جزء من كتاب "تنزيه القرآن عن التهم والشبهات "

إنضم
14/05/2017
المشاركات
11
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
العمر
53
الإقامة
سوريا - طرطوس
بسم1
رابط تحميل كتاب " تنزيه القرآن عن التهم والشبهات "
وهو ردود على أباطيل قيلت في آيات بكتاب الله
وهذه الآيات قسمت لمجموعات أو فصول منها تهم لآيات فهمت خطأ في الله وذاته وصفاته ، وفصل في الرد على فهوم خاطئة لآيات في وصف الأنبياء وآيات في خاتم النبيين ، وآيات في المسيح والمسيحية ، وآيات قيل عنها متناقضة ، وآيات فهمت خطأ علميا وتاريخيا ووو ... أرجو الله أن يتقبله بكرمه وأرجو أن يكون فيه الفائدة المرجوة .
http://www.saaid.net/book/open.php?cat=131&book=14798
أو من هنا : http://www.mediafire.com/file/3btdnlbih93ipzv/تنــــزيه+القـــرآن+عن+التـــهم+والشــبهات.pdf
وإليكم جزء من مقدمة الكتاب

الأساليب والمسالك الأربعة التي يتبعونها في إثارة الأباطيل عن القرآن [1]
1- الكذب في اختراع التهمة : وهو مسلك درج في ظلماته مثيرو الشبهات والأباطيل حول القرآن الكريم حين أعيتهم الحيل أن يجدوا في القرآن مطعنا ، فلما علموا أن الكذب بضاعة ينطلي باطلها على الكثيرين من الدهماء والعامة الذين لن يتيسر لهم اكتشاف هذه الأكاذيب؛ أشرعوا فيه سفنهم، فما زالوا يكذبون، حتى إخالهم لكثرته صدقوا أنفسهم فيما يدعون.
وصور كذبهم كثيرة، أكتفي بالتمثيل لها مبتدئا بما قاله وهيب خليل في سياق حديثه عن معجزات المسيح المذكورة في القرآن: "وإن كان بعض المفسرين يحاولون أن يقللوا من شأن السيد المسيح في المقدرة قائلين : إنه يصنع هذا بأمر الله، فنجد أن الإسلام يشهد أن هذه المقدرة هي لله فقط" [2]. ومن المعلوم عند كل مسلم أو غيره مطلع على القرآن الكريم أن الذي أحال معجزات المسيح إلى قدرة الله وإذنه هو القرآن الكريم، وليس مفسروه {وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني} (المائدة: 110).
ومن الكذب زعم مؤلفي كتاب شهير؛ اختص بإثارة الأكاذيب على القرآن "التعليقات على القرآن" أن حفاظ القرآن الأربعة ماتوا قبل جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -: "أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد .. فإن هؤلاء الأربعة ماتوا قبل جمع القرآن .. ولما رأى أبو بكر هذا الحال جزع من ضياع القرآن" [3].
وقولهم هذا كذب صراح ولا ريب، لأن هؤلاء الأربعة أدركوا جميعا عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، أي أدركوا جمع أبي بكر فأبو الدرداء ولي قضاء دمشق في عهد عمر ، ومات قبل موت عثمان بسنتين. ومعاذ بن جبل مات في خلافة عمر في طاعون عمواس سنة 17هـ.وأما ثالثهم زيد بن ثابت فهو من جمع القرآن في عهد الصديق ثم عثمان، ومات سنة 45 هـ، أي في زمن معاوية رضي الله عن الجميع.ورابعهم أبو زيد سعد بن عبيد الأنصاري ،وقد قتل يوم القادسية في زمن الخليفة عمر بن الخطاب .
ومن صور الكذب أيضا طعن القس العربي الفلسطيني أنيس شروش في عربية القرآن أمام جمهور من الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، بقوله: "لكن محمدا استعمل كثيرا من الكلمات والجمل الأجنبية في القرآن ... في كتاب ادعى أن الله أوحاه بالعربية [4]، ومن المؤكد أن القارئ العربي يعرف أنه لا يوجد في القرآن جملة واحدة غير عربية، فقد نزل بلسان عربي مبين، لكن الدكتور شروش يهذي بهذا أمام أعاجم، ولا يستحي من الكذب عليهم. ولما أراد القبطي الأرثوذكسي ثروت سعيد تزكية المسيحيين واعتبارهم مؤمنين بشهادة القرآن الكريم قال في كتابه "حقيقة التجسد"، الذي قدمه وراجعه له كل من الأنبا الكاثوليكي يؤانس زكريا والقس البرتستنتي الدكتور منيس عبد النور: "إذا كان اعتقاد القرآن بشرك النصارى؛ فلماذا يصرح في آياته بحلال الزواج من أهل الكتاب .. كما أن نبي الإسلام تزوج من اليهوديات والمسيحيات، وهن: مريم القبطية، وأنجب منها إبراهيم (المسيحية)، وريحانة بنت شمعون النضيرية (اليهودية)، وصفية بنت حيي بن أخطب القريظية (اليهودية)، وجويرية بنت الحارث المصطلقية (اليهودية) [5]
وقوله بزواج النبي r من يهوديات ومسيحية كذب صراح، فإنما تزوجهن رسول الله r بعد دخولهن في الإسلام . ويكفي في بيانه أن ننقل بعضا من الحوار الذي جرى بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفية حين أراد الزواج بها، فقد قال لها: «اختاري، فإن اخترت الإسلام أمسكتك لنفسي، وإن اخترت اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك». فقالت صفية: يا رسول الله، لقد هويت الإسلام، وصدقت بك قبل أن تدعوني حيث صرت إلى رحلك، وما لي في اليهودية أرب، وما لي فيها والد ولا أخ، وخيرتني الكفر والإسلام، فالله ورسوله أحب إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي [6]. فتزوجها رسول الله وهي مسلمة.
وأما ريحانة فتكذب دعوى المبطلين، وتذكر أن رسول الله تزوجها بعد أن أسلمت، وتقول: إني أختار الله ورسوله، فلما أسلمت أعتقني رسول الله وتزوجني، وأصدقني اثنتي عشرة أوقية . [7] ويواصل ثروت سعيد الكذب فيزعم أن قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} (مريم: 71) ينبئ بدخول النار والإحراق فيها لكل بني آدم، وينقل عن "جلال الدين يفسر كلمة {واردها} بالدخول والاحتراق" [8]، وقد كذب في نسبة الإحراق إلى السيوطي، فهو غير موجود في شيء من كتبه.
ثم يمضي المبطل فيستشهد لكذبه وباطله بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الورود الدخول، ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها»، والحديث الذي يستشهد به ضعيف لا يصح نسبته إلى النبي r وهو أمر قد يجهله فيعفى عنه في ذلك، لكن شيئا لن يبرر نقله من الحديث ما يروق له، وإعراضه عن تمامه، لمناقضته قوله ودحضه كذبه، فالحديث بتمامه: «الورود الدخول، ولا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار - أو قال: لجهنم - ضجيجا من بردهم {ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا} (مريم: 72)» [9]، فخاتمة الحديث تثبت نجاة المؤمنين من الإحراق، لكن الكذب والتدليس حيلة من لا حيلة عنده.
ب. تحريف معاني النصوص وتفسيرها بمعان مشكلة:
يلجأ الطاعنون في القرآن إلى تحريف ألفاظ النصوص الإسلامية وتفسيرها بمعان مشكلة لا يوافق عليها عالم من علماء المسلمين، ومن ذلك قول البابا شنودة: "ولم يقتصر القرآن على الأمر بحسن مجادلة أهل الكتاب، بل أكثر من هذا، وضع القرآن النصارى في مركز الإفتاء في الدين، فقال: {فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} (يونس: 94)، وقال أيضا: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل: 43) [10]. ومثله في تحريف معاني النص القرآني قول مؤلفي كتاب "تعليقات على القرآن" في تعليقهم على قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} (الأنعام: 38): "ولا شك أن القرآن لا يشتمل على أكثر العلوم من المسائل الأصولية والطبيعية والرياضية والطبية، ولا على الحوادث اليومية، بل ولا على ذات قصص الأنبياء؛ فإذن لا يكون كلامه هذا مطابقا للواقع" [11]، فقد جهلوا أو تجاهلوا أن آية سورة الأنعام لا تتعلق بالقرآن، بل باللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير كل شيء، قال الطبري: "فالرب الذي لم يضيع حفظ أعمال البهائم والدواب في الأرض، والطير في الهواء، حتى حفظ عليها حركاتها وأفعالها، وأثبت ذلك منها في أم الكتاب، وحشرها ثم جازاها على ما سلف منها في دار البلاء؛ أحرى أن لا يضيع أعمالكم، ولا يفرط في حفظ أفعالكم التي تجترحونها". [12]
والآية بمنطوقها واضحة في الدلالة على هذا المعنى الذي ذكره الطبري: {وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} (الأنعام: 38)، ومثلها قول الله: {وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين} (هود: 6)، فالكتاب الذي حوى مقادير الخلائق وأرزاقها هو اللوح المحفوظ؛ لا القرآن الكريم.
ثم لو فرضنا أن القرآن هو مقصود قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} فإن هذا العموم يفهم منه العقلاء معنى مخصوصا يفهم من السياق، إذ من السخف بل والخبل أن يظن ظان أن النبي r حين قرأ هذه الآية قصد أن القرآن يحوي أسماء رجال قريش أو أطعمة فارس أو أسماء البهائم التي خلقها الله، فهذا لا يخطر ببال عاقل ولو كفر بالقرآن وجحده، لأنه سيحمل العموم في قوله {من شيء} على المعنى المخصوص اللائق به ككتاب ديني، أي ما فرطنا في الكتاب من شيء يصلح حياة الإنسان في دنياه وأخراه، فالقرآن حوى كل ما تحتاجه البشرية مما تختص بذكره النبوات .[13]
ومن صور التحريف للمعاني ما صنعه القس أنيس شروش مع مستمعيه الإنجليز بقوله: "أنتم معشر المسلمين تعتقدون أن المسيح ما زال على قيد الحياة .. لكننا إذا قارنا هذا بما جاء في القرآن؛ فإننا سنجد تناقضا، فإن القرآن يقول: {والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا} (مريم: 33) " قرأها بالعربية صحيحة، ثم ترجمها لمستمعيه: "وسلام علي يوم ولدت، ويوم مت، ويوم أبعث حيا" [14]، فحول الأفعال المضارعة - التي يراد منها المستقبل - إلى أفعال ماضية؛ مستغلا جهل مستمعيه بلغة العرب.
ومن تحريف المعاني زعم القمص زكريا بطرس في برنامجه في قناة الحياة أن في القرآن كلمة يستحي القمص من قولها أمام المشاهدين، وهي كلمة (النكاح) التي يفهمها - عقله الكليل- بمعنى الجماع ( ويأتي جواب هذه الأبطولة في الردود ).
ج. بتر النصوص وإخراجها عن مساقها:
ويعمد مثيرو الأباطيل - وهم يستشهدون بالمصادر الإسلامية - إلى بتر النصوص واجتزائها، فيختارون من النص ما يعجبهم، ويدعون ما لا يوافق هواهم وباطلهم، ومن ذلك ما صنعه القمص زكريا بطرس وهو يستدل لعقيدة التثليث بقوله تعالى: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} (النساء: 171)، فقد تعامى عن أول الآية وتمامها؛ لما فيهما من تنديد بالتثليث ووعيد لأهله { ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملآئكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا} (النساء: 171 - 172).
وهذا البتر للنصوص عادة للقمص زكريا بطرس لا يمل من معاودتها في برامجه الفضائية، فحين أراد الاستدلال على صحة كتابه المقدس زعم أن القرآن لا يقول بالتحريف اللفظي للتوراة والإنجيل، بل يقول بوقوع التحريف المعنوي فقط، واستدل لذلك بما جاء في تفسير البيضاوي بعد اجتزاء كلام البيضاوي وبتره، فيقول القمص: (يقول البيضاوي: " {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم} يعني اليهود، {وقد كان فريق منهم} طائفة من أسلافهم {يسمعون كلام الله} يعني التوراة، {ثم يحرفونه} أي تأويله فيفسرونه بما يشتهون")، ثم عقب على كلام البيضاوي بالقول: (مش [لم] يغيروا الألفاظ والكلام). وقد تعمد القمص بتر كلام البيضاوي الذي تحدث عن نوعين من التحريف: أولهما تحريف الألفاظ، والآخر تحريف المعاني الذي ذكره القمص، وعبارة البيضاوي بتمامها: " {ثم يحرفونه} كنعت محمد - صلى الله عليه وسلم -، وآية الرجم. أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون [15]، فحذف من عبارة البيضاوي قوله: "كنعت محمد - صلى الله عليه وسلم - وآية الرجم" لما فيها من إشارة إلى تحريف الألفاظ.
وأعاد القمص هذا الصنيع ثانية، وهو ينقل قول البيضاوي في تفسير قول الله تعالى: {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه}، فنقل عن البيضاوي أنه قال بالتحريف المعنوي دون اللفظي، فقال: (قال البيضاوي: " {يحرفون الكلم} أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها؛ أي يؤولونه على ما يشتهون، فيميلونه عما أنزل الله فيه").
وقد بتر منه ما يخالف مقصده ويفند استدلاله، فعبارة البيضاوي بتمامها: " {يحرفون الكلم} أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها؛ بإزالته عنها وإثبات غيره فيها. أو يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما أنزل الله فيه".[16]
ومن صور البتر والتحريف ما رأيته عند عدد من كتاب النصارى وقسسهم [17]، فقد زعموا أن الرازي كان يستشكل القول بنجاة المسيح من الصلب ووقوع الشبه على غيره، ونقلوا عنه قوله: "بالجملة فكيفما كان، ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات: الإشكال الأول: إنا لو جوزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة .. "، ثم يسوقون كلاما طويلا للرازي ملخصه أن القول بصلب غير المسيح بدلا عنه فيه ست إشكالات، نقل هذه الإشكالات عنه ثروت سعيد، وعقب عليها بالقول: "انتهى للإمام فخر الدين الرازي، ولا تعليق"، وهو يوهم قراءه أن هذه الإشكالات يستشكلها الرازي، فيقول: "ولهذا لم يكن بد لعالم نزيه كالإمام العلامة فخر الدين الرازي أن يفند قصة الشبه تفنيدا محكما". [18]
والحق أن الرازي رحمه الله ذكر الإشكالات الستة التي يستشكلها النصارى وغيرهم على قول القرآن بنجاة المسيح، ثم لما انتهى من سردها شرع في الرد عليها جميعا، فقال: " فهذا جملة ما في الموضع من السؤلات: والجواب عن الأول ... والجواب عن الثاني ... ".
وبعد أن رد عليها واحدا واحدا؛ ختم بنتيجة شافية كافية فقال: "وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه، ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أخبر عنه؛ امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنص القاطع" [19] ،فتعامى ثروت سعيد وغيره من المبطلين عن إتمام قول الرازي، ووقعوا في التدليس المشين حين نسبوا إليه قول النصارى الذي كان يرد عليه.
د. محاكمة القرآن إلى مصادر ومعلومات غير موثوقة:
ويلجأ الطاعنون في القرآن من النصارى في إلقاء شبهاتهم إلى محاكمة القرآن إلى مصادر مرفوضة ومطعون في موثوقيتها كالكتاب المقدس الذي يرى المسلمون والمحققون من أهل الكتاب أنه أسفار تاريخية كتبها مجهولون، ونسبت إلى الأنبياء بلا سند يوثقها، وعليه فهذه الكتب مجروح في شهادتها، ولا اعتداد ولا موثوقية في أخبارها، التي يحاكم الطاعنون القرآن بموجبها، فيعرضونها وكأنها مستندات ووثائق تاريخية متفق على صحتها، ثم يخطئون القرآن حين يخالفها ويناقضها، أما إذا رأوه موافقا لها فإنهم لا يخجلون من الزعم بأنه نقل منها، فلا يسلم منهم القرآن حال الموافقة ولا المخالفة.
ومن ذلك تكذيبهم القرآن حين خالفهم في تسمية والد إبراهيم عليه السلام بـ "آزر" (انظر الأنعام: 74)، وحجتهم أن التوراة سمته "تارح" (انظر التكوين 11/ 27).
وكذلك كذبوا القرآن الكريم حين تحدث عن كفالة زوجة فرعون لموسى (انظر القصص: 9)، لأن التوراة تقول: إن الذي كفله ابنة فرعون (انظر الخروج 2/ 5 - 7).
وكذلك كذبوا أن يكون لون بقرة بني إسرائيل الصفار الفاقع (انظر البقرة: 69)، لأن التوراة تقول تجعلها حمراء اللون (انظر العدد 19/ 1 - 4)، وكل هذه الأخبار التوراتية خاطئة، لا اعتداد بها، وهي أضعف من أن تكون حجة على إخباري أو مؤرخ؛ فضلا عن القرآن العظيم.
كما يولع الطاعنون في القرآن بالغرائب الموجودة في كتب بعض المفسرين، وهي في جملتها منقولة من مرويات وأخبار أهل الكتاب، فيخلطون بينها وبين القرآن، ويجعلون معانيها المنكرة حجة عليه، وفي هذا مجافاة للموضوعية؛ فإن كتب الرجال يحتج لها بالقرآن، ولا يحتج بها عليه.
ولعل من أهم صور ذلك قصة الغرانيق التي أطبق على ذكرها الطاعنون في القرآن، وقد بين علماء الإسلام بطلانها؛ وإن أوردها مفسرون ومؤرخون وصفهم القاضي عياض بأنهم "المولعون بكل غريب، المتلقون من الصحف كل صحيح وسقيم" [20]، فلولعهم بذكر الغرائب أثقلت مؤلفاتهم العظيمة بالإسرائيليات وسخيف مقولات الأمم التي تروي ما ترويه بلا زمام ولا قيد؛ فنقل الطاعنون هذه المرويات، ولبسوا على عوام المسلمين حين أوهموهم بصحة
هذه الأقوال المنقولة في بعض كتب التفسير، ولا ينسى الخبثاء - في مثل هذه الحال - ذكر أرقام الصفحات التي نقلوا عنها؛ يرومون بذكر هذه التفاصيل مزيدا من الخداع لعوام المسلمين لإيهامهم بصحة ووثاقة المعاني المستقبحة الموجودة في تلك الروايات التي نقلها المسلمون الأقدمون في كتبهم عملا بالقاعدة المشهورة عندهم "من أسند لك فقد أحالك".
ومن ذلك ما نقله الطاعنون عن بعض كتب التفسير لقوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} (ص: 21)، فقد أوردوا قصة مزعومة باطلة، وملخصها أن داود عليه السلام رأى امرأة جاره تستحم، فأولع بها، فأرسل زوجها للقتل في الحرب، ثم تزوجها، وأن الله عاتبه على فعله، فبكى أربعين يوما حتى نبت العشب من دموع عينيه [21]، فهذه القصة الخرافية المستنكرة في معانيها منحولة في أصلها من أسفار التوراة (انظر: صموئيل (2) 11/ 1 - 26)، ولم ترد في كتب المسلمين مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح أو ضعيف.
ومثله استشهاد الطاعنين في القرآن بما روي عن بعض السلف أنهم قالوا في تفسير قوله تعالى: {ق والقرآن المجيد} (ق: 1 - 2): "ق، جبل محيط بجميع الأرض، يقال له جبل قاف"، وعقب ابن كثير على هذا القول الغريب: " وكأن هذا - والله أعلم- من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس، لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب. وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم" [22]. ومثله الاستشهاد بما ذكره المفسرون في تفسير قول الله: {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب} (ص: 34)، فذكروا قصة عجيبة، ملخصها أن شيطانا ألقي عليه شبه سليمان، فكان يأتي نساءه . [23]
قال أبو حيان الأندلسي: "نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها، يوقف عليها في كتبهم، وهي مما لا يحل نقلها، وإنما هي من أوضاع اليهود والزنادقة، ولم يبين الله الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان، وأقرب ما قيل فيه: إن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال: «لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل إلا امرأة واحدة، وجاءته بشق رجل» . [24]فهذه المنقولات وأمثالها في كتب التفسير، والكثير منها لا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح ولا ضعيف، ولا يحل أن تعتبر تفسيرا لآيات القرآن، فإن فيها ما يصد عن القرآن، ويفسح المجال لأصحاب الأباطيل للطعن في القرآن الكريم والتلبيس على الناس بهذه المرويات الفاسدة.


[1] - د. منقذ السقار (عن كتاب تنزيه القرآن عن دعاوى المبطلين ، د. منقذ السقار ص 11-22

[2] - استحالة تحريف الكتاب المقدس، وهيب خليل، ص (133)، والقس وهيب خليل هو الاسم الحقيقي للقمص مرقس عزيز الذي يجد حاليا في الطعن بالإسلام والكذب عليه في قناته الفضائية.)

[3] - (تعليقات على القرآن، ص (29).)

[4] " (مناظرة: القرآن الكريم والكتاب المقدس. أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات وأنيس شروش، ص (115 - 116).)

[5] - " (حقيقة التجسد، ثروت سعيد رزق الله، ص (192 - 193).

[6] - (أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 123))

[7] - (أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 130).

[8] - (حقيقة التجسد، ثروت سعيد رزق الله، (35).

[9] - أخرجه أحمد في المسند ح (14560)، والحاكم في المستدرك (4/ 630)، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ح (4761).

[10] - (بين القرآن والمسيحية، البابا شنودة، ص (4)، وسيأتي دفع هذه الأبطولة)

[11] - (تعليقات على القرآن، ص (20).)

[12] - (جامع البيان (11/ 345).)

[13] - وأمثال هذا العموم - الذي يراد به خصوص يفهمه العقلاء - كثير في القرآن وفي كلام العرب وحديث العقلاء، كقوله تعالى عن ملكة سبأ: {وأوتيت من كل شيء} (النمل: 23)، فلم يفهم منه سليمان عليه السلام - ولا العقلاء من بعده - أن ملكة سبأ أوتيت الطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية، بل معناه عند جميع العقلاء أنها أوتيت من كل شيء يؤتاه الملوك عادة، ومثله أيضا في كلام الناس - اليوم - كثير، كقول الأستاذ: لم ينجح أحد من الطلاب، ومقصوده - ولا ريب - الحديث عن طلاب مادته أو فصله أو مدرسته فحسب، فهو عموم يراد به معنى مخصوص.).

[14] - (القرآن والكريم والكتاب المقدس. أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات، ص (45).)

[15] - أنوار التنزيل، البيضاوي (1/ 70).

[16] - المصدر السابق (1/ 217).

[17] - انظر: حقيقة التجسد، ثروت سعيد، ص (325)، وقد صنعه القس أسعد وهبة في مناظرته لي حول مسألة "صلب المسيح في العهد الجديد"، وهي منشورة على الشبكة العنكبوتية.

[18] - حقيقة التجسد، ثروت سعيد، ص (324 – 326) .

[19] - التفسير الكبير، الرازي (8/ 225).

[20] - الشفا (2/ 125)، وسيأتي بيان هذه الأبطولة.

[21] - انظر: جامع البيان، الطبري (21/ 184).

[22] - تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (4/ 282).

[23] - الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (15/ 200).

[24] - البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي (7/ 381)، والحديث مروي في الصحيحين، أخرجه البخاري ح (3424)، ومسلم ح (1654)..
 
التعديل الأخير:
بسم1
وهذا الجزء من مقدمة الكتاب السابق المذكور أرجو خيره

الإنفرادات الفطرية ، وعدالة أحكامه وقضاياه ، التي انفرد بها القرآن. وأهمها :
1- القرآن وحده هو الذى بَرَّأ المرأة من خطيئة إخراج آدم من الجنة.
فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) ففي القرآن الشيطان هو سبب الخطيئة هو الذى وسوس لآدم وأغراه بالخلود وأغواه بالملك. فى الكتاب المقدس المرأة سبب الخطيئة الأولى : فَرَأَتِ الْـمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ ، [ التكوين 3 : 1-16{ المرأة فى الكتاب المقدس شر: وَإِذَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ فِي دَاخِلِ الْمِكْيَالِ . فَقَالَ لِي:« هَذِهِ هِيَ رَمْزُ الشَّرِّ » [ زكريا 5/ 5-8 ] فَوَجَدْتُ أَنَّ الْـمَرْأَةَ الَّتِي قَلْبُهَا أَشْرَاكٌ وَشِبَاكٌ، وَيَدَاهَا قُيُودٌ، هِيَ أَمَرُّ مِنَ الْـمَوْتِ، وَمَنْ يُرْضِي اللهَ يَهْرُبُ مِنْهَا، أَمَّا الْـخَاطِيءُ فَيَقَعُ فِي أَشْرَاكِهَا. [ الجامعة 7 / 25: 28 ].
أضف أن العلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة في القرآن الكريم تقوم العلاقة على المودة والرحمة قال تعالى: }وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً { الروم 21 ، أما الكتاب المقدس يأمر المرأة بالخضوع للرجل: « أَيَّتُهَا الزَّوْجَاتُ، اخْضَعْنَ لِأَزْوَاجِكُنَّ، كَمَا لِلرَّبِّ. فَإِنَّ الزَّوْجَ هُوَ رَأْسُ الزَّوْجَةِ كَمَا أَنَّ المَسِيحَ أَيْضًا هُوَ رَأْسُ الكَنِيسَةِ ( جَسَدِهِ ). وَهُوَ نَفْسُهُ مُخَلِّصُ الجَسَدِ. فَكَمَا أَنَّ الكَنِيسَةَ قَدْ أُخْضِعَتْ لِلْمَسِيحِ، فَكَذَلِكَ الزَّوْجَاتُ أَيْضًا لِأَزْوَاجِهِنَّ، فِي كُلِّ شَيءٍ ». [ الرسالة إلى مؤمنى أفسس 5: 22-33]
2- ومن انفردات القرآن: أن القرآن الكريم هو الذى وصف الإله بما يليق به من كمالات . فالله عظيم القدرة، على كل شيء قدير، ليس كمثله شيء ، واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد وهو الحليم اللطيف الخبير .. الكبير المتعالي وهو الجبار المتكبر .. قال الله تعالى: }هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) { ( الحشر: ٢٢ – ٢٤). في الكتاب المقدس إساءات بالغة إلى الله، من ذلك: الشيطان يسيطر على الرب الإله أربعين يومًا !! ويوم يتركه ، يتركه إلى حين؟ لوقا 4: 1-13. كما أن الرب يندم في الكتاب المقدس: « فَمَلَأَ قَلبَهُ الأَسَفُ وَالـحُزْنُ لِأَنَّهُ خَلَقَ الإِنْسَانَ. وَقَالَ الرَّبُّ: " أَمْحُو الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ وَالـحَيَوَانَاتِ وَالزَّوَاحِفِ وَطُيُورِ السَّمَاِء، لِأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي خَلَقْتُهُ». التكوين 6: 6-7. الرب شاة سيقت للذبح في الكتاب المقدس: أعمال الرسل 8: 32 وأحيانا غير ذلك كمثل : "لِهَذَا أَكُونُ لَهُمْ كَأَسَدٍ، وَأَكْمُنُ كَنَمِرٍ لَهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ. وَأَنْقَضُّ عَلَيْهِمْ كَدُبَّةٍ ثَاكِلٍ، وَأُمَزِّقُ قُلُوبَهُمُ أَشْلَاءَ وَأَفْتَرِسُهُمْ هُنَاكَ كَلَبُوءَةٍ، وَوَحْشٍ البَرِّ يُقَطِّعُهُمْ إِرْبًا إِرْبًا ". هوشع 13: 4-8 .كما أنه يحب المحارق ورائحة اللحم المشوي جدا ولا يرضى عنهم حتى يشمها .
3- من أهم انفرادات القرآن الكريم أنه الكتاب الوحيد الذى أعطى العصمة للأنبياء لأنهم أسوة وقدوة. قال تعالى: -}قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59){ ( النمل: ٥٩ ). - }وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار(47){ِ ( ص: ٤٧). توضح هاتان الآيتان أن عصمة الأنبياء عليهم السلام إرادة إلهية يمتنع معها وقوعهم فى المعصية . فى الكتاب المقدس إساءات بالغة للأنبياء، من ذلك: نبي الله لوط سكر وزنى بابنتيه: تكوين 19: 30 / 38 . و نبي الله رأوبين زنى بزوجة أبيه بلهة. تكوين 35: 22. و يعبدون غير الله: نبي الله هارون عبد العجل ودعا لعبادته: الخروج: 32 / 1-6]. نبي الله سليمان يعبد آلهة أخرى غير الرب: [ ملوك الأول 11: 9-10 ] الصراع مع الرب: نبي الله يعقوب صارع الرب وهزمه: تكوين 32: 22-30 . الانتحار: نبي الله شاول انتحر: صموئيل الثاني 1 : 4-11. القتل: نبي الله أبشالوم قتل أخيه أمنون: صموئيل الثاني 13: 1-29.
ولنا أن نتساءل بعد نسبة الكتاب المقدس للأنبياء هذه السوءات: الزنا، القتل، الانتحار، الصراع مع الرب، وعبادة غير الله. و كلها صفات شنيعة لا تليق برجل صالح عادى فأين الأسوة والقدوة للأنبياء ؟! وما الحكمة من إرسالهم إلى البشر إن كانوا يمارسون الخطايا ؟! وكيف يحاسب الرب عباده إذا كان صفوة خلقه عصاة؟!
4 من انفرادات القرآن الكريم أنه دين التسامح، دين أنصف الآخر المغاير فكريا له وجعله جزءًا من نسيجه، فالبر والمودة عنون تعامله مع الآخر : }إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ ( الممتحنة: ٨ ). أحل القرآن ذبائح أهل الكتاب، وأجاز الزواج من نسائهم ، ومن فرائضه العدل مع الخصوم وإيجاب الحكم بالعدل مع الأعداء والمخاصمين : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى {( المائدة: ٨ ).
أما القتال في الإسلام والسماح به فهو لمن ظُلم دفاعًا عن العقيدة والنفس والمال.}أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) { ( الحج: ٣٩) ومشروط بعدم العدوان: }وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(190){ ( البقرة: ١٩٠ ) وإن رغب الخصوم فى الصلح فالموافقة السريعة: }وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61){ ( الأنفال: ٦١). والمدهش والغريب أن أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف فإنا لا نجد كلمة السيف فى القرآن أبدًا ولا مرة واحدة فى حين ـ أن المدهش حقًا ـ أن السيف ورد فى الكتاب المقدس (عدد نتائج البحث 1697 حسب موقع الأنبا تكلا هيمانوت ) كما أن لفظ القتل ومشتقاته فى الكتاب المقدس [2084 حسب نفس الموقع] مرة فى مقابل [98] مرة فى القرآن. وفى العدوان على الآخر اسمع معى إلى هذا النص من سفر التثنية: «وَحِينَ تَتَقَدَّمُونَ لِمُحَارَبَةِ مَدِينَةٍ فَادْعُوهَا لِلصُّلْحِ أَوَّلًا. فَإِنْ أَجَابَتْكُمْ إِلَى الصُّلْحِ وَاسْتَسْلَمَتْ لَكُمْ، فَكُلُّ الشَّعْبِ السَّاكِنِ فِيهَا يُصْبِحُ عَبِيدًا لَكُمْ. وَإِنْ أَبَتِ الصُّلْحَ وَحَارَبَتْكُمْ فَحَاصِرُوهَا فَإِذَا أَسْقَطَهَا الرَّبُّ إِلَـَهُكُمْ فِي أَيْدِيكُمْ، فَاقْتُلُوا جَمِيعَ ذُكُورِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالأَطْفَالُ وَالبَهَائِمُ، وَكُلُّ مَا فِي المَدِينَةِ مِنْ أَسْلَابٍ، فَاغْنَمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ، وَتَمَتَّعُوا بِغَنَائِمِ أَعْدَائِكُمُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ مُدُنِ الأُمَمِ القَاطِنَةِ هُنَا. أَمَّا مُدُنُ الشُّعُوبِ الَّتِي يَهَبُهَا الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لَكُمْ مِيرَاثًا فَلَا تَسْتَبْقُوا فِيهَا نَسَمَةً حَيَّةً، بَلْ دَمِّرُوهَا عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهَا، كَمُدُنِ الحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْفِرزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ واليَبُوسِيِّينَ كَمَا أَمَرَكُمُ الرَّبُّ إِلَـهُكُمْ، لِكَي لَا يُعَلِّمُوكُمْ رَجَاسَاتِهِمِ الَّتِي مَارَسُوهَا فِي عِبَادَةِ آلِـهَتِهِمْ، فَتَغْوُوا وَرَاءَهُمْ وتُخْطِئُوا إِلَى الرَّبِّ إِلَـهِكُمْ ». سفر التثنية: 20 / 10-18.
5- من انفرادات القرآن وضوح العقيدة وصفاؤها وفطريتها فلا لبس فيها ولا خفاء وأسرار:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4){. فالإله واحد أحد فى مقابل أن الإله فى الكتاب المقدس ثلاثة في واحد ... وأسئلة يحار العقل فى إيجاد إجابة مقنعة لها بشأن عقيدة الصلب : من الذى صلب الإله ؟! لابد أنه أقوى من الإله. ومن الذى حكم العالم وأدار شئونه ساعة أن كان الإله مصلوبًا ؟! ومن الذى أحيا الإله بعد موته ؟! ... وألا يستحق أن يكون هو الإله لأنه هو الذى أحيا؟! وكذلك أسلوب معالجة الخطيئة: فالقرأن جعل الاستغفار والتوبة سبيلًا لمحو الخطايا وتكفير الذنوب وهو أمر بين العبد وربه. قال تعالى:} وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) {( النساء: ١١٠) والمذنب هو الذى يستغفر، والعقوبة لمن لم يتب يستحقها المذنب نفسه. أما فى الكتاب المقدس فإن معالجة الخطيئة أمر صادم للعقل فصلب المسيح يعلل بأنه فداء للبشرية عن خطيئة آدم ، آدم أخطأ فعوقب عيسى عليه السلام؟ هل يُقبل عقلًا أن يعاقب غير المخطىء عند البشر في القانون ، المسألة لا تحتاج إلى هذا التعسف فى التفسير. إن مسألة الخطيئة أوجد لها الإسلام الحل المثالى الاستغفار والتوبة .
6- انفراد القرآن باللغة الراقية والأخلاق الرفيعة:
القرآن يدعوا لقيم العدالة والخلق الحسن والأمانة ولا تجد فى القرآن كلمات خادشة للحياء . . حتى فى أخص الأمور التى تعبر عن اللقاء الخاص بين الرجل وزوجته . فيعبر عنه بالنكاح . . وبالملامسة أما فى الكتاب المقدس نص نشيد الإنشاد كلام جارح ومثير جنسيًا: وتسأل نفسك هل يمكن أن يكون هذا الكلام الجارح من كلام الرب ؟! هل يمكن أن يكتب الرب كتابات مثيرة جنسيًا؟!: ومن أمثلة ذلك : « 1 دَوَائرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيَّ صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ . 2 سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَورَّةٌ لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُجٌ . بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ . 3 ثَدْيَاك كَخِشْفَتَيْنِ تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ . 4 6 مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّات ! 7 قَامَتُكِ هَذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ.8 قُلْتُ وتَكَوُنُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ ورَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ ».نشيد الإنشاد 7 : 1-8 ، « 1 لَيْتَكَ كَأَخِ لِي الرَّاضِعِ ثَدْيَيِْ أُمِّىِ فَأَجِدَكَ فِي الْخَارِجِ وَأُقَبِّلَكَ وَلاَ يُخْزُونَنِي . 2 وَأَقُودُكَ وَأَدْخُلُ بِكَ بَيْتَ أُمِّي وَهِيَ تُعَلِّمُنِي فَأَسْقِيكَ مِنَ الْخَمْرِ الْمَمْزُوجَةِ مِنْ سُلاَفِ رُمَّانِي . » نشيد الإنشاد 8 : 1-4 .
7- من انفرادات القرآن الكريم أنه الكتاب الوحيد الذى حُفِظ حفظًا الهيا من التحريف أو أن تعبث به يد البشر. قال تعالى: - }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) {( الحجر: ٩). }وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37){ ( يونس: ٣٧). وحتى القراءات القرآنية التى يطنطنون حولها بالشبهات هى قرآن من عند الله بَلَّغه النبي محمد صلي الله عليه وسلم، في حين أن علماء الكتاب المقدس يُقرون بما وقع فيه من تحريف وتغيير وإضافة وحذف بأيدي البشر ... وعلماء الكتاب المقدس ( كما ذكر روبرت كيل تسلر ) أقروا جملة من الحقائق المذهلة بشأن تحريف الكتاب المقدس: س 1 : أين الأسفار المفقودة والتى جاء ذكر عنها فى الكتاب المقدس وبأنها ليست أقل من عشرين ؟ س 2 : ماذا عن عدم وجود مخطوطة أصلية للكتاب المقدس ـ توجد مخطوطات مختلفة ، وتحتوى على أكثر من 50000 خطأ ؟ س 3 : ماذا عن الإضافة والحذف الذى يتم حتى اليوم مع كل طباعة جديدة ؟ !

8- ومن انفرادات القرآن الكريم :ونترك المجال لها لعالم فرنسى معاصر (موريس بوكاى) يذكر لنا هذه الملاحظة والتى هى خلاصة دراسة علمية قام بها وفريق علمى تحت إشرافه بعنوان: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم وترجم الكتاب إلى الإنجليزية والعربية وغير ذلك من اللغات .[1]
يقول د. موريس بوكاى: « إن العهد القديم ( التوراة ) يتكون من حَشْد من الكتابات التى صاغها أفراد من البشر مَثَلُهُمْ مَثَلُ الأفراد الذين يصوغون أيَّ كتابات أدبية وِفْقًا لقُدْرَاتهم على الصياغة والإنشاء اللغوى والكتابة فى شتى الموضوعات الأدبية literary works وذلك على مدار حوالى تسعمائة سنة. إن أجزاء وأسفار العهد القديم تشْبِهُ قِطعًا من أحجار الفسيفساء كثيرًا ما قام البشر على توالى القرون بالتغيير فيها وتبديلها ».
« ولقد كان الهدف من صياغة الأناجيل صياغة كتابية هو أن يعرف الناس من خلال أقوال وأفعال المسيح التعاليم teachings التى كان يرغب المسيح فى أن يتركها للناس لإكمال رسالته، ولسوء الحظ لم يكن مؤلفو الأناجيل شهود عيان للمعلومات التى كتبوها وقاموا بتسجيلها كتابةً.
لقد كانوا ببساطة ووضوح مجرد متحدثين رسميين spokesmen يعبرون عن معلومات كانت مودعة ثنايا وفى غمار التراث الشفهى للجماعات اليهودية / المسيحية بشأن حياة المسيح بوجه عام كما استقرت المعلومات عنها وتم تناقلها وتداوُلُها فى ثنايا التراث الشفهى أو فى ثنايا بعض النصوص المكتوبة التى لم تعد موجودة الآن إذ هى مفقودة.
هكذا يلزم أن ننظر اليوم إلى تلك النصوص اليهودية / المسيحية، ولو شئنا أن نكون موضوعيين ملتزمين بالاعتراف بالحقائق وحدها فمن الضرورى أن نتخلى عن محاولات التفسير والتبرير الكلاسيكية التى تحاول أن ترقى بهذه النصوص إلى مرتبة الوحى الإلهى باعتبار أنها كلام الله وحده لم يخالطه كلام البشر ، ولقد كانت النتيجة الحتمية لتعدد المصادر فى أناجيل العهد الجديد هى وجود كثير من التناقض التى أعطينا أمثلة عديدة لها. إن التناقضات والمعلومات الخاطئة من وجهة النظر العلمية فى العصر الحديث فى نصوص الأناجيل قد غدت واضحة تمام الوضوح ويستحيل الدفاع عنها دفاعًا مجديًا مقبولًا.
لكننا نجد لنصوص القرآن الكريم شأنًا آخر وطريقة أخرى فى التدوين وطبيعة أخرى فى محتوى النصوص ومضمونها ومدى اتساقها التام وانعدام تناقضها مع حقائق العلم الحديث، لقد امتد بالفعل تنزيل القرآن الكريم مُنجَّمًا ينزل الله عددًا قليلًا من الآيات ثم عددًا آخر على امتداد حوالى ثلاثة وعشرين عامًا، وهى مدة كافية لاستيعاب وحفظ أى قدر من نصوص القرآن الكريم كل نص فى حينه أوَّلًا بأوَّل حتى تم حفظ نصوص القرآن الكريم كاملة فى ذاكرة جمٍّ غفير من المسلمين الأوائل فضلًا عن تدوين وتسجيل عدد من آيات القرآن الكريم كتابة فى حياة النبى وتحت إشرافه وبمراجعته.
إن القرآن الكريم يتمتع بميزتين هامتين هما خُلُوُّهُ التام من التناقض بأى حال من الأحوال، والتناقض هو الآفة التى أصابت روايات التوراة والأناجيل بما لا يدع مجالًا للشك، وكذلك تمتاز نصوص القرآن الكريم بالاتساق وعدم التعارض مع حقائق العلم الحديث. التى تم الكشف عنها فى العصر الحديث.
وإجراء مقارنة بين كثير من روايات التوراة لأحداث ووقائع مُعَيَّنة مع روايات نفس الموضوعات والأحداث والوقائع فى القرآن الكريم تُظْهِرُ لنا بوضوح الفروق الأساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علميًا ولا منطقيًا وبين رواية القرآن الكريم لنفس الموضوعات رواية تتفق مع النظرة العلمية وتتسق مع المعقولية دون إعطاء أى تفصيلات يمكن دحضها وإثبات أى تناقض فيها بعكس التوراة التى تعطى تفصيلات كثيرة غير صحيحة وغير معقولة وغير مقبولة. ».[2]
القرآن هو الكتاب المتفرد : وحده هو الذى بَرَّأ المرأة من خطيئة إخراج آدم من الجنة. وحده الذى وصف الإله بما يليق به من كمالات. وحده الذى أثبت العصمة للأنبياء لأنهم أسوة للبشرية وحده هو الذى أنصف الآخر وجعله جزءًا من نسيجه. وحده المتفرد في وضوح العقيدة فلا لبس فيها . وحده المنفرد باللغة الراقية والأخلاق الرفيعة . وحده الذى حُفِظ حفظًا إلهيا من التحريف أو أن تعبث به يد البشر. وحده هو الذى توافق مع حقائق العلم الحديث. لهذا كله كانت ولا تزال كل المعارك التى ضد القرآن خاسرة .. لماذا؟ .. الجواب فى كلمة واحدة .. لأنه كلمة الله.
لذا تبيّن أن دوافع الهجوم على القرآن منها "نفسي" ومنها "معرفي" فالأول يعتمد تزييف الحقائق وتحريفها تعبيرا عن الإخفاق والعجز عن مواجهتها ، فالعجز عن مواجهة الخصم يتحول في الأعم الاغلب إلى الافتراء عليه . كما أن التلبس بالصفات السلبية دافع لوصف الآخرين بها درءاً للاتهام ، وهو ما يعرف عند علماء النفس ب "الإسقاط" حيث أن الإسقاط حيلة من الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها الفرد للتخلص من تأثير التوتر الناشئ في داخله ، ومن هنا كان إخفاق الغرب على المستوى الفكري والمعرفي –على الرغم من تفوقه سياسيا واقتصاديا وعسكريا-دافعا إلى الخروج عن العقلانية والحوار المنصف ، واللجوء إلى القوة وإلى التشويه والإفساد ظلما وعدوانا . أما الدافع المعرفي وهو إخفاق الغرب في مواجهة الإسلام فكريا على الرغم من هزيمة المسلمين سياسيا واقتصاديا وعسكريا في الوقت المعاصر ولا يزال الغرب يمارس فكرة إقصاء ونبذ الآخر بمواصلة الطعن في القرآن وفي نبوة محمد r في الوقت نفسه ينعت الإسلام بأنه هو الذي يمارس إقصاء الآخر .


[1] - عن صفحة موقع بيان الإسلام دراسة

[2] - د. موريس بوكاي ،
 
عودة
أعلى