جوامع الكلم في أول آية من سورة فاطر

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
596
مستوى التفاعل
25
النقاط
28
{{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر : 1]

1-مدخل نظري:
روى مسلم :
(523) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ "
المراد بجوامع الكلم القرآن ،خاصة إذا اعتبرنا اللفظ الآخر "أوتيت جوامع الكلم"...
وحديثه صلى الله عليه وسلم كان أيضا بالجوامع.
قال ابن حجر في الفتح:

"وجمع الكلم: القرآن، فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك".

هذا الوجه رغم شرفه ، باعتباره صفة لكلام الله ولحديث رسوله ، لم يحظ بالعناية اللائقة به عند البلاغيين.. فلم يفردوا له بابا خاصا في المعاني أو البيان، كما هو صنيعهم مع الفصل والوصل والقصر وغيرها..
ولعل مرد ذلك إلى الاعتقاد بأن الكلمة الجامعة من نوع الإيجاز الذي هو قسيم الإطناب والمساواة . وهم يدرسون كل ذلك في الباب الثامن الذي ختموا به علم المعاني..

لكن التحقيق أن الإيجاز أخص من الكلمة الجامعة ، ويمكن أن تناط بها ثلاث دلالات مختلفة:
1-دلالة بلاغية
2-دلالة فقهية أصولية
3-دلالة منطقية..

1-جوامع الكلم، في دائرة البلاغة، مرادفة للإيجاز، والإيجاز عند البلاغيين يندرج ضمن بحث عام مداره على التناسب الكمي بين اللفظ ومعناه ، فيكون الإيجاز الضلع الثالث في المبحث ،حين تربو كمية المعنى على مساحة اللفظ ،ومقابله المباشر الإطناب ،حين يتكثر اللفظ ويقل المعنى ،وبين القطبين المتقابلين يوطنون المساواة .
قال الهروي يعني بجوامع الكلم القرآن: "جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة".
قال الخطابي:" معناه إيجاز الكلام في إشباع للمعاني، يقول الكلمة القليلة الحروف، فتنتظم الكثير المعنى، وتتضمن أنواعا من الأحكام".
نقل البخاري عن الزهري أنه قال:" بلغني أن جوامع الكلم أن الله يجمع الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد أو الأمرين أو نحو ذلك".

2- جوامع الكلم عند الفقهاء وشراح الحديث قد يختلف قليلا عن معناه عند البلاغيين ، فالكلمة الجامعة شبيهة القاعدة الفقهية التي يخرّج عليها ما لا يعد من الجزئيات:
قال النووي في شرح حديث (فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُهِمَّةِ وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُعْطِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويدخل فيها مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَ..
قال ابن دقيق في شرح "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد": هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الدين وهو من جوامع الكلم التي أوتيها المصطفى صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل بدعة وكل مخترع ويستدل به على إبطال جميع العقود الممنوعة وعدم وجود ثمراتها، واستدل به بعض الأصوليين على أن النهي يقتضي الفساد ..
قال ابن رجب في مقدمة كتابه الجوامع:
فَجَوَامِعُ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] (النَّحْلِ: 90) قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ تَتْرُكْ هَذِهِ الْآيَةُ خَيْرًا إِلَّا أَمَرَتْ بِهِ، وَلَا شَرًّا إِلَّا نَهَتْ عَنْهُ. وَالثَّانِي: مَا هُوَ فِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْتَشِرٌ مَوْجُودٌ فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال عندما ذكر جهود من سبقه في المضمار:
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ قَدْ تَعَقَّبَ عَلَى جَامِعِهَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَرْكَهُلِحَدِيثِ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» قَالَ: لِأَنَّهُ الْجَامِعُ لِقَوَاعِدِ الْفَرَائِضِ الَّتِي هِيَ نِصْفُ الْعِلْمِ، فَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْجَامِعَةِ، كَمَا ذَكَرَ حَدِيثَ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» لِجَمْعِهِ لِأَحْكَامِ الْقَضَاءِ. فَرَأَيْتُ أَنَا أَنْ أَضُمَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَى أَحَادِيثِ الْأَرْبَعِينَ الَّتِي جَمَعَهَا الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَنْ أَضُمَّ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَحَادِيثَ أُخَرَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الْجَامِعَةِ لِأَنْوَاعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ..

والفرق بين الإيجاز البلاغي وجوامع الكلم أن الأول تتكثر فيه الدلالات واللوازم المستنبطة من اللفظ القليل، أما الثاني فتتعدد فيه المصاديق التي تنطبق عليها القاعدة الكلية المصاغة في إيجاز..كما روي عن الشافعي أنه قال عن حديث النيات الذي رواه الفاروق : هَذَا الْحَدِيثُ ثُلُثُ الْعِلْمِ، وَيَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا مِنَ الْفِقْهِ.
فمن الجلي إن الاشتمال غير الانطباق...فقوله تعالى " كل من عليها فان " ليس من الإيجاز وإنما هو من المساواة، مع أن من تصدق عليهم العبارة لا يعلم عددهم إلا الله.

3- المعنى الثالث أن تكون الكلمة الجامعة حاصرة لكل المعاني المرادة ، فلا تستطيع أن تزيد عليها شيئا..وقد وصفتها بالمنطقية لأنها حاصرة للمعنى عن طريق ما يسمى "القسمة المنطقية".
والفرق بين الكلمة الجامعة بلاغيا ومنطقيا أن في الأولى معان "متكوثرة " وفي الثانية معان" محيطة"
ومن هذا المشرب ما قاله أبو الزناد عن حديث :
وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.
هذا من جوامع الكلم الذى أوتيه (صلى الله عليه وسلم) ، لأنه قد جمع فى هذه الألفاظ اليسيرة معانى كثيرة، لأن أقسام المحبة ثلاثة: محبة إجلال وعظمة كمحبة الوالد، ومحبة شفقة ورحمة كمحبة الولد، ومحبة استحسان ومشاكلة كمحبة سائر الناس، فحصر صنوف المحبة.
قال حسين بن غنّام النجدي:
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء..

فالكلمة الجامعة إجمالا:
كلمة يستنبط منها الكثير، بلاغيا
أوكلمة تنطبق على الكثير، فقهيا
أوكلمة لا يخرج عنها شيء، منطقيا..
والمعنى الأخير أدل على إعجاز القرآن لأن وجوده في التنزيل يدل على أن منزله قد أحاط بكل شيء علما..
وعلى هذا المعنى سنفسر إن شاء الله الآية الأولى من سورة فاطر...
 
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)} [فاطر : 1]]

2-دراسة تطبيقية

جمعت الآية على نحو مذهل ما يلي:
1-الكائنين :الخالق والمخلوق
2- التوحيدين : الألوهية والربوبية.
3-الفعلين : الخلق والأمر.
4- الكونين: المادي والروحي
5- العالمين: الغيب والشهادة
6- الخلقين: الفطر والجعل
7- العلتين: السبب والغاية
8-الفضاءين: العلوي والسفلي
9-الدليلين: الصنع والعناية...
كل هذا –وغيره مما لم أنتبه إليه ،وأنى للمخلوق أن يحيط بكلام الخالق- مجموع في ثمان كلمات فقط:
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا
وهذا من دلائل الإعجاز حقا..

(سردنا للمتعجلين عناوين الجوامع...ولغير المتعجلين أن يتابعوا معنا التفاصيل بإذن الله).
 
فإن أطلقنا صفة جوامع الكلم على القرآن كما قال به بعض أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم بعثت، فإن القرآن الكريم معجز خلاف الحديث النبوي وإن كان من جوامع الكلم ، فهل هو مجتمع دون مجتمع ؟
أم أن صفة القرآن أنه معجز وتتعدد وجوه الإعجاز فيه ومنها أنه جوامع الكلم ، أما الحديث النبوي فيختص بأنه من جوامع الكلم ؟
 
الكائنين :الخالق والمخلوق
اخي / عبد المعز / اعد النظر في ماتحته خط ، وبشرنا بالخير..
 
أبشر....
«كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ»
البخاري.
1-كان الله : كان تامة، الله فاعل.ولا فرق بين الفعل واسم الفاعل-حسب علمي-.
2-الكينونة والعدم نقيضان لا يرتفعان معا ولا يجتمعان...فإذا لم يكن الشيء" كائنا "فهو "معدوم" بالضرورة.
3-"كائن" مثل "موجود"...بل الصيغة الأولى أفضل، لشرف الفاعلية على المفعولية.
والله أعلم.
 
مستل من فتح الباري - للفائده
قَالَ الرَّاغِبُ كَانَ عِبَارَةٌ عَمَّا مَضَى مِنَ الزَّمَانِ لَكِنَّهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى تُنْبِئُ عَنْ مَعْنَى الْأَزَلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ الله بِكُل شَيْء عليما قَالَ وَمَا اسْتُعْمِلَ مِنْهُ فِي وَصْفِ شَيْءٍ مُتَعَلِّقًا بِوَصْفٍ لَهُ هُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ فَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَصْفَ لَازِمٌ لَهُ أَوْ قَلِيلُ الِانْفِكَاكِ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ الشَّيْطَانُ لرَبه كفورا وَقَوله وَكَانَ الْإِنْسَان كفورا وَإِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَعْمَلُ عَلَى حَالِهِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَغَيَّرَ نَحْوَ كَانَ فُلَانٌ كَذَا ثُمَّ صَارَ كَذَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ سِوَى اللَّهِ وُجِدَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا

-اذن من بيانك السابق اخي عبد المعز يتضح ..أن كان للخالق ليست هي كان للمخلوق فالضم والتعليق بكلمة واحده في رايي (موهم بعض الشي) واطالب بالتعديل ..

 
=عمر احمد
-اذن من بيانك السابق اخي عبد المعز يتضح ..أن كان للخالق ليست هي كان للمخلوق فالضم والتعليق بكلمة واحده في رايي (موهم بعض الشي) واطالب بالتعديل

اخطات ، اعتذر .. ، (المعطوف والمعطوف عليه ) والتعليق بكلمتين (كائنين ) فكان لكل منهم (كان ) التي تليق به ، فيكون التعديل امر خيارى بعد ان اوضحت الفرق (سابقا ) لدفع ايه شبهه قد ترد على الخاطر ، وبارك الله فيك اخي / ابوعبدالمعز

والله اعلم
 
القول بأن الله كائن فيه نظر والاستدلال بالحديث ( كان الله ولم يكن معه شيء ) هو من باب تسلسل الحوادث ، واسم الفاعل كائن مشتق من المصدر كون وفعله كون واسم الفاعل منه كائن واسم المفعول مكون ، واهل العلم يوردونه في جملة كقولهم مازال ولا يزال الله كائنا .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم المرسلين وعلى آله الطيبين ورضي الله تعالى
عن صحابته الكرام....
أخي ابو عبد المعز...أرجو أن ترد علي لإني ناظرتك في إدعائك إستشكالا في سورة
الإسراء...ولكنك تركت المناظرة!!!
اما في هذه الآية فأرجو النظر بما يلي-
1- قولك في مشاركتك الاولى عن وصف كلام الله تعالى بجوامع الكلم غير مشهور بين
أهل العلم فهذا الوصف لحديث رسول الله تعالى لقوله(وأٌعطيت جوامع الكلم..)ففسرته
بالقرآن الكريم!!!والصحيح ماقاله الزهري-(معناه ان الله تعالى يجمع له المعاني الكثيرة
في ألفاظ قليلة) وان(تاء الفاعل)في(وأعطيت)تدل على ان(الكلم) للمتكلم وهو رسول
الله اللهم صل عليه وآله.
2-وأخذت تتكلم عن جوامع الكلم وتساوي بين القرآن الكريم وبين الحديث النبوي
بقولك(قوله صلى الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" من جوامع الكلم لا يخرج عنه شيء..

فالكلمة الجامعة إجمالا:
كلمة يستنبط منها الكثير، بلاغيا
أوكلمة تنطبق على الكثير، فقهيا
أوكلمة لا يخرج عنها شيء، منطقيا..
والمعنى الأخير أدل على إعجاز القرآن لأن وجوده في التنزيل يدل على أن منزله قد أحاط بكل شيء علما..
وعلى هذا المعنى سنفسر إن شاء الله الآية الأولى من سورة فاطر.)...وهذا غير صحيح.
3-في مشاركتك الثانية قلت (1-الكائنين-وهذا خظأ لغوي-الخالق والمخلوق) فالله سبحانه لم يصفه سلفنا
يهذا الوصف والسبب على ماأظن ان الكائن بحاجة الى بداية ولاأدري لم تكثر من الكلام عن ذات الله تعالى
والكلام عنه بدعة كما قال الامام مالك(ر)-(والسؤال عنه بدعة) عندما سٌئل عن إستواء الله تعالى على العرش
فمذهب السلف-هو الإيمان بكل اسم وصفة لله تعالى كما جائت أو كما أوضحها الرسول والصحابة.
ولي تكملة ان شاء الله تعالى.
 
اقتران كينونة الله بكينونة الخلق بهذه الصورة
الكائنين :الخالق والمخلوق
فيه صورة من صور المساواة أو حتى المقارنة التي لا تنبغي البتة
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي ابو عبد المعز...أرجو أن ترد علي لإني ناظرتك في إدعائك إستشكالا في سورة
الإسراء...ولكنك تركت المناظرة!!!
لما هذا الكلام ( المناظره ) .. (ناظرتك ) .. هو اخوك في الله ، والكل يؤخذ من قوله ويرد .. مقصدي ..الابتعاد عن هذه الكلمات التي قد تاتي بمردود غير مثمر، فالبعض قد يتحرج منها وكلنا هنا اخوه ، واستبدالها بكلمات مثل مارايك ، ماتقول ، هلا بينت لنا ..
 
1-الوهية،ربوبية

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

قرن صدر الآية بين "الحمد لله " الدال على ألوهيته و "فاطر السموات والأرض" الدال على ربوبيته..
وقد أفاض العلماء في توضيح التوحيدين بما لا يحتاج معه إلى مزيد..ونقتصر في هذا الموضع على ذكر ضابط يسير مميز:
فما يصدر من المخلوق متجها إلى الخالق فهو الإلهية.
ما يأتي من الخالق متجها إلى المخلوق فهو الربوبية.
فالصلاة والشكر والحمد والتوكل والحب والخوف والرجاء ...تصدر عن الإنسان فإذا "عملها" للرب وحده فقد أقام توحيد الإلهية.
ومن الخالق يأتي الرزق والمال والبنون والهداية والرسالة واللطف وكل أنواع النعم ..فإذا "علمها" الإنسان آتية من الرب وحده فقد أقام توحيد الربوبية.
التوحيد الأول عملي، والثاني علمي.
وبين التوحيدين تلازم غير قابل للانفكاك...
ونحن نبين طبيعة الملازمة عند ذكر الألوهية والربوبية بعدها. أو عند ذكر الربوبية ثم الإلهية بعدها بعد استعراض هذه الآيات (وقد اقتصرت على الآيات ذوات "الفذلكة" وإلا فقد تعين تأمل القرآن كله..)
{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام : 95]
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام : 102]
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس : 3]
{فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس : 32]
{يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر : 13]
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر : 6]
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [غافر : 62]
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر : 64]

التلازم حاضر...
فلننظر مثلا إلى هذا التنسيق البديع في آية الأنعام:
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام : 102]
ذلكم الله: ألوهية
ربكم : ربوبية
لا إله إلا هو: ألوهية
خالق كل شيء: ربوبية
فاعبدوه: ألوهية
وهو على كل شيء وكيل: ربوبية
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...وبعد أخي العزيز عمر جزاك الله تعالى خيرا...أرجو أن تقرأ
مشاركة الأخ ابو عبد المعز المعنونة(إستشكال في آية الإسراء) ودفاعه عن مذهب
الزمخشري المعتزلي...وأسلوبي معه بالرفق واللين والدعاء له بالخير...فأذا به يتجاهل
كل ذلك ولم يرد علي ولامرة واحدة بالسلام او الدعاء....فهل هذه هي الأخوة..التي
تتحدث عنها؟ وعلى كل حال وإستجابة لدعوتك الكريمة فأذا كان كلامي قاسي فإنا
أعتذر من الأخ ابو عبد المعز وأدعوه الى إعادة النظر في مايكتب...وادعو الله تعالى
أن يهدينا جميعا للحق والهدى..وان يجعل سبحانه من هذا الملتقى الكريم نورا ساطعا
يهدي لنصرة القرآن الكريم وتدبره وفهمه..إن ربي سميع الدعاء.
 
اولا : اشكرك ، اخي البهيجي ،على التفهم ، ذهبت للمشاركه استشكال منطقى ، وتصفحتها سريعا ، وبشكل مبدئي ، رايت فيها سردا لاقوال المفسرين وترجيح من الاخ / ابو عبد المعز لهذه الاقوال بقوله (المذهب الثالث وجيه - لتفسير ابن كثير والشنقيطي ) وسوف اشارك هناك اذا ظهر لي شيئا بعد القراءه المتانيه ، ولكني اؤكد عليك ، قوله صلى الله عليه ( ماكان الرفق في شي الا زانه ) ..فلك حضور ومشاركات طيبه وجزاك الله خيرا .
ثانيا : الشكرالثاني ، موصول للاخ / ابو عبد المعز ، لاسقاطه ما اثار حفيظتنا ...مسالة ( كان ) في مشاركته 14 ، بارك الله فيك وزادك علما .
 
اختلف المتكلمون في معنى القول في الله إنه قديم ، فقال بعضهم : معنى القول أن الله قديم أنه لم يزل كائنا لا إلى أول ، وأنه المتقدم لجميع المحدثات لا إلى غاية .
وأنكر بعضهم القول بأنه تعالى كائن وقالوا : لا يجوز أن يقال ذلك ..
فالإشكال حاصل كما ترى .
 
وجدير بالملاحظة أن الفذلكة في الآيات السابقة تتقدم فيها الألوهية على الربوبية بدون عكس
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ
والسبب هو كون الألوهية من مقام "الإثبات" والربوبية من مقام "الثبوت". والصدارة للأول طبعا...
فبعد أن تستعرض الآيات مظاهر الربوبية وتجلياتها تأتي الفذلكة لتعين ثمرة العرض أو الاستدلال :

كأنه قيل :
بهذه الربوبية الثابتة عندكم نثبت الإلهية التي تنكرون أو فيها تجادلون وتشككون...

ولا يصح أن يقال في الآيات السابقة :(ذلكم ربكم الله)
فمعنى (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ) ذلكم الله الذي تنكرون هو ربكم الذي تعرفون، ولو عكس لبات المعنى:
ذلك الرب الذي تنكرون هو الله الذي تعرفون ....
وهو بين الفساد.
{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)} [الأنعام : 99 - 102]

لقد استعرض تجليات توحيد الربوبية (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً...) مقدمات لتسفيه شرك الالوهية.. (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ)ثم عاد من جديد لاستعراض الربوبية( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...) حثا على توحيد الألوهية (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ)
ثم جاء ذلك التناوب البديع في الآية الأخيرة بين الألوهية والربوبية -كما رأينا من قبل-إشارة إلى التلازم والاقتران بين التوحيدين.
 
بلا شك اخي ابو عبد المعز ان لك موهبه كبيره ، في التحليل والتصوير الذهني والربط بين دقائق الامور بكلمات معبره جميله ، ولكن ينقصها التفاعل ، وقد رايت بنفسك مايحدث ، عند اهمال هذا الجانب المهم جدا ، ومافيه من اثراء وتبادل للافكار ، حتى وان كان نقد (صائب او جائر ) ، في نظري لامعنى لهذا الانطواء الغير مبرر من طرفكم ، التجاوب فيه ادخال السعادة في قلوب اخوانك ،الا يهمك هذا الامر ؟ ،( قال صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضىً يوم القيامة ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام وأن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل". السلسلة الصحيحة(906).

فدعنا نراك كثيرا ، وارجع لما بداته هنا لان اخر ما كتبته هو ( وعلى هذا المذهب الثالث سيتأسس تفسير مالك ابن نبي.. ) والاخوة لهم ملاحظات هناك لاتفوتك ..(-:

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
الملازمة تكون بين التوحيدين "علية " إذا كانت الألوهية هي الطرف المذكور أوّلا،
والملازمة "استحقاق واقتضاء" إذا كانت الربوبية هي الطرف المذكور أولا..
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
لماذا الحمد لله؟
-لأنه فاطر السموات والأرض.
ففي الوصفية (أو البدلية ) تقييد تعليلي..
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)} [الأعلى : 1 - 4]
لماذا تسبيح الله ؟
لأنه الذي خلق فسوى.....
ففي الموصولية معنى التعليل أيضا..
وفي أول نداء لعموم الناس في التنزيل:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)} [البقرة : 21 - 22]
نقرأ في صدر الآية الأمر بالتوحيد (اعْبُدُوا رَبَّكُمُ )، وفي التذييل النهي عن ضده( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا)،(فأكد المنطوق بالمفهوم) ،وعلل الأمر بدليله (الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ..)
وفي المواضع التي ذكر فيها توحيد الربوبية أولا وجاء توحيد الإلهية في الفذلكة، تكون الملازمة استحقاقا واقتضاء...
فالتقديرالعام :إن الرب الذي يخلق ويرزق وينعم هو المستحق للتأليه.
{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر : 6]
{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر : 64]
 
2- فاطر/جاعل
استعمال الوصفين للإحاطة بفعل الخلق، وهذا من جوامع الكلم بالمعنى الثالث الذي ذكرناه في المدخل...
فالخلق إما إخراج للذات من العدم إلى الوجود،
أو تخصيص للذات بصفاتها وإسناد لوظائفها،
ولا يتصور معنى ثالث..
"فاطر" بيان للمعنى الأول،
"جاعل" بيان للمعنى الثاني.

قال في التاج:
فَطَرَ اللهُ الخَلْقَ يَفْطُرُهم فَطراً: خَلَقَهم، وَفِي الأَساسِ: ابْتَدَعَهُم.
فَطَرَ الأَمْرَ: ابْتَدَأَه وأَنْشَأَه. وَقَالَ ابنُ عَبّاس: مَا كُنْتُ أَدْرِي مَا فاطِر السَّمواتِ والأَرْضِ حَتَّى أَتانِي أَعْرَابِيّانِ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْر، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنا فَطَرْتُها، أَي أَنا ابْتَدَأْتُ حَفْرَهَا. وذَكَرَ أَبو العَبّاسِ أَنَّه سَمِعَ ابنَ الأَعرابي يقولُ: أَنا أَوَّل من فَطَرَ هَذَا، أَي ابتَدَأَه.

فطر إبداع للشيء من غير أن يكون له وجود من قبل..أما الجعل فهو لاحق للإيجاد ومداره على التصرف في الذات بعد إذ وجدت إسنادا للصفات أو تحويلا للأعراض أو تخصيصا للوظائف...
ودليلنا على هذا التمييز أنك تقول:
فطر الله الماء ثم جعله يروي العطش
ولكنك لا تقول:
جعل الله الماء يروي العطش ثم فطره!
("ثم" للتراخي)
 
أخي عمر أحمد رعاه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا لا أرى أنه يلزم أخانا أباعبدالمعز الرد على كل مايرد على موضوعه من تعليقات من إخوته ، فهذا شأنه ، ويكفي أن الموقع أتاح لغير صاحب الموضوع الدخول إلى الموضوع وكتابة مايرون أن الذمة تبرأ به دون مطالبة صاحب الموضوع بالرد على كل تعليق .
والله أعلم .
 
اعرف ذلك اخي محمد / ولكن ، لماذا ارى انه واجب تجاه بعضنا البعض (احيانا ) . ..عموما ... الامر واضح كما ذكرت (لا الزام ) ...

وجزاك الله خيرا
 
من دلائل الإعجاز أن تجد في التنزيل توظيفا بديعا للمفردة أو العبارة ،بحيث تنتمي في وقت واحد إلى أكثر من خط دلالي..
لنستثمر هذه الاستعارة الهندسية لتوضيح أكثر:
لنفترض خطا شاقوليا، وخطا أفقيا، وخطا وتريا،
هذه المستقيمات الثلاث تتقاطع جميعا عند نقطة ( أ)،
فيكون وضع ( أ) مرنا للغاية ،بحيث تكون عنصرا منتميا لخطوط متباينة الأوضاع والاتجاهات :فهي عنصر من الرأسي والأفقي والوتري جميعا دون أن يتغير منها شيء !!
ولو شئت أن يبرز لك وضع هذه النقطة العجيبة اجعل كل مستقيم من لون :الرأسي أحمر، الأفقي أزرق، المائل أخضر..
والآن عندما تتبع عينك الخط الأحمر تكون النقطة ( أ) حمراء
وعندما تتبع عينك الخط الأخضر تكون النقطة ( أ) خضراء
وعندما تتبع عينك الخط الأزرق تكون النقطة ( أ) زرقاء
وعندما تستعرض أوضاعها الثلاث يصيبك الذهول: كيف يمكن لشيء أن يكون أحمر وأخضر وأزرق في وقت واحد!!
إذا تقرر هذا المثل قربنا به وضع قوله تعالى( جاعل الملائكة رسلا )
"جاعل" في الخط البياني الذي وضحناه من قبل قسم من الخلق (قسيم لفاطر)
و"جاعل" في خط بياني آخر ليس قسما من الخلق بل قسيما له لأنه يمثل عالم الامر
وفي خط بياني ثالث يكون جاعل الملائكة مقابلا للسموات والارض باعتبار البعدين المعرفيين المشهود والمغيب
وفي خط بياني رابع يكون جاعل الملائكة مقابلا للسموات والارض باعتبار البعدين الوجوديين المادة والروح...
وتقليب العبارة على كل وجوهها يبهر الذهن، كما يبهر الماس العين عند تقليبها ،فتختلف أشعتها، وتعطيك كل الوان الطيف! -حسب المثال الجميل الذي ضربه الشيخ دراز للعبارة القرآنية-
 
3-خلق/أمر

قال أبو هلال العسكري في الصناعتين:


"وقوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
كلمتان استوعبتا جميع الأشياء على غاية الاستقصاء. وروى أنّ ابن عمر رحمه الله قرأها، فقال: من بقى له شىء فليطلبه".
ومطلع سورة فاطر تنبيه على هذا المعنى:
فقوله:" فاطر السموات والأرض " إشارة إلى دائرة الخلق ،
وقوله: " جاعل الملائكة رسلا " إشارة إلى دائرة الأمر،على اعتبار أن الملائكة حاملة لأوامر الله عز وجل بنوعيها :الأوامر التشريعية المنزلة في الصحائف و الكتب ،والأوامر التكوينية المتعلقة بتدبير ملكوت السماء والأرض ، كتخليق الجنين وإنزال القطر وإرسال الصواعق وغيرها.
 
4-خلق/عناية

وإذا صرفنا النظر عن صعيد الإخبار ووجهناه إلى صعيد الحجاج، ألفينا الآية تمنحنا جامع الأدلة العقلية على الربوبية:

دليل الاختراع
ودليل العناية
وهما الدليلان المعتمدان في القرآن كما قرره ابن رشد ،وهما أخصر وأقرب من أدلة المتكلمين مثل دليل الحدوث ودليل الوجوب والإمكان.

"فاطر السموات والأرض " دليل الاختراع : فوجود أي شيء مهما كبر أو صغر يدل على موجد بمقتضى قانون العلة الكافية الذي قرره الفيلسوف( لايبنتز)...ونحن نرى أن هذا القانون ليس مبدأ عقليا بقدر ما هو قانون فطري مغروز في البشر ولا يحتاج إلى أمثال لايبنتز لتقريره، كما أن التشكيك فيه، من قبل أمثال دفيد هيوم، ليس إلا وسوسة يتنزه عن الالتفات إليها، شأنها شأن تشكيك السفسطائيين في وجود العالم الخارجي ،وعلاج كل هذا مجرب ومعروف : الاستعاذة من الشيطان الرجيم!

"جاعل الملائكة رسلا" دليل العناية" : فالأشياء ليست موجودة فقط بل هي متلائمة أيضا، ووجود العلل الغائية بين الذوات المنفصلة والمتباعدة ينسف شبهة الصدفة نسفا...فحبة الزرع الكامنة في ظلمات الأرض ترتبط بالشمس في السماء البعيدة عنها بملايين الأميال ،وترتبط بحيوان ما يمشي على أربع فلا الدابة ولا الحبة ولا الشمس لها إدراك فضلا عن أن يعي بعضها ببعض...!!لكنها مسخرة بعضها لبعض رغم أنفها !
وتضافر الدليلين في موضع واحد نور على نور:
تأمل أي شيء...ثم انظر:
فإن أنت تأملت علل وجوده وجدت نفسك تصل إلى الله بدليل الاختراع،
وإن أنت تأملت غايات وجوده وجدت نفسك أيضا تصل إلى الله بدليل العناية.
{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد : 3]
 
سبحان الله!
كأن الآية لا تريد أن تغادر الخلق إلا وقد أحاطت به من كل وجوهه:
- خلق الشيء ابتداء(فاطر) ثم العناية به والتصرف فيه (جاعل الملائكة رسلا...)
- تعلقه بالمشهود المادي( السموات والأرض) وبالمغيب الروحي (الملائكة)
-حصر الخلق من الجهتين :القوة والفعل
فقوله تعالى:
"فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ"
إشارة إلى الخلق المتحقق ،أو الموجود بالفعل.
وقوله تعالى بعد ذلك :
" يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ"
إشارة إلى الخلق الممكن ، أو الموجود بالقوة.
 
(جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا)

العبارة جامعة لجل أركان الأيمان:
-الإيمان بالربوبية المصرح بها في (جاعل)،
-الإيمان بالملائكة المصرح بها في مفردة (الملائكة)،
-الإيمان بالرسل وهم نوعان :رسل ملكية وقد صرحت العبارة بهم( الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا )،ورسل بشرية وقد دلت عليها بطريق اللزوم (كون الملائكة رسلا يلزم عنه وجود متلقين ومنهم الأنبياء والرسل)،
-الإيمان بالكتب وقد دلت عليها العبارة بطريق اللزوم أيضا.

وهنا ملحظ بلاغي :
جاءت جملة ( جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) من غير فصل عن سابقتها، إشارة إلى اتحاد الخلق والتدبير...وفيه رد على كثير من الفلاسفة المتألهين الذي اعتقدوا بوجود خالق صنع الكون ثم تركه! أو ترك السنن الطبيعية تدبر الكون نائبة عنه في غيبة منه...!!(فلا ينخدعن السذج من الناس بإيمان هؤلاء وإخوانهم علماء الطبيعة فالله عندهم مبدأ رياضي أو ذهني فقط وليس هو رب العالمين الذي له الخلق والأمر)

ملحظ بلاغي آخر:
ذكر عدد أجنحة الملائكة ( مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ) متناسب مع ذكر خلق السموات والأرض:
فالسموات والأرض فضاءات متسعة لدرجة مذهلة ،والأوامر تتنزل بينهن باستمرار، ومن ثم خلقت الملائكة قادرة على اختراق هذه الفضاءات الشاسعة ...ولما كان المقتضي هنا صفتان :القدرة والسرعة فقد جاء ذكر الأجنحة يفي بحق هذا المقتضى : فالجناح مؤشر على القوة والسرعة معا.
 
عودة
أعلى