تفسير سهل التستري .

إنضم
01/02/2006
المشاركات
25
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
إخواني لقد بحثت في كتاب (تفسير القرآن العظيم ) لسهل التستري . وحاولت جمع معلومات عن حياة الشيخ وكتابه. ولم يُقوم عملي. فمن كان مهتم بهذا الكتاب وأراد نسخة فليطلب ، ومن يريد تقويم ماكتبت فأنا على استعداد لعرضه... ولكن هل يمكن عرضه كاملا في هذا الملتقى؟ وللعلم البحث صغير مكون من 20 صفحة .
وجزاكم الله خيراً
 
تفسـير القرآن العظيم للتستري دراسة حول المؤلف والكتاب

تفسـير القرآن العظيم للتستري دراسة حول المؤلف والكتاب

البـاب الأول: دراسـة حـول المؤلف
أولاً: حيـاتـه:
أ) اسمه ونسبه:
هو أبو محمد، سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رافع التستري، أحد أئمة الصوفية وعلمائهم المتكلمين في علوم الإخلاص والرياضيات وعيوب الأفعال.
قال أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "حلية الأولياء" : عامة كلام سهل في تصفية الأعمال، وتنقية الأحوال عن المعايب والأعلال.
ب) ولادته:
وُلد في تستر في سنة مائتين وقيل إحدى ومائتين للهجرة ، وإلى هذه المدينة ترجع نسبته (التستري)، وهذه المدينة من أعظم مدن خوزستان ، (وتفرد بعض الناس بجعل تستر مع الأهواز، وبعضهم يجعلها مع البصرة، وجعلها عمر بن الخطاب من أرض البصـرة لقربها منها).
ج) صفاته:
كان رحمه الله زاهداً، عابداً، ولم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع، حتى أنه ليكتفي بوزن أوقية من خبز الشعير لطعام يوم كامل. كما أنه كان صواماً حتى أنه ليصوم الوصال، ويتفادى إثم الوصال بالإفطار على الماء القراح(الخالص) أحياناً، أما تهجده فقد كان يقوم الليل كله في الصلاة.
وذكر الإمام القشيري في رسالته عن سهل أنه قال:" جعلت قوتي اقتصاراً على أن يُشترى لي بدرهم من الشعير فيطحن ويخبز لي، فأفطر عند السحر كل ليلة على أوقية واحدة بحتاً، بغير ملح ولا إدام، فكان يكفيني ذلك الدرهم سنة. ثم عزمت على أن أطوي ثلاث ليال، ثم أفطر ليلة، ثم خمساً، ثم سبعاً، ثم خمساً وعشرين ليلة. وكنت عليه عشرين سنة. ثم خرجت أسيح في الأرض سنين، ثم رجعت إلى تستر، وكنت أقوم الليل كله.
وكان التستري رحمه الله سخياً بطبعه ينفق ماله في طاعة الله، وبالغ في ذلك حتى أن أمه وأخوته شكوه إلى بعض الزهاد، فأفهمهم أن من يرغب في الآخرة لا يترك في الدنيا شيئاً.
د)كراماته:
سئل سهل عن قوله تعالى: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ}[البقرة255] فقال: هذه أعظم آية في كتاب الله تعالى، وفيها اسم الله الأعظم، وهو مكتوب بالنور الأخضر في السماء سطراً واحداً من المشرق إلى المغرب، كنت رأيته كذلك في ليلة القدر مكتوباً، وأنا بعبادان لا إله إلا هو الحي القيوم.
وذُكر في تفسير التستري أن سهل دخل على رجل من عباد البصرة، فرأى عنده بلبلة في قفص، فقال: لمن هذه البلبلة؟ فقال: لهذا الصبي، كان ابناً له، قال: فأخرج سهل من كمه دينار فقال: بُني أيما أحب إليك الدينار أم البلبلة؟ فقال: الدينار. فدفع إليه الدينار وأطلق البلبلة. قال: فقعد البلبل على حائط الدار حتى خرج سهل، فجعل يرفرف فوق رأسه حتى دخل سهل داره، وكان في داره سدرة فسكنت البلبلة السدرة، فلم تزل فيها حتى مات، فلما رفعوا جنازته جعلت ترفرف فوق جنازته والناس يبكون، حتى جاءوا بها إلى قبره، فوقفت في ناحية حتى دُفن وتفرق الناس عن قبره، فلم تزل تضطرب على قبره حتى ماتت، فدفنت بجنبه.
هـ) نشأته وتصوفه: نشأ سهل التستري في تستر، وكانت بدايات اتجاهه إلى التصوف في سن مبكرة جداً. وقد مر في نشأته بعدة مراحل أثرت في تفكيره واتجاهه يمكن تلخيصها فيما يلي:
-أولاً: خاله محمد بن سوار :
كان لخاله الأثر الكبير في تصوفه، كما قال هو عن نفسه:" كنت ابن ثلاث سنين، وكنت أقوم بالليل أنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، وكان يقوم بالليل، وكان يقول: يا سهل، اذهب ونم، فقد شغلت قلبي ، وقال لي يوماً خالي: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ فقال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهدي. فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قلها في كل ليلة سبع مرات، فقلت ذلك، فوقع في قلبي حلاوة. فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لها حلاوة في سري. ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل، من كان الله معه وهو ناظر إليه وشاهده لا يعصيه، إياك والمعصية .
-ثانياً: خلوته وحفظه القرآن:ظهر ميله للخلوة في مرحلة جد مبكرة من عمره، يدل على ذلك موقفه من الذهاب إلى الكتاب للتعلم، فهو لم يوافق على ذهابه إلى الكتاب إلا بعد أن اشترط شروطاً على المعلم تتعلق بأن يتركه وشأنه بعد فترة من الوقت لحياة العزلة والتهجد والتأمل.
كما أنه حفظ القرآن في سن مبكرة وكان يصوم الدهر كما قال عن نفسه: "حفظت القرآن وأنا ابن ست أو سبع، وكنت أصوم الدهر، وقوتي خبز الشعير اثنتي عشرة سنة" .
-ثالثاً: لقائه مع الزاهد العباداني: استمر سهل في حياته رتيبة: ذكر، وعبادة، وصوم إلى أن بلغ الثالثة عشرة من عمره. وفي هذا السن وقعت في ذهنه مسالة أذهلته، مسالة لم يدر لها تعليلاً، ولم يفهم لها تفسيراً، لقد حيرته فسأل أهله أن يبعثوه إلى البصرة عله يجد عند أحد من عارفيها تفسيراً لها، يقول سهل: "وقعت لي مسألة وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فسألت أن يبعثوا بي إلى البصرة أسأل عنها، فجئت البصرة، وسألت علماؤها، فلم يشفني ما سمعت، فخرجت إلى عبادان إلى رجل يعرف بأبي حبيب حمزة بن عبد الله العبادي، فسألته عنها فأجابني. وأقمت عنده مدة أنتفع بكلامه وأتأدب بأدبه. ثم رجعت إلى تستر " .
-رابعاً: عصره الذي عاش فيه:
لقد رأى التستري في حياته هزات سياسية واجتماعية عنيفة، هزات أطاحت بالكثير من المبادئ والقيم، واستحدثت مبادئ وقيماً أخرى. وهذه الهزات كانت نتيجة لتقلب الأحوال السياسية والاقتصادية في الدولة العباسية بعد تسلط الموالي من الفرس والترك على الحكم حتى كانوا في وقت من الأوقات هم الحكام الحقيقيون، والخليفة العباسي مجرد رمز للدولة. ولهذه الظروف انتشرت عدة تيارات فكرية وروحية كان للتصوف والزهد النصيب الأكبر منها، وكان هذا التيار رد فعل طبيعي لما اشتهر في البلاط العباسي من بذخ ومظاهر ترف ملأت حاضرة الخلافة آنذاك، وظهر عدد من الزهاد ينسبون لهذا العصر، واشتهرت مدن بأسرها، كعبادان بلجوء المتصوفة إليها.
و( خروجه من تستر إلى البصرة: لقد كانت هناك عوامل وأسباب كثيرة ذكرت حول خروج سهل رحمه الله من تستر، أو طرده، وقد يكون أحد هذه العوامل والأسباب صحيحاً، أو قد تكون تعاونت مع بعضها فأدت إلى هذه الحادثة المعروفة تاريخياً. ومن هذه العوامل والأسباب:
1) فرضية التوبة على كل إنسان: قال سهل: "ليس شيء في الدنيا من الحقوق أوجب على الخلق من التوبة، فهي واجبة في كل لمحة ولحظة، ولا عقوبة عليهم أشد من فقد علم التوبة، فقيل: ما التوبة؟ فقال: أن لا تنسى ذنبك" .
قال الدكتور محمد كمال جعفر: إن القول بأن التوبة أمر لازم، وفرض ثابت، ليس قولاً فريداً أو غريباً أو مثار لكل هذه الضجة التي أحاطت بالتستري احتجاجاً ونفياً من البلاد فإن هذا القول في الحقيقة ليس إلا ترديداً لموقف صوفية كثيرون .
2) اتهامه بالإلحاد:
ذكر فريد الدين العطار في كتابه "تذكرة الأولياء" أن سبب خروجه من تستر هو اتهامه بالإلحاد من أحد علماء أهل بلدته.
3) كرامات سهل، وخوارق أفعاله: قصة وجوده بمكة بعد وجوده بتستر بيوم واحد، مما أثار حفيظة رجال الدين في موطنه، وجعل الناس يتجمعون عليه يسألونه عن صحة ذلك. فلم ينف ولم يثبت واضطر إلى الهروب إلى جزيرة بين عبادان وتستر، بحيث لا يمكن الاتصال به إلا بواسطة قارب .

4) بيت السباع، واتصال سهل بالجن: ذاع خبر منزل سهل بأنه بيت السباع، وذلك أن أهالي تستر أجمعوا على أن كثيراً من الحيوانات المفترسة اعتادت أن تأتي إلى سهل ليطعمها، ثم تنصرف بعد أن تكون قد سدت جوعها. وقد شاع أيضاَ اتصال سهل بالجن ، وقد يثبت ذلك ما قاله ابن الجوزي: " حكى رجل عن سهل أنه يقول: "أن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه، وإنه يتكلم إليهم، فأنكر ذلك عليه العوام، حتى نسبوه إلى القبائح، فخرج إلى البصرة، فمات بها".
5) عباراته الصوفية ذات المدلالوت المعقدة: كقوله: "مولاي لا ينام، وأنا لا أنام" . وقوله: "أنا حجة الله عليكم خاصة وعلى الناس عامة".
ومما قد يدفع ما يُفهم منه التسوية بين الخالق والمخلوق في عبارة سهل الأولى، هو ما قاله سهل نفسه: "بأن عيون الأنبياء تنام ولكن قلوبهم تظل يقظة"، وقد ذكر أيضاً في موضع آخر: "أن عيون الأنبياء تنام ولا ينام موضع الوحي فيهم وعيون الأولياء تنام ولا ينام موضع حالهم" . وفهم العبارة بهذه الطريقة فيه تزكية سهل لنفسه وأنه من أولياء الله. وكون العبارة تفهم بأنه من أولياء الله خير من أن تفهم بأنه مساوي لخالقه.
أما عبارة سهل الثانية فقد أثارت العلماء أيما إثارة مما حدا ببعضهم إلى اقتحام دار التستري صائحاً في وجهه هل أنت نبي أم ولي؟! وقد أجاب التستري: بأنه لم يقصد إلى شيء من ذلك، ولكنه أراد أن يبين أنه قد صحح قوانين تناول الحلال ونفذها بكل دقة، متحرجاً من أدنى شبهات، محترساً من أخفى أنواع الزلل حتى في المباح.
6) حملته على القراء والفقهاء:يسهب سهل في نقده لطائفة خاصة من طوائف العلماء، وقد سمى أهلها بعلماء السوء، الذين لا يهتمون إلا بالمشاكل والشبهات والجدليات ويجدون لذة عظيمة في تصنيف الأقوال، ويصفهم التستري بالإهمال في الواجب وعدم الحرص في الحق، وهم في نظره يستغلون الخلافات، غافلين تماماً عن الروح الأصيلة للدين نفسه. ويحكي التستري عن الواحد من هؤلاء بأنه "لو يُعطى جميع الدنيا لأخذها في هلاك دينه ولا يبالي". أما القراء فمعظمهم في نظر التستري يحاكون المغنين في ترديد الأنغام والألحان، مما يصرف عن الهدف وهو الاتعاظ وتطهير السلوك.
والواقع أن التستري يرسم صورة سوداء لمعاصريه من العلماء، ويصفهم بأنهم مجرد نقلة وحفظة لعلم لا يعرفون قيمته، وكانت نظرته للمستقبل أكثر سواداً حيث أنه يتوقع شيوع الفساد، وقد ذكر أن هناك أمارات إذا ظهرت في مجتمع فليكف الفرد عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليقتصر على إصلاح نفسه ومن هو أقرب إليه.
أما هذه الأمارات فهي ظلم الحاكم، وقبوله الرشوة، واتباع العلماء له، وعدم مراجعتهم إياه معتزين بجاهه وقوته .
وقد يكون الدافع لحملة سهل على العلماء: هو رؤيته لصور من علماء السوء الذين وصفهم في كلامه السابق، ولا يمنع أن يكون هناك علماء أجلاء هم محل تقدير وتبجيل من سهل. ومن ذلك موقفه مع الإمام أبي داود السجستاني ، حينما أتاه فقال له: "أخرج لي لسانك الذي حدثت به أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله"، فأخرج له لسانه فقبله.
وفاتـه: كانت وفاته رحمه الله سنة ثلاث وثمانين ومائتين في المحرم، وقيل سنة ثلاث وسبعين ومائتين، وقيل إحدى ومائتين بتستر . وقد رجح الدكتور محمد جعفر، أن وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائتين للهجرة.
وقد ذكر القشيري في رسالته: "أنه لما مات سهل بن عبد الله انكب الناس على جنازته، وكان في البلد يهودي نيف على السبعين فسمع الضجة فخرج لينظر ما كان، فلما نظر إلى الجنازة صاح وقال: "أترون ما أرى؟" فقالوا: لا، ماذا ترى؟ فقال : "أرى أقواماً ينزلون من السماء يتمسحون بالجنازة". ثم إنه تشهد وأسلم، وحسن إسلامه.




ثانياً: أصدقاء سهل وتلاميذه:

1) ذو النون المصري: صوفي من مصر، يسجل المؤرخين لقاءهما بمكة أثناء الحج. ويُذكر أن هناك علاقة وثيقة بين سهل وذي النون، لدرجة تنبئ عن تلاقي روحي تام، والقصة المأثورة عن بدء تصدر سهل للحديث في مسائل التصوف تشير في نهايتها إلى إحساس سهل بوفاة ذي النون قبل أن يذاع الخبر في البصرة وبغداد.
2) أبو عبد الله، محمد بن أحمد سالم البصري: ظل في خدمة سهل وصحبته ما يقرب من ستين سنة، وخدمه في جميع شئونه الخاصة والعامة.
3) الحلاج : الحسين بن منصور الحلاج، من تلاميذ التستري الذين حظوا بإشرافه منذ صغره، ويبدو أن تعليمات التستري بدت للحلاج غير متكافئة لآماله ومطامحه فتركه ، وصحب الجنيد ببغداد.
4) أبو محمد، الحسن بن علي بن خلف البربهاري: شيخ الحنابلة في عصره. ولقد حفظ بعض أقوال سهل وكان يرددها على تلامذته وصحابه كالمعجب المستدل.
5) أبو يعقوب السوسي الصوفي: الأستاذ العظيم الذي أشرف على أبي يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري، ومن هنا نشأت علاقة الود بين النهرجوري و التستري.
6) أبو حمزة الصوفي، محمد بن إبراهيم: صديق آخر من أصدقاء سهل، وهو الصوفي الزاهد العظيم الذي اعتاد أن يلقي المواعظ والخطب بمسجد الرصافة، ثم بالحرم النبوي الشريف، وقد توفي عام 269هـ.
7) أبو الحسن البغدادي، علي بن محمد المزيـن: توفي سنة 328هـ، صحب سهـل
و الجنيد.
8) أبو محمد الجريري، أحمد بن محمد بن الحسين: من كبار أصحاب الجنيد، صحب أيضاً سهل، من علماء مشايخ القوم، أقعد بعد الجنيد في مجلسه لتمام حاله، وصحة علمه. مات سنة 311هـ.
9) أبو الحسن، علي بن عبد العزيز الضرير الصوفي البغدادي:صحب سهل التستري .
10) أبو الحسن، عمر بن واصل العنبري: ورد اسمه في تفسير التستري حوالي عشر مرات.


ثالثاً: ثقافتـه ومؤلفاتـه:
ثقافتـه:
قد يتصور البعض من نفور سهل من التعليم النظامي في الكتاب، وميله إلى العزلة والخلوة، أنه لم يكن ملم بالعلوم والمعارف الدائرة في عصره. والحقيقة أنه تعلم فروعاً كثيرة من العلوم ومنها:
-علم الحديث الذي تلقاه عن خاله، وأظهر حباً عميقاً وإجلالاً فائقاً له ولرجاله.
-علم الكلام والفلسفة، ويقول المستشرق الذي كتب مادة(سهل التستري) في دائرة المعارف الإسلامية: "متكلم وصوفي من أهل السنة....كان زاهداً لا يحيد قيد أنملة عن قواعد الحق، كما كان متكلماً تزود من العلوم العقلية بزاد وافر".
-تصور بعض الروايات أن سهل كان طبيباً وكيماوياً يصنع الدواء ويمنحه للناس.

مؤلفاته:
أغلب الظن أن الكتب والرسائل التي نُسبت للتستري هي خلاصة انتقاها ونقلها تلاميذه من بعده، خاصة ابن سالم. أما أسباب عدم مباشرة سهل التستري للكتابة والتأليف، فلأنه كان يثق ثقة كلية في التجربة الشخصية واللقاء المباشر، وكان يؤمن بأن التربية عن طريق القدوة والمحاكاة. وهو حريص على عدم إنفاق وقت كثير في القراءة والكتابة والجهد النظري.
وكانت كتبه كما يلي :
أولاً: المفقود منها: 1) دقائق المحبين (أو رقائق).
2) مواعظ العارفين.
3) جوابات أهل اليقين.
4) كتاب الميثاق.
5) قصص الأنبياء.
6) زايرجة.
7) الغاية لأهل النهاية.
ثانياً: المخطوطة منها:
1)رسالة في الحروف .
2)رسالة في الحكم والتصوف.
3)مقالة في المنهيات.
4) كلام سهل.
ثالثاً: المحقق منها:
1) تفسير القرآن العظيم.
ولم أقف إلا على تحقيقين هما:
-تحقيق محمد عيون السود.
-تحقيق محمود جبيرة الله.
2) كتاب المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوى في الأحوال.
تحقيق/ محمد كمال جعفر.

رابعاً: عقيدتـه:
كان سهل رحمه الله على مذهب أهل السنة والجماعة في الاعتقاد، فقد روى الإمام اللالكائي في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة بإسناده إلى سهل، أنه سئل : متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة؟ فقال: إذا عرف من نفسه عشر خصال: لا يترك الجماعة، ولا يسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج على هذه الأمة بالسيف، ولا يكذب بالقدر، ولا يشك في الإيمان، ولا يماري في الدين، ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب، ولا يترك المسح على الخفين، ولا يترك الجماعة خلف كل والٍ جارِ أو عدل .
وقد ذكر الإمام اللالكائي، سهل بن عبد الله، في باب (سياق ذكر من رسم بالإمامة في السنة والدعوة والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة) .
وقد رد سهل على القدرية، حيث روى اللالكائي عنه، وقد سئل عن القدر فقال :الإيمان بالقدر فرض، والتكذيب به كفر، والكلام فيه بدعة، والسكوت عنه سنة. وقال: من قال: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون فهو كافر، ومن قال القرآن مخلوق فهو كافر بالربوبية لا كافر بالنعمة .
وقد أشاد شيخ الإسلام ابن تيمية بسهل وأمثاله في الاعتقاد فقال: كلام سهل بن عبد الله في السنة وأصول الاعتقاد أسد، وأصوب من كلام غيره،وكذلك الفضيل بن عياض ونحوه فإن الذين كانوا من المشايخ اعلم بالحديث والسنة وأتبع لذلك هم أعظم علما وإيمانا وأجل قدراً في ذلك من غيرهم.



خامساً: شذرات من حكم هذا الإمام
• أصولنا سبعة: التمسك بالقرآن، والاقتداء بالسنة، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق.
• علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب النبي صلى الله عليه وسلم حب سنته، وعلامة حبها حب الآخرة، وعلامة حبها بغض الدنيا، وعلامة بغضها أن لا يتناول منها إلا البلغة.
• الأنفس معدودة، فكل نفس يخرج بغير ذكر الله فهي ميتة، وكل نفس يخرج بذكر الله فهي موصولة بذكر الله.
• أصل الدنيا الجهل، وفرعها الأكل والشرب واللباس والطيب والنساء والمال والتفاخر والتكاثر، وثمرتها المعاصي، وعقوبة المعاصي الإصرار، وثمرة الإصرار الغفلة، وثمرة الغفلة الاستجراء على الله.
• أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير، والمكاييل والأوزان، والأحكام، والحج، والجمعة، والعيدين، والجهاد. وإذا نهى السلطان العالم أن يفتي، فإن أفتى فهو عاص، وإن كان أميراً جائراً.


البـاب الثاني: دراسـة حـول الكتاب


أولاً: التعريف بالكتـاب:
اسم الكتاب:
عُرف الكتاب بتفسير التستري، وطبع في كتاب متوسط الحجم، باسم "تفسير القرآن العظيم" .
وقد طُبع هذا التفسير بمصر، سنة 1326هـ/1908م .

مدى وثاقة الكتاب:

كسائر مؤلفات سهل رحمه الله، فإن هذا الكتاب عبارة عن أقوال لسهل، جمعها أبو بكر، محمد بن أحمد البلدي، المذكور في أول الكتاب، الذي يقول كثيراً، قال أبو بكر، سُئل سهل عن معنى كذا. فقال: كذا. ثم ضمنها هذا الكتاب، ونسبها إليه . ويرى الدكتور محمد كمال جعفر أن دور أبي بكر بالنسبة للتفسير هو الرواية عن طريق والده أبي النصر. ولما كان التفسير مجرد تعليقات مقتضبة على بعض آيات القرآن في مناسبات مختلفة فلا يستبعد أن يكون أبو بكر قد بوبه ورتبه حسب السور، مطعماً إياه ببعض الروايات التاريخية، أو السيرة الشخصية لسهل .
ومما يؤكد أن سهلاً لم يباشر كتابة التفسير بنفسه وجود بعض الروايات التاريخية، أو السيرة الشخصية لسهل، مثل خبر احتضاره، "قيل لسهل حين احتضر فيما تكفن؟ وأين تقبر؟ومن يصلي عليك بعد موتك؟ فقال أُدبر أمري حياً وميتاً، وقد كُفيت عنه بسابق تدبير الله تعالى لعبده"، وذلك عند ذكر تفسير قوله تعالى: }يدبر الأمر{.
وذُكر في تفسيره أيضاً: " كان من طريقه وسيرته أنه كثير الشكر والذكر، دائم الصمت والفكر، قليل الخلاف سخي النفس، قد ساد الناس بحسن الخلق والرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم، متمسكاً بالأصل، عاملاً بالفرع، قد حشى الله قلبه نوراً، وانطلق لسانه بالحكمة، وكان من خير الأبدال، وإن قلنا من الأوتاد فقد كان القطب الذي يدور عليه الرحى، ولولا أن الصحابة لا يقاس بهم أحد لصحبتهم و رؤيتهم لكان كأحدهم، عاش حميدا ًومات غريباً بالبصرة رحمه الله ".
وذكر صفاته ومكان وفاته في تفسيره دليل قوي على عدم مباشرة سهل لكتابة تفسيره بنفسه.
وأيضاً وجود شرح لبعض أقواله، قال سهل: "فلابد للعبد من مولاه، ولابد له من كتابه، ولابد له من نبيه صلى الله عليه وسلم، إذ قلبه معدن توحيده، وصدره نور من جوهره، أخذ قواه من معدنه إلى هيكله....".
قوله: "صدره نور" أي موضع النور. "من جوهره" وهو أصل محل النور في الصدر، الذي منه ينتشر النور في جميع الصدر، وإضافة الجوهر إلى الله تعالى ليس المراد ذاته، وإنما هي على طريق الملك....".
أضف إلى ذلك وجود أقوال مثل: سئل سهل، قيل لسهل، قلت لسهل، سمعته يقول.
ولا يمنع كل ذلك صحة الحكم بأن ما به من أقوال يمثل في أمانة أراء سهل وأقواله، ذلك أن أسرة أبي بكر -جامع التفسير- ذاع صيتها في العالم الإسلامي من حيث اهتمامها بجمع ورواية الحديث وما تتصل بها من العلوم الدينية. ويعتبر أبو بكر ووالده من الثقات الذين يُعتد بروايتهم لشهرتهم بالضبط والتحري، ومن بين ما رواه الجامع الصحيح البخاري .
وإلى جانب ذلك فإن معظم ما ورد في التفسير من أقوال سهل، موثقة في مصادر أخرى، مثل الرسالة القشيرية، وحلية الأولياء، وشذرات الذهب.

خدمات قدمت للكتاب ودراسات حوله:
وقفت على طبعتين للكتاب:
الأولى: تحقيق محمود جيرة الله، تم طباعتها بالدار القافية للنشر- مصر، سنة 1422هـ-2002م.
الثانية: تحقيق محمد باسل عيون السود، تم طباعتها بدار الكتب العلمية-بيروت، سنة 1423هـ-2002م.
أما الدراسات التي كانت حول الكتاب فهي كالتالي:
الأولى: "من التراث الصوفي" لسهل بن عبد الله التستري، دراسة وتحقيق الدكتور محمد كمال جعفر.
الثانية: "التفسير والمفسرون" للدكتور محمد حسين الذهبي.
الثالثة: "من مناهج التفسير" للدكتور الشحات السيد زغلول.
الرابعة: "مناهج المفسرين" للدكتور منيع عبد الحليم محمود.
الخامسة: "التفسير بالرأي قواعده وضوابطه وأعلامه" للدكتور محمد حمد زغلول.
السادسة: "مناهل العرفان" للزرقاني.
وهذا ما تيسر لي الوقوف والإطلاع عليه من الكتب التي خصت الكتاب بالدراسة، أو تطرقت للحديث عنه. ومعظم هذه الكتب اعتمدت على كتاب "التفسير والمفسرون" للدكتور الذهبي.

ثانياً: منهج المؤلف في الكتاب

لم يتعرض سهل التستري رحمه الله لتفسير القرآن آية أية، بل تكلم عن آيات محدودة ومتفرقة من جميع سور القرآن، وكان معظم هذه التفاسير إجابة عن أسئلة وُجهت إليه من أصحابه أو جلسائه.وقد افتتح جامع تفسير التستري بمقدمة احتوت على ما يلي:
أولاً) مبادئ أولية في فهم القرآن في نظر سهل ،مثال قال سهل: "وما من آية في القرآن إلا ولها أربعة معان، ظاهر وباطن وحد ومطلع، فالظاهر التلاوة، والباطن الفهم، والحد حلالها وحرامها، والمطلع إشراف القلب على المراد بها فقهاً من الله عز وجل. فالعلم الظاهر علم عام، والفهم لباطنه، والمراد به خاص، قال تعـالى: { فَمـَا لِهَٰؤُلاۤءِ ٱلْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثـاً} ]النساء78[ أي لا يفقهون خطاباً.
ومن هذه العبارة يتبين لنا أن سهل يرى أن الظاهر هو المعنى اللغوي الذي يعرفه الإنسان العربي، أما المعاني الباطنة فلا يعرفها إلا أهل الله بتعليم الله إياهم وإرشادهم. وحا ل سهل في ذلك حال كثير من الصوفية الذين قاموا بتفسير القرآن، معتمدين في ذلك على ما يسمى بعلم الإشارة. وهو علم ما في القران من أسرار عن طريق العمل به، وتأويل القران الكريم بغير ظاهر عباراته لإشارات خفية لا تظهر إلا لأرباب السلوك والتصوف وأهل الحقيقة أو المشاهدة، ويمكن الجمع بين هذه الإشارات وبين ظاهر الآية.
وقد اختلف العلماء في حكم التفسير الإشاري على قولين: الأول: المنع. والثاني:الإجازة بشروط، وهي كما يلي :
أ) أن لا يكون منافيا للظاهر من النظم القرآني . ب) أن يكون له شاهد شرعي يؤيـده ج) أن لا يكون له معارض شرعي أو عقلي. د) أن لا يدعي أن التفسير الإشاري هو المراد وحده دون الظاهر .
ويوجد عدة مقالات لعدد من العلماء تحدثت عن حكم التفسير الإشاري لا يحتمل المقام لذكرها الآن .
ثانياً)باب صفات طلاب فهم القرآن، وذكر فيها أقوال لسهل، وأحاديث عن رسول الله صلى رواها سهل، مثال ذلك قال سهل: "العجب كل العجب لمن قرأ القرآن ولم يعمل به، ولم يجتنب ما نهاه الله عنه، أما استحيا من الله ومحاربته ومخالفته وأمره ونهيه بعد علمه به؟ فأي شيء أعظم من هذه المحاربة؟ ألم يسمع وعده ووعيده؟ ألم يسمع ما وعد الله به من النكال فيرحم نفسه ويتوب؟ ألم يسمع قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ}]الأعراف56[ فيجتهد في الإحسان؟ ألم يسمع قوله: "ورحمتي سبقت عذابي" فيرغب في رحمته.
ثالثاً) فصل في (قول بسم الله الرحمن الرحيم): قال أبو بكر: سئل سهل عن معنى "بسم الله الرحمن الرحيم"، فقال: "الباء بهاء الله عز وجل. والسين سناء الله عز وجل. والميم مجد الله عز وجل....".
أما التفسير فقد ابتدأه بتفسير سورة الفاتحة كاملة، ما عدا قوله تعالى:}الرحمن الرحيم{حيث سبق شرحها في مقدمة الكتاب، وأختتمه بتفسير ثلاث آيات من سورة الناس.
وكان منهج سهل رحمه الله في التفسير كما سنوضحه في التالي:
أولاً: لم يقتصر سهل رحمه الله في تفسيره على المعاني الإشارية وحدها، بل نجده يذكر أحياناً المعاني الظاهرة ثم يعقبها بالمعاني الإشارية . مثال تفسير قوله تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ و َٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ }]فاطر10[قال: ظاهرها الدعاء والصدقة، وباطنها الذكر، عملاً بالعلم، وإقبالاً بالسنة، يرفعه أي يوصله بالإخلاص فيه لله تعالى .
ويقول في تفسير قوله تعالى: {و َٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً و َبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ و َٱلْيَتَامَىٰ و َٱلْمَسَاكِينِ و َٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ و َٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ و َٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ و َٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} ]النساء36[. "وأما ظاهرها فالجار الجنب البعيد الأجنبي. والصاحب بالجنب هو الرفيق في السفر، وقد قيل الزوجة، وابن السبيل الضيف. وأما باطنها فالجار ذو القربى هو القلب، والجار الجنب هو الطبيعة، والصاحب بالجنب هو العقل المقتدى بالشريعة، وابن السبيل هو الجوارح المطيعة لله" .
وتعتبر مثل هذه التفاسير كلاماً صحيحاً في ذاتها، إلا أنها لا تعد تفسيراً وبياناً لمعاني الآيات ومراد الله، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاويه قوله: "أما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول فمثل كثير من الصوفية والوعاظ والفقهاء وغيرهم، يفسرون القرآن بمعانٍ صحيحة لكن القرآن لا يدل عليها" .
ويعد هذا التفسير من قبيل ذكر منهم لنظير ما ورد في القرآن، فإن النظير يذكر بالنظير، كما بين ابن الصلاح رحمه الله ذلك في مقالته.
ثانياً: ويصرح أحياناً بالمعنى الباطن وحده،دون أن يذكر المعنى الظاهر، مثل قوله تعالى: }وَهُوَ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ {[الشورى9] باطنها قلوب كل أهل الحق يحييها بذكره ومشاهدته .
ثالثاً: قليلاً ما كان يقتصر على المعنى الظاهر . مثال قال تعالى: { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } [سورة الحجرات آية12] قال: أي لا تبحث عن المعايب التي ٍسترها الله على عباده، فإنك ربما تُبتلى بذلك.
رابعاً: ويصرح أحياناً بلفظ الإشارة، مثال قوله تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوۤاْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[النمل52]. قال: "الإشارة في البيوت إلى القلب، فمنها ما هو عامر بالذكر، ومنها ما هو خرب بالغفلة، ومن ألهمه الله عز وجل بالذكر فقد خلصه من الظلم" .
خامساً: حين يعرض سهل للمعاني الإشارية لا يكون واضحاً في كل ما يقوله، بل تارة يأتي بالمعاني الغريبة التي نستبعد أن تكون مرادة لله تعالى ، وذلك كالمعاني التي ذكرناها في فصل (قول بسم الله الرحمن الرحيم). ومثل تفسيره لفاتحة البقرة {الۤمۤ} حيث قال سهل: "فأما هذه الحروف إذا انفردت، فالألف تأليف الله عز وجل ألف الأشياء كما شاء، واللام لطفه القديم، والميم مجده العظيم" .
وهذه الأمثلة يتضح فيها شطط هذا الاتجاه، والمغالاة فيه. وقد ذكر ابن تيمية في مجموع فتاويه، عن تفسير الصوفية قوله: "وإن كان فيما ذكروه ما هو معانٍ باطلة فإن ذلك يدخل في القسم الأول، وهو الخطأ في الدليل والمدلول جميعاً، حيث يكون المعنى الذي قصدوه فاسداً" .
سادساً: قد يأتي التستري رحمه الله بمعانٍ غريبة يمكن أن تكون من مدلول اللفظ، أو مما يشير إليه، ولا يذكر أنها من قبيل الباطن أو الظاهر. مثل تفسيره لقوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة23] أي أضدادا.ً فأكبر الأضداد النفس الأمارة بالسوء المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدىً من الله .
ومن المعلوم أن الأنداد في هذه الآية المقصود بها الأصنام، ولكن رحمه الله جعل النفس الأمارة بالسوء داخلة تحت عموم الأنداد. وقد يكون لهذا التفسير وجه من الصحة، حيث أن النفس الأمارة قد تقود صاحبها للهلاك، وتصبح إلهه الذي يوجهه، كما قال تعالى: }أفرأيت من اتخذ إلهه هواه{. ومن المهم أن لا نعتبر بمثل ذلك تفسيراً لمراد الله بعينه، وإنما يُقصد به ذكر النظير.
سابعاً: لم يخلو تفسير التستري رحمه الله من القول بالمأثور، فقد ذكر فيه كثير من النقول عن الصحابة والتابعين ، مثال قوله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً }[النحل72] قال: روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: الحفدة الأختان. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: البنون الصغار الصغار، والحفدة الذين يعينون الوالد على عمله. وعن الضحاك قال: الحفدة الخدمة لله إيجاباً بغير سؤال منهم غيره .
ثامناً: أن تفسير التستري يختلف اختلافا كاملاً عن تفسيرات المدارس الكلامية، وتفسيرات الباطنية، ويمكن الاستدلال على ذلك بأن التستري لا يؤول الآيات القرآنية المشيرة إلى ما قد يفهم من تشبيه كآيات الوجه واليدين تلك الآيات التي اضطرت العقليين إلى تأويلها وصرفها عن معناها الظاهر . مثال قوله تعالى: { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمًْ}[الفتح10] أي حول الله وقوته فوق قوتهم وحركتهم، وهو قولهم للرسول صلى الله عليه وسلم عند البيعة: "بايعناك على أن لا نفر ونقاتل لك". وفيها وجه آخر أي منة الله عليهم في الهداية لبيعتهم وثوابه لهم فوق بيعتهم وطاعتهم لك .
ولقد سُئل عن ذات الله سبحانه، فقال: "ذات موصوفة بالعلم،غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالإبصار في دار الدنيا، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا حلول، وتراه العيون في العقبى ظاهراً في ملكه وقدرته. وقد حجب سبحانه وتعالى الخلق عن معرفة كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته، فالقلوب تعرفه، والأبصار لا تدركه، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية" .
كما أن التستري لا ينفي قواعد الشريعة، ولا يحول الآيات المتعلقة بها إلى معاني رمزية أو مجازية، كما أنه لا يجعل للمعاني المباشرة التي يشهد لها النص مركزاً ثانوياً، أو تابعاً لمعناها الإشاري، بل يجعل المعنى الأصلي أساسا ً. مثال قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ}[البقرة238] أي داوموا على إقامتها .
تاسعاً: تعلو نغمة الوعظ، وتطهير القلوب، وتزكية النفوس، والتحلي بالأخلاق والفضائل، منهج سهل في تفسيره . مثال ذلك تصديره بكلمة اعلموا في كثير من كلامه، قال تعالى: {و َٱلْمُؤْمِنُونَ و َٱلْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ}[التوبة71] قال: موالاته مع المؤمنين، كف الأذى عنهم. قال: واعلموا أن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يكون لعباد الله كالأرض، إذ هم عليها ومنافعهم منها .
ومنه أيضاً ذكر حكايات الصالحين وأخبارهم، مثال عند تفسيره لسورة العصر، ذكر: "أن رجلاً لحق أويس القرني رحمه الله فسمعه يقول: اللهم إني أعتذر إليك اليوم من كل كبد جائعة وبدن عاري، فإنه ليس في بيتي من الطعام إلا ما في بطني، وليس شيء من الدنيا إلا ما على ظهري. قال: وعلى ظهره خريقة قد تردى بها .
عاشراً: يسلم سهل بالحادثة التاريخية التي تتصل بالأحداث الماضية، بل ربما استغلها في تأسيس معنى يهدف إلى مواطن العبرة والعظة للنفس الإنسانية ، من ذلك تفسيره لقوله تعالى: {و َٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ}[الأعراف148] قال: عجل كل إنسان ما أقبل عليه، فأعرض به عن الله من أهل وولد، ولا يتخلص من ذلك إلا بعد إفناء جميع حظوظه من أسبابه، كما لم يتخلص عبدة العجل من عبادته إلا بعد قتل النفوس .
الحادي عشر: قد يحيل بعض الموضوعات والظواهر الكونية إلى حالات أو مبادئ نفسية بغية ترقيق القلوب، وشحذ روحانيتها، باستخدام رموز معينة، فالبحر وأم القرى والبيت المعمور تشير إلى القلب . مثال قوله تعالى: {مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ}[الرحمن19] قال: أحد البحرين القلب، فيه أنواع الجواهر: جوهر الإيمان وجوهر المعرفة وجوهر التوحيد وجوهر الرضى وجوهر المحبة وجوهر الشوق وجوهر الحزن وجوهر الفقر وغيرها، والبحر الآخر النفس .
الثاني عشر: يستمد من اللغويين ما يرتضيه من معان، وخاصة من أبي عمرو بن العلاء، أحد القراء السبعة، ومن أئمة اللغة والأدب. مثال ذلك قوله تعالى: {وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ}[هود91] قال: حكى محمد بن سوار عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: الرهط الملأ، والنفر الرجال من غير أن تكون فيهم امرأة .
الثالث عشر: يستشهد سهل رحمه الله أحياناً بالشعر، مثال تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ}[الأعراف171] قال: يعنى فتقنا وقد زعزعنا، كما قال العجاج:
قـد رببـوا أحلامنـا الجلائـلا وفتقـوا أحلامنـــا الأثاقـلا
الرابع عشر: كان دائم التحذير من البدع وأهلها، مثال عند تأويله لقوله تعالى: {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ} [الممتحنة10] قال: لا توافقوا أهل البدع على شيء من أهوائهم وآرائهم .
وقال عند تفسير آخر آية من سورة المجادلة: كل من صح إيمانه فإنه لا يأنس بمبتدع ويجابهه، ولا يؤاكله ولا يشاربه ولا يصاحبه، ويظهر له من نفسه العداوة والبغضاء، ومن داهن مبتدعاً سلبه الله حلاوة السنن، ومن تحبب إلى مبتدع نزع الله نور الإيمان من قلبه، ومن لم يصدق فليجرب .

ثالثاً: كلمة حول تفسير التستري

إن كتاب التستري الذي بين أيدينا فهو في مجمله كتاب اشتمل على الكثير من الرقائق والمواعظ، ونسبته إلى كتب التفسير من باب التجاوز. وقد ذكر السيوطي في كتابه الإتقان قوله: "وأما كلام الصوفية في القرآن فليس بتفسير".
أما كلام ابن الصلاح الذي سبق الإشارة إليه، وهو أن تفسير الصوفية من باب ذكر النظير بالنظير، فقد أعقبه بقوله: "ومع ذلك فياليتهم لم يتساهلوا بمثل ذلك، لما فيه من الإيهام والإلباس". ومن كلامه يتبين لنا أنه حتى إذا جاز ذكر النظير بالنظير فإنه في القرآن يكون من الأولى تركه.
والكتاب لا يزود طالب العلم بالكثير من المعارف المتعلقة بتفسير آيات الله، أو علوم اللغة. إلا أنه يشتمل على المواعظ والرقائق التي يمكن التزود منها.
وبعمل استقراء بسيط حول كتب التفسير(الطبري /ابن كثير/القرطبي)، لم أجد استشهاداً بأقوال سهل رحمه الله سوى في كتاب الإمام القرطبي رحمه الله. والذي استشهد بأقوال سهل في عشرة مواضع فقط. وقد وجدت فيه أقوالاً للتستري في تفسير آيات لم ترد في تفسيره. مثل تفسير الآية رقم (59) من سورة النساء، وتفسير الآية رقم (97) من سورة النحل، وتفسير الآية رقم (23) من سورة الجاثية، وغيره.

مميزات ومآخذ على تفسير التستري


أولاً: المميزات:
1/ حجم الكتاب اللطيف يساعد طلبة العلم على قراءته.
2/ احتوائه على رقائق وحكم ومواعظ كثيرة.
3/ تقديمه بمقدمة تبين فيها منهجه في التفسير.
4/ استشهاده برأي السلف والصحابة في تفسير بعض الآيات.
5/ إن سهل رحمه الله لم يرد في تفسيره ما يدعم مذهب سياسياً أو باطنياً، كما يظهر ذلك من تفسيره. بل منعه اعتقاده مذهب أهل السنة والجماعة عن تأويل الصفات كما فعل بعض المفسرين. ذكر العلامة محمد صديق خان في كتابه "قطف الثمر": فمذهبنا مذهب السلف، إثبات بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل، وهو مذهب أئمة الإسلام كمالك، والشافعي، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وهو اعتقاد المشايخ المقتدى بهم، كالفضيل بن عياض، وأبي سليمان الداراني، وسهل بن عبدالله التستري، وغيرهم. فإنه ليس بين هؤلاء الأئمة نزاع في أصول الدين" .
6/ تفسير التستري يعتبر خير من كثير من تفاسير الصوفية. وقد ذكر ابن تيمية في منهاج السنة النبوية قوله: وكذلك شيوخ الزهد إذا أراد الرجل أن يقدح في بعض الشيوخ ويعظم آخر فأولئك أولى بالتعظيم وأبعد عن القدح، كمن يفضل أبا يزيد الشلبي وغيرهما ممن يحكى عنه نوع من الشطح على مثل الجنيد وسهل التستري وغيرهما ممن هو أولى بالاستقامة وأعظم قدرا .
ثانياً: المآخذ:
1/ عند استشهاده بالحديث لم يكن سهل من المسندين، لذلك غالباً ما نراه يأتي بأحاديث وأخبار مما اشتهر على ألسنة الناس، بغض النظر عن كونه ضعيف، أو ما هو دون ذلك في الدرجة.
2/ أقواله دائماً في غاية الإيجاز بل الإلغاز أحياناً مما يجعل القارئ لا يستطيع فهمها مباشرة.
3/ عدم تفسيره للقرآن كاملاً.
4/ كما ذكرنا سابقاً فإن تفسيره بهذه الطريقة يؤدي إلى اللبس والإيهام حيث يُظن أن تفسيره هو مراد الله.


تم بحمد الله وتوفيقه



المراجع
1) تفسير التستري-تحقيق محمد باسل عيون السود.
2) شيخ العارفين سهل بن عبدالله التستري-تحقيق محمد جيرة الله.
3) من التراث الصوفي-لسهل بن عبدالله التستري-تحقيق محمد كمال جعفر.
4) التفسير والمفسرون-للإمام الذهبي.
5) التفسير بالرأي قواعده وضوابطه وأعلامه-محمد حمد زغلول.
6) نشأة التفسير ومذاهبه في ضوء المذاهب الإسلامية-للدكتور محمود بسيوني فودة.
7) مناهج المفسرين-للدكتور منيع عبد الحليم محمود.
8) من مناهج التفسير-للدكتور الشحات السيد زغلول.
9) الاتجاهات الفكرية في التفسير- للدكتور الشحات السيد زغلول.
10) مناهل العرفان-للزرقاني.
11) مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية-جمع وترتيب عبد الرحمن النجدي الحنبلي.
12) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة-للشيخ اللالكائي.
13) الأعلام-لخير الدين الزركشي.
14) شذرات الذهب في أخبار من ذهب-لابن العماد.
15) الرسالة القشيرية-للإمام أبي القاسم القشيري-تحقيق عبد الحليم محمود و محمود بن شريف.
16) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان-لابن خلكان-تحقيق الدكتور إحسان عباس.
17) الاستقامة-لابن تيمية-تحقيق محمد رشاد سالم.
18) معجم المؤلفين-عمر رضا كحالة.
19) حلية الأولياء-لأبي نعيم الأصبهاني.
20) معجم البلدان-لياقوت الحموي.
21) العارف بالله سهل بن عبدالله التستري حياته وآراؤه-للدكتور عبد الحليم محمود.
22) قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر-للعلامة الشريف محمد صديق خان-تحقيق الدكتور عاصم القريوني.
23) منهاج السنة النبوية في نقد كلام الشيعة القدرية-لابن تيمية-تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم.

ملاحظة:
لم تظهر الحاشية في البحث هل من طريقة؟
 
المشايخ الأفاضل هل من مقيم للموضوع؟
وجزاكم الله خيراً
 
عودة
أعلى