جهنم ذات لهب ...ليست باردة ولا يوجد فيها زمهرير

ماجد تيم

New member
إنضم
31/08/2013
المشاركات
211
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
عمان















جهنم ذات لهب

ليست باردة ولا يوجد فيها زمهرير



· "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا فَقالَتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشِّتَاءِ ونَفَسٍ في الصَّيْفِ، فأشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ."( صحيح البخاري )

· " اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".( صحيح مسلم )

· "اشتكتِ النارُ إلى ربِّها ، و قالتْ : يا ربِّ أكل بعضي بعضًا ، فجعل لها نفسينِ ؛ نفسًا في الشتاءِ ، ونفسًا في الصيفِ ، فأمَّا نفسُها في الشتاءِ فهو زمهريرٌ ، و أمَّا نفسُها في الصيفِ فسَمُومٌ" ( صحيح الجامع )













سأستعرض ما بنيت عليه فكرتي

أولا : لا يوجد في أسماء جهنم معنى يفيد أن في جهنم زمهرير [‌أ] و برد وهذا ما اجتهدت فيه للوصول للمراد بدون تفصيل ممل ودون تقصير مُخِلْ

· جهنم : سوداء بسبب شدة حرارتها وبعد قعرها ولا موت فيها ولا حياة

· الهاوية : عميقة جدا ذات القعر البعيد وذات النار الحامية إذا سقط بها حجر هوى إلى قعرها ولن يصل إلا بعد سبعين خريفا ،

· الجحيم : ذلك المكان الواسع والعميق جداً المخصص لتعذيبٍ لا يحتمل ، شديدة الحرارة عظيمة النيران متأججة حتى ما إن تكاد تخبوا تزيد استعار.

· سقر : ذات الملمس الحار جدا ، ومن شدة حرها أن المرأ يجد حرها دون أن يلمسها فتعمل على شويه و تصليه .

· الحطمة : تحطم وتطحن وتفتت ( لأن الأجسام الحارة تكون جافة فيسهل تكسيرها وتهشيمها فجهنم تجفف من فيها)

فتجعل ما كان قائما ومنتصبا بعضه على بعض وتركمه بعد تكسير أركانه ( بفعل الضغط الهائل الواقع على الأجسام في جهنم ) فلا يستطيع القيام والوقوف ، فهي ذات نار حامية جدا مشتعلة متأججة ، تعمل على حرق ما تحت الجلد و اللحم - الحشايا والفؤاد - وتعمل على تجفيفه من الداخل ( إحتراق داخلي ) لتسهيل تكسيره ، وهي ذات بناء مطبق لا أبواب فيه أو محكم الإغلاق لتسريع الحرق وزيادة الضغط ، وزيادة على ذلك فإن أهلها مقيدون على أعمدة ممددة ( مستلقية غير قائمة ) على قعر جهنم وكأن من وظيفة هذه الأعمدة أن تُعيد تشكيل الجسم وتقويمه وبسطه ولكن بوضع مستلقي ومقيد على قعر جهنم .

· السعير : ذات الهيجان والإضطراب والتقلب من شدة استعار النار فكأنها مغتاظة غاضبة ( لظى ) وهي متوقدة مثارة شديدة الإشتعال سوداء تصيب أهلها بالجوع و العطش الشديد والجنون من هول العذاب .

ثانيا : لو نظرنا نظرة عامة على النار بالوضع الطبيعي ونار جهنم بشكل خاص فإن معنى النار تأكل بعضها بعضا الواردة في الأحاديث السابقة يعود إلى أحد سببين

- الوقود [‌ب] بدأ ينفذ ، فبنفاذ الوقود تخمد النار وتخفت تدريجيا فالنار تحتاج إلى وقود لإشعالها
· النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ﴿البروج: ٥﴾
· وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا[‌ج] ﴿الجن: ١٥﴾
· فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴿البقرة: ٢٤﴾
· يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿التحريم: ٦﴾
- عامل منشط لإذكائها وإشعالها وإيقادها وإضطرامها وتسعيرها ( تأكسدها )عن طريق دفع ونفخ الهواء على الوقود .
- إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا[‌د] وَهِيَ تَفُورُ ﴿الملك: ٧﴾

- إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا [‌ه] ﴿الفرقان: ١٢﴾

الآيتين السابقتين تشيران إلى عمليتين لازمتين متضادتين في الإحتراق عامة وتحدثان لجهنم خاصة وهي أشبه أيضا بما يحصل للإنسان ومعظم الكائنات الحية التي تُدخل الأكسجين بالشهيق وتُخرج ثاني أكسيد الكربون بالزفير ففي الشهيق الأشبه بتزويد النار بالأكسجين فيما يسمى بتفاعل الاحتراق يحدث تفاعل الأكسدة[‌و] ( عن طريق النفخ عليها ) فتزداد النار حجما فتستعر وتضرب وكأن الحياة دبت فيها ولا بد لكل عملية احتراق نواتج وعوادم تخرج بالزفير [‌ز] وهذه النواتج و العوادم حرارة ونار ومواد أخرى وهذه المواد قد تدخل في سلسلة ممتدة من عمليات احتراق ثانوية حتى تتحول كل المادة إلى حرارة فيكون كل الناتج حرارة ( طاقة ) صرفة تُخَزّن في الجيم المُطْبِقْ .
فالشهيق هو صوت إذكاء النار بالأكسجين ليتفاعل مع الوقود لحدوث التفاعل بينهما الزفير هو صوت تسعر النار واشتعالها وتأججها واضرامها الناتج عن تفاعل الاحتراق ( الأكسجين والوقود )
ولا تزداد النار تسعرا واضطراما إلا بالعاملين السابقين ( الوقود و عامل الّإذكاء والتهييج )
وَمَن يَهْدِ اللَّـهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ﴿الإسراء: ٩٧﴾
فأكل بعضي بعضا : أي أنها بدأت تخمد وتخبو وترقد وتسكن بسبب عدم وجود وقود أو عدم وجود عامل منشط لتهيجها واضطرابها واضطرامها واستعارها واشتعالها والأظهر هو العامل الثاني[‌ح] ( نقصان العامل المنشط ) لأن الله عز وجل أذن لها بنفس في الصيف وآخر في الشتاء للإذكاء وتكفل بتوفير الوقود وتجديده فالوقود سيجدد ( بأمر إلهي )

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿النساء: ٥٦﴾

فتبديل الجلد يكون ( بخلق جديد ) كليا بإحلال شيء ( بكل جزئياته ) مكان شيء ( بكل جزئياته ) وليس كالتغيير الذي يكون جزئيا لشيء ( جزء ) من شيء ( كل )

ف " ضرس الكافر يوم القيامة مثل ( أحد ) وعرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل ( البيضاء ) وفخذه مثل ( ورقان ) ومقعده من النار ما بيني وبين ( الربذة ) " . ( صحيح ) السلسلة الصحيحة - مختصرة (3/ 94)

فأكل بعضي بعضا : فجهنم ليست خالدة مخلدة وإنما وجودها واستمرارها يكون بأمر الله عز وجل وحده وتقديره بوجود واستمرارية الوقود أو حتى يقضي الله عز وجل بأمره بتوقف شهيقها وزفيرها العاملين المتضادين اللذان يعملان على تذكية وتهييج النار فإن زالا عاملا الوقود والتذكية أو أحدهما خمدت وخبت نار جهنم .

وفي قوانين فيزياء الديناميكا الحرارية [‌ط] أن النظام المغلق [‌ي] يميل مع الزمن إلى توزيع متساوٍ في جميع أجزائه في درجة الحرارة والضغط و الكثافة وغيرها من الصفات أي يصل إلى حالة من التوزان والاستقرار والتجانس ولكن لا نرى ذلك في جهنم في أن درجات الحرارة متفاوتة بين دركاتها وكذلك أثر نفس الصيف ونفس الشتاء على أهل الأرض مما يؤكد على أنها نظام مفتوح ومتصل تتفاعل مع الأنظمة المحيطة لها .

ففي عملية تبادل العوامل بين الأنظمة فإن العوامل المتزنة تبقى متضربة وتفقد توازنها فدخول أو خروج أي عامل للنظام فإنه يعمل على زيادة التوتر للنظام . وعملية تبادل العوامل بين الأنظمة لا يحدث أثرها على نظام واحد دون التأثير على الآخر بل تؤثر على كل الأنظمة المتصلة بصورة متضادة ومتعاكسة فمثلا زيادة حرارة لنظام يقابله نقصان حرارة نظام آخر وهذا ما يحدث عند نَفَسَيّ جهنم فإن التغير الذي يحدث على الأرض يقابله تغير يحدث في جهنم .

فأشد ما نجد من أثر نفحها وسمومها وارتفاع درجة الحرارة صيفا على الأرض (والنظام الكوني ) يقابله نقصان في درجة حرارة جهنم في تلك اللحظة وهو زفير[‌ك] جهنم

وأشد ما نجد من أثر توقدها واشتعالها زمهرير على الأرض ونقصان درجة الحرارة شتاءً على الأرض (والنظام الكوني ) يقابله ارتفاع درجة حرارة جهنم في تلك اللحظة وهو شهيق [‌ل] جهنم [‌م] .

ويمكن بناءً على ذلك حساب التنفس الحراري الكوني والحراري لجهنم بالقياس بما يحدث على الأرض من أشد ما نجد من سموم الصيف وزمهرير الشتاء .

... فهل ؟؟ الكون يتنفس وجهنم رئته بالمقارنة ما سطرنا سابقا ووضحنا بين السطور

... وهل ؟؟ ما يحدث من عمليات وتبادل للعوامل و الطاقة بين (نظام جهنم والنظام الكوني) المتصل بها تكون فيه جهنم هي مولد الطاقة [‌ن] للكون والدينمو المحرك له كوظيفة أخرى [‌س] لجهنم والله أعلم .

ثالثا : جهنم نار مخلوقة تمر بمراحل نمو كما تمر بها أي نار أخرى ، ومن الأدلة الظاهرة علاقة تلون النجوم بدرجة حراتها فالحمراء أقلها درجة حرارة وتبدأ الحرارة بالارتفاع حتى تصل إلى اللون الأزرق ثم الأبيض حتى تنتهي إلى اللون الأسود أكثرها حرارة
· نَارُ اللَّـهِ الْمُوقَدَةُ ﴿الهمزة: ٦﴾
· "أُوقِدَ [‌ع] على النارِ ألفَ سنةٍ حتى احمرَّتْ ، ثُمَّ أُوقِدَ عليها ألفَ سنَةٍ حتى ابيضَّتْ ، ثُمَّ أُوقِدَ عليها ألفَ سنةٍ حتى اسودَّتْ ، فَهِيَ سوداءُ مُظلِمَةٌ ، كالليلِ المظلِمِ " ( صحيح الجامع الصغير )
· «النَّارُ سَوْدَاءُ لَا يُضِيءُ جَمْرُهَا وَلَا لَهَبُهَا» صفة النار لابن أبي الدنيا (ص: 28)
فسواد جهنم بسبب الارتفاع الكبير للضغط والجاذبية ودرجة الحرارة الهائلة وعمقها وإطباقها على بعضها كما أسلفنا في وصف أسماء جهنم


رابعا: في جهنم نار متجمدة ( تجمد النار - سقر ) بسبب الضغط [‌ف] و الجاذبية المرتفعة جدا فيها الناتج عن درجة الحرارة العالية والعمق والإطباق في تركيب جهنم
فحديثا استطاع العلماء من إنتاج ( الجليد فائق التأين [‌ص] ) : ماء متجمد درجة حرارته ( 1650 – 2760 )ْ[‌ق] سيلسيوس تحت تأثير ضغط مرتفع جدا يصل إلى ( 1 – 4 ) مليون مرة من الضغط الجوي وهذه الظروف يمكن توفيرها بسهولة في جهنم لتكوين مثل هذه الجليد الحارق وخاصة في قعر جهنم وفي دركاته السفلى.
والله أعلم





--------------------------------------------------------------------------------

[‌أ] الزمهرير : شدة البرد إلى درجة التجمد مع ريح معتمة كالحة معتمة ذات صوت

[‌ب] الوقود : أي مادة تحترق فينشب منها نارا

[‌ج] الحطب : قطع متجمعة ( خليط من أجناس مختلفة ) من الوقود الجاف لإشعال النار ، وجفاف أهل النار وهزالهم من التجفيف والتحميص بالنار والجوع الشديد

[‌د] صوت إدخال الهواء إلى الرئتين أو صوت إدخال شيء ( يساعد على الاشتعال والاحتراق ) إلى جوف شيء ( عملية سحب ) ، صوت النار عندما تتفاعل مع العامل المذكي للاشتعال

[‌ه] صوت إخراج الهواء من الرئتين أو صوت إخراج الهواء من جوف شيء ،( عملية دفع ) صوت النار عندما تضرم وتشتعل وتعلوا ألسنتها مبتعدة عن النار

[‌و] تفاعل الأكسجين مع المادة المشتعلة ( الوقود ) لإنتاج حرارة وثاني أكسيد الكربون وعوادم حسب تركيب المادة المشتعلة

[‌ز] كعوادم السيارة

[‌ح] وهذا المشار إليه في الأحاديث السابقة موضوع البحث

[‌ط] حاولت النزول إلى أدنى درجات هذا العلم لمحاولة إيصال الفكرة للقارئ الغير متخصص ودون اللجوء إلى معادلات وأرقام ومفاهيم علمية صرفة ، ولمن أراد الإستفادة من أصحاب التخصص مراجعة علم الإنتروبي (Entropy)

[‌ي] وهو النظام الذي لا يسمح بتبادل المادة أو الطاقة مع الوسط الخارجي وتكون المادة والطاقة في هذا النظام ثابتة

[‌ك] الزفير : الصوت الناتج عن خروج عوامل ونواتج الشهيق من عملية الاحتراق في جهنم ولا أعلم ما هي جميع العوامل التي تدفعها جهنم من النظام الكوني المتصل بها

[‌ل] الشهيق : الصوت الناتج عن دخول عوامل جديدة لجهنم ولا أعلم ما هي جميع العوامل التي تسحبها جهنم من النظام الكوني المتصل بها

[‌م] تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴿الملك: ٨﴾

[‌ن] كالطاقة الناتجة في الكائنات الحية كناتج لعملية التنفس

[‌س] مكان عذاب الكافرين

[‌ع] تشتعل وتضرم بوجود مادة تحترق ( وقود ) ووجد عامل إذكاء وتهييج فينشب منهما النار فتتأجج



[‌ف] شدة الضغط كلما نزلنا في دركات جهنم بحد ذاته عذاب شديد

[‌ص] ويعتقد العلماء أن مثل هذا الجليد الفائق التأين يشكل جزءا كبيرا من المكونات الداخلية لكوكبي أورانوس ونبتون

[‌ق] نصف درجة حرارة الشمس​
 

شرح حديث: اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..

فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ! أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُو أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ"[1].



قوله: "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا": قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "فيه أن الجماد بالنسبة لله عز وجل يتكلم مع الله ويناجي الله، وهذا ظاهر في القرآن والسنة، ففي القرآن يقول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11]، وفي السنة كثير"[2].



منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ، وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ يَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَكُلِّ مَنْ دَعَا مَعَ اللهِ آخَرَ، وَبِالْمُصَوِّرِينَ"[3].



وروى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تَحَاجَّتِ النَّارُ وَالْجَنَّةُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَعَجَزُهُمْ، قَالَ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ، فَلا تَمْتَلِئُ حَتَّى يَضَعَ اللَّهُُ رِجْلَهُ فِيهَا، فَتَقُولُ: قَطْ، قَطْ، فَهُنَاكَ تَمْتَلِئُ، وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَمَّا الْجَنَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا"[4].



"قوله في الحديث:"أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا" من شدة الحر، وشدة البرد، فأذن الله لها أن تتنفس في الشتاء، وتتنفس في الصيف، نفس في الصيف ليخف عليها الحر، وفي الشتاء ليخف عليها البرد، وعلى هذا فأشد ما تجدون من الحر، يكون من فيح جهنم، وأشد ما يكون من الزمهرير من زمهرير جهنم"[5].



وفي الحديث فوائد كثيرة:

1- أن النار مخلوقة الآن، وكذلك الجنة، قال تعالى عن النار: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران:131]. وقال عن الجنة: ﴿ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران:133]، وفي حديث النهي عن الصلاة إذا قام قائم الظهيرة؛ عُلل ذلك بأن جهنم تسجر[6][7].



وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ"[8]، وهذا دليل آخر على وجودها الآن.



2- أن في جهنم ألوانًا من العذاب، ففيها البرد الشديد والحر الشديد، قال تعالى: ﴿ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ﴾ [ص: 57، 58]، وقال تعالى: ﴿ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ﴾ [النبأ: 24، 25]. فالحميم الحار الذي قد انتهى حره، وأما الغساق: فهو البارد الذي لا يستطاع من برده، ولا يواجه من نتنه، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهَرَاقُ فِي الدُّنْيَا، لَأَنْتَنَ أَهْلَ الدُّنْيَا"[9].



3- شدة حر هذه النار، ولذلك أُذن لها بنفس الصيف والشتاء، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]. أكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة من الكبريت الأسود، توقد بها النار وفيها خمسة أشياء: سرعة الاتقاد، نتن الرائحة، كثرة الدخان، شدة الالتصاق بالأبدان، قوة حرها إذا حَمِيت [10].



روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا"[11].



قال القرطبي رحمه الله: "وبيان ذلك أنه لو جُمع حطب الدنيا فأوقد كله حتى صار نارًا، لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءًا أشد من حر نار الدنيا، كما بينه في آخر الحديث قوله: قالوا والله إن كانت كافية، أي نار الدنيا، فأجابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنها فُضلت عليها بتسعة وستين ضعفًا"[12].



4- قدرة الله العظيمة، أن جعل في النار من ألوان العذاب ما لا يصدقه إلا المؤمنون به، العارفون عظيم قدرته، ففيها الحر الشديد، وكذلك البرد الشديد، وفيها الحيَّات، والعقارب، وأنواع الحشرات المؤذية[13]، كما أن فيها شجرة الزقوم التي جعلها الله فتنة للظالمين، قال تعالى: ﴿ إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ [الدخان: 43 - 46]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 64]. فهنيئًا لعبد عرف عظمة ربه فآمن به، وسلم له أمره، وقدَّره حق قدره.



5- أن على المؤمن أن يستعيذ بالله من النار، وأن يسعى لفكاك نفسه منها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرًا ما يستعيذ من النار ويأمر بذلك في الصلاة وغيرها، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ"، قَالوا: نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ [14].



قال أنس- رضي الله عنه - كما في الصحيحين: كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -:"رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[15].



وروى مسلم في صحيحه من حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"[16].



والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] صحيح البخاري برقم 537، وصحيح مسلم برقم 617.
[2] التعليق على صحيح مسلم (3/ 588).
[3] مسند الإمام أحمد (14/ 152) برقم 8430، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين.
[4] صحيح البخاري برقم 4850، وصحيح مسلم برقم 2846.
[5] التعليق على صحيح مسلم للشيخ ابن عثيمين۴، شرح كتاب الصلاة ومواقيتها (3/ 584).
[6] أي: يوقد عليها إيقادًا بليغًا، شرح صحيح مسلم للنووي (6/ 356).
[7] صحيح مسلم برقم 832.
[8] صحيح البخاري برقم 3277، وصحيح مسلم برقم 1079.
[9] (17/ 231) برقم 11230، وقال محققوه: حديث حسن لغيره.
[10] تفسير القرطبي رحمه الله (1/ 354).
[11] صحيح البخاري برقم 3265، وصحيح مسلم برقم 2843.
[12] التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة ص343.
[13] وردت بذلك أحاديث وآثار حسنها بعض أهل العلم. انظر: السلسلة الصحيحة برقم 3429، والتخويف من النار لابن رجب الحنبلي رحمه الله ص288-289.
[14] برقم 2867.
[15] صحيح البخاري برقم 6389، وصحيح مسلم برقم 2690.
[16] برقم 1016.

شبكة الألوكة


وكلام الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ليس فيها مايعارض العقل الصحيح

ودين الله مبني على التسليم

والله عزوجل على كل شئ قدير

والأمور الحسية ليست أدلة عقلية كما هو معروف فلاتعارض أدلة الشريعة المحكمة كمايتوهم بعض الناس


فمعظم ضلال العقلانيين والملحدين من اعتبار الحس دليل عقلي وهذا غير صحيح

فإن الإنسان يموت بسبب الغرق في الماء

والسمك إذا خرج من الماء مات فهذا أمر حسي

وقوانين الفيزياء مخلوقة ومن الأسباب وقد تزول وتتغير بقدرة الباري جل وعلا فهو خالقها .

ويجب على المسلم أن لايشتغل بالشبهات فقد ينقضي عمره وهو في حيرة كما حصل لبعض أذكياء العالم

نهايــــة إقــــــدام العقـــول عقال *** وأكثر سعي العالمين ضـــلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا *** وحاصل دنيانــــــا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا *** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
 
عودة
أعلى