جنايات على العلم والمنهج (9) العدول عن اللسان الأول بدعوى: لا مشاحة في الاصطلاح

إنضم
26/12/2005
المشاركات
770
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
جنايات على العلم والمنهج (9) العدول عن اللسان الأول بدعوى: لا مشاحة في الاصطلاح

أما اللسان الأول فهو ما عبر به الله ورسوله عن المعاني الدينية..

وأما: لا مشاحة في الاصطلاح فكلام للناس جميعاً أن يقولوا به في كل شئ وأي شئ =شريطة ألا يقولوا به فيما يُعدل به من الألفاظ والاصطلاحات عن ألفاظ الله ورسوله..

بل ما عبر به الله ورسوله عن معاني الدين لا يجوز العدول عنه إلى ألفاظ غيرهم تحت دعوى: لا مشاحة في الاصطلاح..ولا يجوز نقل هذا اللفظ بعينه إلى معنى غير الذي قصده الله ورسوله..فالأول من التلبيس والثاني من التحريف..

ولا يكون اللفظ المحدث أبداً مطابقاً للفظ الله ورسوله بل لا يكون إلا أنقص..

ونظير هذا الباب : أن يزعم الرجل لفظاً لمعنى كان موجوداًَ زمن الوحي وله لفظه ثم يجعل الإيمان بهذا اللفظ واجباً والقول به لازماً..وإنما الذي يلزم الناس هو الإيمان بالمعنى الحق ،المتضمن للفظ الله ورسوله فمن آمن بلفظ الله ورسوله من غير تمام معناه فليس مؤمناً بلفظ الله ورسوله،وهذا يكفي فلا يُحتاج إلى لفظ محدث يجب الإيمان به..إلا إن اشتبهت الأمور اشتباهاً عظيماً وأدى إلى الفساد والتباس الحق بالباطل..واحتاج المجتهد والقاضي إلى هذا ..ويُقدر هذا بقدره

وأصل دعوى: لا مشاحة في الاصطلاح إنما كانت من المعتزلة والأشاعرة..ومبتغي الحق والصدق لا مناص له من أن يرتاب مما كانت هذه سبيله..

قال أبو بكر الجصاص المعتزلي في (( أصوله )) : فمعنى العام والمجمل لا يختلفان في هذا الوجه فجائز أن يعبر عن المجمل بالعام , وقد ذكر أبو موسى عيسى بن أبان – رحمه الله – العام في مواضع فسماه مجملاً , وهذا كلام العبارة لا يقع في مثله مضايقة ( ). ا هـ , وقال وهو يحتج لقولهم في الاستحسان : وليست الأسماء محظورة على احد عند الحاجة إلى الإفهام , بل لا يستغني أهل كل علمٍ وصناعةٍ إذا اختصوا بمعرفة دقيق ذلك العلم ولطيفه وغامضه دون غيرهم , و أرادوا الإبانة عنها , وإفهام السامعين لها أن يشتقوا لها أسماء , ويطلقوها عليها على وجه الإفادة والإفهام , كما وضع النحويون أسماء لمعان عرفوها , و أرادوا إفهامها غيرهم , فقالوا : الحال , والظرف , والتمييز ونحو ذلك , وكما قالوا في العروض : البسيط , والمديد , والكامل و والوافر , وكما أطلق المتكلمون اسم العرض, والجوهر , ونحو ذلك من المعاني التي عرفوها , وأرادوا العبارة عنها , فلم يكن محصوراً عليهم , إذ كان الغرض فيه الإبانة والإفهام للمعنى بأقرب السماء مشاكلة وأوضحها دلاله عليه , ثم لا يخلو لغائب الاستحسان من أن ينازعنا في اللفظ أو في المعنى , فإذا نازعنا في اللفظ و فاللفظ مسلم به , فليعبر هو بما شاء , على أن ليس للمنازعة في اللفظ وجه , لأن لكل واحد أن يعبر عما عقله الإنسان عن المعنى بالعربية تارة وبالفارسية أخرى , فلا ننكره , وقد يطلق الفقهاء لفظ الاستحسان في كثير من الأشياء ( ). ا هـ
قلت: والكلام في الدين ليس كالكلام في النحو والعروض وغيرها , فقياس كلام الفقهاء على كلام النحويين والعروضيين وغيرهم قياس باطل , وليس للفقهاء أن يحدثوا في الدين ما لم يكن منه , ولا أن يسموا شيئاً غير ما سماه الله ورسوله , والنحاة والعروضيون وغيرهم نقلوا كثيراً من ألفاظ العرب إلى غير ما كانت تدل عليه , فاختلفت ألسنتهم عن لسان العرب الذي نزل القرآن به , وما تدل عليه الألفاظ في كتاب الله تعالى , وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم هو ما كانت تدل عليه بلسان العرب , وليس ما صارت تدل عليه بألسنة النحاة والعروضيين وغيرهم , ولو فسر أحد لفظاً من كتاب الله أو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدل عليه عند النحاة أو غيرهم لكان مخطئاً , فإنما أنزل الله كتابه , وبعث نبيه صلى الله عليه وسلم بلسان العرب , وليس بألسنة النحاة والعروضيين وغيرهم , وقوله : ثم لا يخلو لعائب الاستحسان من أن ينازعنا في اللفظ أو في المعنى فإذا نازعنا في اللفظ , فاللفظ مسلم له , فليعبر هو بما شاء , على أنه ليس للمنازعة في اللفظ وجه , لأن لكل واحدٍ أن يعبر عما عقله من المعنى بما شاء من الألفاظ . ا هـ كل ذلك جدل وتلبيس , ولفظ الاستحسان ليس في كتاب الله تعالى , ولا في حديث رسوله صلى الله عليه وسلم وما سماه الحنفية استحساناً , إن كان ذكر في كتاب الله أو حديث رسوله صلى الله عليه وسلم بغير ذلك الاسم , فليس لهم ولا لغيرهم أن يسميه غير ما سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان , لم يذكر في كتاب الله , ولا حديث رسوله صلى الله عليه وسلم فهو بدعة محدثة , والإنسان قد يعبر بالعربية , والرومية , والفارسية , وغيرها , وليس في ذلك حجة على أنه يجوز لأحد أن يسمى شيئاً في الدين غير ما سماه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولا أن يحدث ألفاظاً يتكلم بها في الدين ليست في كتاب الله ولا حديث رسوله صلى الله عليه وسلم وقوله : وهذا كلام في العبارة لا يقع في مثله مضايقة وقوله : على أنه ليس للمنازعة في اللفظ وجه , لم أجد أحداً قال قبله , أو قال ما يشبهه وأبو بكر الجصاص كان أخذ عن الكرخي , وأبي عبد الله البصري المعتزلي , ولم يصل إلينا كثير من كلامهم , فلا أدري لعل الجصاص كان أول من قال ذلك أو لعله كان أخذه عنهم .
وقال أبو بكر الباقلاني , في كتابه (( التقريب والإرشاد )) : وهذه مناظرة ومشاحة في عبارة وتسمية( ) . اهـ , قالها وهو يتكلم في صيام المسافر أياماً أخر , هل تسمى قضاء , وقال : ولا طائل في النزاع في العبارات , والأسماء والألفاظ , بعد أن بينا أنه استثناء لما ليس من الجنس ( ) . ا هـ قالها في آخر باب الكلام في أقسام الاستثناء وضروبه .
وقال ابن سينا في كتابه (( الإشارات والتنبيهات )) : والقضايا التي فيها ضرورة بشرط غير الذات , فقد تخص باسم المطلقة , وقد تخص باسم الوجودية , كما خصصناها به , وإن كان لا تشاح في الأسماء ( ) . ا هـ , وقال : فإن لم يسم هذا مفعولاً بسبب أن لم يتقدمه عدم , فلا مضايقة في الأسماء بعد ظهور المعنى ( ) . ا هـ
وقال في كتابه (( الشفاء )) قسم الإلهيات : ونحن لا نناقش في هذه الأسماء البتة بعد أن تحصل المعاني متميزة ( ) . ا هـ , وقال في قسم السماع الطبيعي : وأنت غير مجبر على اختيار أي الاستعمالات شئت , فإنه ليس إلا مشاجرة في التسمية فقط ( ) . ا هـ وقال في (( الإشارات والتبيهات )) : فإن اتفق أن لا يوجد للمعنى لفظ مناسب معتاد فليخترع له لفظ من أشد الألفاظ مناسبة , وليدل على ما أريد به ( ) . ا هـ
وقال الغزالي في كتابه (( إحياء علوم الدين )) الباب السابع في النوافل من الصلوات :: فلفظ النافلة والسنة , والمستحب , والتطوع , أردنا الاصطلاح عليه لتعريف هذه المقاصد , ولا حرج على من يغير هذا الاصطلاح , فلا مشاحة في الألفاظ بعد فهم المقاصد ( ) . ا هـ
قلت: وتلك الألفاظ : النافلة , والسنة , والمستحب , والتطوع , هي في كتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وما تدل عليه تلك الألفاظ في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بين , وليس لأحد من الناس أن ينقل شيئاً من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى غير ما كان يدل عليه , ومن نقل شيئاً من كلام الله ورسوله , إلى غير ما كان يدل عليه , فهو محدث في الدين ما لم يكن منه , ومغير لكلام الله ورسوله , ومخالف للسان العرب الذي نزل القرآن به , فكيف يقال : إن ذلك اصطلاح , ولا حرج على من يغير ذلك الاصطلاح , ولو كان كذلك لصار كل من شاء من الناس , ينقل ما شاء من ألفاظ القرآن والحديث إلى غير ما كانت تدل عليه , وليس بتلك الألفاظ على الناس , ويدعوهم بها إلى غير ما كانت عليه , ويلبس بتلك الألفاظ على الناس , ويدعوهم بها إلى غير ما دعاهم إليه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وكذلك فعل المعتزلة والصوفية وغيرهم ممن نقل ألفاظ القرآن والحديث إلى غير ما كانت تدل عليه , وسمى ذلك اصطلاحاً , وزعم أنه لا مشاحة فيه , وتلك الكلمة : لا مشاحة في الاصطلاح , أكثر منها الغزالي في كتبه , وذكرها لألفاظ مختلفة : لا مشاحة في الألقاب , والاصطلاحات , والأسامي , والأسماء , والألفاظ , ولا منازعة ولا حرج , ولا ريب أخذها الغزالي من كلام الجويني , وابن سينا , والباقلاني , والجصاص , وأصحابهم.
وقال القرافي في (( نفائس الأصول )) : وقد أجمع قوم من الفقهاء الجهال على ذمه – يعني أصول الفقه – وتحقيره في نفوس الطلبة , ثم قال رداً عليهم : غاية ما في الباب أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لم يكونوا يتخاطبون بهذه الاصطلاحات , أما المعاني فكانت عندهم قطعاً ومن مناقب الشافعي رضي الله عنه انه أول من صنف في أصول الفقه ( ) . ا هـ
وقوله : أما المعاني فكانت عندهم – يعني الصحابة رضي الله عنهم – قطعاً , خطأ , وكثير مما ملأ الأصوليون به كتبهم من الجدل والكلام لم يكن عند اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء , ولا خطر بقلوبهم , وما كان عندهم فقد بينوه وبلغوه من بعدهم , وبلسانهم نزل القرآن , فلم تترك ألفاظهم , ويؤخذ بألفاظ أحدثها المتكلمون بعدهم , والشافعي رحمه الله لم يسم رسالته (( أصول الفقه )) , ولا كان ذلك الاسم عرف بعد في زمانه , ورسالة الشافعي لا تشبه ما أحدثه بعده المتكلمون من المعتزلة , وسموه أصول الفقه , ولا لسان الشافعي يشبه لسانهم , وأكثر ما أحدثه أولئك المعتزلة من الألفاظ , وابتدعوه من الأسماء لم يتكلم به الشافعي ولا أحد غيره قبلهم .

يقول شيخ الإسلام: ((وَلِهَذَا كَرِهَ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ - كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ - أَنْ تُرَدَّ الْبِدْعَةُ بِالْبِدْعَةِ فَكَانَ أَحْمَد فِي مُنَاظَرَتِهِ للجهمية لَمَّا نَاظَرُوهُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَأَلْزَمَهُ " أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بُرْغُوثٌ " أَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جِسْمًا وَهَذَا مُنْتَفٍ ؛ فَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحْمَد : لَا عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ وَلَا عَلَى إثْبَاتِهِ ؛ بَلْ قَالَ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } { اللَّهُ الصَّمَدُ } { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } . وَنَبَّهَ أَحْمَد عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُدْرَى مَا يُرِيدُونَ بِهِ . وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ لَمْ يُوَافِقْهُ ؛ لَا عَلَى إثْبَاتِهِ وَلَا عَلَى نَفْيِهِ . فَإِنْ ذَكَرَ مَعْنًى أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَثْبَتْنَاهُ وَإِنْ ذَكَرَ مَعْنًى نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ نَفَيْنَاهُ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ وَلَمْ نَحْتَجْ إلَى أَلْفَاظٍ مُبْتَدَعَةٍ فِي الشَّرْعِ مُحَرَّفَةٍ فِي اللُّغَةِ وَمَعَانِيهَا مُتَنَاقِضَةٌ فِي الْعَقْلِ ؛ فَيَفْسُدُ الشَّرْعُ وَاللُّغَةُ وَالْعَقْلُ ؛ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ الْمُخَالِفِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَفْظُ " الْجَبْرِ " كَرِهَ السَّلَفُ أَنْ يُقَالَ جَبَرَ وَأَنْ يُقَالَ : مَا جَبَرَ ؛ فَرَوَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ " السُّنَّةِ " عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الفزاري - الْإِمَامِ - قَالَ : قَالَ الأوزاعي : أَتَانِي رَجُلَانِ فَسَأَلَانِي عَنْ الْقَدَرِ فَأَحْبَبْت أَنْ آتِيَك بِهِمَا تَسْمَعُ كَلَامَهُمَا وَتُجِيبُهُمَا . قُلْت : رَحِمَك اللَّهُ أَنْتَ أَوْلَى بِالْجَوَابِ . قَالَ : فَأَتَانِي الأوزاعي وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ فَقَالَ : تَكَلَّمَا فَقَالَا : قَدِمَ عَلَيْنَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْقَدَرِ فَنَازَعُونَا فِي الْقَدَرِ - وَنَازَعْنَاهُمْ حَتَّى بَلَغَ بِنَا وَبِهِمْ الْجَوَابُ ؛ إلَى أَنْ قُلْنَا : إنَّ اللَّهَ قَدْ جَبَرَنَا عَلَى مَا نَهَانَا عَنْهُ وَحَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا أَمَرَنَا بِهِ وَرَزَقَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا فَقَالَ : أَجِبْهُمَا يَا أَبَا إسْحَاقَ قُلْت رَحِمَك اللَّهُ أَنْتَ أَوْلَى بِالْجَوَابِ فَقَالَ أَجِبْهُمَا ؛ فَكَرِهْت أَنْ أُخَالِفَهُ ؛ فَقُلْت : يَا هَؤُلَاءِ إنَّ الَّذِينَ آتَوْكُمْ بِمَا أَتَوْكُمْ بِهِ قَدْ ابْتَدَعُوا بِدْعَةً وَأَحْدَثُوا حَدَثًا وَإِنِّي أَرَاكُمْ قَدْ خَرَجْتُمْ مِنْ الْبِدْعَةِ إلَى مِثْلِ مَا خَرَجُوا إلَيْهِ ؛ فَقَالَ أَجَبْت وَأَحْسَنْت يَا أَبَا إسْحَاقَ . وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ : سَأَلْت الزُّبَيْدِيَّ والأوزاعي عَنْ الْجَبْرِ ؛ فَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ : أَمْرُ اللَّهِ أَعْظَمُ وَقُدْرَتُهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُجْبِرَ أَوْ يُعْضِلَ وَلَكِنْ يَقْضِي وَيُقَدِّرُ وَيَخْلُقُ وَيَجْبُلُ عَبْدَهُ عَلَى مَا أَحَبَّ . وَقَالَ الأوزاعي : مَا أَعْرِفُ لِلْجَبْرِ أَصْلًا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ؛ فَأَهَابُ أَنْ أَقُولَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ وَالْقَدَرَ وَالْخَلْقَ وَالْجَبْلَ فَهَذَا يُعْرَفُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا وُضِعَتْ هَذَا مَخَافَةَ أَنْ يَرْتَابَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَمَاعَةِ وَالتَّصْدِيقِ . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ المروذي قَالَ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : تَقُولُ إنَّ اللَّهَ أَجْبَرَ الْعِبَادَ ؟ فَقَالَ : هَكَذَا لَا تَقُولُ وَأَنْكَرَ هَذَا وَقَالَ : يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ . وَقَالَ المروذي : كُتِبَ إلَى عَبْدِ الْوَهَّابِ فِي أَمْرِ حُسَيْنِ بْنِ خَلَفٍ العكبري وَقَالَ : إنَّهُ تَنَزَّهَ عَنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ . فَقَالَ رَجُلٌ قَدَرِيٌّ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يُجْبِرْ الْعِبَادَ عَلَى الْمَعَاصِي ؛ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَحْمَد بْنُ رَجَاءٍ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ جَبَرَ الْعِبَادَ - أَرَادَ بِذَلِكَ إثْبَاتَ الْقَدَرِ - فَوَضَعَ أَحْمَد بْنُ عَلِيٍّ كِتَابًا يُحْتَجُّ فِيهِ . فَأَدْخَلْته عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْبَرْته بِالْقِصَّةِ قَالَ : وَيَضَعُ كِتَابًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا : عَلَى ابْنِ رَجَاءٍ حِينَ قَالَ : جَبَرَ الْعِبَادَ وَعَلَى الْقَدَرِيِّ الَّذِي قَالَ : لَمْ يَجْبُرْ وَأَنْكَرَ عَلَى أَحْمَد بْنِ عَلِيٍّ وَضْعَهُ الْكِتَابَ وَاحْتِجَاجَهُ وَأَمَرَ بِهِجْرَانِهِ لِوَضْعِهِ الْكِتَابَ . وَقَالَ لِي : يَجِبُ عَلَى ابْنِ رَجَاءٍ أَنْ يَسْتَغْفِرَ رَبَّهُ لَمَّا قَالَ : جَبَرَ الْعِبَادَ . فَقُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : فَمَا الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ؟ فَقَالَ : يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ . قَالَ الْخَلَّالُ : وَأَخْبَرَنَا المروذي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَى الَّذِي قَالَ : لَمْ يَجْبُرْ وَعَلَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ جَبَرَ ؛ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : كُلَّمَا ابْتَدَعَ رَجُلٌ بِدْعَةً اتسعوا فِي جَوَابِهَا . وَقَالَ : يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِمْ بِمُحْدَثَةٍ وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ رَدَّ شَيْئًا مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ إمَامٌ تَقَدَّمَ . قَالَ المروذي : فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ قَدِمَ أَحْمَد بْنُ عَلِيٍّ مِنْ عكبرا وَمَعَهُ نُسْخَةٌ وَكِتَابٌ مِنْ أَهْلِ عكبرا فَأَدْخَلْت أَحْمَد بْنَ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ؛ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْكِتَابُ ادْفَعْهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ حَتَّى يَقْطَعَهُ وَأَنَا أَقُومُ عَلَى مِنْبَرِ عكبرا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ؛ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِي : يَنْبَغِي أَنْ تَقْبَلُوا مِنْهُ وَارْجِعُوا إلَيْهِ . قَالَ المروزي : سَمِعْت بَعْضَ الْمَشْيَخَةِ يَقُولُ : سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ : أَنْكَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ جَبَرَ وَقَالَ : اللَّهُ تَعَالَى جَبَلَ الْعِبَادَ . قَالَ المروذي : أَظُنُّهُ أَرَادَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ . قُلْت هَذِهِ الْأُمُورُ مَبْسُوطَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يُرَاعُونَ لَفْظَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ فِيمَا يُثْبِتُونَهُ وَيَنْفُونَهُ عَنْ اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ فَلَا يَأْتُونَ بِلَفْظِ مُحْدَثٍ مُبْتَدَعٍ فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بَلْ كُلُّ مَعْنًى صَحِيحٍ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْأَلْفَاظُ الْمُبْتَدَعَةُ لَيْسَ لَهَا ضَابِطٌ بَلْ كُلُّ قَوْمٍ يُرِيدُونَ بِهَا مَعْنًى غَيْرَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ أُولَئِكَ كَلَفْظِ الْجِسْمِ وَالْجِهَةِ وَالْحَيِّزِ وَالْجَبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الرَّسُولِ فَإِنَّ مُرَادَهُ بِهَا يُعْلَمُ كَمَا يُعْلَمُ مُرَادُهُ بِسَائِرِ أَلْفَاظِهِ وَلَوْ يَعْلَمُ الرَّجُلُ مُرَادَهُ لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِمَا قَالَهُ مُجْمَلًا . وَلَوْ قُدِّرَ مَعْنًى صَحِيحٌ - وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخْبِرْ بِهِ - لَمْ يَحُلَّ لِأَحَدِ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ بِهِ وَاجِبٌ . وَالْأَقْوَالُ الْمُبْتَدَعَةُ تَضَمَّنَتْ تَكْذِيبَ كَثِيرٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَ مُرَادَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُرَادَ أَصْحَابِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الْمُبْتَدَعَةِ . وَلَمَّا انْتَشَرَ الْكَلَامُ الْمُحْدَثُ وَدَخَلَ فِيهِ مَا يُنَاقِضُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَصَارُوا يُعَارِضُونَ بِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ؛ صَارَ بَيَانُ مُرَادِهِمْ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ لِذَلِكَ مِنْ لُغَةٍ وَعَقْلٍ يُبَيِّنُ لِلْمُؤْمِنِ مَا يَمْنَعُهُ أَنْ يَقَعَ فِي الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالِ أَوْ يَخْلُصَ مِنْهَا - إنْ كَانَ قَدْ وَقَعَ - وَيَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ مَا يُعَارِضُ إيمَانَهُ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ)).

وقال ابن الوزير في كتابه (( إيثار الحق على الخلق )) : فاعلم أن ابتداع المبتدعين من أهل الإسلام راجع إلى هذين الأمرين الباطلين , وهما الزيادة في الدين والنقص منه , ثم يلحق بهما التصرف فيه بالعبارات المبتدعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بأمر ثالث , لأنه من الزيادة في الدين , لكنه يفرد بالكلام وحده لطول القول فيه , وعظم المفسدة المتولدة عنه ( ) .
ثم قال : الأمر الثالث : التصرف في عبارات الكتاب والسنة والرواية بظن الترادف في الألفاظ , واعتقاد الترادف من غير يقين , وقد تفاحش الأمر في ذلك , ونص القرآن على النهي عن التفرق , فوجب تحريم ما أدى إليه , والاختلاف في معاني كتاب الله تعالى , ورواية ما قال الله ورسوله بالمعنى قد أدى إلى الحرام المنصوص , ولم يكن من الإنصاف أن نقول : الحق متعين منحصر في عبارات بعض فرق الإسلام دون بعض غير ما ثبت في إجماع الأمة والعترة ,, فوجب أن يعدل إلى أمر عدلٍ بين الجميع فتترك كل عبارة مبتدعةٍ من عبارات فرق الإسلام كلها)).

فما سماه المتكلمون اصطلاحات ومصطلحات , هي ألفاظ محدثة , وألسنة محدثة مخالفة للسان العرب الذي نزل القرآن به , وتلك الألسنة والألفاظ المحدثة منها ما أحدثته العامة من الناس , ومنها ما أحدثه المتكلمون والصوفية والفقهاء والمحدثون والنحاة والأطباء وغيرهم , وليس الكلام في الدين كالكلام في النحو والطب وغيره , وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة , وكان السلف ينكرون كل لفظةٍ محدثةٍ في الدين , ليست في كتاب الله , ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا تكلم بها أحد يؤخذ عنه العلم قبلهم , وكان المعتزلة والصوفية وغيرهم من المبتدعة هم أول من أحدث تلك الألفاظ في الدين , وأكثر المتكلمون منهم من تلك الألفاظ في المائة الرابعة وبعدها , وسموها اصطلاحات , وزعموا أن لا مشاحة فيها , واتبعهم على ذلك الأشعرية , وطوائف من المتفقهين , وشاعت تلك الكلمة على ألسنتهم , وأحدثوا ألفاظاً كثيرة يتكلمون بها في الدين , ليست في كتاب الله , ولا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تكلم بها احد قبلهم , ونقلوا كثيراً من ألفاظ القرآن والحديث إلى غير ما كانت تدل عليه , وأنكر ابن تيمية وابن القيم كثيراً من تلك الألفاظ المحدثة , ولكنهم تكلموا بكثير منها , وأحدثوا هم ألفاظاً مثلها يجيبون بها المتكلمون , فكان لسانهم يشبه ألسنة المتكلمين في زمانهم ودعا ابن الوزير الصنعاني إلى هجر كل عبارة مبتدعة في الدين من عبارات فرق الإسلام كلها , ولكنه تكلم بتلك العبارات والألفاظ , واعتذر بقوله إنه لم يمنع منها مطلقاً , فحل بذلك ما أبرم , ونقض ما غزل , وأفسد صواب رأيه بضعف عزيمته , فشاعت تلك الألفاظ المحدثة وكثرت في المتأخرين , وصارت ألسنة الفقهاء والمتفقهين على غير ما كانت عليه في كلام الله ورسوله فخفي على أكثر المتفقهين ما كانت تدل عليه تلك الألفاظ في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والتبس عليهم الحق بالباطل , والسنة بالبدعة , وضلوا عن لسان العرب الذي نزل القرآن به , وأكثر اختلاف الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من اختلاف الألسنة ونقل ألفاظ العرب على غير ما كانت تدل عليه , وحفظ لسان العرب الذي نزل القرآن به , والتفريق بينه وبين تلك الألسنة المحدثة هو حفظ الدين كله .الخلاصة:

كل من سمى شيئاً من الدين غير ما سماه الله تعالى ورسوله به-ولو كان المعنى واحداً مترادفاً فمجرد الإحداث بدعة- , أو نقل لفظه من كلام الله ورسوله إلى غير ما تدل عليه،أو اخترع لفظاً فجعل الإيمان به واجب والعدول عنه بدعة، فهو يضل عن الحق , ويلبسه بالباطل , و لا حرج على الناس أن يحدثوا ألفاظاً يتكلمون بها في أمر دنياهم ,أو اصطلاحات علومهم ما لم يغيروا بذلك شيئاً من أمر دينهم،أو يضعوا اللفظ المصطلح عليه في العلم محل اللفظ الشرعي أو يحملوا اللفظ الشرعي على معنى اللفظ الذي اصطلحوا عليه في علومهم، وكذلك ما يدور في مجالس المناظرة ومجاري الردود من استعمال تلك الألفاظ البدعية لبيان ما فيها من باطل وكشف ما قد تتضمنه من الحق الذي لا يجوز التعبير عنه إلا باللفظ الشرعي=جائز لا بأس به مالم يتعدى إلى غيره،وإن كان المشاهد أن استعمال تلك الألفاظ يقود إلى غلبتها على الألسنة وقل من يسلم من هذا..
 
بارك الله فيك أخي فهر واتفق معك في وجوب استعمال ما استعمله الله ورسوله وأن المشاحة ترجع في جزء كبير منها إلى عدم دقة استعمال المصطلح البشري المستحدث
 
قول صواب حق، لمن كان له قلب وألقى السمع وهو الشهيد.

جزاك الله خيرًا، أخانا أبافهر.
 
هناك مقال بعنوان:(التقييد والإيضاح لقولهم: لا مشاحة في الاصطلاح) نُشِر في مجلة الحكمة يصب في هذا الاتجاه .

وهو مرفق بالمشاركة .
 
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد أشرف المرسلين.

لعلي سأبدأ أول مشاركة في الملتقى بملاحظات على كلام الأخ أبي فهر، القصد منها التنبيه على مسائل:

ـ ما يزال للأسف بعض الناس إلى يوم الناس هذا لا يريد أن يفرق بين البدع الواجبة والمحرمة والمندوبة والمكروهة والمباحة، مع أن شواهد انقسام البدعة إلى هذه الأقسام جلي نقي. زد على ذلك أن الشرع لم يتعبدنا باستعمال ألفاظ معينة عند إرادتنا التعبير على معاني جديدة استنبطت بأفكارنا، بل الأمر على خلاف ذلك ما لم يكن في تلك الإلفاظ إيهام معنى باطلا أو شبه ذلك، فلم التضييق بلا موجب؟

ـ تصور أخي وأنت في ملتقى "أهل التفسير" أن تشترط على العلماء والمفكرين عدم التعبير عن معاني القرآن والسنة والنبوية الشريفة إلا بألفاظ القرآن والسنة والنبوية، وأن تنسب إلى البدعة القبيحة كل من أتى بلفظ لم يرد فيهما، فعلى أي تفسير وتفهيم ستحصل؟
فإذا قلت: عليهم أن يستعينوا بلسان العرب، قيل لك: ولم قصرت لسان العرب على ألفاظ معينة؟ أليس لسان العرب مركبا في الأصل من ألفاظ مصطلح عليها بينهم، والشيء الواحد يعبر عنه بألفاظ متعددة عندهم ولا مشاحة في ذلك الاصطلاح بينهم كما أفاد الواقع طالما اتفقت المعاني؟ فهل رأيتهم ينكرون على بعضهم البعض استعمال لفظ مكان لفظ في بيت شعري أو نص نثري، فلم التضييق إذن.

قولك: "أما المعاني فكانت عندهم – يعني الصحابة رضي الله عنهم – قطعاً , خطأ , وكثير مما ملأ الأصوليون به كتبهم من الجدل والكلام لم يكن عند اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منه شيء , ولا خطر بقلوبهم , وما كان عندهم فقد بينوه وبلغوه من بعدهم , وبلسانهم نزل القرآن , فلم تترك ألفاظهم , ويؤخذ بألفاظ أحدثها المتكلمون بعدهم"

إذا كنت تقصد بأن ما ملأ الأصوليون به كتبهم من المصطلحات لم يكن عند الصحابة، فذلك مسلم أصلا، وإن كنت تقصد أنه لم يكن عندهم المعاني التي عبر عنها الأصوليون من بعدُ فما دليلك على ذلك؟ فإنا المعتقد أنهم أعلم الناس بتلك المعاني. أما استعمال عين ألفاظهم فإن سلم أنهم تكلموا على كل المعاني فهل نحن متعبدون شرعا باستعمالها؟؟ ما الدليل على ذلك؟؟ وما الدليل على أن من استعمل غير الفاظهم قد ابتدع بدعة قبيحة في الدين؟؟

قولك: وكان السلف ينكرون كل لفظةٍ محدثةٍ في الدين , ليست في كتاب الله , ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا تكلم بها أحد يؤخذ عنه العلم قبلهم.

ما الدليل على ذلك؟؟ وهل إنكارهم كان منصبا على المعاني المحدثة والألفاظ التي تتبعها للتعبير عنها، أم كان على مجرد الألفاظ المحدثة؟؟ والسلف نوع تحته أشخاص، فهل استقرأت جميع كلامهم وخبرته حتى تتكلم باسمهم جميعا، ما الدليل على ذلك.

ـ أكثر العلماء يعترفون بأن تقعيدهم لقواعد جميع العلوم الآلية اللغوية وغيرها إنما هو لضعف اللسان العربي بين المسلمين بعد القرون الخيرة، وأن السلف الصالح كانوا في غنى عنها لقرب عهدهم بالنبوة، فهم أوجدوا حلّا وقرروا المعاني واتفقوا عليها واصطلحوا عليها بألفاظ دالة عليها، واجتهدوا رحمهم الله تعالى حتى صنفوا آلاف المصنفات، واعتمدوا عليها في إعراب القرآن وتفسير معانيه وبيان وجوهها، فهذا جهدهم رحمهم الله تعالى، وهم لا يحصون كثرة من أهل العلم والفضل والصلاح والفقه والزهد، فما الذي تقترحه أنت كبديل لكل تلك الجهود الجبارة؟؟؟ إن كان مجرد شطب جهودهم المتتابعة طيلة قرون ـ وهم من هم ـ بمشاركة كالتي كتبتها ومجرد الدعوة إلى نبذ كل مصطلحاتهم والرجوع "إلى اللسان العربي"، فالأجدر بك أن تراجع كلامك.


ـ في مقالك استعملت كلمة: "لفظ الله"، فهل ورد هذا التركيب في الكتاب أو السنة؟؟ أم لا مشاحة في الاصطلاح؟؟ هذا إذا لم تنازع في نسبة اللفظ إلى الله تعالى.

قولك: وليس لأحد من الناس أن ينقل شيئاً من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى غير ما كان يدل عليه , ومن نقل شيئاً من كلام الله ورسوله , إلى غير ما كان يدل عليه , فهو محدث في الدين ما لم يكن منه.

أنت تقرر قواعد غريبة أخي الكريم، مبنية في بعض الأحيان على الخلط بين المعاني والألفاظ الدالة عليها، فمن من علماء المسلمين اقترح تغيير لفظ ورد في الكتاب أو السنة بلفظ آخر؟؟ لا أحد. لكن عند إرادتهم بيان معاني مدلولات كلام الله تعالى أو رسوله، فلا مفر من استعمال ألفاظ أجنبية عن كلامهما وهي من كلام العرب، والعرب غير محصورين في افراد معينين، فهل إذا فسر العلماء كلام الله تعالى أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم بألفاظ عربية دالة على معاني صحيحة قد أحدثوا شيئا قبيحا في الدين؟؟ هم لا يقولون: استبدلوا معاني كلام الله تعالى ورسوله بمعاني كلامنا، حاشاهم.

الكلام على مقالك قد يطول لخطورته، ويكفي ما أشرنا إليه، والمقال عبارة عن دعوة لهجر العلوم وهدم قرون من التحقيق والبحث والاستنباط والعلم، مقابل لا شيء..

والأعجب من ذلك أن الكلمة التي بنيت عليها مقالك مبتورة، فالعلماء يقولون: لا مشاحة في الاصطلاح إذا فهمت المعاني، وبإهمالك الشطر الثاني من كلامهم التبست الأمور عندك، فالخلاف أخي الكريم إنما هو في المعاني، لا في الألفاظ التي يعبر بها عنها ما لم توهم معنى باطلا شرعا، ولم يدع أحد من العلماء إلى نبذ ألفاظ الكتاب والسنة كما ذكرت لك آنفا، ولم يحجر عليهم الشرع التوسع في استنباط المعاني الصحيحة والتعبير عنها بألفاظ جديدة، فلم التضييق، ولم هذا التشريع الجديد. هل فات أهل الفضل والعلم والفقه والدين أن ما يقومون به بدعة محرمة في الدين فتواطئوا على عصيان الله تعالى.؟؟؟
 
الشيخ مساعد...شرفني مروركم...

========

الأخ الفاضل نزار...

بين ما فهمتَه من مقالي وبين ما أردتُه أنا منه =مفاوز تنقطع دونها أعناق المطي...

وأنا أقترحُ عليك أن تُلخص ما فهمتَه أنت من مقالي في نقاط مختصرة لنرى مدى فقهك لكلامي ولأوقفك على مواطن الخلل في فهمك..

والأشياء التي عقلت أنت مرادي منها وفهمتُه أنكرت~َها غير مصيب في إنكارك ..ولم تُقم الحجة على الإنكار إلا بمجرد الدعوة والاستبشاع..
 
ـ ما يزال للأسف بعض الناس إلى يوم الناس هذا لا يريد أن يفرق بين البدع الواجبة والمحرمة والمندوبة والمكروهة والمباحة، مع أن شواهد انقسام البدعة إلى هذه الأقسام جلي نقي.

وهذا المقطع من كلامك يدل على البون المنهجي الشاسع بيني وبينك،ويدل كذلك على الفرق بين الخلفية العقدية التي تحركك والتي تحركني ...

فمحاولة التقاءنا الحوار أظنها ستكون عسيرة جداً ..ولن نجني من وراءها سوى اللجج لا غير...

أما أخطاءك في فهم مرادي فهي هينة إلى أخطاءك في فهم كلام الله ورسوله ..وردك علي بمجرد الدعوى هين إلى دعواك في معنى البدعة...وما دمنا لن نصل إلى شئ في الثانية-وليس هاهنا موضع النقاش فيها- فلا أظننا سنصل إلى شئ في الأولى..

هدانا الله وإياك إلى الحق بإذنه..
 
بمناسبة ما دار في حلقة الإعجاز اليوم وأترك وجه الدلالة للقراء..
 
الفاضل أبا فهر

عجيب أمرك تكتب أحيانا ما لايفهم وإذا طلب منك التوضيح تطالب المستوضح بأن يكتب لك أو يلخص ما فهمه من كلامك.

ما كتبته أنت لا يعدو أن يكون كلاماً نظرياً ليس فيه شيء من التأصيل الذي يمكن أن يخرج منه القارىء بنتيجة.

وقد سألك الأخ نزار هل قولك: "لفظ الله" مثال على ما ترمي إليه من خلال مقالك؟ ولكنك تجاهلت المسألة ومضيت.

ثم أذكرك أن الكثير هنا يتعلمون وأنا أحدهم.
 
قرأت الخلاصة التي كتب الأخ أبا فهر ، وهي واضحة .
أما مسألة البدعة الحسنة والسيئة فهذا أمر آخر والبدعة في الدين لا تكون حسنة ، وخاصة إذا كانت في الألفاظ ، فما الداعي لها ؟
ألا يكفي اللفظ الشرعي عن غيره ؟
وإذا لم يرد لفظ شرعي في المسألة فما الداعي إلى استحداثه ؟
ألم يكن الدين مفهوما قبل مصطلحات المتكلمين ، ومن نحا نحوهم من الصوفية وغيرهم؟
 
استفسار:

ما ضابط الأمور الدينية عندك؟

مثلاً..
شهادة "لا إله إلا الله" أعلى شعب الدين.
فهل يجوز لي أن أسميها جملة اسمية مثلا؟
فإن جاز .. فما الفرق بين تسمتي "إماطة الأذى عن الطريق" وهي أدنى شعب الدين مندوبًا وسنة ؟
 
مثلاً..
شهادة "لا إله إلا الله" أعلى شعب الدين.
فهل يجوز لي أن أسميها جملة اسمية مثلا؟

بارك الله فيك..

أنت حين تسميها بهذا لا تنظر إليها من حيث إنها أعظم شعب الدين وإنما من حيث إنها كلام من الكلام،وهي جملة اسمية،وهبل إله جملة اسمية،ولو كان المعنى الديني يؤثر هاهنا = لافترقا ..
 
وجبت إذن المشاحة في قولك :
اللسان الأول
ما وجه أوليته ؟ وما دليل هذه الأولية ؟ ؟ ..
أليس هذا ابتداعاً اصطلاحياً ؟..
ألم يكن علم الأسماء كلها من لدن آدم ، أولم يمتن الله على عباده أن لهم ألسنة مختلفة ؟..
ألست تحجر واسعاً في نظريتك الغريبة هذه رغم وضوح المعاني مع اختلاف الأسماء ؟..
 
بارك الله فيك..

اللسان الأول هو لسان العرب قرن النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل به الوحي قبل دخول الألسنة المولدة بعد المائة الهجرية الأولى..

هذا هو اللسان الأول وهذا هو وجه أوليته وهذا هو دليلها،وكل ذلك لا خلاف فيه بين علماء الدلالة..

ولا علاقة لهذا بآدم عليه السلام ولا بأسمائه..

ونعم للعباد ألسنة مختلفة،ولكن الله أوحى إلينا بلسان واحد..

دمتَ موفقاً..
 
لا دليل على صحة هذه التسمية أو التوصيف : (الأول).. وذكرك لها لا يعد دليلاً
وقولك : ..
هذا هو اللسان الأول وهذا هو وجه أوليته وهذا هو دليلها، وكل ذلك لا خلاف فيه بين علماء الدلالة
لا يغني شيئاً ، وأحسب أن كل أبناء آدم عربيهم وعجميهم من كل ذي لسان سيخالفونك .. بله علماء الدلالة .. (تعني علماء الـ ؟)..
جعل الأولية من ذلك القرن توهم أن القرون السابقة كانت في أحوال غير معلومة من البكم المزمن ..
ولا ألزم كلامك ما لا يلزم .. وإلا فلو نظرنا في لازمه لاستلزم لوازم منكرة عن أصل الإنسان الأول ... !!
لقد خاطب الله الأمم بألسنتها .. منذ آدم إلى آخرها ..
من الذي قال إن اللسان بدأ منذ القرن الذي ذكرت .
ألا ترى أنك غيرت في ألفاظ الكتاب والسنة وابتدعت وحرفت بما لا قائل به ولا دليل عليه ؟.
وفقك الله تعالى
محبك
 
سؤال و سؤال

سؤال و سؤال

جنايات على العلم والمنهج (9) العدول عن اللسان الأول بدعوى: لا مشاحة في الاصطلاح


...
قال أبو بكر الجصاص المعتزلي في (( أصوله )) :

سلام الله عليكم
لو زدت الأمر توضيحاً و توثيقاً في نسبة الإمام أبي بكر الجصاص إلى الاعتزال ؟
أم اختلط الأمر عليّ ؟
هذا من ناحية

و من ناحية أخرى :
أَهُوَ هُوَ ؟ :
http://alrbanyon.yoo7.com/montada-f35/topic-t3907.htm
 
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

بارك الله فيك..

1- الأخ صاحب المقال الذي في الرابط نقل موضوعي وقد أشار إلى ذلك في خاتمته..
2- بالنسبة للجصاص فاختصاراً : هو تلميذ وصاحب أبي الحسن الكرخي،وأبو الحسن كان صاحباً لمعتزلة بغداد يجلس إليهم في فنهم ويجلسون إليه في فنه،ولذلك إشارة في طبقات المعتزلة لعبد الجبار،وأصول الجصاص مبنية على رسائل عيسى بن أبان المعتزلي،والجصاص ينفي الرؤية واليد على طريقة المعتزلة،والقول بنسبته للاعتزال قديم أشار إلى أنه قد قيل الذهبي في ترجمة الجصاص من ((السير)).
 
هل يُعتمد في نسبته إلى الاعتزال على مِثل القول بأنه كان صاحباً لمن كان يصاحب بعض المعتزلة ؟!
و مَن ترجموا له لم يكونوا يأخذون الناس بالشُبهات - هكذا - في الكتابة عنهم و التعريف بهم !
فالمعروف عنه أنه انتهت إليه رياسة الحنفية ببغداد .
و هذه ترجمته من كتب الحنفية :
( أحمد بن علي أبو بكر الرازي المعروف بالجصاص ولد سنة خمس وثلاثمائة وسكن بغداد وانتهت إليه رياسة الحنفية وسئل العمل فالقضاء فامتنع تفقه على أبي الحسن الكرخي وتخرج به وكان على طريقة من الزهد والورع وخرج إلى نيسابور ثم عاد وتفقه عليه جماعة وروى عن عبد الباقي بن قانع وله كتاب أحكام القرآن وشرح مختصر الكرخي وشرح مختصر الطحاوي وشرح الجامع لمحمد بن الحسن وشرح الأسماء الحسني وله كتاب في أصول الفقه وكتاب جوابات مسائل توفى يوم الأحد سابع ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة ببغداد وقد وهم من جعل الجصاص غير أبي بكر الرازي بل هما واحد ) . انتهى
من كتاب : تاج التراجم في طبقات الحنفية ، لابن قطلوبغا
و هو مختصر من :
الجواهر المضية في طبقات الحنفية ، لأبي محمد بن أبي الوفاء القرشي [ ت 775 هـ ]
* * *

- و ليتلك تنقل لنا كلام الذهبي و إشارته بنسبته إلى " الاعتزال " .
 
بارك الله فيك..

لم نذكر حجة واحدة وإنما الرأي الذي ذكرناه مركب من الحجج الأربع فأمسكت واحدة ظننتها أضعفها فأمسكتها بخطأ وأعرضت عن الباقي كأن لم نبن على غيرها..

أما التي أمسكتها بخطأ فهي قولك : ((بأنه كان صاحباً لمن كان يصاحب بعض المعتزلة ؟!))

والصواب في إمساكها أن تقول : ((كان يصاحب معتزلياً يأخذ الاعتزال عن شيوخ المعتزلة))..

وعبارة الذهبي : ((وَقِيْلَ:كَانَ يمِيلُ إِلَى الاِعتزَالِ، وَفِي توَالِيفِهِ مَا يَدلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي رُؤْيَةِ اللهِ وَغيْرِهَا، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمةَ)).
وانتهاء رياسة حنفية بغداد له ليست شيئاً فبغداد كانت موطن الأحناف والمعتزلة جميعاً وأكثر المعتزلة في تلك الطبقة كانوا أحنافاً..
 
من الجنايات على العلم و المنهج : الحُكم على معتقد الأئمة ؛ بمثل:( و قد قيل إنه كان يميل )

من الجنايات على العلم و المنهج : الحُكم على معتقد الأئمة ؛ بمثل:( و قد قيل إنه كان يميل )

سلام الله عليكم

أَلا ترى أخي أنه من الجنايات على العلم و المنهج أن نحكم على معتقد الأئمة - كالجصاص - بمثل تلك النقول : ( و قد قيل ... ) ، ( إنه يميل ... ) ؟!
و كذا ما قيل عن كلامه في ( الرؤية ) . و هل كل من تكلم فيها بمثل ما قيل في الإمام الرازي الجصاص يكون من المعتزلة ؟!

و أمّا قولك إنه كان يجلس إليهم في فَنّهم ، فعلى تقدير صحته ، فلا يَدُّل على أنه كان معتزلياً مثلهم ؛ بدلالة قولك إنهم كانوا يجلسون إليه في فنه ؛ فَدّلَّ ذلك على مغايرته لهم .
و لم يثبت أنه كان يجلس إليهم في فنهم ( الاعتزال ) ،
و إنما الثابت من تراجمه أنه كان يجلس إلى بعضهم كأبي الحسن الكرخي ليأخذ عنه الفقه لا الاعتزال ، و هو ما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمته له ؛ قال : ( ودرس الفقه على أبى الحسن الكرخي ) ، و كذا قال الذهبي في " السَّيَّر " : ( تفَقَّه بأبي الحسن الكرخي ) .
* و هذه ترجمته في " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي ؛ قال :
( أحمد بن على أبو بكر الرازي ، الفقيه إمام أصحاب الرأى في وقته ، كان مشهورا بالزهد والورع ، ورد بغداد في شبيبته ، ودرس الفقه على أبى الحسن الكرخي ، ولم يزل حتى انتهت إليه الرياسة ورحل إليه المتفقهة ، وخوطب في أن يلي قضاء القضاة فامتنع وأُعيد عليه الخطاب فلم يفعل ، وله تصانيف كثيرة مشهورة ضمنها أحاديث رواها عن أبى العباس الأصم النيسابوري وعبد الله بن جعفر بن فارس الأصبهاني وعبد الباقي بن قانع القاضي وسليمان بن احمد الطبراني وغيرهم ، حدثني القاضي أبو عبد الله الصيمرى قال حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن احمد الطبري حدثني أبو بكر الأبهري قال : خطبنى المطيع على قضاء القضاة وكان السفير في ذلك أبو الحسن بن أبى عمرو السوائي فأبيت عليه ، واشرت بأبي بكر أحمد بن على الرازي فأحضر الخطاب على ذلك ، وسألنى أبو الحسن بن أبى عمرو معونته عليه فخوطب فامتنع ، وخلوت به فقال لي : تشير على بذلك ؟ فقلت ك لا أرى لك ذلك . ثم قمنا إلى بين يدي أبى الحسن بن أبى عمرو وأعاد خطابه وعدت إلى معونته ، فقال لي : أليس قد شاورتك ، فأشرت عليَّ أن لا أفعل ؟ فوجم أبو الحسن بن أبى عمرو من ذلك ، وقال : يشير علينا بإنسان ثم يشير عليه أن لا يفعل ! قلت : نعم . أما في ذلك أسوة بمالك بن أنس أشار على أهل المدينة أن يقدموا نافعاً القارئ في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأشار على نافع أن لا يفعل . فقيل له في ذلك ؛ فقال : أشرت عليكم بنافع لأني لا أعرف مثله ن وأشرت عليه أن لا يفعل لأنه يحصل له أعداء وحساد ؛ فكذلك أنا أشرت عليكم به لأني لا أعرف مثله ، و أشرتُ عليه أن لا يفعل لأنه اسلم لدينه ، وحدثني الصيمرى أيضا ، قال : حدثني أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي أن مولد أبى بكر أحمد بن على كان في سنة خمس وثلاثمائة ، وأنه دخل بغداد سنة خمس وعشرين ، ودرس على أبى الحسن الكرخي ، قال الصيمرى : وتوفى أبو بكر الرازي في ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة ، وصلى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي ، حدثني هلال بن المحسن قال تك وفى أبو بكر الرازي الفقيه في يوم الأحد السابع من ذي الحجة سنة سبعين وثلاثمائة عن خمس وستين سنة ، وصلى عليه أبو بكر الخوارزمي صاحبه ) . انتهى
هذا ما ذكره الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام أبي بكر الرازي الجصاص ، و لم يذكر فيها شيئاً عن دعوى الاعتزال ، و هو من أهل بلده التي استقرَّ بها ( بغداد ) ، و هو أقرب إليه عهداً ممن أتى بعده بقرون ؛ فالجصاص توفي سنه 370 هـ ، و أبو بكر الخطيب توفي سنة 463 هـ ، و توفي الذهبي سنة 748 هـ .
* و بأي حال ، فلا يَصِح القول : ( الجَصّاص المعتزليّ ) ؛ بناءً على أقاويل ، من مثل : ( و قد قيل : إنه كان يميل ... ) .
و هذا من باب أمانة العلم ، و أصول المنهج .
 
بارك الله فيك ليست مجرد أقاويل..

بل رأي صاحبته القرائن وسانده الدليل..

فالفقه فقه أبي الحسن الكرخي المعتزلي والرجل معظم له لم يزور عنه ولم يتبرأ من اعتزاله ولا في موضع..

ثم الجصاص الذي لم يأخذ الاعتزال-كما تظن-يتكلم بكلام المعتزلة في الرؤية الذي لم يقل به في زمان الجصاص سوى المعتزلة..
ثم الجصاص الذي لم يأخذ الاعتزال -كما تظن-ينثر رسائل عيسى بن أبان المعتزلي في كتابه الفصول..
ثم الجصاص الذي لم يأخذ الاعتزال-كما تظن-يُرمى بالاعتزال ومن قبل مؤرخين وليس من قبل عامة أو دهماء..
ثم يرى الذهبي صحة ذلك بمثل الحجة التي رأينا نحن صحتها به..

فلم أر دكتورنا الفاضل إلا أن الحجة معي والدعوى المجردة معكم والتي لا يعضدها سوى براءة الذمة،وبراء الذمة ترفع بنصف الحجج التي سقتها....

دمتَ موفقاً يا مولانا..
 
عودة
أعلى