جنون القراءة المعاصرة من أين الى أين ؟

إنضم
2 سبتمبر 2004
المشاركات
33
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
قرأت هذا الموضوع قبل فترة في موقع الدكتور البوطي و أحببت نقله الى المنتدى بمناسبة الحديث عن القراءات المعاصرة:


عقد المركز الثقافي والاجتماعي في باريس‏،‏ في سلسلة نشاطاته الثقافية والعلمية‏،‏ لعام 2001 ندوة بعنوان‏:‏

‏(‏القرآن بين التفسيرات العلمية والشطحات الذاتية‏)‏

يوم 19 أيار من العام الحالي‏،‏ اشترك فيها الأستاذ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‏،‏ ببحث عنوانه‏:‏

‏(‏جنون القراءة المعاصرة‏:‏ من أين‏؟‏ وإلى أين‏؟‏‏)‏‏.‏

وكان من جملة المدعويين إلى هذه الندوة الدكتور محمد أركون أستاذ كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة السربون وكان قد هيأ بحثاً بعنوان ‏(‏‏(‏تفكيك المصحف‏)‏‏)‏‏!‏‏!‏‏.‏‏.‏ ولكنه اعتذر في الساعات الأخيرة عن الاشتراك‏،‏ وعن الإنابة أيضاً‏.‏‏.‏ وها نحن نقدم لزوار الموقع البحث الذي ألقاه الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي‏،‏ في هذه الندوة‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

يتحدث القرآن عن ذاته معرِّفاً‏،‏ فيقول‏:‏ ‏{‏قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ‏}‏‏[‏الزمر‏:‏ 39‏/‏28‏]‏ أي إنه كتاب يخاطب الناس بلغة عربية واضحة الدلالة‏،‏ ذات أسلوب قويم‏.‏

فما هي اللغة‏؟‏

هي الألفاظ المحددة التي يتحرك بها اللسان تعبيراً عن المعنى الذي في الذهن‏،‏ بعد الاتفاق عليها بين المتكلم والسامع‏.‏

إذن‏،‏ فالكلام لا يسمى لغة إلا إنْ تم العقد على مصطلحاته الدلالية بين المتكلم والسامع‏،‏ كما يقول ابن جني في كتابه ‏(‏الخصائص‏:‏ 1‏/‏44‏)‏‏.‏ فهي في الحقيقة عقد من العقود الدلالية يتم بين طرفين‏.‏

فلو اصطلحت ثلة من الناس مع نفسها على التعبير بألفاظ معينة عن معان محددة‏،‏ لا يكون ذلك لغة خارج نطاق تلك الثلّة‏،‏ لأنها تشكّل بالنسبة للآخرين طرفاً واحداً منفرداً بنفسه‏،‏ وهو لا يسمى عقداً‏.‏

وهذا هو السرّ في تعدد اللغات بين فئات العالم‏.‏‏.‏ إن الفرنسية ليست معتبرة في مصطلح الدلالة اللغوية عندما أخاطب بها العرب‏.‏

كما أن العربية لا تعتبر ذات دلالة لغوية عندما أخاطب بها الفرنسيين‏،‏ لعدم وجود تعاقد بين طرفي هاتين الجماعتين عليها‏.‏

ما هي النتيجة العملية لهذا القرار العلمي الذي اتفق عليه علماء فقه اللغة‏؟‏‏.‏‏.‏

النتيجة أن اللغة لما كان من الواجب أن لا يعتدّ بها إلا بعد الاتفاق من الأطراف التي اعتمدت عليها‏،‏ فقد كان من الواجب أيضاً أن لا يدخل شيء من التطوير على دلالاتها‏،‏ إلا بعد الاتفاق على ذلك من الأطراف ذاتها‏.‏‏.‏ وإذا جرى هذا الاتفاق بين أفراد جيل ما فإن ذلك لا يسري إلا عليهم‏،‏ ولا يكون له أي مفعول رجعي في تغيير دلالات سابقة من الألفاظ على معانٍ‏،‏ جرى الاتفاق عليها في عهد جيل مضى‏.‏

إن القوانين الوضعية كلها تخضع لهذه القاعدة اللغوية‏.‏‏.‏ فهي تنصّ على أن العثور على أيّ وثيقة قديمة تتضمّن عقداً من عقود المعاملات المالية أو غيرها‏،‏ يستوجب الرجوع في تفسيرها إلى المصطلحات الدلالية السارية في العصر الذي كتبت فيه تلك الوثيقة‏.‏‏.‏ أي فلا يجوز إخضاعها لما جدّ بعد ذلك من مصطلحات مخالفة أو من مقترحات لغوية مطروحة‏؛‏ ذلك لأن قصد المتكلم يجب أن يؤخذ بالاعتبار‏.‏

ومن النتائج التطبيقية لذلك ما يقرره علماء تفسير النصوص‏،‏ من أن الكلمة التي نقرؤها في كتاب أو نسمعها من محاضر مثلاً‏،‏ يجب أن تفسر بالمعنى المتبادر منها‏،‏ ولا يجوز صرفها إلى أي من الاحتمالات البعيدة‏،‏ إلاّ بعد الرجوع إلى قصد المتكلم‏.‏ وهذا ما تجري عليه الأحكام القضائية في المحاكم دائماً‏.‏

ومن النتائج التطبيقية أيضاً أن الكلمة إذا تجاذبتها احتمالات متساوية في المعنى المراد منها‏،‏ وجب التوقف في تفسيرها‏،‏ والرجوع في ذلك إلى معرفة مراد المتكلم ‏(‏الخصائص‏:‏ 1‏/‏ 254 وما بعدها‏)‏‏.‏

فهذه النتائج التطبيقية لما يسمى اليوم بعلم ‏(‏وضع اللغة‏)‏ محل اتفاق في العمل بها من القوانين السارية في العالم كله‏.‏ وهي محل اتفاق أيضاً من علماء فقه اللغة وعلماء تفسير النصوص‏.‏

* * *

ونعود الآن إلى ما بدأنا حديثنا به‏،‏ من أن القرآن كتاب يخاطب الناس بإحدى لغاتهم‏،‏ وهي اللغة العربية‏،‏ ويتقيّد منها بأعلى درجات الانضباط بقواعدها وأدبياتها‏.‏

وغنيّ عن البيان أن هذا الخطاب الموجه إلى الناس‏،‏ لابدّ فيه من مخاطِب‏،‏ بقطع النظر عن تحديد هويته‏.‏‏.‏ إذن‏،‏ لابدّ أن يكون مصطلح الدلالة فيه محلّ اتفاق بين طرفي المخاطِب والمخاطَبين‏.‏ وإنما الوسيط إلى هذا الاتفاق مصطلح اللغة العربية الذي كان سائداً بين العرب‏،‏ كمتكلمين وسامعين‏،‏ أيام صدور هذا الخطاب‏.‏

وعلى هذا‏،‏ فإن النتائج التطبيقية التي أشرنا إليها الآن‏،‏ يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في فهم معاني القرآن‏.‏ بل يجب أن تؤخذ هذه النتائج بعين الاعتبار لدى محاولة فهم المراد من أي من النصوص المتداولة التي يتم العثور عليها‏.‏

* * *

وحصيلة هذا الذي قلناه‏،‏ مما ينبغي أن يكون معروفاً لنا جميعاً‏،‏ أن ما يسمى بالقراءة المعاصرة للنص‏،‏ إنما يسري حكمه على النص الذي تم النطق به وتدوينه في هذا العصر‏،‏ وذلك كي نضمن مطابقة مفهوم النص للمعنى الذي يجول في خاطر قائله‏.‏

ومن بدهيات الأمور أن علوم اللغة بكل ما يتبعها من علم الدلالات والألسنية إنما يبتغى منها الحصول على الضمانة التي لابدّ منها لربط الكلام بمراد المتكلم‏.‏ وكلما كان النص أوغل في القدم‏،‏ كانت المحافظة على العلاقة بينه وبين مراد القائل منه أكثر قدسية‏.‏‏.‏ تماماً كالبناء القائم‏،‏ كلما كان أكثر قدماً‏،‏ كانت ضرورة المحافظة على نظامه وشكله أكثر أهمية‏.‏‏.‏ إن عملية تركيب النص وتفكيكه يجب أن يكون كعملية تفكيك مثل هذا البناء‏،‏ ثم تركيبه‏.‏ أي يجب أن تكون العملية كلها خادماً للأصل ضامناً للإبقاء عليه‏.‏

وعلى الرغم من وضوح هذا الذي نقوله‏،‏ فإنا لنشهد هجمة شرسة على القرآن تحت ستار ما يسمى بالقراءة المعاصرة‏!‏‏.‏‏.‏

قراءة معاصرة‏،‏ لنصّ تنزَّل وحياً من الله قبل خمسة عشر قرناً‏،‏ بمقتضى أصول التخاطب آنذاك‏.‏‏.‏ كيف يستوعب المنطق وقانون فقه اللغة هذا الكلام‏؟‏‏!‏‏.‏‏.‏

لو جاز إخضاع النصوص التاريخية لما يسمى بالقراءة المعاصرة‏،‏ إذن لاختفى التاريخ واندثر‏،‏ ولانقطعت صلة الحاضر بالماضي‏.‏‏.‏ ونظراً إلى أنه ليس في الباحثين وعلماء اللغة من يعاني من الجنون‏،‏ بحمد الله‏،‏ فإن أحداً منهم لم يُقدم بعدُ على هذه التجربة‏.‏

ولكن ظاهرة هذا الجنون تظهر فقط‏،‏ في إخضاع القرآن دون غيره لهذه القراءة العصرية التي تفصله عن تاريخه وتقطع صلة ما بينه وبين ما يعنيه به صاحبه المتكلم به‏.‏

فمن هو صاحب الفكرة الأولى لهذه القراءة‏؟‏‏.‏‏.‏ وما الغاية المقصودة منها‏؟‏

أما صاحب الفكرة فجمعية صهيونية في فينّا‏،‏ فرغت منذ عام 1991 من تجربة على هذا الطريق‏،‏ وأخرجت أول كتاب يحمّل القرآن معاني جديدة منفصلة عن المعاني التي تربطها به اللغة طبق قانون الدلالات‏،‏ ثم هي معانٍ لا تمت بنسب إلى الإسلام قط‏.‏ ثم إن هذه الجمعية أخذت تبحث في العالم العربي عمن يتبناه ويدّعيه كمؤلف له‏،‏ ولعلها عثرت أخيراً على الشخص المناسب الذي وافقها على ذلك‏،‏ كما عثرت على نظيره في بعض البلاد الإسلامية الأخرى‏.‏

وأما الغاية المقصودة منها‏،‏ فهي تفريغ القرآن من مضمونه الاعتقادي والتشريعي والأخلاقي‏،‏ وتحويله إلى وعاء فارغ مهيأ لكل ما يمكن أن يلصق به من المعاني والأفكار‏.‏

وهي في الجملة آخر تجربة على طريق السعي إلى تفكيك البنيان الإسلامي ابتغاء صرف المسلمين عن ضوابطه وإحكامه‏،‏ ثم إخضاعهم لتيار الحضارة الغربية‏،‏ ومن ثم القضاء على ما يسمى بالخطر الإسلامي القادم من الشرق والذي يغزو كلاً من الغرب الأوربي والأمريكي‏،‏ بمعتقداته العلمية وأحكامه السلوكية‏.‏

ترى‏،‏ هل سيواصل هذا التخبط الجنوني الذي يتجاهل معنى اللغة وقواعدها سعيه اللاهث إلى هدفه المرسوم هذا‏؟‏ وهل سيكون في عقلاء العالم من يساير هذا الجنون‏،‏ عندما لا يفرض تخبطه إلا على القرآن‏؟‏

أعتقد أن العالم الإنساني‏،‏ أوعى من ذلك‏.‏‏.‏ وأن أقلّ ما سيقوله عقل العقلاء لهؤلاء الناس‏:‏ فأين هو حظ الكتب الفلسفية القديمة والتاريخية والفكرية والأدبية القديمة‏،‏ عموماً‏،‏ من إخضاعها لغسيل القراءة المعاصرة‏.‏
http://www.bouti.com/bouti_lecture8.htm
 
ومازال جنون القراءات المعاصرة في ازياد نسأل الله العافية والسلامة ..ولابد من الرد والمواجهة لهذه الأفكار وابراز هذه الردود للعامة إعلامياً
 
عودة
أعلى