عدنان الغامدي
Active member
- إنضم
- 10/05/2012
- المشاركات
- 1,360
- مستوى التفاعل
- 37
- النقاط
- 48
- الإقامة
- جدة
- الموقع الالكتروني
- tafaser.com
يقول الحق تبارك وتعالى:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
قوله تعالى :إنا أعطيناك الكوثر : ويناسب أن يكون الكوثر الصلاة المتكاثرة التي يختص بها النبي صلى الله عليه وسلم دون سواه من الخلق ومصداقها قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[SUP]1[/SUP] وقوله صلى الله عليه وسلم : عن عبدالله بن عمرو قال قال صلى الله عليه وسلم : إذا سمعتم المؤذِّنَ فقولوا مثلَ ما يقولُ ثمَّ صلُّوا عليَّ فإنَّهُ من صلّى عليَّ مرَّةً صلّى اللَّهُ عليهِ بِها عشرًا ثمَّ سلوا لي الوسيلةَ فإنَّها درجةٌ في الجنَّةِ لا تنبغي إلّا لعبدٍ من عبادِ اللَّهِ وأرجو أن أَكونَ ذلِكَ العبدَ فمن سألَ اللَّهَ لي الوسيلةَ حلَّت عليهِ شفاعتي يومَ القيامةِ.[SUP]2[/SUP]
فقوله تعالى : “أعطيناك” لم ترد الا في هذا الموضع ، ولم تكن في حق أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عطاء خاصاً فريداً اختص به دون سواه وهو الصلاة والتسليم المتكاثر فأسمي الكوثر.
ثم قال تعالى : “ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ” والفاء للتعقيب متصلة بما قبلها ، وتقديرها : ما دمنا أعطيناك الكوثر وجب أن تشكر الله بالصلاة والنحر وهو العمل الذي حق أن يؤدى شكراً للجزاء فكما انعم الله عليك يا محمد بالصلاة النامية الدائمة المتصلة الى قيام الساعة فعليك وجبت الصلاة والنحر وكلاهما من جنس واحد من حيث الصلة مع فارق الوجهة والكيفية فنستدل من هذه الآية على ماهية الكوثر ونستدل بيقين على ذلك أيضا بدلالة ما بعدها فيقول تعالى : “إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ” وفي ذلك أن الصلة للمخلوق بعد موته ليست في بقاء ذريته بل باتصال عمله وجزاءه ، فلم يضر النبي صلى الله عليه وسلم انه لم يؤخر أبناء بعده ولم ينفع اعتى أهل الكفر بنيه واهل بيته.
فالنبي تتصل اليه صلوات الأمة وسلامها دائما نامية متكاثرة كل ثانية إلى قيام الساعة ، وعتاة الكفار انقطع منهم كل سبب فلا عمل يثابون عليه ولا ذكر حسن يبقى لهم ولم يرافق أسمائهم الا الذل والعار ، فكان شانئه صلى الله عليه وسلم هو الابتر وانتفى ذلك عن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لأن ذكره وأجره متصل لا يبتر حتى قيام الساعة بهداية المؤمنين وصلاة المصلين وسلامهم.
ومن المفارقة أن هذه السورة تبشر بتكاثر وكثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واتصالها بأقل سور القرآن حروفاً وآيات وأقصرها.
نهر الكوثر
تميز الاسلام العظيم عن سواه من الديانات بميزة العدل فللمرء جزاء من جنس عمله ، فحتى الحدود قائمة على طبيعة الجرم وكذلك ما ينال المؤمن من الأجر في الآخرة إنما هو انعكاس لما فعله في الدنيا فكان جزاء المؤمنين والكافرين في الآخرة جزاءً موافقاً لحالهم في الدنيا فندرك بلا شك أن صور العذاب في النار و أهوالها ومصائبها و نعيم الجنة وخيرها إنما هو تجسيد وانعكاس لعمل ابن آدم في الدنيا، وفي كل طاعة يؤديها العبد في الدنيا يمثلها الله نعمة يتلذذ بها في الآخرة وكل معصية يجعلها الله عذاباً من جنس فعل صاحبه في الدنيا لذلك يقول تعالى (جَزَاء وِفَاقًا) [SUP]3[/SUP] ، كما يقول في حق المحسنين (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[SUP]4[/SUP]
ولو استظهرنا هذا المعنى في النصوص الشرعية لوجدنا مثلا أن الكفار حين كانوا يضحكون على المؤمنين في الدنيا فإنهم سيكونون محل تندر وضحك المؤمنين في الآخرة وسيستبدلون ضحكهم في الدنيا بالبكاء والنواح والنحيب فيقول تعالى : فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ(35)[SUP]5[/SUP]
وقال ﷺ: الخير لا يأتي إلا بالخير[SUP]6[/SUP]، وقال: أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة[SUP]7[/SUP]
وكذلك كانت أحوال الناس في الآخرة متصلة بأعمالهم في الدنيا فمن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة وهكذا ومن ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث
قرَأ أنسُ بنُ مالكٍ: {إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: ١] قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (الكوثرُ نَهَرٌ في الجنَّةِ يجري على وجهِ الأرضِ حافَتاه قِبابُ الدُّرِّ) قال ﷺ: (فضرَبْتُ بيدي فإذا طِينُه مِسْكٌ أَذْفَرُ وإذا حَصباؤُه اللُّؤلؤُ)[SUP]8[/SUP]
فقياساً على مسألة الجزاء من جنس العمل فإن الكوثر إنما هو انعكاس للصلاة المتكاثرة التي صلاها اتباع سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، فأكرم نبيه بهذا النهر واكرم اتباعه بشربهم منه جزاءً على اتباعهم لسنة نبيهم وصلاتهم عليه في الدنيا ، وهو روحي فداءه يسقيهم جزاءً لهم على ما خصه الله منهم من التعظيم والتوقير , فكما تتابع البشر لدين الله افواجاً وحاز هو أجره العظيم بكل مهتدٍ منهم ، فيكرمه الله برد كرامة لأتباعه وأحبابه بسقياهم من الكوثر.
هذا والله تعالى أعلم وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
———————–
1- [الأحزاب:56].
2- ابن تيمية (ت ٧٢٨)، مجموع الفتاوى ٢٧/٤٤٠ • صحيح • أخرجه مسلم (٣٨٤)، وأبو داود (٥٢٣)، والترمذي (٣٦١٤)، والنسائي (٦٧٨)، وأحمد (٦٥٦٨) باختلاف يسير. • شرح رواية أخرى.
3- [سورة النبأ: 26].
4- [سورة الرحمن:60].
5- [المطففين 34-35].
6- رواه ابن حبان في صحيحه: (5029)، وصححه الألباني في الإرواء: (1353) وفي الصحيحة: (2614).
7- رواه البخاري: (5352)، ومسلم: (993).
8- شعيب الأرنؤوط (ت ١٤٣٨)، تخريج صحيح ابن حبان ٦٤٧١ • إسناده صحيح على شرط مسلم.