تَرَاوِيح مِن أَرْوِقَةِ المَسْجِدِ النَّبَويِّ الشَّرِيفِ

إنضم
18/07/2010
المشاركات
537
مستوى التفاعل
2
النقاط
18
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1

تراويح من أروقة المسجد النبوي الشريف


هذه قصاصات مصورة بقلمي ماجت في روحي واختلطت بدمي قبل أن تختلط بحبري, أسميتُها تراويح (جمع ترويحة وهي جلسات الراحة), فهي تراويح لنفسي وروحي.. صاغها قلمي في عقد تراه حينا متناسقا, وحينا تراه متباينا, ولا شيء يجمعها سوى أنها تنقل صورا من مسجد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, فإن شئت قلتَ: أنها تراويح أدبية, أو قل: تراويح روحية, والأخيرة أقرب لأنني إنما كتبتُها متنفسا لروحي لا متنفسا لقلمي, فتراني إن أصبتُ البلاغة فيها مرة أخطأتُها مرات, وإن أجدتُ وصف معنى فيها لم أحسن وصف غيره من المعاني في كل مرة, وإنما جاءت تراويحي هكذا كيفا اتفق.
حفصة اسكندراني​
 
الترويحة الأولى:
صدح المؤذن بأذان الفجر أن: حي على الصلاة, وانساب صوته الرقراق بمقام حجازي يأسر الألباب، ومع ندائه خشعت الأصوات وهدأت، لا شيء يعلو صوته فوق الأذان.. وكلما انتهی المؤذن من مقطع تكاد همهمات ترديد الأذان خلفه تصنع ما يشبه الضوضاء, ولكنها ضوضاء حييّة تأتي بخشوع..
وحين انتهى المؤذن من نداء الفلاح؛ إذ بالناس بين قائمٍ وراكع وساجد، ومصلٍ على المصطفى صلى الله عليه وسلم ومسبحٍ وحامد, ورافعٍ يديه يلهج بالدعوات، ومقلبٍ نظره بين الروضة والحصوات, ومصغٍ إلى زقزقة عصافير مختبئةٍ بين الثريا المدلاة, وآخر يبحث بين المصلين عن موضع قدم ليدرك الصلاة.
 
الترويحة الثانية:
حين تقام الصلاة في المسجد النبوي الشريف يعني ذلك إيذانا بالتئام الجموع في سلاسل بشرية متوازية ومتقاربة, فتتلاصق الأكتاف وتتلامس الأقدام، بعضها امتثالا للسنة، وبعضها تتلامس غير مخيرة من شدة الزحام, فهذا هو المسجد النبوي في رمضان!.
يبدأ الإمام في الصلاة فتنساب آيات الفاتحة إلى أذنيك وقلبك وروحك, وحين ينتهي منها ويجهر الجميع بالتأمين خلفه؛ تدركك لحظات صمت لا توصف إلا بكونها معجزة، فكل ما يُتوقع من رداتِ فعلٍ بشرية يمكن أن تصدر من هذه الآلاف المؤلفة إلا الصمت! فإذا أصغيتَ لصمتهم ذاك غشيتك رجفة خشوع تذكرك بعظمة الوقوف بين يدي الله, فتذكر قول الله: "وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا".
فالحمد لله الذي منّ عليك أن تكون قطرة من هذا البحر المبارك الذي يقف للصلاة في ثاني المساجد الثلاث التي تشد إليها الرحال, وكم من قلوب تشتاق لموضع قدمك هذا, فلله الحمد والمنة.
 
الترويحة الثالثة:
في صلاة التراويح في المسجد النبوي لا يكفي أن تجد لك مكانا بين الصفوف لتصلي فيه؛ بل لابد أن تؤمِّن لرأسك موضعا بين أقدام المصلين وبين أرجل الكراسي التي يجلس عليها بعض من يقف في الصف الذي أمامك, ولن تكون محظوظا في كل يوم برؤية بقعة كافية من السجاد الأحمر الخاص بالمسجد النبوي الشريف تنتظر رأسك الكريم!.
وحين ييسر الله لك أن تؤمِّن موضعا لسجودك فلا تسلم من أن تجد عليه بضع حبات من السمسم اللاتي تناثرن من موائد الافطار التي نصبت في ذات المكان بعد أن أخطأتهن يد عمال النظافة, وقد تتلصق حبات منهن بجبهتك عند السجود!
ومع كل هذا وذاك.. ومع كل ضيق أو معاناة ستجد نفسك منجذبا إلى المسجد النبوي في اليوم التالي لتعيد التجربة ثانية كالمسحور.
فاللهم لا تحرم من المسلمين مشتاقا لزيارة هذه الرحاب الطاهرة.
 
الترويحة الرابعة:
حين تطأ ساحات المسجد النبوي قبيل آذان مغربِ يومٍ من أيام شهر رمضان بنصف ساعة تقريبا؛ حتما ستتفاجأ بساحات أخرى غير التي تعرفها, بل وغير تلك التي تنقل لك عبر شاشات التلفاز وقت الإفطار, فهناك على أرض الواقع إدراك آخر, وشعور مغاير, وانبهار أعمق, تعجز جميع الكاميرات عن نقله بكل ما يحمل من جمال وروعة, فثمة أعداد كبيرة جدا من موائد الإفطار العامرة بما لذ وطاب قد غطت الساحات جميعها, وقد صفتْ في مربعات متجاورة, فكأنما جرى قلمٌ بينها فرسمها وضبط أبعادها, ثم خطّ بينها دروبا وطرقا للمارة!, وعلى تلك الموائد خلق من شتى أجناس الأرض التي تعرف والتي تجهل, وجميعهم ـ على جوعهم وذبولهم وحرارة الجو التي تلفعهم ـ يجلسون بسكينة أمام الطعام, منهم من تشاغل بتوزيع التمر على الصائمين حوله, ومنهم من أقبل على الله يدعو, ومنهم من انشغل بتلاوة القرآن, في انتظار أن يحين الوقت الذي يسمح لهم فيه الله جل جلاله بالإفطار بعد أن أمسكوا عن الطعام والشراب لأجله... فعجبا لهذه المعاني الجميلة التي تحاصرك في خطواتك القليلة التي تخطوها في الساحات للوصول إلى داخل الحرم!
وفي تلك الخطوات التي تقطعها في ساحات المسجد النبوي يستقبلك فتية وولدان, وشيبا وشبان يدعوك كل واحد منهم ـ بكرم أهل المدينة وبلهجتهم المحببة ـ لتلحق بمائدته داخل الحرم وخارجه ليتشرف بخدمتك, وليكسب أجر إفطار مسلم, ورغم بساطة الموائد التي نصبت داخل الحرم مقارنة بتلك التي في ساحاته فإن اللقيمات التي ستقتاتها من تلك السفر المباركة ستكون أحب إليك من موائد أفخر المطاعم, وموائد (البوفيهات) المفتوحة, بل وستعلق بلذة بساطتها في ذاكرتك ما حييت... ولا تسل عن خفة الصلاة والعبادة بعدها.
 
الترويحة الخامسة:
حين تتأمل موائد الإفطار التي تمتد داخل أروقة المسجد النبوي الشريف تقف مبهورا من شدة العجب, فهي موزعة بين المصلين وقد غطت المساحات المخصصة للصلاة واخترقت الجالسين عرضا وطولا, ما يعني أن صلاةً يستحيل أن تقام وتصف لها الصفوف حتى تنتهي هذه الفوضى التي قد تستغرق ساعة لإزالتها على أقل تقدير! ومع ذلك سيتعاظم عجبك وانبهارك حين ترى أن إزالتها والتئام الصفوف مكانها لم يستغرق من الوقت سوى عشر دقائق فقط لتقام الصلاة وكأن شيئا لم يكن.. وكأن طوفانا لم يمر!
فأين المستهزئون بالعرب والمسلمين لأنهم أهل فوضى لا يعرفون النظام ليتأملوا هذه الخلية العظيمة التي تعمل بانسجام ودقة؟!..
مشكلتنا الحقيقية أننا لا نتعلم الكثير من ديننا.
 
أخيتي بنت اسكندراني,,

كم أسرت قلبي هذه الترويحات,
لا أخفيك , فقد أعجبتني و آلمتني معاً..

بوركت يمناك أيتها المدنية.
 
جزاك الله خيرا يا خادمة الفرقان، متعنا الله وإياكم بالصلاة في الحرم المكي والمسجد النبوي وعما قريب في المسجد اﻷقصی بإذن الله.
 
الترويحة السادسة:
قبيل صلاة العشاء وكذلك قبيل صلاة التهجد في المسجد النبوي بربع ساعة تقريبا ستعتادُ ـ كما اعتاد أهل المدينة ـ أن تشتمّ رائحة بخور زكية تتسلل إليك عبر فتحات التكييف الذهبية الموجودة في الأعمدة البيضاء, فكأنها تعلمك هي الأخرى أن وقت الصلاة قد اقترب, فلا تبدأ الصلاة إلا والمسجد النبوي يعبق برائحة عود طيبة, وليس هذا فحسب .. بل ربما يأتيك في الاستراحات القصيرة بين الركعات رجل وقور أو شيخ مسن قد أمسك بيده قنينة مسك, وراح بعناية يمسح بالمسك الزكي على أيادي المصلين, وكلما استحسن أحدهم الرائحة ازداد وجهه الرجل بشرا وهو يستقبل الدعوات ويتمتم بـ: آمين آمين.
 
ها قد مر عام على تدويني لتراويحي هذه..
وها قد منّ الله عليّ بأن أقبل عام جديد لي في الصلاة بالمسجد النبوي الشريف.. لأدون تراويح أخرى, فلله الحمد والمنة.
تَرَاوِيح مِن أَرْوِقَةِ المَسْجِدِ النَّبَويِّ الشَّرِيفِ 1436هـ
حفصة اسكندراني
 
في المسجد النبوي الشريف ثمة أقوام قد بلغوا من العمر مبلغا يعيقهم عن الوصول إلى المساجد, أناس قد احدودبت ظهورهم, وأضاء الشيب رؤوسهم, ووهنت عظامهم, وقصرت خطاهم, وارتجفت أطرافهم, ومع ذلك تجدهم من المشّائين إلى الحرم, السبّاقين إلى الصفوف الأُول!
تراهم وأنت تتعكز بكسل على شبابك لتقوم إلى الصلاة قد هبوا قبل الإقامة وانتظروها واقفين, قوم تعلقت قلوبهم بالصلاة, "لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)".
وفي رمضان تجدهم قد أتوا إلى المسجد النبوي والشوق سابقهم إلى الصلاة والتهجد والقيام, وكلما سلّم الإمام من ركعتين هبوا للحاق بتكبيرة الإحرام, لا يشغلهم شاغل, ولا يصرفهم عن الصلاة صارف, قد حلقت أرواحهم نشيطة في محراب عبادة الله ساجدة وقائمة, لا يكدر نشاطها سوى ذلك الجسد الدنيوي الذي يشدها إلى الأرض بعد أن شاخ وضعف, فيخجل شبابك من شيبهم, وتغار عظامك الكسلى من ضراوة وإصرار عظامهم.
فلله درهم.. هم بركة بين المصلين بإخلاصهم وحسن عبادتهم, وهم عظة للشباب بحرصهم ونشاطهم.
فاللهم ارحم ضعفنا وضعفهم, وأعنا وإياهم والمسلمين على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك على الوجه الذي يرضيك عنا.
 
جزاكم الله خيرا ووفقكم ومن الله علينا بالجوار في المدينة المنورة
 
اصطف المصلون في المسجد النبوي الشريف مبتهجين, فها هي قد أقبلت أولى ليالي شهر رمضان المبارك لعام ألف وأربعمائة وستة وثلاثين, ولا شيء يشبه روعة الاصطفاف للصلاة في هذا الزمان المبارك, وفي ذلك المكان الطاهر؛ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وبعد لحظات كبّر الإمام, وانسابت آيات الفاتحة بصوت غريب يشوبه الرهبة!!!, إنه صوت آت من أعماق الماضي, لا تسمعه بأذنيك فحسب وإنما تصغي إليه بجميع جوارحك, صوت رخيم محبب إلى القلب, قد أقبل في موكب مهيب يزفه الحنين, وإذ بذكريات الماضي المنزوية في قلبك وذاكرتك قد نُشرت من مرقدها, يتدافع بعضها ببعض, وينبثق بعضها من بعض, فتحملك إلى الماضي.. فتنصتَ لذات الصوت العذب في ذات المكان ولكن قبل عشرين سنة أو يزيد, تستمتع بتلاوة يهتز لها جنبات المسجد النبوي القديم وما حوله من مصليات ملحقة به (المظلات قبل التوسعة), وكلما رفعتَ بصرك شعرتَ بعظمة وأنت تشاهد أمواج البشر المصطفة للقيام, لا يحط من عزمها تلك المراوح الهزيلة التي تكاد لا تحرك الهواء (قبل تكييف الحرم), ولا يعيقها تعب الأجساد, ولا قرب الأسواق في زمن رواج التجارات, فكل شيء يتصاغر إذا ما كبّر هذا الإمام بصوته الخاشع للقيام.
وبالمقام الحجازي الآسر المحبب إلى القلوب؛ يتداخل ماضيك بحاضرك.. لتعود للحظتك, فتدرك أن إمامك إنما هو الشيخ محمد أيوب, مزمار من مزامير آل داود في زمننا الحاضر, مزمار ترنم بتلاوة القرآن في محراب المسجد النبوي الشريف قبل تسعة عشر عاما, إنه الصوت الندي الذي اشتاق لسماعه أهل المدينة وأحبوه, صوت عذب يريح القلب, ويطلق الفكر في تدبر ما يُتلى من آيات.
فاللهم متع عبدك محمد أيوب بالنعيم في الدنيا والآخرة كما أمتع المصلين بتلاوته زمنا, وأمده اللهم بالصحة والعافية, ولا تخذله في موطن يحب ألا يخذل فيه.
 
إن لم تكن شاهدت درا ثمينا وجوهرا لا يقدر بمال الأرض من قبل؛ فتعال وشاهده منثورا على بساط المسجد النبوي الشريف في ليال العشر الأواخر من رمضان؟
در يتلألأ.. لا تخطئه عيناك.. ولا تمل من مراقبته بكل جوارحك..
أنهم قوم لم يقعدهم الجهد والكلل بين العبادات، ولم تلههم الدنيا بملهياتها بين الصلوات، فتراهم بين المغرب والعشاء.. وبين التراويح والتهجد.. وبين التهجد والفجر؛ ركعا لله وسجدا، قد ختموا الصلاة بالصلاة، واستعدوا للصلاة بالصلاة، وأتبعوا الدعاء بالدعاء، وخللوا بتلاوة القرآن سائر أوقاتهم، فأتبعوا الختمة بالختمة، وجرى ذكر الله على ألسنتهم في كل حال.. فما أروعهم من درر!

تراهم ينتقون من المسجد أبعد زواياه عن الأعين، يستخفون من الناس خشية الرياء، فإن جاورت أحدهم وأصغيت لتلاوته العذبة.. أحصيت فيها وقفات وشهقات، يرجون رحمة ربهم ويخافون عذابه.. وهم بين الخوف والرجاء يتأرجحون، فتتبدل تباعا لذلك مشاعرهم ويتنوع دعاؤهم.
إنهم ثلة من خيار المعتكفين ومعهم ثلة أيضا من غير المعتكفين، تعرفهم بسيماهم..
أكثر الناس بكاء وعزلة، وأقلهم زادا وطعاما رغم وفرة الطعام توزيعا وشراء، لكنهم آثروا اشباع حاجات الروح من روحانيات هذه الليالي المباركات على حاجات الجسد، ولا يجتمع اشباع جسد مع اشباع روح، فإن أشبعت الروح شغلتك عن الجسد، وإن أشبعت الجسد شغلك عن الروح.. فلله درهم.. هم زينة المسجد النبوي الشريف وجوهره.

فاللهم كما اصطفيتهم و فضلتهم على كثير من الناس بالعبادة والصلاة في هذه البقعة المباركة بينما غيرهم منغمس في الحياة وهائم في الأسواق.. فأتمم عليهم نعمك ظاهرة وباطنة وأكرمهم بالفوز والقبول والعتق من النيران.
اللهم آمين
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
 
بعد ختم القرآن الكريم ليلة 29 من رمضان ومع انصراف الجموع من المسجد النبوي تشعر بهيبة ووحشة تثير في النفس الأشجان، فتلك الآلاف المؤلفة التي ملأت المسجد وساحاته والشوارع المحيطة به ومصليات الفنادق المطلة عليه؛ قد انفضت حتى بدت جنبات المسجد بعدهم خالية إلا من المعتكفين وبعض المصلين..

جموع ما جاءت إلا لتحي الليلة الوترية الأخيرة من رمضان بالقيام والصلاة والدعاء، طمعا في أن تكون هذه الليلة هي ليلة العتق الكبرى (في حال كانت الليلة الاخيرة من رمضان)، فلله عتقاء في الليلة الأخيرة بقدر ما أعتق سبحان في كل ليال الشهر، وذلك بمنٍ منه وكرم..

جموع حركها الطمع في عفو الله ومغفرته، والرغبة في حضور ختم كتابه في مسجد رسوله صلى الله عليه وسلم، ومشاركة المسلمين في التأمين على الدعاء في هذه الليلة المباركة..

حتى اذا انصرفوا بدى المسجد الشريف خاليا بعدهم أكثر من كل ليلة، ففي كل ليلة لم تخلو سجادة فيه.. ولا زاوية من زواياه من ساجد وقائم وقارئ وذاكر، ولم تشهد أرفف المصاحف فيه نشاطا وتداولا لمحتوياتها من المصاحف طوال العام كما تشهد في رمضان وبالذات في العشر الأواخر منه..

لذا لا عجب أن تبصر ملامح الحزن في كل شيء حولك، حتى في تلك الجمادات التي لو نطقت لرثت فراق الصائمين القائمين الساجدين الراكعين.

أما المعتكفون فلهم في هذه الليلة أحوال وأحوال.. فأينما قلبت بصرك في وجوههم طالعك الحزن والألم الذي يكاد يعتصر قلوبهم، حزن على فراق رمضان، وحزن لدنو انتهاء الاعتكاف، وحزن لفراق بعضهم البعض..
دموعهم حاضرة، وألسنتهم لاهجة بأن يعيد الله عليهم هذه النعم في قابل الأعوام.. فلله درهم!
إنهم مئات من الشباب والرجال والفتيات والنساء، جاءوا للاعتكاف في المسجد النبوي الشريف، من مختلف المشارب واﻷجناس، ومع ذلك تراهم وقد صاروا لحمة واحدة، كأنهم إخوة من دم ونسب، فلقد اعتادوا تقاسم الطعام والشراب، وتشاركوا في الصيام والقيام، وتراصوا بجوار بعضهم عند النوم والراحة، قد عرفوا الكبير فيهم فوقّروه، وأحبوا البشوش فيهم وقربوه، وراعوا المريض منهم وأعانوه..
لم يَحِل بينهم اختلاف ألسنتهم واختلاف لغاتهم، فثمة لغة من الحب والمودة قد جمعت بينهم، حتى حنت القلوب على القلوب.. فسبحان من أبقى لنا صورا معجزة تذكرنا بتاريخ المسلمين الأُوُل حين آخى المصطفى عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين والأنصار في صورة لم يسجل التاريخ تآلفا بين الناس أروع ولا أعظم منها.

فاللهم تقبل منا ومن المسلمين الصلاة والصيام وصالح الأعمال، اللهم ولا تحرمنا بذنوبنا من الفوز بجناتك والعتق من نيرانك برحمتك ومنتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
عودة
أعلى