تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبيء حسبك الله ومن اتبعك من المومنين)

إنضم
17/02/2009
المشاركات
114
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
وهران
الموقع الالكتروني
www.minbarwahran.net
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على نعمائه، والشكر له على مننه وآلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في صفاته وأسمائه، وأشهد أن محمدا خير عباده وأوليائه، صلى الله عليه وعلى آله ووزرائه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبين يديّ هذا البحث، الذي جمعت مادته من بعض مظان التفسير والتوجيه، والقصد منه توضيح معنى لآية قد أشكلت على كثير من العامة، وتبيين إعرابها، فإن بعضا ممن ينتسب إلى العلم قد وقع له فيها لبس، حتى استدل بها -من حيث لا يدري- على جواز الشرك بالله (سبحانه وتعالى عمّا يقول)، وهي موضع قوله (سبحانه وتعالى) في سورة الأنفال (64) ﴿ يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيۤءُ حَسْبُكَ ٱللهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾.

والذي أشكل هو عطف المؤمنين على الله سبحانه وتعالى، فظن هذا الظان أن الله يأمر عبده ونبيّه محمدا (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أن يتوكل على الله والمؤمنين، وهذا مناف لتوحيد الله الذي بعث به الرسل، وأنزل من أجله الكتب، وكان الله ولا شك حاميا جناب توحيده، فأردت أن أساهم بقليل أخدم به ديني، وأدعو به إلى توحيد رب العالمين، عسى الله أن يتقبل منا توحيدنا وأعمالنا، إنه سبحانه خير من دعي وخير من أجاب، لا إله هو سبحانه.


المزيد: اضغط هنا
 
الرابط لا يفتح عندي .
ليتك تنقل الكلام هنا لنتمكن من قراءته مشكوراً .
 
[align=justify]وهذا تعليق كتبته على ما أورده ابن القيم في تفسير هذه الآية :

( قرّر ابن القيم رحمه الله أن معنى الآية : يا أيها النبي حسبك الله ، أنت ومن اتبعك من المؤمنين، أي : هو حسبهم كذلك ؛ فلا تحتاجون معه إلى أحد .

وأما من قال : إن معنى الآية : الله ومن اتبعك حسبُك ؛ فقوله باطل ، وخطأ محض .

قال رحمه الله : ( وقال تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( الأنفال : 64 ) ، أي : الله وحده كافيك ، وكافي أتباعك ، فلا تحتاجون معه إلى أحد .

وهنا تقديران ، أحدهما : أن تكون الواو عاطفة لـ )) مَن (( على الكاف المجرورة ، ويجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار على المذهب المختار ، وشواهده كثيرة ، وشُبه المنع منه واهية .

والثاني : أن تكون الواو واو )) مع (( ، وتكون )) مَن (( في محل نصب عطفاً على الموضع ، فإن حسبك في معنى كافيك ، أي : الله يكفيك ويكفي من اتبعك ، كما تقول العرب : حسبك وزيداً درهم ، قال الشاعر([1]) :

إذا كانت الهيجاء وانشقت العصــا فحسبــك والضحــاك سيفٌ مهنَّدُ

وهذا أصح التقديرين .

وفيها تقدير ثالث : أن تكون )) من (( في موضع رفع بالابتداء ، أي : ومن اتبعك من المؤمنين ، فحسبهم الله .

وفيها تقدير رابع ، وهو خطأ من جهة المعنى ، وهو أن تكون )) من (( في موضع رفع عطفاً على اسم الله ، ويكون المعنى : حسبك اللهُ وأتباعُك .([2]) وهذا وإن قاله بعض الناس ، فهو خطأ محض ، لا يجوز حمل الآية عليه ؛ فإن الحسب و الكفاية لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة ، قال الله تعالى : ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ (لأنفال:62) ؛ ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب له وحده ، وجعل التأييد له بنصره وبعباده . وأثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ (آل عمران:173) ، ولم يقولوا : حسبنا الله ورسوله فإذا كان هذا قولهم ، ومدح الرب تعالى لهم بذلك ، فكيف يقول لرسوله : الله وأتباعك حسبك ، وأتباعه قد أفردوا الرب تعالى بالحسب ، ولم يشركوا بينه وبين رسوله فيه ، فكيف يشرك بينهم وبينه في حسب رسوله ؟! هذا من أمحل المحال وأبطل الباطل .

ونظير هذا قوله تعالى : ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾(التوبة:59) ؛ فتأمل كيف جعل الإيتاء لله ولرسوله ، كما قال تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ (الحشر: من الآية7) ، وجعل الحسب له وحده ، فلم يقل : وقالوا : حسبنا الله ورسوله ، بل جعله خالص حقه ، كما قال تعالى : ﴿ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾ ، ولم يقل : وإلى رسوله ، بل جعل الرغبة إليه وحده ، كما قال تعالى : ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ ( الشرح : 7-8).

فالرغبة ، والتوكل ، والإنابة ، والحسب لله وحده ، كما أن العبادة ، والتقوى ، والسجود لله وحده ، والنذر والحلف لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى .

ونظير هذا قوله تعالى : ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾(الزمر: من الآية36) ، فالحسب : هو الكافي ؛ فأخبر سبحانه وتعالى أنه وحده كاف عبده ، فكيف يجعل أتباعه مع الله في هذه الكفاية ؟!

والأدلة الدالة على بطلان هذا التأويل الفاسد أكثر من أن تذكر ها هنا .)([3])



الدراسة :

التقديرات التي ذكرها ابن القيم في كلامه السابق ترجع إلى معنيين ، هما قولان في معنى الآية :

القول الأول : المعنى : يا أيها النبيّ حسبك اللهُ ، وحسب من اتبعك من المؤمنين اللهُ . وهذا القول مروي عن ابن عباس([4]) ، الشعبي ([5])، وابن زيد ([6])، ومقاتل([7]) . وهو قول الأكثرين .

القول الثاني : أن يكون المعنى : كفاك الله ، وكفاك أتباعك من المؤمنين . وهذا القول منسوب إلى مجاهد ([8]).

وأكثر المفسرين على القول الأول ، وهذا بيان لموقف بعضهم :

فسّر ابن جرير الآيةَ على القول الأول ، وذكر الآثار التي تدل عليه ، ثم ختم تفسيره للآية بذكر القول الثاني منسوباً إلى بعض أهل العربية ([9])، ولم يعلق عليه بشيء .([10])

وذكر ابن عطية القولين في تفسير الآية ، وبيّن وجه كل قول من جهة الإعراب ، ولم يذكر ترجيحاً ، أو اختياراً .([11])

وكذلك الرازي ؛ ذكر القولين ، ونقل تعليق الفراء على كل قول منهما . وذكر أن مما ينصر القول الأول : أن من كان الله ناصره امتنع أن يزداد حاله أو ينقص بسبب نصرة غير الله .

ولعله يعني أن من كان الله ناصره ، وحسبه ؛ فليس بحاجة إلى كفاية غيره .

ثم قال : ( ويمكن أن يجاب عنه بأن الكل من الله ، إلا أن من أنواع النصرة ما لا يحصل بناء على الأسباب المألوفة المعتادة ، ومنها ما يحصل بناء على الأسباب المألوفة المعتادة . فلهذا الفرق اعتبر نصرة المؤمنين . ) ([12])

وكذلك القرطبي ؛ ذكر القولين ، وزاد نسبة القول الثاني للحسن ، ونقل كلام النحاس في إعراب القرآن ، واختياره للقول الثاني .([13])

ووافق أبو حيان الفراء ، والنحاس في اختيار القول الثاني ، وذكر أنه هو الظاهر . ثم ذكر القول الآخر ، ولم يحكم على معناه بشيء ، ولكنه أطال في التعليق عليه من جهة التوجيه النحوي .([14])

واكتفى ابن كثير بإيراد أثر الشعبي الذي أخرجه ابن أبي حاتم ، غير أن كلامه الذي فسّر به الآية مبني على القول الأول . ([15])

واختار ابن عاشور القول الثاني ، وذكر ما يحسن نقله هنا ؛ قال : ( فإنّه لمّا أخبره بأنّه حَسبه وكافيه ، وبيّن ذلك بأنّه أيّده بنصره فيما مضى وبالمؤمنين ، فقد صار للمؤمنين حظّ في كفاية الله تعالى رسوله U ؛ فلا جرم أنتج ذلك أنّ حسبه الله والمؤمنون ، فكانت جملة : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ كالفذلكة([16]) للجملة التي قبلها.

وتخصيص النبي بهذه الكفاية لتشريف مقامه بأنّ الله يكفي الأمّة لأجله...

وفي عطف المؤمنين على اسم الجلالة هنا: تنويه بشأن كفاية الله النبي r بهم ، إلاّ أنّ الكفاية مختلفة ....

وقيل يُجعل ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَكَ ﴾ مفعولاً معه لقوله: ﴿ حَسْبَكَ ﴾ بناء على قول البصريين إنّه لا يعطف على الضمير المجرور اسم ظاهر ، أو يجعل معطوفاً على رأي الكوفيين المجوّزين لمثل هذا العطف .

وعلى هذا التقدير يكون التنويه بالمؤمنين في جعلهم مع النبي r في هذا التشريف . والتفسير الأول أولى ، وأرشق. )([17])

ومن العرض السابق يتبين أن كفة القول الثاني هي الراجحة من حيث كثرة المختارين له ؛ فقد اختاره الفراء ، والنحاس ، وأبوحيان ، وابن عاشور .

وقد وافقهم السمين الحلبي على اخياره أيضاً ، فوافق أبا حيان في حكمه عليه بأنه القول الظاهر من لفظ الآية ، وأضاف : ( ولا محذور في ذلك من حيث المعنى ، وإن كان بعض الناس استصعب كون المؤمنين يكونون كافين النبي r .)([18])

وقد صرح بترجيح القول الأول جماعة من المفسرين ، ومنهم : أبوسليمان الدمشقي فقد صرح بأن القول الأول أصح ([19]) ، والشنقيطي ؛ فقد ذكر أن الآيات القرآنية تدل على تعيّن هذا القول ، وأن المعنى : كافيك الله ، وكافي من اتبعك من المؤمنين لدلالة الاستقراء في القرآن على أن الحسب والكفاية لله وحده . ثم ذكر الآيات التي أوردها ابن القيم في كلامه السابق .([20])



النتيجة :

لا يخفى أن الآية الكريمة محتملة للفظين من جهة اللفظ ، وأكثر المعربين على أن احتمال الآية للقول الثاني أظهر من هذه الجهة .

أما من جهة المعنى ؛ فإن القول الأول هو المتعين ؛ لأن معناه هو المعنى الذي دلت عليه الآيات القرآنية التي ذكرها ابن القيم – رحمه الله – في كلامه السابق ، الذي يعتبر من أقوى ما اطلعت عليه في تقرير هذا المعنى .

وقد تقرر أن المقدّم في مثل هذا الحال : مراعاة المعنى ؛ لأن كلام الله U ينبغي حمله على أكمل المعاني ، وأفضلها .



تنبيهات وفوائد :

التنبيه الأول : نوع الخلاف وثمرته :

الخلاف السابق بين القولين في معنى الآية خلاف تنوع من جهة احتمال اللفظ لهما ، وخلاف تضاد من جهة المعنى ؛ إذ القائلون بالقول الأول ينفون القول الثاني ، ويبطلونه .

وثمرة الخلاف تظهر من جهتين :

الجهة الأولى : الجهة النحوية ؛ فينبغي أن تعرب الآية على المعنى الصحيح .

الجهة الثاني - وهي الأهم - : الجهة العقدية ؛ فعلى القول الأول تفيد الآية ما أفادته آيات أخرى كثيرة من أن التوكل لا يكون إلا على الله وحده ، وأن الكافي والحسيب هو الله وحده – جل وعلا - .

وعلى القول الثاني تفيد الآية أن لغير الله نوعاً من الكفاية والحسب .

التنبيه الثاني : سبب الخلاف :

الخلاف السابق له سببان ظاهران :

الأول : الاختلاف في وجوه الإعراب .

والثاني : الاختلاف العقدي بين المفسرين في مسألة الكفاية والحسب ؛ هل هي لله وحده ، أم يجوز أن يكون لغيره نوع منها ؟

التنبيه الثالث : من أسباب الخطأ في التفسير : أن يراعي المفسر ، أو المعرب ما يقتضيه ظاهر الصناعة النحوية ، ولا يراعي المعنى . وكثيراً ما تزل الأقدام بسبب ذلك . وقد سبق التنبيه على هذا السبب .

التنبيه الرابع : من أنواع بيان القرآن للقرآن : أن يكون في الآية قولان ، وتكون الآيات القرآنية الأخرى دالة على معنى أحد هذين القولين ؛ فيُرجح هذا القول .)


الحواشي السفلية:
--------------------------------------------------------------------------------

([1] ) ( هذا الشاهد منسوب لجرير كما في أمالي القالي 2/261 ، وكذا في ذيل الأمالي والنوادر للقالي 141 وهو غير موجود في ديوانه المطبوع ) هكذا قال الدكتور زهير غازي زاهد في تعليقه على إعراب القرآن للنحاس 2/195 . وكل من استشهد بهذا البيت – فيما وقفت عليه - لم يذكر له قائلاً . وهو شاهد مشهور متداول في كتب التفسير وإعراب القرآن .

([2] ) انظر إعراب هذه الآية في إعراب القرآن للنحاس 2/194-195 ، ومشكل إعراب القرآن لمكي بن أبي طالب ص305 ، والتبيان في إعراب القرآن للعكبري2/631 ، والدر المصون للسمين الحلبي 5/631-634 .

([3] ) زاد المعاد 1/35-37 ، وبدائع التفسير 2/341-343 .

([4] ) نسبه إليه من رواية أبي صالح ابنُ الجوزي في زاد المسير 3/377 .ولم أره في الكتب المسندة التي وقفت عليها.

([5] ) أخرجه عنه البخاري في تاريخه 4/261 ، وابن جرير في تفسيره 14/49 من عدة طرق . انظر الدر المنثور للسيوطي 7/193 .

([6] ) أخرج قوله ابن جرير في تفسيره 14/49 .

([7] ) انظر تفسير مقاتل بن سليمان 2/124 .

([8] ) أخرج قوله أبو محمد إسماعيل بن علي الخُطبي في الأول من تحديثه بلفظ : حسبك الله والمؤمنين . انظر الدر المنثور للسيوطي 7/193 .

([9] ) يقصد به الفراء في انظر كتابه معاني القرآن 1/417 ؛ فقد ذكر أن هذا أحب الوجهين إليه .

([10] ) انظر جامع البيان 14/48-50 .

([11] ) انظر المحرر الوجيز 6/368-369 .

([12] ) انظر التفسير الكبير 15/153 .

([13] ) انظر الجامع لأحكام القرآن 8/43 .

([14] ) انظر البحر المحيط 5/348-349 .

([15] ) انظر تفسير القرآن العظيم 4/1607 .

([16] ) الفذلكة مأخوذة من قولهم : "فذلك كذا" ، وهي في كلام العلماء : إجمال ما فصّل أولاً . كذا ذكر الخفاجي في حاشية البيضاوي . انظر كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوني 2/1264 . [ ط : مكتبة لبنان – ناشرون – الأولى – 1996 ].

([17] ) التحرير والتنوير باختصار 10/65 .

([18] ) الدر المصون 5/632 .

([19] ) نقل ترجيحه ابن الجوزي في زاد المسير 3/377 .

([20] ) انظر أضواء البيان 2/372-373 .[/align]
 
جزاكم الله خيرا على هذا التوضيح الهام
ونحن نرجو منكم المزيد من الفوائد بسبب وجود الكثير من الشبهات
وجزاكم الله خيرا
 
عودة
أعلى