حديث الجمعة: (أطَـعتُ هَوَايَ في حُبِّ الغَوَانِي).!

إنضم
20 يناير 2006
المشاركات
1,245
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
(أطَـعتُ هَوَايَ في حُبِّ الغَوَانِي)

محمود بن كابر الشنقيطي

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلامُ على سيِّدنا ووليِّنا محمَّد بنِ عبد الله، وعَلَى آل بيتهِ وصَحَابَته ومن والاهُ واتَّبعَ هُداهُ إلى يوم الدِّين.

وبعدُ: فليعذُرني قارئُ هذَا العُنوانِ المُقتَبَس من الباروديِّ (محمود) رحمه الله، حتَّى يسمَع القصَّة بتمامِها، ويتذكَّر مؤدَّى لفظةِ (الغَانيَةِ) عند إطلاقِها.
(الغانيةُ) عند العرب هي المرأة بارعةُ الجَمال المُستغنيةُ بحُسنها الخِلْـقيِّ عن مساحيق التجميل وأدَواته ومُستجدَّاته، ومعنى ذلك: أنَّها لا تحتاجُ لما تتداولهُ النِّساء ممَّا يزدَدْن به حُسنا في أعينِ النَّاظرينَ لأنَّها بالغةٌ من الحُسن أقصى ما يُؤمِّلْـنَـهُ من غير أن تتكلَّفَ في ذلك شيئاً، هذا بالنَّسبة لمدلول اللفظةِ، أمَّا القصَّةُ أيها القارئُ الكريمُ فهي أنَّ أحد أحبَّائي الطيبينَ من آلِ بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم دَعاني إلى منزله وقد كان مستضيفاً ليلتئذٍ الدَّاعيةَ الهنديَّ البريطانيَّ الدكتور/ ذاكر نايْك.

دخَل علينا الرَّجُلُ الأسمرُ الرَّبعَـةُ البسَّامُ فجَذَبَني لاستدَامة النَّظَر المُبَاشر لوجههِ نورٌ لألاءٌ يصرُخُ بصوتٍ تفهمُهُ الأحداقُ ويقول (وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) والرَّجُلُ يُسَلِّمُ على الحَاضرينَ فرداً فرداً، ويُهدي لكلِّ واحدٍ منهم ابتسامةً تفعلُ بالألبابِ ما تفعلُ القهوةُ بالشَّاربِ، وكأنِّي بكُل صاحبِ وجهٍ يقولُ بعد فراغهِ من مصافَحة هذا الرَّجُل الوضَّاء (تَوَلاّني بِمَــعْرُوفٍ ** كسَيْلِ الدِّيَمةِِ المُسْبَلْ) حتَّى انتَهى إليَّ مُسَلِّماً فازدَوَجت مصافحةُ الأيدي بيننا بعِناقِ الأرواحِ التي تصافَحتْ من قبلُ فور دُخول الرَّجُل البسَّامِ، وكان لصوته في أذني عند السلامِ وقعٌ جميلٌ (كَخَفقِ الحُليِّ عَلَى الغَانيَة) وأخذَ الضَّيفُ مكانَهُ فكانَ العَجَبُ الأوَّلُ – ولن أُنهِي عجَائبَه – أنَّهُ لا يُحسِنُ العَرَبيَّةَ إطلاقاً، فبدأ كلمتَهُ بالبسملة والحمدلة والثَّناء على الله والصلاة والسَّلام على رسوله، وأخذ يتحدثُ عن حال الدَّعوة إلى الله في بريطانيا، وعن تجربته الشخصية في المناظَرة والحِجَاج مع القَسَاوِسَة والرُّهبان والأحبار ورجال الدين البوذيينَ والسيخ وغيرهم.

وتذكَّرتُ أثناء سردهِ قاعدَةً أهدانيها أحَدُ أشيَاخي الألبَّـاء يوم أوصاني بالقرآن وقال (لقد سَبَرتُ حالَ كثيرينَ ممَّن أبلوا في الإسلام بلاءً حسَناً فوجدتُّ الجميعَ يقتَسمونَ جانبَ العناية العُظمَى بالقرآنِ فعليكَ بالقُرآنِ) وفعلاً: كانَ د/ ذاكر مُصَدِّقاً لما بينَ يديَّ وعينيَّ وجَنبَيَّ من تلك الوصيَّـة الجَموعِ فهُو يحفَظُ القرآن بشَكلٍ يندُرُ في العَرَب قبل العَجَمِ، إذ يحفظُه بأرقام آياته وسوره وأجزائهِ، وهذه القضيَّـةُ لا أقبلُ لأحدٍ أن يُوسوسَ لهُ الشَّيطَانُ بأنَّ فيها مجَالاً للتزيًُّد والمُبالغَة، فقد حكى ذلك عن نفسه في غير موقع،وحكاه عنه غيره بحضرته فأقرَّ، وكُنتُ عن يمينهِ بعد انتهاء المحاضرة وأثناء الإجابة على الأسئلة وهو يستشهدُ على الخَلط الذي يتعمَّدُهُ الغَربُ لتشويه مفهومِ الجِهاد وأنَّ الجهَاد أشملُ من أن ينحصرَ في القتال فقط، فحينَ أراد الاستشهادَ لذلك قال كما في الآية (8) من سورة العنكبوت {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} والآية (15) من سورة لقمان {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون}، بل والأعجَبُ من ذلك استظهاره وحفظُه لنصوص التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الديانات، وإحاطته بمعاقد التناقض والتحريف فيها، والتي ينبهرُ بها القساوسة والأحبار قبل عموم أهل الكتاب فلا يملكون وقد أراد الله بهم خيراً إلا أن يُسلموا أمام آية الله النَّاطقة هذه أعني د/ ذاكر نايْك.!
ومن لطيفِ إحسان الله بهِ وإليهِ أنَّهُ كان يُعاني تمتمـةً في كلامه منذ نطَقَ في صباهُ حتى حصل على شهادة الطبِّ في جراحة الأطفالِ، ولما ابتدأ خوضَ غمار الدَّعوة إلى الله وحِجَاجِ أهل الكِتابِ أكرمهُ اللهُ بزَوال هذه العلَّـةِ المُلازمَة فصار يفقِدُها أوقاتَ المناظَراتِ ثُمَّ زالتْ علَّتُه تلكَ نهائياً فلم يعُد يُتمتِمُ ويتتأتأُ أبداً، ولم نسمع له في حديثه الذي زاد على السَّاعة تمتمةً من هذا القبيل، وذكَّرَني ذلك الموقفُ بأنَّ الله آتَى الدكتور/ ذاكر ما أوتيَهُ موسَى من قبلُ، ولكن بغير سُؤالٍ وطلبٍ كما في سورة طه قال موسى {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي} فقيل لهُ {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} وهذا – بلا شكٍّ – من عصمَة الله لأوليائه وجُندهِ والدُّعاة إليهِ، لأنَّ أهلَ الباطِل إذا أعيتهُمُ الحيلةُ في مقارعة الحُجَجِ والخُروج من مآزقِ الإلجاء التي يضطرهم إليها المُؤيَّدون بوحي اللهِ يصرِفونَ اهتماماتِ المفتونينَ بهم عن جواهر القضايا إلى توافه الأمور مما يتعلق بشكل الداعية ولونه وجنسه وفصاحته وكأنهم متواصون بذلك فيأنفُون من التسليم للمُماثل لهم في الخِلقَة والتَّكوين فضلاً عمَّن يفضُلونه بلسان أو رهطٍ أو غيره {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا}، ويقُولون تارةً إنَّ به جِنَّـةً، ويقولون أخرى{مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} ويقولون تارةً أخرى {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا} هذا كلُّـهُ مع عدَم وجُود دوَاعي الفرية، فكيفَ لو وُجدَت.؟

وممَّا نفعهُ الله به في دعوتهِ اعتمادُه الكليُّ على الاستدلال العقليِّ المحضِ عند مناظرة رؤوس الكفر والفسوق من القساوسة والرهبان والأحبار مما يجعلُ الحائرَ والمحايدَ يوقنُ أن لا سبيلَ غير سبيل الحقِّ وهذا أسلوبٌ قرآنيٌّ مشروعٌ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، ومن ذلك استشكالهُ على أهل الكتاب تناقضَ كتُبهم والتحريف فيها ودحض مزاعهم حول الإسلام مما أورثَهُ تكاثراً في الأتباع والأشياع حتى ألقى في 3 سنوات أكثر من 600 محاضرة ومناظرة.!

ومن غرائب دعوتهِ والقَبُول الذي فضَّلهُ الله بهِ أنَّـه كثيراً ما يجعلُ بينهُ وبينَ قسيسٍ موعداً مشهوداً للمناظرة ثُمَّ تُلغَى المُناظَرة بسبب إسلام صاحبِها قبل أن يحينَ الموعدُ.

وهو حين يرى من يرجو إسلامهم لا يذكُر لهم من محاسن الإسلام شيئاً، بل يستخرجُ مكنوناتهم مما تُوسوسُ به شياطين الجنِّ والإنس من شُبَه يتشَوَّهُ بها الإسلامُ ثم يبدأ بنقاشِها بالمنطق العقليِّ المحضِ حتى لا يجدَ المُقابلُ أدنى حرَجٍ من القناعة بأنَّ الإسلامَ هو دين الله الحقُّ، وهذه الطريقة أورثته خبرةً بهذه الشُّبَه حتى حصَرها في 20 شبهةً وقال إنه من خلال عمله الدعويِّ وجد العوائق والشُّبَه الحاجزَة عن القناعة بالإسلام منحصرة في هذه العشرين، ولذلك كتبها ووضع إجاباتها في كتاب مستقل وطبعه ووزَّعه، وهو الآن تحت الترجمة للعربية ، نسأل الله أن يوجب له به مقعد صدقٍ في أعلى الفردوس.

وأفادنا أن هذه الشبه العشرين مُرتَّبةٌ بحسب كثرة الورود على الأذهان واعتراض الملاحدة وأهل الكتاب بها، غير أنَّ لها أزمنةً تتغير فيها مواضعُها في الترتيب بحسب كثرة الإثارة، ومن ذلك شبهة مفهوم الجهاد في الإسلام فقد كانت في المرتبة 13 و 14 دائماً وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قفزت للمرتبتين الأولى والثانية.

والدكتور/ ذاكر فرحٌ جداً بأن أقامه الله هذا المقام الدعوي وهو يقول (كنتُ طبيبَ أبدانٍ فجعلني الله طَبيب أرواح) يعالج أرواح البشرية في محاضراته وخطبه ومناظراته التي غطت كثيراً من مساحة الكرة الأرضيَّـة في الهند، وأمريكا، وكندا، وبريطانيا، والسعودية، والبحرين، وعمان والإمارات، وقطر، والكويت، وجنوب أفريقيا، وموريشيوس، وأستراليا، وماليزيا وسنغافورة، وهونج كونج، وتايلند، وجويانا إضافةً إلى الإذاعات والقنوات التي تُتيح للناس مشاهدته في أكثر من 100 دولة ويهتم بعضها بإعادة خطبته في عطلة الأسبوع، وهذا باختصار مُجمل ما دار في هذا المجلس النافع، وبقيت لديَّ بعضُ الإشارات الشخصية المهمَّـة:

• لمست في حديث هذا الرجل قول الله تعالى {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} ففي الوقت الذي يبذل فيه للدعوة ما يبذل، لا يزالُ غيره من المحسوبين على طلبة العلم مشتغلاً بالمفاخرة بالقبيلة والذات والأسرة والمجتمع والمركب والمسكنِ، ولا يلقي خُطبةً في جامع أو يكتب مقالاً في صحيفةٍ إلا زلزلَ الأرضَ زلزالَها إعلاناً وتفاخُراً وتكاثُراً، والعُظماء أمثال الدكتور/ ذاكر يعملون ويُنجِزون ويكِلُون الحديثَ إلى الوقائع والمُشاهَدات والأيَّام لأنَّها أبلغُ وصفاً وأصدقُ حديثاً من كل النَّاس.
• لاحظتُ انضباط الرجل الشديد في وقته فقد حضر مبكراً وسأل عن الوقت المُتاح له والتزم به، ومن كان في مواقيته كذلك – بحسب من خَبرتُ – فهو لما سواها من أمور الحقوق والدعوة والتعليم أحفظُ وأضبط، والعكسُ (أصحُّ) فمن لا يحترم أوقات النَّاس ومواعيدَهم فهُو لما سوى ذلك أضيعُ، وهذا من شؤم خصال النفاق إذا ابتُلي المرءُ بإحداها.
• لفت انتباهي جداً في هذا المحاضر تواضعه الشديدُ في السَّلام والابتسامة والهيئة والملبَس برغم شهرته العالمية، ومتابعته المليونية، وجنسيته البريطانية، وشهادته الطبية الجراحية، وكثرة المهتدين على يده الذين جاوزوا الآلاف وبالرغم من أنه احتلَّ المرتبة 82 في قائمة "المئة هندي الأكثر قوة" واحتلَّ كذلك المركزالثالث من قائمة أعلى 10 معلمين روحيين يحظون بكثرة المتابعة وهو المسلم الوحيد في هذه القائمة، وهذا كله لم يزدِ الرَّجُـلَ إلا تبسُّطاً وخفضَ جَناحٍ للمؤمنينَ، وهذا هو المفترضُ في كل مسلم يعرفُ معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ} وتأسفتُ لأنَّ بعضَنا إذا جاور أحد المشاهير أو زاملهُ أو عامله لم تكد تسعه الأرضُ فخراً ومباهاةً فكيف لو صار هو المشهورَ، وهذا عينُ الخُذلانِ وعاجلُ حسرة العاملين في الدنيا عافانا الله.
• ومن جماليَّات هذا الدَّاعية نسبته الفضلَ لأهلهِ (وإنَّ الفَضلَ يَعرِفُهُ ذَوُوهُ) فلم يستنكف أن يردد أكثرَ من مرَّة أنهُ حسنةٌ من حسنات الداعية أحمد ديدات، والذي كان مُعجَباً بتلميذه ومُشيدا به لدرجةٍ قال فيها له (إنَّ ما حققته أنت في أربعِ سنواتٍ حقَّقته أنا في أربعين سنةً) يعني بسبب ما توفر حديثاً من وسائل الاتصال والتواصل، وقد قال لنا إن أحمد ديدات حولني من طبيب أبدان لطبيب أرواح.
• اتَّعظتُ كثيراً أثناء هذه المحاضَرة من سعة رحمة الله الذي عدَّد أبواب الجنَّـة وقسَمها بين عباده فمنهم من يدخُلها مع رحمة الله لبلائه في الدعوة وآخر لبلائه في كف الأذى وآخر لبلائه في الشفاعة الحسَنة وآخر لبلائه في تبيين سبيل المجرمين وآخر لبلائه في السلامة منهُ والمهم أن يعلم الله في قلوبنا خيراً و (نخليها على الله).
• وأختم بهذا الاستنباط العجيب من هذا الداعية الأعجب فقد قال مرةً لبعض جُلسائه من المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن: إن في القرآن آيةً يستحيل معها صدق الشيعة في اتهام الشيخين رضي الله عنها بالنفاق وهي قوله تعالى{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} فهل استبان لكم وجه ذلك.؟
فلم يجيبوهُ فقال: إذا تدبَّرنا هذه الآية جيداً فكيف يُظَـنُّ بعد هذا الوعيد أن الشيخين رضي الله عنها منافقان، مع أنهما لم يزدد لهما على مرِّ الأيام إلا حبا وصحبة وهذا نقيض الإغراء بالمهدَّدين الذي هو التسليط عليهم، بل كيف ترد هذه التهمة وقد جاوراهُ في المدينة حتى مات فدفناهُ صلى الله عليه وسلم وخلَفَاه في أمته رضي الله عنهما، ثم جاوراهُ فيها حتى ماتا، ثم جاوراهُ في القبر وسيجاورانه حتى يبعثون يوم الدين..!

وختاماً: فهذه هي الغانية التي أطعتُ فيها هوايَ، وعلَّمتني أن ما نتدثر به ونسعى إليه من الألقاب والمناصب ليس إلا مساحيقَ للتَّجميل فيما بيننا، أما (الغَوَاني) أو (الغَانُونَ) إن صحَّ التذكيرُ فهم أغنياء عن إنفاق الأعمار في هذه المساحيق غير مأمونة النتيجة فليس كل من لبَّد بها وجه عُمُره ومسيرته العلمية يستحسنُ الناسُ منظره ويجمُل في أرواحهم، وأكبر دليل على ذلك أن هذه المساحيقَ لم تُنط بها رفعةٌ عند الله أو ضَعةٌ عنده.

وأرجُو ألاَّ يقفزَ إليَّ قافزٌ كبشير النَّصر أو نذير الحَربِ ليحملَ مآخذَ وملاحظاتٍ على الدُّكتور/ ذاكر ومنهجه وغير ذلك مما يَنصَبُ في تسطيرهِ حُماةُ الزَّوايا، ولا يسلمُ منهُ إلا المعصومُ المُنتقى صلى الله عليه وسلم، فجميع الدُّعاة والعُلماء والخطباء - المحفوظونَ من الدَّعوة إلى البدعَة والضَّلالة - يُفتحُ عليهم في جانب وينالهم التقصير في جوانبَ أخرى اجتهاديةٍ غايةُ ما فيها تركُ الأوْلَى، والفرقُ أنَّ منهم مستقلاًّ ومُستكثراً لئلاَّ يُحسَب الكاملُ منهم – لو وُجدَ – على النَّبيِّـينَ عليهم السلام، وقاسمهمُ المُشتَركُ هو خَلعُ عباءةِ القعَدَةِ، والعمَلُ للدينِ، ونبذُ البدعَةِ، وسَوقُ النَّاس إلى المغتَسَل البارد والشَّراب الهنيئِ المريئ الماثل في كتاب الله وسنَّة رسوله، والهجرَةُ معهم وبهم من زوايا التخَلِّي إلى رحاب الدَّعوة والتضحية سيراً إلى الله والدَّار الآخرة، ومثلُ أولئك لا يليقُ بغِلاظِ الأكباد المتكئينَ على الأرائكِ والسُّرُر والفُرُش المرفوعة المنعَّمينَ بين الأزواج والأولاد أن يجعلوهم مأدبةً يدعون إليها أكلة لحُوم البَشَر، فليقلُّوا عليهم اللَّومَ أو يسُدُّوا مسدَّهم وقديماً قيلَ - وهو صدقٌ - (ويلٌ للشَّـجيِّ منَ الخَليِّ).
ولا تعذلاني في الغواني فإنّني *** أَرَى فِي الغواني غَيْرَ ما تَرَيَانِ



http://vb.tafsir.net/tafsir31549/
 
صراحة : يعجز لساني عن التعليق لما أصاب عقلي من انبهار سواء بشخصية الرجل الذي استغنى بلباس الإيمان والتقوى عن رياش الصيت والسمعة ، فكساه الله نورا وبهاء يشعان من مركز القلب فيضفيان عليه هالة احترام وإجلال وقبول حيثما حل أو ارتحل .
أم انبهار بأسلوب الكاتب الذي صاغ وصفا ماتعا رائعا لحالة الانبهار التي اعترته في هذه الجلسة الروحانية الهادئة وانتقلت بسلاسة لكل من يقرأ هذه الكلمات .
ولا نزكي أحدا على الله .‏
جزاكم الله خيرا .‏‎ ‎
 
لا زيادة على تعليق أخي الفاضل فهد
في مثل هذه المقالات التي تقطر عذوبة وجمالا وتنبض صدقا ، يكون السكوت هو اللسان الفصيحُ .

إلا أن أقول جزاك الله خيراً وأسال قلمك بألفاظ بديعة منتقاة بدقة وصور رائعة تنقلنا إلى فضاءات سامية راقية روحانية تحلّق بنا عاليًا في عالم آخر بعيد كل البعد عن هذا العالم الدنيوي الفاني!
 
بارك الله فيك يا أبا زيد على هذه المقالة الماتعة ، وأسأل الله أن يتقبل من الدكتور ذاكر جهوده المشهودة في خدمة الإسلام ، وما عند الله خيرٌ للذين آمنوا وعملوا الصالحات .
 
دلنا على مشربك في العربية يا شيخنا الجليل فنشرب منه كما شربت :)

--

جزاك الله تعالى خير الجزاء مقال رائع ماتع بحق.. واسمح لي أن أرسله لموقع صيد الفوائد مذيلاً برابط هذا المواقع العظيم المبارك.
 
إخوتي الكِرام: أشكرُ لكم هذه الحَفاوة والإكرام , ولا أجدُ لها جَوابا إلا تمثُّل قول جبران:

يا محسنون جـزاكم المولى بما ** يربُـو على مسعَـاكم المحمودِ
دامتْ لكم نعماؤُكم محفوظةً ** من كيدِ ذي حقدٍ وعينِ حسودِ
وتحقَّقت عند المشيب المرتجى ** آمَـالُكم بثَـوابِـه الموعُـودِ

والشُّـكرُ موصولٌ ومبذولٌ لقرَّة العينِ وسُرور الخَاطر أخي الشيخ: فهد الجريوي الذي كان السبَب في إيقاد العزيمة وإحياء الهمَّة ونفض الخُمول عن أخيه , فأسأل الله أن يكتُب له أجر كل حرفٍ.
 
جزاكم الله خيرا وزادكم من فضله .. ما أجمل الظاهر إذا خلص الباطن وما أقبح الظاهر وإن جمل إذا قبح الباطن ..
 
هذا الموضوع: موضوع الحديث عن تفرد وتميز داعية إلى الله عز وجل يستحق القراءة لأكثر من مرة، وفيه الكثير من الفوائد والدلالات التي قد تغني رصيد كل واحد منا في كيفية النضال عن الإسلام وتبليغ الشريعة والحفاظ على الدين بالدعوة إليه للإكثار من حُماته والعاملين به وله.
إلا أن الذي خدش جمالية هذا الموضوع (عندي على الأقل) هو كثرة الأخطاء الظاهرة في شكل العديد من كلماته ومنها بعض الألفاظ في القرآن الكريم، ولك أن تقرأ بدقة يا أستاذ محمود لترى عين ما أقول.
فقد كنت أعتقد أن حاسوبي يعاني من مشكلة تقنية هي السبب فيما أرى من أخطاء في شكل العديد من الكلمات، فعمدت إلى مشاهدة الموضوع في حاسوبين مختلفين فوجدت أن الأخطاء هي هي؛ وقرأت للأستاذ محمود غير هذا الموضوع وعلى وجه التحديد ما كتبه على صفحات هذا الملتقى في موضوع " خطورة القصور اللغوي وضرورة معالجته"، وهذا هو الآخر فتحته في حاسوبين مختلفين فوجدت به أخطاء في شكل العديد من الكلمات. وأعتقد جازما أن هذه الأخطاء غير متعمدة إلا أن تكرارها وكثرتها أحيانا يجعل القاريء يتوقف بسرعة، دون استكمال للمقروء.
ومن باب الإنصاف فقد استمعت إلى الأستاذ محمود حفظه الله في إحدى حلقات برنامج " أضواء القرآن" والتي كان عنوانها " أثر الوقف والابتداء في التفسير والقراءات" ولم أسمع منه أخطاء.
ولهذا، وحرصا منا جميعا على تقديم الأجود دائما، فالرجاء مراجعة المكتوب قبل اعتماده احتراما للغتنا، لغة القرآن، واحتراما للقراء الأعزاء وللملتقى الذي نكتب فيه؛ فهو ملتقى لأهل القرآن.
وعندما أقول هذا الكلام فأنا أوجهه إلى عبد ربه عبد القادر أولا وإلى كل غيور على لغة القرآن. نعم أخي محمود أقول هذا (ولست قاضيا ولا مفتيا، إنما أنا طالب علم) ولم أجد وسيلة أخرى لأبلغك بما قلتُه سوى صفحات هذا الملتقى المبارك.
 
بارك الله تعالى فيك أخي العزيز/ عبد القادر , هذه مشكلة أزليةٌ عندي , وهي واحدةٌ متكررةٌ كثيراً جداً أعني مشكلة الشدَّة مع الفتح والكسر , ومما عزَّزها في كتابتي حوَلُ الكيبورد الذي أستخدمهُ , فهو يُعجِمُ المُهمَلَ , ويُهملُ المُعجَم , ويتفنَّنُ في موضوع إبدال الحُروف من بعضِها.
ولستُ محتاجاً يا شيخ عبد القادر أن أقرأ المقال لأقف على شاهد صدقكَ , فقد عانيتُ أيام رسالتي للماجستير كثيراً , ولا زلتُ أعاني من هذه القضية , لأنني تعودتُّ على الشَّكل , وأنا أشكُرُ لك هذا الحرصَ جداً وأكبرُ منك هذه النصيحة بارك الله فيك وزادك من فضله الواسع , غير أني أستشنع استعمال مصطلح احترام القرآن واحترام القراء لأن دويَّهُ الصاخبَ أضخمُ من حجم الملاحظة جداً
 
أحسنت وأجدت - أخي محمود - لا أدري على ما أغبطك : على عرضك الشيق ولغتك الراقية وأسلوبك الماتع ، أم على استنباطاتك التي سميتها إشارات ، زادك الله علما وفهما وتواضعا ... أحبك في الله تعالى .
أما بالنسبة لوضع الشدة المفتوحة والمكسورة ، فقد اهتديت إلى حلها بع كثير عناء - أيضا - وهو : أن توضع الشدة أولا ثم الفتحة أو الكسرة ، فإن عكس أخطأ .. هذا إن لم يكن هناك اختلاف في البرامج .. والعلم عند الله تعالى .
 
أخي الحبيب محمود..
تعلم مني ما أعلمه منك من شجى حول هذا الداء، داء التصنع والأقنعة المستعارة، وهو شجى لا أعرف من يحسن العزف على وتره مثلك، لأن الكلام فيه نابع من صدق يمس شغاف القلوب، ويذيب صلد المستكبرين.

بلغك الله مناك، وفتح عليك من أبواب فضله، ويسر لك الخير أينما كنت.​
 
هذا الموضوع: موضوع الحديث عن تفرد وتميز داعية إلى الله عز وجل يستحق القراءة لأكثر من مرة، وفيه الكثير من الفوائد والدلالات التي قد تغني رصيد كل واحد منا في كيفية النضال عن الإسلام وتبليغ الشريعة والحفاظ على الدين بالدعوة إليه للإكثار من حُماته والعاملين به وله.
إلا أن الذي خدش جمالية هذا الموضوع (عندي على الأقل) هو كثرة الأخطاء الظاهرة في شكل العديد من كلماته

بارك الله تعالى فيك أخي العزيز/ عبد القادر , هذه مشكلة أزليةٌ عندي , وهي واحدةٌ متكررةٌ كثيراً جداً أعني مشكلة الشدَّة مع الفتح والكسر , ومما عزَّزها في كتابتي حوَلُ الكيبورد الذي أستخدمهُ , فهو يُعجِمُ المُهمَلَ , ويُهملُ المُعجَم , ويتفنَّنُ في موضوع إبدال الحُروف من بعضِها.
هذا صحيح ، وقد كنتُ أظن أن في المسألة نكتة علمية ، ولأجل ذا سألتُ عنها عبر هذا الملتقى ، وانتظرتُ ، فلمّا لم أتلق رداً بحثتُ عبر قوقل عن ملتقى لغوي سجلتُ فيه وطرحتُ السؤال ، فدار حديثنا هنا ، ولعل فيه إفادة .
 
شكَر الله لك يا أخت/ مُتَّـبِعَة , وجزاك الله خيراً أخي محمد عطية.

أمَّا أنتَ يا قرَّة العينِ أبا إبراهيم فأجاب الله دعاءك وضاعفَ لك مثليهِ.
 
جعل لي الشيخ فهد الجريوي حظاً من "حديث الجمعة"، ولا أراني أُحسِن دندنة الشيخ محمود الشنقيطي، ولكن من باب: (الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم)، والله المستعان.
 
جعل لي الشيخ فهد الجريوي حظاً من "حديث الجمعة"، ولا أراني أُحسِن دندنة الشيخ محمود الشنقيطي، ولكن من باب: (الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم)، والله المستعان.

أخي الحبيب: أنت غنيٌّ عن الدَّندَنَـة , لأنَّك تصلُ لغايَاتِ المُدندِنينَ بمُجرَّد النطقِ , وحولَ ما أنت فيهِ نسعى ونُدندِنُ.
 
اللهم احفظ صاحب المكارم والهمة العالية الشيخ محمود - أدام الله علوه وفضله - فهو البليغ الفصيح , المتبحر في الأدب ,وعباراته أصفى من الماء وأرق , سمير الخواطر , وإن غاب عن النواظر , وإنه من العين بمكان السواد , ومن الصدر بموضع الفؤاد..
تنور بالقرآن أسداف ليله
فيبيض منها كل ما كان غاسقا
 
عودة
أعلى