محمد أحمد صبرة
New member
بسم1
رابط تحميل كتاب " تنزيه القرآن عن التهم والشبهات "
وهو ردود على أباطيل قيلت في آيات بكتاب الله
وهذه الآيات قسمت لمجموعات أو فصول منها تهم لآيات فهمت خطأ في الله وذاته وصفاته ، وفصل في الرد على فهوم خاطئة لآيات في وصف الأنبياء وآيات في خاتم النبيين ، وآيات في المسيح والمسيحية ، وآيات قيل عنها متناقضة ، وآيات فهمت خطأ علميا وتاريخيا ووو ... أرجو الله أن يتقبله بكرمه وأرجو أن يكون فيه الفائدة المرجوة .
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=131&book=14798
أو من هنا : http://www.mediafire.com/file/3btdnlbih93ipzv/تنــــزيه+القـــرآن+عن+التـــهم+والشــبهات.pdf
وإليكم جزء من مقدمة الكتاب
الأساليب والمسالك الأربعة التي يتبعونها في إثارة الأباطيل عن القرآن [1]
1- الكذب في اختراع التهمة : وهو مسلك درج في ظلماته مثيرو الشبهات والأباطيل حول القرآن الكريم حين أعيتهم الحيل أن يجدوا في القرآن مطعنا ، فلما علموا أن الكذب بضاعة ينطلي باطلها على الكثيرين من الدهماء والعامة الذين لن يتيسر لهم اكتشاف هذه الأكاذيب؛ أشرعوا فيه سفنهم، فما زالوا يكذبون، حتى إخالهم لكثرته صدقوا أنفسهم فيما يدعون.
وصور كذبهم كثيرة، أكتفي بالتمثيل لها مبتدئا بما قاله وهيب خليل في سياق حديثه عن معجزات المسيح المذكورة في القرآن: "وإن كان بعض المفسرين يحاولون أن يقللوا من شأن السيد المسيح في المقدرة قائلين : إنه يصنع هذا بأمر الله، فنجد أن الإسلام يشهد أن هذه المقدرة هي لله فقط" [2]. ومن المعلوم عند كل مسلم أو غيره مطلع على القرآن الكريم أن الذي أحال معجزات المسيح إلى قدرة الله وإذنه هو القرآن الكريم، وليس مفسروه {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني} (المائدة: 110).
ومن الكذب زعم مؤلفي كتاب شهير؛ اختص بإثارة الأكاذيب على القرآن "التعليقات على القرآن" أن حفاظ القرآن الأربعة ماتوا قبل جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: "أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد .. فإن هؤلاء الأربعة ماتوا قبل جمع القرآن .. ولما رأى أبو بكر هذا الحال جزع من ضياع القرآن" [3].
وقولهم هذا كذب صراح ولا ريب، لأن هؤلاء الأربعة أدركوا جميعا عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، أي أدركوا جمع أبي بكر فأبو الدرداء ولي قضاء دمشق في عهد عمر ، ومات قبل موت عثمان بسنتين. ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر في طاعون عمواس سنة 17هـ.وأما ثالثهم زيد بن ثابت فهو من جمع القرآن في عهد الصديق ثم عثمان، ومات سنة 45 هـ، أي في زمن معاوية رضي الله عن الجميع.ورابعهم أبو زيد سعد بن عبيد الأنصاري ،وقد قتل يوم القادسية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب .
ومن صور الكذب أيضا طعن القس العربي الفلسطيني أنيس شروش في عربية القرآن أمام جمهور من الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، بقوله: "لكن محمدا استعمل كثيرا من الكلمات والجمل الأجنبية في القرآن ... في كتاب ادعى أن الله أوحاه بالعربية [4]، ومن المؤكد أن القارئ العربي يعرف أنه لا يوجد في القرآن جملة واحدة غير عربية، فقد نزل بلسان عربي مبين، لكن الدكتور شروش يهذي بهذا أمام أعاجم، ولا يستحي من الكذب عليهم. ولما أراد القبطي الأرثوذكسي ثروت سعيد تزكية المسيحيين واعتبارهم مؤمنين بشهادة القرآن الكريم قال في كتابه "حقيقة التجسد"، الذي قدمه وراجعه له كل من الأنبا الكاثوليكي يؤانس زكريا والقس البرتستنتي الدكتور منيس عبد النور: "إذا كان اعتقاد القرآن بشرك النصارى؛ فلماذا يصرح في آياته بحلال الزواج من أهل الكتاب .. كما أن نبي الإسلام تزوج من اليهوديات والمسيحيات، وهن: مريم القبطية، وأنجب منها إبراهيم (المسيحية)، وريحانة بنت شمعون النضيرية (اليهودية)، وصفية بنت حيي بن أخطب القريظية (اليهودية)، وجويرية بنت الحارث المصطلقية (اليهودية) [5]
وقوله بزواج النبي r من يهوديات ومسيحية كذب صراح، فإنما تزوجهن رسول الله r بعد دخولهن في الإسلام . ويكفي في بيانه أن ننقل بعضا من الحوار الذي جرى بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفية حين أراد الزواج بها، فقد قال لها: «اختاري، فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك». فقالت صفية: يا رسول الله، لقد هويت الإسلام، وصدقت بك قبل أن تدعوني حيث صرت إلى رحلك، وما لي في اليهودية أرب، وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام، فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي [6]. فتزوجها رسول الله وهي مسلمة.
وأما ريحانة فتكذب دعوى المبطلين، وتذكر أن رسول الله تزوجها بعد أن أسلمت، وتقول: إني أختار الله ورسوله، فلما أسلمت أعتقني رسول الله وتزوجني، وأصدقني اثنتي عشرة أوقية . [7] ويواصل ثروت سعيد الكذب فيزعم أن قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} (مريم: 71) ينبئ بدخول النار والإحراق فيها لكل بني آدم، وينقل عن "جلال الدين يفسر كلمة {واردها} بالدخول والاحتراق" [8]، وقد كذب في نسبة الإحراق إلى السيوطي، فهو غير موجود في شيء من كتبه.
ثم يمضي المبطل فيستشهد لكذبه وباطله بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الورود الدخول، ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها»، والحديث الذي يستشهد به ضعيف لا يصح نسبته إلى النبي r وهو أمر قد يجهله فيعفى عنه في ذلك، لكن شيئا لن يبرر نقله من الحديث ما يروق له، وإعراضه عن تمامه، لمناقضته قوله ودحضه كذبه، فالحديث بتمامه: «الورود الدخول، ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار - أو قال: لجهنم - ضجيجا من بردهم {ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا} (مريم: 72)» [9]، فخاتمة الحديث تثبت نجاة المؤمنين من الإحراق، لكن الكذب والتدليس حيلة من لا حيلة عنده.
ب. تحريف معاني النصوص وتفسيرها بمعان مشكلة:
يلجأ الطاعنون في القرآن إلى تحريف ألفاظ النصوص الإسلامية وتفسيرها بمعان مشكلة لا يوافق عليها عالم من علماء المسلمين، ومن ذلك قول البابا شنودة: "ولم يقتصر القرآن على الأمر بحسن مجادلة أهل الكتاب، بل أكثر من هذا، وضع القرآن النصارى في مركز الإفتاء في الدين، فقال: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} (يونس: 94)، وقال أيضا: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل: 43) [10]. ومثله في تحريف معاني النص القرآني قول مؤلفي كتاب "تعليقات على القرآن" في تعليقهم على قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام: 38): "ولا شك أن القرآن لا يشتمل على أكثر العلوم من المسائل الأصولية والطبيعية والرياضية والطبية، ولا على الحوادث اليومية، بل ولا على ذات قصص الأنبياء؛ فإذن لا يكون كلامه هذا مطابقا للواقع" [11]، فقد جهلوا أو تجاهلوا أن آية سورة الأنعام لا تتعلق بالقرآن، بل باللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء، قال الطبري: "فالرب الذي لم يضيع حفظ أعمال البهائم والدواب في الأرض، والطير في الهواء، حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أم الكتاب، وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء؛ أحرى أن لا يضيع أعمالكم، ولا يفرط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها". [12]
والآية بمنطوقها واضحة في الدلالة على هذا المعنى الذي ذكره الطبري: {وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام: 38)، ومثلها قول الله: {وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} (هود: 6)، فالكتاب الذي حوى مقادير الخلائق وأرزاقها هو اللوح المحفوظ؛ لا القرآن الكريم.
ثم لو فرضنا أن القرآن هو مقصود قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فإن هذا العموم يفهم منه العقلاء معنى مخصوصا يفهم من السياق، إذ من السخف بل والخبل أن يظن ظان أن النبي r حين قرأ هذه الآية قصد أن القرآن يحوي أسماء رجال قريش أو أطعمة فارس أو أسماء البهائم التي خلقها الله، فهذا لا يخطر ببال عاقل ولو كفر بالقرآن وجحده، لأنه سيحمل العموم في قوله {من شيء} على المعنى المخصوص اللائق به ككتاب ديني، أي ما فرطنا في الكتاب من شيء يصلح حياة الإنسان في دنياه وأخراه، فالقرآن حوى كل ما تحتاجه البشرية مما تختص بذكره النبوات .[13]
ومن صور التحريف للمعاني ما صنعه القس أنيس شروش مع مستمعيه الإنجليز بقوله: "أنتم معشر المسلمين تعتقدون أن المسيح ما زال على قيد الحياة .. لكننا إذا قارنا هذا بما جاء في القرآن؛ فإننا سنجد تناقضا، فإن القرآن يقول: {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (مريم: 33) " قرأها بالعربية صحيحة، ثم ترجمها لمستمعيه: "وسلام علي يوم ولدت، ويوم مت، ويوم أبعث حيا" [14]، فحول الأفعال المضارعة - التي يراد منها المستقبل - إلى أفعال ماضية؛ مستغلا جهل مستمعيه بلغة العرب.
ومن تحريف المعاني زعم القمص زكريا بطرس في برنامجه في قناة الحياة أن في القرآن كلمة يستحي القمص من قولها أمام المشاهدين، وهي كلمة (النكاح) التي يفهمها - عقله الكليل- بمعنى الجماع ( ويأتي جواب هذه الأبطولة في الردود ).
ج. بتر النصوص وإخراجها عن مساقها:
ويعمد مثيرو الأباطيل - وهم يستشهدون بالمصادر الإسلامية - إلى بتر النصوص واجتزائها، فيختارون من النص ما يعجبهم، ويدعون ما لا يوافق هواهم وباطلهم، ومن ذلك ما صنعه القمص زكريا بطرس وهو يستدل لعقيدة التثليث بقوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء: 171)، فقد تعامى عن أول الآية وتمامها؛ لما فيهما من تنديد بالتثليث ووعيد لأهله { ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملآئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} (النساء: 171 - 172).
وهذا البتر للنصوص عادة للقمص زكريا بطرس لا يمل من معاودتها في برامجه الفضائية، فحين أراد الاستدلال على صحة كتابه المقدس زعم أن القرآن لا يقول بالتحريف اللفظي للتوراة والإنجيل، بل يقول بوقوع التحريف المعنوي فقط، واستدل لذلك بما جاء في تفسير البيضاوي بعد اجتزاء كلام البيضاوي وبتره، فيقول القمص: (يقول البيضاوي: " {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} يعني اليهود، {وقد كان فريق منهم} طائفة من أسلافهم {يسمعون كلام الله} يعني التوراة، {ثم يحرفونه} أي تأويله فيفسرونه بما يشتهون")، ثم عقب على كلام البيضاوي بالقول: (مش [لم] يغيروا الألفاظ والكلام). وقد تعمد القمص بتر كلام البيضاوي الذي تحدث عن نوعين من التحريف: أولهما تحريف الألفاظ، والآخر تحريف المعاني الذي ذكره القمص، وعبارة البيضاوي بتمامها: " {ثم يحرفونه} كنعت محمد - صلى الله عليه وسلم -، وآية الرجم. أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون [15]، فحذف من عبارة البيضاوي قوله: "كنعت محمد - صلى الله عليه وسلم - وآية الرجم" لما فيها من إشارة إلى تحريف الألفاظ.
وأعاد القمص هذا الصنيع ثانية، وهو ينقل قول البيضاوي في تفسير قول الله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه}، فنقل عن البيضاوي أنه قال بالتحريف المعنوي دون اللفظي، فقال: (قال البيضاوي: " {يحرفون الكلم} أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها؛ أي يؤولونه على ما يشتهون، فيميلونه عما أنزل الله فيه").
وقد بتر منه ما يخالف مقصده ويفند استدلاله، فعبارة البيضاوي بتمامها: " {يحرفون الكلم} أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها؛ بإزالته عنها وإثبات غيره فيها. أو يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما أنزل الله فيه".[16]
ومن صور البتر والتحريف ما رأيته عند عدد من كتاب النصارى وقسسهم [17]، فقد زعموا أن الرازي كان يستشكل القول بنجاة المسيح من الصلب ووقوع الشبه على غيره، ونقلوا عنه قوله: "بالجملة فكيفما كان، ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات: الإشكال الأول: إنا لو جوزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة .. "، ثم يسوقون كلاما طويلا للرازي ملخصه أن القول بصلب غير المسيح بدلا عنه فيه ست إشكالات، نقل هذه الإشكالات عنه ثروت سعيد، وعقب عليها بالقول: "انتهى للإمام فخر الدين الرازي، ولا تعليق"، وهو يوهم قراءه أن هذه الإشكالات يستشكلها الرازي، فيقول: "ولهذا لم يكن بد لعالم نزيه كالإمام العلامة فخر الدين الرازي أن يفند قصة الشبه تفنيدا محكما". [18]
والحق أن الرازي رحمه الله ذكر الإشكالات الستة التي يستشكلها النصارى وغيرهم على قول القرآن بنجاة المسيح، ثم لما انتهى من سردها شرع في الرد عليها جميعا، فقال: " فهذا جملة ما في الموضع من السؤلات: والجواب عن الأول ... والجواب عن الثاني ... ".
وبعد أن رد عليها واحدا واحدا؛ ختم بنتيجة شافية كافية فقال: "وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه، ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أخبر عنه؛ امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنص القاطع" [19] ،فتعامى ثروت سعيد وغيره من المبطلين عن إتمام قول الرازي، ووقعوا في التدليس المشين حين نسبوا إليه قول النصارى الذي كان يرد عليه.
د. محاكمة القرآن إلى مصادر ومعلومات غير موثوقة:
ويلجأ الطاعنون في القرآن من النصارى في إلقاء شبهاتهم إلى محاكمة القرآن إلى مصادر مرفوضة ومطعون في موثوقيتها كالكتاب المقدس الذي يرى المسلمون والمحققون من أهل الكتاب أنه أسفار تاريخية كتبها مجهولون، ونسبت إلى الأنبياء بلا سند يوثقها، وعليه فهذه الكتب مجروح في شهادتها، ولا اعتداد ولا موثوقية في أخبارها، التي يحاكم الطاعنون القرآن بموجبها، فيعرضونها وكأنها مستندات ووثائق تاريخية متفق على صحتها، ثم يخطئون القرآن حين يخالفها ويناقضها، أما إذا رأوه موافقا لها فإنهم لا يخجلون من الزعم بأنه نقل منها، فلا يسلم منهم القرآن حال الموافقة ولا المخالفة.
ومن ذلك تكذيبهم القرآن حين خالفهم في تسمية والد إبراهيم عليه السلام بـ "آزر" (انظر الأنعام: 74)، وحجتهم أن التوراة سمته "تارح" (انظر التكوين 11/ 27).
وكذلك كذبوا القرآن الكريم حين تحدث عن كفالة زوجة فرعون لموسى (انظر القصص: 9)، لأن التوراة تقول: إن الذي كفله ابنة فرعون (انظر الخروج 2/ 5 - 7).
وكذلك كذبوا أن يكون لون بقرة بني إسرائيل الصفار الفاقع (انظر البقرة: 69)، لأن التوراة تقول تجعلها حمراء اللون (انظر العدد 19/ 1 - 4)، وكل هذه الأخبار التوراتية خاطئة، لا اعتداد بها، وهي أضعف من أن تكون حجة على إخباري أو مؤرخ؛ فضلا عن القرآن العظيم.
كما يولع الطاعنون في القرآن بالغرائب الموجودة في كتب بعض المفسرين، وهي في جملتها منقولة من مرويات وأخبار أهل الكتاب، فيخلطون بينها وبين القرآن، ويجعلون معانيها المنكرة حجة عليه، وفي هذا مجافاة للموضوعية؛ فإن كتب الرجال يحتج لها بالقرآن، ولا يحتج بها عليه.
ولعل من أهم صور ذلك قصة الغرانيق التي أطبق على ذكرها الطاعنون في القرآن، وقد بين علماء الإسلام بطلانها؛ وإن أوردها مفسرون ومؤرخون وصفهم القاضي عياض بأنهم "المولعون بكل غريب، المتلقون من الصحف كل صحيح وسقيم" [20]، فلولعهم بذكر الغرائب أثقلت مؤلفاتهم العظيمة بالإسرائيليات وسخيف مقولات الأمم التي تروي ما ترويه بلا زمام ولا قيد؛ فنقل الطاعنون هذه المرويات، ولبسوا على عوام المسلمين حين أوهموهم بصحة
هذه الأقوال المنقولة في بعض كتب التفسير، ولا ينسى الخبثاء - في مثل هذه الحال - ذكر أرقام الصفحات التي نقلوا عنها؛ يرومون بذكر هذه التفاصيل مزيدا من الخداع لعوام المسلمين لإيهامهم بصحة ووثاقة المعاني المستقبحة الموجودة في تلك الروايات التي نقلها المسلمون الأقدمون في كتبهم عملا بالقاعدة المشهورة عندهم "من أسند لك فقد أحالك".
ومن ذلك ما نقله الطاعنون عن بعض كتب التفسير لقوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} (ص: 21)، فقد أوردوا قصة مزعومة باطلة، وملخصها أن داود عليه السلام رأى امرأة جاره تستحم، فأولع بها، فأرسل زوجها للقتل في الحرب، ثم تزوجها، وأن الله عاتبه على فعله، فبكى أربعين يوما حتى نبت العشب من دموع عينيه [21]، فهذه القصة الخرافية المستنكرة في معانيها منحولة في أصلها من أسفار التوراة (انظر: صموئيل (2) 11/ 1 - 26)، ولم ترد في كتب المسلمين مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح أو ضعيف.
ومثله استشهاد الطاعنين في القرآن بما روي عن بعض السلف أنهم قالوا في تفسير قوله تعالى: {ق والقرآن المجيد} (ق: 1 - 2): "ق، جبل محيط بجميع الأرض، يقال له جبل قاف"، وعقب ابن كثير على هذا القول الغريب: " وكأن هذا - والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب. وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم" [22]. ومثله الاستشهاد بما ذكره المفسرون في تفسير قول الله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب} (ص: 34)، فذكروا قصة عجيبة، ملخصها أن شيطانا ألقي عليه شبه سليمان، فكان يأتي نساءه . [23]
قال أبو حيان الأندلسي: "نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها، يوقف عليها في كتبهم، وهي مما لا يحل نقلها، وإنما هي من أوضاع اليهود والزنادقة، ولم يبين الله الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان، وأقرب ما قيل فيه: إن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال: «لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة واحدة، وجاءته بشق رجل» . [24]فهذه المنقولات وأمثالها في كتب التفسير، والكثير منها لا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح ولا ضعيف، ولا يحل أن تعتبر تفسيرا لآيات القرآن، فإن فيها ما يصد عن القرآن، ويفسح المجال لأصحاب الأباطيل للطعن في القرآن الكريم والتلبيس على الناس بهذه المرويات الفاسدة.
[1] - د. منقذ السقار (عن كتاب تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين ، د. منقذ السقار ص 11-22
[2] - استحالة تحريف الكتاب المقدس، وهيب خليل، ص (133)، والقس وهيب خليل هو الاسم الحقيقي للقمص مرقس عزيز الذي يجد حاليا في الطعن بالإسلام والكذب عليه في قناته الفضائية.)
[3] - (تعليقات على القرآن، ص (29).)
[4] " (مناظرة: القرآن الكريم والكتاب المقدس. أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات وأنيس شروش، ص (115 - 116).)
[5] - " (حقيقة التجسد، ثروت سعيد رزق الله، ص (192 - 193).
[6] - (أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 123))
[7] - (أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 130).
[8] - (حقيقة التجسد، ثروت سعيد رزق الله، (35).
[9] - أخرجه أحمد في المسند ح (14560)، والحاكم في المستدرك (4/ 630)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ح (4761).
[10] - (بين القرآن والمسيحية، البابا شنودة، ص (4)، وسيأتي دفع هذه الأبطولة)
[11] - (تعليقات على القرآن، ص (20).)
[12] - (جامع البيان (11/ 345).)
[13] - وأمثال هذا العموم - الذي يراد به خصوص يفهمه العقلاء - كثير في القرآن وفي كلام العرب وحديث العقلاء، كقوله تعالى عن ملكة سبأ: {وأوتيت من كل شيء} (النمل: 23)، فلم يفهم منه سليمان عليه السلام - ولا العقلاء من بعده - أن ملكة سبأ أوتيت الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية، بل معناه عند جميع العقلاء أنها أوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك عادة، ومثله أيضا في كلام الناس - اليوم - كثير، كقول الأستاذ: لم ينجح أحد من الطلاب، ومقصوده - ولا ريب - الحديث عن طلاب مادته أو فصله أو مدرسته فحسب، فهو عموم يراد به معنى مخصوص.).
[14] - (القرآن والكريم والكتاب المقدس. أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات، ص (45).)
[15] - أنوار التنزيل، البيضاوي (1/ 70).
[16] - المصدر السابق (1/ 217).
[17] - انظر: حقيقة التجسد، ثروت سعيد، ص (325)، وقد صنعه القس أسعد وهبة في مناظرته لي حول مسألة "صلب المسيح في العهد الجديد"، وهي منشورة على الشبكة العنكبوتية.
[18] - حقيقة التجسد، ثروت سعيد، ص (324 – 326) .
[19] - التفسير الكبير، الرازي (8/ 225).
[20] - الشفا (2/ 125)، وسيأتي بيان هذه الأبطولة.
[21] - انظر: جامع البيان، الطبري (21/ 184).
[22] - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (4/ 282).
[23] - الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (15/ 200).
[24] - البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (7/ 381)، والحديث مروي في الصحيحين، أخرجه البخاري ح (3424)، ومسلم ح (1654)..
رابط تحميل كتاب " تنزيه القرآن عن التهم والشبهات "
وهو ردود على أباطيل قيلت في آيات بكتاب الله
وهذه الآيات قسمت لمجموعات أو فصول منها تهم لآيات فهمت خطأ في الله وذاته وصفاته ، وفصل في الرد على فهوم خاطئة لآيات في وصف الأنبياء وآيات في خاتم النبيين ، وآيات في المسيح والمسيحية ، وآيات قيل عنها متناقضة ، وآيات فهمت خطأ علميا وتاريخيا ووو ... أرجو الله أن يتقبله بكرمه وأرجو أن يكون فيه الفائدة المرجوة .
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=131&book=14798
أو من هنا : http://www.mediafire.com/file/3btdnlbih93ipzv/تنــــزيه+القـــرآن+عن+التـــهم+والشــبهات.pdf
وإليكم جزء من مقدمة الكتاب
الأساليب والمسالك الأربعة التي يتبعونها في إثارة الأباطيل عن القرآن [1]
1- الكذب في اختراع التهمة : وهو مسلك درج في ظلماته مثيرو الشبهات والأباطيل حول القرآن الكريم حين أعيتهم الحيل أن يجدوا في القرآن مطعنا ، فلما علموا أن الكذب بضاعة ينطلي باطلها على الكثيرين من الدهماء والعامة الذين لن يتيسر لهم اكتشاف هذه الأكاذيب؛ أشرعوا فيه سفنهم، فما زالوا يكذبون، حتى إخالهم لكثرته صدقوا أنفسهم فيما يدعون.
وصور كذبهم كثيرة، أكتفي بالتمثيل لها مبتدئا بما قاله وهيب خليل في سياق حديثه عن معجزات المسيح المذكورة في القرآن: "وإن كان بعض المفسرين يحاولون أن يقللوا من شأن السيد المسيح في المقدرة قائلين : إنه يصنع هذا بأمر الله، فنجد أن الإسلام يشهد أن هذه المقدرة هي لله فقط" [2]. ومن المعلوم عند كل مسلم أو غيره مطلع على القرآن الكريم أن الذي أحال معجزات المسيح إلى قدرة الله وإذنه هو القرآن الكريم، وليس مفسروه {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني} (المائدة: 110).
ومن الكذب زعم مؤلفي كتاب شهير؛ اختص بإثارة الأكاذيب على القرآن "التعليقات على القرآن" أن حفاظ القرآن الأربعة ماتوا قبل جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: "أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد .. فإن هؤلاء الأربعة ماتوا قبل جمع القرآن .. ولما رأى أبو بكر هذا الحال جزع من ضياع القرآن" [3].
وقولهم هذا كذب صراح ولا ريب، لأن هؤلاء الأربعة أدركوا جميعا عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، أي أدركوا جمع أبي بكر فأبو الدرداء ولي قضاء دمشق في عهد عمر ، ومات قبل موت عثمان بسنتين. ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر في طاعون عمواس سنة 17هـ.وأما ثالثهم زيد بن ثابت فهو من جمع القرآن في عهد الصديق ثم عثمان، ومات سنة 45 هـ، أي في زمن معاوية رضي الله عن الجميع.ورابعهم أبو زيد سعد بن عبيد الأنصاري ،وقد قتل يوم القادسية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب .
ومن صور الكذب أيضا طعن القس العربي الفلسطيني أنيس شروش في عربية القرآن أمام جمهور من الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، بقوله: "لكن محمدا استعمل كثيرا من الكلمات والجمل الأجنبية في القرآن ... في كتاب ادعى أن الله أوحاه بالعربية [4]، ومن المؤكد أن القارئ العربي يعرف أنه لا يوجد في القرآن جملة واحدة غير عربية، فقد نزل بلسان عربي مبين، لكن الدكتور شروش يهذي بهذا أمام أعاجم، ولا يستحي من الكذب عليهم. ولما أراد القبطي الأرثوذكسي ثروت سعيد تزكية المسيحيين واعتبارهم مؤمنين بشهادة القرآن الكريم قال في كتابه "حقيقة التجسد"، الذي قدمه وراجعه له كل من الأنبا الكاثوليكي يؤانس زكريا والقس البرتستنتي الدكتور منيس عبد النور: "إذا كان اعتقاد القرآن بشرك النصارى؛ فلماذا يصرح في آياته بحلال الزواج من أهل الكتاب .. كما أن نبي الإسلام تزوج من اليهوديات والمسيحيات، وهن: مريم القبطية، وأنجب منها إبراهيم (المسيحية)، وريحانة بنت شمعون النضيرية (اليهودية)، وصفية بنت حيي بن أخطب القريظية (اليهودية)، وجويرية بنت الحارث المصطلقية (اليهودية) [5]
وقوله بزواج النبي r من يهوديات ومسيحية كذب صراح، فإنما تزوجهن رسول الله r بعد دخولهن في الإسلام . ويكفي في بيانه أن ننقل بعضا من الحوار الذي جرى بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفية حين أراد الزواج بها، فقد قال لها: «اختاري، فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك». فقالت صفية: يا رسول الله، لقد هويت الإسلام، وصدقت بك قبل أن تدعوني حيث صرت إلى رحلك، وما لي في اليهودية أرب، وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام، فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي [6]. فتزوجها رسول الله وهي مسلمة.
وأما ريحانة فتكذب دعوى المبطلين، وتذكر أن رسول الله تزوجها بعد أن أسلمت، وتقول: إني أختار الله ورسوله، فلما أسلمت أعتقني رسول الله وتزوجني، وأصدقني اثنتي عشرة أوقية . [7] ويواصل ثروت سعيد الكذب فيزعم أن قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} (مريم: 71) ينبئ بدخول النار والإحراق فيها لكل بني آدم، وينقل عن "جلال الدين يفسر كلمة {واردها} بالدخول والاحتراق" [8]، وقد كذب في نسبة الإحراق إلى السيوطي، فهو غير موجود في شيء من كتبه.
ثم يمضي المبطل فيستشهد لكذبه وباطله بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الورود الدخول، ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها»، والحديث الذي يستشهد به ضعيف لا يصح نسبته إلى النبي r وهو أمر قد يجهله فيعفى عنه في ذلك، لكن شيئا لن يبرر نقله من الحديث ما يروق له، وإعراضه عن تمامه، لمناقضته قوله ودحضه كذبه، فالحديث بتمامه: «الورود الدخول، ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار - أو قال: لجهنم - ضجيجا من بردهم {ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا} (مريم: 72)» [9]، فخاتمة الحديث تثبت نجاة المؤمنين من الإحراق، لكن الكذب والتدليس حيلة من لا حيلة عنده.
ب. تحريف معاني النصوص وتفسيرها بمعان مشكلة:
يلجأ الطاعنون في القرآن إلى تحريف ألفاظ النصوص الإسلامية وتفسيرها بمعان مشكلة لا يوافق عليها عالم من علماء المسلمين، ومن ذلك قول البابا شنودة: "ولم يقتصر القرآن على الأمر بحسن مجادلة أهل الكتاب، بل أكثر من هذا، وضع القرآن النصارى في مركز الإفتاء في الدين، فقال: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} (يونس: 94)، وقال أيضا: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل: 43) [10]. ومثله في تحريف معاني النص القرآني قول مؤلفي كتاب "تعليقات على القرآن" في تعليقهم على قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام: 38): "ولا شك أن القرآن لا يشتمل على أكثر العلوم من المسائل الأصولية والطبيعية والرياضية والطبية، ولا على الحوادث اليومية، بل ولا على ذات قصص الأنبياء؛ فإذن لا يكون كلامه هذا مطابقا للواقع" [11]، فقد جهلوا أو تجاهلوا أن آية سورة الأنعام لا تتعلق بالقرآن، بل باللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء، قال الطبري: "فالرب الذي لم يضيع حفظ أعمال البهائم والدواب في الأرض، والطير في الهواء، حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أم الكتاب، وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء؛ أحرى أن لا يضيع أعمالكم، ولا يفرط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها". [12]
والآية بمنطوقها واضحة في الدلالة على هذا المعنى الذي ذكره الطبري: {وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام: 38)، ومثلها قول الله: {وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} (هود: 6)، فالكتاب الذي حوى مقادير الخلائق وأرزاقها هو اللوح المحفوظ؛ لا القرآن الكريم.
ثم لو فرضنا أن القرآن هو مقصود قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فإن هذا العموم يفهم منه العقلاء معنى مخصوصا يفهم من السياق، إذ من السخف بل والخبل أن يظن ظان أن النبي r حين قرأ هذه الآية قصد أن القرآن يحوي أسماء رجال قريش أو أطعمة فارس أو أسماء البهائم التي خلقها الله، فهذا لا يخطر ببال عاقل ولو كفر بالقرآن وجحده، لأنه سيحمل العموم في قوله {من شيء} على المعنى المخصوص اللائق به ككتاب ديني، أي ما فرطنا في الكتاب من شيء يصلح حياة الإنسان في دنياه وأخراه، فالقرآن حوى كل ما تحتاجه البشرية مما تختص بذكره النبوات .[13]
ومن صور التحريف للمعاني ما صنعه القس أنيس شروش مع مستمعيه الإنجليز بقوله: "أنتم معشر المسلمين تعتقدون أن المسيح ما زال على قيد الحياة .. لكننا إذا قارنا هذا بما جاء في القرآن؛ فإننا سنجد تناقضا، فإن القرآن يقول: {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (مريم: 33) " قرأها بالعربية صحيحة، ثم ترجمها لمستمعيه: "وسلام علي يوم ولدت، ويوم مت، ويوم أبعث حيا" [14]، فحول الأفعال المضارعة - التي يراد منها المستقبل - إلى أفعال ماضية؛ مستغلا جهل مستمعيه بلغة العرب.
ومن تحريف المعاني زعم القمص زكريا بطرس في برنامجه في قناة الحياة أن في القرآن كلمة يستحي القمص من قولها أمام المشاهدين، وهي كلمة (النكاح) التي يفهمها - عقله الكليل- بمعنى الجماع ( ويأتي جواب هذه الأبطولة في الردود ).
ج. بتر النصوص وإخراجها عن مساقها:
ويعمد مثيرو الأباطيل - وهم يستشهدون بالمصادر الإسلامية - إلى بتر النصوص واجتزائها، فيختارون من النص ما يعجبهم، ويدعون ما لا يوافق هواهم وباطلهم، ومن ذلك ما صنعه القمص زكريا بطرس وهو يستدل لعقيدة التثليث بقوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء: 171)، فقد تعامى عن أول الآية وتمامها؛ لما فيهما من تنديد بالتثليث ووعيد لأهله { ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملآئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} (النساء: 171 - 172).
وهذا البتر للنصوص عادة للقمص زكريا بطرس لا يمل من معاودتها في برامجه الفضائية، فحين أراد الاستدلال على صحة كتابه المقدس زعم أن القرآن لا يقول بالتحريف اللفظي للتوراة والإنجيل، بل يقول بوقوع التحريف المعنوي فقط، واستدل لذلك بما جاء في تفسير البيضاوي بعد اجتزاء كلام البيضاوي وبتره، فيقول القمص: (يقول البيضاوي: " {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} يعني اليهود، {وقد كان فريق منهم} طائفة من أسلافهم {يسمعون كلام الله} يعني التوراة، {ثم يحرفونه} أي تأويله فيفسرونه بما يشتهون")، ثم عقب على كلام البيضاوي بالقول: (مش [لم] يغيروا الألفاظ والكلام). وقد تعمد القمص بتر كلام البيضاوي الذي تحدث عن نوعين من التحريف: أولهما تحريف الألفاظ، والآخر تحريف المعاني الذي ذكره القمص، وعبارة البيضاوي بتمامها: " {ثم يحرفونه} كنعت محمد - صلى الله عليه وسلم -، وآية الرجم. أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون [15]، فحذف من عبارة البيضاوي قوله: "كنعت محمد - صلى الله عليه وسلم - وآية الرجم" لما فيها من إشارة إلى تحريف الألفاظ.
وأعاد القمص هذا الصنيع ثانية، وهو ينقل قول البيضاوي في تفسير قول الله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه}، فنقل عن البيضاوي أنه قال بالتحريف المعنوي دون اللفظي، فقال: (قال البيضاوي: " {يحرفون الكلم} أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها؛ أي يؤولونه على ما يشتهون، فيميلونه عما أنزل الله فيه").
وقد بتر منه ما يخالف مقصده ويفند استدلاله، فعبارة البيضاوي بتمامها: " {يحرفون الكلم} أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها؛ بإزالته عنها وإثبات غيره فيها. أو يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما أنزل الله فيه".[16]
ومن صور البتر والتحريف ما رأيته عند عدد من كتاب النصارى وقسسهم [17]، فقد زعموا أن الرازي كان يستشكل القول بنجاة المسيح من الصلب ووقوع الشبه على غيره، ونقلوا عنه قوله: "بالجملة فكيفما كان، ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات: الإشكال الأول: إنا لو جوزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة .. "، ثم يسوقون كلاما طويلا للرازي ملخصه أن القول بصلب غير المسيح بدلا عنه فيه ست إشكالات، نقل هذه الإشكالات عنه ثروت سعيد، وعقب عليها بالقول: "انتهى للإمام فخر الدين الرازي، ولا تعليق"، وهو يوهم قراءه أن هذه الإشكالات يستشكلها الرازي، فيقول: "ولهذا لم يكن بد لعالم نزيه كالإمام العلامة فخر الدين الرازي أن يفند قصة الشبه تفنيدا محكما". [18]
والحق أن الرازي رحمه الله ذكر الإشكالات الستة التي يستشكلها النصارى وغيرهم على قول القرآن بنجاة المسيح، ثم لما انتهى من سردها شرع في الرد عليها جميعا، فقال: " فهذا جملة ما في الموضع من السؤلات: والجواب عن الأول ... والجواب عن الثاني ... ".
وبعد أن رد عليها واحدا واحدا؛ ختم بنتيجة شافية كافية فقال: "وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه، ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أخبر عنه؛ امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنص القاطع" [19] ،فتعامى ثروت سعيد وغيره من المبطلين عن إتمام قول الرازي، ووقعوا في التدليس المشين حين نسبوا إليه قول النصارى الذي كان يرد عليه.
د. محاكمة القرآن إلى مصادر ومعلومات غير موثوقة:
ويلجأ الطاعنون في القرآن من النصارى في إلقاء شبهاتهم إلى محاكمة القرآن إلى مصادر مرفوضة ومطعون في موثوقيتها كالكتاب المقدس الذي يرى المسلمون والمحققون من أهل الكتاب أنه أسفار تاريخية كتبها مجهولون، ونسبت إلى الأنبياء بلا سند يوثقها، وعليه فهذه الكتب مجروح في شهادتها، ولا اعتداد ولا موثوقية في أخبارها، التي يحاكم الطاعنون القرآن بموجبها، فيعرضونها وكأنها مستندات ووثائق تاريخية متفق على صحتها، ثم يخطئون القرآن حين يخالفها ويناقضها، أما إذا رأوه موافقا لها فإنهم لا يخجلون من الزعم بأنه نقل منها، فلا يسلم منهم القرآن حال الموافقة ولا المخالفة.
ومن ذلك تكذيبهم القرآن حين خالفهم في تسمية والد إبراهيم عليه السلام بـ "آزر" (انظر الأنعام: 74)، وحجتهم أن التوراة سمته "تارح" (انظر التكوين 11/ 27).
وكذلك كذبوا القرآن الكريم حين تحدث عن كفالة زوجة فرعون لموسى (انظر القصص: 9)، لأن التوراة تقول: إن الذي كفله ابنة فرعون (انظر الخروج 2/ 5 - 7).
وكذلك كذبوا أن يكون لون بقرة بني إسرائيل الصفار الفاقع (انظر البقرة: 69)، لأن التوراة تقول تجعلها حمراء اللون (انظر العدد 19/ 1 - 4)، وكل هذه الأخبار التوراتية خاطئة، لا اعتداد بها، وهي أضعف من أن تكون حجة على إخباري أو مؤرخ؛ فضلا عن القرآن العظيم.
كما يولع الطاعنون في القرآن بالغرائب الموجودة في كتب بعض المفسرين، وهي في جملتها منقولة من مرويات وأخبار أهل الكتاب، فيخلطون بينها وبين القرآن، ويجعلون معانيها المنكرة حجة عليه، وفي هذا مجافاة للموضوعية؛ فإن كتب الرجال يحتج لها بالقرآن، ولا يحتج بها عليه.
ولعل من أهم صور ذلك قصة الغرانيق التي أطبق على ذكرها الطاعنون في القرآن، وقد بين علماء الإسلام بطلانها؛ وإن أوردها مفسرون ومؤرخون وصفهم القاضي عياض بأنهم "المولعون بكل غريب، المتلقون من الصحف كل صحيح وسقيم" [20]، فلولعهم بذكر الغرائب أثقلت مؤلفاتهم العظيمة بالإسرائيليات وسخيف مقولات الأمم التي تروي ما ترويه بلا زمام ولا قيد؛ فنقل الطاعنون هذه المرويات، ولبسوا على عوام المسلمين حين أوهموهم بصحة
هذه الأقوال المنقولة في بعض كتب التفسير، ولا ينسى الخبثاء - في مثل هذه الحال - ذكر أرقام الصفحات التي نقلوا عنها؛ يرومون بذكر هذه التفاصيل مزيدا من الخداع لعوام المسلمين لإيهامهم بصحة ووثاقة المعاني المستقبحة الموجودة في تلك الروايات التي نقلها المسلمون الأقدمون في كتبهم عملا بالقاعدة المشهورة عندهم "من أسند لك فقد أحالك".
ومن ذلك ما نقله الطاعنون عن بعض كتب التفسير لقوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} (ص: 21)، فقد أوردوا قصة مزعومة باطلة، وملخصها أن داود عليه السلام رأى امرأة جاره تستحم، فأولع بها، فأرسل زوجها للقتل في الحرب، ثم تزوجها، وأن الله عاتبه على فعله، فبكى أربعين يوما حتى نبت العشب من دموع عينيه [21]، فهذه القصة الخرافية المستنكرة في معانيها منحولة في أصلها من أسفار التوراة (انظر: صموئيل (2) 11/ 1 - 26)، ولم ترد في كتب المسلمين مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح أو ضعيف.
ومثله استشهاد الطاعنين في القرآن بما روي عن بعض السلف أنهم قالوا في تفسير قوله تعالى: {ق والقرآن المجيد} (ق: 1 - 2): "ق، جبل محيط بجميع الأرض، يقال له جبل قاف"، وعقب ابن كثير على هذا القول الغريب: " وكأن هذا - والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب. وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم" [22]. ومثله الاستشهاد بما ذكره المفسرون في تفسير قول الله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب} (ص: 34)، فذكروا قصة عجيبة، ملخصها أن شيطانا ألقي عليه شبه سليمان، فكان يأتي نساءه . [23]
قال أبو حيان الأندلسي: "نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها، يوقف عليها في كتبهم، وهي مما لا يحل نقلها، وإنما هي من أوضاع اليهود والزنادقة، ولم يبين الله الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان، وأقرب ما قيل فيه: إن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال: «لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة واحدة، وجاءته بشق رجل» . [24]فهذه المنقولات وأمثالها في كتب التفسير، والكثير منها لا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح ولا ضعيف، ولا يحل أن تعتبر تفسيرا لآيات القرآن، فإن فيها ما يصد عن القرآن، ويفسح المجال لأصحاب الأباطيل للطعن في القرآن الكريم والتلبيس على الناس بهذه المرويات الفاسدة.
[1] - د. منقذ السقار (عن كتاب تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين ، د. منقذ السقار ص 11-22
[2] - استحالة تحريف الكتاب المقدس، وهيب خليل، ص (133)، والقس وهيب خليل هو الاسم الحقيقي للقمص مرقس عزيز الذي يجد حاليا في الطعن بالإسلام والكذب عليه في قناته الفضائية.)
[3] - (تعليقات على القرآن، ص (29).)
[4] " (مناظرة: القرآن الكريم والكتاب المقدس. أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات وأنيس شروش، ص (115 - 116).)
[5] - " (حقيقة التجسد، ثروت سعيد رزق الله، ص (192 - 193).
[6] - (أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 123))
[7] - (أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 130).
[8] - (حقيقة التجسد، ثروت سعيد رزق الله، (35).
[9] - أخرجه أحمد في المسند ح (14560)، والحاكم في المستدرك (4/ 630)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ح (4761).
[10] - (بين القرآن والمسيحية، البابا شنودة، ص (4)، وسيأتي دفع هذه الأبطولة)
[11] - (تعليقات على القرآن، ص (20).)
[12] - (جامع البيان (11/ 345).)
[13] - وأمثال هذا العموم - الذي يراد به خصوص يفهمه العقلاء - كثير في القرآن وفي كلام العرب وحديث العقلاء، كقوله تعالى عن ملكة سبأ: {وأوتيت من كل شيء} (النمل: 23)، فلم يفهم منه سليمان عليه السلام - ولا العقلاء من بعده - أن ملكة سبأ أوتيت الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية، بل معناه عند جميع العقلاء أنها أوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك عادة، ومثله أيضا في كلام الناس - اليوم - كثير، كقول الأستاذ: لم ينجح أحد من الطلاب، ومقصوده - ولا ريب - الحديث عن طلاب مادته أو فصله أو مدرسته فحسب، فهو عموم يراد به معنى مخصوص.).
[14] - (القرآن والكريم والكتاب المقدس. أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات، ص (45).)
[15] - أنوار التنزيل، البيضاوي (1/ 70).
[16] - المصدر السابق (1/ 217).
[17] - انظر: حقيقة التجسد، ثروت سعيد، ص (325)، وقد صنعه القس أسعد وهبة في مناظرته لي حول مسألة "صلب المسيح في العهد الجديد"، وهي منشورة على الشبكة العنكبوتية.
[18] - حقيقة التجسد، ثروت سعيد، ص (324 – 326) .
[19] - التفسير الكبير، الرازي (8/ 225).
[20] - الشفا (2/ 125)، وسيأتي بيان هذه الأبطولة.
[21] - انظر: جامع البيان، الطبري (21/ 184).
[22] - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (4/ 282).
[23] - الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (15/ 200).
[24] - البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (7/ 381)، والحديث مروي في الصحيحين، أخرجه البخاري ح (3424)، ومسلم ح (1654)..
التعديل الأخير: