أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 622
- مستوى التفاعل
- 26
- النقاط
- 28
تقريرعن تجربة خليل الرحمن المختبرية
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة : 260]
جاءت القصة كلها في آية واحدة تنبيها على وحدتها العضوية ...ولو نفذنا الأمر النبوي حرفيا : «بلغوا عني ولو آية» لوجب تبليغ القصة كلها لا بعضها إذ أن المفهوم من ظاهر الحديث أن تبليغ بعض الآية لا يجزئ.
رَبِّ أَرِنِي :
الرؤية علمية وبصرية والراجح أن البصرية هي المنشودة لا العلمية كما سيأتي ...
كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
تسوير الطلب ب (كيف) له أهمية كبرى، فاللازم عنه أن السائل مقربثبوت إحياء الموتى، إذ المسؤول عنه هو كيفية الوجود لا الوجود ذاته، فلا يصح السؤال عن الكيفية - وهي فرع - لمنكر الوجود - وهو أصل-. .فلو قلت لرجل (كيف جئت ) لا يمكن أن تكون شاكا في المجيء فأنت تراه ولكنك تريد معرفة أحوال حصول المجيء ،ماشيا أو راكبا ،طوعا أو كرها....ولو كان السائل غير مثبت للمجيء نفسه فسيكون السؤال ( كيف جئت) هذيانا ولغوا...إلا أن يخرج الاستفهام عن حقيقته.
ومن هنا تعلم أن جواب الخليل
( بَلَى)
من دلالة التأكيد لا التأسيس. فالخليل قد أثبت يقينه بالبعث مرتين : بدلالة اللزوم من سؤاله ( كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)، وبدلالة المطابقة بجوابه ( بَلَى) ....
وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي:
يمكن تأسيس نظرية في المعرفة كاملة استنادا إلى هذا الجواب مختلفة عن النظرية السائدة عند المناطقة والتي تبناها الأصوليون وغيرهم...
إن اليقين الذي هو أعلى درجة العلم عند المنطقيين ليس كذلك في القرآن ففوقه درجة اطمئنان القلب ...وعلى هذا الأساس سيكون الجهاز المعرفي مؤلفا من ثلاث مراتب:
1- ما تحت اليقين
2- اليقين
3- ما فوق اليقين
يمكن أن يدرج ضمن مرتبة ما تحت اليقين الأوضاع المشهورة عندهم من الوهم والشك والظن ...
أما مرتبة اطمئنان القلب فهم لا يعرفونها ...
ولقائل أن يقول لم لا يكون الاطمئنان هو نفسه اليقين في أعلى درجاته ...نقول هذا محال لأن الايمان بالبعث لا يمكن أن يشوبه أدنى شك ، فهو لا ريب فيه ، ولا تعتبر فيه ارتفاع النسبة المئوية..فالأمركما ورد في أثر منسوب إلى بعض الصحابة "لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِينًا" ولا يظن بإمام الموحدين أن إيمانه بالبعث يتخلله ذرة من الشك فيحتاج إلى ما ينبذها ،أو أن قوله ( بَلَى) يعني بها إثبات مطلق الإيمان وليس الإيمان المطلق...
لكن ما علامات اطمئنان القلب أو درجة ما فوق اليقين التي تميزه عن اليقين...
قد يكون من الصعب بيانها ولكن من الممكن الاستئناس ببعض الفوارق من مثل التفريق النبوي بين أثر الخبر وأثر المعاينة...فقد جاء في الحديث الصحيح:
ليس الخبرُ كالمعايَنَةِ ، إِنَّ اللهَ تعالى أخبرَ موسى بما صنع قومُهُ في العجلِ ، فلَمْ يُلْقِ الألواحَ ، فلما عايَنَ ما صنعوا ، ألْقَى الألْوَاح فانكسَرَتْ...
ولعل خليل الرحمن لما قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى كان يطلب المعاينة لا الخبر ،فتحمل الرؤية على البصرية وحدها.
وقد يكون الفرق بين اليقين والاطمئنان أن اليقين لا يصاحبه الشك ولكن قد يعتريه الوسوسة ،أما الاطمئنان فمحصن من الشك والوسوسة معا، وهذا معتاد عند الناس فقد يوسوس الشيطان للمرء في أمر يقيني ليحزنه فقط، وقد تأتي عليه لحظات سفسطة يتساءل فيها هل هو موجود حقا أم يخيل له، فيسقط في هوة من الغم لا ينجيه منها الا الاستعاذة من الشيطان وانجلاء تلك اللحظة المرضية بقوة الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان...
فلعل خليل الرحمن أراد بقوله لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي تحقيق حالة نفسية لا رفع درجة علمية..
هذا ، والله أعلم
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْر
لماذا اربعة بالضبط... العلم عند الله
لماذا من الطير...لأنه الأنسب، فالتجربة تتعلق بالبرهنة على البعث فلا بد من التجريب على ذوات الأرواح، ومن المستبعد التجريب على بني آدم فلا يتخيل خليل الرحمن يذبح البشرويقطع الأجساد الآدمية ويشرحها ! أما الحيوانات البرية الضخمة كالجمل والفيل والبقرونحوها فتحتاج إلى وقت وجهد ، فتقطيع الخليل لقناطر اللحم وحملها وتوزيعها على رؤوس الجبال شاق عليه ...فكان الطير الانسب للتجريب فضلا عن حكمة أخرى سنبينها....
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
طلب الخليل من ربه أن يكون له دور الرائي في التجربة فاستجاب له ربه، وشاء بكرمه أن يزيده من فضله دورا آخر هو دورالمشارك الفاعل ،فكان الخليل مشاهدا وفاعلا في وقت واحد ... ( وقد سرد التنزيل قبل سرد تجربة الخليل مباشرة تجربة في الموضوع نفسه هي تجربة صاحب الحمار وتكشف المقارنة عن اتحاد الرجلين في دور المشاهد مع اختلاف في الدور الثاني فللخليل دور الفاعل ولصاحب الحمار دور المنفعل ... )
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
أي اذبحهن وقطعهن...وهذه مرحلة في التجربة هامة ...لأن التأكد من البعث مشروط بالتأكد من الموت أولا...كي لا يتوهم شاك أن الميت الذي بعث إنما كان نائما فحسب..لهذا أمر الله خليله بذبح الطيربيده هو( فَصُرْهُنَّ) ، وعن كثب (إِلَيْكَ) ...كي لا يبقى في موتها مرية بعد.
ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا
التجربة محكمة حقا....ترد على المنكرين الذين استبعدوا البعث بشبهة تحلل الجسم وتفرق أجزائه فقالوا أنى يبعث حيوان- مثلا- إذا أكلته مجموعة من السباع وتفرقت أشلاؤه في بطونها وهذه السباع نفسها افترست وتفرقت أشلاؤها في بطون أخرى...فكيف سيجمع ما تفرق من أجزاء الحيوان الأول!
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا
في هذا المشهد الأخير نلمس بوضوح نفاذ الإرادة الربانية....فقد تخلت الطير عن عادتين في تكوينها الجبلي عادة نفسية وعادة جسدية:
العادة النفسية جفولها من الأنسان فهي هنا تأتيه!
العادة الجسدية قطعها للمسافات طائرة وهي هنا تأتي ساعية على رجليها مع طول المسافة من قمة الجبل إلى حيث الخليل!
فلا يمنع وقوع ما يشاء الله سنة ولا عادة ولا قانون :
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ..
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة : 260]
جاءت القصة كلها في آية واحدة تنبيها على وحدتها العضوية ...ولو نفذنا الأمر النبوي حرفيا : «بلغوا عني ولو آية» لوجب تبليغ القصة كلها لا بعضها إذ أن المفهوم من ظاهر الحديث أن تبليغ بعض الآية لا يجزئ.
رَبِّ أَرِنِي :
الرؤية علمية وبصرية والراجح أن البصرية هي المنشودة لا العلمية كما سيأتي ...
كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى
تسوير الطلب ب (كيف) له أهمية كبرى، فاللازم عنه أن السائل مقربثبوت إحياء الموتى، إذ المسؤول عنه هو كيفية الوجود لا الوجود ذاته، فلا يصح السؤال عن الكيفية - وهي فرع - لمنكر الوجود - وهو أصل-. .فلو قلت لرجل (كيف جئت ) لا يمكن أن تكون شاكا في المجيء فأنت تراه ولكنك تريد معرفة أحوال حصول المجيء ،ماشيا أو راكبا ،طوعا أو كرها....ولو كان السائل غير مثبت للمجيء نفسه فسيكون السؤال ( كيف جئت) هذيانا ولغوا...إلا أن يخرج الاستفهام عن حقيقته.
ومن هنا تعلم أن جواب الخليل
( بَلَى)
من دلالة التأكيد لا التأسيس. فالخليل قد أثبت يقينه بالبعث مرتين : بدلالة اللزوم من سؤاله ( كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)، وبدلالة المطابقة بجوابه ( بَلَى) ....
وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي:
يمكن تأسيس نظرية في المعرفة كاملة استنادا إلى هذا الجواب مختلفة عن النظرية السائدة عند المناطقة والتي تبناها الأصوليون وغيرهم...
إن اليقين الذي هو أعلى درجة العلم عند المنطقيين ليس كذلك في القرآن ففوقه درجة اطمئنان القلب ...وعلى هذا الأساس سيكون الجهاز المعرفي مؤلفا من ثلاث مراتب:
1- ما تحت اليقين
2- اليقين
3- ما فوق اليقين
يمكن أن يدرج ضمن مرتبة ما تحت اليقين الأوضاع المشهورة عندهم من الوهم والشك والظن ...
أما مرتبة اطمئنان القلب فهم لا يعرفونها ...
ولقائل أن يقول لم لا يكون الاطمئنان هو نفسه اليقين في أعلى درجاته ...نقول هذا محال لأن الايمان بالبعث لا يمكن أن يشوبه أدنى شك ، فهو لا ريب فيه ، ولا تعتبر فيه ارتفاع النسبة المئوية..فالأمركما ورد في أثر منسوب إلى بعض الصحابة "لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِينًا" ولا يظن بإمام الموحدين أن إيمانه بالبعث يتخلله ذرة من الشك فيحتاج إلى ما ينبذها ،أو أن قوله ( بَلَى) يعني بها إثبات مطلق الإيمان وليس الإيمان المطلق...
لكن ما علامات اطمئنان القلب أو درجة ما فوق اليقين التي تميزه عن اليقين...
قد يكون من الصعب بيانها ولكن من الممكن الاستئناس ببعض الفوارق من مثل التفريق النبوي بين أثر الخبر وأثر المعاينة...فقد جاء في الحديث الصحيح:
ليس الخبرُ كالمعايَنَةِ ، إِنَّ اللهَ تعالى أخبرَ موسى بما صنع قومُهُ في العجلِ ، فلَمْ يُلْقِ الألواحَ ، فلما عايَنَ ما صنعوا ، ألْقَى الألْوَاح فانكسَرَتْ...
ولعل خليل الرحمن لما قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى كان يطلب المعاينة لا الخبر ،فتحمل الرؤية على البصرية وحدها.
وقد يكون الفرق بين اليقين والاطمئنان أن اليقين لا يصاحبه الشك ولكن قد يعتريه الوسوسة ،أما الاطمئنان فمحصن من الشك والوسوسة معا، وهذا معتاد عند الناس فقد يوسوس الشيطان للمرء في أمر يقيني ليحزنه فقط، وقد تأتي عليه لحظات سفسطة يتساءل فيها هل هو موجود حقا أم يخيل له، فيسقط في هوة من الغم لا ينجيه منها الا الاستعاذة من الشيطان وانجلاء تلك اللحظة المرضية بقوة الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان...
فلعل خليل الرحمن أراد بقوله لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي تحقيق حالة نفسية لا رفع درجة علمية..
هذا ، والله أعلم
قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْر
لماذا اربعة بالضبط... العلم عند الله
لماذا من الطير...لأنه الأنسب، فالتجربة تتعلق بالبرهنة على البعث فلا بد من التجريب على ذوات الأرواح، ومن المستبعد التجريب على بني آدم فلا يتخيل خليل الرحمن يذبح البشرويقطع الأجساد الآدمية ويشرحها ! أما الحيوانات البرية الضخمة كالجمل والفيل والبقرونحوها فتحتاج إلى وقت وجهد ، فتقطيع الخليل لقناطر اللحم وحملها وتوزيعها على رؤوس الجبال شاق عليه ...فكان الطير الانسب للتجريب فضلا عن حكمة أخرى سنبينها....
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
طلب الخليل من ربه أن يكون له دور الرائي في التجربة فاستجاب له ربه، وشاء بكرمه أن يزيده من فضله دورا آخر هو دورالمشارك الفاعل ،فكان الخليل مشاهدا وفاعلا في وقت واحد ... ( وقد سرد التنزيل قبل سرد تجربة الخليل مباشرة تجربة في الموضوع نفسه هي تجربة صاحب الحمار وتكشف المقارنة عن اتحاد الرجلين في دور المشاهد مع اختلاف في الدور الثاني فللخليل دور الفاعل ولصاحب الحمار دور المنفعل ... )
فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ
أي اذبحهن وقطعهن...وهذه مرحلة في التجربة هامة ...لأن التأكد من البعث مشروط بالتأكد من الموت أولا...كي لا يتوهم شاك أن الميت الذي بعث إنما كان نائما فحسب..لهذا أمر الله خليله بذبح الطيربيده هو( فَصُرْهُنَّ) ، وعن كثب (إِلَيْكَ) ...كي لا يبقى في موتها مرية بعد.
ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا
التجربة محكمة حقا....ترد على المنكرين الذين استبعدوا البعث بشبهة تحلل الجسم وتفرق أجزائه فقالوا أنى يبعث حيوان- مثلا- إذا أكلته مجموعة من السباع وتفرقت أشلاؤه في بطونها وهذه السباع نفسها افترست وتفرقت أشلاؤها في بطون أخرى...فكيف سيجمع ما تفرق من أجزاء الحيوان الأول!
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا
في هذا المشهد الأخير نلمس بوضوح نفاذ الإرادة الربانية....فقد تخلت الطير عن عادتين في تكوينها الجبلي عادة نفسية وعادة جسدية:
العادة النفسية جفولها من الأنسان فهي هنا تأتيه!
العادة الجسدية قطعها للمسافات طائرة وهي هنا تأتي ساعية على رجليها مع طول المسافة من قمة الجبل إلى حيث الخليل!
فلا يمنع وقوع ما يشاء الله سنة ولا عادة ولا قانون :
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ..