حالات الضعف البشري التي اعترت الأنبياء ـ المذكورة في القرآن ـ وحاجة الدعاة لتأملها

عمر المقبل

New member
إنضم
06/07/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
فلا شك أن الأنبياء بشر من البشر ، ونصوص الكتاب في هذا أشهر من أن تذكر أو تسرد ،ولكنني أذكر بآية واحدة فقط ،وهي قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ... الآية [الفرقان/20]).
إذا تقرر هذا ،فإن القرآن حافل بذكر جملةٍ من الأحوال التي تعتري ما يعتري البشر من جراء التغيرات والأحداث التي تقع لهم في دعوتهم لأقوامهم ، كالحزن ،وشدة الهم ،وبعض حالات اليأس ، ... الخ .
وإن الانطلاق من القرآن الكريم في دراسة هذه الأحوال ،وتأمل أسبابها ،وكيف عالجها القرآن = لمن أعظم ما يعين الدعاة إلى الله في طريق دعوتهم المليء بالمشاق والمصاعب.
وقد كنت جمعت عدداً لا بأس به من هذه الأحوال ، سأذكرها تباعاً ، فاتحاً باب الاستفادة من تأملات إخواني في هذا الملتقى المبارك ، على غرار ما سبق في موضوع : مواضع الاتفاق بين الأنبياء في القرآن.
وليعلم أن المراد تسطيره هنا هو أي حالة تعتري نبياً من الأنبياء ،ولا يلزم الاتفاق فيها ،بل إن حصل اتفاق ، فتذكر هنا ،ويمكن أن تنقل هناك إلى الموضوع المنوه عنه ـ إن لم تذكر ـ .
وباسم الله نبدأ :
1 ـ حالة الهمّ ،وضيق الصدر (الخوف) من عدم الاستجابة :
قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم : (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [هود/12]).
وقال سبحانه : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر/97]).
وقال جل جلاله عن نبيه وكليمه موسى : (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ [الشعراء/12، 13]).

أما كيف عالج القرآن هذه الحالة ،فبأمرين ـ فيما ظهر لي ـ :
1 ـ التأكيد على أن مسألة الهداية أمرٌ رباني ، ليس لأحد مدخل فيها.
قال تعالى : (وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) [الأنعام/35]).
2 ـ معالجة ذلك بكثرة الذكر والتشبيح ،والاستمرار في العبادة : قال سبحانه : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)).
وقد جاء الإلماح إلى هذا المعنى في كلام موسى عليه الصلاة والسلام ـ في معرض سؤاله ربه أن يجعل له وزيراً من أهله ـ : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) [طه/33-35]).
فجعل من مبررات استوزار هارون : الإعانة على الذكر الذي هو من أهم أسباب زوال ضيق الصدر والهم .

يتبع ـ إن شاء الله ـ منتظراً فوائد الإخوة أثابهم الله .
 
أود أن أنبه إخواني الأفاضل إلى أنني لا أتقصد استيعاب الآيات في علاج الحالة الواحدة ،بل أذكر ما يشير ،ومن شاء أن يضيف فسأكون شاكراً.


الحال الثانية :
الخوف من تكذيب الناس أو الشخص الذين أرسل إليهم ذلك النبي ،ومن ذلك ما ذكره الله تعالى عن نبيه موسى عليه الصلاة والسلام : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) [الشعراء/12-15]).
وقال سبحانه : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ [القصص/33، 34]).

ومن طرق علاج هذا الخوف :
1 ـ التطمين الإلهي بالمعية الخاصة ،التي تنفي كل خوف ،وتزيل كل قلق ، قال سبحانه : (قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآَيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (15) [الشعراء/15]) .

2 ـ المعين من البشر .
3 ـ قوة الحجة ،والقدرة على دحض الشبه التي قد يوردها الخصم ،ودليل هاتين النقطتين :
(قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ، وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا ، فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [القصص/35])

قال القرطبي ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية :
(إنى أخاف أن يكذبون) إذا لم يكن لي وزير ولا معين، لانهم لا يكادون يفقهون عني، ف (قال) الله عزوجل له (سنشد عضدك بأخيك) أي نقويك به، وهذا تمثيل، لان قوة اليد بالعضد ،... ويقال في دعاء الخير: شد الله عضدك ،وفي ضده: فت الله في عضدك.
(ونجعل لكما سلطانا) أي حجه وبرهانا) انتهى .
 
أشكر لكم د.عبدالرحمن الصالح هذا التشجيع ، فقد بدا لي ـ مع مرور الأيام وقلة المتصفحين لهذا الموضوع ـ أنني أخطأت الطريق ،أو لم يكن الاختيار موفقاً.


ومن حالات الضعف البشري التي اعترت الأنبياء :
ما وقع لنبي الله يوسف من محاولة الإيقاع به في شباك فتنة النساء ،وأيّاً ما كان الكلام في تفسير العلماء للهمّ ،فإن الكيد حاصل ،والرغبة من قبل امرأة العزيز موجود بالنص (ولقد همّت به) ،ولقوله في الآية الأخرى : (فصرف عنه كيدهن).

أما كيف عولج هذا من قبل هذا النبي الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ؟
فهو في : ]قوله سبحانه : ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) [يوسف/33، 34])
ويبدو من هذا النص القرآني علاجان :
1 ـ اختيار العقوبة الدنوية ـ وإن كانت صعبة ـ على الوقوع في المعصية .
2 ـ اللجأ ،بل الفزع والفرار إلى الله تعالى ـ ونعم المولى ربنا ونعم النصير ـ.

قال العلامة السعدي ـ رحمه الله ـ في معرض حديثه عن فوائد قصة يوسف :

ومنها: أن يوسف عليه السلام اختار السجن على المعصية، فهكذا ينبغي للعبد إذا ابتلي بين أمرين - إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية - أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة، ولهذا من علامات الإيمان، أن يكره العبد أن يعود في الكفر، بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار.
ومنها : أنه ينبغي للعبد أن يلتجئ إلى الله، ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية، ويتبرأ من حوله وقوته، لقول يوسف عليه السلام: { وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ }.
ومنها: أن العلم والعقل يدعوان صاحبهما إلى الخير، وينهيانه عن الشر، وأن الجهل يدعو صاحبه إلى موافقة هوى النفس، وإن كان معصية ضارا لصاحبه).
 
وتعقيباً على الحالة الأخيرة التي ابتلي بها يوسف عليه الصلاة والسلام ،أذكر نفسي وإخوتي ،فأقول :
قد لا يبتلى أحدنا بالصورة التي ابتلي بها يوسف ، لكنه قد يبتلى بصور أخرى من صور الفتنة ،خصوصاً في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن ،وتنوعت أسبابها ،وازداد دعاة الرذيلة ،وكثرت القنوات التي تروج لفتنة النساء ،وأما شبكة الإنترنت فأمرها أشهر من أن يذكر ـ نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن ـ.

وههنا يحتاج العبد إلى أمرين :
1 ـ أن يربي نفسه ،ويجاهدها على عبادة المراقبة ،وأن يتذكر أن مرارة المجاهدة ستضمحل في حلاوة لذة الانتصار على النفس ،وحلاوة الإيمان التي يقذفها الله في قلب العبد بسبب صبره على المعصية في موطن لا يراه فيه إلا الله ،مع قدرته ،وتمكنه من تلك المعصية .
ويعجبني هنا كلام قرأته لابن الجوزي في "صيده" الثمين ،حيث يقول :

(إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة، كم من مؤمن بالله عز وجل يحترمه عند الخلوات فيترك ما يشتهي حذراً من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالاً له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مجمر فيفوح طيبه فيستنشقه الخلائق ولا يدرون أين هو.
وعلى قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب، ويتفاوت تفاوت العود ،فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص وألسنتهم تمدحه ولا يعرفون لم.
ولا يقدرون على وصفه لبعدهم عن حقيقة معرفته.
وقد تمتد هذه الأراييح ـ جمع رائحة ـ بعد الموت على قدرها، فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة ثم ينسى.
ومنهم من يذكر مائة سنة ثم يخفي ذكره وقبره.
ومنهم أعلام يبقى ذكرهم أبداً.
وعلى عكس هذا من هاب الخلق، ولم يحترم خلوته بالحق.
فإنه على قدر مبارزته بالذنوب وعلى مقادير تلك الذنوب، يفوح منه ريح الكراهة فتمقته القلوب.
فإن قل مقدار ما جنى قل ذكر الألسن له بالخير، وبقي مجرد تعظيمه.
وإن كثر كان قصارى الأمر سكوت الناس عنه لا يمدحونه ولا يذمونه.
ورب خال بذنب كان سبب وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والآخرة وكأنه قيل له: إبق بما آثرت فيبقى أبداً في التخبيط ، فانظروا إخواني إلى المعاصي أثرت وعثرت..
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.
فتلمحوا ما سطوته، واعرفوا ما ذكرته. ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم، فإن الأعمال بالنية، والجزاء على مقدار الإخلاص
.

ويقول ـ أيضاً ـ رحمه الله :

(والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويتخشع في نفسه ولباسه، والقلوب تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك.
ورأيت من يلبس فاخر الثياب وليس له كبير نفل ولا تخشع، والقلوب تتهافت على محبته.
فتدبرت السبب فوجدته السرير، كما روي عن أنس بن مالك أنه لم يكن له كبير عمل من صلاة وصوم، وإنما كانت له سريرة.
فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه.
فالله الله في السرائر، فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر).


2 ـ كثرة اللجأ إلى الله ،وشدة الفزع ، خاصة عند اقتراب أسباب الوقوع في فتنة النظر ،أو ما فوقها .
ولا أتألى على ربي ،ولكن من باب إحسان الظن به سبحانه ،والله ما سأله أحدٌ صادقاً ،ولا فزع إليه أحد متذلالاً إلا أجابه !
أي ضرورة أعظم من ضرورة العبد لحفظ دينه ،والقيام بعبوديته حال السر ؟!
لئن كان المشركون يجابون حينما يدعون مضطرون من أجل سلامة أبدانهم ، أفتظن أن الله يخيب عبداً دعاه لسلامة دينه وعرضه ؟! اللهم لا !!

أقول هذا وأنا ـ والله ـ من المخلطين ،ولكن ليس من شرط الواعظ أن يكون قائماً بكل ما يقول ،ولا سالماً من أي معصية :

[align=center]ولو لم يقم في الناس من هو مذنب *** فمن يعظ العاصين بعد محمدِ ؟[/align]

والله سبحانه المسؤول أن يشملنا بعفوه العظيم ،وستره الجميل ،وأن يرزقا خشيته في الغيب والشهادة ،وأستغفر الله من الجرأة مع التقصير.
 
جزاك الله خيراً على هذا الموضوع البديع ، وقولكم :(فقد بدا لي ـ مع مرور الأيام وقلة المتصفحين لهذا الموضوع ـ أنني أخطأت الطريق ،أو لم يكن الاختيار موفقاً) ليس صحيحاً ، بل هو اختيار موفق جداً.
إلا أن هذا الموضوع من الموضوعات الدقيقة التي تحتاج إلى تأمل ، وجمع للآيات حتى لا يقع المشارك في الوهم والخطأ .
وقد ظهر لي بادي الرأي من الحالات التي يمكن إدراجها تحت هذا الوصف :

الحالة الثالثة :
حالة الشفقة والرحمة في غير موضعها ، مما يدل على الجانب البشري في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنه قد يغلب في بعض الأحيان والمواقف .
وذلك كحال الرسول صلى الله عليه وسلم عندما استبقى أسرى بدر شفقة عليهم ، وأخذاً بجانب الرحمة .
فعاتبه الله بقوله :( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)) .

ويدخل تحت هذا صنيع نوح عليه الصلاة والسلام في سؤاله نجاة ابنه المخالف له في الدين ، في قوله :وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {45}قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ {47
فهذا جانب الأبوة والبشرية غلب عليه عليه الصلاة والسلام .


الحالة الرابعة :
الغضب الذي يعتري بعض الأنبياء .
كما في قوله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام :(وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي
مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
وقوله :(وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)

والموضوع من أطرف الموضوعات ، والتأمل فيه باب من تدبر القرآن العظيم أجزل الله لك الثواب يا أبا عبدالله .
 
بوركت أبا عبدالله ..


ومما يدخل تحت عارض الغضب ، قصة يونس عليه الصلاة والسلام .


ولي عودة ـ إن شاء الله ـ .
 
( وجهة نظر )

( وجهة نظر )

الشيخ الفاضل عمر المقبل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه أول مرة يقع فيها بصري على هذا الموضوع ، فأردت أن أسجل وجهة نظري فيه من باب أن المسلم مرآة أخيه ، ومن باب التناصح والنقاش العلمي .
أود بداية التنبيه إلى خطورة تجميع هذا الموضوع ، وأن الهدف المنشود من وراء ذلك قد يستغنى عنه بغيره .
وأخوف ما أخاف أن يتوسع في الأمر فيجتمع عندنا ما قد يظن به أنه من زلات الأنبياء .
وثانيا : موضوع عصمة الأنبياء أرى أنه كان من المناسب مناقشته في بداية طرح هذا الموضوع كتوطئة له ، وعلى القول بوقوع الخطأ من الأنبياء فهم لهم خاصية لا يشاركهم فيها أحد من البشر ، وهي أنهم لا يقرون على باطل ، بل يلهمون التوبة ، ويعودون بعد التوبة لمنزلة أعلى مما كانوا عليه قبل التوبة .
والسؤال الذي يطرح نفسه إن كان هذا حالهم ، وهو التوبة ، فما حكم ذكر المعاصي التي تابوا منها ؟ حتى وإن كان على سبيل العظة والتذكير .
وأخير ا : شيخنا الفاضل أرى من باب التذكير أن أذكركم بأنه لا يستلزم من ذكر المعصية للنبي أن يكون قد فعلها ، والمثال على ذلك قوله تعالى : ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ) فهذا لا يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك بل هو من المحال لأن أحد والديه أو كلاهما لم يبلغ عنده الكبر كما هو معلوم ، وإنما الغرض هنا خطاب الأمة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم .
هذا الجواب عندي من ناحية الإجمال دون الدخول في تفاصيل الأمثلة المذكورة ، وجزاكم الله خيرا وبارك فيكم وفي علمكم .
 
أخي أبا المنذر حياك الله ..

أولاً :
أما موضوع العصمة ،فقد تحدث عنه بعض الأعضاء في هذا الموقع في عدة موضوعات ، منها هذا الرابطان :
الرابط الأول .
الرابط الثاني .


ثانياً :
مع شكري لغيرتك ، لكنني أرى أن تخوفك في غير محله ،فإننا ـ وفقك الله ـ لم نجمع هذه المواقف (التي سميتها أنت زلات ) من التوراة أو الإنجيل ، أو من أخبار بني إسرائيل ، بل من القرآن الكريم ، الذي أنزله الحكيم الحميد ،الذي يغار على رسله وأنبيائه أكثر مما نغار نحن .

ثالثاً :
هذا ملتقى علمي ،ولا يدخله العامة الذين قد يخشى عليهم ما تتوقعه ،فما افترضته غير وارد .

ولو فرضنا أننا لم نعرضه ، فماذا نصنع بأسئلة الناس حينما تمر بهم تلك الأحوال التي سجلها القرآن ؟! وقد يبحث الواحد فلا يجد في كلام المفسرين ما يشفي الغليل ؟!
أليس من الأجدى والأولى أن تطرح في مثل هذا الملتقى لنتناقش فيها ونتدارس على طريقة أهل العلم ؟!

رابعاً :
أما الاستدلال بآية الإسراء ، فلا يستقيم ـ وإن قال به بعض المفسرين ـ لأن الخطاب هنا لعموم الناس ،وليس للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أبويه قد ماتا قبل أن يميز ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ.

خامساً :
أنت ترى أن هذه المواقف تذكر ،ويذكر معها علاج القرآن لها ، فلم تذكر هكذا غُفْلاً من التعليق ، بل مع البيان والإيضاح ـ قدر الطاقة ـ لتتم الفائدة .

والله الموفق والهادي لا إله إلا هو سبحانه وبحمده.
 
الشيخ الفاضل عمر المقبل :
جزاكم الله خيرا على سعة صدرك 0.
وفقنا الله وإياكم لما فيه صلاح أمر الأولى والآخرة .
 
جزاك الله شيخنا عمر المقبل خير الجزاء على طرح هذا الموضوع القيم والنافع،ونتمنى ان يستمر هذا الطرح المتميز في هذا الموضوع،فللّه عز وجل حكمة بالغة أن جعل الأنبياء من بني البشر يعتريهم مايعتري غيرهم من ألوان الضعف والمرض والضيق ليكون فيهم الأسوة الحسنة في الصبر،والتجلد والثبات والتعزي بما أصابهم وسلوك مسلكهم في الإهتداء بكلام الله في معالجة الضعف،وحتى لا يغلو فيهم غال بظنه أنهم يملكون نفعا أو ضرا لأحد ،فهم لم يملكوا دفع الضر عن أنفسهم إلا أن يدفعه الله .
فأكمل شيخنا مابدأت من إتحافنا بلُقط العلم التي نثرت في هذا الموضوع ..جزاك الله عنا خيرا .
 
فما حكم ذكر المعاصي التي تابوا منها ؟ حتى وإن كان على سبيل العظة والتذكير .

من تأمل سياق قصة آدم عليه السلام في سورة طه وكيف قال الله سبحانه : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا }

ثم قال سبحانه بعد نهاية القصة : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}

من تأمل هذا السياق= ظهر له جلياً أن ذنوب الأنبياء يسوقها الله سبحانه تذكيراً وموعظة وأن هذا باب حسن إن أتاه الواعظ من وجهه كما فعل الشيخ عمر هنا..

 
أخي عمر، بارك الله فيك
موضوعك ممتاز
وأما قلة التصفح، فاعذر إخوانك فأكثرهم مشغول
وربما لا يجد ساعة في النت، فإذا وجدها تكالبت عليه القضايا
والموضوع فعلا كما قال الشيخ يحتاج إلى تأمل
 
بارك الله فيك شيخنا الفاضل د. عمر على هذا الموضوع وعذراً لأنها المرة الأولى التي أقرأه وأشكر الإخوة الذين أعادوه إلى طاولة الحوار.
أرى والله أعلم أن ما ورد بخصوص مواقف الأنبياء التي أشرتم إليها ما هي إلا إثبات لبشريتهم فهم قبل أن يكونوا أنبياء هم بشر مثلنا والله تعالى يثبت لأقوامهم أن أنبياءه بشر قد يحصل منهم ما يحصل للبشر ليس انتقاصاً منهم ولا تعرضاً لعصمتهم ولكن من باب التوجيه والقدوة فهم من جنسنا ولا حجة لنا أن لا نقتدي بهم فهم إن حصل منهم شيء سرعان ما يلجأون إلى الله تعالى بالتوبة والإنابة والاستغفار فنتعلم منهم سرعة العودة عن ذنوبنا ولولا أن آدم عليه السلام أكل من الشجرة وتاب لما شرعت لنا التوبة والله أعلم. والله تعالى يقول في كتابه العزيز (قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً (95) الإسراء)
أرجو أن تواصلوا الكلام في هذا الموضوع ونحن متابعون إن شاء الله.
 
ومن المواضع التي تندرج تحت هذا الموضوع جمـلة :
{ قول إبراهيم عليه السلام للملائكة حين أتوا: ((( قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها )))
سبحان الله ! إبراهيم نبي يعلم أن هؤلاء رسل الله وربهم الذي أرسلهم هو أعلم بالديرة والناس الذين هم فيها، ومع ذلك غلبته الطبيعة البشرية فقال: (إن فيها لوطا)، ولذلك جاء جواب الملائكة لطيفا، (نحن أعلم بمن فيها) الذي أرسلنا هو ربنا. هو أعلم منا ومنك بمن فيها.
كم نحن بحاجة إلى تفهم الطبيعة البشرية ! إن الله عذر إبراهيم وعذرته الملائكة بدون لوم وبدون توبيخ }.
د. عبدالعزيز بن محمد الماجد رحمه الله​
 
عودة
أعلى