مـــا هــــو الــــعــــلــــم ؟.
مـــا هــــو الــــعــــلــــم ؟.
ما هو العلم؟ هوتساؤل عن ماهية العلم، فالماهية هي ما يجاب عن السؤال بما هو، أو هي ما به الشيء هو هو، أي حقيقته بعد تجريده من كل ما ليس منه، وحصر كل ما يكون به قوامه، فالماهية تطلق على الأمر المتعقل، بقطع النظر عن الوجود الخارجي، أما الثبوت الخارجي فيسمى حقيقة
[1].
إن الماهية بالمعنى السالف الذكر هي رديفة ما يصطلح عليه بالتعريف الحدي " المنطقي " وهوتعريف ماهوي، حيث يعرف بكونه :
جامعا " لكل أطراف الشيء المعرف" مانعا " من دخول أي شيء غريب عن الشيء المعرف" .
قد يوهم السؤال عن ماهية العلم أننا نعرفه (العلم) "الإنجاز"، و بالتالي قادرون على تعريفه (العلم) "القدرة "، بحيث إننا نملك الكفاءة العلمية التي تخول لنا تحديد مفهوم العلم. والواقع أن الأمر خلاف ذلك تماما، ونستحضر هنا القاعدة المهمة من قواعد البحث العلمي : "ما يقتل العلم هو البديهيات "
فكثيرا ما يتحدث الناس عن أشياء لا يعرفونها، وهذا إشكال حقيقي يمكن تجاوزه بتفعيل قاعدة أخرى من قواعد البحث العلمي و هي :
"السؤال مفتاح العلم "
والمقصود به هنا السؤال الفلسفي " الإشكالي"، و ليس السؤال البسيط الذي ينتهي بجواب، وإنما هو السؤال المسؤول عن تثوير العلم، بما ينتُج عنه من أسئلة جديدة، قد تكون أعوص من السؤال الأم، لتكون مفتاح الآفاق الجديدة و الرحبة، أمام البحث العلمي، بحيث تجعل منه مشروعا مفتوحا على المستقبل.
إننا عندما نتساءل عن ماهية العلم؟، نكتشف أننا لا نملك جوابا كافيا وشافيا، ليتضح لنا عيانا أن ما كنا نتصور معرفته، سرعان ما يتسرب من بين أصابع أيدينا كأنه ماء، فأنى له أن يبلغ عقولنا ليروي عطشنا المعرفي، ويذهب عنا غصة الجهل.
إنه المعنى الغائب، الذي كنا نعتقد حضوره بيننا، فإذا هو مفارق لنا، لنحتاج إلى ركوب أهوال البحث عنه، لعلنا نظفر به، أو بشيء منه، أو نعود بعد هذه الرحلة الشاقة و المضنية بخفي حنين.
هكذا هو العلم تعطيه كل ما لديك من صحة، وسعادة، ووقت، و مال، ليجود عليك ببعضه إن جاد. وكثيرا ما يبحث الباحثون و لا يظفرون بما يبحثون عنه، فيعودون القهقرى، ويقنعون بأن درجة الصفر التي حصلوها، هي في حد ذاتها نتيجة مهمة، لأنها تترك باب البحث مشرعا أمام الباحثين.
ولعل تساؤلنا عن ماهية العلم، هذه هي عاقبته، أو شيء مشابه لها، أو قريب منها . و يكفي لتأكيد ماسبق مراجعة مادة ( علم ) في أهم معجمين عربيين : مقاييس اللغة لابن فارس ( ت395هـ) ، ولسان العرب لابن منظور (ت 711 هـ )، ليتبين حقيقة ما ذهبنا إليه، حيث يقتصرا على تعريف العلم بأنه ضد الجهل
[2].
وليس الأمر مقتصرا على المعاجم العربية، بل إنه يتعداه إلى الموسوعات العالمية، مما يعزز ماذهبنا إليه، ليتأكد أن الإشكال ليس مقتصرا على الثقافة الإسلامية العربية، بل يتعداها، ليكون إشكالا معرفيا إنسانيا.
بالرجوع إلى مادة "علم : SCIENCE " في الموسوعة العالمية الفرنسية الذائعة الصيت : "UNIVERSALI" ، نجدها لم تعط أي تعريف للعلم، واقتصرت على عرض لائحة من المواضيع المتصلة بموضوع العلم.
[3]
[1]ـ المعجم الفلسفي : جميل صليبا، ج 2، ص 314، دارالكتاب اللبناني، ط1، بيروت، 1973م.
[2]ـمقاييس اللغة : أبو الحسين أحمد بن فارس ( ت 395 هـ )، تحقيق عبد السلامهارون، مادة ( علم ) ، باب العين و اللام و مايثلثهما، ج 4 ، ص 109 ، ط2 ،مطبعةالحلبي، القاهرة ، 1391 هـ / 1971 م .
ــلسا ن العرب : ابن منظور ( ت 711 هـ )، مادة ( علم )، باب العين ، ج 4 ، ص3083 ، دار المعارف، القاهرة .
[3]ـCours de psychologie : R .GHIGLIONE ; tome 2 ; p671 ; DUNOD.Paris ;1999.