تفهم معنى هذا الإجماع

إنضم
26 فبراير 2005
المشاركات
1,331
مستوى التفاعل
3
النقاط
38
الإقامة
مصر
.

دعوة لتفهم معنى الإجماع الذي أورده الإمام القرطبي أثناء تفسيره لقوله تعالى:" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء17)

قال قتادة: أجمع أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن كل معصية فهي بجهالة، عمدا كانت أو جهلا، وقاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي.

السؤال: ما سر ذكر" بجهالة" إن كان الأمر كذلك ؟
 
من عصى عمداً فهو جاهل بعظمة الله وما قدره حق قدره حال معصيته ,
ومن عصاه جهلاً فهو جاهل بأمر الله ودينه فيما عصاه .
 
ساعة ملابسة المعصية والوقوع فيها يثبت أن الإنسان جاهل حقيقة ، إذ خفت في قلبه بعض معاني التعظيم لربه
 
تقسيم الإخوة واضح لمسألة فعل المعصية عمدا أو جهلا .
ولكن يشكل على ذلك قول ابن عباس ومن وافقه في عدم قبول توبة القاتل عمدا مع إدراج قتادة لهم في أهل هذا الإجماع.
والله تعالى أعلم.
 
أخي إبراهيم
قتادة ذكر الإجماع , والقرطبي ذكر من وافقه .
ولا أثر لرأي ابن عباس في توبة القاتل على قوله هنا .
 
كيف لا يكون له أثر وابن عباس يرى أن قاتل العمد لا توبة له ، والإجماع المذكور ينص على أن لكل مرتكب معصية سواء عن عمد أو جهل توبة كما هو منطوق الآية المذكورة ؟
 
بناء على ذلك : جميع النصوص في قبول توبة من تاب - وبعضها ثابت عن ابن عباس - تُناقض قوله هنا . والتحقيق غير ذلك ؛ وهو :
أن ابن عباس رضي الله عنه - كغيره الصحابة - يرى صحة توبة متعمد القتل , فما معنى إذاً قوله عنه ( لاتوبة له ) ؟
الجواب : أن التوبة سقوط المطالبة بأثر الذنب , والمقتول عمداً لا يسقط حقه بتوبة قاتله .
هذا وجه , ووجهٌ آخرٌ مقبول هو أن القاتل عمداً أتى بجريرة - أعظم الذنوب بعد الشرك - لا تعدلها في عظمتها ما يبلغه عمل التائب فيما عمل من الحسنات في الغالب , فيبقى من أثر الذنب ما يبقى .
وهذا من دقة فقهه رضي الله عنه .

فقوله رضي الله عنه هنا موافق لقوله في غيرها من الآيات , ولا أثر - على الحقيقة - لقوله في توبة متعمد القتل في هذه الآية ولا في غيرها من الآيات . والله أعلم .
 
.

دعوة لتفهم معنى الإجماع الذي أورده الإمام القرطبي أثناء تفسيره لقوله تعالى:" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء17)

قال قتادة: أجمع أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن كل معصية فهي بجهالة، عمدا كانت أو جهلا، وقاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي.

السؤال: ما سر ذكر" بجهالة" إن كان الأمر كذلك ؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :
تذكرت بهذا الكلام ما يدور في ذهني دوما وهو أن أذكى إنسان من اتقى الله تعالى.

أما ما يخص السؤال .
وبعد تفكير تذكرت ما فعله سيدنا الخضر عليه السلام ، فقد أتى بمعاصي ولكنها لم تكن بجهالة ، فلم تكن معصية بذلك .
وتذكرت قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ، وتعلمون ما يتفرع تحتها من أمثلة كثيرة ، فقد يأكل الإنسان ما هو محرم مثلا ليحافظ على نفسه عند خوفه من الهلاك جوعا.
والله أعلم وأحكم.
 
.

دعوة لتفهم معنى الإجماع الذي أورده الإمام القرطبي أثناء تفسيره لقوله تعالى:" إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء17)

قال قتادة: أجمع أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن كل معصية فهي بجهالة، عمدا كانت أو جهلا، وقاله ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي.

السؤال: ما سر ذكر" بجهالة" إن كان الأمر كذلك ؟

جزاكم الله خيراً يا دكتور خضر على فتحكم باب النقاش و المدارسة في هذا القول الكريم من القرآن العظيم

و ما تفضلتم بنقله مما ذكره الإمام القرطبي عن قتادة رضي الله عنه ، فقد أسنده الإمام ابن المنذر في " تفسيره " - في القطعة الموجودة من مخطوطه ، و التي طُبعتْ قريبا - قال :
1480 - حدثنا موسى، قال: حدثنا حميد، قال: حدثنا سفيان، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي العالية الرياحي [1] ، قال: " اجتمع رأي رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن كل ذنب أصابه ابن آدم فهي جهالة " .
[ تفسير ابن المنذر - (2 / 605) ]

و قال - ابن المنذر - عقبه في تفسيره :

1481 - حدثنا أبو أحمد، قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، في قوله عز وجل " {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة} قال: من عمل ذنبا من شيخ أو شاب، فهو بجهالة "

-------------------------------
[1] هو : أَبُو العَالِيَةِ رُفَيْعُ بنُ مِهْرَانَ الرِّيَاحِيُّ البَصْرِيُّ (ع)
الإِمَامُ، المُقْرِئُ، الحَافِظُ، المُفَسِّرُ، أَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، البَصْرِيُّ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ.
كَانَ مَوْلَىً لامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي رِيَاحِ بنِ يَرْبُوْعٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي تَمِيْمٍ.
أَدْرَك زَمَانَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ شَابٌّ، وَأَسْلَمَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ.
وَسَمِعَ مِنْ: عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَأُبَيٍّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي مُوْسَى، وَأَبِي أَيُّوْبَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ، وَعِدَّةٍ.
وَحَفِظَ القُرْآنَ، وَقَرَأَهُ عَلَى: أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وَتَصَدَّرَ لإِفَادَةِ العِلْمِ، وَبعُدَ صِيْتُهُ.
....قَالَ أَبُو خَلْدَةَ: مَاتَ أَبُو العَالِيَةِ فِي شَوَّالٍ، سَنَةَ تِسْعِيْنَ.
وَقَالَ البُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ: مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. [ الذهبي ، سير أعلام النبلاء ]
فهو من كبار التابعين
 
[align=justify]الفرق بين الجهل والجهالة:

[ الجهل: يُقابل العِلم ... هذا ما تعاضدت عليه المعجمات اللغوية التراثية.
أي: الجهل يقابل العِلم بحسب الذات، ثم زاد اللغويون معانيَ أخرى في معجماتهم بحسب الأعراف الاجتماعية، وما نُقِلَ إليهم من تفسير لآيات القرآن الكريم.
وهذا الزَّبِيدي صاحب معجم (تاج العروس) (14/129) وهو أوسع المعجمات يقول:
[جهل: جَهِلَهُ، كـ (سَمِعَهُ)، جَهلاً وجَهالَة: ضد عَلِمَهُ].
ونَقَلَ عن بعضهم: [الجهل: التقدّم في الأمور المنبهمة بغير عِلْم].
______

وأضافوا معنًى لغوياً آخر ... وهو قولهم: استجهله: استخفّهُ.
قال النابغة الذبياني (ديوانه، ط بيروت، 64):

دعاك الهوى واستجهلتك المنازل ** وكيف تصابى المرء والشيب شامل ؟
_______

والآن كيفَ فُسِّرَت (الجهالة) بـ (الحمق والطيش) ؟
لدينا لفظة (استجهله) التي ذكرناها آنفاً في شعر النابغة الذبياني بمعنى (استخفّه) ... فهل الاستخفاف فيه معنى الحمق أو الطيش، ولو بالتقريب بينهما ؟ !!
_______

لكنّ العلماء أفاضوا في معاني الجهل، ذاكرينَ أنواعه، ومنهم الراغب الأصفهانيّ في كتابه: (المفردات في غريب القرآن) الذي تبِعه العلماء من اللغويين والمفسرين في تقسيمه، قائلاً:

الجهل على ثلاثة أضرب:

الأول: هو خلو النفس من العلم، وهذا هو الأصل، وقد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضياً للأفعال الخارجة عن النظام، كما جعل العلم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام.

والثاني: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه.

والثالث: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحا أم فاسداً، كتارك الصلاة عمداً. وعلى ذلك قوله تعالى: (أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين)(البقرة، الآية 67 )، فجعل فعل الهزء جهلاً. وقوله تعالى: (فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة) (الحجرات، الآية 6).
والجاهل يُذكر تارة على سبيل الذم، وهو الأكثر، وتارة لا على سبيله، نحو: (يحسبهم الجاهل أغنياء)، (البقرة الآية 273)، أي مَن لا يعرف حالهم.
انتهى تقسيم الراغب الأصفهاني.
_________

إذا لم نُفسّر (الجهالة) بضد العِلم ... فما تفسير (الجهالة) وبخاصةٍ في الآية المذكورة في السؤال ؟.

الإجابة:
1. الفرد يعمل القبيح عن عِلم وإرادة، وليس عن جهل به، وإرادته هذه نابعة عن هوًى أو شهوة أو غضب .... إلخ.
2. كأن الفرد لم يعلَم قط، وكأنّ العِلمَ عنده بالعمل القبيح معدوم، فصارَ عُرفاً لدى النّاس جاهلاً، لأنه لم يستفد من عِلمه في التمييز بين العمل الحسن والعمل القبيح، ولم يردعه عن فعله.
3. وهذا النوع من الجهالة يسمح بالتوبة، لأنه لم يصدر عن عناد، وإنما صدر عن استخفاف لشهوة أو هوًى أو غضب، والعناد هنا عند الفقهاء يعني أنه يعمل القبيح وهو يُنكر أن يحاسبه الله عزّ وجل أو ينكر يوم الحساب.
4. الذي يسمح بهذا التفسير للجهالة هو ذِكر التوبة في الآية، لأن الذي يعاند في الحق لا يتوب، يموت وهو كافر، وأما مَن رجع عن باطله فتُقبَل توبته.

هذا إذا أغفلنا وجود (الاستخفاف) ضمن معاني (الجهل)، والمتدبر فيها يظهر له صلة الحمق والطيش به. ] منقول[/align]
 
بناء على ذلك : جميع النصوص في قبول توبة من تاب - وبعضها ثابت عن ابن عباس - تُناقض قوله هنا .
ر .
والتحقيق غير ذلك وهو :
أن ابن عباس رضي الله عنه - كغيره الصحابة - يرى صحة توبة متعمد القتل ,

فما معنى إذاً قوله ( لاتوبة له ) ؟
الجواب : أن التوبة سقوط المطالبة بأثر الذنب , والمقتول عمداً لا يسقط حقه بتوبة قاتله .
هذا وجه , ووجهٌ آخرٌ مقبول هو أن القاتل عمداً أتى بجريرة - أعظم الذنوب بعد الشرك - لا تعدلها في عظمتها ما يبلغه عمل التائب فيما عمل من الحسنات في الغالب , فيبقى من أثر الذنب ما يبقى .
وهذا من دقة فقهه رضي الله عنه .

فقوله رضي الله عنه هنا موافق لقوله في غيرها من الآيات , ولا أثر - على الحقيقة - لقوله في توبة متعمد القتل في هذه الآية ولا في غيرها من الآيات . والله أعلم .

أخي الكريم من المعلوم أن آيات قبول توبة من تاب من الذنب متعارضة مع الوعيد الذي توعد الله به قاتل العمد دون تقييد له بتوبة من عدمها ، وكذا من أشرك بالله تعالى .
وقد رجح أهل العلم آيات التوبة بمرجحات معروفة .
وهذه المسألة معروفة ولا تحتاج إلى أخذ ورد ، ومن أراد التوسع فيها فعليه بكتب التفسير
والذي أعرفه أن جمعا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم يرون أن قاتل العمد لا توبة له وبعض أقوالهم في البخاري وغيره.
قولك : إن التوبة هي سقوط المطالبة بأثر الذنب غير دقيق حفظك الله .
فإن التوبة على حسب المتاب منه .
فإن كان الذنب متعلقا بالله تعالى سقطت المطالبة به بالتوبة بشروطها ، وإن كان فيه حق لغير الله تعالى روعي ذلك بحسبه .
وأرجو مراجعة أقوال أهل العلم في المسألة بدقة.
فالحاصل أن قوله في توبة القاتل عمدا معارض لنص الإجماع كما لا يخفى .
والله تعالى أعلم.
 
وجدتها لدى بحر أنوار العلم ابن عاشور ـ رحمه الله تعالى ـ

وجدتها لدى بحر أنوار العلم ابن عاشور ـ رحمه الله تعالى ـ

.

أثمن للأحبة الكرام ما سطروه وهو لا شك مما يعتبر في فهم الآية ولكن بعد تصفح واستذكار ما قاله السادة العلماء في الآية الكريمة ـ من أول كشاف الزمخشري مرورا بجامع القرطبي وأنوار البيضاوي وروح الآلوسي ومحرر ابن عطية وبحر أبي حيان ومفاتيح الفخر وفتوحات الجمل وعناية الشهاب و حاشية محي الدين شيخ زادة وانتهاء بمنار رشيد رضا وأضواء الشنقيطي و.................. ـ

فإني أستطيع الجزم بأن الكل حلل الجهالة تحليلا يؤكد أن كل معصية ترتكب فهي بجهالة أي: سفه وحمق على أي وجه كانت .

وأن الجهالة حال لازمة لصاحب المعصية لا تنفك عنه وبذا يبقى الاستشكال هو هو هو ولا يزال السؤال قائما:

لم جاء هذا القيد "بجهالة" طالما أن كل معصية ترتكب فارتكابها يحدث بجهالة
والجهالة حال ملازم للمرتكب على أي وجه ، ومن تاب تاب الله عليه بفضله إن شاء.؟ .....
أجاب ابن عاشور عما سكت عنه غيره من المفسرين قائلا:
وذكر هذا القيد هنا لمجرّد تشويه عمل السوء ، فالباء للملابسة ، إذ لا يكون عمل السوء إلاّ كذلك . وليس المراد بالجهالة ما يطلق عليه اسم الجَهل ، وهو انتفاء العلم بما فعله ، لأنّ ذلك لا يسمّى جهالة ، وإنّما هو من معاني لفظ الجَهل ، ولو عمل أحد معصية وهو غير عالم بأنّها معصية لم يكن آثماً ولا يجب عليه إلاّ أن يتعلّم ذلك ويجتنّبه .

واختلف المفسّرون من السلف ومَن بَعدهم في إعمال مفهوم القيدين «بجهالة من قريب» حتّى قيل : إنّ حكم الآية منسوخ بآية { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } [ النساء : 48 ] ، والأكثر على أنّ قيد ( بجهالة ) كوصف كاشف لعمل السوء لأنّ المراد عمل السوء مع الإيمان . فقد روى عبد الرزاق عن قتادة قال : اجتمع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فرأوْا أنّ كلّ عمل عصي الله به فهو جهالة عمداً كان أو غيرَه . والذي يظهر أنّهما قيدان ذكراً للتنبيه على أنّ شأن المسلم أن يكون عمله جارياً على اعتبار مفهوم القيدين وليس مفهوماهما بشرطين لقبول التوبة ، وأنّ قوله تعالى : { وليست التوبة للذين يعملون السيّئات } إلى { وهم كفار } قسيم لمضمون قوله : { إنما التوبة على الله } إلخ ، ولا واسطة بين هذين القسمين "أ.هـ

والله الموفق والمستعان
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد .
أما بعد :

كما يبدو لي ، الجهالة وصف ملازم لفاعل المعصية ، والتي فسرها أهل العلم كما ذكر الشيخ بالسفه والحمق ، والمعصية يكفيها تشويها وصفها ( بالسوء ) ، وليس من الممكن أن نقول أن المراد بالجهالة ما يطلق عليه (وصف الجهل أي عدم العلم بأنها معصية أصلا ) وذلك لترتب العقاب كما ورد في الآية على هذه المعصية ، والجاهل الذي لا يعلم بأنه قد ارتكب محرما أصلا لا إثم عليه .

أما بالنسبة للعبارة التالية :
(( والأكثر على أنّ قيد ( بجهالة ) كوصف كاشف لعمل السوء لأنّ المراد عمل السوء مع الإيمان ))
في هذه العبارة إشكال حيث أن المسلم تنفك عنه صفة الإيمان عند ملابسته للمعصية كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة ، ولا تنفك عنه صفة الإسلام ، والأحرى كما يبدو لي والله أعلم ، أن تكون الجهالة وصف كاشف لحالة عقل المكلف البالغ العاقل الذي اختار الطيش والحمق واتباع الهوى .

وهناك نقطة أريد تسليط الضوء عليها ، وهي أن المؤمن قد يلابس المعصية ، ولكنه مضطر غير باغ ولا عاد = عندها لا إثم عليه كما ورد في النصوص الشرعية ، وفي هذه الحالة يكون قد قاس الأمور بعقله حيث أنه قد قدر الضرورة بقدرها ، فهناك انتفت عنه صفة الجهالة إلى صفة تمام العقل ورجحانه ، والله أعلى وأعلم وأحكم.
 
ونسيت أن أضيف ما يخص الخضر عليه السلام .
قال تعالى:
{ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً } (الكهف:66)
ورشدا : أي صوابا أرشد به ، وكما هو وضح فإن الرشد عكس السفه والحمق ، وقد نفذ الخضر عليه السلام طلب موسى عليه السلام ، فأتى بمعاصي في وجهة نظر موسى عليه السلام ، ولكنها لم تكن بجهالة بل تنفيذا لأوامر الله تعالى ، قال تعالى على لسان الخضر عليه السلام :
{ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً }(الكهف:82).
والله أعلم وأحكم.
 
الناس في ارتكاب المعاصي نوعان:

النوع الأول: هو ذلك المراقب لله في عمله الحافظ لحدوده ولكن قد تزل به القدم تحت ضغط الشهوة أو الغضب أو غيرها من دوافع الوقوع في المعصية ولكنه سرعان ما يفيق أو يَذَّكَّر إذا ذُكِّر ، وهذا النوع هو المقصود في الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) سورة النساء(17)
وفي قول الله تعالى:
(وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) سورة آل عمران (135)

والنوع الثاني: ذلك الذي لا يتورع عن السيئات ولا يردعه تذكير ولا ترغيب ولا ترهيب فهذا النوع مصر على أعماله المشينة عن سابق قصد وتصور لما يفعل ، وهذا في الغالب من أهل النفاق الذين لا يرجون الله واليوم الآخر أو من الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم وإنما هم مسلمون بحكم التنشئة ، وهؤلاء هم الذين لا تسعفهم توبتهم حين يعاينون الموت وهم المعنيون في قوله تعالى:
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآَنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) سورة النساء (18)

وبهذا يظهر الفرق بين من يعمل السوء بجهالة وبين غيره وهو المصر على المعصية إما استحلالا لها أو لعدم الاكتراث لعواقبها.

وكلام بن عباس رضي الله عنه صحيح لأن المؤاخذة لا تكون إلا بعد العلم فمرتكب المعصية الجاهل بأنها معصية لا يدخل تحت معنى الآية ، ولكنه ذلك العالم بالحكم ولكن غلبته شهوته أو غضبه فوقع في الزلل وهذا هو المقصود بالجهالة وهو الانسياق وراء دوافع الشهوة أو الغضب أو الحسد أو الكره أو العناد.

وبهذا لا أرى إشكالا في الآية ولله الحمد والمنة.

هذا والله أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
عودة
أعلى