أحمد البريدي1
New member
- إنضم
- 02/04/2003
- المشاركات
- 1,318
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
القرآنُ الكريمُ نزلَ هدايةً للناسِ كما قـال تعالى :{هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}(البقرة:من الآية185) ، وهو آيةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الباقيةُ ، فمن تمسّكَ به هُدِيَ ، ومَن حادَ عنهُ ضَلَّ سواءَ الصراطِ ، وذلكَ مِن نزولهِ إلى قيامِ الساعةِ ، فهو صالحٌ لكلِّ زمانٍ ومكان .
وتنْزيلُ آياتهِ وربطها بواقعِ الناسِ وحياتهم ميزةٌ خاصّةٌ لكلِّ مُفسِّرٍ في عصرهِ ، ولقد اعتنى الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله بهذا الجانبِ ، واهتمّ بهِ ، يظهر هذا للناظرِ في تفسيرهِ ، وسأمثّلُ لذلكَ مِن خلالِ النقاطِ التاليةِ :
أولاً : الردُّ على بعض التعبيراتِ الشائعةِ وبيانِ خطئها
عند تفسيره لقوله تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} (البقرة: من الآية213)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ مَن يوصف بالتبشيرِ إنّما هم الرُّسُلُ وأتباعهم ؛ وأمّا مَا تَسَمَّى بهِ دُعاة النصرانيةِ بكونهم مُبشِّرينَ فهم بذلكَ كاذبونَ ؛ إلاَّ أنْ يُرادَ أنهم مُبشِّرُونَ بالعذابِ الأليمِ ، كما قالَ تعالى:{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(آل عمران: من الآية21) ؛ وأَحَقُّ وَصْفٍ يُوصَفُ بهِ هؤلاءِ الدعاةُ أنْ يُوصَفُوا بالمضَلِّلِينَ ، أو المنَصِّرينَ ؛ وما نظيُر ذلكَ إلاَّ نظيرُ مَن اغْتَرَّ بتسميةِ النصارى بالمسيحيينَ ؛ لأنّ لازمَ ذلكَ أنّكَ أقْرَرْتَ أنهم يتبعونَ المسيحَ ، كما إذا قُلْتَ : " فلانٌ تَمِيمِيٌّ " ؛ إذاً هو مِن بني تميم ؛ والمسيحُ ابن مَريم يتبرأُ مِن دينهم الذي هم عليهِ الآنَ كما قال تعالى :{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ }(المائدة : من الآية116) إلى قولهِ تعالى:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ }(المائدة: من الآية117) الآيتين ؛ ولأنّهم رَدُّوا بشارةَ عِيسَى بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وكَفروا بِهَا ؛ فكيفَ تَصِحُّ نِسبَتهم إليهِ ؟ والحاصلُ أنّه يَنبغِي للمؤمنِ أنْ يكونَ حَذِرًا يَقِظًا لا يَغْتَرُّ بخداعِ المخادعينَ ، فيجعلَ لهم مِن الأسماءِ ، والألقابِ ما لا يَستحقُّون ". ( 1)
مثالٌ آخر : عند تفسيره لقوله تعالى :{ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (البقرة: من الآية221)
ذكرَ مِن فوائدها :" الردُّ على الذينَ قالوا : " إنّ دينَ الإسلامِ دينُ مُساواةٍ " ؛ لأنّ التفضيلَ يُنَافِي المساواةَ ؛ والعجيبُ أنّه لم يأتِ في الكتابِ ، ولا في السُّنَّةِ لفْظةُ "المساواة " مُثبتاً ؛ ولا أنّ الله أمَرَ بها ؛ ولا رَغَّبَ فيها ؛ لأنّكَ إذا قُلْتَ بالمساواةِ استوى الفاسقُ ، والعَدْلُ ؛ والكافرُ ، والمؤمنُ ؛ والذكرُ، والأنثى ؛ وهذا هو الذي يريدهُ أعداءُ الإسلامِ مِن المسلمينَ ؛ لكن جاءَ دينُ الإسلامِ بكلمةٍ هي خيرٌ مِن كلمةِ " المساواة " ؛ وليسَ فيها احتمالٌ أبداً ، وهي " العَدْل " ، كما قالَ الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ }(النحل: من الآية90) ؛ وكلمةُ " العَدْلِ " تعني أنْ يُسَوَّى بينَ المتماثلينِ ، ويُفَرَّقَ بينَ المفترقينِ ؛ لأنّ "العَدْلَ " إعطاءُ كُلِّ شيءٍ ما يستحقهُ ؛ والحاصلُ : أنّ كلمةَ " المساواة " أَدْخَلَهَا أعداءُ الإسلامِ على المسلمينَ ؛ وأكثرُ المسلمينَ - ولا سِيَّمَا ذَوُو الثقافةِ العامّةِ - ليسَ عندهم تحقيقٌ ، ولا تدقيقٌ في الأمورِ ، ولا تَمْييزٌ بينَ العباراتِ ؛ ولهذا تَجِدُ الواحدَ يَظُنُّ هذهِ الكلمةَ كلمةُ نُور تُحمَل على الرؤوسِ : " إنّ دينَ الإسلامِ دينُ مُساواةٍ " ! ونقولُ : لو قُلتم : " الإسلامُ دِينُ العَدْلِ " لكانَ أَوْلَى ، وأشدُّ مطابقةً لواقعِ الإسلام ".(2 )
كما بيّنَ الشيخُ رحمه الله خطأ تقديمِ النساءِ على الرجالِ في الذِّكْرِ كَقولِهم : أيُّهَا السيدات ُوالسادة ، وبيانُ أنّ الصوابَ تقديمُ الرجالِ كما قدَّمَهُم الله في كتابهِ أخْذًا مِن قوله {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ}(النساء: من الآية7) .
ثانيًا : الردُّ على الدعواتِ المنحرفةِ
عند تفسيره لقولـه تعالى :{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ
تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ}(المائدة: من الآية15)
قالَ :" فالذينَ يطنطنون الآيةَ ويريدونَ أنْ يُقرِّبُوا بينَ الأديانِ ويقولونَ إنّ الله سَمَّاهُم أهلَ كتابٍ زَعْمًا مِنهم أو إيهامًا مِنهم أنّ ذلكَ مِن بابِ التكريمِ لهم والرِّضَا بما هم عليهِ : نقولُ : إنّ الله لم يُخاطبهم بذلكَ تكريمًا لهم وكيفَ يكونُ ذلكَ إكرامًا لهم واللهُ يقولُ : {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}(المائدة:60) ، لكنْ ناداهم بهـذا الوصفِ إقامةً للحُجَّةِ عليهم ، وأنّ تَصرُّفَهُم أبعد ما يكون عن العقلِ ؛ لأنّ أهلَ الكتابِ يجبُ أنْ يكونوا أوّلَ عاملٍ بهِ ".( 3)
وعند تفسيره لآيةِ الدَّيْنِ ، ذكرَ مِن فوائدهـا :" دَحْرُ أولئكَ الذينَ يقولونَ : إنّ الإسلامَ ما هو إلاّ أعمالٌ خاصّةٌ بعبادةِ الله عز وجل ، وبالأحوالِ الشخصيةِ ؛ كالمواريثِ ، وما أشبهها ؛ وأمّا المعاملاتُ فيجبُ أنْ تكونَ خاضعةً للعصرِ ، والحالِ ؛ وعلى هذا فينسلخونَ مِن أحكامِ الإسلامِ فيما يتعلقُ بالبيوعِ ، والإجاراتِ وغيرها ، إلى الأحكامِ الوضعيةِ المبنيةِ على الظلم والجهل ".( 4)
وعند تفسيره لقوله تعالى :{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية223)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّهُ ينبغي للإنسانِ أنْ يُحاولَ كثرةَ النَّسْلِ ؛ لقوله تعالى{حَرْثٌ لَكُمْ} ، وإذا كانت حَرْثًا فهل الإنسانُ عندما يَحرثُ أرضًا يُقلِّلُ مِن الزَّرْعِ أو يُكثِرُ مِن الزَّرْع ؟
فالجواب : الإنسانُ عندما يَحرثُ أرضًا يُكثِرُ مِن الزرعِ ويُؤيِّدُ هذا قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم [ تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ ](5) ؛ وأمّا القولُ بتحديدِ النَّسْلِ فهذا لا شكَّ أنّه مِن دَسَائِسِ أعداءِ المسلمين يُريدونَ مِن المسلمينَ ألاَّ يَكْثُرُوا ؛ لأنّهم إذا كَثُرُوا أَرْعَبُوهُم ، واسْتَغْنَوا بأنفسهم عنهم : حَرَثُوا الأرضَ ، وشَغَّلوا التجارةَ ، وحصلَ بذلكَ ارتفاعٌ للاقتصادِ ،وغير ذلكَ مِن المصالحِ ؛ فإذا بَقُوا مُسْتَحْسِرِينَ قَلِيلِينَ صَارُوا أَذِلَّةً ، وصَارُوا مُحتاجِينَ لغيرهم في كُلِّ شيءٍ ؛ ثم هل الأمرُ بِيَدِ الإنسانِ في بَقاءِ النَّسْلِ الذي حَدَّدَهُ ؟! فقـد يَموتُ هؤلاءِ المحدَّدُونَ ؛ فلا يبقى للإنسانِ نَسْلٌ ".( 6)
ومِمَّا ذكرهُ أيضًا في هذا البابِ :
- الردُّ على القوميّةِ العربية .( 7)
- الردُّ على الشُّيُوعِيِّنَ المنكرينَ للخالقِ .( 8)
- تحريمُ الاشتراكيّةِ والدعوةِ إليها ، مع بيان خطئها ، وبيانُ حكمةِ الله في جَعْلِ الناسِ فقراءَ وأغنياء .( 9)
- بُطلان توهّمِ مَن حكَّمَ القوانينَ الوضعيّة وظَنَّ أنّ بها صالح الأمّةِ .( 10)
- الردُّ على دُعاةِ تحرير المرأةِ وبيانُ أنّ أساليبهم مُشابهةٌ لأساليبِ اليهودِ والنصارى .( 11)
- التحذيرُ مِن النصرانيّةِ ودُعاتها .( 12)
- الردُّ على مَن قالَ : إنّ تطبيقَ الحدودِ تشويهٍ للمجتمع .( 13)
ثالثًا : الردُّ عى بعض النَّظريَّاتِ الشائعةِ
عند تفسيره لقوله تعالى :{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يّـس:38 - 40)
ذكرَ مِن فوائدها :" الردُّ على قَوْلِ مَن يقولُ : "إنّ الشمسَ ثابتةٌ وأنّها لا تدور " والعجبُ أنهم يقولونَ إنّها ثابتةٌ ، وأنّ القمرَ يدورُ حولَ الأرضِ . وهذا غلطٌ ؛لأنّ الله جعلَ الحكمَ واحدًا ، قال تعالى{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فإذا فسَّرنا السَّبْحَ بالدورانِ وأثبتنا ذلكَ للقمرِ فلْنُثْبِتهُ أيضًا للشمس ".(14 )
وعند تفسيره لقوله تعالى{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}(البقرة:من الآية36)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّه لا يُمكن العيشُ إلاّ في الأرضِ لبني آدمَ ؛ لقولـهِ تعالى : {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}؛ ويُؤَيِّدُ هذا قولهُ تعالى:{ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}(الأعراف: من الآية25) ؛ وبناءً على ذلكَ نعلمُ أنّ مُحاولةَ الكُفَّارِ أنْ يَعِيشُوا في غير الأرضِ إمّا في بعضِ الكـواكبِ ، أو في بعضِ المراكبِ مُحاولةٌ يِائِسةٌ ؛ لأنّه لابُدَّ أنْ
يكونَ مُسْتَقَرّهُم الأرض ".(15 )
ومِن ذلكَ أيضًا : إثباتُ أنّ الضَّرْبَ مِن وسائلِ التربيةِ ، أخْذًا مِن قولـه تعـالى : {وَاضْرِبُوهُنَّ }(النساء: من الآية34) ، والردُّ على أهل التربية المنكرينَ لذلك .( 16)
ومِنها : الردُّ على نظريّةِ تطوّر الخلقِ ، أخذًا مِن قولهِ تعالى{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: من الآية34) .( 17)
ومِنها : الردُّ على الفلاسفة القائلينَ بِقِدَمِ الأفلاكِ – أيْ غير مَخلوقةٍ - ، أخْذًا مِن الأدلّةِ التي تُثْبِتُ خَلْقَ السموات والأرض .( 18)
رابعًا : تَشابُه أهلِ الضلالِ مِن أيّامِ الرُّسُلِ إلى عصرنا في وَصْفِ مُخالفيهم
عند تفسيره لقوله تعالى :{ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ}(البقرة: من الآية13)
ذكرَ مِن فوائدها :" إنّ أعداءَ الله يَصِفُونَ أولياءهُ بما يُوجِبُ التنفيرَ عنهم لقولهم : {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ}؛ فأعداءُ الله في كُلِّ زمانٍ ،وفي كُلِّ مكانٍ يَصِفُونَ أولياءَ الله بما يُوجِبُ التنفيرَ عنهم ؛ فالرُّسُلُ وَصَفَهُمْ قَوْمُهُمْ بالجنونِ ، والسِّحرِ ، والكِهَانَةِ ، والشِّعْرِ تنفيراً عنهم ، كما قـال تعالى :{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} (الذاريات:52) وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ}(الفرقان:من الآية31) وورثةُ الأنبياءِ مِثْلُهُم يجعلُ الله لهم أعداءً مِن المجرمينَ ، ولكن{ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} (الفرقان: من الآية31) ؛ فمهما بلغوا مِن الأساليبِ فإنّ الله تعالى إذا أرادَ هِدايةَ أحدٍ فلا يمنعهُ إضلالُ هؤلاءِ ؛ لأنّ أعداءَ الأنبياءِ يَسلُكـونَ في إبطالِ دعوةِ الأنبياءِ مَسْلَكَيْنِ ؛ مَسْلَك الإضلالِ ، والدعايةِ الباطلةِ في كُلِّ زمـانٍ ومكـانٍ ؛ ثُمَّ مَسْلَك السِّلاحِ ؛ أيْ المجابهةِ المسلّحةِ ".( 19)
خامسًا : التوقيتُ العالميُّ هو التوقيتُ بالأهلَّةِ ، وبيانُ خطأ التوقيتِ الشائعِ اليوم
عند تفسيره لقوله تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}(البقرة:من الآية189)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ مِيقاتَ الأُمَمِ كُلِّها الميقاتُ الذي وَضَعَهُ الله لهم - وهو الأهلّة - ؛ فهو الميقاتُ العالميُّ ؛ لقولهِ تعالى : { مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}؛ وأمّا مَا حَدَثَ أخيراً من التوقيتِ بالأشْهُرِ الإفرنجيةِ فلا أَصْلَ لـه مِن مَحسوسٍ ، ولا مَعقولٍ ، ولا مَشروعٍ ؛ ولهذا تجدُ بعضَ الشهورِ ثمانيةً وعشرينَ يومًا ، وبعضها ثلاثينَ يومًا ، وبعضها واحدًا وثلاثينَ يومًا مِن غير أنْ يكونَ سببٌ مَعلومٌ أوجبَ هذا الفرقَ ؛ ثم إنّه ليسَ لهذهِ الأشْهُرِ علامةٌ حِسِّيَةٌ يرجعُ الناسُ إليها في تحديدِ أوقاتهم - بخلافِ الأشْهُرِ الهلاليةِ فإنّ لها علامةً حِسِّيَةً يعرفها كُلُّ أَحَد ".( 20)
سادسًا : التحذيرُ مِن الغزْوِ الفكريِّ والأخلاقيِّ
عند تفسيره لقوله تعالى{ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: من الآية217)
ذكرَ مِن فوائدها :" حِرْصُ المشركينَ على ارتدادِ المؤمنينَ بِكُلِّ وسيلةٍ ولو أَدَّى ذلكَ
إلى القتالِ ؛ لقوله تعالى: { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} ؛ ولهذا كانَ الغَزْو الفِكْرِيُّ ،والغَزْو الأخْلاقِيُّ أعظمَ مِن الغَزْوِ السِّلاحِيِّ ؛ لأنّ هذا يدخلُ على الأُمَّةِ مِن حيثُ لا تَشْعُر ؛ وأمّا ذاكَ فَصِدَامٌ مُسَلَّحٌ يَنْفِرُ الناسُ مِنهُ بالطبيعةِ ؛ فلا يُمَكِّنُونَ أحداً أنْ يُقَاتِلَهُم ؛ أمّا هذا فَسِلاحٌ فَتَّاكٌ يَفْتِكُ بالأُمَّةِ مِن حيثُ لا تَشْعُر ؛ فانظر كيفَ أفسدَ الغَزْو الفِكْرِيُّ والخُلُقِيُّ على الأمةِ الإسلاميـةِ أمورَ دِينهَا ، ودُنيَاهَا ؛ ومَن تَأمَّلَ التاريخَ تبينُ لهُ حقيقةُ الحال ".( 21)
وعند تفسيره لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ }(النساء: من الآية71)
قـال َ:" نأخذُ الحذرَ مِن غزو هؤلاءِ لنا سواءٌ كانَ بالسلاحِ ، أو كانَ بالفِكْرِ ، او كانَ بالخُلُقِ ، ومَعلومٌ الآنَ أنّ أعداء َالمسلمينَ يَغزون المسلمينَ بِكُلِّ سلاحٍ ، وينظرونَ السلاحَ المناسبَ للأُمّةِ فَيغزُونَها به ِ،إذا كانَ المناسبُ للأُمّةِ أنْ يَغْزُوهَا بالسلاحِ فعلوا وقاتلوا وهاجموا ، وإذا كانَ غير مُمكنٍ نظروا هل يغزونا بالأفكارِ المنحرفةِ الإلحاديّةِ ، إنْ أمكنَ ذلكَ فعلوا ، وإذا لم يمكن بأنْ كانت الأمّةُ على جانبٍ كبيرٍ مِن الوَعْيِ والتوحيدِ والارتباطِ بالله قالوا : إذًا نَغزُوا بطريقٍ ثالثٍ : وهو الخُلُقُ ، فسلّطُوا عليها كُلَّ ما يُفسدُ أخلاقها مِن المجلاّتِ والإذاعاتِ وغير ذلكَ ،ولهذا الآن انظر ماذا فعلوا بالناسِ بواسطةِ المحطّاتِ الأفقيّةِ التي تُلْتَقَطُ عن طريقِ الدُّشُوشِ ، ولا شكَّ –كما سمعنا – أنّ فيها شَرًّا عظيمًا ، وهم يجعلونَ فيها أشياءَ مُفيدة ؛ لأنّهم يعلمونَ أنّها لو كانت مُفسدةً مائةً في المائةِ ما قَبِلَهَا الناسُ إلاّ مَن أزاغَ الله قلبهُ – والعياذُ بالله - ، لكن يجعلونَ فيها أشياءَ مُفيدة مِن أجلِ أنْ يضعوا الحبَّ للصيدِ ، فهذا غَزْوٌ خُلُقِيٌّ ، ورُبّما يكونُ فيهِ غَزْوٌ فِكْرِيٌّ ، وأنا أسمعُ أحيانًا إذاعةً صافيةً مِن أحسنِ ما يكون مِن إذاعاتِ العالمِ( 22) وتبثُّ التَّنْصِيرَ – الدعوة إلى النصرانيّة – ".(23 )
سابعًا : بيان بعضِ أسبابِ تَخَلُّفِ المسلمينَ وعدم انتصارهم على أعدائهم
عند تفسيره لقوله تعالى :{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ }(البقرة: من الآية61)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ بني إسرائيلَ لا يقومونَ للمسلمينَ لو حَاربُوهم مِن قِبَلِ الإسلامِ ؛ لأنّ ضَرْبَ الذِّلَةِ بسببِ المعصيةِ ؛ فإذا حُورِبُوا بالطاعـةِ والإسلامِ فلا شَكَّ أنّه سيكونُ الوَبَالُ عليهم ؛ وقد قالَ الله تعالى:{لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}(الحشر:من الآية14) ؛وما يُشَاهـد اليومَ مِن مُقاتلةِ اليهودِ للعَرَبِ فإنما ذلكَ لسببين :
الأول : قِلَّةُ الإخلاصِ لله تعالى ؛ فإنّ كثيراً مِن الذينَ يُقاتِلُونَ اليهودَ - أو أكثرهم - لا يُقاتِلُونَهم بِاسْمِ الإسلامِ ، وأنْ تكونَ كلمةُ الله هي العليا ؛وإنّما يُقاتِلُونَهم بِاسْمِ العروبةِ ؛ فهو قِتالٌ عَصَبِيٌّ قَبَليٌّ ؛ ولذلكَ لم يُفلحِ العَرَبُ في مُواجهةِ اليهودِ .
والسببُ الثاني : كَثْرَةُ المعاصي مِن كَبيرةٍ ، وصَغيرةٍ ؛ حتّى إنّ بعضها لَيُؤَدِّي إلى الكُفْرِ ؛ وقد حَصَلَ للمسلمينَ في أُحُدٍ ما حَصَلَ بمعصيةٍ واحدةٍ مَعْ مَا انْضَمَّ إليها مِن التنازعِ والفشلِ كما قال الله تعالى:{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} (آل عمران: من الآية152) ".( 24)
ومِمّا تقدّمَ يتبينُ حِرْصُ الشيخِ رحمه الله على رَبْطِ الآياتِ بواقع الناس ، وتنْزيلها عليه وهذه كما أسلفتُ مِن مُمَيِّزاتِ تفسيرهِ التي تَمَيَّزَ بها .
_______________________________ حاشية
(1) تفسير سورة البقرة ( 3 / 32 ) .
( 2 ) تفسير سورة البقرة ( 3 / 80 ) .
( 3 ) تفسير سورة المائدة صـ ( 123 ) .
( 4 ) تفسير سورة البقرة ( 3 / 410 ) . وانظر أيضًا : تفسير سورة الكهف صـ ( 54 ) .
( 5 ) الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3 / 633 ) برقم ( 12202 ) ، ورواه أبو داود في كتاب : النكاح / باب : النهي عن تزوّج مَن لم يلد مِن النساء ( 2/542 ) برقم (2050) ، ورواه النسائي في كتاب : النكاح / باب : كراهية تزوّج العقيم ( 6 / 65 ) برقم (3225 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2 / 176 ) برقم ( 2685 ) وقالَ :" هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرِّجاه بهذه السياقة ". كُلُّهم مِن حديثِ مَعقل بن يسار عدا الإمام أحمد فقد خرَّجه مِن حديث أنس بن مالك . =
= والحديث حسَّنهُ الهيثمي . انظر : مجمع الزوائد ( 4 /258 ) ، وقالَ الألباني :" حسنٌ صحيح " انظر : صحيح سنن أبي داود برقم ( 1805 ) وصحيح الجامع برقم ( 2940 ) .
( 6 ) تفسير سورة البقرة ( 3 / 88 ) .
( 7 ) انظر : تفسير سورة البقرة ( 2 / 245 ) و ( 1 / 169 ) .
( 8 ) انظر : المرجع السابق ( 1 / 12 ) .
(9 ) انظر : تفسير سورة النساء صـ ( 746 ) .
( 10 ) انظر : المرجع السابق صـ ( 398 ) ، تفسير سورة البقرة ( 1 / 151 ) .
( 11 ) انظر : تفسير سورة البقرة ( 2 / 85 ) .
( 12 ) انظر : أحكام من القرآن الكريم صـ ( 396 ) ، تفسير سورة يس صـ ( 102 ) .
( 13) انظر : تفسير سورة المائدة صـ ( 225 ) .
( 14) تفسير سورة يس صـ ( 150 ) .
( 15) تفسير سورة البقرة ( 1 / 133 ) .
( 16) انظر : تفسير سورة النساء صـ ( 266 ) .
( 17) انظر : تفسير سورة آل عمران صـ ( 198 ) . وانظر : أحكام من القرآن الكريم صـ ( 273 ) .
( 18 ) تفسير سورة البقرة ( 2 / 219 ) .
( 19 ) المرجع السابق ( 1 / 50 ) . وانظر : تفسير سورة النساء صـ ( 361 ) ، تفسير سورة يس صـ ( 172 ، 245 ) ، تفسير جزء عمّ صـ ( 107 ) .
( 20 ) تفسير سورة البقرة ( 2 / 371 ) .
( 21) المرجع السابق ( 3 / 60 ) .
( 22) الْحُسْنُ في كلامِ الشيخِ عائدٌ إلى صوتِ الإذاعةِ لا إلى الإذاعةِ نفسها .
( 23 ) تفسير سورة النساء صـ ( 455 ) . وانظر : تفسير سورة سبأ ( الآية 5 ) .
( 24 ) تفسير سورة البقرة ( 1 / 219 ) . وانظر أيضًا : ( 1 / 52 ) و ( 2 / 231 ) .
وتنْزيلُ آياتهِ وربطها بواقعِ الناسِ وحياتهم ميزةٌ خاصّةٌ لكلِّ مُفسِّرٍ في عصرهِ ، ولقد اعتنى الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله بهذا الجانبِ ، واهتمّ بهِ ، يظهر هذا للناظرِ في تفسيرهِ ، وسأمثّلُ لذلكَ مِن خلالِ النقاطِ التاليةِ :
أولاً : الردُّ على بعض التعبيراتِ الشائعةِ وبيانِ خطئها
عند تفسيره لقوله تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} (البقرة: من الآية213)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ مَن يوصف بالتبشيرِ إنّما هم الرُّسُلُ وأتباعهم ؛ وأمّا مَا تَسَمَّى بهِ دُعاة النصرانيةِ بكونهم مُبشِّرينَ فهم بذلكَ كاذبونَ ؛ إلاَّ أنْ يُرادَ أنهم مُبشِّرُونَ بالعذابِ الأليمِ ، كما قالَ تعالى:{ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(آل عمران: من الآية21) ؛ وأَحَقُّ وَصْفٍ يُوصَفُ بهِ هؤلاءِ الدعاةُ أنْ يُوصَفُوا بالمضَلِّلِينَ ، أو المنَصِّرينَ ؛ وما نظيُر ذلكَ إلاَّ نظيرُ مَن اغْتَرَّ بتسميةِ النصارى بالمسيحيينَ ؛ لأنّ لازمَ ذلكَ أنّكَ أقْرَرْتَ أنهم يتبعونَ المسيحَ ، كما إذا قُلْتَ : " فلانٌ تَمِيمِيٌّ " ؛ إذاً هو مِن بني تميم ؛ والمسيحُ ابن مَريم يتبرأُ مِن دينهم الذي هم عليهِ الآنَ كما قال تعالى :{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ }(المائدة : من الآية116) إلى قولهِ تعالى:{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ }(المائدة: من الآية117) الآيتين ؛ ولأنّهم رَدُّوا بشارةَ عِيسَى بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وكَفروا بِهَا ؛ فكيفَ تَصِحُّ نِسبَتهم إليهِ ؟ والحاصلُ أنّه يَنبغِي للمؤمنِ أنْ يكونَ حَذِرًا يَقِظًا لا يَغْتَرُّ بخداعِ المخادعينَ ، فيجعلَ لهم مِن الأسماءِ ، والألقابِ ما لا يَستحقُّون ". ( 1)
مثالٌ آخر : عند تفسيره لقوله تعالى :{ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (البقرة: من الآية221)
ذكرَ مِن فوائدها :" الردُّ على الذينَ قالوا : " إنّ دينَ الإسلامِ دينُ مُساواةٍ " ؛ لأنّ التفضيلَ يُنَافِي المساواةَ ؛ والعجيبُ أنّه لم يأتِ في الكتابِ ، ولا في السُّنَّةِ لفْظةُ "المساواة " مُثبتاً ؛ ولا أنّ الله أمَرَ بها ؛ ولا رَغَّبَ فيها ؛ لأنّكَ إذا قُلْتَ بالمساواةِ استوى الفاسقُ ، والعَدْلُ ؛ والكافرُ ، والمؤمنُ ؛ والذكرُ، والأنثى ؛ وهذا هو الذي يريدهُ أعداءُ الإسلامِ مِن المسلمينَ ؛ لكن جاءَ دينُ الإسلامِ بكلمةٍ هي خيرٌ مِن كلمةِ " المساواة " ؛ وليسَ فيها احتمالٌ أبداً ، وهي " العَدْل " ، كما قالَ الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ }(النحل: من الآية90) ؛ وكلمةُ " العَدْلِ " تعني أنْ يُسَوَّى بينَ المتماثلينِ ، ويُفَرَّقَ بينَ المفترقينِ ؛ لأنّ "العَدْلَ " إعطاءُ كُلِّ شيءٍ ما يستحقهُ ؛ والحاصلُ : أنّ كلمةَ " المساواة " أَدْخَلَهَا أعداءُ الإسلامِ على المسلمينَ ؛ وأكثرُ المسلمينَ - ولا سِيَّمَا ذَوُو الثقافةِ العامّةِ - ليسَ عندهم تحقيقٌ ، ولا تدقيقٌ في الأمورِ ، ولا تَمْييزٌ بينَ العباراتِ ؛ ولهذا تَجِدُ الواحدَ يَظُنُّ هذهِ الكلمةَ كلمةُ نُور تُحمَل على الرؤوسِ : " إنّ دينَ الإسلامِ دينُ مُساواةٍ " ! ونقولُ : لو قُلتم : " الإسلامُ دِينُ العَدْلِ " لكانَ أَوْلَى ، وأشدُّ مطابقةً لواقعِ الإسلام ".(2 )
كما بيّنَ الشيخُ رحمه الله خطأ تقديمِ النساءِ على الرجالِ في الذِّكْرِ كَقولِهم : أيُّهَا السيدات ُوالسادة ، وبيانُ أنّ الصوابَ تقديمُ الرجالِ كما قدَّمَهُم الله في كتابهِ أخْذًا مِن قوله {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ}(النساء: من الآية7) .
ثانيًا : الردُّ على الدعواتِ المنحرفةِ
عند تفسيره لقولـه تعالى :{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ
تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ}(المائدة: من الآية15)
قالَ :" فالذينَ يطنطنون الآيةَ ويريدونَ أنْ يُقرِّبُوا بينَ الأديانِ ويقولونَ إنّ الله سَمَّاهُم أهلَ كتابٍ زَعْمًا مِنهم أو إيهامًا مِنهم أنّ ذلكَ مِن بابِ التكريمِ لهم والرِّضَا بما هم عليهِ : نقولُ : إنّ الله لم يُخاطبهم بذلكَ تكريمًا لهم وكيفَ يكونُ ذلكَ إكرامًا لهم واللهُ يقولُ : {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}(المائدة:60) ، لكنْ ناداهم بهـذا الوصفِ إقامةً للحُجَّةِ عليهم ، وأنّ تَصرُّفَهُم أبعد ما يكون عن العقلِ ؛ لأنّ أهلَ الكتابِ يجبُ أنْ يكونوا أوّلَ عاملٍ بهِ ".( 3)
وعند تفسيره لآيةِ الدَّيْنِ ، ذكرَ مِن فوائدهـا :" دَحْرُ أولئكَ الذينَ يقولونَ : إنّ الإسلامَ ما هو إلاّ أعمالٌ خاصّةٌ بعبادةِ الله عز وجل ، وبالأحوالِ الشخصيةِ ؛ كالمواريثِ ، وما أشبهها ؛ وأمّا المعاملاتُ فيجبُ أنْ تكونَ خاضعةً للعصرِ ، والحالِ ؛ وعلى هذا فينسلخونَ مِن أحكامِ الإسلامِ فيما يتعلقُ بالبيوعِ ، والإجاراتِ وغيرها ، إلى الأحكامِ الوضعيةِ المبنيةِ على الظلم والجهل ".( 4)
وعند تفسيره لقوله تعالى :{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}(البقرة: من الآية223)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّهُ ينبغي للإنسانِ أنْ يُحاولَ كثرةَ النَّسْلِ ؛ لقوله تعالى{حَرْثٌ لَكُمْ} ، وإذا كانت حَرْثًا فهل الإنسانُ عندما يَحرثُ أرضًا يُقلِّلُ مِن الزَّرْعِ أو يُكثِرُ مِن الزَّرْع ؟
فالجواب : الإنسانُ عندما يَحرثُ أرضًا يُكثِرُ مِن الزرعِ ويُؤيِّدُ هذا قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم [ تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ ](5) ؛ وأمّا القولُ بتحديدِ النَّسْلِ فهذا لا شكَّ أنّه مِن دَسَائِسِ أعداءِ المسلمين يُريدونَ مِن المسلمينَ ألاَّ يَكْثُرُوا ؛ لأنّهم إذا كَثُرُوا أَرْعَبُوهُم ، واسْتَغْنَوا بأنفسهم عنهم : حَرَثُوا الأرضَ ، وشَغَّلوا التجارةَ ، وحصلَ بذلكَ ارتفاعٌ للاقتصادِ ،وغير ذلكَ مِن المصالحِ ؛ فإذا بَقُوا مُسْتَحْسِرِينَ قَلِيلِينَ صَارُوا أَذِلَّةً ، وصَارُوا مُحتاجِينَ لغيرهم في كُلِّ شيءٍ ؛ ثم هل الأمرُ بِيَدِ الإنسانِ في بَقاءِ النَّسْلِ الذي حَدَّدَهُ ؟! فقـد يَموتُ هؤلاءِ المحدَّدُونَ ؛ فلا يبقى للإنسانِ نَسْلٌ ".( 6)
ومِمَّا ذكرهُ أيضًا في هذا البابِ :
- الردُّ على القوميّةِ العربية .( 7)
- الردُّ على الشُّيُوعِيِّنَ المنكرينَ للخالقِ .( 8)
- تحريمُ الاشتراكيّةِ والدعوةِ إليها ، مع بيان خطئها ، وبيانُ حكمةِ الله في جَعْلِ الناسِ فقراءَ وأغنياء .( 9)
- بُطلان توهّمِ مَن حكَّمَ القوانينَ الوضعيّة وظَنَّ أنّ بها صالح الأمّةِ .( 10)
- الردُّ على دُعاةِ تحرير المرأةِ وبيانُ أنّ أساليبهم مُشابهةٌ لأساليبِ اليهودِ والنصارى .( 11)
- التحذيرُ مِن النصرانيّةِ ودُعاتها .( 12)
- الردُّ على مَن قالَ : إنّ تطبيقَ الحدودِ تشويهٍ للمجتمع .( 13)
ثالثًا : الردُّ عى بعض النَّظريَّاتِ الشائعةِ
عند تفسيره لقوله تعالى :{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يّـس:38 - 40)
ذكرَ مِن فوائدها :" الردُّ على قَوْلِ مَن يقولُ : "إنّ الشمسَ ثابتةٌ وأنّها لا تدور " والعجبُ أنهم يقولونَ إنّها ثابتةٌ ، وأنّ القمرَ يدورُ حولَ الأرضِ . وهذا غلطٌ ؛لأنّ الله جعلَ الحكمَ واحدًا ، قال تعالى{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فإذا فسَّرنا السَّبْحَ بالدورانِ وأثبتنا ذلكَ للقمرِ فلْنُثْبِتهُ أيضًا للشمس ".(14 )
وعند تفسيره لقوله تعالى{وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}(البقرة:من الآية36)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّه لا يُمكن العيشُ إلاّ في الأرضِ لبني آدمَ ؛ لقولـهِ تعالى : {وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}؛ ويُؤَيِّدُ هذا قولهُ تعالى:{ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}(الأعراف: من الآية25) ؛ وبناءً على ذلكَ نعلمُ أنّ مُحاولةَ الكُفَّارِ أنْ يَعِيشُوا في غير الأرضِ إمّا في بعضِ الكـواكبِ ، أو في بعضِ المراكبِ مُحاولةٌ يِائِسةٌ ؛ لأنّه لابُدَّ أنْ
يكونَ مُسْتَقَرّهُم الأرض ".(15 )
ومِن ذلكَ أيضًا : إثباتُ أنّ الضَّرْبَ مِن وسائلِ التربيةِ ، أخْذًا مِن قولـه تعـالى : {وَاضْرِبُوهُنَّ }(النساء: من الآية34) ، والردُّ على أهل التربية المنكرينَ لذلك .( 16)
ومِنها : الردُّ على نظريّةِ تطوّر الخلقِ ، أخذًا مِن قولهِ تعالى{ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} (آل عمران: من الآية34) .( 17)
ومِنها : الردُّ على الفلاسفة القائلينَ بِقِدَمِ الأفلاكِ – أيْ غير مَخلوقةٍ - ، أخْذًا مِن الأدلّةِ التي تُثْبِتُ خَلْقَ السموات والأرض .( 18)
رابعًا : تَشابُه أهلِ الضلالِ مِن أيّامِ الرُّسُلِ إلى عصرنا في وَصْفِ مُخالفيهم
عند تفسيره لقوله تعالى :{ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ}(البقرة: من الآية13)
ذكرَ مِن فوائدها :" إنّ أعداءَ الله يَصِفُونَ أولياءهُ بما يُوجِبُ التنفيرَ عنهم لقولهم : {أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ}؛ فأعداءُ الله في كُلِّ زمانٍ ،وفي كُلِّ مكانٍ يَصِفُونَ أولياءَ الله بما يُوجِبُ التنفيرَ عنهم ؛ فالرُّسُلُ وَصَفَهُمْ قَوْمُهُمْ بالجنونِ ، والسِّحرِ ، والكِهَانَةِ ، والشِّعْرِ تنفيراً عنهم ، كما قـال تعالى :{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} (الذاريات:52) وقال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ}(الفرقان:من الآية31) وورثةُ الأنبياءِ مِثْلُهُم يجعلُ الله لهم أعداءً مِن المجرمينَ ، ولكن{ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} (الفرقان: من الآية31) ؛ فمهما بلغوا مِن الأساليبِ فإنّ الله تعالى إذا أرادَ هِدايةَ أحدٍ فلا يمنعهُ إضلالُ هؤلاءِ ؛ لأنّ أعداءَ الأنبياءِ يَسلُكـونَ في إبطالِ دعوةِ الأنبياءِ مَسْلَكَيْنِ ؛ مَسْلَك الإضلالِ ، والدعايةِ الباطلةِ في كُلِّ زمـانٍ ومكـانٍ ؛ ثُمَّ مَسْلَك السِّلاحِ ؛ أيْ المجابهةِ المسلّحةِ ".( 19)
خامسًا : التوقيتُ العالميُّ هو التوقيتُ بالأهلَّةِ ، وبيانُ خطأ التوقيتِ الشائعِ اليوم
عند تفسيره لقوله تعالى:{يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}(البقرة:من الآية189)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ مِيقاتَ الأُمَمِ كُلِّها الميقاتُ الذي وَضَعَهُ الله لهم - وهو الأهلّة - ؛ فهو الميقاتُ العالميُّ ؛ لقولهِ تعالى : { مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ}؛ وأمّا مَا حَدَثَ أخيراً من التوقيتِ بالأشْهُرِ الإفرنجيةِ فلا أَصْلَ لـه مِن مَحسوسٍ ، ولا مَعقولٍ ، ولا مَشروعٍ ؛ ولهذا تجدُ بعضَ الشهورِ ثمانيةً وعشرينَ يومًا ، وبعضها ثلاثينَ يومًا ، وبعضها واحدًا وثلاثينَ يومًا مِن غير أنْ يكونَ سببٌ مَعلومٌ أوجبَ هذا الفرقَ ؛ ثم إنّه ليسَ لهذهِ الأشْهُرِ علامةٌ حِسِّيَةٌ يرجعُ الناسُ إليها في تحديدِ أوقاتهم - بخلافِ الأشْهُرِ الهلاليةِ فإنّ لها علامةً حِسِّيَةً يعرفها كُلُّ أَحَد ".( 20)
سادسًا : التحذيرُ مِن الغزْوِ الفكريِّ والأخلاقيِّ
عند تفسيره لقوله تعالى{ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} (البقرة: من الآية217)
ذكرَ مِن فوائدها :" حِرْصُ المشركينَ على ارتدادِ المؤمنينَ بِكُلِّ وسيلةٍ ولو أَدَّى ذلكَ
إلى القتالِ ؛ لقوله تعالى: { وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} ؛ ولهذا كانَ الغَزْو الفِكْرِيُّ ،والغَزْو الأخْلاقِيُّ أعظمَ مِن الغَزْوِ السِّلاحِيِّ ؛ لأنّ هذا يدخلُ على الأُمَّةِ مِن حيثُ لا تَشْعُر ؛ وأمّا ذاكَ فَصِدَامٌ مُسَلَّحٌ يَنْفِرُ الناسُ مِنهُ بالطبيعةِ ؛ فلا يُمَكِّنُونَ أحداً أنْ يُقَاتِلَهُم ؛ أمّا هذا فَسِلاحٌ فَتَّاكٌ يَفْتِكُ بالأُمَّةِ مِن حيثُ لا تَشْعُر ؛ فانظر كيفَ أفسدَ الغَزْو الفِكْرِيُّ والخُلُقِيُّ على الأمةِ الإسلاميـةِ أمورَ دِينهَا ، ودُنيَاهَا ؛ ومَن تَأمَّلَ التاريخَ تبينُ لهُ حقيقةُ الحال ".( 21)
وعند تفسيره لقوله تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ }(النساء: من الآية71)
قـال َ:" نأخذُ الحذرَ مِن غزو هؤلاءِ لنا سواءٌ كانَ بالسلاحِ ، أو كانَ بالفِكْرِ ، او كانَ بالخُلُقِ ، ومَعلومٌ الآنَ أنّ أعداء َالمسلمينَ يَغزون المسلمينَ بِكُلِّ سلاحٍ ، وينظرونَ السلاحَ المناسبَ للأُمّةِ فَيغزُونَها به ِ،إذا كانَ المناسبُ للأُمّةِ أنْ يَغْزُوهَا بالسلاحِ فعلوا وقاتلوا وهاجموا ، وإذا كانَ غير مُمكنٍ نظروا هل يغزونا بالأفكارِ المنحرفةِ الإلحاديّةِ ، إنْ أمكنَ ذلكَ فعلوا ، وإذا لم يمكن بأنْ كانت الأمّةُ على جانبٍ كبيرٍ مِن الوَعْيِ والتوحيدِ والارتباطِ بالله قالوا : إذًا نَغزُوا بطريقٍ ثالثٍ : وهو الخُلُقُ ، فسلّطُوا عليها كُلَّ ما يُفسدُ أخلاقها مِن المجلاّتِ والإذاعاتِ وغير ذلكَ ،ولهذا الآن انظر ماذا فعلوا بالناسِ بواسطةِ المحطّاتِ الأفقيّةِ التي تُلْتَقَطُ عن طريقِ الدُّشُوشِ ، ولا شكَّ –كما سمعنا – أنّ فيها شَرًّا عظيمًا ، وهم يجعلونَ فيها أشياءَ مُفيدة ؛ لأنّهم يعلمونَ أنّها لو كانت مُفسدةً مائةً في المائةِ ما قَبِلَهَا الناسُ إلاّ مَن أزاغَ الله قلبهُ – والعياذُ بالله - ، لكن يجعلونَ فيها أشياءَ مُفيدة مِن أجلِ أنْ يضعوا الحبَّ للصيدِ ، فهذا غَزْوٌ خُلُقِيٌّ ، ورُبّما يكونُ فيهِ غَزْوٌ فِكْرِيٌّ ، وأنا أسمعُ أحيانًا إذاعةً صافيةً مِن أحسنِ ما يكون مِن إذاعاتِ العالمِ( 22) وتبثُّ التَّنْصِيرَ – الدعوة إلى النصرانيّة – ".(23 )
سابعًا : بيان بعضِ أسبابِ تَخَلُّفِ المسلمينَ وعدم انتصارهم على أعدائهم
عند تفسيره لقوله تعالى :{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ }(البقرة: من الآية61)
ذكرَ مِن فوائدها :" أنّ بني إسرائيلَ لا يقومونَ للمسلمينَ لو حَاربُوهم مِن قِبَلِ الإسلامِ ؛ لأنّ ضَرْبَ الذِّلَةِ بسببِ المعصيةِ ؛ فإذا حُورِبُوا بالطاعـةِ والإسلامِ فلا شَكَّ أنّه سيكونُ الوَبَالُ عليهم ؛ وقد قالَ الله تعالى:{لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ}(الحشر:من الآية14) ؛وما يُشَاهـد اليومَ مِن مُقاتلةِ اليهودِ للعَرَبِ فإنما ذلكَ لسببين :
الأول : قِلَّةُ الإخلاصِ لله تعالى ؛ فإنّ كثيراً مِن الذينَ يُقاتِلُونَ اليهودَ - أو أكثرهم - لا يُقاتِلُونَهم بِاسْمِ الإسلامِ ، وأنْ تكونَ كلمةُ الله هي العليا ؛وإنّما يُقاتِلُونَهم بِاسْمِ العروبةِ ؛ فهو قِتالٌ عَصَبِيٌّ قَبَليٌّ ؛ ولذلكَ لم يُفلحِ العَرَبُ في مُواجهةِ اليهودِ .
والسببُ الثاني : كَثْرَةُ المعاصي مِن كَبيرةٍ ، وصَغيرةٍ ؛ حتّى إنّ بعضها لَيُؤَدِّي إلى الكُفْرِ ؛ وقد حَصَلَ للمسلمينَ في أُحُدٍ ما حَصَلَ بمعصيةٍ واحدةٍ مَعْ مَا انْضَمَّ إليها مِن التنازعِ والفشلِ كما قال الله تعالى:{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} (آل عمران: من الآية152) ".( 24)
ومِمّا تقدّمَ يتبينُ حِرْصُ الشيخِ رحمه الله على رَبْطِ الآياتِ بواقع الناس ، وتنْزيلها عليه وهذه كما أسلفتُ مِن مُمَيِّزاتِ تفسيرهِ التي تَمَيَّزَ بها .
_______________________________ حاشية
(1) تفسير سورة البقرة ( 3 / 32 ) .
( 2 ) تفسير سورة البقرة ( 3 / 80 ) .
( 3 ) تفسير سورة المائدة صـ ( 123 ) .
( 4 ) تفسير سورة البقرة ( 3 / 410 ) . وانظر أيضًا : تفسير سورة الكهف صـ ( 54 ) .
( 5 ) الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3 / 633 ) برقم ( 12202 ) ، ورواه أبو داود في كتاب : النكاح / باب : النهي عن تزوّج مَن لم يلد مِن النساء ( 2/542 ) برقم (2050) ، ورواه النسائي في كتاب : النكاح / باب : كراهية تزوّج العقيم ( 6 / 65 ) برقم (3225 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2 / 176 ) برقم ( 2685 ) وقالَ :" هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يُخرِّجاه بهذه السياقة ". كُلُّهم مِن حديثِ مَعقل بن يسار عدا الإمام أحمد فقد خرَّجه مِن حديث أنس بن مالك . =
= والحديث حسَّنهُ الهيثمي . انظر : مجمع الزوائد ( 4 /258 ) ، وقالَ الألباني :" حسنٌ صحيح " انظر : صحيح سنن أبي داود برقم ( 1805 ) وصحيح الجامع برقم ( 2940 ) .
( 6 ) تفسير سورة البقرة ( 3 / 88 ) .
( 7 ) انظر : تفسير سورة البقرة ( 2 / 245 ) و ( 1 / 169 ) .
( 8 ) انظر : المرجع السابق ( 1 / 12 ) .
(9 ) انظر : تفسير سورة النساء صـ ( 746 ) .
( 10 ) انظر : المرجع السابق صـ ( 398 ) ، تفسير سورة البقرة ( 1 / 151 ) .
( 11 ) انظر : تفسير سورة البقرة ( 2 / 85 ) .
( 12 ) انظر : أحكام من القرآن الكريم صـ ( 396 ) ، تفسير سورة يس صـ ( 102 ) .
( 13) انظر : تفسير سورة المائدة صـ ( 225 ) .
( 14) تفسير سورة يس صـ ( 150 ) .
( 15) تفسير سورة البقرة ( 1 / 133 ) .
( 16) انظر : تفسير سورة النساء صـ ( 266 ) .
( 17) انظر : تفسير سورة آل عمران صـ ( 198 ) . وانظر : أحكام من القرآن الكريم صـ ( 273 ) .
( 18 ) تفسير سورة البقرة ( 2 / 219 ) .
( 19 ) المرجع السابق ( 1 / 50 ) . وانظر : تفسير سورة النساء صـ ( 361 ) ، تفسير سورة يس صـ ( 172 ، 245 ) ، تفسير جزء عمّ صـ ( 107 ) .
( 20 ) تفسير سورة البقرة ( 2 / 371 ) .
( 21) المرجع السابق ( 3 / 60 ) .
( 22) الْحُسْنُ في كلامِ الشيخِ عائدٌ إلى صوتِ الإذاعةِ لا إلى الإذاعةِ نفسها .
( 23 ) تفسير سورة النساء صـ ( 455 ) . وانظر : تفسير سورة سبأ ( الآية 5 ) .
( 24 ) تفسير سورة البقرة ( 1 / 219 ) . وانظر أيضًا : ( 1 / 52 ) و ( 2 / 231 ) .