المبحث الأول: رسالة الخطابي -رحمه الله-، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: ترجمة موجزة للمؤلف
اسمه: حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، وكنيته: أبو سليمان الخطابي البستي.
وقد اختلف في اسمه؛ فمن قائل: اسمه أحمد وهو قول أبي منصور الثعالبي، وأبي عبيد الهروي، ومن قائل: اسمه حمد وهو القول الراجح؛ لأن الخطابي نفسه سُمع قائلاً عن اسمه: "اسمي الذي سميت به حمد؛ ولكن الناس كتبوا أحمد فتركته عليه"، ولأن الجم الغفير، والعدد الكثير ممن ترجم له سماه ب (حمد) وغلّط وسمه ب (أحمد).
مولده: ولد في بست في شهر رجب سنة تسع عشرة وثلاثمئة، وقيل سنة سبع عشرة وثلاثمئة من الهجرة.
نسبته: (الخطابي) بفتح الخاء وتشديد الطاء: قد ورد فيها قولان:
الأول: أنه من سلالة زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي.
الثاني: نسبة لجده المذكور (الخطاب).
(البستي) بضم الباء وسكون السين: هذه نسبة لبست من بلاد كابل.
مكانته العلمية: كان إماماً فقيهاً، محدثاً أديباً، نهل من برك العلم الوسعة؛ فأجنى ثروة علمية أعلته قدراً، ورفعته ذكراً؛ حتى إن أهل عصره، وأناس دهره شبهوه بالإمام أبي عبيد القاسم بن سلام في العلم، والورع، والتأليف، والتدريس... وكفى بهذا مكانة ومنزلة!.
ثناء العلماء عليه: إن العالم ليستبين علمه، ويظهر شأنه بثناء العلماء عليه؛ وقد أثنى العلماء على الخطابي ثناءاً يفوح عطراً، ويدوم ذخراً؛ وسأذكر بعضاً من أقوالهم نقلها بعض من ترجم للخطابي:
قال عنه أبو المظفر بن السمعانى: "قد كان من العلم بمكان عظيم، وهو إمام من أئمة السنة، صالح للاقتداء به، والإصدار عنه". انتهى
وقال عنه الحاكم أبو عبد الله الحافظ: "أقام عندنا بنيسابور سنتين وحدث بها، وكثرت الفوائد من علومه".
ورثاه أبو بكر عبد الله بن إبراهيم الحنبلي ببست في شعر، فقال:
وقد كان حمداً كاسمه حمد الورى شمائل فيها للثناء ممادح
خلائق ما فيها معاب لعائب إذا ذكرت يوماً فهن مدائح
تغمده الله الكريم بعفوه ورحمته والله عاف وصافح
لازال ريحان الإله وروحه قرى روحه ما حن في الأيك صادح
رحلاته: طاف ببعض البلاد ليحوز العلم؛ ومن هذه البلاد: العراق، والحجاز، وخراسان، وخرج إلى ما وراء النهر.
شيوخه: أبوبكر القفال، أبو علي بن أبي هريرة، أبو سعيد بن الأعرابي، أبو بكر بن داسة، إسماعيل الصفار، أبو العباس الأصم، أبو جعفر الرزاز، أبو عمر الزاهد، أحمد النجار، مكرم القاضي وغيرهم كثير.
تلاميذه: أبو حامد الإسفراييني، أبو عبد الله الحاكم، أبو نصر البلخي، أبو مسعود الكراييسي، أبو عبيد الهروي وغيرهم كثير.
وفاته: توفي - رحمه الله - عن إحدى وستين سنة في بست في رباط على شاطىء هندمند، واختلف في سنة وفاته على ثلاثة أقوال:
قيل سنة ثمان وثمانين وثلاثمئة، ومعظم من ترجم له ذكر هذا، وقيل سنة ستة وثمانين وثلاثمئة، وقيل سنة تسع وأربعين وثلاثمئة وهذا قول ابن الجوزي؛ وقد وصف السيوطي، وياقوت الحموي قول ابن الجوزي فقالوا عنه: "ليس بشيء".
مؤلفاته: له مؤلفات كثيرة، ومصنفات وفيرة في عدد من العلوم والمعارف منها: أعلام السنن وهو شرح للبخاري، ومعالم السنن وهو شرح لسنن أبي داود، وكتاب العزلة، وغريب الحديث، وشرح الأسماء الحسنى، وكتاب العزلة، وشأن الدعاء، والقول في بيان إعجاز القرآن وغير ذلك.
المطلب الثاني: إلماحة يسيرة عن الرسالة
إن رسالة الإمام الخطابي رسالة صغيرة الحجم؛ لكنها عظيمة الفائدة، ومنهجه رحمه الله راق ورائق، وأسلوبه جياش رقراق، وقد أتحفنا في هذه الرسالة بتحف نبيلة، ودرر جليلة، وتحدث عن أمور كثيرة؛ فتحدث عن وجوه الإعجاز، وناقشها، وبيّن الصحيح منها، وأطنب وأسهب في وجه كون القرآن معجزاً ببلاغته، وذكر أوجه ذلك، وبين أهمية الرجوع إلى الكلام العربي الأصيل الأول دون الرجوع إلى المتأخر؛ فقد دخله الخلل، وصرعه الزلل، ثم ذكر شبه المنكرين لإعجاز القرآن، وأخذ ينقضها شبهة شبهة بأسلوب علمي فياض، ثم بين شروط وطرق المعارضة، إلى غير ذلك من الأمور الناجعة في بابها، النافعة في مضمونها.
والرسالة بعنوان:القول في بيان إعجاز القرآن، والطبعة التي بين يدي طبعة دار المعارف، تحقيق وتعليق: محمد خلف الله أحمد، و د. محمد زغلول سلام، وهي غلاف، ومعنون لها بعنوان: "ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني في الدراسات القرآنية والنقد الأدبي"، ورسالة الخطابي تتكون من خمسين صفحة.