حقيقة النسخ وطبيعة الحوار يا خير أمة

إنضم
21/12/2015
المشاركات
1,712
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
مصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
لقد قرأت النقاش الذي دار بين الأخ البهيجي وأنا أحبه في الله لأنه يحتمي بالكبار ويأخذ مأمنه عند قوم بأسهم في الحق شديد .... وهذا عادة أخينا البهيجي بارك الله فيه ... والكلام الذي ساقه الأخ عدنان ونحن نحسن الظن فيه غير أنه في موضوعه هذا أبى إلا أن يُسلمَ نفسه لعقله ولمدرسة ربما هو تابع لها في هذه النقطة فقط ..وهي مدرسة قديمة قدم هذا التشريع ولها روادها المعاصرون والمعرفون بيننا باختلاف المسميات فقط . ولقد اتبع أخونا على غير عادته حدة في القول وقريبا من الزهو الغير معهود عنه في كتابابته .
ويبدو أن رحم الزمان عقمت عن إنجاب من يحل اللغز حتى كان الأخ عدنان ورفاقه مع أنه مقيم في أرض تقدر الأثر وتنحني للحق الذي نطق به السلف إجلالا وإكبارا ... وما أعجب رده لكلام مجاهد رحمه الله ...
قال الطبري رحمه الله : حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ، يَقُولُ : إِذَا جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ ، فَحَسْبُكَ بِهِ.
ورأيناه يستتر بالغيرة على كتاب الله ثم هو يرد أقوالا لأقوام قد اختارهم الله أولا لبدء هذه الطريق . وطريقة القطع هذا التي أكثر من تردادها ليست طريقة علمية ولا شرعية كما هو معروف .
إن الحق إلى يحتاج إلى لين وتواضع حتى يعين بعضنا بعضا وحتى لا يستفيد من غفلتنا متربص أو شامت .
قال تعالى في سورة النجم :{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)}
ولما كان النسخ في السنة لا مفر من ثبوته ,كان القول بجواز النسخ في القرآن مقبولا.
فالرسول لا ينطق عن الهوى .... فكيف نوفق بين الآية ونسخ السنة للسنة ... ثم لا نقول بجواز نسخ بعض آيات القرآن ... والله هو الذي يتولى أمر النسخ عز وجل .!
قال تعالى في سورة النحل :{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}
قال ابن كثير رحمه الله :
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ ضَعْفِ عُقُولِ الْمُشْرِكِينَ وَقِلَّةِ ثَبَاتِهِمْ وَإِيقَانِهِمْ، وَأَنَّهُ لَا يَتَصَوَّرُ مِنْهُمُ الْإِيمَانَ وَقَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاوَةَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوْا تَغْيِيرَ الْأَحْكَامِ نَاسِخِهَا بِمَنْسُوخِهَا قَالُوا لِلرَّسُولِ: {إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ} أَيْ: كَذَّابٌ وَإِنَّمَا هُوَ الرَّبُّ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} أَيْ: رَفَعْنَاهَا وَأَثْبَتْنَا غَيْرَهَا.وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [الْبَقَرَةِ:106] .
قال أبو السعود رحمه الله :
{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ } أي إذا أنزلنا آيةً من القرآن مكان آية منه وجعلناها بدلاً منها بأن نسخناها بها { والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزّلُ } أولاً وآخِراً وبأن كلاًّ من ذلك ما نزلت حيثما نزلت إلا حسبما تقتضيه الحِكمةُ والمصلحة ، فإن كل وقت له مقتضًى غيرُ مقتضى الآخَر.. { قَالُواْ } أي الكفرة الجاهلون بحكمة النسخ { إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ } أي متقوّلٌ على الله تعالى تأمر بشيء ثم يبدو لك فتنهى عنه ، وحكايةُ هذا القول عنهم هاهنا للإيذان بأن ذلك كَفْرةٌ ناشئةٌ من نزغات الشيطان وأنه وليُّهم { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون شيئاً أصلاً أو لا يعلمون أن في النسخ حِكَماً بالغةً ، وإسنادُ هذا الحكمِ إلى الأكثر لما أن منهم مَنْ يعلم ذلك وإنما ينكره عِناداً .
وإليكم بعض النقولات المتصلة بمن سبقوا وصدقوا ........
قوله تعالى :{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }
قال القرطبي رحمه الله :
وَهَذِهِ آيَةٌ عُظْمَى فِي الْأَحْكَامِ. وَسَبَبُهَا أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا حَسَدُوا الْمُسْلِمِينَ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ وَطَعَنُوا فِي الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ، وَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَنْهَاهُمْ عَنْهُ، فَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ إِلَّا مِنْ جِهَتِهِ، وَلِهَذَا يُنَاقِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:"{ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ } " وأنزل"{ ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ".}
ومَعْرِفَةُ هَذَا الْبَابِ أَكِيدَةٌ وَفَائِدَتُهُ عَظِيمَةٌ، لَا يَسْتَغْنِي عَنْ مَعْرِفَتِهِ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يُنْكِرُهُ إِلَّا الْجَهَلَةُ الْأَغْبِيَاءُ، لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ النَّوَازِلِ فِي الْأَحْكَامِ، وَمَعْرِفَةِ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ.


قال أبو السعود رحمه الله :
والنصُّ كما ترى دالٌّ على جواز النسخ كيف لا وتنزيلُ الآيات التي عليها يدور فلَكُ الأحكام الشرعية إنما هو بحسب ما يقتضيه من الحِكَم والمصالح وذلك يختلف باختلاف الأحوال ويتبدّل حسب تبدل الأشخاص والأعصار كأحوال المعاش ، فرب حكمٍ تقتضيه الحكمةُ في حال تقتضي في حالٍ أخرى نقيضَه ، فلو لم يُجزِ النسخُ لاختل ما بين الحِكمة والأحكام من النظام . وقوله تعالى : { إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ } سادٌّ مسَدَّ مفعوليْ تعلم عند الجمهور ، ومسدَّ مفعولِه الأول ، والثاني محذوفٌ عند الأخفش ، والمرادُ بهذا التقرير الاستشهادُ بعلمه بما ذكر على قدرته تعالى على النسخ وعلى الإتيان بما هو خيرٌ من المنسوخ وبما هو مثله لأن ذلك من جملة الأشياء المقهورةِ تحت قدرته سبحانه فمِنْ علم شمولِ قدرتِه تعالى لجميع الأشياء علمُ قدرته على ذلك قطعاً ، والالتفاتُ بوضع الاسم الجليل موضع الضمير لتربية المهابة والإشعارِ بمناط الحكم فإن شمولَ القدرة لجميع الأشياء من أحكام الألوهية .
قال في فتح القدير :
وَقَدْ جَعَلَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ مَبَاحِثَ النَّسْخِ مِنْ جُمْلَةِ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْفَنِّ فَلَا نُطَوِّلُ بِذِكْرِهِ، بَلْ نُحِيلُ مَنْ أَرَادَ الاستقصاء عَلَيْهِ. وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ عَلَى ثُبُوتِهِ سَلَفًا وَخَلَفًا، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ وَلَا يُؤْبَهُ لِقَوْلِهِ. وَقَدِ اشْتُهِرَ عَنِ الْيَهُودِ- أَقْمَاهُمُ اللَّهُ- إِنْكَارُهُ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ.
ولم ينته الكلام بعد...................
 
قال القرطبي رحمه الله :
وأَنْكَرَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُنْتَمِينَ لِلْإِسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازَهُ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ السَّابِقِ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ. وَأَنْكَرَتْهُ أَيْضًا طَوَائِفُ مِنَ الْيَهُودِ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا جَاءَ فِي تَوْرَاتِهِمْ .
قال في محاسن التأويل :
قال بعض الفضلاء : نزلت هذه الآية لمّا قال المشركون أو اليهود : إن محمداً يأمر أصحابه بأمرٍ ثم ينهاهم عنه ويأمر بخلافه . وفي الآية ردّ عليهم بأن المقصود من نسخ الحكم السابق : تهيؤ النفوس لأرقى منه ؛ وهو معنى قوله تعالى : { نأت بخير منها } لأن الخالق تعالى ربّى الأمة العربية في ثلاث وعشرين سنة تربيةً تدريية لا تتم لغيرها - بواسطة الفواعل الاجتماعية - إلا في قرون عديدة . لذلك كانت عليهم الأحكام على حسب قابليتها ، ومتى ارتقت قابليتها بدّل الله لها ذلك الحكم بغيره . وهذه سنة الخالق في الأفراد والأمم على حد سواء . فإنك لو نظرت في الكائنات الحية - من أول الخلية النباتية إلى أرقى شكلٍ من أشكال الأشجار ، ومن أول رتبةٍ من رتب الحيوانات إلى الْإِنْسَاْن - لرأيت أن النسخ ناموس طبيعي محسوس في الأمور المادية ، والأدبية معاً . ! فإن انتقال الخلية الْإِنْسَاْنية إلى جنين ،ثم إلى طفل ، فيافعٍ ، فشاب ، فكهل ٍ ، فشيخ ، وما يتبع كل دور من هذه الأدوار - من الأحوال الناسخة للأحوال التي قبلها - يريك بأجلى دليل : أن التبدل في الكائنات ناموس طبيعي محقق . وإذا كان هذا النسخ ليس بمستنكر في الكائنات ، فكيف يستنكر نسخ حكم وإبداله بحكم آخر في الأمة ، وهي في حالة نمو وتدرج من أدنى إلى أرقى ؟ هل يرى إنسان له مسكة من عقل أن من الحكمة تكليف العرب - وهم في مبدأ أمرهم - بما يلزم أن يتصفوا به ، وهم في نهاية الرقي الْإِنْسَاْني ، وغاية الكمال البشري . ؟ ! وإذا كان هذا يصح ، وجب أن الشرائع تكلف الأطفال بما تكلف به الرجال ، وهذا لم يقل به عاقل في الوجود . ! وإذا كان هذا لا يقول به عاقل في الوجود ، فكيف يجوز على الله - وهو أحكم الحاكمين - بأن يكلف الأمة - وهي في دور طفوليتها - بما لا تتحمله إلا في دور شبوبيتها وكهولتها ؟ وأي الأمرين أفضل : أشرعنا الذي سن الله لنا حدوده بنفسه ، ونسخ منه ما أراد بعلمه ، وأتمه - بحيث لا يستطيع الإنس والجن أن ينقصوا حرفاً منه - لانطباقه على كل زمان ومكان ، وعدم مجافاته لأي حالة من حالات الْإِنْسَاْن . ؟ ! أم شرائع دينية أخرى ، حرفها كهانها ، ونسخ الوجودُ أحكامها - بحيث يستحيل العمل بها - لمنافاتها لمقتضيات الحياة البشرية من كل وجه .
 
الصحيح ان كلام القرطبي هذا لا دليل عليه سوى الوهم فليس هناك اي اجماع او حتى اتفاق على النسخ في القران
 
قال القرطبي رحمه الله :
وأَنْكَرَتْ طَوَائِفُ مِنَ الْمُنْتَمِينَ لِلْإِسْلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازَهُ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ السَّابِقِ عَلَى وُقُوعِهِ فِي الشَّرِيعَةِ. وَأَنْكَرَتْهُ أَيْضًا طَوَائِفُ مِنَ الْيَهُودِ، وَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِمَا جَاءَ فِي تَوْرَاتِهِمْ .
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْبَدَاءِ بَلْ هُوَ نَقْلُ الْعِبَادِ مِنْ عِبَادَةٍ إِلَى عِبَادَةٍ، وَحُكْمٍ إِلَى حُكْمٍ، لِضَرْبٍ مِنَ الْمَصْلَحَةِ، إِظْهَارًا لِحِكْمَتِهِ وكمال مملكته. ولا خِلَافَ بَيْنِ الْعُقَلَاءِ أَنَّ شَرَائِعَ الْأَنْبِيَاءِ قُصِدَ بِهَا مَصَالِحُ الْخَلْقِ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَوِيَّةُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ الْبَدَاءُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَآلِ الْأُمُورِ، وَأَمَّا الْعَالِمُ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا تَتَبَدَّلُ خِطَابَاتُهُ بِحَسَبِ تَبَدُّلِ الْمَصَالِحِ، كَالطَّبِيبِ الْمُرَاعِي أَحْوَالَ الْعَلِيلِ، فَرَاعَى ذَلِكَ فِي خَلِيقَتِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَخِطَابُهُ يَتَبَدَّلُ، وَعِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ لَا تَتَغَيَّرُ، فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ فِي جِهَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَجَعَلَتِ الْيَهُودُ النَّسْخَ وَالْبَدَاءَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجَوِّزُوهُ فَضَلُّوا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّسْخِ وَالْبَدَاءِ أَنَّ النَّسْخَ تَحْوِيلُ العبادة من شي إلى شي قَدْ كَانَ حَلَالًا فَيُحَرَّمُ، أَوْ كَانَ حَرَامًا فَيُحَلَّلُ. وَأَمَّا الْبَدَاءُ فَهُوَ تَرْكُ مَا عُزِمَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِكَ: امْضِ إِلَى فُلَانٍ الْيَوْمَ، ثُمَّ تَقُولُ لَا تَمْضِ إِلَيْهِ، فَيَبْدُو لَكَ الْعُدُولُ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ لِنُقْصَانِهِمْ. وَكَذَلِكَ إِنْ قُلْتَ: ازْرَعْ كَذَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ، ثُمَّ قُلْتَ: لَا تَفْعَلْ، فَهُوَ الْبَدَاءُ. –
واعْلَمْ أَنَّ النَّاسِخَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُسَمَّى الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ نَاسِخًا تَجَوُّزًا، إِذْ بِهِ يَقَعُ النَّسْخُ، كَمَا قَدْ يُتَجَوَّزُ فَيُسَمَّى الْمَحْكُومُ فِيهِ نَاسِخًا، فَيُقَالُ: صَوْمُ رَمَضَانَ نَاسِخٌ لِصَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَالْمَنْسُوخُ هُوَ الْمُزَالُ، وَالْمَنْسُوخُ عَنْهُ هُوَ الْمُتَعَبِّدُ بِالْعِبَادَةِ الْمُزَالَةِ، وَهُوَ الْمُكَلَّفُ.
 
أنا أنقل لكم الآن فقط كلام العلماء الكرام ...من أهل السنة والجماعة لا من أهل البدعة والهوى ...
وفور انتهائي من النقل سوف أنقل لكما رأيي الخاص فيكما وفي طريقة اتخذتموها .....{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين }
وستكون بمشاركة مستقلة تحت اسميكما الكريمين فلا عجلة ولا عجب .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....أما بعد...جزاكم الله تعالى خيرا أستاذ بشير وبارك فيكم..
ان موضوع النسخ في القرآن الكريم من الأمور التي لم يختلف عليها خير هذه الامة
بعد نبيها اللهم صل عليه وآله.....ولو اختلفوا لنقل الينا أصحاب الحديث والسير خلافهم
كما نقلوا لنا خلافهم في أمور أخرى...وتبعهم التابعون ثم علماء القرون الثلاثة الخيرة
ثم تبعهم علماء الامة وخاصة أئمة المذاهب الأربعة ....واني مندهش من كلام الأستاذ
جمال عن كلام الامام القرطبي الذي ببساطة يتهمه بالوهم!!! طيب وضح لنا يا أستاذ
كيف وقع الامام القرطبي بالوهم ولا تتهم بغير دليل....
اللهم أهدنا للحق وأرنا ما يرضيك...والله تعالى اعلم.
 
أحسنت قولا يا أخي الكريم ... وبارك الله فيكم ..
ومازال عندي ما يوقف الريح و يسكن الموج ...بفضل الله .
 
قال في البحر المحيط :
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:وَالصَّحِيحُ فِي هَذَا أَنَّ نِسْيَانَ النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، لِمَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَنْسَاهُ، وَلَمْ يُرِدْ أن يثبته قرآنا جائزا.وَأَمَّا النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ آفَةٌ فِي الْبَشَرِ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنْهُ، قَبْلَ التَّبْلِيغِ، وَبَعْدَ التَّبْلِيغِ، مَا لَمْ يَحْفَظْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يُحْفَظَ، فَجَائِزٌ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْبَشَرِ، لِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ، حِينَ أَسْقَطَ آيَةً، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَ: «أَفِي الْقَوْمِ أُبَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَلِمَ لَمْ تُذَكِّرْنِي؟» قَالَ: خَشِيتُ أَنَّهَا رُفِعَتْ» . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «لم تُرْفَعْ وَلَكِنِّي نَسِيتُهَا» .انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ عَطِيَّةَ.
بِخَيْرٍ مِنْها:الظَّاهِرُ أَنَّ خَيْرًا هُنَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ، وَالْخَيْرِيَّةُ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ الْمُأْتَى بِهِ، إِنْ كَانَ أَخَفَّ مِنَ الْمَنْسُوخِ أَوِ الْمَنْسُوءِ، فَخَيْرِيَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ أَعْبَاءِ التَّكْلِيفِ، وَإِنْ كَانَ أَثْقَلَ، فَخَيْرِيَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ لِزِيَادَةِ الثَّوَابِ. أَوْ مِثْلِها: أَوْ مُسَاوٍ لَهَا فِي التَّكْلِيفِ وَالثَّوَابِ، وَذَلِكَ كَنَسْخِ التَّوَجُّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ.
والنقل مستمر حتى يظهر الحق بإذن الله ................
 
ان موضوع النسخ في القرآن الكريم من الأمور التي لم يختلف عليها خير هذه الامة بعد نبيها اللهم صل عليه وآله.
النسخ في القرآن؟ نعم. لكن الناسخ والمنسوخ في القرآن؟ محال، والإتفاق حول الوجود الفعلي للناسخ والمنسوخ في القرآن مجرد وهم، وإلا لانعكس الإتفاق المزعوم على التفاسير - فهل تجد هذا؟ ممكن إثبات العكس بأن تأتي بالآية الناسخة والآية المنسوخة ولك كامل الحرية في إختيار الطبقة التفسيرية التي تجد فيها هذا الإتفاق المزعوم.

وفي قصة مسائل إبن الازرق لإبن عباس قول إبن الازرق: (إني أجد في القرآن أشياء تختلف علي) أي - والكلام لشيخ الإسلام إبن حجر - تشكل وتضطرب، لأن بين ظواهرها تدافعا. زاد عبد الرزاق في رواية عن معمر عن رجل عن المنهال بسنده فقال ابن عباس: ما هو، أشك في القرآن؟ قال: ليس بشك ولكنه اختلاف، فقال: هات ما اختلف عليك من ذلك .. (فتح الباري 8:430).

قال له: هات ما اختلف عليك من ذلك، ولم يقل: ألم تعلم بالناسخ والمنسوخ في القرآن؟.
 
أم شرائع دينية أخرى، حرفها كهانها، ونسخ الوجودُ أحكامها - بحيث يستحيل العمل بها - لمنافاتها لمقتضيات الحياة البشرية من كل وجه.

مثل ماذا؟ تذكّر هنا بأن هذا مما يعترض به على الشريعة الإسلامية أيضا، ثم يأتي الحداثويون بالناسخ والمنسوخ في القرآن لتثبيت نسخ الواقع للقرآن، فما رد أهل الناسخ والمنسوخ؟وقوله (فكيف يستنكر نسخ حكم وإبداله بحكم آخر في الأمة، وهي في حالة نمو وتدرج من أدنى إلى أرقى؟) دفعني إلى سؤال: هل يؤمن الشيخ بنظرية نهاية التاريخ أو ماذا؟ النمو والتدرج منذ البعثة النبوية إلى الآن أكبر وأشد وأوسع وأكثر تعقيدا "من كل وجه".

فكرة مشكلة:

قيل: "السلطة" الدينية (يقصدون "رجال الدين" من قساوسة وشيوخ ورهبان وأحبار) ملزمة بالتصالح مع الواقع (تطوره ومقتضياته) مهما تأخر التصالح، ومن الأمثلة المضروبة من داخل بيئة إسلامية محافظة رأي الفقيه إبن عثيمين في تزويج الصغيره عند تعليقه على الإمام البخاري: باب إِنْكَاحِ الرَّجُلِ وَلَدَهُ الصِّغَارَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}، فَجَعَلَ عِدَّتَهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ قَبْلَ الْبُلُوغِ.

قال: الذي يظهر لي أنه من الناحية الانضباطية في الوقت الحاضر أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقا، حتى تبلغ وتُستأذن، وكم من امرأة زوّجها أبوها بغير رضاها، فلما عرفت وأتعبها زوجها قالت لأهلها: إما أن تفكوني من هذا الرجل، وإلا أحرقت نفسي، وهذا كثير ما يقع، لأنهم لا يراعون مصلحة البنت، وإنما يراعون مصلحة أنفسهم فقط، فمنع هذا عندي في الوقت الحاضر متعين، ولكل وقت حكمه.

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=145777

طبعا تزويج الصغير(ة) مسألة تجاوزها الواقع بمقتضياته العرفية والتقليدية والعاطفية والإقتصادية الإجتماعية أو لنقل "من كل وجه" في أغلب أمصار العالم، لكن لم تتجاوز القرآن الكريم، وما قيل في تفسير الآية مجرد تفسيرات غير ملزمة إلا داخل السياقات الإجتماعية الثقافية التي تم فيها إنتاج تلك التفسيرات. وما يقال هنا يقال في "الناسخ والمنسوخ في القرآن" وأحيانا يكفي أن يتوهم الواحد منهم وهما ما ليصير القول فيما بعد إلى "قول الجمهور" بالتقليد أو بحسن الظن بمن تقدم أو بمخالفة ما قيل عن اليهود في موقفهم من نسخ (الأوامر والنواهي والأخبار وو..) أو بالتساهل أو بعدم التحقيق إذ لم ترد دواعيه عندهم أو بغيرها .. كما هو الحال أيضا مع قصة الغرانيق، وهلم جرا.

http://vb.tafsir.net/tafsir1537/#.WHfVdX3BYqI

فهل هذا نسخ للقرآن؟ لا، والشيخ إعترض على الإمام البخاري عندما قال (الحاصل أن الاستدلال بالآية ليس بظاهر)، ثم قوله: ولكل وقت حكمه. فلكل وقت حكمه من الإنساء أو التأخير وليس النسخ.

وقولك: ومازال عندي ما يوقف الريح و يسكن الموج ...بفضل الله.
ليس هذا هو المطلوب، فقد نرحب بالرياح والأمواج، ولا نرحب بأن نصير من الذين: "هجروا القرآن إلى الحديث ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين ثم هجروا المقلدين وتزمتهم إلى الجهال وتخبطهم" (محمد الغزالي).

والواقع لم ينسخ القرآن في قضية الرق (العبودية، ملك اليمين..) بدليل أن القرآن العظيم قد وضع اللبنات الأساسية والخطة التدريجية لإنهاء الرق، وهي خطة دقيقة ومناسبة لمراحل التطور الإجتماعنفسي، كما أن القرآن قد أكد على النظر في الآفاق، والتسخير، أو البنية العمرانية في الخطاب القرآني بشكل عام، مما يؤدي إلى توفير الشروط الإقتصادية التي تنضم كعامل فعّال في الخطة الإلهية المحكمة. إن قال قائل أن الواقع لم يتجاوز الرق فحسب، بل قامت الناحية القانونية منه بتجريمه أيضا، قلنا: إن الأمر بالعرف والنهي عن المنكر معلم مركزي في القرآن. وإن سأل سائل: هل أصبح دور تلك الآيات منحصر في الناحية التعبديّة؟ قلنا له: إلى جانب التعبّد بالتلاوة، نتعبّد بالتدبر والإستنباط، كما نفعل مع القصص القرآني؛ فنتدبر المنهجية القرآنية في التغيير والإصلاح، ونستنبط المقاصد من تعامل القرآن مع قضية متجذرة في الإجتماع البشري، ونستفيد: توفير البيئة الصالحة لإندماج الطبقات المستضعفة في القرى (المجتمعات، الجماعات..) ولتقليص الهوة بين الطبقات، وتحرير المستضعفين من القيود التي تحول بينهم وبين الإندماج والترقي كما هو الحال مع الملايين من الأطفال الذين يستغلون في سوق الشغل وقطاعات أخرى، فهم من هذه الناحية عبيد لبنيويات وهياكل إجتماعية إقتصادية، فوجب تحريرهم وتوفير المناخ المناسب لهم للإلتحاق بالمدارس وإستغلال مرحلة الطفولة كما هو الحال مع قرنائهم في الطبقات الأخرى، من خلال إيوائهم أو الإستثمار في الإقتصاد الإجتماعي التضامني والكفالة وغيرها..
 
هل الزملاء ينكرون النسخ جملة وتفصيلاً ؟
أعني (نسخ آية ورفع كتابتها من المصحف أو نسخ حكمها وهي مثبتة رسماً ) .

والسؤال الآخر : ومن أنكر ، ماذا يفعل بالأحاديث الصحاح التي تثبت وقوع النسخ. فهي أحاديث واضحة وبينة ؟
هل هي كذب ؟ تلفيق؟ اختراق يهودي ونصراني للدين الإسلامي ؟

كذلك أرى أنه نوع من العبث في صرف النقاش عن ماهي الآية " المتفق في نسخها" بينما النكير هو في مبدأ النسخ ذاته.


ملاحظة :
أنصح الزملاء باختيار ألفاظ سهلة العبارة وترك التشدق بالمصطلحات. لسنا في معركة لغوية.
 
الاخ بشير عبد العال لسنا من اهل البدع كما وصفتنا لا ننا نخالفك رايا تختاره فارفق بنفسك فان سهامنا ثقيلة ولا زلت اقول ان اقوال السلف على العين والراس ولكنها ليست دينا نتعبد الله به وهذه الاقوال التي تنقلها من كتب التفسير نعرفها جيدا ونعرف غيرها وليس هذا هو النقاش بان تسرد الاقوال وتتهم من خالفها بالابتداع
نحن عندنا مسالة علمية هل وقع النسخ في القران في اياته (ونحن نتحدث عن النسخ بمعناه الاصول ليس الا) فان كان عندك دليل فهاته لنحتكم اليه والدليل هو الاية الصريحة او الحديث الصحيح الصريح واقوال السلف كلها ليست ادلة بل هي اقوال اجتهادية
وليس في السنة كلها حديث واحد صحيح يدل على النسخ في القران
هذه هي المسالة وارجو ان يبقى الحوار فيها دون ان ينحرف الى مسارات اخرى
وحيهلا بكل المشاركين فاننا اذا وجدنا الادلة التي تدل دلالة لا لبس فيها على المراد توجهنا اليه ولا نحفل بشيء قبله
وانا اقول لكم اني اول من يتراجع عن رايه في رفض النسخ اذا تبين لي خلافه ولا احفل بشي بعد ذلك فكونوا مطمئنبن
 
كلها ليست ادلة بل هي اقوال اجتهادية
أستاذنا أبو حسان: أقوال السلف الإجتهادية مقدمة على إجتهادات غيرهم، لاشك. والمسائل القابلة للإجتهاد المستمر، لإرتباطها بالمباحث المتجددة، لا نقدم فيها السلف على الخلف ولا الخلف على السلف، فكل تلك الإجتهادات مقبولة، من حيث المبدأ. أما النسخ في القرآن فموجود القرآن نسخ أشياء كثيرة، والنقاش في نسخ القرآن للقرآن أي وجود الناسخ والمنسوخ في القرآن. أين أقوال السلف الصحيحة الصريحة هذه الآية ناسخة (بمعنى التفعيل) وتلك منسوخة (بمعنى التعطيل)؟
 
أورد الإمام مسلم في صحيحه هذا
عن عائشة أنها قالت ((كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)).
 
قال ابن عقيل في الفنون:
مَا لِلَّهِ طَائِفَةٌ أَجَلُّ مِنْ قَوْمٍ حَدَّثُوا عَنْهُ ، وَمَا أَحْدَثُوا وَعَوَّلُوا عَلَى مَا رَوَوْا لَا عَلَى مَا رَأَوْا .
وأنا مازلت ملزما بنقل كلام أهل العلم فقط في هذه المسألة ولست ملزما بالرد عليكما.
فهذه المشاركات ليست من أجلكما بل من أجل الحق ومن يتبعه ... والناس شركاء في تقرير الحق لا أنتما فقط ...
أما قولك {فإن سهامنا ثقيلة } فياحسرة على علم دفع بك إلى هذا الشطط والزهو ...
على من سهامك ثقيلة ؟ على أقوال السلف ...على أقوال العلماء ...أم على مشارك معك في رأي ما ...يالها من حمية تدل على فراغ في القلب .
وصدق الأخ عبدالله الأحمد ....ليست معركة لغوية ....فعلام التشدق ؟؟!
إنك لست ملزما بإقناعي ...بل كل منا ملزم بعرض الدليل الشرعي ..واحترام شجرة العلم المتصلة بقرارها للسلف الصالح ..
أما إذا كنت تبغي من ردك للكلام أمرا ما ...فالله يتولى ردك ومنعك .. وإن كنت تبغي الخير ...فهذا ما نرجوه لكل المسلمين .
 
قال في زاد المسير :
قوله تعالى : { نأت بخير منها } قال ابن عباس : بألين منها ، وأيسر على الناس .
قوله تعالى : { أو مثلها } أي : في الثواب والمنفعة ، فتكون الحكمة في تبديلها بمثلها الاختبار . { ألم تعلم } لفظه لفظ الاستفهام ، ومعناه التوقيف والتقرير . والملك في اللغة : تمام القدرة واستحكامها ، فالله عز وجل يحكم بما يشاء على عباده ، وبغير ما يشاء من أحكام .
عَنْ ذَرٍّ، عَنِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَرَكَ آيَةً، وَفِي الْقَوْمِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُسِّيتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ نُسِخَتْ؟ قَالَ: "نُسِّيتُهَا". هَذَا حَدِيثُ بُنْدَارٍ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُبَيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسِّيَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَفِي الْقَوْمِ أُبَيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُسِّيتَ آيَةَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ نَسِيتَهَا؟ قَالَ: "لَا، بَلْ نُسِّيتُهَا" . .رواه النسائي في "الكبرى" ، وصححه ابن خزيمة .قال الألباني: إسناده صحيح
قال العثيمين رحمه الله تعليقا على آية النسخ :
تنبيه :
من هذا الموضع من السورة إلى ذكر تحويل القبلة في أول الجزء الثاني تجد أن كل الآية توطئة لنسخ استقبال القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ ولهذا تجد الآية بعدها كلها في التحدث مع أهل الكتاب الذين أنكروا غاية الإنكار تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة..
 
قال العثيمين رحمه الله :
من فوائد الآية: ثبوت النسخ، وأنه جائز عقلاً، وواقع شرعاً؛ وهذا ما اتفقت عليه الأمة إلا أبا مسلم الأصفهاني؛ فإنه زعم أن النسخ مستحيل؛ وأجاب عما ثبت نسخه بأن هذا من باب التخصيص؛ وليس من باب النسخ؛ وذلك لأن الأحكام النازلة ليس لها أمد تنتهي إليه؛ بل أمدها إلى يوم القيامة؛ فإذا نُسِخت فمعناه أننا خصصنا الزمن الذي بعد النسخ . أي أخرجناه من الحكم .؛ فمثلاً: وجوب مصابرة الإنسان لعشرة حين نزل كان واجباً إلى يوم القيامة شاملاً لجميع الأزمان؛ فلما نُسخ أخرج بعض الزمن الذي شمله الحكم، فصار هذا تخصيصاً؛ وعلى هذا فيكون الخلاف بين أبي مسلم وعامة الأمة خلافاً لفظياً؛ لأنهم متفقون على جواز هذا الأمر؛ إلا أنه يسميه تخصيصاً؛ وغيره يسمونه نسخاً؛ والصواب تسميته نسخاً؛ لأنه صريح القرآن: { ما ننسخ من آية أو ننسها }؛ ولأنه هو الذي جاء عن السلف..
 
احجم عن الرد لانه فيما يبدو انك تفهم الكلام بطريقة غير التي يريدها صاحبها
وكيف ساغ لك عقلك ان تفهم ان قولي لك سهامنا ثقيلة هو في مواجهة اقوال السلف
وا اسفا على هذا الحوار الذي يشقق القلوب
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....أما بعد...الأستاذ جمال انك تقول:
( وليس في السنة كلها حديث واحد صحيح يدل على النسخ في القران)
لقد ذكر لك الأخ عبدالله الحديث التالي:
أورد الإمام مسلم في صحيحه هذا
عن عائشة أنها قالت ((كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)).

وجئتك سابقا بقول ابن عباس عند البخاري وغيره وهو يقول عن آية القتل العمد في
سورة النساء: هذه الآية لم ينسخها شيء.
وسألتك عن الوهم الذي وقع فيه القرطبي ولم تجب....
اللهم أهدنا للحق وجنبنا الزلل....
 
قال العثيمين رحمه الله :
قد يقول قائل: ما الفائدة إذاً من النسخ إذا كانت مثلها والله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً إلا لحكمة؟
فالجواب: أن الفائدة اختبار المكلف بالامتثال؛ لأنه إذا امتثل الأمر أولاً وآخراً، دل على كمال عبوديته؛ وإذا لم يمتثل دل على أنه يعبد هواه، ولا يعبد مولاه؛ مثال ذلك: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ هذا بالنسبة للمكلف ليس فيه فرق أن يتجه يميناً، أو شمالاً؛ إنما الحكمة من ذلك اختبار المرء بامتثاله أن يتجه حيثما وجه؛ أما المتجَه إليه، وكونه أولى بالاتجاه إليه فلا ريب أن الاتجاه إلى الكعبة أولى من الاتجاه إلى بيت المقدس؛ ولهذا ضل من ضل، وارتد من ارتد بسبب تحويل القبلة: قال الله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} [البقرة: 143] ؛ فالإنسان يبتلى بمثل هذا النسخ؛ إن كان مؤمناً عابداً لله قال: سمعت وأطعت؛ وإن كان سوى ذلك عاند، وخالف: يقول: لماذا هذا التغيير! فيتبين بذلك العابد حقاً، ومن ليس بعابد..
 
قال العثيمين رحمه الله :
قد يقول قائل: ما الفائدة إذاً من النسخ إذا كانت مثلها والله تعالى حكيم لا يفعل شيئاً إلا لحكمة؟
فالجواب: أن الفائدة اختبار المكلف بالامتثال؛ لأنه إذا امتثل الأمر أولاً وآخراً، دل على كمال عبوديته؛ وإذا لم يمتثل دل على أنه يعبد هواه، ولا يعبد مولاه؛ مثال ذلك: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؛ هذا بالنسبة للمكلف ليس فيه فرق أن يتجه يميناً، أو شمالاً؛ إنما الحكمة من ذلك اختبار المرء بامتثاله أن يتجه حيثما وجه؛ أما المتجَه إليه، وكونه أولى بالاتجاه إليه فلا ريب أن الاتجاه إلى الكعبة أولى من الاتجاه إلى بيت المقدس؛ ولهذا ضل من ضل، وارتد من ارتد بسبب تحويل القبلة: قال الله تعالى: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)} ؛ فالإنسان يبتلى بمثل هذا النسخ؛ إن كان مؤمناً عابداً لله قال: سمعت وأطعت؛ وإن كان سوى ذلك عاند، وخالف: يقول: لماذا هذا التغيير! فيتبين بذلك العابد حقاً، ومن ليس بعابد..
 
أورد الإمام مسلم في صحيحه هذا
عن عائشة أنها قالت ((كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن)).

وجئتك سابقا بقول ابن عباس عند البخاري وغيره وهو يقول عن آية القتل العمد في
سورة النساء: هذه الآية لم ينسخها شيء.

أخي البهيجي:
أين الناسخ والمنسوخ ؟ نريد رواية صحيحة صريحة تبين الآية الناسخة (المثبتة) والآية المنسوخة (المعطّلة). بعد أن ننتهي من هذا البحث، سوف ننتقل إلى المحو والإثبات (الرفع والتنزيل). العكس هو الذي ينبغي أن يحصل نبدأ بالتنزيل ثم التأويل، لكن أستاذنا أبو حسان تكلم في مطارحته العلمية (http://vb.tafsir.net/tafsir50562/#.WHpSin3BYqI) عما يخص التأويل في إبطال حكم آية بآية أخرى والآيتين مما يقرأ من القرآن إلى يومنا هذا.

هذا هو الموضوع، وفهم السؤال نصف الجواب.

أما موضوع التنزيل، فمن الحمق أن أسألك فيه عن رواية صحيحة- أضحك الله سنك؛ بل السؤال فيه عن رواية صحيحة متواترة، مجمع عليها؛ ففي الصحيحين نصوص كثيرة تتعلق بالقراءات مثل (( وما أوتوا من العلم )) فلا تقل لي هي من القرآن، أو أن هذه القراءة نزلت وتلك طلعت (رُفعت)، أو هذه إكتتبها إبن مسعود وتلك أكلها داجن، أو أن هذه بحرف ثابت وتلك بحرف منسي، أو أي كلام آخر تثبت به في القرآن أو تنفي به عن القرآن أي شيء بلا تواتر، بلا إجماع .. فيجب أن نميّز المسائل، ونفهم السؤال المطروح، ثم نبحث ونتفكر ونجيب..
 
بسم الله الرحمن الرحيم
استاذ شايب ان حديث عائشة رضي الله عنها يدل دﻻلة واضحة على وقوع النسخ ...ماذا نفعل اذا
لم نجد اﻵيتين الناسخة والمنسوخة
هل ننفي وقوع النسخ وعائشة تقول انه حاصل...كثير من الأمور
في الدين فيها بعض الغموض ..
وشاء الله تعالى ان ﻻ يطلعنا..
على اﻵيتين التي تكلمت عنها
عائشة.. .ثم ياأخي لماذا ﻻ تعترض
على اﻻسلوب الذي يتميز به اﻻستاذ جمال واﻻخ عدنان بإستخفافهم بالرأي القائل بالنسخ
علما ان هذا الرأي هو رأي الصحابة
فهل من العلم ان نستخف بصحابة
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ..والى الله المشتكى.
 
قال في التحرير والتنوير :
وَقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ النَّسْخَ وَاقِعٌ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ وَوُقُوعِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَبُو مُسْلِمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ بَحْرٍ فَقِيلَ: إِنَّ خِلَافَهُ لَفْظِيٌّ وَتَفْصِيلُ الْأَدِلَّةِ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ.
وَقَدْ قَسَّمُوا نَسْخَ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَمَدْلُولَاتِهَا إِلَى أَقْسَامٍ: نَسْخُ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ مَعًا وَهُوَ الْأَصْلُ وَمَثَّلُوهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ{ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ } ، وَنَسْخُ الْحُكْمِ وَبَقَاءُ التِّلَاوَةِ وَهَذَا وَاقِعٌ لِأَنَّ إِبْقَاءَ التِّلَاوَةِ يُقْصَدُ مِنْهُ بَقَاءُ الْإِعْجَازِ بِبَلَاغَةِ الْآيَةِ وَمِثَالُهُ آيَةُ:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ} [الْأَنْفَال: 65] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ وَبَقَاءُ الْحُكْمِ وَمَثَّلُوهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ:{كَانَ فِيمَا يُتْلَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا }.
وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي نَسْخِ التِّلَاوَةِ وَبَقَاءِ الْحُكْمِ وَقَدْ تَأَوَّلُوا قَوْلَ عُمَرَ كَانَ فِيمَا يُتْلَى أَنَّهُ كَانَ يُتْلَى بَيْنَ النَّاسِ تَشْهِيرًا بِحُكْمِهِ. وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَرَى أَنَّ الْآيَةَ إِذَا نُسِخَ حُكْمُهَا لَا تَبْقَى كِتَابَتُهَا فِي الْمُصْحَفِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قُلْتُ لِعُثْمَانَ: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً [الْبَقَرَة: 234] نَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى فَلِمَ تَكْتُبُهَا قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْهُ مِنْ مَكَانِهِ.
 
الاخ البهيجي انا والاخ عدنان-ولا ادافع عنه فعنده اقتدار للدفاع- لا نستخف باراء القدماء
ولكنك كلما طلبت منك مسالة ذهبت واحضرت غير المطلوب فمثلا انا طلبت منك حديثا واحدا ذهبت واحضرت قول عائشة فهل قول عائشة رضي الله عنها يسمى حديثا ام اثرا وصدقني كل الاثار التي تكتبونها والاقوال التي تحشدونها نحن نعرفها وليست مشكلتنا فيها وانما في اصل المسالة
 
قال السعدي رحمه الله :
النسخ: هو النقل، فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع، إلى حكم آخر، أو إلى إسقاطه، وكان اليهود ينكرون النسخ، ويزعمون أنه لا يجوز، وهو مذكور عندهم في التوراة، فإنكارهم له كفر وهوى محض.
فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ، وأنه ما ينسخ من آية { أَوْ نُنْسِهَا } أي: ننسها العباد، فنزيلها من قلوبهم، { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا } وأنفع لكم { أَوْ مِثْلِهَا } .
فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل.
وأخبر أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته فقال: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } .
فإذا كان مالكا لكم، متصرفا فيكم، تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه، فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير، كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام. فالعبد مدبر مسخر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية، فما له والاعتراض؟
وهو أيضا، ولي عباده، ونصيرهم، فيتولاهم في تحصيل منافعهم، وينصرهم في دفع مضارهم، فمن ولايته لهم، أن يشرع لهم من الأحكام، ما تقتضيه حكمته ورحمته بهم.
ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ، عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده، وإيصالهم إلى مصالحهم، من حيث لا يشعرون بلطفه.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
نفيد الإخوة الكرام الذين يقرأون هذه المشاركات بأنني أنقل هذه الأقوال عن الكبار من المسلمين لبيان منهج السلف والخلف في هذه المسألة ....ولا أنقل من أجل الرد على أحد ولا لمناقشة أحد منهم .. فلسنا نخاطب العالم كله حتى يفهموا أننا نحشد لهم ... فلو كان الأمر لشخص بعينه ما شاركنا بكلمة ...لأنني على قناعة أن ما يدور على ألسنتهم هو محفور في قلوبهم....
والهداية من الله .. وعلينا البلاغ فقط .
فإنما يتمسكون بخيط ضعيف ويتعرضون لما لا قبل لهم به .
فلو كنت معنيا بالرد عليهم لشاركتهم في موضوعهم ...فلقد فتحنا موضوعا آخر ليشارك فيه أهل الخير بخيرهم ..
 
قال السعدي رحمه الله :
النسخ: هو النقل، فحقيقة النسخ نقل المكلفين من حكم مشروع، إلى حكم آخر، أو إلى إسقاطه، وكان اليهود ينكرون النسخ، ويزعمون أنه لا يجوز، وهو مذكور عندهم في التوراة، فإنكارهم له كفر وهوى محض.
فأخبر الله تعالى عن حكمته في النسخ، وأنه ما ينسخ من آية { أَوْ نُنْسِهَا } أي: ننسها العباد، فنزيلها من قلوبهم، { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا } وأنفع لكم { أَوْ مِثْلِهَا } .
فدل على أن النسخ لا يكون لأقل مصلحة لكم من الأول؛ لأن فضله تعالى يزداد خصوصا على هذه الأمة، التي سهل عليها دينها غاية التسهيل.
وأخبر أن من قدح في النسخ فقد قدح في ملكه وقدرته فقال: { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } .
فإذا كان مالكا لكم، متصرفا فيكم، تصرف المالك البر الرحيم في أقداره وأوامره ونواهيه، فكما أنه لا حجر عليه في تقدير ما يقدره على عباده من أنواع التقادير، كذلك لا يعترض عليه فيما يشرعه لعباده من الأحكام. فالعبد مدبر مسخر تحت أوامر ربه الدينية والقدرية، فما له والاعتراض؟
وهو أيضا، ولي عباده، ونصيرهم، فيتولاهم في تحصيل منافعهم، وينصرهم في دفع مضارهم، فمن ولايته لهم، أن يشرع لهم من الأحكام، ما تقتضيه حكمته ورحمته بهم.
ومن تأمل ما وقع في القرآن والسنة من النسخ، عرف بذلك حكمة الله ورحمته عباده، وإيصالهم إلى مصالحهم، من حيث لا يشعرون بلطفه.
 
السيد بشير الم تسمع بالمثل الذي يقول : رمتني بدائها وانسلت
السيد عبد الله أثر عائشة هو فهم منها ولسنا ملزمين به ديانة لانه مجرد اجتهاد
 
قال في تفسير المنار :
لِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ طَرِيقَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ - تَعَالَى - : (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) فَالنَّسْخُ هُنَا بِمَعْنَى التَّبْدِيلِ ، أَيْ إِذَا جَعَلْنَا آيَةً بَدَلًا مِنْ آيَةٍ ، فَإِنَّنَا نَجْعَلُ هَذَا الْبَدَلَ خَيْرًا مِنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ عَلَى الْأَقَلِّ ، فَالْآيَةُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ فِي نَسْخِ التِّلَاوَةِ ، وَقَالُوا : إِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ هُوَ أَنْ يَأْمُرَ اللهُ - تَعَالَى - بِعَدَمِ تِلَاوَةِ الْآيَةِ فَتُنْسَى بِالْمَرَّةِ . (قَالَ) : وَهَذَا بِمَعْنَى التَّبْدِيلِ ، فَمَا هِيَ الْفَائِدَةُ فِي عَطْفِهِ عَلَيْهِ بِ (أَوْ) ؟ وَهَلْ هُوَ إِلَّا تَكْرَارٌ يَجِلُّ كَلَامُ اللهِ عَنْهُ ؟ .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّ الْمُرَادَ نَسْخُ حُكْمِ الْآيَةِ ، وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ نَسْخَ الْحُكْمِ وَحْدَهُ وَنَسْخَهُ مَعَ التِّلَاوَةِ ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمُخْتَارُ لِلْجُمْهُورِ ، وَقَالُوا فِي تَوْجِيهِهِ : إِنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَسْخِ الْآيَةِ فِي ذَاتِهَا وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ . وَإِنَّمَا الْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَحْوَالِ ، فَإِذَا شُرِعَ حُكْمٌ فِي وَقْتٍ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ ، ثُمَّ زَالَتِ الْحَاجَةُ فِي وَقْتٍ آخَرَ ، فَمِنَ الْحِكْمَةِ أَنْ يُنْسَخَ الْحُكْمُ وَيُبَدَّلَ بِمَا يُوَافِقُ الْوَقْتَ الْآخَرَ ، فَيَكُونُ خَيْرًا مِنَ الْأَوَّلِ أَوْ مِثْلَهُ فِي فَائِدَتِهِ مِنْ حَيْثُ قِيَامُ الْمَصْلَحَةِ بِهِ .
وَالْخِطَابُ فِي (تَعْلَمْ) لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ رُبَّمَا كَانُوا يَمْتَعِضُونَ مِنْ كَلَامِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَى النَّسْخِ ، وَضَعِيفُ الْإِيْمَانِ يُؤَثِّرُ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُعَابَ مَا يَأْخُذُ بِهِ ، فَيُخْشَى عَلَيْهِ مِنَ الرُّكُونِ إِلَى الشُّبْهَةِ أَوِ الْحَيْرَةِ فِيهَا ؛ فَفِي الْكَلَامِ تَثْبِيتٌ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنَ الضُّعَفَاءِ وَدَعْمٌ لِإِيْمَانِهِمْ ، وَتَوْجِيهُ الْكَلَامِ إِلَى شَخْصٍ يُرَادُ غَيْرُهُ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْمُوَلِّدِينَ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى طَرِيقِ قَوْلِهِمْ : (إِيَّاكَ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ) وَإِذَا كَانَ هَذَا الْمُلْكُ الْعَظِيمُ لِلَّهِ وَحْدَهُ ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ أَنْ يَنْسَخَ حُكْمًا مِنَ الْأَحْكَامِ . وَمِنْ آيَةِ إِرَادَةِ الْأُمَّةِ بِالْخِطَابِ الِالْتِفَاتُ عَنِ الْأَفْرَادِ إِلَى الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ : (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) أَيْ أَنَّ وَلِيَّكُمْ وَنَاصِرَكُمْ هُوَ اللهُ - تَعَالَى - وَحْدَهُ ، فَلَا تُبَالُوا بِمَنْ يُنْكِرُ النَّسْخَ أَوْ يَعِيبُكُمْ بِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَهْوِيَكُمْ إِنْكَارُهُمْ فَيُمِيلَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ، فَإِنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ وَلَا لِلْمُنْكِرِينَ إِذْ لَيْسَ فِي اسْتِطَاعَتِهِمْ أَنْ يَضُرُّوكُمْ أَوْ يَنْفَعُوكُمْ إِذَا كَانَ اللهُ هُوَ مَوْلَاكُمْ وَنَاصِرَكُمْ . وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِكُمْ سُوءًا فَلَا يَمْلِكُونَ أَنْ يَدْفَعُوهُ عَنْكُمْ .
 
روى الطبراني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف: أن رهطاً من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه أنه قام رجل منهم من جوف الليل يريد أن يفتتح بسورة قد كان دعاها فلم يقدر على شيء منها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فأتى باب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ثم جاء آخر وآخر حتى اجتمعوا فسأل بعضهم بعضاً ما جمعهم فأخبر بعضهم بعضاً بشأن تلك السورة، ثم أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبرهم وسألوه عن السورة، فسكت ساعة لا يرجع إليهم شيئاً ثم قال: نسخت البارحة فنسخت من صدوركم ومن كل شيء كانت فيه.

==========
لا أسلم لك أن حديث عائشة رضي الله عنها كان اجتهاداً منها . وأعيذك أن تكون من أهل الهوى الذين يؤمنون ثم يبحثون عن الدليل. فلا تجعل العربة أمام الحصان .
ولم أجد من سبقك بهذا القول أنه "فهم خاص بها "!
فسياق حديث عائشة واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. أضف إلى ذلك ماتواتر عن الصحابة في هذا المعنى أن هناك آيات قرأوها قرآناً ثم نسخت . فهو أمر ليس خاصاً بعائشة وحدها بل ورد ذلك عن عشرة من الصحابة من بينهم عمربن الخطاب رضي الله عنه وسيد القراء الحبر أبي بن كعب رضوان الله عليهم جميهعاً . أفكل هؤلاء يجتمعون على فهم باطل ؟
ثم لو ألقيت نظرة فاحصة لما وجدت من القرون المفضلة من ينكر النسخ أبداً ولم يشذ أحد من أهل السنة والجماعة عن هذا ولا عبرة بالمتأخرين مع إجماع المتقدمين.
والغريب أن كل من رد أمر النسخ وجدنا وراءه مغمزاً .
فإما اعتزالي قدم فهم الوثنيين على القرآن والسنة.
أو كالرافضة الذين يجيزون وقوع التحريف في القرآن ويغمزون أهل السنة بمسألة النسخ وهذا من أعجب الأمور!
أو فرقة مرقت من الإسلام كلية كالقاديانية .
فإن كان ذلك فهماً خاصاً بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ ففهمهم عندي مقدم على كل هؤلاء فمابالك والأمر ليس كذلك!
 
قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان وهو يتكلم عن اليهود :
وإذا كان الربُّ تعالى لا حجرَ عليه، بل يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويبتلى عباده لما يشاء، ويحكم ولا يحكم عليه. فما الذى يحيل عليه ويمنعه أن يأمر أمة بأمر من أوامر الشريعة، ثم ينهى أمة أخرى عنه أو يحرم محرما على أمة ويبيحه لأمة أخرى؟.
بل أى شيء يمنعه سبحانه أن يفعل ذلك فى الشريعة الواحدة فى وقتين مختلفين، بحسب المصلحة، وقد بين ذلك سبحانه وتعالى بقوله: { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) }
فأخبر سُبحانه أن عمومَ قدرته وملكه وتصرفه فى مملكته وخلقه لا يمنعه أن ينسخَ ما يشاء، ويُثبت ما يشاء كما أنه يمحو من أحكامه القدرية الكونية ما يشاء، ويثبت فهكذا أحكامه الدينية الأمرية، ينسخ منها ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء.
فمن أكفر الكفر وأظلم الظلم: أن يعارَض الرسولُ الذى جاء بالبينات والهدى وتدفع نبوته، وتجحد رسالته: بكونه أتى بإباحة بعض ما كان محرما على من قبله، أو تحريم بعض ما كان مباحا لهم. وبالله التوفيق، يضل من يشاء ويهدى من يشاء.
ومن العجب أن هذه الأمةَ الغضبية تحجرُ على الله تعالى أن ينسخَ ما يشاء من شرائعه، وقد تركوا شريعةَ موسى عليه السلامُ فى أكثر ما هم عليه، وتمسكوا بما شرعه لهم أحبارهم وعلماؤهم.
 
منسوخ التلاوة من الوهم الذي وقع فيه المسلمون ولا صحة لشيء في هذا الباب ودعك يا اخ عبد الله من الاجماعات التي تسوقها فلا شيء منها ثابت البتة
وانا اعرف السلف واقوالهم واحترمها وهذا الحديث الذي اتيت به من عند الطبراني حديث منكر
ثم كيف يمكن فهم راي عائشة في الرضاع رضي الله عنها "ومات رسول الله وهن فيما يقرا من القران" هل يعقل مثل هذا فاذا كان هذا قرانا يتلى في زمن رسول الله الى الوفاة فكيف طار من المصحف
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...أما بعد...ما هذا الكلام يا أستاذ جمال هل نسيت ان قول الصحابي اذا جاء بهذه الصيغة فهو في حكم المرفوع(أي انه من أقوال الرسول الله صل
عليه وآله وسلم)....اني أتأسف ان يصل النقاش الى هذا المستوى...والله تعالى اعلم.

 
لم انس وما تقوله غير صحيح
والحوار اذا لم يوافقك تتاسف عليه
هذه حريتك الشخصية على كل حال
وارجو ان تعيد النظر فيما تقول
وصدقني لو اني وجدت كلمة واحدة مقنعة فيما تقول لاتبعتها
غفر الله لك
 
ما الذي جعله منكراً ؟ فالحديث رواه ابن عقيل عن ابن شهاب :وقال فيه وابن المسيب جالس لا ينكر .هذا عند الذهبي في السير .
وقال الذهبي معلقاً علي هذا الحديث "نسخ هذه السورة ومحوها من صدورهم من براهين النبوة ، والحديث صحيح"

سبحان الله !
أنت آمنت بشيء ولا تريد أن ترى أي شيء خلافه ولو كان القرآن نفسه والسنة مع أقوال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين . إضافة لأقوال العلماء من سلف هذه الأمة .

لماذ برأيك سأعتقد ضلالة أو وهم هذه الكفة التي تجمع كل هذا ؟


=========
"كيف طار من المصحف"
هذا الإشكال سيكون بعد أن تنصف هذا الحديث. ثم بعدها نتقدم في ماهي الآيات المنسوخة وماهو توجيه هذا الحديث.
المهم هنا هو ( إثبات النسخ ) من حيث المبدأ.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين....أما بعد....الأستاذ الفاضل جمال أبو حسان...تعال نتفق ان
لا يذكر أحدنا قولا الا بذكر أدلة ذلك القول وانا ذكرت ان قول الصحابي في المسائل
الغيبية والتي لا مجال للاجتهاد فيها هو في حكم المرفوع...والأدلة على ذلك...
[h=5]قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
من قال من العلماء إن قول الصحابي حجة. فإنما قاله إذا لم يخالفه غيره من الصحابة، ولا عرف نص يخالفه ، ثم إذا اشتهر ولم ينكروه كان إقرارا على القول، فقد يقال: هذا إجماع إقراري. إذا عرف أنهم أقروه ولم ينكره أحد منهم وهم لا يقرون على باطل. وأما إذا لم يشتهر فهذا إن عرف أن غيره لم يخالفه فقد يقال: هو حجة. وأما إذا عرف أنه خالفه فليس بحجة بالاتفاق. وأما إذا لم يعرف هل وافقه غيره أو خالفه لم يجزم بأحدهما، ومتى كانت السنة تدل على خلافه كانت الحجة في سنة رسول الله لا فيما يخالفها بلا ريب عند أهل العلم. اهـ.
[/h] وسئل الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: إذا ورد في مسألة فعل صحابي فقط، فهل يؤخذ بفعل الصحابي على أنه دليل يستدل به؟ مثال ذلك: قضية قضاء عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ بعض الصلوات التي فاتته بسبب الإغماء؟ فأجاب رحمه الله: هذا ينبني على الخلاف، هل فعل الصحابي وقوله حجة أم لا؟ والصحيح أن قول فقهاء الصحابة حجة، لكن بشرطين: الشرط الأول: ألا يخالف النص، الشرط الثاني: ألا يخالف صحابياً آخر، فإن خالف النص فمردود غير مقبول، وإن خالف قول صحابي آخر وجب طلب المرجح، فأيهما كان أرجح كان قوله أولى. اهـ.
وللدكتور مساعد الطيار جزاه الله تعالى خيرا موضوعا قيما في موقعه عن مصادر التفسير
- تفسير الصحابة...أنقل منه الفقرة التالية:
أولاً: المصادر النقلية:
يشمل الحكم على المصادر النقلية ما يلي:
أسباب النزول، وأحوال من نزل فيهم القرآن، والأمور الغيبية.
ويمكن القول بأن هذه الأمور الثلاثة لها حكم الرفع؛ لأن الصحابي ليس له في هذه الأمور إلا النقل،.....
وهذا رابط الموضوع مصادر التفسير (3): تفسير الصحابة
ولولا خشية الاطالة لذكرت الكثير وان الموضوع هو مشترك بين علم التفسير
وعلم أصول الفقه ....وارجو ان ما ذكرته كافيا شافيا...
فضيلة الأستاذ جمال ذكرت ان قولي غير صحيح في مشاركتي السابقة ارجو من حضرتكم
اثبات الخطأ في ما قلته بالدليل ....والله تعالى اعلم.
 
أتمنى من الأخوين البهيحي وعبدالله الأحمد أن ينقلا كلام أهل السنة ويكون هدفهما فقط بيان الحق في المسألة ..وألا يقصروا أمرا معلوما من دين الله في الرد على فرد بعينه ...فنحن بهذا نحبس الموضوع ونعرضه للضمور .. وهذا مبتغاهم ..
هل سمعتم برجل منتسب لدين الله يرد أقوال سلفه وأكابره ... فإن الطعن في النسب يمنع التوارث .
فلتكن مشاركتكما سهاما للحق فقط وبيانا لجمهور الناس القادمين بعدنا .. لنجعلها مشاركة يستعينُ بها القادمُ على زيادة يقينه في دينه .
لقد نقلتما كلاما لو عُرض على نائم لاستيقظ ولو عرض على غافل لانتبه ..فجزاكم الله خيرا .
فلا تجعلوا الوهم الذي عندهم والسراب الذي يَعرض لهم يأخذُ حجما ليس له ...فبكثرة ردكم الشخصي يرتفع ما ليس مرفوعا ويظهر ما قد اختفى أصلا ..
وسيمضي هؤلاء وسيأتي بعدهم من هو على طريقتهم وفي النهاية {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18)}
فليسوا بأول طاعن ولن يكونوا آخرهم ...فمن لم ينكسر للكتاب والسنة لن يقنع بكلام أحد .. وهذا هو الهوى في العقل .. والهواء في القلب .
والله لم أسمع بهذه الجرأة من قبل ... ولو لي في الأمر شيء ما أبقيت لهذا الظلام منفذا .وسأورد لإخواني ما تبقى من خير في هذا الأمر ...
 
قال في التحرير والتنوير :
وَتَحْقِيقُ هَاتِهِ الصُّوَرِ بِأَيْدِيكُمْ، وَلْنَضْرِبْ لِذَلِكَ أَمْثَالًا تُرْشِدُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَتُغْنِي عَنِ الْبَقِيَّةِ مَعَ عَدَمِ الْتِزَامِ الدَّرَجِ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ فَنَقُولُ:
(1) نَسْخُ شَرِيعَةٍ مَعَ الْإِتْيَانِ بِخَيْرٍ مِنْهَا كَنَسْخِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بِالْإِسْلَامِ.
(2) نَسْخُ شَرِيعَةٍ مَعَ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا كَنَسْخِ شَرِيعَةِ هُودٍ بِشَرِيعَةِ صَالِحٍ فَإِنَّ لِكُلٍّ فَائِدَةً مُمَاثِلَةً لِلْأُخْرَى فِي تَحْدِيدِ أَحْوَالِ أُمَّتَيْنِ مَتَقَارِبَتَيِ الْعَوَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ فَهُودٌ نَهَاهُمْ أَنْ يَبْنُوا بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً يَعْبَثُونَ وَصَالِحٌ لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ وَنَهَى عَنِ التَّعَرُّضِ لِلنَّاقَةِ بِسُوءٍ.
(3) نَسْخُ حُكْمٍ فِي شَرِيعَةٍ بِخَيْرٍ مِنْهُ مِثْلُ نَسْخِ كَرَاهَةِ الْخَمْرِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ [الْبَقَرَة: 219] بِتَحْرِيمِهَا بَتَاتًا فَهَذِهِ النَّاسِخَةُ خَيْرٌ مِنْ جِهَةِ الْمَصْلَحَةِ دُونَ الرِّفْقِ وَقَدْ يَكُونُ النَّاسِخُ خَيْرًا فِي الرِّفْقِ كَنَسْخِ تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقُرْبَانِ النِّسَاءِ فِي لَيْلِ رَمَضَانَ بَعْدَ وَقْتِ الْإِفْطَارِ عِنْدَ الْغُرُوبِ إِذَا نَامَ الصَّائِمُ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى بِقَوْلِهِ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ: مِنَ الْفَجْرِ [الْبَقَرَة: 187] قَالَ فِي الْحَدِيثِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِنُزُولِهَا.
(4) نَسْخُ حُكْمٍ فِي الشَّرِيعَةِ بِحُكْمٍ مِثْلِهِ كَنَسْخِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِتَعْيِينِ الْفَرَائِضِ وَالْكُلُّ نَافِعٌ لِلْكُلِّ فِي إِعْطَائِهِ مَالًا، وَكَنَسْخِ فَرْضِ خَمْسِينَ صَلَاةً بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ مَعَ جَعْلِ ثَوَابِ الْخَمْسِينَ لِلْخَمْسِ فَقَدْ تَمَاثَلَتَا مِنْ جِهَةِ الثَّوَابِ، وَكَنَسْخِ آيَةِ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ [الْبَقَرَة: 184] بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [الْبَقَرَة: 185] إِلَى قَوْلِهِ: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [الْبَقَرَة: 184] فَأثْبت كَوْنِ الصَّوْمِ خَيْرًا مِنَ الْفِدْيَةِ.
(5) إِنْسَاءٌ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ لِشَرِيعَةٍ مَعَ مَجِيءِ خَيْرٍ مِنْهَا، تَأْخِيرُ ظُهُورِ دِينِ الْإِسْلَامِ فِي حِينِ الْإِتْيَانِ بِشَرَائِعَ سَبَقَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا هِيَ خَيْرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْأُمَّةِ الَّتِي شُرِعَتْ لَهَا وَالْعَصْرِ الَّذِي شُرِعَتْ فِيهِ فَإِنَّ الشَّرَائِعَ تَأْتِي لِلنَّاسِ بِمَا يُنَاسِبُ أَحْوَالَهُمْ حَتَّى يَتَهَيَّأَ الْبَشَرُ كُلُّهُمْ لِقَبُولِ الشَّرِيعَةِ الْخَاتِمَةِ الَّتِي هِيَ الدِّينُ عِنْدَ اللَّهِ فَالْخَيْرِيَّةُ هُنَا بِبَعْضِ مَعَانِيهَا وَهِيَ نِسْبِيَّةٌ.
(6) إِنْسَاءُ شَرِيعَةٍ بِمَعْنَى تَأْخِيرِ مَجِيئِهَا مَعَ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وُقُوعَهُ بَعْدَ حِينٍ وَمَعَ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهَا كَتَأْخِيرِ شَرِيعَةِ عِيسَى فِي وَقْتِ الْإِتْيَانِ بِشَرِيعَةِ مُوسَى وَهِيَ خَيْرٌ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ الِاشْتِمَالِ عَلَى مُعْظَمِ الْمَصَالِحِ وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ.
(7) إِنْسَاءٌ بِمَعْنَى تَأْخِيرِ الْحُكْمِ الْمُرَادِ مَعَ الْإِتْيَانِ بِخَيْرٍ مِنْهُ كَتَأْخِيرِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَهُوَ
مُرَادٌ مَعَ الْإِتْيَانِ بِكَرَاهَتِهِ أَوْ تَحْرِيمِهِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَقَطْ فَإِنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ خَيْرٌ مِنَ التَّحْرِيمِ مِنْ حَيْثُ الرِّفْقِ بِالنَّاسِ فِي حَمْلِهِمْ عَلَى مُفَارَقَةِ شَيْءٍ افْتَتَنُوا بِمَحَبَّتِهِ.
(8) إِنْسَاءُ شَرِيعَةٍ بِمَعْنَى بَقَائِهَا غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ مَعَ الْإِتْيَانِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ أَوْسَعُ وَأَعَمُّ مَصْلَحَةً وَأَكْثَرُ ثَوَابًا لَكِنْ فِي أُمَّةٍ أُخْرَى أَوْ بِمِثْلِهَا كَذَلِكَ.
(9) إِنْسَاءُ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِمَعْنَى بَقَائِهَا غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ مَعَ الْإِتْيَانِ بِخَيْرٍ مِنْهَا فِي بَابٍ آخَرَ أَعَمُّ مَصْلَحَةً أَوْ بِمِثْلِهَا فِي بَابٍ آخَرَ أَيْ مِثْلِهَا مَصْلَحَةً أَوْ ثَوَابًا مِثْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فِي وَقْتِ الصَّلَوَاتِ وَيَنْزِلُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ تَحْرِيمُ الْبَيْعِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
(10) نِسْيَانُ شَرِيعَةٍ بِمَعْنَى اضْمِحْلَالُهَا كَشَرِيعَةِ آدَمَ وَنُوحٍ مَعَ مَجِيءِ شَرِيعَةِ مُوسَى وَهِيَ أَفْضَلُ وَأَوْسَعُ وَشَرِيعَةِ إِدْرِيسَ مَثَلًا وَهِيَ مِثْلُ شَرِيعَةِ نُوحٍ.
(11) نِسْيَانُ حُكْمِ شَرِيعَةٍ مَعَ مَجِيءِ خَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ، كَانَ فِيمَا نَزَلَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نُسِيَا مَعًا وَجَاءَتْ آيَةُ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ [النِّسَاء: 23] عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْكُلُّ مُتَمَاثِلٌ فِي إِثْبَاتِ الرَّضَاعَةِ وَلَا مَشَقَّةَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ فِي رَضْعَةٍ أَوْ عَشْرٍ لِقُرْبِ الْمِقْدَارِ.وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ النِّسْيَانِ التَّرْكُ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَرْجِعُ مَعْنَاهُ وَصُوَرُهُ إِلَى مَعْنَى وَصُوَرِ الْإِنْسَاءِ بِمَعْنَى التَّأْخِيرِ.
 
وسئل الشيخ ابن عثيمين .. والصحيح أن قول فقهاء الصحابة حجة، لكن بشرطين: الشرط الأول: ألا يخالف النص.

كلام جميل، فلماذا لا نعتمد عليه، أخي البهيجي؟
نسخ التلاوة يخالف نصوص قرآنية واضحة ونكتفي بالآية الكريمة {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}. طيب، أين الإحكام عندما نقول عن آيات أنها "طارت"، وأخرى "طارت" واختفت من الصدور والسطور بإستثناء قلب أم المؤمنين عائشة عليها السلام إذ قالت (وهن مما يقرأ من القرآن)؟ وهكذا يعني "مما يقرأ من القرآن" بعد أن توفي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن كان يقرأ بها؟ وأين الروايات التي توضح وتؤكد هذه المسألة العظيمة؟ ولماذا وصلت إلينا قراءات شاذة وقراءات بالتفسير وغيرها ولم تصل رواية واحدة عن تلك الرضعات العشر التي "طارت جزئيا"؟ بل كيف وصلت إلينا روايات عن أول ما نزل وآخر ما نزل، ولا شيء في هذا الشأن العظيم؟

تصور معي الآن قرآن يتلى، كلام الله، ينزل ثم منه ما يمحى ويرفع، فأين الروايات المستفيضة في إبلاغ الرسول عليه السلام عنها؟ أم أن الأمر هين يُغفل عنه؟ أم أن النبي عليه السلام جهل الأمر فظن ستطير من كل الصدور ومن كل السطور - وحاشاه؟ أم ترك أصحابه وصحبه وآل بيته وأهل بيته يتخبّطون في الأمر: هذا محفوظة في صدره طارت من صحيفته، والآخر محفوظة في صحفه طارت من صدره؟ أم أنه بلّغ وأدى الأمانة وأعلم الجماعة أنها نُسخت، إلا أن الخبر لم يصل إلى عائشة وعمر وأبي رضي الله عنهم؟ لنفترض هذا، فأين الروايات المستفيضة التي نقلت الإعلان النبوي؟ نحن نطرح هذه الأسئلة متذكرين أن القرآن قد نقل عنه ما يتعلق بالتفسير وفضائل سوره والمكي والمدني والشتوي والصيفي والحضري والسفري والليلي والنهاري ..؟ آيُنقل هذا ويُترك الذي هو أهم؟

في الحقيقة يلزمنا الإنتحار العقلي لنصدّق ببعض الحكايات في تراثنا.

لكن من الناحية الأخرى ودائما في إطار المناقشة العقلية، وهذه مسألة عقلية بالضرورة لأن قاعدة " ألا يخالف النص" قاعدة عقلية فأنا أرى الإختلاف بين "نسخ التلاوة" وتلك الآية من سورة هود، وغيري قد يرى برأي آخر - والإختلاف لا يفسد للود قضية. أقول من الناحية الأخرى لابد من الإشارة إلى مناقشة عقلية بقلم الأستاذ الفاضل الشريف حاتم بن عارف العوني: (أثر إنكار نسخ التلاوة في التشكيك بالقرآن).
 
ملاخظة :
بالنسبة لأهل السنة والجماعة الأحاديث ليست "تراثاً"
بل هي مصدر من مصادر الوحي. المستشرقون والذين أتو من بيئة نصرانية صرفة كثر فيها الخلط وعدم التمحيص في موروثهم المسموم، طبقوا ماتربوا عليه عندما درسوا الإسلام وتلقف ذلك ممن يلهث خلف غبارهم النتن.

نعم إن كانت السنة النبوية المطهرة بنظر البعض توجب الانتحار ، فهذا وشأنه، ونسأل الله أن يجعل قلوبنا تقول سمعنا وأطعنا لا أن تنتحر كمداً وغيظاً.

قولوا أنكم لا تريدون السنة وهكذا نتفاصل .
وليفسر آيات القرآن على هواه طالما أنه يرضي "عقله" وهو جوهر التفسير الباطني.

وإن كانت المسألة " عقلية " ، فنحن لا نراها تخالف العقل . بل ولا نراها تخالف القرآن الذي صرح بالنسخ. ومن صرف الآيات التي تثبت النسخ عن معناها إنما صرفها بعقله، وأنا أقدم فهم وعقل السلف الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقله ولو أتى بألف من متأخري هذا الزمان .
 
كل هذا الاضطراب الذي طل برأسه من هنا وهناك سيكون رده قريبا مجمعا ...
لكن لنكمل النقل من كلام أهل العلم أهل هذه الصنعة الذين أفنوا أعمارهم فيه - وليس الهواة أمثالنا :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى :
كُلُّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْصُوصًا عَنْ الرَّسُولِ فَالْمُخَالِفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ لِلرَّسُولِ كَمَا أَنَّ الْمُخَالِفَ لِلرَّسُولِ مُخَالِفٌ لِلَّهِ - وَلَكِنْ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ قَدْ بَيَّنَهُ الرَّسُولُ؛ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. فَلَا يُوجَدُ قَطُّ مَسْأَلَةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا إلَّا وَفِيهَا بَيَانٌ مِنْ الرَّسُولِ وَلَكِنْ قَدْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ وَيَعْلَمُ الْإِجْمَاعَ. فَيَسْتَدِلُّ بِهِ كَمَا أَنَّهُ يَسْتَدِلُّ بِالنَّصِّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ دَلَالَةَ النَّصِّ وَهُوَ دَلِيلٌ ثَانٍ مَعَ النَّصِّ كَالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ فِي الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ دَلِيلٌ آخَرُ كَمَا يُقَالُ: قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ مَعَ تَلَازُمِهَا؛ فَإِنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَعَنْ الرَّسُولِ أُخِذَ - فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كِلَاهُمَا مَأْخُوذٌ عَنْهُ وَلَا يُوجَدُ مَسْأَلَةٌ يَتَّفِقُ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا إلَّا وَفِيهَا نَصٌّ.
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ النَّاسُ يَذْكُرُ مَسَائِلَ فِيهَا إجْمَاعٌ بِلَا نَصٍّ كَالْمُضَارَبَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُضَارَبَةُ كَانَتْ مَشْهُورَةً بَيْنَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا سِيَّمَا قُرَيْشٌ؛ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ كَانَ عَلَيْهِمْ التِّجَارَةُ وَكَانَ أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ يَدْفَعُونَهَا إلَى الْعُمَّالِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَافَرَ بِمَالِ غَيْرِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ كَمَا سَافَرَ بِمَالِ خَدِيجَةَ وَالْعِيرُ الَّتِي كَانَ فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ كَانَ أَكْثَرُهَا مُضَارَبَةً مَعَ أَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يُسَافِرُونَ بِمَالِ غَيْرِهِمْ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ وَالسُّنَّةُ: قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ وَإِقْرَارُهُ. فَلَمَّا أَقَرَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِالسُّنَّةِ.
وَعَلَى هَذَا فَالْمَسَائِلُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا قَدْ تَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ لَمْ يَعْرِفُوا فِيهَا نَصًّا فَقَالُوا فِيهَا بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ الْمُوَافِقِ لِلنَّصِّ لَكِنْ كَانَ النَّصُّ عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَابْنُ جَرِيرٍ وَطَائِفَةٌ يَقُولُونَ: لَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ إلَّا عَنْ نَصٍّ نَقَلُوهُ عَنْ الرَّسُولِ مَعَ قَوْلِهِمْ بِصِحَّةِ الْقِيَاسِ. وَنَحْنُ لَا نَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ عَلِمُوا النَّصَّ فَنَقَلُوهُ بِالْمَعْنَى كَمَا تُنْقَلُ الْأَخْبَارُ لَكِنْ اسْتَقْرَأْنَا مَوَارِدَ الْإِجْمَاعِ فَوَجَدْنَاهَا كُلَّهَا مَنْصُوصَةً وَكَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَمْ يَعْلَمْ النَّصَّ وَقَدْ وَافَقَ الْجَمَاعَةُ كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَحْتَجُّ بِقِيَاسٍ وَفِيهَا إجْمَاعٌ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيُوَافِقُ الْإِجْمَاعَ وَكَمَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ خَاصٌّ.
وَدَلَالَاتُ النُّصُوصِ قَدْ تَكُونُ خَفِيَّةً فَخَصَّ اللَّهُ بِفَهْمِهِنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَمَا قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا فَهْمًا يُؤْتِيه اللَّهُ عَبْدًا فِي كِتَابِهِ. وَقَدْ يَكُونُ النَّصُّ بَيِّنًا وَيُذْهِلُ الْمُجْتَهِدُ .
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُ مَا مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَّا وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهَا الصَّحَابَةُ أَوْ فِي نَظِيرِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا فُتِحَتْ الْبِلَادُ وَانْتَشَرَ الْإِسْلَامُ حَدَثَتْ جَمِيعُ أَجْنَاسِ الْأَعْمَالِ فَتَكَلَّمُوا فِيهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ بِالرَّأْيِ فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ وَالْإِجْمَاعُ لَمْ يَكُنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَامَّتُهُمْ وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ؛ إذْ هُمْ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ فَلَا إجْمَاعَ قَبْلَهُمْ لَكِنْ لَمَّا جَاءَ التَّابِعُونَ كَتَبَ عُمَرُ إلَى شريح؛ اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَبِمَا بِهِ قَضَى الصَّالِحُونَ قَبْلَك. وَفِي رِوَايَةٍ: فَبِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ. وَعُمَرُ قَدَّمَ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ وَكَذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ وَعُمَرُ قَدَّمَ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ. وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَانَ يُفْتِي بِمَا فِي الْكِتَابِ ثُمَّ بِمَا فِي السُّنَّةِ ثُمَّ بِسُنَّةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؛ لِقَوْلِهِ: {اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ} وَهَذِهِ الْآثَارُ ثَابِتَةٌ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَهُمْ مِنْ أَشْهَرِ الصَّحَابَةِ بِالْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
وَهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَقْضُونَ بِالْكِتَابِ أَوَّلًا لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَنْسَخُ الْكِتَابَ فَلَا يَكُونُ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مَنْسُوخٌ بِالسُّنَّةِ بَلْ إنْ كَانَ فِيهِ مَنْسُوخٌ كَانَ فِي الْقُرْآنِ نَاسِخُهُ فَلَا يُقَدِّمُ غَيْرَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ طَلَبَهُ فِي السُّنَّةِ وَلَا يَكُونُ فِي السُّنَّةِ شَيْءٌ مَنْسُوخٌ إلَّا وَالسُّنَّةُ نَسَخَتْهُ لَا يَنْسَخُ السُّنَّةَ إجْمَاعٌ وَلَا غَيْرُهُ؛ وَلَا تُعَارَضُ السُّنَّةُ بِإِجْمَاعِ وَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ الْآثَارِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَالطَّالِبُ قَدْ لَا يَجِدُ مَطْلُوبَهُ فِي السُّنَّةِ مَعَ أَنَّهُ فِيهَا وَكَذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَيَجُوزُ لَهُ إذَا لَمْ يَجِدْهُ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يَطْلُبَهُ فِي السُّنَّةِ وَإِذَا كَانَ فِي السُّنَّةِ لَمْ يَكُنْ مَا فِي السُّنَّةِ مُعَارِضًا لِمَا فِي الْقُرْآنِ وَكَذَلِكَ الْإِجْمَاعُ الصَّحِيحُ لَا يُعَارِضُ كِتَابًا وَلَا سُنَّةً. تَمَّ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَصَلَوَاتِهِ عَلَى خَيْرِ بَرِيَّتِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
 
وَسُئِلَ شيخ الإسلام - عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ .
فَأَجَابَ :
أَمَّا قَوْلُهُ : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا } فَفِيهَا قِرَاءَتَانِ أَشْهَرُهُمَا : ( أَوْ نُنْسِهَا ) أَيْ نُنْسِيكُمْ إيَّاهَا : أَيْ نَسَخْنَا مَا أَنْزَلْنَاهُ أَوْ اخْتَرْنَا تَنْزِيلَ مَا نُرِيدُ أَنْ نُنَزِّلُهُ نَأْتِكُمْ بِخَيْرِ مِنْهُ أَوْ مَثَلِهِ وَالثَّانِيَةُ : ( أَوْ نَنْسَأْهَا ) بِالْهَمْزِ أَيْ نُؤَخِّرُهَا وَلَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ نَنْسَاهَا فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ مَعْنَى نَنْسَأَهَا بِمَعْنَى نَنْسَاهَا فَهُوَ جَاهِلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالتَّفْسِيرِ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ { عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى } و " النِّسْيَانُ " مُضَافٌ إلَى الْعَبْدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ : { سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى } { إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } وَلِهَذَا قَرَأَهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ : ( أَوْ تَنْسَاهَا ) أَيْ تَنْسَاهَا يَا مُحَمَّدُ وَهَذَا وَاضِحٌ لَا يَخْفَى إلَّا عَلَى جَاهِلٍ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ نَنْسَأَهَا بِالْهَمْزِ وَبَيْنَ نَنْسَاهَا بِلَا هَمْزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : نَسَأْته نَسْئًا إذَا أَخَّرْته . وَكَذَلِكَ أَنْسَأْته يُقَالُ نَسَأْته الْبَيْعَ وَأَنْسَأْته . قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : أَنْسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ وَنَسَأَ فِي أَجَلِهِ بِمَعْنَى . وَمِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ بَيْعُ النَّسِيئَةِ . وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ : مَنْ أَرَادَ النَّسَاءَ وَلَا نَسَاءً فَلْيُبَكِّرْ الْغَدَاءَ وَلْيُخَفِّفْ الرِّدَاءَ وَلْيُقَلِّلْ مِنْ غَشَيَانِ النَّسَاءِ . فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى فَمَعْنَاهَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا : الْمُرَادُ بِهِ مَا أَنْسَاهُ اللَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا جَاءَتْ الْآثَارُ بِذَلِكَ فَإِنَّ مَا يَرْفَعُ مِنْ الْقُرْآنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ رَفْعًا شَرْعِيًّا بِإِزَالَتِهِ مِنْ الْقُلُوبِ وَهُوَ الْإِنْسَاءُ فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَا يَنْسَخُهُ أَوْ يُنْسِيهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ بَيَّنَ ذَلِكَ فَضْلَهُ وَرَحْمَتَهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ } { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فَنَهَاهُمْ عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي سُوءِ أَدَبِهِمْ عَلَى الرَّسُولِ وَعَلَى مَا جَاءَ بِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ لِحَسَدِهِمْ مَا يَوَدُّونَ أَنَّ اللَّهَ يُنَزِّلُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ثُمَّ أَخْبَرَ بِنِعْمَتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ بَعْضُ الْقُرْآنِ يُنْسَخُ وَبَعْضُهُ يُنْسَى - كَمَا جَاءَتْ الْآثَارُ بِذَلِكَ - وَمَا أَنْسَاهُ سُبْحَانَهُ هُوَ مِمَّا نَسَخَ حُكْمَهُ وَتِلَاوَتُهُ بِخِلَافِ الْمَنْسُوخِ الَّذِي يُتْلَى وَقَدْ نَسَخَ مَا نَسَخَ مِنْ حُكْمِهِ أَوْ نَسَخَ تِلَاوَتَهُ وَلَمْ يَنْسَ وَفِي النَّسْخِ وَالْإِنْسَاءِ نَقُصُّ مَا أَنْزَلَهُ عَلَى عِبَادِهِ . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ لَا نَقْصَ فِي ذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَا نَسَخَ أَوْ يَنْسَى فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ مِثْلِهِ فَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُونَ فِي نِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لَا تَنْقُصُ بَلْ تَزِيدُ فَإِنَّهُ إذَا أَتَى بِخَيْرٍ مِنْهَا زَادَتْ النِّعْمَةُ وَإِنْ أَتَى بِمِثْلِهَا كَانَتْ النِّعْمَةُ بَاقِيَةً .
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } هُوَ مَا تَرَكَ تِلَاوَتَهُ وَرَسْمَهُ وَنَسْخَ حُكْمِهِ وَمَا أَنْسَى هُوَ مَا رَفَعَ فَلَا يُتْلَى . وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْخَلَ فِي الْأَوَّلِ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا . فَالْأَوَّلُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَى النَّاسُ بِالْأَسَانِيدِ الثَّابِتَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ : { مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ } قَالَ : نُثْبِتُ خَطَّهَا وَنُبَدِّلُ حُكْمَهَا قَالَ : وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ { أَوْ نُنْسِهَا } أَيْ نَمْحُوهَا فَإِنَّ مَا نُسِيَ لَمْ يُتْرَكْ .
 
قال القرطبي رحمه الله :
والنَّسْخُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- النَّقْلُ، كَنَقْلِ كِتَابٍ مِنْ آخَرَ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَنْسُوخًا، أَعْنِي مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَإِنْزَالِهِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَهَذَا لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " أَيْ نَأْمُرُ بِنَسْخِهِ وَإِثْبَاتِهِ.
الثَّانِي: الْإِبْطَالُ وَالْإِزَالَةُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا، وَهُوَ مُنْقَسِمٌ فِي اللُّغَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إِبْطَالُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ وَإِقَامَةُ آخَرَ مَقَامَهُ، وَمِنْهُ نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ إِذَا أَذْهَبَتْهُ وَحَلَّتْ مَحَلَّهُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:" مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا تَنَاسَخَتْ) أَيْ تَحَوَّلَتْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، يَعْنِي أَمْرَ الْأُمَّةِ.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: النَّسْخُ نَسْخُ الْكِتَابِ، وَالنَّسْخُ أَنْ تُزِيلَ أَمْرًا كَانَ مِنْ قَبْلُ يُعْمَلُ بِهِ ثُمَّ تَنْسَخَهُ بِحَادِثٍ غَيْرِهِ، كَالْآيَةِ تَنْزِلُ بأمر ثم ينسخ بأخرى. وكل شي خَلَفَ شَيْئًا فَقَدِ انْتَسَخَهُ، يُقَالُ: انْتَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، وَالشَّيْبُ الشَّبَابُ. وَتَنَاسَخَ الْوَرَثَةُ: أَنْ تَمُوتَ وَرَثَةٌ بَعْدَ وَرَثَةٍ وَأَصْلُ الْمِيرَاثِ قَائِمٌ لَمْ يُقْسَمْ، وَكَذَلِكَ تَنَاسُخُ الْأَزْمِنَةِ وَالْقُرُونِ. الثَّانِي: إِزَالَةُ الشَّيْءِ دُونَ أَنْ يَقُومَ آخَرُ مَقَامَهُ، كَقَوْلِهِمْ: نَسَخَتِ الرِّيحُ الْأَثَرَ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى" فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ " أَيْ يُزِيلُهُ فَلَا يُتْلَى وَلَا يُثْبَتُ فِي الْمُصْحَفِ بدله.
وَزَعَمَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ هَذَا النَّسْخَ الثَّانِيَ قَدْ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّورَةَ فَتُرْفَعُ فَلَا تُتْلَى وَلَا تُكْتَبُ. قُلْتُ: وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سُورَةَ" الْأَحْزَابِ" كَانَتْ تَعْدِلُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي الطُّولِ.
واخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ أَئِمَّتِنَا فِي حَدِّ النَّاسِخِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْحُذَّاقُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ إِزَالَةُ مَا قَدِ اسْتَقَرَّ مِنَ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِخِطَابٍ وَارِدٍ مُتَرَاخِيًا، هَكَذَا حَدَّهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَزَادَا: لَوْلَاهُ لَكَانَ السَّابِقُ ثَابِتًا، فَحَافَظًا عَلَى مَعْنَى النَّسْخِ اللُّغَوِيِّ، إِذْ هُوَ بِمَعْنَى الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ، وَتَحَرُّزًا مِنَ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، وَذَكَرَ الْخِطَابَ لِيَعُمَّ وُجُوهَ الدَّلَالَةِ مِنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ وَالْمَفْهُومِ وَغَيْرِهِ، وَلِيُخْرِجَ الْقِيَاسَ وَالْإِجْمَاعَ، إِذْ لَا يُتَصَوَّرُ النَّسْخُ فِيهِمَا وَلَا بِهِمَا. وَقَيَّدَا بِالتَّرَاخِي، لِأَنَّهُ لَوِ اتَّصَلَ بِهِ لَكَانَ بَيَانًا لِغَايَةِ الْحُكْمِ لَا نَاسِخًا، أَوْ يكون آخر الكلام يرفع أوله، كقولك: قُمْ لَا تَقُمْ.
والْمَنْسُوخُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ الْحُكْمُ الثَّابِتُ نَفْسُهُ لَا مِثْلُهُ.
واعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَرِدُ فِي الشَّرْعِ أَخْبَارٌ ظَاهِرُهَا الْإِطْلَاقُ وَالِاسْتِغْرَاقُ، وَيُرَدُ تَقْيِيدُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْإِطْلَاقُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ ". فَهَذَا الْحُكْمُ ظَاهِرُهُ خَبَرٌ عَنْ إِجَابَةِ كُلِّ دَاعٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَكِنْ قَدْ جَاءَ مَا قَيَّدَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَقَوْلِهِ" فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ ". فَقَدْ يَظُنُّ مَنْ لَا بَصِيرَةَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ النَّسْخِ فِي الْأَخْبَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ.
وَيُنْسَخُ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ. وَالسُّنَّةُ بِالْعِبَارَةِ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يُرَادُ بِهَا الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ الْقَطْعِيُّ. وَيُنْسَخُ خَبَرُ الْوَاحِدِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ.وَحُذَّاقُ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ). وَهُوَ ظَاهِرُ مَسَائِلِ مَالِكٍ. وَأَبَى ذَلِكَ الشافعي وأبو الفرج المالكي، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْكُلَّ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْ عِنْدِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ فِي الْأَسْمَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجَلْدَ سَاقِطٌ فِي حَدِّ الزِّنَى عَنِ الثَّيِّبِ الَّذِي يُرْجَمُ، وَلَا مُسْقِطَ لِذَلِكَ إِلَّا السُّنَّةُ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا بَيِّنٌ. وَالْحُذَّاقُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ تُنْسَخُ بِالْقُرْآنِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْقِبْلَةِ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الشَّامِ لَمْ تَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ " فَإِنَّ رُجُوعَهُنَّ إِنَّمَا كَانَ بِصُلْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ.
وَهَذَا كُلُّهُ فِي مُدَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وَاسْتِقْرَارِ الشَّرِيعَةِ فَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ أَنَّهُ لَا نَسْخَ، وَلِهَذَا كَانَ الْإِجْمَاعُ لَا يَنْسَخُ وَلَا يُنْسَخُ بِهِ إِذِ انْعِقَادُهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْوَحْيِ، فَإِذَا وَجَدْنَا إِجْمَاعًا يُخَالِفُ نَصًّا فَيُعْلَمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ اسْتَنَدَ إِلَى نَصٍّ نَاسِخٍ لَا نَعْلَمُهُ نَحْنُ، وَأَنَّ ذَلِكَ النَّصَّ الْمُخَالِفَ مَتْرُوكُ الْعَمَلِ بِهِ، وَأَنَّ مُقْتَضَاهُ نُسِخَ وَبَقِيَ سُنَّةً يُقْرَأُ وَيُرْوَى، كَمَا آيَةُ عِدَّةِ السَّنَةِ فِي الْقُرْآنِ تُتْلَى، فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ نَفِيسٌ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ نَسْخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلَاوَةِ، وَمِثْلُهُ صَدَقَةُ النَّجْوَى. وَقَدْ تُنْسَخُ التِّلَاوَةُ دُونَ الْحُكْمِ كَآيَةِ الرَّجْمِ. وَقَدْ تُنْسَخُ التِّلَاوَةُ وَالْحُكْمُ مَعًا، وَمِنْهُ قَوْلُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا نَقْرَأُ" لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ" وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْحُذَّاقُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّاسِخُ فَهُوَ مُتَعَبِّدٌ بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ.
ولِمَعْرِفَةِ النَّاسِخِ طُرُقٌ، مِنْهَا- أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الْأَشْرِبَةِ إِلَّا في ظروف الْأَدَمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَلَّا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) وَنَحْوَهُ. وَمِنْهَا- أَنْ يَذْكُرَ الرَّاوِي التَّارِيخَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: سَمِعْتُ عَامَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ الْمَنْسُوخُ مَعْلُومًا قَبْلَهُ. أَوْ يَقُولُ: نُسِخَ حُكْمُ كَذَا بِكَذَا.
 
قال الشعراوي رحمه الله في تفسيره :
نأتي للنسخ في القرآن الكريم . . قوم قالوا لا نسخ في القرآن أبدا . . لماذا؟ لأن النسخ بداء على الله . . ما معنى البداء؟ هو أن تأتي بحكم ثم يأتي التطبيق فيثبت قصور الحكم عن مواجهة القضية فيعدل الحكم . . وهذا محال بالنسبة لله سبحانه وتعالى . . نقول لهم طبعا هذا المعنى مرفوض ومحال أن يطلق على الله تبارك وتعالى . . ولكننا نقول إن النسخ ليس بداء ، وإنما هو إزالة الحكم والمجيء بحكم آخر . . ونقول لهم ساعة حكم الله الحكم أولا فهو سبحانه يعلم أن هذا الحكم له وقت محدود ينتهي فيه ثم يحل مكانه حكم جديد .. ولكن الظرف والمعاجلة يقتضيان أن يحدث ذلك بالتدريج .. وليس معنى ذلك أن الله سبحانه قد حكم بشيء ثم جاء واقع آخر أثبت أن الحكم قاصر فعدل الله عن الحكم . إن هذا غير صحيح .لماذا؟ . . لأنه ساعة حكم الله أولا كان يعلم أن الحكم له زمن أو يطبق لفترة . ثم بعد ذلك ينسخ أو يبدل بحكم آخر . إذن فالمشرع الذي وضع هذا الحكم وضعه على أساس أنه سينتهي وسيحل محله حكم جديد . .
وليس هذا كواقع البشر . . فأحكام البشر وقوانينهم تعدل لأن واقع التطبيق يثبت قصور الحكم عن مواجهة قضايا الواقع . . لأنه ساعة وضع الناس الحكم علموا أشياء وخفيت عنهم أشياء . . فجاء الواقع ليظهر ما خفى وأصبح الحكم لابد أن ينسخ أو يعدل . . ولكن الأمر مع الله سبحانه وتعالى ليس كذلك . . أمر الله جعل الحكم موقوتا ساعة جاء الحكم الأول .
. ويجب أن نتنبه إلى أن النسخ لا يحدث في شيئين :
الأول : أمور العقائد فلا تنسخ آية آية أخرى في أمر العقيدة . فالعقائد ثابتة لا تتغير منذ عهد آدم حتى يوم القيامة . . فالله سبحانه واحد أحد لا تغيير ولا تبديل ، والغيب قائم ، والآخرة قادمة والملائكة يقومون بمهامهم . وكل ما يتعلق بأمور العقيدة لا ينسخ أبدا . .
والثاني : الإخبار من الله عندما يعطينا الله تبارك وتعالى آية فيها خبر لا ينسخها بآية جديدة . . لأن الإخبار هو الإبلاغ بشيء واقع . . والحق سبحانه وتعالى إخباره لنا بما حدث لا ينسخ لأنه بلاغ صدق من الله . . فلا تروى لنا حادثة الفيل ثم تنسخ بعد ذلك وتروى بتفاصيل أخرى لأنها أبلغت كما وقعت . . إذن لا نسخ في العقائد والإخبار عن الله . . ولكن النسخ يكون في التكليف . . مثل قول الحق تبارك وتعالى : { ياأيها النبي حَرِّضِ المؤمنين عَلَى القتال إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يغلبوا أَلْفاً مِّنَ الذين كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ } [ الأنفال : 65 ] . كأن المقياس ساعة نزول هذه الآية أن الواحد من المؤمنين يقابل عشرة من الكفار ويغلبهم . . ولكن كانت هذه عملية شاقة على المؤمنين . . ولذلك نسخها الله ليعطينا على قدر طاقتنا . . فنزلت الآية الكريمة : { الآن خَفَّفَ الله عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يغلبوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله والله مَعَ الصابرين } [ الأنفال : 66 ]
والحق سبحانه وتعالى علم أن المؤمنين فيهم ضعف . . لذلك لن يستطيع الواحد منهم أن يقاتل عشرة ويغلبهم . . فنقلها إلى خير يسير يقدر عليه المؤمنون بحيث يغلب المؤمن الواحد اثنين من الكفار . . وهذا حكم لا يدخل في العقيدة ولا في الإخبار . . وفي أول نزول القرآن كانت المرأة إذا زنت وشهد عليها أربعة يمسكونها في البيت لا تخرج منه حتى تموت .
واقرأ قوله تعالى : { واللاتي يَأْتِينَ الفاحشة مِن نِّسَآئِكُمْ فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البيوت حتى يَتَوَفَّاهُنَّ الموت أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً } [ النساء : 15 ] وبعد أن شاع الإسلام وامتلأت النفوس بالإيمان . . نزل تشريع جديد هو الرجم أو الجلد . . ساعة نزل الحكم الأول بحبسهن كان الحكم الثاني في علم الله . . وهذا ما نفهمه من قوله تعالى : { أَوْ يَجْعَلَ الله لَهُنَّ سَبِيلاً } . . وقوله سبحانه : { فاعفوا واصفحوا حتى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ } [ البقرة : 109 ]
وقوله تعالى حتى يأتي الله بأمره . . كأن هناك حكما أو أمرا في علم الله سيأتي ليعدل الحكم الموجود . . إذن الله حين أبلغنا بالحكم الأول أعطانا فكرة . . إن هذا الحكم ليس نهائيا وأن حكما جديدا سينزل . . بعد أن تتدرب النفوس على مراد الله من الحكم الأول . . ومن عظمة الله أن مشيئته اقتضت في الميراث أن يعطي الوالدين اللذين بلغا أرذل العمر فقال جل جلاله : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموت إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ والأقربين بالمعروف حَقّاً عَلَى المتقين } [ البقرة : 180 ]
وهكذا جعلها في أول الأمر وصية ولم تكن ميراثا . . لماذا؟ لأن الإنسان إن مات فهو الحلقة الموصولة بأبيه . . أما أبناؤه فحلقة أخرى . . ولما استقرت الأحكام في النفوس وأقبلت على تنفيذ ما أمر به الله . . جعل سبحانه المسألة فرضا . . فيستوفى الحكم . ويقول جل جلاله : { يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النصف وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السدس مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثلث فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السدس مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ الله إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } [ النساء : 11 ]
وهكذا بعد أن كان نصيب الوالدين في تركة الإبن وصية . . إن شاء أوصى بها وإن شاء لم يوصي أصبحت فرضا ..... إلى آخر ما قال رحمه الله .
 
ألم يسألكم الأخ علي سبيع سؤالا متعلقا بما طرحتموه ...أم لم يصلكم سؤاله ؟
 
قال في التحرير والتنوير :
وَالْمَقْصِدُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها إِظْهَارُ مُنْتَهَى الْحِكْمَةِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَهُمُّهُمْ أَنْ تُنْسَخَ شَرِيعَةٌ بِشَرِيعَةٍ أَوْ حُكْمٌ فِي شَرِيعَةٍ بِحُكْمٍ آخَرَ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا فِي حِكْمَتِهِ وَلَا رُبُوبِيَّتِهِ لِأَنَّهُ مَا نَسَخَ شَرْعًا أَوْ حُكْمًا وَلَا تَرَكَهُ إِلَّا وَهُوَ قَدْ عَوَّضَ النَّاسَ مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُمْ مِنْهُ حِينَئِذٍ أَوْ مَا هُوَ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتِ وَالْحَالِ، وَمَا أَخَّرَ حُكْمًا فِي زَمَنٍ ثُمَّ أَظْهَرَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا وَقَدْ عَوَّضَ النَّاسَ فِي إِبَّانِ تَأْخِيرِهِ مَا يَسُدُّ مَسَدَّهُ بِحَسَبِ أَحْوَالِهِمْ، وَذَلِكَ مَظْهَرُ الرُّبُوبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَرُبُّ الْخَلْقَ وَيَحْمِلُهُمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ مَعَ الرِّفْقِ بِهِمْ وَالرَّحْمَةِ، وَمُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَاحِدٌ وَهُوَ حِفْظُ نِظَامِ الْعَالَمِ وَضَبْطُ تَصَرُّفِ النَّاسِ فِيهِ عَلَى وَجْهٍ يَعْصِمُ أَحْوَالَهُمْ مِنَ الِاخْتِلَالِ بِحَسَبِ الْعُصُورِ وَالْأُمَمِ وَالْأَحْوَالِ إِلَى أَنْ جَاءَ بِالشَّرِيعَةِ الْخَاتِمَةِ وَهِيَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ النَّاسِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمرَان: 19] وَقَالَ أَيْضًا: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشورى: 13] الْآيَةَ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِخَيْرٍ أَوْ بِمِثْلٍ رَاجِعٌ إِلَى كُلٍّ مِنَ النَّسْخِ وَالْإِنْسَاءِ فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ بِخَيْرٍ مِنَ الْمَنْسُوخَةِ أَوِ الْمُنْسَاةِ أَوْ بِمِثْلِهَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ مِنَ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ. فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها هُوَ إِمَّا إِتْيَانُ تَعْوِيضٍ أَوْ إِتْيَانُ تَعْزِيزٍ. وَتَوْزِيعُ هَذَا الضَّابِطِ عَلَى الصُّوَرِ الْمُتَقَدِّمَةِ غَيْرُ عَزِيزٍ. وَالْمَعْنَى إِنَّا لَمْ نَتْرُكِ الْخَلْقَ فِي وَقْتٍ سُدًى، وَأَنْ لَيْسَ فِي النَّسْخِ مَا يتَوَهَّم مِنْهُ البداء.وَفِي الْآيَةِ إِيجَازٌ بَدِيعٌ فِي التَّقْسِيمِ قَدْ جَمَعَ هَاتِهِ الصُّوَرَ الَّتِي سَمِعْتُمُوهَا وَصُوَرًا تَنْشَقُّ مِنْهَا لَا أَسْأَلُكُمُوهَا لِأَنَّهُ مَا فُرِضَتْ مِنْهَا صُورَةٌ بَعْدَ هَذَا إِلَّا عَرَفْتُمُوهَا.
وَمِمَّا يَقِفُ مِنْهُ الشَّعْرُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهَ إِلَيْهِ النَّظَرُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: نُنْسِها أَنَّهُ إِنْسَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ لِلْآيَةِ أَوْ لِلسُّورَةِ، أَيْ إِذْهَابُهَا عَنْ قُلُوبِهِمْ أَوْ إِنْسَاؤُهُ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا فَيَكُونُ نِسْيَانُ النَّاسِ كُلِّهِمْ لَهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ دَلِيلًا عَلَى النَّسْخِ وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثٍ
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَرَأَ رَجُلَانِ سُورَةً أَقْرَأَهُمَا إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَا ذَاتَ لَيْلَةٍ يُصَلِّيَانِ فَلَمْ يَقْدِرَا مِنْهَا عَلَى حَرْفٍ فَغَدَيَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُمَا: «إِنَّهَا مِمَّا نُسِخَ وَأُنْسِيَ فَالْهُوَا عَنْهَا» .
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سَنَدِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ أَغْرَبَ بِهِ الطَّبَرَانِيُّ وَكَيْفَ خَفَى مِثْلُهُ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ نِسْيَانَ النَّبِيءِ مَا أَرَادَ اللَّهُ نَسْخَهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُثْبِتَهُ قُرْآنًا جَائِزٌ، أَيْ لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فَأَمَّا النِّسْيَانُ الَّذِي هُوَ آفَةٌ فِي الْبَشَرِ فَالنَّبِيءُ مَعْصُومٌ عَنْهُ قَبْلَ التَّبْلِيغِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّبْلِيغِ وَحِفْظِ الْمُسْلِمِينَ لَهُ فَجَائِزٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَسْقَطَ آيَةً مِنْ سُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِأُبَيٍّ لِمَ لَمْ تُذَكِّرْنِي قَالَ حَسِبْتُ أَنَّهَا رُفِعَتْ قَالَ: لَا وَلَكِنِّي نُسِّيتُهَا اهـ.
وَالْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ النِّسْيَانَ الْعَارِضَ الَّذِي يُتَذَكَّرُ بَعْدَهُ جَائِزٌ وَلَا تُحْمَلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ لِمُنَافَاتِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها وَأَمَّا النِّسْيَانُ الْمُسْتَمِرُّ لِلْقُرْآنِ فَأَحْسَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الْأَعْلَى: 6] دَلِيلٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ [الْأَعْلَى: 7] هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْسِعَةِ فِي الْوَعْدِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْأَعْلَى.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ بِبَرَاءَةٌ فَأُنْسِيتُهَا غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا وَمَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ اهـ. فَهُوَ غَرِيبٌ وَتَأْوِيلُهُ أَنْ هُنَالِكَ سُورَةً نُسِخَتْ قِرَاءَتُهَا وَأَحْكَامُهَا، وَنِسْيَانُ الْمُسْلِمِينَ لِمَا نُسِخَ لَفْظُهُ مِنَ الْقُرْآنِ غَيْرُ عَجِيبٍ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ غَرِيبٌ اهـ.
 
قال العثيمين رحمه الله :
وقوله تعالى: { ننسخ من آية أو ننسها } بضمير الجمع للتعظيم؛ وليس للتعدد؛ لأن الله واحد؛ و"النسخ" معناه في اللغة: الإزالة؛ أو ما يشبه النقل؛ فالأول كقولهم: "نسخت الشمس الظل" يعني أزالته؛ والثاني كقولهم: "نسخت الكتاب"؛ إذ ناسخ الكتاب لم يزله، ولم ينقله؛ وإنما نقش حروفه، وكلماته؛ لأنه لو كان "نسخ الكتاب" يعني نقله كان إذا نسخته انمحت حروفه من الأول؛ وليس الأمر كذلك؛ أما في الشرع: فإنه رفع حكم دليل شرعي، أو لفظه، بدليل شرعي؛ و{ مِن } لبيان الجنس؛ لأن { ما } اسم شرط جازم مبهم؛ والمراد بـ "الآية" الآية الشرعية؛ لأنها محل النسخ الذي به الأمر والنهي دون الآية الكونية..
وقوله: { ننسها } من النسيان؛ وهو ذهول القلب عن معلوم؛ وأما { ننسأها } فهو من "النسأ"؛ وهو التأخير؛ ومعناه: تأخير الحكم، أو تأخير الإنزال؛ أي أن الله يؤخر إنزالها، فتكون الآية لم تنزل بعد؛ ولكن الله سبحانه وتعالى أبدلها بغيرها؛ وأما على قراءة { ننسها } فهو من النسيان؛ بمعنى نجعل الرسول صلى الله عليه وسلم ينساها، كما في قوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى * إلا ما شاء الله} [الأعلى: 6 . 7] ؛ والمراد به هنا رفع الآية؛ وليس مجرد النسيان؛ لأن مجرد النسيان لا يقتضي النسخ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قد ينسى بعض الآية؛ وهي باقية كما في الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه فقال له رجل: تركت آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلَّا أذكرتنيها" ..
قوله تعالى: { نأت بخير منها } هو جواب الشرط؛ والخيرية هنا بالنسبة للمكلف؛ ووجه الخيرية . كما يقول العلماء . أن النسخ إن كان إلى أشد فالخيرية بكثرة الثواب؛ وإن كان إلى أخف فالخيرية بالتسهيل على العباد مع تمام الأجر؛ وإن كان بالمماثل فالخيرية باستسلام العبد لأحكام الله عز وجل، وتمام انقياده لها، كما قال تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [البقرة: 143] ..
قوله تعالى: { أو مثلها } أي نأتي بمثلها..
قوله تعالى: { ألم تعلم } الهمزة هنا للاستفهام؛ والمراد به التقرير؛ وكلما جاءت على هذه الصيغة فالاستفهام فيها للتقرير، مثل: {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1] ؛ فقوله تعالى: { ألم تعلم } يقرر الله المخاطَب . سواء قلنا: إنه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ أو كل من يتأتى خطابه . بالاستفهام بأنه يعلم { أن الله على كل شيء قدير }؛ يعني أنك قد علمت قدرة الله على كل شيء؛ ومنها القدرة على النسخ..
وقوله تعالى: { قدير }: لما أريد بها الوصف جاءت على صيغة "فعيل"؛ لكن إذا أريد بها الفعل تكون بصيغة "الفاعل"، كما في قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم} [الأنعام: 65] ؛ و "القدرة" صفة تقوم بالقادر بحيث يفعل الفعل بلا عجز؛ و"القوة" صفة تقوم بالقوي بحيث يفعل الفعل بلا ضعف؛ إذاً المقابل للقدرة: العجز؛ لقوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليماً قديراً} [فاطر: 44] ؛ والمقابل للقوة: الضعف، قال تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة} [الروم: 54] ؛ والفرق الثاني بينهما: أن "القوة" يوصف بها من له إرادة، وما ليس له إرادة؛ فيقال: رجل قوي؛ وحديد قوي؛ وأما "القدرة" فلا يوصف بها إلا ذو إرادة؛ فلا يقال: حديد قادر..
ثم ذكر من فوائد الآية :
. ومن فوائد الآية: أن الناسخ خير من المنسوخ؛ لقوله تعالى: { نأت بخير منها }؛ أو مماثل له عملاً . وإن كان خيراً منه مآلاً .؛ لقوله تعالى: ( أو مثلها )
. ومنها: أن أحكام الله سبحانه وتعالى تختلف في الخيرية من زمان إلى زمان؛ بمعنى أنه قد يكون الحكم خيراً للعباد في وقت؛ ويكون غيره خيراً لهم في وقت آخر..
. ومنها: عظمة الله عز وجل لقوله تعالى: { ما ننسخ }: فإن الضمير هنا للتعظيم؛ وهو سبحانه وتعالى أهل العظمة..
. . ومنها: إثبات تمام قدرة الله عز وجل؛ لقوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير }؛ ومن ذلك أنه قادر على أن ينسخ ما يشاء..
. ومنها: أن قدرة الله عامة شاملة؛ لقوله تعالى: ( أن الله على كل شيء قدير ).
. ومنها: أن القادر على تغيير الأمور الحسية قادر على تغيير الأمور المعنوية؛ فالأمور القدرية الكونية الله قادر عليها؛ فإذا كان قادراً عليها فكذلك الأمور الشرعية المعنوية؛ وهذا هو الحكمة في قوله تعالى: { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } بعد ذكر النسخ..
. ومنها: أن الشريعة تابعة للمصالح؛ لأن النسخ لا يكون إلا لمصلحة؛ فإن الله لا يبدل حكماً بحكم إلا لمصلحة..
. ومن فوائد الآية: أن الله تعالى وعد بأنه لا يمكن أن ينسخ شيئاً إلا أبدله بخير منه، أو مثله؛ ووعده صدق..
. ومنها: ذكر ما يطمئن به العبد حين يخشى أن يقلق فكره؛ لقوله تعالى: ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها )
 
قال العثيمين في مقدمة التفسير :
ولا يمكن أن يقع التعارض بين آيتين مدلولهما حكمي ؛ لأن الأخيرة منهما ناسخة للأولى قال الله تعالى (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)(البقرة: الآية 106) وإذا ثبت النسخ كان حكم الأولى غير قائم ولا معارض للأخيرة .
 
عودة
أعلى