال شلبي أيضا: "مايوضح صلة القراءات بالسند المتصل ..وأن ذلك ركن القراءة قول ابن الجزري في تعريف القراءات هي علم بكيفية اداء كلمات القرآن واختلافها بعزو الناقلة. منجد/3.
وما أخبر به الأصمعي .. أن أبا عمرو بن العلاء ...يقول لولا أنه ليس لي أن أقرا إلا بماقد قرئ لقرأت حرف كذا كذا، وحرف كذا كذا / السبعة /48.
وماجاء عن علي رضي الله عنه: " قال نزل القرآن بلسان قريش وليسوا بأصحاب نبر ولولا أن جبريل نزل بالنبر على النبي صلى الله عليه وسلم ماهمزنا وهو لغة قريش وأهل الحجاز .المفصل لابن يعيش 9/108.
وفي السبعة قال: حدثني ... قال قلت لأبي عمرو بن العلاء (وبركنا عليه) في موضع (وتركنا عليه) في موضع أيعرف هذا ؟ فقال مايعرف إلا أن يسمع من المشايخ الأوليين.
وقال الأصمعي: سمعت نافعا يقرا (يقص الحق) فقلت له إن أباعمرو يقرأ (يقض الحق)..وقال: القضاء مع الفصل، فقال نافع: وي ياأهل العراق تقيسون في القرآن.
ومعنى قول أبي عمرو " القضاء مع الفصل" أي إني اخترت هذه لهذا، ولم يرد رد القراءة الأخرى..
ومعنى قول نافع: "تقيسون في القرآن" لم يرد به أن قراءتهم أخذوها بالقياس، وإنما يريد أنهم اختارو ذلك لذلك، والقراءتان ثابتتان...
وقال ابن أبي هاشم: "يريد أنا لم نأخذ القراءة على قياس العربية إنما أخذناها بالرواية"./16.
ــــــــ
(2) البحث الثاني ( الاختيار في القراءات القرانية وموقف الهذلي ت465هـ منه)،
وهو بحث مستل من رسالة دكتوراة للدكتور نصر سعيد،وعنوانها اختيارات أبي القاسم الهذلي من خلال كتابه الكامل في القراءات الخمسين،
وإليك أخي القارئ بعض ماعرضه هذا البحث القيم:
قام الدكتور بذكر عشرة فصول مسبوقة بمقدمة ومشفوعة بخاتمة، في الفصل الأول بين معنى الاختيار في باب القراءة، نشاة الاختيار، فشروط الاختيار ،وفي الفصل السادس معايير الهذلي في اختيار القراءات ،وفي التاسع موازنة بين اختيارات أبي عبيد وأبي حاتم والهذلي ،والعاشر اختيارات الهذلي في الميزان، ثم النتائج.
- في الفصل الأول أورد معاني الاختيار اللغوية ، كالاصطفاء والانتقاء ثم فرق بينها فالاصطفاء أخص من الاختيار ويختلف عن الانتقاء، والفرق بينه وبين الإرادة على أساس أصل الاختيار وهو أن المختار المريد لخير شيئين ، ولو اضطر إلى إنسان إرادة شيء لم يسم مختارا /14،
وذكر الفرق بين الاختيار والإيثار وهو أن الإيثار هو الاختيار المقدم ، وكان العلماء اصطلحوا على الاختيار وليس الإيثار .
-ثم عرّف معنى الاختيار في باب القراءة : بأن يعمد من كان أهلا له إلى القراءات المروية فيختار منها ماهو الراجح عنده ويجرد من ذلك طريقا في القراءة على حدة/ التبيان للجزائري 121، نصر سعيد 15.
ثم قال نصر سعيد: "ومعنى ذلك أن ينتقي من له الاختيار من القراءات المروية ماهو راجح عنده بناء على فكرة معينة سواء ذكرها أم لم يذكرها ثم هو لم يتقيد بمذهب بعينه ولم ينسب الى مصدر بذاته، فأبو القاسم الهذلي مثلا انتقى أصول قراءته ومفراداتها من عدد كبير من شيوخ عصره بلغ عددهم ثلاثمائة وخمسة وخمسين إماما من أرباب الاختيارات الذين بلغوا رتبتها أي السبعة والعشرة فهو لم يترك إماما ...حتى فند قراءته ثم اختار من مجموع هذه القراءات مارءاه راجحا عنده/15
- ثم عرض للتوسع في إطلاق الاختيار:
وذكر أنّ توسع العلماء في الإطلاق ...لبيان سبب نسبة القراءة إلى القارئ..وأنه اختياره وليس اختراعه أو اجتهاده/17.
وذكر أن من التوسع قول الداني: " إن معنى إضافة الاختيار..إلى من أضيف إليه ..أنه كان أضبط..وإضافة الحروف والقراءات الى أئمة القراء بالأمصار..أي اختار ذلك الإمام (القراءة بذلك الوجه من اللغة) وأثره على غيره..حتى اشتهر به ..وأخذ عنه، فلذلك أضيف إليه دون غيره..وهي إضافة اختيار ودوام لاإضافة اختراع../جامع الداني. نصر سعيد/18 .
ثم ذكر منهج الاختيار في تاريخ القراءات وأنه نشأ عنه ماعرف بالقراءات السبع أو العشر./18 نصر سعيد
وأنه ابن مجاهد قد اختار القراءات السبع للقراء السبعة وارتضى الأكثرون اختياره وإن عارضه بعضهم. /السابق
وأن شوقي ضيف محقق السبعة سمى الانفرادات اختيارات،ولم يوافقه على ذلك أي نصر سعيد.. نصر سعيد /19
وأن لفظ اختار ورد عند ابن الباذش 1/55، وشعبة غاية نهاية 1/292 والبغوي، والنشر1/38، وقابة /262،
والحاصل إطلاق اللفظ (الاختيار) على القراءة جائز عندما نريد أن نوضح معنى إضافة القراءة الى فلان.. وإطلاقها على مافعله ابن مجاهد في انتقاء السبعة ...جائز من باب المعنى اللغوي للاختيار فهي كلمة موجودة منذ نشأت الاختيار.
كما فرق بين القراءة والاختيار: فذكر أن القراءة هي أن يكون للمقرئ قراءة ...والاختيار أن يأخذ من مجموع القراءات ..حروفا يفضلها لسبب..قد يكون حرف منها من قراءة في حين يكون الحرف الآخر من قراءة اخرى /16، قراءات القراء المعروفين للاندراي/28.
- وفرق كذلك بين الاختيار والانفراد: وأنهما بمعنى الانتقاء لبعض القراءات والأوجه القرآنية التي يرجحها من اختارها أوانفرد بها بسند صحيح ،ولكن الانفراد فيه معنى يختلف عن الاختيار فهو ماانفرد به إمام أو راو من قواعد وأحكام قرائية أوحروف معينة من أول القرآن إلى آخره مع التزامه في بقية المواضع بماقرأ به الشيخ الإمام ولذلك سمي انفرادا أي أنه سار على قراءة معينة من أول القرآن في حروف معينة انفرد بها روضات الجنات فيما انفرد به ثلاثة الدرة محمود علي بسة /6.
مثال الانفراد انفرد أبوجعفر عن غيره من العشرة من تسهيل همز (اسرائيل) مع التوسط وصلا فقط في القرآن كله /السابق
فهذه انفرادات ألف فيها البعض .السابق 16.
متى نشأ الاختيار: لمعرفة ذلك نبحث في المراحل التي مرت بها القراءة..في عهد النبي صلى الله عليه وسلم..ومعنى قولهم اختار النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهذه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟
وكان جوابه قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، أو اختار النبي صلى الله عليه وسلم ...تطلق على كل قراءة ليست منسوبة إلى أحد من أئمة الرواية ونقلها المحدثون وهي كثيرة في محتسب ابن جني وغيره../26
ولمعرفة ذلك أيضا ذهب الدكتور نصر إلى أن إنزال القرآن على سبعة أحرف من أول مانزل في مكة /32.
اختيار الصحابة: في العهد المدني يختار بعض الصحابة من الأحرف حرفا معينا تعلمه من رسول الله...لحديث البخاري عمر رضي الله عنه مع هشام بن حكيم.../35.
الأحرف السبعة (وعلاقتها بالاختيار):
-في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
القراءات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت وحيا ..وليس مافهم من الحديث أنه التوسيع على المسلمين أول الامر ..بحجة الأمية..وغيره كله لاحجة فيه..لأن المسلمين كان لديهم فسحة في أن يختاروا من القراءات المختلفة مايناسب ألسنتهم ...والعربي قد ينتقل لسانه من لهجته إلى لهجة أخرى فيستعملها كما ذكر ابن جني فيصعب عليه نطق لفظة من لهجة عربية غير لهجته في القرآن .
وأن الأمر في قراءة القرآن أمر إتاحة في اتباع القراءة لا أمر إباحة في اختراع قراءة حتى لايظن ظان أن المسلمين في أول أمرهم كانوا يتعبدون بقرآن اخترعوه تيسيرا ثم نسخه الله وأقر قرانه، نعوذ بالله من هذا القول/43 .
وقد رد الألوسي على السيوطي بقوله: "فكم من صحابي هو من قبيلة وعى كلمة نزلت بلغة قبيلة أخرى ..وليس له أن يغير ماوعى..وهذا يدل على أن مرجع السبع الرواية لا الدراية..فرَدُّ الإمام السيوطي لا أدري ماذا أراد منه ؟روح المعاني1/21. نصر سعيد 44
ملاحظات للدكتور نصر سعيد:
- من القراءات مامرده اللهجات،ومنها الإعراب والاختلاف في الصيغ ،والمرادف، وعليه فتفسير الأحرف بأنها القراءات المتعددة قول سديد..ولايحدد الرقم سبعة بل يطلقه ..كما يلاحظ التكلف في تفسير الأحرف بسبعة لغات أو سبعة أوجه كقول الرازي..كما أن من التكلف الوقوف عند رأي واحد ..حيث يمكن أن تكون الآراء الأخرى مجتمعة داخلة في مفهوم الحديث صالحة لتفسيره .../47.
في عهد أبي بكر رضي الله عنه:
-هو أول من جمع القرآن بالأحرف واليه تنسب المصاحف البكرية جمعها في سنة واحدة تقريبا/48.
-لم يحرص الصحابة على أن يكون لدى كل واحد نسخة لأن جمعه لسبب هو خوف ذهاب الحملة،وليس لحدوث خلل في قراءته /49.
اختصاص زيد بهذ الجمع كان لأمور/49، هذا الجمع يحتمل أن له علاقة بالاختيار في القراءة ..يفسر باختيار زيد ..وأنه شهد العرضة الأخيرة ..فكان أبوبكر رضي الله عنه أراد جمعه من العسب..وجمعه بالقراءات التي استقرت بالعرضة الاخيرة/50.
وفي عهد عمر رضي الله عنه: ظهرت المصاحف في الأمصار بإملاء كبار الصحابة الذين كانوا يعلمون القرآن فكان ابن مسعود رضي الله عنه يملي المصاحف في الكوفة في خلافة عمر رضي الله عنه . ابن أبي داود 137.
وكان اختيار عمر رضي الله عنه هو لغة قريش حيث أنكر على ابن مسعود رضي الله عنه لغة هذيل..
وابن عبد البر قال : "يحتمل أن هذا من عمر رضي الله عنه على سبيل الاختيار لا على أن قراءة ابن مسعود رضي الله عنه (بلغة هذيل) لاتجوز ، وقال ابن عبد البر : إذ أبيحت قراءته على سبعة أوجه أنزلت، جاز الاختيار فيما أنزل. الكلم الحسان/20،نصر سعيد 51
ورأي عمر رضي الله عنه في اختيار أبي رضي الله عنه ، قال" إنا لنرغب عن كثير من لحن أبي يعني لغة أبي رضي الله عنه. المصاحف 41.نصر 51.
نتائج هذه البحث القيم:
-الأصل في الاختيار صحة السند وليس لهجة القبيلة/121 .
-حد الاختيار انتقاء القارئ لحروف معينة لعلة ما من جملة قراءات بشرط أن يكون أهلا للاختيار ...واختياره ضمن القراءات المروية .
ويختلف عنه الانفراد في التزام المنفرد قراءة معينة مع اختيار بعض الحروف الأخرى من قراءات غيرها .. /121
- الاختيار نشأ منذ عهد الصحابة/121
- اختيارات الهذلي من أهم الاختيارات إذ كلما كثرت القراءات صعبت الاختيارات./122.
- عدم الجزم بنزول الأحرف بالمدينة وخلو المكي من القراءات حكم بظن، لاحتمال وجود قراءات أنزلت في العهد المكي لنزول أكثر القرآن في مكة وحاجة الدعوة لعدد من القراءات .
- ثم طرح الباحث موضوعا جديدا وهو دراسة موضوع الاختيار في القراءات دراسة متأنية تشمل جوانبه التاريخية واللغوية والمنهجية ، وكذلك دراسة علل الاختيار ات وبيان الفروق الأساسية بين اختيارات القراء/122.
أخيرا: هذا بعض ماأردت بيانه في مسألة وقوع الاختيار من القراء،
وبعد التعرف على ماسبق من دراسات قيمة، أجد من المهم البحث عن
أمر مهم أشار علي به بعض المتخصصين في القراءات ألا وهو الخاجة إلى تبيين صورة هذا الاختيار في واقع القراءات الحالي:
على أساس هل الاختيارات كانت معروفة وصورتها هي أن تكون من أول القرآن الى آخره ..باختيار واحد؟ مثلا: هل تكون على شكل رواية حفص بطريق عمرو،ثم من طريق عبيد ..كل واحدة من اول القرآن إلى آخره ...
وهو أمر معمول به في الإقراء الآدائي..
- أو أن يكون بجمع حروف ثم قراءتها مجموعة كحروف منتقاة خلال القراءة على الشيوخ أو من الكتب، لكل قارئ،أوراو أوطريق على حدة ، أي أننا عند القراءة نذكرقارئا نذكر له حروفا قرأها في هذا الموضع،أو أخرى في مواضع أخرى، دون أن يكون ذلك من أول القرآن الى اخره....
- وهذا معمول به في القراءات المدونة في الكتب والمتون التي جمعتها. مما لايعد قرانا لكنه طريقة لجمع الاختيارات في وقت واحد لقارئ أو مجموعة قراء..
وأختم أخيرا: بأن الإجابة عن هذا الأمر المهم شديد الأهمية عند القراء اليوم، وتتطلب معرفته بحوثا جديدة. والله أعلم.