تفسير خَلَفِ السجستاني (ت399هـ):تَجرِبةٌ قَديِمَةٌ للتفسير الموسوعيِّ الجماعي

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,321
مستوى التفاعل
129
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]

حَفَلت الحضارةُ الإسلاميةُ على امتدادها طولاً وعرضاً على مساحات واسعة من الأرض والتاريخ بصنوف أعاجيب الهمم العالية ، والتصانيف المدهشة ، وقد انصرفت عناية العلماء والأمراء إلى القرآن وخدمته انصرافاً ظاهراً في عهود الإسلام الزاهرة. ومنذ زمنٍ قرأت في ترجمة أحد ملوك سجستان(1) ، وهو خَلَفُ بنُ أَحْمد بن مُحمَّد بن الليث السِّجستاني المولود سنة 326 هـ والمتوفى مسجوناً سنة 399هـ أنه قد جَمعَ عدداً من العلماء والباحثين في دارٍ للبحث العلمي يشرف هو بنفسه عليها ، لتصنيف تفسير موسوعي شامل للقرآن الكريم.
وقد وصفه أهل التراجم بالعلم ومحبته ومحبة أهله ، فقال ابن الأثير في ترجمته في حوادث سنة 393هـ :( وكان خَلَفُ مشهوراً بطلبِ العلمِ ، وجَمعِ العُلماءِ). ، وقال الذهبي في ترجَمتهِ :(المَلِكُ المُحدِّثُ ، صاحبُ سِجستان خَلَفُ بن أحمد بن محمد بن الليث السجستاني الفقيهُ ، مِنْ جِلَّةِ المُلوكِ ، لَهُ إِفضالٌ كثيرٌ على أهل العلم مولده في سنة ست وعشرين وثلاث مئة ، وسَمِع من مُحمَّد بن علي الماليني صاحب عثمان بن سعيد الدارمي ، ومن عبد الله بن محمد الفاكهي المكي ، وأبي علي بن الصواف ، وعلي بن بندار الصوفي. روى عنه أبو عبد الله الحاكم ، وأبو يعلى بن الصابوني ، وطائفةٌ ، وانتخب عليه الدارقطني ، وامتدت دولتهُ ، ثُمَّ حاصره السلطان محمود بن سبكتكين في سنة ثلاث وتسعين ، وآذاه ، وضيَّقَ عليه ، فنَزَل بالأمان إليه فبعثه مكرماً في هيئةٍ جيدةٍ إلى الجوزجان ، ثُمَّ بعد أربع سنين وُصِفَ للسلطان أَنَّهُ يُكاتب سلطانَ ما وراء النهر أيلك خان فضيق عليه) [سير أعلام النبلاء 17/117] . وقال ابن كثير في ترجمته :( وخَلَفُ بن أحمد كان أميراً على سِجستان ، وكان عالِماً) .[ البداية والنهاية 354هـ ]

* قصة تصنيف التفسير الموسوعي :
بعد توليه ملك سجستان بعد عام 350 من الهجرة ، رأى الملكُ العالمُ خلفُ السجستاني كثرةَ ما نُقِلَ وصُنِّفَ حتى زمانهِ من تفاسير القرآن ، وما استجدَّ من العلوم المتعلقة به ، فبدا له أن يصنف تفسيراً موسوعياً يشتمل على كل ما قيل في تفسير القرآن ، مع ترتيبه وتهذيبه ، وتبويبه على خطة علمية محكمةٍ ، استشار في وضعها العلماء في وقته ، ثم شرع في مشروعه العلمي الكبير الذي لم يصنعه قبله أحدٌ لطوله ، وكلفته المالية العالية . وربما يضاف إلى ذلك ضعف الهمم عن كتابته وتحصيله.
وفكرةُ تصنيف تفسيرٍ جامعٍ للقرآن لا يَدَعُ شيئاً إلا أتى عليه خَطَرَتْ لكثيرٍ من العلماء والباحثين قديماً وحديثاً(2) ، ولعلَّ مِنْ أولِ من فَكَّر في هذا الأمر الإمامُ الطبريُّ عندما قال لطلابه : هل تنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال: ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مِمَّا تفنى الأعمارُ قبلَ تَمامهِ، فاختصره فى نَحو ثلاثةِ آلافِ ورقة. وكذلك قال لهم فى التاريخ، فأَجابوه بِمثلِ جوابِ التفسير.
وقد كان الملك خلف موصوفاً بالجود والكرم ، والعلم وحب العلماء ، يقول الذهبي :(وكان في أَيَّامهِ مَلِكاً ، جَواداً ، مَغشيَّ الجنابِ ، مُفضِلاً ، مُحسناً ، مُمَدَّحاً ، جَمَع عِدَّةً من الأئمةِ على تأليفِ تفسيرٍ عَظيمٍٍ ، حَاوٍ لأقوالِ المُفسِّرينَ ، والقُرَّاءِ ، والنُّحاةِ ، والمُحدِّثينَ . فقال أبو النضر في كتاب (اليميني) :(بلغني أَنَّهُ أَنفق عليهم في أسبوعٍ عشرين ألف دينارٍ ، قال : والنُّسخةُ به بنيسابور تستغرقُ عُمْرَ الناسخِ ).سير أعلام النبلاء 17/117
ويحدثنا المؤرخ أبو نصر العتبي عن هذا الكتاب ومكان وجوده في وقته فيقول:(وقد كان – يعني خَلفَ بنَ أحمد – جَمَعَ العلماءَ على تصنيفِ كتابٍ في تفسير كتاب الله تعالى ، لم يُغادِر فيه حرفاً من أقاويل المفسرين ، وتأويل المتأولين ، ونُكَتِ المُذكِّرين ، وأَتبعَ ذلك بوجوه القراءاتِ ، وعِللِ النَّحوِ والتصريفِ ، وعلامات التذكير والتأنيث ، ووشَّحها بِما رواهُ عن الثقات الأثبات من الحديث. وبلغني أَنَّه أَنفقَ عليهم مدةَ اشتغالِهم بِمعونتهِ على جَمعِه ، وتصنيفهِ عشرين ألف دينارٍ ، ونسختها بنيسابور في مدرسة الصابونية ، لكنَّها تَستغرقُ عُمرَ الكاتبِ ، وتستنفدُ حِبْرَ الناسخِ ، إِلا أَن يتَقاسَمها النُّسَّاخُ بالخطوطِ المختلفة). أ.هـ.
وهذا التفسير الموسوعي يقع في مائة مجلد ، كما نقل المنيني (ت1172هـ) في كتابه (الفتح الوهبي على تاريخ أبي نصر العتبي) 1/375 عن الكرماني قوله :( تفسيرُ خَلَفٍ مشهورٌ مذكورٌ ، وهو مائة مُجلَّد ، وبعضُ مُجلداتهِ نُقل إلى خزانة الكتب بالمسجد المنيفي – كذا في المطبوع والصواب : المنيعي – من مدرسة الصابوني بعد خرابِها ، وهي الآن فيها). أ.هـ
وقال ابن الأثير يصف هذا التفسير :(وله كتابٌ صنَّفَهُ في تفسيرِ القُرآنِ من أكبرِ الكتب).
وقال ابن خلدون في تاريخه 4/481 :( ثُمَّ هَلَك خَلَفُ سنة تسعٍ وتسعين وثلثمائة ... وكان خَلَفُ كثيرَ الغاشيةِ من الوافدين والعلماءِ ، وكان مُحسناً لهم. أَلَّف تفسيراً جَمعَ له العلماءَ من أهل إِيالتهِ ، وأنفق عليهم عشرين ألف دينارٍ، ووضعه في مدرسة الصابوني بنيسابور ، ونَسخُهُ يستغرقُ عمرَ الكاتبِ إِلا أن يُستغرقَ في النَّسخِ).
وإذا كان تفسير الطبري المختصر في ثلاثة الآف ورقةٍ ، وقد طُبِعَ الآنَ عدة طبعاتٍ ، منها ما هو في ثلاثين جزءاً ، ومن آخرها ما يقع في أربعة وعشرين مجلداً ، فثلاثين ألف ورقةٍ ستكون في مائتين وستين مُجلَّداً تقريباً ، وهوحَجمٌ - إِن صَحَّت طريقتي في الحسابِ أو قاربت – يفوقُ ما كُتِبَ فيه تفسيرُ خَلَفٍ السجستانيِّ الذي كتبَ في مائة مُجلَّدٍ ، غير أن الطبري كان وحده من جهةٍ ، وكان ضعف همة طلابه عن الكتابة مانعاً من جهة أخرى ، وأما خلف فقد جمع لذلك لجنةً علمية من العلماء ، وأشرف على الأمر بنفسه ، وكان ذا مال وافرٍ أنفق منه على هذا المشروع .
وتفسير خلفٍ هذا مفقودٌ اليوم حسب علمي ، ولعل هذا التفسير الذي أشرف عليه خلف السجستاني المَلِكُ العالِمُ ، وأَنفق عليه بنفسهِ ، وشارك فيه ولا بد لكونهِ من العلماء كما ذكر أهلُ التراجم ، يكون قد استوعبَ – أوكاد -ما كتب في التفسير قبله ، ومعظمها فقدت في الأزمنة المتأخرة ، ولو عُثِر على هذا السِّفرِ الطويل لأضاف شيئاً كثيراً لكتب التفسير ؛ لأنَّ منهجه الاستيعاب والاستقصاء فيما يظهر والله أعلم. وكان في نيتي تتبع أسماء العلماء الذين أعانوا خلفاً على تصنيف هذا التفسير ، ولكن لم أتمكن من ذلك بعدُ.

* وصف الكتاب ومنهجه:
ذكر أبو نصر العتبي أَنَّ هذا التفسير :
- لم يُغادِر فيه حرفاً من أقاويل المفسرين.
- وتأويل المتأولين.
- ونُكَتِ المُذكِّرين.
- وأَتبعَ ذلك بوجوه القراءات.
- وعِللِ النَّحوِ والتصريفِ ، وعلامات التذكير والتأنيث.
- ووشَّحها بِما رواهُ عن الثقات الأثبات من الحديث.
وذكر الذهبي في وصف التفسير أَنَّه :
- حَاوٍ لأقوالِ المُفسِّرينَ.
- والقُرَّاءِ.
- والنُّحاةِ.
- والمُحدِّثينَ .

فتبيَّنَ لنا مِن وَصفِهم لهذا التفسيرِ الموسوعيّ :
1- أنه قد جَمعَ ما روي من تفسير النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم ، وتفسير الصحابة والتابعين وتفسير السلف مِمَّن جاءَ بعدهم ، وجَمع أَقوالَ المُفسِّرينَ قَبلَهُ ، وتأويل المتأولين الذين صنفوا في التفسير قبله كالطبري وغيره .

2- وأنه جَمعَ وجوهَ وأَقوال عُلماءِ القراءات في توجيه القراءات القرآنية ، فجاء حافلاً بهذا ، والوقت الذي صنف فيه هذا التفسير معاصر لزمن أبي علي الفارسي الذي يُعَدُّ من أوسعِ مَنْ صنَّف في تَوجيه القراءاتِ ، ولَهُ في ذلك كتابُ الحُجَّة وغيره.

3- وجَمع أَقوال النحويينَ وتوجيهاتِهم لآيات القرآنِ الكريم ، وهذا الأمر قد حفلت به كتب التفسير المعاصرة له والتي جاءت بعده كالبسيط للواحدي ، ولست أدري هل هذا التفسير كان من مصادر الواحدي في تفسيره أم لا ، وهل نصَّ على النقل منه أحد من المفسرين .

4- وجَمعَ أقوالَ أَهلِ اللغةِ في غريب القرآنِ ، وتصريفِ الألفاظِ ، وهذا الجانب من أولى الجوانب بالعناية في كتب التفسير ، فكيف بمثل هذا الكتاب الذي بناه صاحبه على الاستقصاء والاستيعاب .

ومن الأمور التي لم يُشَر إليها في وصفه ولعله أغفلها :
1- أوجه البلاغة في التفسير لم ينص عليها من وصف التفسير ، ولعل العناية بهذا الجانب في ذلك الوقت لم تكن كبيرة عند المفسرين بخلاف من جاء بعدهم إلى زماننا هذا الذي كثرت العناية به ، وصنفت في ذلك المصنفات .

2- أحكام القرآن الفقهية ، فلم يرد ذكر لأقوال الفقهاء واستيعابه لها ، مما قد يشير إلى أنه كان يرى أن هذه ليست من شأن كتب التفسير كما حدث بعد ذلك في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي وغيره ، وهذا يفيدنا في معرفة مدلول كلمة التفسير عند المتقدمين وأنها مقتصرة برغم سعتها على جوانب معروفة ليس منها التوسع في أحكام الفقه والبلاغة.

3- أوجه إعجاز القرآن المختلفة التي لم تكن قد تحررت في زمنه بشكل ظاهرٍ ، وقد توسع العلماء في بيان أوجه الإعجاز بعد ذلك ، ولعل الدعوات المعاصرة للتصنيف الموسوعي في التفسير تضع من أولوياتها بيان أوجه إعجاز القرآن البلاغية والعلمية وغيرها، مما يدل على أن الحاجة لتفسير القرآن حاجة متجددة ، وأنَّ هناك أوجهاً حديثة ظهرت الحاجة إلى تناولها في كتب التفسير .
وليت أحد الباحثين يدرس بيئة نيسابور وأثر علمائها في الدراسات القرآنية ، فمؤلفاتهم في التفسير كثيرة ، كما يمكن تناول جهود الملوك والسلاطين في تفسير القرآن أو الإعانة عليه ، فلا أعلم مَلِكاً عالماً من ملوك الإسلام جمع له بين العلم والمال ، قام بمثل مشروع خلف السجستاني رحمه الله وغفر له.



ــــ الحواشي ــــــ
(1) هي منطقةٌ قديِمةٌ بين إيران وأفغانستان الآن ، وقاعدتها مدينة نصر آباد .
(2) طرح الأخ الكريم الفقير إلى ربه فكرة مماثلة لهذا في مشاركة له بعنوان : هل يعتبر هذا الاقتراح حلماً ؟
 
جزاكم الله خيراً
 
فكرة جميلة كنت أظنها من الأفكار المعاصرة . ولكن للأسف أنه قد ضاع هذا الكتاب.
شكراً وبارك الله فيك.
 
فكرة قديمة أيضاً للتفسير الموسوعي الشامل لملك زبيد

فكرة قديمة أيضاً للتفسير الموسوعي الشامل لملك زبيد

كان الملك الأشرف ملك زبيد يرغب في أن تصنف باسمه الكتب والموسوعات العلمية ، فاقترح على الفيروزأبادي صاحب القاموس أن يؤلف كتاباً جامعاً في التفسير يشتمل على العلوم والمعارف السائدة في زمانه ، حتى التي لم تكن من اختصاص الفيروزأبادي ، على أن يستعين الفيروزأبادي فيها بأهل العلم العارفين بها ، والمختصين بها . وقد سمى منها الفيروزأبادي منها أربعين علماً .
والملك الأَشرف هو إِسماعيل بن العباس، ولى الملك سنة 778، وكان كريما ممدَّحا مقبلا على العلم والعلماء، يكرم الغرباءَ ويبالغ فى الإِحسان إِليهم، اشتغل بفنون من الفقه والنحو والأَدب والتاريخ والأَنساب والحساب وغيرها، كما فى ترجمته فى الضوءِ اللامع، ومات بزبيد سنة 803هـ.
غير أن الملك الأشرف توفي قبل تمام التفسير ، ولم يكن ابنه الناصر الذي خلفه صاحب عناية بالعلم وأهله ، فلم يعر هذا المشروع العلمي اهتماماً ، كما أهمل الفيروزأبادي بعد أن كان مكرماً في زمان من قبله ، فغادر الفيروأبادي زبيداً وأكمل تأليف الكتاب مقتصراً على جزء من فكرة المشروع .
وصنف كتابه الشهير (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) بعد أن اقتصر على جزء من الفكرة .
والقارئ لخطبة الكتاب يرى أَن المؤلِّف يقدّم كتابا جامعاً لمقاصد العلوم والمعارف فى عصره، حتى العلوم المدنية التى لم يكن للمؤلف بد فيها ولا بصر بها، كالهندسة والموسيقى والمرايا المحرِقة.
ويذكر فى الخطبة أَن الكتاب مرتَّب على مقدمة وستين مقصدا. والمقاصد الستون فى علوم العصر، كل مقصد فى علم منها.
ونراه فى الخطبة يسرد عنوانات المقاصد؛ ليكون ذلك فهرسا إِجمالياً للكتاب. فالمقصد الأَول فى لطائف تفسير القرآن. والثانى فى علم الحديث النبوى، ويستمر هكذا فى السَّرْد، حتى يصل إلى المقصد الخامس والخمسين فى علم قوانين الكتابة. ثم نرى: "المقصد السادس والخمسون فى علم...." ولا نرى ما يضاف إليه (علم) ولا بقيّة المقاصد الستين؟ ولعله ترك ليضاف له ما يجد من مقاصد .
وهو يذكر أَن الذى رسم بتأْليف الكتاب على هذا النحو الجامع لسلطان الأشرف إِسماعيل بن العباس الذى دعاه إِلى حضرته بزبيد، وولاَّه القضاء ورئاسته .
ونراه يقول: "قصد بذلك - نصره الله - جمع أَشتات العلوم وضمَّ أَنواعها - على تباين أَصنافها - فى كتاب مفرد ؛ تسهيلا لمن أَراد الاستمتاع برائع أَزهارها، ويانع أَثمارها الغضّ المصون، فيستغنى الحائز له، الفائز به، عن حمل الأَسفار، فى الأَسفار...".
وقد كان السلطان الأَشرف مضطلعا بالعلوم، كما وصفه من عاصره. وكان يبعث العلماءَ على التصنيف.
وقد يضع منهج الكِتاب وخِطَّته، ويكل إِتمامه إِلى بعض العلماءِ. ويذكر السخاوىّ فى الضوءِ اللامع فى ترجمته "أَنه كان يضع وضْعا، ويحدّ حدّا، ثم يأْمر من يتمُّه على ذلك الوضع، ويعرض عليه. فما ارتضاه أَثبته، وما شذَّ عن مقصوده حذفه، وما وجده ناقصا أَتمَّه".
وبعد هذا لا يعجب من وقف على حَيَاة المجد واقتصاره على علوم الرواية، من تعرضُّه للعلوم الفلسفيَّة والمدنيَّة، ووضع منهج الكتاب على أَن يذكر مقاصدها. فإِن الواضع للخطَّة الأَشرف إِسماعيل، وقد كان واسع المعرفة. ومما ذكر من العلوم التى كان يتقهنا الحساب، وقد يكون عارفا بما هو من باب الحساب، كالهندسة والمرايا المحرقة، وما إِلى ذلك. وكان الملْك والعُمْران يقتضى هذه العلوم، بالإِضافة إِلى العلوم الدينية والعربية.
ولكن كيف يكل الأَشرف إِعداد هذا المنهج الواسع إِلى الفيروز ابادى قاضى الأَقضية، وهو لا يحسن تلك العلوم التى كانوا يسمُّونها علوم الأَوائل ؟
الظاهر أَنه كلَّفه هذا على أَن يستعين فيما لا يعرفه من يعرفه من أَهل الاختصاص؛ وله من خبرته ومنصبه ما يعينه على ذلك ، فيكون العمل جماعياً متقناً ، كما صنع الملك خلف السجستاني من قبل .
وبعد هذا لا نرى من آثار هذا المنهج العام إِلا المقدّمة التى تتعلق بفضل العلم و تمييز العلوم، ثم المقصد الأَول، وهو لطائف التفسير الذى سمى فيما بعد: بصائر ذوى التمييز. فهذا الوضع الجامع لم يقدِّر للمجد أَن يتمَّه وحده، أو مستعينا بغيره.
والظاهر أَن الأَشرف مات بعد تمام المقصد الأَول، ففترت همَّة المجد فى عهد ولده الناصر؛ إِذ كان لا يلقى من البرِّ والكرم، ما كان يلقاه فى عهد صهره السلطان الأَشرف، ولم يجد من المال ما يجزى به من يشتغل فى هذا العمل الواسَع الجليل، وهذا مع أَنه قد علته كَبْرة، وأَدركه فتور الشيخوخة.
لا نرى هذا العنوان فى الكتاب. إِنما العنوان فى الكتاب فى الإِجمال والتفصيل: "المقصد الأَول فى لطائف تفسير القرآن العظيم". وقد أَصبح هذا العنوان لا مكان له بعد عدول المجد عن بقية المقاصد، فكان من المستسحن أَن يكون له اسم يشعر باستقلاله، وأَنه ليس جزءًا من كتاب جامع. وكان المؤلف جعل عنوان كل بحث فى هذا المقصد: "بصيرة" فأَصبح الكتاب جملة بصائر، ومن هذا استمدَّ الاسم الجديد: "بصائر ذوى التمييز، فى لطائف الكتاب العزيز". وتراه غيَر "العظيم" بالعزيز ليسجِّع مع العبارة التى اجتلبها.
وقد كان يحسن به أَن يعدل عن خطبة الكتاب الجامع، ويستأَنف خطبة خاصة بهذا الكتاب. وكأَنه كان يرجو أَن يقدَّر له يوما إِنجاز ما اعتزمه من المقاصد الستين، فأَبقى الخطبة على حالها الأَول.
 
سبحان الله
جهد كبير رحمهم الله .
هل يمكن إعادة تأليف مثل هذا التفسير اليوم بعد توفر الوسائل المعينة على ذلك ؟
أرجو الإجابة يا دكتور
 
مما يدل على أن الحاجة لتفسير القرآن حاجة متجددة ، وأنَّ هناك أوجهاً حديثة ظهرت الحاجة إلى تناولها في كتب التفسير .
هل يمكن أن يكون من الأوجه المتجددة التي يمكن أن تتناول في التفسير: تصحيح المفاهيم المعاصرة التي اصبح فيها خلط كبير أو جدل كثير في الساحة الفكرية, وكذلك: تصفية التفسير من التأويلات الغير مبنية على قواعد صحيحة, خصوصا لمن أراد أن يكتب في التفسير الموسوعي؟
 
هل يمكن إعادة تأليف مثل هذا التفسير اليوم بعد توفر الوسائل المعينة على ذلك ؟
أرجو الإجابة يا دكتور
نعم يُمكنُ ذلك، بل وأوسع منه باستكمال الجوانب التي أغفلتها اللجنة العلمية تلك، ولكن قطعاً سيفوتنا الكثير من الجانب المتعلق بالرواية الذي كان متاحاً بين يدي تلك اللجنة لقرب عهدهم من زمن الرواية والآثار وعلمائها.

هل يمكن أن يكون من الأوجه المتجددة التي يمكن أن تتناول في التفسير: تصحيح المفاهيم المعاصرة التي اصبح فيها خلط كبير أو جدل كثير في الساحة الفكرية, وكذلك: تصفية التفسير من التأويلات الغير مبنية على قواعد صحيحة, خصوصا لمن أراد أن يكتب في التفسير الموسوعي؟
فكرةٌ سديدةٌ يا أبا عبدالرحمن، ومثل هذه الموسوعات في التفسير هي ميدان مناسب لتصحيح الأخطاء، والرد على الشبهات الفكرية وغيرها، وكم هي الأمنيات في تأليف مثل هذه الموسوعة العلميَّة في التفسير، نسأل الله أن ييسر مثل هذه الأعمال خدمة للقرآن الكريم وطلاب علمه الذين يزيدون يوماً بعد يوم.
 
زارني مؤخراً في مركز تفسير للدراسات القرآنية الأخ الدكتور عبدالله المسند ومعه مقترح لتأليف تفسير جماعي للقرآن الكريم وفيه تفصيلات كثيرة ذكرها في مشروعه النافع ، وفذكرت له هذا الكتاب القديم أثناء الحديث وأن مثل هذه المشروعات تفكر فيها الأمة من وقت مبكر، ولكن طبيعة كل عصر هي التي توفر عناصر النجاح للمشروع .
أحببت رفعه للاطلاع والنقاش وقد بعد العهد به أول مرة قبل عدة سنوات .
 
د. عبدالرحمن جزاك الله خيرا
فكرة التفسير الجماعي ضرورة في القرن الواحد و عشرين و في عصر الانترنت.
منذ فترة ابحث عن مجموعة تكون نواة لعمل جماعي متخصص في القران و علومه و الفكرة باختصار عمل موسوعة الكترونية للقران بالانجليزية على غرار الويكيبديا و يمكن ان تشمل الفكرة اللغة العربية و لغات اخرى
العمل الجماعي ضرورة
عندي يقين ان الفكرة ستصبح حقيقة بإذن الله
من يشاهد لقاء لمؤسس الويكيبديا يتعجب من النمو السريع و نجاح الفكرة انها قصة تستحق ان يستفاد منها و تمنيت لو ان الوقت يسعفني بالكتابة عن هذا الموضوع لكن لا اعد ان اقوم بهذا العمل بسبب التزماتي.
 
عودة
أعلى