حقيقة النوم

إنضم
11/01/2012
المشاركات
3,868
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
67
الإقامة
الدوحة - قطر
النَّوْم فترة من الراحة يفقد النائم خلالها إدراكه بما يحيط به ؛ وهو سر من الأسرار الإلهية الذي لم يوقف بعدُ على حقيقة كنهه ، فلا يزال العلماء يبحثون عن إجابات لأسئلة كثيرة عن الحاجة إلى النوم ؛ فهم لا يعرفون على وجه الدقة - على سبيل المثال - كيف يمكن للنوم أن يعيد للجسم حيويته ؟ وكيف يغيب الإحساس عن النائم وهو لا يزال حيًّا يتنفس ؟
إن النوم آية من آيات الله تعالى يقف الإنسان أمامها خاشعًا مسبحًا بحمد الله تعالى ، مقرًّا له بالربوبية والألوهية جلَّ في علاه .
وهو نعمة عظيمة من نعم الله تعالى ، إذ الإنسان المتعب من كدِّ الحياة ينام فيستيقظ وقد ذهب عنه تعبه وإرهاقه ، قد تجدد نشاطه لاستقبال عمله وكده من جديد ؛ فالنوم نعمة توجب شكر المنعم سبحانه .
والنوم ذكرى تذكر الموتَ والبعثَ ؛ فالنوم موت أصغر ، والاستيقاظ بعث أصغر .
من هنا علَّمنا الرسول الأعظم e آدابًا للنوم تُذكِّر المسلم بأن النوم آية وذكرى ونعمة يجب شكرها .
وللحديث صلة
 
دعوة للتأمل

الليل والنهار آيتان من آيات الله تعالى ، دالتان على عظمته وقدرته ، وقدجاءت كثير من آيات القرآن العظيم تدعو الناس للتأمل والتدبر فيهما ، من ذلك قوله تعالى:] وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ[[فصلت:37]، وقوله Y: ] إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ[[آلعمران: 190 ] ، وقوله U : ] وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [ [ النحل : 12 ] . وقوله سبحانه:] يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ[[النور: 44 ] ؛ وقوله جل وعلا :] وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا[[الفرقان:62]؛وقولهتعالى:] وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا[[الإسراء:12].
فهذه الآيات وغيرها تدعوا أصحاب العقول والأبصار إلى التأمل والتدبر في هاتين الآيتين : الليل والنهار ؛ وجاءت آيات أخر في وصف الليل والنهار ، لتعميق فكر التدبر والتأمل ؛ من ذلك قوله تعالى : ] وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [ [ آل عمران : 190 ] ، فاختلاف الليل والنهار من أعظم آيات الله Y الدالة على كمال قدرته ، ومن أعظم مننه على خلقه ؛ وهذا لا يخفى على أحد من العقلاء ؛لأن اختلاف الليل والنهار يترتبعليهاختلافحالتيالأرضمنضياء وظلمة ، وما في الضياء من الفوائد للناس ، وما في الظلمة من الفوائد لهم لحصول سكونهم واسترجاع قواهم المنهوكة بالعمل ؛ وقد أضيف الاختلاف لكل من الليل والنهار لأن كل واحد منهما يخلف الآخر ، فتحصل منه فوائد تعاكس فوائدالآخر، بحيث لو دام أحدهما لانقلب النفع ضررًا، قال تعالى :] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ . وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ [ القصص : 7173]؛ وسرمدًا، أي : دائمًا، ليلاً واحدًامتصلاً لا يعقبه نهار ، أو نهارًا واحدًا متصلًا لا يعقبه ليل ؛ وقوله تعالى : ] لِتَسْكُنُوا فِيهِ [ يعني الليل ، أي : تنامون فتسكن جوارحكم، فتستريح من تعب الحياة؛ وقوله:] وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ[ يعني بالنهار ؛ وفيها كناية عن العمل والطلب لتحصيل الرزق ، قـال Y : ] وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [ [ المزمل : 20 ] ، والرزق فضل من الله .
وأمرٌ آخر يحتاج إلى تأمل وتدبر في قوله تعالى : ] وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا [ [ الأنعام : 96 ] ، أي : مظلمًا ساجيًا ليسكن فيه الخلق ، فيستريحوا من تعب الكد بالنهار،كما بينَّه قوله تعالى: ] هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا [ [ يونس : 67 ] ، وقال Y : ] اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ [ [ غافر : 61 ] .
فعلاقة النوم بالليل علاقة واضحة - عند التأمل - فالليل وقت الراحة والسكون ؛ لأنه لا يتيسر فيه من الحركة وأنواع الأعمال ما يتيسر في النهار ؛ لما خص به الليل من الإظلام ، والنهار من الإبصار ، وأكثر الأحياء من الإنسان والحيوان تترك العمل والسعي في الليل وتأوي إلى مساكنها للراحة ، التي لا تتم ولا تكمل إلا بالنوم ، الذي تسكن فيه الجوارح والخواطر ببطلان حركتها الإرادية ، كما تسكن به الأعضاء سكونًا نسبيًا .
ومع أن أغلب النوم يكون ليلًا ، لكن الإنسان قد يحتاج إلى النوم نهارًا - أيضًا - فإذا به يجده بلا استدعاء منه .
إنه آية من آيات الله تعالى ؛ ونعمة امتن بها على الإنسان ، وهو يذكره بموته وبعثه ؛ فسبحان المنعم بآياته ، وله الحمد على نعمه كما ينبغي لجلال وجهه ولعظيم سلطانه .
 
مراتب النَّوْمِ
اعلم أن للنوم مراتب ، فالنوم العميق لا يصل الإنسان إليه إلا بتدريج ؛ قال الثعالبي في ( فقه اللغة ) :
أَوَّلُ النَّوْم النُّعَاسُ ، وهُوَ أَنْ يحْتَاجَ الإنْسَانُ إلى النَوْم .
ثُمَّ الوَسَن ، وهو ثِقَل النُّعاسِ .
ثُمَّ اَلتَّرْنِيقُ ، وهو مُخالَطَةُ النُّعاسِ العَيْنَ .
ثُمَّ اَلكَرَى والغُمْضُ ، وهُوَ أنْ يَكُونَ الإنسانُ بين النَّائِمِ واليَقْظَانِ .
ثُمَّ التَّغْفِيقُ ، وهو النَّوْمُ وأنْتَ تَسْمَع كَلاَمَ القَوْم .
ثُمّ الإغْفَاءُ ، وهُوَ النَّوْمُ الخَفِيف .
ثُمَّ التَّهْوِيمُ والغِرَارُ والتَّهْجَاعُ ، وهُوَ النَّوْمُ القَلِيلُ .
ثُمَّ الرُّقَادُ ، وهوَ النَّوْمُ الطَّوِيلُ .
ثُمَّ الهُجُودُ والهُجُوعُ والهُبُوغ ، وهُوَ النَّوْمُ الغَرقُ .
ثُمَّ التَّسْبِيخُ ، وهو أَشَدُّ النَّوْمِ .ا.هـ ( [1] ) .

[1] - انظر ( فقه اللغة ) : 1 / 607 ، بشيء من الاختصار ؛ وذكره القلقشندي في ( صبح الأعشى ) : 1 / 193 ، وذكر بعضه الفيومي في ( المصباح المنير ) مادة ( ن ع س ).
 
فوائد النوم
مع أنَّ النوم يذكِّرُ الإنسانَ بالموت الذي هو نهايةُ كلِّ إنسانٍ في هذه الحياة الدنيا ، وهي فائدة عظيمة ، إلا أن له أيضًا - كما يقول ابن القيم رحمه الله - فائدتان جليلتان ، إحداهما : سكونُ الجوارح وراحتُها مما يَعرض لها من التعب ، فيُريح الحواسَّ مِن نَصَب اليقظة ، ويُزيل الإعياء والكَلال .
والثانية : هضم الغذاء ، ونُضج الأخلاط ؛ لأن الحرارة الغريزية في وقت النوم تَغور إلى باطن البدن ، فتُعين على ذلك ، ولهذا يبرد ظاهره ويحتاج النائم إلى فضل دِثَار ( 1 ) .

1 - انظر زاد المعاد : 4 / 219 ، والدثار ما يلبس من ثوب على الثوب الداخلي ، والداخلي يسمى شعار .
 
النوم آية
النوم آية من آيات الله تعالى ؛ قال Y : ] وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [ [ الروم : 23 ] .
نعم ؛ النوم آية دالة على قدرة الله تعالى ، وأنه الخالق العظيم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ؛ إذ النوم دليل ضعف وعجز ، وهذه صفة المخلوق ، أما الخالق Y فلا يحتاج إلى ذلك .. سبحانه ، قال U : ] اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [ [ البقرة : 255 ] ، قال ابن كثير - رحمه الله : أي لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه ، بل هو قائم على كل نفس بما كسبت ، شهيد على كل شيء ، لا يغيب عنه شيء ، ولا يخفى عليه خافية ، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم ؛ فقوله : ] لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ [ أي : لا تغلبه سنة ، وهي الوسن والنعاس ، ولهذا قال : ] وَلا نَوْمٌ [ لأنه أقوى من السنة ( [1] ) ؛ وفي الصحيح عَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ e بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ : " إِنَّ اللهَ U لَا يَنَامُ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ، حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ " ( [2] ) ؛ وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس : أن بني إسرائيل قالوا : يا موسى هل ينام ربك ؟ قال : اتقوا الله ؛ فناداه ربه U : يا موسى سألوك : هل ينام ربك ؟ فخذ زجاجتين في يديك فقم الليلة ؛ ففعل موسى فلما ذهب من الليل ثلث نعس فوقع لركبتيه ، ثم انتعش فضبطهما ، حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا ، فقال : يا موسى لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكت كما هلكت الزجاجتان في يديك ؛ فأنزل الله U على نبيه e آية الكرسي ( [3] ) .
والنوم آية دالة على ضعف المخلوق ، وأنه مفتقر إلى الله تعالى في كل أموره ؛ فهل أحد إذا أراد النوم يستدعيه ، فيقول : يا نوم أقبل ؟ أو يحتال على النوم فينام ؟ أم أن الإنسان مقهور أمام النوم ، لا سلطان له عليه ، بل النوم سلطان حتى على السلطان .
فما أحد من المخلوقات إلا ويهجم عليه النوم هجومًا ، فتراه قد ثقلت رأسه ، وفترت أعضاؤه ، وأغلقت جفون عينيه ، فإن حاول أن يغالب النوم نام على الحال التي هو عليها على رغم أنفه ... فليس للإرادة البشرية قدرة على دفع السَّنة ومنع النَّوم ، لأنَّه من الأمور القهرية الخارجة عن قدرة المخلوقين ... إنه آية من آيات الله تعالى .
وكذلك من أصيب بالأرق ، لا يستطيع أن يأتي بالنوم إلا عن طريق أسباب طبية وقتية جعل الله تعالى فيها ذلك ، لكنه مع ذلك إذا استيقظ لا يشعر بالراحة التي تكون عقب النوم الطبيعي الذي جعله الله تعالى آية لخلقه .
والنوم آية من آيات الله الدالة على قدرته على البعث والجزاء ؛ فالنوم موت أصغر ، والاستيقاظ بعث أصغر ، وهي عملية تتكرر كل يوم وليلة في هذه الحياة الدنيا .

[1] - انظر تفسير ابن كثير عند الآية ( 255 ) من سورة البقرة .

[2] - رواه أحمد : 4 / 395 ، 400 ، 405 ، ومسلم ( 179 ) ، وابن ماجة ( 195 ، 196 ) .

[3] - ابن أبي حاتم ( 2580 ) وإسناده حسن ، ومن طريقه رواه أبو الشيخ في العظمة : 2 / 452 : 454 ( 22 ) ، ورواه الضياء في المختارة : 10 / 113 ، 114 ( 111 ) ، من طريق ابن مردويه مرفوعًا ؛ والموقوف أشبه .
 
جزاكم الله خيرا، هل تكلّم ابن القيم في مفتاح دار السعادة في كون النوم يذكِّرُ الإنسانَ بالموت و الاستيقاظ منه بعث أصغر؟
 
وجزاك الله مثله - أخي الكريم ، ولم أجد في ( مفتاح دار السعادة ) الإشارة إلى ذلك ؛ والذي وجدته فيه بعد بحث ( 1 / 13 – دار الكتب العلمية ) : وجنة الخلد لا نوم فيها بإجماع من المسلمين ، لأن النوم وفاة ، وقد نطق به القرآن ؛ والوفاة تقلب حال ، ودار السلام مسلمة من تقلب الأحوال ، والنائم ميت أو كالميت .ا.هـ .
 
النوم ذكرى

النوم يُذَكِّرُ الموت ، والاستيقاظ يذكر البعث ، ولذا كان رسول الله e إذا أوى إلى فراشه وضع يده تحت خده ، ثم يقول : " بِاسْمِكَ اللهم أَمُوتُ وَأَحْيَا " وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ : " الْحَمْدُ لله الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " ( [1] ) .
فهو ذكرى للإنسان في كل يوم بالموت وبما بعد الموت .
قال الله تعالى : ] اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [ [ الزمر : 42 ] .
والمعنى أن الله تعالى ينهي حياة العباد بقبض أرواحهم عند نهاية آجالهم ؛ وهو يتوفاها كذلك في منامها وإن لم تمت بعد ، ولكنها في النوم متوفاة إلى حين ، فيحبسها عن التصرف كأنها ميتة ؛ ] فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [أي: يقبضها لحكمه بالموت عليها حال النوم فلا تستيقظ ، ] وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً [ أي : التي لم يحكم بموتها يرسلها فتصحو ويحيى صاحبها إلى نهاية أجله المعدود له ، فالأنفس في قبضته دائمًا في صحوها ونومها ، ] إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [ أي : في قبض الأرواح وإرسالها نومًا وموتًا واستيقاظًا دلائل وبراهين على قدرة الله تعالى على البعث الذي أنكره المشركون .
وفي قوله تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ [ الأنعام : 60 ] ؛ تقرير للمعنى السابق من أن النوم والاستيقاظ يمثلان الموت الأصغر والبعث الأصغر ، وفيهما ذكرى للعاقل بالموت الأكبر والبعث الأكبر .
فقوله تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [ أي : بالنوم ، ] وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ [ أي: ما كسبتم بالنهار ؛ ] ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ [ أي : في النهار؛ فسمى الاستيقاظ بعثًا ، ثم ذكر بالأجل الذي فيه تذكير بنهاية الحياة بالموت ، والمرجع إليه والمحاسبة ، والذي فيه تذكير بالبعث بعد الموت .

[1] - رواه البخاري ( 6312 ، 6314 ، 6324 ، 73994 ) عن حذيفة t ؛ ورواه أيضا ( 5966 ) عن أبي ذر t؛ ورواه مسلم ( 2711 ) عن البراء t .
 
التعديل الأخير:
النوم نعمة عظيمة

لما كان النوم آية عظيمة من آيات الله تعالى ، وفيها ذكرى للبشر ، كان نعمة جليلة ، وكان وقته الغالب وهو الليل نعمة - أيضا - كما أنَّ النهار نعمة ؛ وفي قوله e عند الاستيقاظ : " الْحَمْدُ لله الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " إشارة إلى ذلك ، إذ الحمد واجب للنعمة ؛ ويبين هذا المعنى قوله U : ] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ . قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ . وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ [ القصص : 71 – 73 ] ؛ فقوله : ] لِتَسْكُنُواْ فِيهِ [ أي : في الليل ، وقوله : ] وَلِتَبتَغُواْمِن فَضْلِهِ [ أي : في النهار ؛ وقوله : ] وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [ أي : نعمة الله عليكم في ذلك ؛ قال ابن عاشور - رحمه الله : ووصف الليل بـ ] تَسْكُنُونَ فِيهِ [[ القصص : 72 ] ، إدماج للمنة في أثناء الاستدلال ، للتذكير بالنعمة المشتملة على نعم كثيرة، وتلك هي نعمة السكون فيه[أي : في الليل]، فإنها تشمل لذة الراحة ، ولذة الخلاص من الحر ، ولذة استعادة نشاط المجموع العصبي الذي به التفكير والعمل ، ولذة الأمن من العدوِّ ( [1] ) . والعلم عند الله تعالى .

[1] - انظر التحرير والتنوير عند الآية ( 71 – 73 ) من سورة القصص .
 
النوم طبيعي وغير طبيعي
قال ابن القيم - رحمه الله : النوم حالة للبدن يَتبعُها غوْر الحرارةِ الغريزية والقُوى إلى باطن البدن لطلب الراحة ، وهو نوعان : طبيعي ، وغيرُ طبيعي .
فالطبيعي : إمساك القُوى النفسانية عن أفعالها ، وهى قُوَى الحِسِّ والحركة الإرادية ، ومتى أمسكتْ هذه القُوَى عن تحريك البدن اسْتَرخى ، واجتمعتْ الرطوباتُ والأبخرةُ التي كانت تتحلَّل وتتفرَّق بالحركات واليقظة في الدماغ الذي هو مبدأ هذه القُوَى ، فيتخدَّرُ ويَسترخِى ، وذلك النومُ الطبيعي .
وأمَّا النومُ غيرُ الطبيعي ، فيكونُ لعَرض أو مرض ، وذلك بأن تستوليَ الرطوباتُ على الدماغ استيلاءً لا تقدِرُ اليقظةُ على تفريقها ، أو تصعد أبخرةٌ رَطبة كثيرة كما يكون عقيبَ الامتلاء مِن الطعام والشراب ، فتُثقِلُ الدماغ وتُرخيه ، فَيتخدَّرَ ، ويقع إمساكُ القُوَى النفسانية عن أفعالها، فيكون النوم ( [1] ) .

[1] - انظر زاد المعاد : 4 / 219 .
 
أحسن الله إليـكم، وجزاكم خيرًا، لا سيمـا إدراجكم لكلمات ابن القيم ـ رحمه الله ـ ..
 
..أنواع النوم وما يتعلق بكل نوع
يتنوع النوم بحسب الوقت أو الحال أنواعًا ؛ أما بحسب الوقت فقال الله تعالى :  وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ  [ الروم : 23 ] ؛ فالنوم نوعان ؛ الأول : نوم بالليل ، وهو الأصل ؛ والثاني : نوم بالنهار عند الحاجة .
..أنواع النوم بحسب الوقت
أنواع نوم الليل
لنوم الليل نوعان هما :
1 - النوم قبل العشاء الآخرة ؛ روى الجماعة عن أبي برزة  أن النبي  كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا ( 1 ) ؛ قال الترمذي - رحمه الله : وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ، والحديث بعدها ، ورخص في ذلك بعضهم ؛ وقال عبد الله بن المبارك : أكثر الأحاديث على الكراهية ، ورخص بعضهم في النوم قبل صلاة العشاء في رمضان .ا.هـ . قال ابن حجر - رحمه الله : ومن نقلت عنه الرخصة قيدت عنه في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه ، أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم ؛ وهذا جيد حيث قلنا : إن علة النهي خشية خروج الوقت ، وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء ، والكراهة على ما بعد دخوله ( 2 ) .
والعلة في كراهة النوم قبل صلاة العشاء لأنه مظِنّة تضييع صلاة العشاء ، فإن من كان يجهد في عمل النهار فإنه - غالبًا - إذا نام بعد المغرب فاتته العشاء ؛ قال النووي رحمه الله : قال العلماء : سبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم ، أو لفوات وقتها المختار والأفضل ، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة ؛ وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه ، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل ؛ ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا ؛ قال العلماء : والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها ، أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه ، وذلك كمدارسة العلم ، وحكايات الصالحين ، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم ، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك ، فكل هذا لا كراهة فيه ، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه والباقي في معناه ؛ ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها ( 3 ) .
وقال ابن الملقِّن : سبب الكراهة [ للحديث ] بعدها أن الصلاة قد كفَّرت خطاياه فينام على سلامة ، وقد خُتِم كتاب صحيفته بالعبادة .ا.هـ . وما أجمل هذا الوجه عند التأمل ؛ وكانت عائشة - رضي الله عنها - تقول لمن يسمر : أريحوا كُتَّابَكم ؛ تعني الملائكةَ الكاتبين ( 4 ) .

..مفهوم الحديث وواقع الناس
يعجب العاقل من أحوال الناس اليوم ، فإن كثيرًا منهم يخالفون الحكمة من خلق الليل والنهار ؛ وقد أشار إلى ذلك القرطبي - رحمه الله - في ( المفهم ) ، قال : ويظهر لي أن كراهة ذلك إنما هو لَمَّا أن الله جعل الليل سكنًا - أي : يسكن فيه - فإذا تحدث الإنسان فيه فقد جعله كالنهار الذي هو متصرَّف المعاش ، فكأنه قصد إلى مخالفة حكمة الله تعالى التي أجرى عليها وجوده .ا.هـ .
قلت : هذا وجه حسن ، وقد رأينا آثاره السلبية في عصرنا هذا بعد اكتشاف الكهرباء واختراع أجهزة حولت ليل الناس من سكن إلى ضده ؛ حتى أصبح الذي لا يسهر يُستغرب حاله .
سبحان الله ! كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ  يَضْرِب النَّاس عَلَى ذَلِكَ وَيَقُول : أَسَمَرًا أَوَّلَ اللَّيْل وَنَوْمًا آخِرَهُ ؟ يستغرب ممن يسهر أول الليل ثم ينام آخره مضيعًا بذلك على نفسه ما في آخر الليل من الفضل ؛ فما أحوج كثير من الناس اليوم إلى درة عمر  .
أما العقلاء فيكفيهم أن يراجعوا أنفسهم في فهم الحكمة من الليل والنهار ، ليصلحوا مسيرتهم ، فالقاعدة ( اضبط ليلك تنضبط حياتك ) .
وأمر آخر لابد من التنبيه عليه ، وهو أن الحديث المكروه بعد العشاء هو ما كان مباحًا قبله ؛ أما ما كان مكروهًا من الأحاديث قبل العشاء فتشتد كراهته بعد العشاء ، وما كان منها محرمًا فتشتد حرمته .
فإذا كان هذا في الأحاديث ، فما بالنا بالمشاهدات والأفعال ؟ أعاذنا الله تعالى مما يسخطه ، ووفقنا والمسلمين لما يرضيه ... آمين

( 1 ) - أخرجه أحمد : 4 / 420 ، 423 ، 424 ، والبخَارِي ( 516 ، 522 ، 574 ، 737 ) ، ومسلم ( 647 ) ، وأبو داود ( 398 ، 4849 ) ، والتِّرمِذي ( 168 ) ، والنَّسائي ( 495 ، 525 ، 530 ) ، وابن ماجة ( 701 ) .
( 2 ) انظر ( فتح الباري ) : 2 / 49 ؛ والمقصود بوقت الاختيار هو الوقت الذي لا تخرج الصلاة فيه عن وقتها .
( 3 ) شرح النووي على مسلم : 5 / 146 ن 147 .
( 4 ) ذكره ابن رجب في ( فتح الباري ) له : 3 / 377 .
 
النوع الثاني : النوم بعد صلاة العشاء

هذا النوم هو الذي خلقه الله تعالى لراحة البدن ، وجعل وقته في الليل ، ويكون بعد صلاة العشاء ، إلا لمصلحة يكون معها شيء من السهر ؛ وهو أنفع النوم ، فإنه يتيح لصاحبه القيام آخر الليل لصلاة ، أو دعاء ، أو استغفار ، أو تلاوة .


أفضل النوم

في حديث النبيe:" أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا ؛ وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ " متفق عليه ( [1] ) ، ما يدل على أن أفضل النوم هو نوم داود u، وهو أن ينام الإنسان نصفالليل ، ثم يقوم ثلثه ، ثم ينام سدسه .
قال ابن القيم - رحمه الله: وأنفع النوم :ماكان عند شدة الحاجة إليه ؛ ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه ، وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه وكثر ضرره ، ولا سيما نوم العصر والنوم أول النهار إلا لسهران ؛ ... إلى أن قال : وبالجملة فأعدل النوم وأنفعه : نوم نصف الليل الأول وسدسه الأخير ، وهو مقدار ثمان ساعات ؛ وهذا أعدل النوم عندالأطباء ، وما زاد عليه أو نقص منه أثَّر عندهم في الطبيعة انحرافًا بحسبه ( [2] ) .
وهنا أجد لزامًا أن أذكِّر بالقاعدة التي نوهت إليها من قبل : ( اضبط ليلك تنضبط حياتك ) ؛ فإن السهر في غير فائدة شرعية يضر بصاحبه ، ويجعل حياته فوضى .


[1] - البخاري ( 1079 ، 3238 ) ، ومسلم ( 1159 ) .

[2] - انظر ( مدارج السالكين ) : 1 / 459 .
 
أنواع نوم النهار
في ( المجالسة ) للدينوري أن عَبْدَ اللهِ بْنَ الْعَبَّاسِ - رضي الله عنهما - مَرَّ بِالْفَضْلِ ابْنِهِ وَهُوَ نَائِمٌ نَوْمَةَ الضُّحَى ، فَرَكَلَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ لَهُ : قُمْ ؛ إِنَّكَ لَنَائِمُ السَّاعَةِ الَّتِي يُقَسِّمُ اللهُ فِيهَا الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ ، أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالَتِ الْعَرَبُ فِيهَا ؟ قَالَ : وَمَا قَالَتِ الْعَرَبُ فِيهَا يَا أَبَتِ ؟ قَالَ : زَعَمَتْ أَنَّهَا مُكْسِلَةٌ مُهْرِمَةٌ مُنْسِأَةٌ لِلْحَاجَةِ ؛ ثُمَّ قَالَ : يَا بُنَيَّ ! نَوْمُ النَّهَارِ عَلَى ثَلَاثَةٍ ؛ نَوْمُ خُرْقٍ ؛ وَهِيَ نَوْمَةُ الضُّحَى ، وَنَوْمَةُ الْخُلُقِ ؛ وَهِيَ الَّتِي رُوِيَ : قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ ، وَنَوْمَةُ الْحُمْقِ ؛ وَهِيَ نَوْمَةُ بَعْدَ الْعَصْرِ ، لَا يَنَامُهَا إِلَّا سَكْرَانٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( [1] ) .
فقسم ابن عباس t نوم النهار إلى ثلاثة أقسام ، وقد جاء هذا التقسيم عن غيره من الصحابة y ؛ فعَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ t قَالَ : النَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ خُرْقٌ ، وَأَوْسَطِهِ خُلُقٌ ، وَآخِرِهِ حُمْقٌ ( [2] ) ؛ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو t قَالَ : النَّوْمُ ثَلاثَةٌ : فَنَوْمٌ خُرْقٌ ، وَنَوْمٌ خُلُقٌ ، وَنَوْمٌ حُمْقٌ ؛ فأما نومة الخرق فنومة الضحى ، يقضي الناس حوائجهم وهو نائم ؛ وأما نومة الخُلُقِ فَنَوْمَةُ القائلة نصف النهار ؛ وأما نومة الْحُمْقِ فَنَوْمَةٌ حِينَ تَحْضُرُ الصَّلاةُ ( [3] ) .
ومعنى ( خُرْق ) أي : جهل ؛ وأما (خُلُقٌ ) فكأن المراد أن النوم في أوسط النهار خلق ممدوح ، ففيه إشارة إلى قوله e : " قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ " وسيأتي ؛ وقوله : ( وَآخِرِهِ حُمْقٌ ) حقيقة الحمق وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه .
وتفصيل هذه الأنواع الثلاثة كالتالي :
1 - التَّصَبُّح : نُوم الصُّبْحة ، والصَّبْحةُ ( بفتح الصاد وضمها ) ؛ ويقال له – أيضًا : نوم الضحى ، وهو نوم الغداة أول النهار ( [4] ) . وقد كره بعض العلماء النوم في أول النهار إلا لحاجة ؛ لأنه وقتُ الذِّكر ، ثم وقت طلب الكَسْب ، واستدلوا على ذلك بأحاديث ضعيفة ؛ منها ما رواه عبد الله بن أحمد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " الصُّبْحَةُ تَمْنَعُ الرِّزْقَ " ( [5] ) .
والعرب تسمي هذه النومة : نومة الخُرْقِ ، فيقال : إِنَّهُ لَيَنَامُ نَوْمَة الْخُرْق ، وَهِيَ نَوْمَة الضُّحَى ؛ لأنه بذلك يضيع وقت السعي للرزق ، فهو أخرق ؛ وتقدم نهي ابن عباس لابنه عنها ؛ وفي ( شرح مشكل الآثار ) للطحاوي – رحمه الله – عن عبيد بن عمير أن عبد الله بن الزبير قال : يا عبيد بن عمير ، أما علمت أن الأرض عجت إلى ربها U من نومة العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم ( [6] ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله : ونوم الصُّبحة يمنع الرزق ، لأن ذلك وقتٌ تطلبُ فيه الخليقةُ أرزاقَها ، وهو وقتُ قسمة الأرزاق ، فنومُه حرمانٌ إلا لعارض أو ضرورة ، وهو مضر جدًا بالبدن ؛ لإرخائه البدن ، وإفسادِه للفضلات التي ينبغي تحليلُها بالرياضة ، فيُحدث تكسُّرًا وَعِيًّا وضَعفًا ؛ وإن كان قبل التبرُّز والحركة والرياضة وإشغالِ المَعِدَة بشيء ، فذلك الداء العُضال المولِّد لأنواع من الأدواء ( [7] ) .

2 - القائلة والقيلولة : النوم في الظهيرة ، يقال : فُلانٌ يَنَامُ القَيْلُولَة ، وَالْقَائِلَة ؛ وقيل : نومة نصف النهار ، أو الاستراحة فيه ، وإن لم يكن نوم ( [8] ) ؛ ويقال لها أيضًا : الغائرة ، فالتغوير : نوم ذلك الوقت ( [9] ) .
وقد روى الطبراني في ( الأوسط ) عن أنسٍ t قال : قال رسول الله : " قِيلُوا فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَا تَقِيلُ " ( [10] ) ؛ وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : بلغ عمر t أن عاملا له لم يقل ، فكتب إليه عمر : قِلْ ، فإني حُدثت أن الشيطان لا يقيل ؛ قال مجاهد : إن الشياطين لا يقيلون( [11] ) ؛ وفي ( الأدب المفرد ) للبخاري عن السائب بن يزيد قال : كان عمر t يمر بنا نصف النهار أو قريبًا منه ، فيقول : قوموا فقيلوا ، فما بقي فللشيطان ( [12] ) ؛ وفيه – أيضًا – عن أنس t قال : كانوا يُجَمِّعُون ثم يقيلون ( [13] ) ؛ وفي الصحيحين عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ t قَالَ : مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلاَ نَتَغَدَّى إِلاَّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ ( [14] ) . قال العلماء : ويستحب نوم القائلة لأنها تعين على قيام الليل .

3 - النوم بعد العصر ؛ تقدم من قول ابن عباس وخوَّات y إنها نومة الْحُمْقِ ؛ وعن النعمان بن منذر قال : كنت نائمًا بعد العصر بدابق ، فأتاني مكحول فركسني برجله ركسة ، ثم قال : قم ! فقد عوقبت ، قلت : وما ذاك يا أبا عبد الله ؟ قال إن هذه الساعة فيها خروج القوم وفيها انتشارهم - يعني الجن - وفي هذه الرقدة تكون الخبلة ( [15] ) .
قال ابن القيم - رحمه الله : ونومُ النهار رديءٌ يُورث الأمراضَ الرطوبية والنوازلَ ، ويُفسد اللَّون ، ويُورث الطِّحال ، ويُرخي العصبَ ، ويُكسل ويُضعف الشهوة ، إلاَّ في الصَّيفِ وقتَ الهاجِرة ؛ وأردؤه نومُ أول النهار ، وأردأُ منه النومُ آخره بعدَ العصر ، ورأى عبد الله بن عباس ابنًا له نائمًا نومة الصُّبْحَةِ ، فقال له : قم ، أتنام في الساعة التي تُقسَّمُ فيها الأرزاق ؟ وقيل : نوم النهار ثلاثة : خُلقٌ ، وخُرق ، وحُمق ؛ فالخُلق : نومة الهاجرة ، وهى خُلق رسول الله e ؛ والخُرق : نومة الضحى ، تُشغل عن أمر الدنيا والآخرة ؛ والحُمق : نومة العصر . قال بعض السَّلَف : مَن نام بعد العصر فاختُلِسَ عَقلُه ، فلا يلومنَّ إلا نفسه ؛ وقال الشاعر :
أَلاَ إنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى خَبَالاً وَنَوْمَاتُ الْعُصَيْرِ جُنُونُ ( [16] )
قال مقيده - عفا الله عنه : لم يصح في النهي عن النوم بعد العصر عن النبي e شيء ؛ والذي ينبغي للإنسان أن ينام حيث يحتاج إلى النوم ، لأن لنفسه عليه حقًا ، ما لم يكن النوم مانعًا له من أداء واجب ؛ والأفضل أن لا ينام الإنسان بعد صلاة الصبح ، ولا بعد صلاة العصر وأن يشتغل قبل طلوع الشمس وقبل غروبها بذكر الله تعالى ؛ ولكن إذا غلبه النوم ولم يكن له وقت يريح فيه جسمه بحظٍ من النوم إلا في هذا الوقت فلا حرج ، ولا عبرة لقول القائل :
أَلاَ إنَّ نَوْمَاتِ الضُّحَى تُورِثُ الْفَتَى خَبَالاً وَنَوْمَاتُ الْعُصَيْرِ جُنُونُ
فإنه لا تؤخذ الأحكام الشرعية إلا من الأحاديث الصحيحة ، لا تؤخذ من الأحاديث الضعيفة فضلا عن المكذوبة ، ولا تؤخذ من آراء الناس ؛ وما أكثر الذين ينامون بعد العصر عند الحاجة وهم من أعقل الناس ! والأصل هو الإباحة ، ولم يرد النهي عنه في حديث صحيح ؛ وروى ابن عدي عن مروان الطاطري قال : قلت لليث بن سعد ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان : يا أبا الحارث ، مالك تنام بعد العصر ، وقد حدثنا ابن لهيعة عن عقيل عن مكحول عن النبي e : " مَنْ نَامَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَاخْتُلِسَ عَقْلُهُ فَلَا يَلُومَن إلَّا نَفْسَهُ " ( [17] ) قال الليث : لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل ( [18] ) ؛ قال الألباني - رحمه الله - بعد أن أورد هذا الحديث : ولقد أعجبني جواب الليث هذا ، فإنه يدل على فقه وعلم ، ولا عجب ، فهو من أئمة المسلمين ، والفقهاء المعروفين ، وإني لأعلم أن كثيرًا من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر ، ولو كانوا بحاجة إليه ، فإذا قيل له : الحديث فيه ضعيف ، أجابك على الفور : يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ! فتأمل الفرق بين فقه السلف ، وعلم الخلف ! ( [19] )
وفي ( فتاوى اللجنة الدائمة ) سؤال نصه : سمعت من أناس تحريم النوم بعد العصر ، هل ذلك صحيح ؟ فجاء الجواب : النوم بعد العصر من العادات التي يعتادها بعض الناس ، ولا بأس بذلك ، والأحاديث التي في النهي عن النوم بعد العصر ليست بصحيحة ؛ وهذا القول هو الراجح ، لعدم صحة النهي عن النبي e ، وأما ما جاء عن السلف من الآثار التي تنهى عن نومة العصر ، فهي محمولة على الكراهة من جهة الطب لا من جهة الشرع ، يعني لما اشتهر عند العرب قديمًا وبين بعض الأطباء الأوائل أن النوم بعد العصر غير صحي ، وقد يؤدي إلى إضرار في البدن ، فكرهوا للإنسان النوم بعد العصر كي لا يضر نفسه ، من غير نسبة ذلك إلى السنة والتشريع ؛ فيرجع في الأمر إلى الطب ، فإن ثبت من جهته الضرر والأذى ، كره للمرء أن يضر نفسه ، وأما الشرع فلم يثبت فيه النهي عن ذلك ابتداء ( [20] ) ؛ والعلم عند الله تعالى .

[1] - انظر ( المجالسة وجواهر العلم ) : 5 / 221 – تحقيق مشهور حسن مشهور .

[2] - رواه ابن أبي شيبة ( 26677 ) ، والبخاري في الأدب المفرد ( 1242 ) وصححه الحافظ في ( الفتح ) : 11 / 70 ، وكذا الألباني في صحيح الأدب المفرد ؛ ورواه - أيضًا - الطحاوي في ( شرح مشكل الآثار ) : 3 / 82 ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) رقم ( 4737 ) .

[3] - رواه الطحاوي في ( شرح مشكل الآثار ) : 3 / 82 ، والبيهقي في ( شعب الإيمان ) رقم ( 4738 ) .

[4] - انظر ( الفائق ) للزمخشري ( مادة : ص ب ح ) ، و( المحكم والمحيط الأعظم ) لابن سيده - (1 / 469) .

[5] - عبد الله بن أحمد في المسند : 1 / 73 ، وفيه ابن أبي فروة وهو متروك ؛ وانظر الضعيفة ( 3019 ) .

[6] - انظر ( شرح مشكل الآثار ) : 3 / 83 ؛ وعجت : صاحَت ورَفَعَت صَوْتَها .

[7] - انظر زاد المعاد : 4 / 221 .

[8] - انظر المحيط في اللغة : 6 / 26 ، والمعجم الوسيط ، والمصباح المنير ( مادة ق ي ل ) .

[9] - انظر المحكم والمحيط الأعظم - (2 / 453) .

[10] - الطبراني في الأوسط ( 28 ) ، ورواه أبو نعيم في ( أخبار أصفهان ) من طريق أخرى ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع ( 4431 ) ، والصحيحة ( 1647 ) .

[11] - انظر ( مصنف ابن أبي شيبة ) رقم ( 26676 ) .

[12] - الأدب المفرد ( 1239 ) ، وحسنه الألباني .

[13] - الأدب المفرد ( 1240 ) ، وصححه الألباني .

[14] - رواه البخاري ( 897 ، 5923 ) ، ومسلم ( 859 ) .

[15] - انظر ( شرح مشكل الآثار ) : 3 / 82 ، 83 .

[16] - انظر ( زاد المعاد ) : 4 / 221 ، 222 .

[17] - هذا مرسل ضعيف ، والحديث رواه أبو يعلى ( 4918 ) عن عائشة مرفوعًا بإسناد ضعيف أيضًا ، ولم يصح عن النبي e في هذا شيء .

[18] - رواه ابن عدي في ( الكامل في الضعفاء ) : 4 / 145 ، ومن طريقه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) : 32 / 137 ؛ وانظر ميزان الاعتدال : 2 / 478 ، 479 .

[19] - انظر ( السلسة الضعيفة ) حديث رقم ( 39 ) .

[20] - فتاوى اللجنة الدائمة : 26 / 147، رقم ( 17915 ) .
 
فائدة :
في تذكرة الجلال السيوطي : النوم في أول النهار عَيْلُولَةٌ ، وهو الفقر ، وعند الضحى فَيْلُولَةٌ وهو الفتور ، وحين الزوال قَيْلُولَةٌ وهي الزيادة في العقل ، وبعد الزوال حَيْلُولَةٌ ، أي : يحيل بينه وبين الصلاة ، وفي آخر النهار غَيْلُولَةٌ ، أي : يورث الهلاك ( [1] ) .
ولشمس الدين محمد بن محمد بن أبي اللطف الشافعي ( [2] ) في ذلك نظم ، قال :
النوم بعد صلاة الصبح عيلوله ... فقرٌ وعند الضحى فالنوم فيلوله
وهو الفتور وقبل الميلِ قيل له ... إذ زاد في العقل أي بالقاف قيلوله
والنوم بعد زوالٍ بين فاعله ... وبين فرض صلاة كان حيلوله
وبعد عصر هلاكًا كان مورِثًا ... كذاك قلةَ العقل بالإهمال غيلوله
وقوله : وقبل الميل : أي ميل الشمس إلى الزوال ؛ ومعنى البيت الأخير ، أن نوم بعد العصر يورث الهلاك وقلة العقل .

[1] - نقلا عن ( تحفة الحبيب على شرح الخطيب ) المعروف بحاشية البيجرمي : 3 / 118 – الكتب العلمية .

[2] - له ترجمة في ( شذرات الذهب ) لابن العماد : 8 / 428 - الكتب العلمية ، و( الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة ) للغزي .
 
أنواع النوم بحسب حال النائم

النوم بحسب حال النائم يتنوع إلى ثلاثة أيضًا : الاضطجاع على أحد الشقين ، والاستلقاء ، والانبطاح .
1 - الاضطجاع على أحد الشقين الأيمن أو الأيسر ؛ والسنة أن ينام على شقه الأيمن ابتداء ، كما سيأتي إن شاء الله ؛ وقد قيل : إنَّ الحكمة في النوم على الجانب الأيمن أن لا يستغرقَ النائم في نومه ، لأن القلبفيهميلٌإلىجهةاليسار، فإذا نام على جنبه الأيمن طلب القلبُ مُستقَرَّه من الجانب الأيسر ، وذلك يمنع من استقرار النائم واستثقاله في نومه ، بخلاف قراره في النوم على اليسار ، فإنه مُستقَرُّه ، فيحصُل بذلك الدَّعةُ التامة ، فيستغرق الإنسان في نومه ، ويَستثقِل ، فيفوتُه مصالح دينه ودنياه ( [1] )؛ وقال ابن حجر - رحمه الله : وخص الأيمن لفوائد : منها أنه أسرع إلى الانتباه ، ومنها أن القلب متعلق إلى جهة اليمين فلا يثقل بالنوم ، ومنها ما قال ابن الجوزي : هذه الهيئة نص الأطباء على أنها أصلح للبدن ، قالوا : يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعة ثم ينقلب إلى الأيسر ؛ لأن الأول سبب لانحدار الطعام ، والنوم على اليسار يهضم لاشتمال الكبد على المعدة ( [2] ) ؛ وقوله : ( ومنها أن القلب متعلق إلى جهة اليمين فلا يثقل بالنوم ) ذلك لأن مستقر القلب من الجانب الأيسر فإذا نام الإنسان على الشق الأيمن تعلق القلب فلا يثقل بالنوم .
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى قَتَادَةَ t قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ( [3] ) ، وفي رواية لأحمد : كَانَ e إِذَا عَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ ، وَإِذَا عَرَّسَ قَبْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَيْهِ وَوَضَعَ رَأْسَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ ( [4] ) ؛ التعريس : نزول آخر الليل ؛ وقَالَ العلماءُ : إنَّمَا نَصَبَ ذِرَاعَهُ لِئَلا يَسْتَغْرِقَ في النَّومِ ، فَتَفُوتَ صَلاَةُ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا ، أَوْ عَنْ أوَّلِ وَقْتِهَا ؛ وفي ذلك التنبيه على ترك ما يكون سببًا في فوات الطاعة .

2 - الاستلقاء ، وهو النوم على القفا ووضع الظهر على الفراش ، ولم يأت نهي مطلق عنه ، وإنما جاء النهي عن الاستلقاء على القفا ووضع الرجل على الأخرى مخافة أن تنكشف العورة ؛ فعَنْ جَابِرِ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ ، وَالاِحْتِبَاءِ فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ ( [5] ) ؛ وفي الصحيحين عن عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ t قَالَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e فِي الْمَسْجِدِ مُسْتَلْقِيًا وَاضِعًا إِحْدَىرِجْلَيْهِعَلَىالْأُخْرَى([6])؛قال ابن حجر - رحمه الله : قال الخطابي : فيه أن النهي الوارد عن ذلك منسوخ ، أو يحمل النهي حيث يخشى أن تبدو العورة والجواز حيث يؤمن ذلك .ا.هـ . قلت : الثاني أولى من ادعاء النسخ ؛ لأنه لا يثبت بالاحتمال ، وممن جزم به البيهقي والبغوي وغيرهما من المحدثين ( [7] ) . وهذا القول هو الراجح جمعا بين حديث جابر t وحديث عباد بن تميم .
وحديث عباد رواه البخاري في مواضع ، منها كتاب ( اللباس ) ، وبوب له : ( باب الاستلقاء ووضع الرجل على الأخرى ) قال ابن حجر - رحمه الله : وجه دخول هذه الترجمة في كتاب اللباس من جهة أن الذي يفعل ذلك لا يأمن من الانكشاف ، ولا سيما الاستلقاء يستدعي النوم ، والنائم لا يتحفظ ، فكأنه أشار إلى أن من فعل ذلك ينبغي له أن يتحفظ لئلا ينكشف .ا.هـ .
قال مقيده - عفا الله عنه :وضع إحدى الرجلين على الأخرى يكون على صفتين ؛ إحداهما : أن تكون الرجلان ممدودتين إحداهما فوق الأخرى ؛ ولا بأس بهذا فإنه لا ينكشف من العورة بهذه الصفة شيء ؛ والثانية : أن تكون إحدى الرجلين منصوبة الساق ويضع الرجل الأخرى على ركبتها ؛ وهذا الصفة يمكن أن تنكشف بها العورة إلا أن يكون على صاحبها سراويل ، أو يكون إزاره أو ذيله طويلين لا تنكشف معهما العورة .
وروى الطبراني عن أبي قرصافة أنه رأى النبي e مستلقيًا على قفاه واضعًا إحدى رجليه على الأخرى ( [8] ) .
وعلى ذلك فيحمل النهي حيث يخشى بدو العورة ، والجواز حيث يؤمن ذلك ؛ والعلم عند الله تعالى .

3 - الانبطاح ، وهو النوم على البطن ؛ وهي هيئة مكروهة عند النوم ؛ فعن أبي ذر t قال : مر بي النبي e وأنا مضطجع على بطني ، فركضني برجله وقال : " يَا جُنَيْدِبُ ، إنما هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ " ( [9] ) ، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ النَّبِيَّ e رَأَى رَجُلًا مُضْطَجِعًا عَلَى بَطْنِهِ فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ " ( [10] ) . وعَنْ أَبِي طِخْفَةَ الْغِفَارِيِّtقَالَ:أَخْبَرَنِيأَبِيأَنَّهُضَافَرَسُولَاللَّهِ e مَعَ نَفَرٍ ، قَالَ : فَبِتْنَا عِنْدَهُ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ e مِنْ اللَّيْلِ يَطَّلِعُ ، فَرَآهُ مُنْبَطِحًا عَلَى وَجْهِهِ ، فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ، فَأَيْقَظَهُ وَقَالَ : " هَذِهِ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ"، وفي رواية : " إِنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ " ( [11] ) ؛ وفي رواية : وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى وَجْهِي ( [12] ) ، وفي أخرى : " لا تضطجع هكذا ، فَإِنهَا ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ " ( [13] ) ؛ وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ t قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ e عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فِي الْمَسْجِدِ ، مُنْبَطِحٍ عَلَى وَجْهِهِ ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ ، وَقَالَ : " قُمْ ، وَاقْعُدْ فَإِنَّهَا نَوْمَةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ " ( [14] ).
قال ابن القيم - رحمه الله : وأنفعُ النوم : أن ينامَ على الشِّق الأيمن ، ليستقرَّ الطعام بهذه الهيئة في المَعِدَة استقرارًا حسنًا ، فإن المَعِدَة أميَلُ إلى الجانب الأيسر قليلاً ، ثم يَتحوَّل إلى الشِّق الأيسر قليلاً ليُسرعَ الهضم بذلك ، لاستمالة المَعِدَة على الكَبِد ، ثم يَستقرُّ نومُه على الجانب الأيمن ، ليكون الغِذاء أسرعَ انحدارًا عن المَعِدَة ، فيكونُ النوم على الجانب الأيمن بداءة نومه ونهايتَه ، وكثرةُ النوم على الجانب الأيسر مضرٌ بالقلب بسبب ميل الأعضاء إليه ، فتنصبُّ إليه المواد .
وأردأُ النومِ النومُ على الظهر ، ولا يَضرُّ الاستلقاء عليه للراحة من غير نوم ، وأردأُ منه أن ينامَ منبطحًا على وجهه ، وفى المسند وسنن ابن ماجه عن أبى أُمامةَ t قال : مرَّ النبيُّ e على رجُلٍ نائم في المسجد منبطح على وجهه ، فضرَبه برجله ، وقال : " قُمْ أوِ اقْعُدْ فإنَّهَا نومةٌ جَهَنَّمِيَّةٌ " .
والنومُ المعتدل ممكِّنٌ للقُوَى الطبيعية من أفعالها ، مريحٌ للقوة النفسانية ، مُكْثرٌ من جوهر حاملها ، حتى إنه ربَّما عاد بإرخائه مانعًا من تحلُّل الأرواح ( [15] ) .

[1] - انظر ( زاد المعاد ) لابن القيم : 4 / 219 .

[2]- انظر فتح الباري : 11 / 110.

[3] - مسلم ( 683 ) .

[4] - أحمد : 5 / 309 ، ورواه ابن حبان ( 6438 ) ، والحاكم ( 1631 ) بنحوه .

[5] - رواه مسلم ( 2099 ) .

[6] - البخاري ( 463 ، 5624 ، 5929 ) ، ومسلم ( 2100 ) .

[7] - انظر فتح الباري : 1 / 563 ، والسنن الكبرى للبيهقي : 2 / 224 ، 225 – دار الباز – مكة المكرمة ؛ وشرح السنة للبغوي:2/378.

[8] - المعجم الكبير : 3 / 18 ( 2515 ) .

[9] - ابن ماجة ( 3724 ) ، وصححه الألباني .

[10] - رواه أحمد : 2 / 304 ، والترمذي ( 2768 ) ، ورواه ابن حبان ( 5549 ) ، والحاكم : 4 / 302 ( 7709 ) وقال : صحيح على شرط مسلم .

[11] - رواه أحمد : 3 / 429 ، 430 ؛ 5 / 426 ، وأبو داود ( 5040 ) ، وابن ماجه ( 3723) .

[12] - رواها الطيالسي ( 1339 ) – دار المعرفة – بيروت .

[13] - أخرجه الطبراني : 8/327 ( 8226 ) .

[14] - رواه البخاري في الأدب المفرد (1188) ، وابن ماجة (3725) ، والطبراني : 8 /234(7914) ؛ وقال البوصيري في (مصباح الزجاجة : 2 / 252 ) : هذا إسناد فيه مقال ؛ الوليد بن جميل لينه أبوزرعة ، وقال أبو حاتم: شيخ يروي عن القاسم أحاديث منكرة ؛ وقال أبو داود : ليس به بأس ؛ وذكره ابن حبان في الثقات ؛ وسلمة بن رجاء ويعقوب بن حميد مختلف فيهما ؛ وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه ابن حبان في صحيحه .

[15] - انظر زاد المعاد : 4 / 220 ، 221 .
 
النوم بين الظل والشمس
روى أبو داود من حديث أبى هريرة t قال : قال رسولُ الله e : " إذا كان أحدكم في الشَّمْسِ فَقَلَصَ عنه الظِّلُّ ، فصار بَعْضُهُ في الشَّمْسِ وبَعْضُهُ في الظِّل ، فَلْيَقُمْ " ( [1] ) ، وفي رواية لأحمد : " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ جَالِسًا فِي الشَّمْسِ فَقَلَصَتْ عَنْهُ فَلْيَتَحَوَّلْ مِنْ مَجْلِسِهِ " ( [2] ) ، وفي مسند أحمد عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ e أَنَّ النَّبِيَّ e نَهَى أَنْ يُجْلَسَ بَيْنَ الضَّحِّ وَالظِّلِّ ، وَقَالَ : " مَجْلِسُ الشَّيْطَانِ " ( [3] ) ؛ والضح : ضوء الشمس ، وهو ضد الظل ؛ وفى سنن ابن ماجه من حديث بُريدَةَ t أنَّ رسولَ الله e نهى أنْ يقعُدَ الرَّجُلُ بين الظِّلِّ والشمس ( [4] ) ؛ قال ابن القيم - رحمه الله : هذا تنبيه على منع النوم بينهما .. وقال - أيضًا : والنومُ في الشمس يُثير الداءَ الدَّفين ، ونومُ الإنسان بعضُه في الشمس ، وبعضُه في الظل رديء ( [5] ) .

[1] - أبو داود ( 4821 ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، والصحيحة ( 835 ) .

[2] - أحمد : 2 / 383 .

[3] - أحمد : 3 / 413 ، وصححه الألباني في الصحيحة ( 838 ) .

[4] - ابن ماجة ( 3722 ) وصححه الألباني .

[5] - انظر زاد المعاد : 4 / 222 .
 
هدي النبي e في النوم
قال ابن القيم - رحمه الله : مَن تدبَّر نومه ويقظَته e وجدَه أعدلَ نوم وأنفعَه للبدن والأعضاء والقُوى ، فإنه كان ينام أوَّلَ الليل ، ويستيقظ في أول النصف الثاني ، فيقومُ ويَستاك ، ويتوضأ ويُصَلِّى ما كتبَ اللهُ له ، فيأخذُ البدن والأعضاء والقُوَى حظَّها من النوم والراحة ، وحظَّها من الرياضة مع وُفورِ الأجر ، وهذا غايةُ صلاح القلب والبدن ، والدنيا والآخرة ؛ ولم يكن يأخذ من النوم فوقَ القدر المحتاج إليه ، ولا يمنع نفسه من القدر المحتاج إليه منه ، وكان يفعلُه على أكمل الوجوه ، فينامُ إذا دعتْه الحاجةُ إلى النوم على شِقِّه الأيمن ، ذاكراً الله حتى تغلبه عيناه ، غيرَ ممتلئ البدنِ من الطعام والشراب ، ولا مباشرٍ بجنبه الأرضَ ، ولا متخذٍ للفُرش المرتفعة ، بل له ضِجَاع من أُدم حشوهُ ليف ، وكان يَضطجع على الوِسادة ، ويضع يده تحت خدِّه أحيانًا ( [1] ) .

[1] - انظر زاد المعاد : 4 / 219 .
 
آداب النوم

للنوم آداب قبل الذهاب إلى الفراش ، وعند الاضطجاع ؛ وتفصيلها كالتالي :


آداب قبل الذهاب إلى الفراش

هاهنا آداب جمعها حديثا جابر وعبد الله بن سرجس ؛ ففي الصحيحين عن جَابِرٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " أَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ بِاللَّيْلِ ، وَأَطْفِئُوا السُّرُجَ ، وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهِ بِعُودٍ " ، وفيرواية:" وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا " ، وفي أخرى : " أَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَأَوْكِئُوا الْأَسْقِيَةَ ، وَخَمِّرُوا الْإِنَاءَ ، وَأَطْفِئُوا السُّرُجَ ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غُلُقًا ، وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً ، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ " ، وفي أخرى : " وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا اجْتَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ الْبَيْتَ " ، وفي لفظ : " وَاكْفِئُوا الإِنَاءَ " ( [1] ) .
وحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ t أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْجُحْرِ ، وَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ فَإِنَّ الْفَأْرَةَ تَأْخُذُ الْفَتِيلَةَ فَتَحْرِقُ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَأَوْكِئُوا الْأَسْقِيَةَ ، وَخَمِّرُوا الشَّرَابَ ، وَغَلِّقُوا الْأَبْوَابَ بِاللَّيْلِ " ( [2] ) .
قال القرطبي في ( المفهم ) : تضمنت جملة هذه الأحاديث أن الله تعالى قد أطلع نبيَّه e على ما يكون في هذه الأوقات من المضارِّ من جهة الشياطين والفأر والوباء ؛ وقد أرشدنا النبي e إلى ما يُتَّقى به ذلك ، فليبادر الإنسان إلى فعل تلك الأمور ذاكرًا الله تعالى ، مُمتثلاً أمر نبيَّه e ؛ فمن فعل ذلك لم يصبه من شيء من ذلك ضررٌ بحول الله وقوته ، وبركة امتثال أوامره e ( [3] ) . وفي هذا بيان واضح إلى أن حفظ الإنسان ورعاية سلامته من قواعد الشرع .
وقال النووي - رحمه الله - في شرح حديث جابر t : هذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير والأدب الجامعة لمصالح الآخرة والدنيا ؛ فأمر e بهذه الآداب التي هي سبب للسلامة من إيذاء الشيطان ، وجعل الله U هذه الأسباب أسبابا للسلامة من إيذائه ، فلا يقدر على كشف إناء ، ولا حل سقاء ، ولا فتح باب ، ولا إيذاء صبي وغيره ، إذا وجدت هذه الأسباب ؛ وهذا كما جاء في الحديث الصحيح ( [4] ) أن العبد إذا سمى عند دخول بيته ، قال الشيطان : ( لاَ مَبِيتَ ) أي : لا سلطان لنا على المبيت عند هؤلاء ، وكذلك إذا قال الرجل عند جماع أهله : " بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا " ( 5 )كان سبب سلامة المولود من ضرر الشيطان ، وكذلك شبه هذا مما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة ؛ وفى هذا الحديث الحث على ذكر الله تعالى في هذه المواضع ، ويلحق بها ما في معناها ( [6] ) ؛ قال ابن عبد البر - رحمه الله : في هذا الحديث من العلم - أيضًا - أن الشيطان لم يعط - مع ما به من القوة - أن يفتح غلقًا ، ولا يحل وكاءً ، ولا يكشف إناء ، رحمة من الله تعالى بعباده ورفقا بهم .ا.هـ ( [7] ) .

وإليك تفصيل هذه الآداب :
1 - إغلاق الباب مع ذكر اسم الله ، لقوله e : " أَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ بِاللَّيْلِ " ، " وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ " وفي رواية " وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ " ، يقال : أجفت الباب إذا أغلقته ؛ والعلة في ذلك ما قاله النبي e : " فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غُلُقًا " ، ولذكر الله تعالى هنا فائدة عظيمة ، فاسم الله هو السور الطويل العريض ، والحجاب الغليظ المنيع من كل سوء .
ومن فوائد هذا الأدب - أيضًا - لئلا يدخل عدو أو سارق أو حية أو عقرب ؛ وإنما ذكر النبي e الشيطان هنا لأنه خفي لا يرى ، فلا ينتبه الإنسان إلى دخوله وإفساده ، أما ما هو ظاهر فيحترز منه المرء ، والعلم عند الله تعالى .

2 - إطفاء السرج وما في معناها ؛ لقوله e في حديث جابر t : " وَأَطْفِئُوا السُّرُجَ " ، " وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ " ، وفي رواية : " وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ ، فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ " ، وفي أخرى : " فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ " ، وفي حديث ابن سرجس t : " وَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ ، فَإِنَّ الْفَأْرَةَ تَأْخُذُ الْفَتِيلَةَ فَتَحْرِقُ أَهْلَ الْبَيْتِ " ، ومعنى " وَإِذَا نِمْتُمْ " أي: إذا أردتم النوم؛ والسرج جمع سراج ، وهومصباح كان له فتيل يشعل بالزيت ونحوه فيضيء ؛ والمراد بالفويسقة : الفأرة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها ؛ وتضرم، أي: تحرق سريعًا ؛ وذلك أنها إذا تناولت طرف الفتيلة وفيها النار فلعلها تمر بثياب أو بحطب فتشعل النار فيها ، فيلتهب البيت على أهله ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ t قَالَ:احْتَرَقَ بَيْتٌ عَلَى أَهْلِهِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا حُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ e بِشَأْنِهِمْ قَالَ : " إنَّ هَذِهِ النَّارَ إنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ ، فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ " ( [8] ) ، قال ابن العربي - رحمه الله : معنى كون النار عدوًا لنا أنها تنافي أبداننا وأموالنا منافاة العدو ، وإن كانت لنا بها منفعة ، لكن لا يحصل لنا منها إلا بواسطة ، فأطلق أنها عدو لنا لوجود معنى العداوة فيها ؛ والله أعلم ( [9] ) .
وروى البخاري في ( الأدب المفرد ) ، وأبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ : جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ ، فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ e عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا ، فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ ؛ فَقَالَ : " إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَتَحْرِقَكُمْ " ( [10] ) ، قال ابن حجر - رحمه الله : في هذا الحديث بيان سبب الأمر - أيضًا - وبيان الحامل للفويسقة ( وهي الفأرة ) على جر الفتيلة وهو الشيطان ، فيستعين - وهو عدو الإنسان - عليه بعدو آخر وهي النار ، أعاذنا الله بكرمه من كيد الأعداء ، إنه رءوف رحيم ( [11] ) .
وفي الصحيحين عَنِ ابن عمرَ - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : " لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ " ( [12] ) ، وفي رواية لأحمد : " لَا تَبِيتَنَّ النَّارُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّهَا عَدُوٌّ " ( [13] ) ؛ قال النووي - رحمه الله : هذا عام تدخل فيه نار السراج وغيرها، وأما القناديل المعلقة في المساجد وغيرها فإن خيف حريق بسببها دخلت في الأمر بالإطفاء ، وإن أمن ذلك - كما هو الغالب - فالظاهر أنه لا بأس بها ، لانتفاء العلة ؛ لأن النبي e علل الأمر بالإطفاء في الحديث السابق بأن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم ، فإذا انتفت العلة زال المنع ( [14] ) .
ويمكن الإشارة هنا إلى أن إطفاء مصابيح الكهرباء قبل النوم نوع من ترشيد استهلاك الطاقة ، والاقتصاد في استعمالها .

3 - إيكاء السقاء ، وتغطية الإناء ؛ لقوله e : " وَأَوْكُوا الْأَسْقِيَةَ ، وَخَمِّرُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهِ بِعُودٍ " ، " وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ " ، " وَأَوْكِئُوا الْأَسْقِيَةَ ، وَخَمِّرُوا الْإِنَاءَ " ، وإيكاء السِّقاء : شَدُّهُ بالخيط ، وهو الوكاء ، وهو اسم لما يسد به فم القربة ؛ والمعنى : اربطوها وشدوها ، وقوله : " وَخَمِّرُوا الْإِنَاءَ " أي : غطوه واستروه .
وعلة ذلك كما قال النبي e :" فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ غُلُقًا ، وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً ، وَلَا يَكْشِفُ إِنَاءً "، وعلة أخرى وهي السلامة من نزول الداء في الآنية المكشوفة ؛ فعَنْ جَابِرٍ t قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ : " غَطُّوا الإِنَاءَ ، وَأَوْكِئُوا السِّقَاءَ ، فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ ، لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَمْ يُغَطَّ ، وَلاَ سِقَاءٍ لَمْ يُوكَ ، إِلاَّ وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ "،وفي رواية: " خَمِّرُوا الإِنَاءَ ، وَأَوْكُوا السِّقَاءَ ، فَإِنَّ ِللهِ U دَاءٌ يَنْزِلُ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً ، لاَ يَمُرُّ بِإِنَاءٍ ، لَمْ يُخَمَّرْ ، أَوْ سِقَاءٍ ، لَمْ يُوكَأْ ، إِلاَّ وَقَعَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّاءِ"، وفي رواية:" وَاكْفِئُوا الإِنَاءَ" ؛ قَالَ اللَّيْثُ : فَالأَعَاجِمُ عِنْدَنَا يَتَّقُونَ ذَلِكَ فِي كَانُونَ الأَوَّلِ ( [15] ) ، وكانون الأول هو الشهر المعروف في السنة الميلادية بديسمبر ؛ وقوله : " وَاكْفِئُوا الإِنَاءَ " أي : اقلبوه إذا كان فارغًا ، لا تدعوه مفتوحًا للعق الشيطان والهوام المؤذية .
وذِكْرُ اسم الله على ذلك كله هو السر الدافع والحجاب المنيع بين الشيطان والإنسان - كما تقدم ؛ وقوله : " وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهِ " أي : تضعوا عليه عرضًا ، " بِعُودٍ " أي : على رأس الإناء ، والمعنى: إن لم تغطه فلا أقل من ذلك.
ومن فوائد هذا الأدب أيضًا - ما أشار إليه القاضي عياض رحمه الله – من مخافة ما عساه يدخله من الهوام والحشرات المؤذية إذا لم يغط ، ولعل صاحبه يقوم إليه من الليل فيشرب منه ، ولا يعلم ما فيه ( [16] ) .

4 - الوضوء :
الوضوء من الآداب التي تسبق الذهاب إلى الفراش ، وقد جاء الندب إليه وبيان فضله في أحاديث كثيرة ؛ ففي الصحيحين عن البراء بن عازب t قال : قال رسول الله e : « إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ .. " الحديث ، وسيأتي بتمامه إن شاء الله ( [17] ) ؛ وبوب له البخاري ( بَاب إِذَا بَاتَ طَاهِرًا )؛قالابنحجر - رحمهالله:الأمرفيهللندب؛ وله فوائد : منها أن يبيت على طهارة لئلا يبغته الموت فيكون على هيئة كاملة ، ويؤخذ منه الندب إلى الاستعداد للموت بطهارة القلب ، لأنه أولى من طهارة البدن ، وقد أخرج عبد الرزاق من طريق مجاهد قال : قال لي ابن عباس : لا تبيتن إلا على وضوء ، فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه . ورجاله ثقات إلا أبا يحيى القتات هو صدوق فيه كلام .ا.هـ ( [18] ) .
ومما جاء في فضله :
1 - ما رواه أحمد وأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ من حَدِيث مُعَاذ t رَفَعَهُ : " مَا مِنْ مُسْلِم يَبِيت عَلَى ذِكْر وَطَهَارَة فَيَتَعَارّ مِنْ اللَّيْل فَيَسْأَل اللَّه خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ " ( [19] ) ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ t مرفوعًا بلفظ : " مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا ، يَذْكُرُ اللهَ حَتَّى يُدرِكَهُ النُّعاس ، لَمْ يَتَقَلَّبْ ساعةً مِنَ اللَّيلِ يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ ، إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ " ( [20] ) ، ورواه النسائي في ( الكبرى ) والطبراني في الأوسط عن عمرو بن عبسة ( [21] ) .

2 - وَأَخْرَجَ الطبراني واِبْن حِبَّانَ عَنْ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ : " مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَاره مَلَك فَلَمْ يَسْتَيْقِظ إِلَّا قَالَ الْمَلَك : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِعَبْدِك فُلَان ، فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا " ( [22] ) ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي ( الْأَوْسَط ) عنِ ابْن عَبَّاس - رضي الله عنهما - أن رسول الله e قال : " طَهِّرُوا هذِهِ الأَجْسَادَ طَهَّرَكُمُ الله ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٌ يَبِيتُ طَاهِرًا إلاَّ بَاتَ مَعَهُ فِي شِعَارِهِ مَلَكٌ ، لاَ يَنْقَلِبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ إلاَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِعَبْدِك ، فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا " ( [23] ) .
قوله e : " طَهِّرُوا هذِهِ الأَجْسَادَ " أي : من الحدثين والخبث عند النوم ، " طَهَّرَكُمُ الله " دعاء منه e لمن فعل ذلك ، والشعار بكسر الشين ، هو ما يلي بدن الإنسان من ثوب وغيره ؛ والملائكة أجسام نورانية فلا يلزم أن العبد يحس بالملك ولا أن يسمع دعاءه .
والطهارة عند النوم قسمان ؛ طهارة الظاهر وهي معروفة ، وطهارة الباطن وهي بالتوبة ، وهي آكد من الظاهرة ، فربما مات في نومه وهو متلوث بأوساخ الذنوب ؛ فيتعين عليه التوبة ، وأن يزيل من قلبه كل حقد وغل وغش ومكروه لكل مسلم .

وضوء الجنب : يستحب للجنب - إن لم يغتسل - أن يتوضأ قبل أن ينام ؛ لما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ e كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ ؛ وفي رواية : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ ( [24] ) ، وَفِي رِوَايَة لمسلم أَنَّ رَسُول اللَّه e كَانَ إِذَا كَانَ جُنُبًا رُبَّمَا اِغْتَسَلَ فَنَامَ ، وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ ( [25] ) ؛ وفي الصحيحين أن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ e: أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ " ، وفي رواية : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - قَالَ : اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ e : أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، إِذَا تَوَضَّأَ " ، وفي أخرى : ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t لِرَسُولِ اللَّهِ e أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e : " تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ " ( [26] ) ؛ وعَنْ جَابِرِ t قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ e عَنِ الْجُنُبِ : هَلْ يَنَامُ ، أَوْ يَأْكُلُ ، أَوْ يَشْرَبُ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، إِذَا تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ " ( [27] ) .
وَبيِّنٌ من الأحاديث أن الْمُرَاد بِالْوُضُوءِ وُضُوء الصَّلَاة الْكَامِل ؛ والحكمة فيه أنه يخفف الحدث ؛ وقيل : الحكمة فيه أنه إحدى الطهارتين ، فعلى هذا يقوم التيمم مقامه، وقد روى البيهقي بإسناد حسن عن عائشة - رضي الله عنها - أنه e كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم ( [28] ) ، ويحتمل أن يكون التيمم هنا عند عسر وجود الماء ؛ وَقِيلَ: بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَط إِلَى الْغُسْل إِذَا نَالَ الْمَاء أَعْضَاءَهُ ( [29] ) .
وفي الأحاديث استحباب التنظيف عند النوم ، قال ابن الجوزي : والحكمة فيه أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريهة ، بخلاف الشياطين فإنها تقرب من ذلك ، والله أعلم ( [30] ) .
ولا فرق في نوم الجنب بين نوم الليل والنهار ؛ حكاه إسحاق بنِ راهويه عَن بعض العلماء ؛ ذكره ابن رجب في ( شرح البخاري ) ثم قال : واختلفوا : هل المرأة في ذَلِكَ كالرجل ، أم لا ؟ فقالت طائفة : هما سواء ، وَهوَ قول الليث ، وحُكي رواية عَن أحمد ، وقد نص على التسوية بينهما في الوضوء للأكل . والثاني أن الكراهة تختص بالرجل دونَ المرأة ، وَهوَ المنصوص عَن أحمد ؛ ولعله يستدل بأن عائشة لَم تذكر أن النبي e كانَ يأمرها بالوضوء ، وإنما أخبرت عَن وضوئه لنفسه ( [31] ) .
وهل ينسحب هذا الحكم على الحائض ؟ قال ابن دقيق العيد : نص الشافعي - رحمه الله - على أن ذلك ليس على الحائض ، لأنها لو اغتسلت لم يرتفع حدثها بخلاف الجنب ، لكن إذا انقطع دمها استحب لها ذلك ( [32] ) ؛وقَالَ الْمَازِرِيُّ : وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَاف فِي وُضُوء الْحَائِض قَبْل أَنْ تَنَام ، فَمَنْ عَلَّلَ بِالْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَة اِسْتَحَبَّهُ لَهَا .ا.هـ. قال النووي بعد نقله : هَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ ؛ وَأَمَّا أَصْحَابنَا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُضُوء لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاء ؛ لِأَنَّ الْوُضُوء لَا يُؤَثِّر فِي حَدَثِهِمَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَائِض قَدْ اِنْقَطَعَتْ حَيْضَتهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ ؛ وَاللَّهُ أَعْلَم ( [33] ) .

[1]- رواه أحمد : 3 / 374 ، 386 ، 388 ، 395 ، والبخاري ( 3106 ، 3138 ، 5300 ، 5937 ) ، ومسلم ( 2012 ) ، وأبو داود ( 2604 ) ، والترمذي ( 2857 ) ، وابن ماجة ( 3410 ) .

[2]- رواه أحمد : 5 / 82 ، وأبو داود ( 5247 ) ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، وصحيح الجامع ( 817 ) ..

[3] - انظر ( المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ) : 7 / 378 ، باختصار .

[4]- رواه مسلم ( 2018 ) عن أبي جابر .

[5] - البخاري ( 141 ، 3271 ) ، ومسلم ( 1434 ) .

[6]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 13 / 185 .

[7]- التمهيد : 12 / 176.

[8] - البخاري ( 5936 ) ، ومسلم ( 2016 ) .

[9] - نقلا عن ( فتح الباري ) لابن حجر : 11 / 86 .

[10]- الأدب المفرد ( 1222 ) ، وأبو داود ( 5247 ) ، وصححه الألباني في ( صحيح الأدب ) ، و ( صحيح سنن أبي داود ) ، والصحيحة ( 1426 ) .

[11]- انظر ( فتح الباري ) : 11 / 86 .

[12]- البخاري ( 5935 ) ، ومسلم ( 2015 ) .

[13]- أحمد : 2 / 71 ، ورواه الحاكم ( 7765 ) وزاد : قال نافع : فما كان ابن عمر يرقد حتى لا يدع في البيت نارًا إلا أطفأها ، و كان آخر أهل البيت رقادا ، كان يصلي فإذا فرغ لم ينم حتى يطفئ السراج . ثم قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي .

[14]- شرح النووي على مسلم - (13 / 187) .

[15]- رواه أحمد : 3 / 355 ، ومسلم ( 5303 ) .

[16]- انظر ( إكمال المعلم شرح صحيح مسلم ) : 6 / 246 .

[17] - البخاري ( 247 ، 6311 ) ، ومسلم ( 2710 ) .

[18] - انظر ( فتح الباري ) : 11 / 110 ، وأثر ابن عباس رواه عبد الرزاق ( 19844 ) ، وعنه أبو نعيم في الحلية : 3 / 295 ، والبيهقي في شعب الإيمان ( 4711 ) .

[19]- أحمد : 5 / 234 ، وأبو داود ( 5042 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10642 ) ، وابن ماجة ( 3881 ) ، وصححه الألباني .

[20] - الترمذى ( 3526 ) وحسنه .

[21]- النسائي في ( الكبرى ) رقم 10644 ، والطبراني في الأوسط ( 1505 ) .

[22] - الطبراني في الكبير : 12 / 446 ( 13620 ، 13621 ) ، وابن حبان ( 1051 ) واللفظ له ، وحسنه الألباني في الصحيحة ( 2539 ) ، وفي صحيح الجامع الصغير ( 3936 ) ، وقال في صحيح الترغيب ( 597 ) : حسن لغيره .

[23] - الطبراني في الأوسط ( 5087 ) ، وحسن إسناده الهيثمى في (مجمعالزوائد:10/128)؛وجوَّدإسنادهالمنذريفي( الترغيب : 1 / 231 ) والحافظ في ( الفتح ) : 11/109) وقال الألباني في صحيح الترغيب ( 599 ) : حسن لغيره .

[24]- البخاري ( 384 ) ، مسلم ( 305 ) واللفظ له .

[25]- مسلم ( 307 ) .

[26]- البخاري ( 283 ، 285 ، 286 ) ، ومسلم ( 306 ) .

[27]- ابن ماجه ( 592 ) ، وصححه الألباني لغيره ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه ( 217 ) .

[28]- رواه البيهقي في ( الكبرى ) رقم ( 915 ) ؛ وروى ابن أبي شيبة ( 676 ) عن عائشة في الرجل تصيبه جنابة من الليل فيريد أن ينام ، قالت : يتوضأ أو يتيمم .

[29]- انظر ( فتح الباري ) : 1 / 394 ، 395 ، و ( شرح النووي على مسلم ) : 3 / 218 .

[30]- نقلا عن ( فتح الباري ) : 1 / 395 .

[31]- انظر ( فتح الباري ) لابن رجب : 1 / 358 .

[32]- نقلا عن فتح الباري : 1 / 395 .

[33]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 3 / 218 .
 
التعديل الأخير:
التحذير من النوم على ظهر بيت ليس عليه حجاب

عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجَارٌ ( حِجَابٌ ) فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " ( [1] ) ؛ وفي مسند أحمد عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ، وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ ؛ فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَّارٌ فَوَقَعَ فَمَاتَ فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ، وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " ( [2] ) . وفي رواية عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ : كُنَّا بِفَارِسَ وَعَلَيْنَا أَمِيرٌ يُقَالُ لَهُ : زُهَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ e قَالَ : " مَنْ بَاتَ فَوْقَ إِجَّارٍ أَوْ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَ حَوْلَهُ شَيْءٌ يَرُدُّ رِجْلَهُ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ " ([3])، وفي رواية : " مَنْ نَامَ عَلَى إِجَّارٍ لَيْسَ عَلَيْهِ مَا يَدْفَعُ قَدَمَيْهِ فَخَرَّ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " ( [4] ) ؛ وعند الترمذي عَنْ جَابِرٍ t قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ e أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ بِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ ( [5] ) .
ومعنى " حِجَارٌ " أي : حائط مانع من السقوط ، والحجرة المنع ، تشبيه بالحجر الذي هو العقل المانع من الوقوع في الهلكة ، وفي رواية ( حجاب ) بالباء وهو الذي يحجب الإنسان من الوقوع ؛ والإِجَّارٍ : السطح الذي ليس حواليه ما يرد الساقط عنه ؛ والذمة والذمام : العَهْد ، والأمَانِ، والضَّمان، والحُرمَة، والحقِّ؛ و " بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ " أي : حُرِمَ من حفظ الله وعنايته ، فإنَّ لكُلِّ أحَدٍ من اللّه عَهْدًا بالحفْظ والكلاءَة ، فإذا ألْقى بيده إلى التهْلُكة ، أو فعَل ما حُرِّم عليه ، أو خالف ما أُمِرَ به ؛ انقطع عنها لحفظ ، لأنه ألقى بيده إلىالتهلكة وغرر بنفسه ؛ والمعنى كما قال المناوي - رحمه الله : أزال عصمة نفسه ، وصار كالمهدر الذي لا ذمة له ، فربما انقلب من نومه فسقط فمات هدرًا ، من غير تأهب ولا استعداد للموت ( [6] ) .
والأحاديث تدل على عدم جواز المبيت على سطوح ليس لها حائط ؛ فمن نام على سطح لا ستر له ، فقد تصدى للهلاك ، وأزال العصمة عن نفسه ، وصار كالمهدر . والعلم عند الله تعالى .

[1]- البخاري في ( الأدب المفرد ) رقم ( 1192 ) ، وأبو داود ( 5041 ) ، وصححه الألباني ، وانظر الصحيحة ( 828 ) .

[2]- رواه أحمد : 5 / 79 ، والبخاري في ( الأدب المفرد ) رقم ( 1194 ) ، وحسنه الحافظ في ( الفتح ) : 6 / 88 ؛ والألباني في صحيح الأدب ؛ ومعنى ارتجاجه : هيجانه وكثرة أمواجه .

[3]- رواه أحمد : 5 / 79 ، قال الهيثمي في ( مجمعالزوائد:8/187):رواهأحمدمرفوعًاوموقوفًا،وكلاهمارجالهرجالالصحيح .

[4]- رواه أحمد : 5 / 271 .

[5]- الترمذي ( 2854 ) ، وضعفه ، وصححه الألباني لغيره ، فيشهد له الأحاديث السابقة ؛ وانظر الصحيحة ( 828 ) .

[6]- انظر ( فيض القدير ) : 6 / 91 .
 
آداب عند الفراش

هذه آداب أخرى عندما يأوي المسلم إلى فراشه لينام ، جمع منها حديث أبي هريرة t ثلاثة آداب ، وحديث عائشة رضي الله عنها واحدًا ، أما حديث أبي هريرة t ففي الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " إِذَا أَوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ وَلْيُسَمِّ اللَّهَ ، فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ ، وَلْيَقُلْ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّى ، بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا ، وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ " لفظ مسلم ( [1] ) ، وأما حديث عائشة – رضي الله عنها - ففي الصحيحين أنها قالت : كَانَ e إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا ، فَقَرَأَ فِيهِمَا : ] قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [ وَ ] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [ وَ ] قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ [ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ( [2] ). وترتيبهذهالآدابكالتالي:
الأول : ينفض فراشه بداخلة إزاره أو ثوبه ، والمراد بداخلة إزاره : طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده؛ وخص النفض بالإزار لا لأنه لا يكون إلا به ، بل لأن العرب لا تترك الائتزار فهو به أولى لملازمته للرجل ، فمن لا إزار له ينفض بما حضر ؛ وأمره بداخلة الإزار دون خارجته لا لأنه أبلغ وأجدى ، وإنما ذلك على جهة الخبر عن فعل الفاعل ، لأن المؤتزر إذا ائتزر يأخذ أحد طرفي إزاره بيمينه على ما يلي جسده والآخر بشماله ، فيرد ما أمسكه بشماله على بدنه وذلك داخلة الإزار ، ويرد ما أمسك بيمينه على ما يلي جسده من الإزار ؛ فإذا صار إلى فراشه يحل ببمينه خارجة الإزار وتبقى الداخلة معلقة ، وبها يقع النفض ( [3] ) ؛ وقوله : " فَإِنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا خَلَفَهُ بَعْدَهُ عَلَى فِرَاشِهِ " أي : ما صار بعده خلفًا وبدلا عنه إذا غاب ؛ قال الطيبي : معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام .ا.هـ . وقال القرطبي : يؤخذ من هذا الحديث أنه ينبغي لمن أراد المنام أن يمسح فراشه لاحتمال أن يكون فيه شيء يخفى من رطوبة أو غيرها .ا.هـ ( [4] ) . وقال ابن بطال - رحمه الله : فيه أدب عظيم علمه النبي e أمته ، وذلك أمره بنفض فراشه عند النوم خشية أن يأوي إليه بعض الهوام الضارَّة فيؤذيه سمها ، والله أعلم ( [5] ) .

الثاني : يجمع كفيه وينفخ فيهما بالإخلاص والمعوذتين ويمسح بهما ما استطاع من جسده ؛ كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها .

الثالث : يضطجع على شقه الأيمن ؛ لقوله e : " فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْطَجِعَ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ " ، وتقدم ذكر الحكمة في ذلك ؛ ولا مانع بعد ذلك أن يتحول إلى الشق الأيسر .

الرابع : يذكر الله تعالى ؛ وقد جاءت أحاديث كثيرة في بيان هذا الأدب ، وجاء - أيضًا - التحذير من الاضطجاع دون ذكر الله تعالى ، فروى أبو داود والنسائي عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " مَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ U فِيهِ إِلاَّ كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ( [6] ) ، والتِرَةُ : النقص ، وقيل : التبعة .
ومن هذه الأذكار ما في حديث أبي هريرة المتقدم : " وَلْيَقُلْ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبِّى ، بِكَ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ " ، وفي رواية البخاري : " ثُمَّ يَقُولُ : بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي ، وَبِكَ أَرْفَعُهُ " الباء للاستعانة ، أي : بك أستعين على وضع جنبي ورفعه ؛ " إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا " ، وعند البخاري : " فَارْحَمْهَا " أي : إذا قبضت روحي في نومي فارحمها ( فاغفر لها ) ، " وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا" أي: رددت الحياة لي وأيقظتني من النوم ، إشارة إلى قوله تعالى: ]اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً[ [ الزمر : 42 ] ، " فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ " أي : القائمين بحقوقك؛ وذكر المغفرة والرحمة للميت ، والحفظ عند الإرسال ، مناسب للحال المذكور في كلٍّ ؛ والله تعالى إنما يحفظ عباده الصالحين من المعاصي ، وأن لا يهنوا في طاعته بتوفيقه ، وفيه ندب هذه الأذكار عند الأوي إلى الفراش ليكون نومه على ذكر وتختم يقظته بعبادة ([7]).
هذا والعلم عند الله تعالى .... وللحديث صلة .

[1] - البخاري ( 6320 ) ، 7393 ) ، ومسلم ( 2714 ) ، والترمذي ( 3401 ) .

[2] - البخاري ( 5018 ، 5748 ) عن عائشة رضي الله عنها .

[3] - انظر ( فيض القدير ) للمناوي : 1 / 308 .

[4] - انظر ( فتح الباري ) : 11 / 126 .

[5] - انظر ( شرح صحيح البخارى ) لابن بطال : 10 / 89 ، ونحوه قاله النووي في شرح مسلم : 9 / 79 .

[6] - أبو داود ( 4856 ، 5059 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10237 ) ، والطبراني في الشاميين ( 1324 ) ، وحسنه الألباني .

[7] - انظر ( فيض القدير ) للمناوي : 1 / 309 .
 
ومما ورد من الأذكار عند النوم
1 - كان رسول الله  إذا أوى إلى فراشه وضع يده تحت خده ، ثم يقول : " بِاسْمِكَ اللهم أَمُوتُ وَأَحْيَا " وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ : " الْحَمْدُ لله الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " ( 1 ) ؛ وسر ذلك أن النوم موت أصغر ، والاستيقاظ نشر أصغر ، وفي هذا تذكير بالموت وما بعد الموت .
2 - كان رسول الله  إذا أراد أن ينام وضع يده اليمنى تحت خده ، وقال : " اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ ( تَجْمَعُ ) عِبَادَكَ " وفي رواية أنه كان يقول ذلك ثلاث مرات ( 2 ) .
3 - روى مسلم عن أبي هريرة  قال : كان رسول الله  يأمرنا إذا أخذ أحدنا مضجعه أن يقول : " اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى ، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ " ( 3 ) .

4 - عَنْ أَنَسٍ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لاَ كَافِىَ لَهُ وَلاَ مُؤْوِيَ " ( 4 ) ؛ أي : لا راحم ولا عاطف عليه ، وقيل : لا وطن له ولا سكن يأوي إليه ( 5 ) .

5 - وعن أنس  قال : قال رسول الله  : " من قال إذا أوى إلى فراشه : الحمد لله الذي كفاني وآواني ، الحمد لله الذي أطعمني وسقاني ، الحمد لله الذي منَّ علي فأفضل ، اللهم إني أسألك بعزتك أن تنجيني من النار ؛ فقد حمد الله بجميع محامد الخلق كلهم " ( 6 ) .

6 - وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  كَانَ يَقُولُ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي ، وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي ، وَالَّذِي مَنَّ عَلَىَّ فَأَفْضَلَ ، وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ " ( 7 ) .
قوله : " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي " أي : دفع عني شر كل مؤذٍ من خلقه ، وكفى مهماتي ، وقضى حاجاتي ، أو أغناني عن الخلق ؛ " وَآوَانِي " أي : جعل لي مسكنًا يقيني الحر والبرد وأحرز فيه متاعي ؛ " وَالَّذِي مَنَّ " أي : أنعم " عَلَىَّ فَأَفْضَلَ " أي : زاد في المنِّ أو أكثر ، " وَالَّذِي أَعْطَانِي فَأَجْزَلَ " أي : فأعظم العطاء ، أو أكثر من النعمة ؛ وقدم المنَّ لأنه غير مسبوق بعمل العبد ، بخلاف الإعطاء فإنه قد يكون بإزاء عمل من العبد ومسبوقًا به .

( 1 ) رواه البخاري ( 6312 ، 6314 ، 6324 ، 73994 ) عن حذيفة رضي الله عنه .
( 2 ) حديث صحيح رواه أحمد : 1 / 394 ، 400 ، وابن ماجة ( 3877 ) عن ابن مسعود ؛ ورواه أحمد : 5 / 382 ، والترمذي ( 3398 ) وصححه عن حذيفة ؛ ورواه أحمد : 4 / 281 ، والبخاري في الأدب المفرد ( 1215 ) ، والترمذي ( 3399 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10588 ) ، والطبراني في الأوسط ( 1636 ) عن البراء ؛ ورواه أحمد : 6 / 287 ، وأبو داود ( 5045 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10588 ) ، والطبراني في الكبير : 23 / 215 ، عن حفصة .
( 3 ) مسلم ( 2713 ) .
( 4 ) مسلم ( 2715 ) ، ورواه أحمد : 3 / 153 ، وأبو داود ( 5053 ) ، والترمذي ( 3396 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10635 ) .
( 5 ) انظر شرح النووي على مسلم : 17 / 34 .
( 6 ) رواه الحاكم ( 2001 ) وصححه ، والبيهقي في الشعب ( 4382 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب ( 609 ) .
( 7 ) أبو داود ( 5058 ) ، والنسائي في الكبرى ( 10635 ) ، وصححه ابن حبان ( 5538 ) .
 
ومن أذكار النوم
7 - ولأبي داود عَنْ أَبِى الأَزْهَرِ الأَنْمَارِىِّ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e كَانَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ : " بِسْمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، وَأَخْسِئْ شَيْطَانِي ، وَفُكَّ رِهَانِي ، وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الأَعْلَى " ( [1] ) . وقوله : " وَأَخْسِئْ شَيْطَانِي " أي : اجعله خاسئًا ، أي : مطرودًا ؛ " وَفُكَّ رِهَانِي " أي : خلصني من عقال ما اقترفت نفسي من الأعمال التي لا ترتضيها بالعفو عنها ؛ والرهان كسهام الرهن ، وهو ما يجعل وثيقة بالدين ؛ والمراد هنا نفس الإنسان لأنها مرهونة بعملها ، ] كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [ [ الطور : 21 ] ؛ وقوله : " وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيِّ الأَعْلَى " أي : الملأ الأعلى من الملائكة ، والندي : القوم المجتمعون في مجلس ، ومنه النادي ؛ وهذا دعاء يجمع خيري الدنيا والآخرة فتتأكد المواظبة عليه كلما أريد النوم ( [2] ) .


8 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبيِِّ e قَالَ : " خَصْلَتَانِ أَوْ خَلَّتَانِ لاَ يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ، هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ؛ يُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ عَشْرًا ، وَيَحْمَدُ عَشْرًا ، وَيُكَبِّرُ عَشْرًا ؛ فَذَلِكَ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ بِاللِّسَانِ ، وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ ؛ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ ، وَيَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَيُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ؛ فَذَلِكَ مِائَةٌ بِاللِّسَانِ ، وَأَلْفٌ فِي الْمِيزَانِ " ؛ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَعْقِدُهَا بِيَدِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ هُمَا يَسِيرٌ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ ؟ قَالَ : " يَأْتِي أَحَدَكُمْ - يَعْنِى الشَّيْطَانَ - فِي مَنَامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ ، وَيَأْتِيهِ فِي صَلاَتِهِ فَيُذَكِّرُهُ حَاجَةً قَبْلَ أَنْ يَقُولَهَا " ( [3] ) .

9 – وفي الصحيحين عَنِ عَلِىٍّ t أَنَّ فَاطِمَةَ اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا ، وَأَتَى النَّبِيَّ e سَبْيٌ فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ ، وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ e أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا ، فَجَاءَ النَّبِيُّ e إِلَيْنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا ، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ النَّبِيُّ e : " عَلَى مَكَانِكُمَا " ، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ : " أَلاَ أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا ؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا أَنْ تُكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ " واللفظ لمسلم ( [4] ) ، قال ابن القيم - رحمه الله - في ( الوابل الصيب ) : قيل : إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنيه عن خادم .ا.هـ ( [5] ) ؛ قال ابن حجر رحمه الله : وفيه أن من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه إعياء ، لأن فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها e على ذلك ، كذا أفاده ابن تيمية ؛ وفيه نظر ، ولا يتعين رفع التعب ، بل يحتمل أن يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل ، ولا يشق عليه ولو حصل له التعب ، والله أعلم ( [6] ) . قلت : الذي نقله ابن القيم في ( الوابل الصيب ) عن شيخه أنه قال : بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل ومن غيره .ا.هـ ( [7] ) ؛ وفرق بين (لم يصبه إعياء ) ، وبين ( لم يأخذه إعياء ) ، فاللفظة الأولى فيها النظر الذي ذكره الحافظ رحمه الله ، أما الثانية ففيها المعنى الذي ذكره الحافظ ، فليتأمل .

10 - عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ لِنَوْفَلٍ : " اقْرَأْ ] قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [ ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا ، فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ " ( [8] ) ، وروى أحمد والنسائي عَنْ جَبَلَةَ بن حَارِثَةَ t أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ : ] قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [ حَتَّى تَمُرَّ بِآخِرِهَا ، فَإِنَّهَا بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ " ( [9] ) .

11 - عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ ، وَقَالَ : " إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ " ( [10] ) ؛ والمسبحات ستًا : الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن والأعلى ؛ قال ابن كثير - رحمه الله : والآية المشار إليها في الحديث هي - والله أعلم - قوله تعالى : ] هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ [ الحديد : 3 ] ( [11] ) .

[1] - أبو داود ( 5054 ) ، وصححه الألباني ؛ ورواه الطبراني في الكبير : 16 / 162 ( 18210 ) .

[2] - انظر ( فيض القدير ) للمناوي : 5 / 91 ، 92 .

[3] - أحمد : 2 / 204 ، وأبو داود ( 5065 ) ، والترمذي ( 3410 ) وصححه ، والنسائي ( 1348 ) ، وصححه الألباني .

[4] - البخاري ( 2945 ) ، ومسلم ( 2727 ) ، ورواه مسلم عن أبي هريرة ( 2728 ).

[5] - ص 106 ، عند الفائدة الحادية والستين .

[6] - انظر ( فتح الباري ) : 11 / 124 ، 125 ؛ وما ذكره عن ابن تيمية أورده ابن القيم في ( الوابل الصيب ص 131 ) قال : قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه : بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل ومن غيره .

[7] - انظر ( الوابل الصيب ) ص 131 .

[8] - أحمد : 5 / 456 ، وأبو داود ( 5055 ) ، والترمذي ( 3403 ) والنسائي ( في الكبرى ( 10637 ، 11709 ) ، وابن حبان ( 790 ، 5526 ) ، والحاكم : 1 / 565 وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه الألبان في صحيح التغيب ( 607 ) .

[9] - أحمد : 5 / 222 ، والنسائي في الكبرى ( 10636 ) ، وصححه ابن حجر في الإصابة : 1 / 223 .

[10] - أحمد : 4 / 128 ، وأبو داود ( 5057 ) ، والترمذي ( 2921 ) ، 3406 ) وحسنه ، والنسائي في الكبرى ( 8026 ، 10549 ) .

[11] - انظر تقدمته لسورة الحديد من تفسيره .
 
ومن أذكار النوم
12 - وعن أبي هريرة t عن النبي e قال : " من قال حين يأوي إلى فراشه : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ؛ غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر " ( [1] ) .

13 - وعن جابر t أن رسول الله e قال : " إذا أوى الرجلُ إلى فراشِهِ أتاه ملكٌ وشيطانٌ ، فيقولُ الملكُ : اختمْ بخيرٍ ، ويقول الشيطانُ : اختمْ بشرٍّ ، فإذا ذكر الله ثم نام ، ذهب الشيطانُ وبات يكلؤه الملكُ ؛ فإذا استيقظ ابتدره ملكٌ وشيطانٌ ، قال الملك : افتحْ بخير ، وقال الشيطانُ : افتحْ بشرٍّ ؛ فإن قال إذا قام : الحمدُ لله الذي رد على نفسي ولم يُمِتْها في منامها ، الحمدُ لله الذي يُمْسِكُ السماءَ أن تقع على الأرضِ إلا بإذنِهِ إن الله بالناس لرءوفٌ رحيمٌ ، الحمد لله الذي يمسك السمواتِ والأرضَ أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليمًا غفورًا ، الحمد لله الذي يحيى الموتى وهو على كلِّ شيء قديرٌ ؛ فإن وقع عن سريره فمات دخل الجنةَ ، فإن قام فصلى صلى في فضائلِ " ( [2] ) ؛ ومعنى يكلؤه : يحرسه ويحفظه .

14 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ : وَكَّلَنِي رَسُولُ اللهِ e بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ وَقُلْتُ : وَاللهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ e ، قَالَ : إِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ ، قَالَ : فَخَلَّيْتُ عَنْهُ ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ e : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ ؟ " قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا ، فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ e إِنَّهُ سَيَعُودُ ، فَرَصَدْتُهُ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ e قَالَ : دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ لَا أَعُودُ ؛ فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ e : " يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ ؟ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً وَعِيَالًا فَرَحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ " فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَخَذْتُهُ فَقُلْتُ : لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ، وَهَذَا آخِرُ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ ، قَالَ : دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا ، قُلْتُ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ : ] اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [ حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ؛ فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ e : " مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ؛ قَالَ : " مَا هِيَ ؟ " قُلْتُ : قَالَ لِي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ : ] اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [ وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ؛ وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ e : " أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ " قَالَ : لَا ، قَالَ : " ذَاكَ شَيْطَانٌ " ( [3] ) .

15 - وفى الصحيحين عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ e : " إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ ، ثُمَّ قُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ ؛ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ " قَالَ فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ e فَلَمَّا بَلَغْتُ : " اللَّهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ " قُلْتُ : وَرَسُولِكَ ، قَالَ : " لَا ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ " لفظ البخاري ، وفي رواية : " وَقُلْ : اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ " ، وفي رواية : " فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا " ( [4] ).
قال ابن القيم - رحمه الله : لما كان النائمُ بمنزلة الميت ، كان النائم محتاجًا إلى مَن يحرُس نفسه ، ويحفظُها مما يَعْرِضُ لها من الآفات ، ويحرُسُ بدنه أيضاً من طوارق الآفات ، وكان ربُّه وفاطرُه تعالى هو المتولي لذلك وحدَه، علَّم النبيُّ e النائمَ أن يقولَ كلماتِ التفويضِ والالتجاء ، والرغبة والرهبة ، ليَستدعىَ بها كمال حفظِ الله له ، وحراسته لنفسه وبدنه ، وأرشده مع ذلك إلى أن يَستذكِرَ الإيمانَ ، وينامَ عليه ، ويجعلَ التكلُّمَ به آخرَ كلامه ، فإنه ربما توفاه الله في منامه ، فإذا كان الإيمانُ آخِرَ كلامه دخل الجنَّة ، فتضمَّن هذا الهَدْىُ في المنام مصالحَ القلب والبدن والروح في النوم واليقظة ، والدنيا والآخرة ، فصلواتُ الله وسلامُه على مَن نالتْ به أُمتُه كُلَّ خير ( [5] ) . وقال الطيبي – رحمه الله : في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها إلا المتقن من أهل البيان ، فأشار بقوله : " أسلمت نفسي " إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه ، وبقوله : " وجهت وجهي" إلى أن ذاته مخلصة له بريئة من النفاق ، وبقوله : " فوضت أمري " إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره ، وبقوله : " ألجأت ظهري " إلى أنه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب كلها ؛ قال : وقوله رغبة ورهبة منصوبان على المفعول له على طريق اللف والنشر ، أي : فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري إليك رهبة ( [6] ) ؛ وقال الكرماني : هذا الحديث يشتمل على الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إجمالا من الكتب والرسل من الإلهيات والنبوات ، وعلى إسناد الكل إلى الله من الذوات والصفات والأفعال ، لذكر الوجه والنفس والأمر وإسناد الظهر مع ما فيه من التوكل على الله والرضا بقضائه، وهذا كله بحسب المعاش ، وعلى الاعتراف بالثواب والعقاب خيرًا وشرًا وهذا بحسب المعاد ( [7] ) .
وهذا شرح إجمالي لهذه المعاني الجليلة الموجودة في الحديث :
قوله : " اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ " وفي رواية : " أَسْلَمْتُ نَفْسِي " أي : جعلتُها مُسلَّمَةً لك تسليمَ العبدِ المملوك نفسَه إلى سيده ومالكه ؛ فمعنى أسلم ، أي : استسلم وانقاد ، والمعنى : جعلت نفسي منقادة لك ، تابعة لحكمك ، إذ لا قدرة لي على تدبيرها ، ولا على جلب ما ينفعها إليها ، ولا دفع ما يضرها عنها .
وقوله : " وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ " أي : رددت أمري كله إليك ،وذلك يُوجب سُكون القلب وطمأنينته ، والرِّضى بما يقضيه ويختارُه لهممايحبهويرضاه، والتفويضُ من أشرف مقامات العبودية .
وقوله : " وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ " فيه معنى التوجُّهِ والقصد ؛ ويتضمَّن إقبالَه بالكلِّية على ربه ، وإخلاص القصد والإرادة له ، وإقراره بالخضوع والذلوالانقياد ، قال تعالى : ] فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ [ [ آل عمران : 20 ] .
وقوله : " وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ " أي : اعتمدت في أموري عليك ، لتعينني على ما ينفعني ؛ لأن من استند إلى شيء تقوى به واستعان به ، وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه ؛ فإلجاءُ الظَّهر إليه سبحانه يَتضَمَّنُ قوةَ الاعتماد عليه ، والثقة به ، والسكونَ إليه ، والتوكلَ عليه، فإنَّ مَن أسند ظهره إلى ركن وثيقٍ ، لم يخف السقوطَ .
ولَمَّا كان للقلب قوَّتان : قوة الطلب ، وهى الرغبة ؛ وقوة الهرب ، وهى الرهبة ، وكان العبد طالبًا لمصالحه ، هاربًا من مضارِّه ، جمع الأمرين في هذا التفويض والتوجُّه ، فقال : " رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ " أي : رغبة في رفدك وثوابك ، وخوفا من غضبك ومن عقابك.
ثم أثنى على ربه ، بأنه لا مَلجأ للعبد سواه ، ولا منجا له منه غيره ، فهو الذي يلجأ إليه العبدُ ليُنجِيَه من نفسه، كما في الحديث الآخر : " أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ ، وبمُعَافَاتِكَ من عُقُوبَتِكَ ، وأعوذُ بِكَ مِنْكَ " ، فهو سبحانه الذي يُعيذ عبدَه ويُنجيه من بأسه الذي هوبمشيئتهوقُدرته،فمنهالبلاءُ،ومنهالإعانةُ، ومنه ما يُطلب النجاةُ منه ، وإليه الالتجاءُ في النجاة ، فهو الذي يُلجأ إليه في أن يُنجيَ مما منه ، ويُستعاذُ به مما منه ، فهو ربُّ كل شيء ، ولا يكون شيء إلا بمشيئته : ] وَإن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إلاَّ هُوَ [ [ الأنعام : 17 ]، ] قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللهِ إنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً [ [ الأحزاب : 17 ] .
ثُمَّ ختم الدعاءَ بالإقرار بالإيمان بكتابه ورسوله الذي هو مَلاكُ النجاة ، والفوز في الدنيا والآخرة .
وقوله : " فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ " أي : على الدين القويم ملة إبراهيم ، فإنه u أسلم واستسلم ، قال الله تعالى عنه : ] إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [ [ الصافات : 84 ]، وقال عنه : ] أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [ [ البقرة : 131 ] ؛ وقيل : المراد بالفطرة هنا دين الإسلام ، وهو بمعنى الحديث الآخر " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ؛ وقوله : " وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيْرًا " أي : صلاحًا في المال ، وزيادة في الأعمال .
وأولى ما قيل في الحكمة في رده e على من قال ( الرسول ) بدل ( النبي ) أن ألفاظ الأذكار توقيفية ، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس ، فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به ؛ وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ، ولعله أُوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها ( [8] ) .
تنبيه :
لا يلزم المسلم أن يجمع بين هذه الأذكار كلِّها عند اضطجاعه ، بل يختار منها ما يناسب حاله ، فإن جمعها كلها فهو خير عظيم ، والمقصود أن ينام على ذكر الله تعالى ؛ فلا يزال المسلم يذكر الله على فراشه حتى يغلبه النوم وهو يذكر الله ، فيكون منامه عبادة وزيادة له في قربه من الله Y .
هذا والعلم عند الله تعالى .

[1]- رواه ابن أبي شيبة ( 26527 ) ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ( 722 ) ، وابن حبان ( 5528 ) .

[2] - أخرجه النسائي في الكبرى ( 10689 ) ، وأبو يعلى ( 1791 ) ، وقال الهيثمي (10/120) : رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي ، وهو ثقة . ا.هـ . وأخرجه ابن حبان ( 5533 ) ، والحاكم ( 2011 ) ، وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي .


[3] - البخاري ( 2311 ، 3275 ، 5010 ) معلقا بصيغة الجـزم ، ووصله النسائي في الكبرى ( 10795 ) ، وفي عمل اليوم والليلة ( 965 ) ، ورواه ابن خزيمة ( 2424 ) ، والبيهقي في الشعب ( 2388 ) موصولا .

[4] - البخاري ( 247 ، 6311 ، 7050 ) ، ومسلم ( 2710 ) .

[5]- انظر زاد المعاد : 4 / 219 ، باختصار .

[6]- نقلا عن 0 فتح الباري ) : 11 / 111 .

[7]- انظر فتح الباري : 11 / 113 .

[8]- انظر : زاد المعاد : 4 / 219 ، 220 ، وفتح الباري : 11 / 112 ، 113 ، فقد جمعت هذا الشرح منهما ، وألفت بين كلامهما مع الاختصار والتصرف .
 
آداب الاستيقاظ

الاستيقاظ هو الانتباه من النوم ، وقد يكون انتباهًا طبيعيًّا بعد أن يأخذ الجسم راحته من النوم ؛ وقد يكون استيقاظًا لعارض من قلق أو كابوس أو نحو ذلك ؛ ولكل حالة من حالات الاستيقاظ أدبٌ وذكرٌ يخصها .
ولنذكر أولا آداب الاستيقاظ الطبيعي ، والتي جمعها حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t في الصحيحين أَنَّ رَسُولَ اللَّه e قَالَ : " يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ ؛ فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ " ولفظ مسلم : " فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ ، فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ " ( [1] ) ، وقافية الرأس : مؤخرتها ؛ وقيل : القفا ، وآخر كل شيء قافيته ، ومنه : قوافي الشعر ، لأنها أواخر الأبيات ، ومنه قيل لنبينا e : المقفى ، لأنه آخر الأنبياء .
وكيف يعقد الشيطان على رأس ابن آدم ؟ قال النووي - رحمه الله : واختلف العلماء في هذه العقد ؛ فقيل : هو عقد حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام ؛ قال الله تعالى : ] النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [ [ الفلق : 4 ] ؛ فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر ؛ وقيل : يحتمل أن يكون فعلا يفعله كفعل النفاثات في العقد ؛ وقيل : هو من عقد القلب وتصميمه ، فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليك ليلا طويلا فتأخر عن القيام ؛ وقيل : هو مجاز كنى به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل ( [2] ) ؛ أما القول بإنها كعقد السحر فلا يقف على حقيقته أحد ؛ وقال ابن عبد البر : إن الشيطان ينوِّم المرء ، ويزيده ثقلا وكسلا بسعيه وما أعطي من الوسوسة والقدرة على الإغواء والتضليل وتزيين الباطل والعون عليه ، إلا عباد الله المخلصين ( [3] ) .
والحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسانفيالسحر، فإن اتفق له أن يرجع إلى النوم ثلاث مرات لم تنقض النومة الثالثة إلا وقد ذهب الليل ؛ قاله أبو العباس القرطبي في ( المفهم ) ، وقال البيضاوي : التقييد بالثلاث إما للتأكيد ، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء : الذكر والوضوء والصلاة ، فكأنه منع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه ، وكأن تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم ومجال تصرفه ، وهو أطوع القوى للشيطان وأسرعها إجابة لدعوته ( [4] ) .
ومعنى قوله : " يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ " أي : يضرب بيده على العقدة تأكيدًا وإحكامًا لها ، قائلا ذلك ؛ وقيل: معنى يضرب يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ ، ومنه قوله تعالى : ] فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ [ [ الكهف : 11 ] أي: حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا ( [5] ) ؛ وذلك مقصود ذلك العقد ومراد الشيطان منه ، ويعني بقوله : " عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ " تسويفه بالقيام ، والإلباس عليه بأن في بقية الليل من الطول ما له فيه فسحة ؛ ونقل ابن بطال عن المهلب قال : قد فسر النبي e معنى العقد ، وهو قوله : " عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ " كأنه يقولها إذا أراد النائم الاستيقاظ إلى حزبه ، فيعتقد في نفسه أنه بقيت من الليل بقية طويلة ، حتى يروم بذلك إتلاف ساعات ليله وتفويت حزبه ( [6] ) .
وفي هذا الحديث دليل على أن ذكر الله Y يُطرد به الشيطان ، وكذلك الوضوء والصلاة ؛ وقال النووي - رحمه الله : ومنها التحريض على الوضوء حينئذ وعلى الصلاة وإن قلَّت ( [7] ) ؛ فقد بين الحديث ثلاثة آداب لحل عقد الشيطان الثلاثة :
الأول : ذكر الله تعالى ؛ لقوله e : " فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ " فقد استفيد منه الحث على ذكر اللّه تعالى عند الاستيقاظ ، وأنه يحل عقدة من عقد الشيطان الثلاثة ، وجاءت فيه أذكار مخصوصة مشهورة من سنة النبي e ، ولا يتعين لهذه الفضيلة ذكر مخصوص لا يجزئ غيره ، بل كل ما صدق عليه ذكر الله U أجزأ ، ويدخل فيه : تلاوة القرآن ، وقراءة الحديث النبوي ، والاشتغال بالعلم الشرعي ؛ لكن الأذكار المأثورة أفضل ( [8] ) .
ومما ورد من أذكار الاستيقاظ ؛ ما تقدم من حديث حذيفة وأبي ذر والبراء y أن النبي e كان إذا اسْتَيْقَظَ قَالَ : " الْحَمْدُ لله الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " ( [9] ) ؛ وفي رواية الترمذي لحديث أبي هريرة t المتقدم في الذكر عند النوم: " فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَقُلِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي ، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي ، وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ " ( [10] ) .
ومن ذلك حديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : " مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الْحَمْدُ للهِ ، وَسُبْحَانَ اللهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَاللهُ أَكْبَرُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا ، بِاللهِ ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ " رواه أحمد والبخاري وأهل السنن ، وهذا لفظ البخاري،ولأحمد: " ثُمَّ قَالَ : رَبِّ اغْفِرْ لِي (أَوْقَالَ: ثُمَّ دَعَاهُ اسْتُجِيبَ لَهُ) ، فَإِنْ عَزَمَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى تُقُبِّلَتْ صَلَاتُهُ " ونحوه عند الباقين ( [11] ) ؛ قال الخطابي - رحمه الله : يتعار معناه : استيقظ من النوم ، وأصل التعار : السهر والتقلب على الفراش ، ويقال : إن التعار لا يكون إلا مع كلام وصوت ، وهو مأخوذ من عِرار الظليم .ا.هـ. زاد ابن الأثير في (النهاية): وقيل: هو تمطى وأنَّ ([12]) .

الثاني : الوضوء ؛ لقوله e : " فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ " ، وعند مسلم : " وَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ " وفيه التحريض على الوضوء في هذه الحالة ، وهو كونه تنحل به إحدى عقد الشيطان وإن لم تنضم إليه في تلك الحالة صلاة ؛ فإذا انضم إلى ذلك حل العقدة بالذكر كان المنحل من العقد بالذكر والوضوء عقدتان ، وهو معنى رواية مسلم .
قال ابن حجر - رحمه الله : إنما خص الوضوء بالذكر لأنه الغالب ، وإلا فالجنب لا يحل عقدته إلا الاغتسال ، وهل يقوم التيمم مقام الوضوء أو الغسل لمن ساغ له ذلك ؟ محل بحث ؛ والذي يظهر إجزاؤه ؛ ولا شك أن في معاناة الوضوء عونًا كبيرًا على طرد النوم ، لا يظهر مثله في التيمم ( [13] ) .

الثالث : الصلاة : " فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ " ، وعند مسلم : " فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتِ الْعُقَدُ " المراد أنه انحل بالصلاة تمام عقده ، فإنه قد انحل بالذكر والوضوء اثنان منها ، وما بقي إلا واحدة ، فإذا صلى انحلت تلك الواحدة ؛ وحصل حينئذ تمام انحلال المجموع .
وفيه حض على قيام الليل ؛ لأن فيه أنه يصبح طيب النفس نشيطًا بعد ذكر الوضوء والصلاة .
وقوله e : " فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ " يريد أنه بذكر الله تعالى وبالوضوء وبالصلاة تنحل عقد الشيطان كلها ، وينجو المسلم من كيده ، ومن شر عقده ؛ فيصبح نشيطًا قد انحلت عنه عقد الشيطان التي تكسله ؛ فينشط لما يرد عليه من عبادات أُخر ، من صلوات وغيرها ، وينشط لما يحتاجه من أمور حياته ؛ " طَيِّبَ النَّفْسِ " بما عمل في ليله من عمل البر ؛ لرجاء ثواب ما فعل ؛ ولانشراح صدره بما يستقبل، فيصبح مسرورًا بما قدم، مستبشرًا بما وعده الله من الثواب والغفران، مع ما يبارك له في نفسه وتصرفه في كل أموره ؛ والله أعلم ، واستظهر ابن حجر - رحمه الله - أن في صلاة الليل سرًّا في طيب النفس وإن لم يستحضر المصلي شيئا مما ذكر ، وكذا عكسه ؛ قال : وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : ] إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [ [ المزمل : 6 ] ( [14] ) .
وقوله e : " وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ " أي : متغيرًا بشؤم تفريطه ، وهمِّه بما فاته من حزبه ؛ ولما عليه من عُقَد الشيطان - التي لم تزل - وآثار تثبيطه واستيلائه وإتمام خديعته عليه ؛ إذ قد حمله على أن فاته الحظ الأوفر من قيام الليل؛ وكسَّله عن النشاط في أعمال البر ؛ وقوله : " كَسْلَانَ " ؛ أي : متثاقل عن فعل الخيرات ؛ وربما يحمله ذلك على تضييع الواجبات ( [15] ) ؛ قال النووي - رحمه الله : وظاهر الحديث أن من لم يجمع بين الأمور الثلاثة - وهي الذكر والوضوء والصلاة - فهو داخل فيمن يصبح خبيث النفس كسلان ( [16] ) .
هذا والعلم عند الله تعالى .

[1] - رواه البخاري ( 1091 ، 3096 ) ، ومسلم ( 776 ) .

[2]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 6 / 65 ، وانظر ( التمهيد ) : 19 / 45 ، 46 ، و( الاستذكار ) : 2 / 375 لابن عبد البر ؛ و( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 25 ، 26 .

[3]- انظر ( التمهيد ) : 19 / 45 ، 46 .

[4]- نقلا عن ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 26 .

[5]- انظر ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 25 .

[6]- نقلا عن ( شرح صحيح البخارى ) لابن بطال : 3 / 135 .

[7]- شرح النووي على مسلم - (6 / 66) .

[8]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) : 6 / 66 ، و( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 26 .

[9] - رواه البخاري عن حذيفة وأبي ذر ؛ ورواه مسلم عن البراء y .

[10] - الترمذي ( 3401 ) .

[11] - أحمد : 5 / 313 ، والبخاري ( 1154 ) ، وأبو داود ( 5060 ) ، والترمذي ( 3414 ) ، والنسائي في الكبرى (10697)، وابن ماجة ( 3878 ) .

[12] - انظر معالم السنن : 7 / 316 مع المختصر ، والنهاية في غريب الحديث والأثر : مادة ( عرر ) .

[13]- انظر ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 27 .

[14]- انظر(شرح ابن بطال على البخاري): 3 / 135 ، و( شرح النووي على مسلم ) 6 / 66 ، و( فتح الباري ) لابن حجر :3/ 26 .

[15]- انظر ( شرح النووي على مسلم ) 6 / 67 ، و ( فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 26 .

[16]- شرح النووي على مسلم - (6 / 67) .
 
التعديل الأخير:
فائدة : قال العلماء وليس هناك تعارض بين قوله e : " وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ " ، وبين قوله e : " لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : خَبُثَتْ نَفْسِي ، وَلْيَقُلْ : لَقِسَتْ نَفْسِي " ( [1] ) ؛ لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء إلى نفسه لفظ ( الخبث ) وهو مذموم ، فيضيف الذم إلى نفسه ، وهو ممنوع في مثل هذا ، كراهية لتلك اللفظة ؛ والحديث الثاني إنما هو خبر عن حال من لم يذكر الله في ليله ولا توضأ ولا صلى فأصبح خبيث النفس ، ذمًّا لفعله وعيبًا له ؛ ولو أضاف الإنسان لفظ الخبث إلى غيره مما يصدق عليه ، لم يكن ذلك مذمومًا ولا ممنوعًا ، لأنه إخبار عن صفة غيره ؛ والله أعلم ( [2] ) .

[1] - رواه البخاري ( 5825 ) ، ومسلم ( 2250 ) عن عائشة رضي الله عنها ؛ ومعنى ( لقست نفسي ) : خبثت ، أي : حصل لها الكسل والخمول أو المرض ؛ وكره لفظ ( خبثت ) لبشاعته ، لأن من معانيه الباطل في الاعتقاد ، والكذب في القول ، والقبح في الفعال .

[2] - انظر ( التمهيد ) : 19 / 47 و( الاستذكار ) : 2 / 375 لابن عبد البر ؛ وشرح النووي على مسلم : 6 / 67 ، و(فتح الباري ) لابن حجر : 3 / 27 .
 
الاستيقاظ الغير طبيعي
ينتج عن الأرق أو عن الكابوس ( الخانوق ) ؛ والأرق : ذهاب النوم لعلة .
والكابوس هو الذي يقع على الإنسان في نومه ليلًا ( [1] ) ؛ وقد ذكره الأطباء قديمًا كابن سينا في كتابه ( القانون ) ( [2] ) وحديثًا ، وقرروا أن سببه إما عضوي مادي ، كتأثير طعام أو دواء ؛ وإما بسببِ تسلط الجن ، ويكون علاج الأول بالحجامة والفصد وتخفيف الطعام وغيرها ، ويكون علاج الثاني بالقرآن والأذكار الشرعية .
وفي كتابه ( النوم والأرق والأحلام ) قسَّم الدكتور حسَّان شمسي باشا الكوابيس إلى كوابيس العارضة ، وكوابيس متكررة ، قال :
الكوابيس العارضة ؛ تحدث لسببين ، أحدهما : تحيز بخارات في مجرى النفس تتراقى إلى الدماغ أو تنصب منه دفعة حين الدخول في النوم ؛ فيشعر المصاب بثقل في الحركة والكلام أو شعور بالفزع ، وهو مقدمة الصرع العضوي ، ويحدث - أيضًا - عند التعرض لضغوط نفسية .
الثاني : تعاطي أدوية يمكن أن تسبب الكوابيس وهي : الرزربين ، حصرات بيتا ، ليفودبا ، مضادات الهمود ؛ كما يحدث بعد التوقف عن استعمال الأدوية المهدئة ، كالفاليوم .
الكوابيس المتكررة : هذا النوع من الكوابيس يدل على تسلط وإيذاء الأرواح الخبيثة للإنسان . انتهى بتصرف .
ولا تختلف آداب الاستيقاظ هنا عن سابقتها ؛ غير أنه قد جاء في السنة علاجًا لذلك ؛ فقد روى الإمام أحمد عن الوليد بن الوليد t أنه قال : يا رسول الله ! إني أجد وحشة ؛ فقال : " فَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ ، وَشَرِّ عِبَادِهِ ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ ، فَإِنَّهُ لا يَضُرُّكَ ، وَبِالْحَرِيِّ أَنْ لا يَقْرَبَكَ " ( [3] ) ؛ وعن عمرو بن العاص t : أن رسول الله e كان يعلمهم من الفزع : " أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ " ( [4] ) ومعنى : وأن يحضرون : أن يصيبوني بسوء .
ولا يخفى مناسبة هذه العوذة لعلاج هذا الداء ؛ فكلماته التامات - كما قال ابن تيمية - رحمه الله : هي التي كوَّن بها الأشياء ، كما قال تعالى : ] إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [ [ يـس : 82 ] ؛ لا يجاوزها بر ولا فاجر ، ولا يخرج أحد عن القدر المقدور ، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور .ا.هـ ( [5] ) ؛ وغضب الله تعالى من صفاته الفعلية التي يفعلها إذا شاء على الوجه اللائق به Y ، ولا يشبه غضبه غضب أحد من خلقه ، ونصفه U بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله e ، من غير تعطيل ولا تحريف ولا تكييف ولا تمثيل ؛ قوله e : " وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ " الهمزات جمع همزة ، وهي النخس ؛ والمعنى أن الشياطين يحثون الناس على المعاصي ، ويغرونهم عليها ، فاستعاذ من نخاستهم ، ومن أن يحضروه أصلاً ، فقوله : " وَأَنْ يَحْضُرُونِ " أصله يحضروني ، حذفت الياء للتخفيف ؛ أي : وأن يحضر الشياطين عندي في جميع الأحوال .

[1] - انظر لسان العرب باب الميم فصل الجيم ، فالكابوس في اللغة هو الجاثوم والجثام .

[2] - انظر ( القانون ) : 2 / 466 .

[3] - أحمد : 4 / 57 ، 6 / 6 ، ورواه في الموطأ بلاغا : 2 / 950 ( 9 ) عن خالد بن الوليد ، ووصله ابن عبد البر في التمهيد : 24 / 109 .

[4] - أحمد : 2 / 181 ، وأبو داود ( 3893 ) ، والترمذي ( 3528 ) وقال حسن غريب ، والحاكم : 1 / 548 ، وصححه .

[5] - مجموع الفتاوى : 8 / 46 .
 
هدي النبي e في الاستيقاظ
قال ابن القيم - رحمه الله : وأمَّا هَدْيُه e في يقظته ، فكان يَستيقظ إذا صاح الصَّارخُ وهو الدِّيك ، فيحمَدُ اللهَ تعالى ويُكبِّره ويُهلِّله ويدعوه ، ثم يَستاك ، ثم يقوم إلى وضُوئه ، ثم يَقِفُ للصلاة بين يَدَي ربه ، مُناجيًا له بكلامه ، مُثنيًا عليه ، راجيًا له ، راغبًا راهبًا ، فأىُّ حفظٍ لصحةِ القلب والبدن ، والرُّوح والقُوَى ، ولنعيم الدنيا والآخرة فوقَ هذا .ا.هـ ( [1] ) .

خاتمة
هذا ما يسره الله الكريم المنان في كتابة هذه السطور ، وقد ترك كثير من الناس هذه الآداب في زماننا هذا ؛ فجعلوا الليل نهارًا والنهار ليلا ، مخالفين سنة الله تعالى في الكون ؛ مما كان له الأثر السلبي على حياة الفرد والمجتمع .
فإن من يسهر ليلا لابد أنه يحتاج إلى راحة بالنهار ، مما يؤثر على وقته وعمله بلا شك ؛ فإنه إذا ذهب إلى العمل بحالة إرهاق بسبب قلة النوم ، يقل إنتاجه ، وربما أضاع مصالح الناس الذين وكل إليه إنهاء معاملاتهم .
هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه من تضييع كثير من الواجبات التي أهمها صلاة الفجر .
فيا ليت الناس ينتبهون إلى خطأهم في هذا الأمر لتنضبط حياتهم ، وتصلح مجتمعاتهم ؛ أسأل الله تعالى أن يوفقنا والمسلمين لذلك .
ومع أن ذلك جهد مَنْ بضاعته مزجاة ، وعمل البشر محفوف بالنقص ؛ إلا أنني أطمع في فضل الله تعالى وكرمه أن يتقبله مني وأن يجعل له القبول في الأرض ، فهو سبحانه ولي ذلك والقادر عليه ، لا رب غيره ، ولا أرجو إلا خيره ، عليه توكلت ، وإليه أنيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

[1] - انظر زاد المعاد : 4 / 225 .
 
عودة
أعلى