ض
ضيف
Guest
استجابة للطلب الكريم من الشيخ الكريم عبدالرحمن الشهري هذا تفسير الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله لبعض السور :
قبل أن أشرع في بيان تفسيره أورد ماكتبه رحمه الله بعد أن فرغ من تفسير هذه السور :
( ماجاء في هذه المقالة من وجوه التفسير هو مافهمته من التلاوة ولم أنقله عن أحد فإن وافق المراد فالحمد لله وإلا فإني أرجع عنه وأستغفر الله . )
تفسير سورة الفاتحة :
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
يطلب حمايته أولاً من عدو البشر الألد الذي يتربص به ويزين له الشر ويحبب إليه المعصية ويفضل له هذه الدنيا الزائلة ولذاتها الذاهبة على الآخرة الدائمة ونعيمها المقيم ويسأله أن يعيذه منه حين يقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ).
(بسم الله الرحمن الرحيم )
ثم يعلن الابتداء باسم ربه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) لا باسم جلالة الملكة كما يقول الإنكليز ولا باسم الشعب كما نقول نحن ولا باسم صنم ولا وثن ولا باسم رابطة قومية أو حزبية أو رابطة منفعة أو مال بل بما هو أعلى من ذلك كله وأعظم وأسمى .
بما تمحى أمامه فروق اللون والجنس واللسان وما تسكت أمامه أصوات الشهوة والسيطرة والجاه والغنى وما يعود البشر أمامه عبيداً سامعين مطيعين متجردين للفضائل والخيرات : بسم الله .
( الفاتحة )
لكل كتاب بشري فاتحة :
مقدمة تجمل مقاصده وتوضح مطالبه ، وهذه مقدمة الكتاب الإلهي الباقي الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي نزله الله وتعهد بحفظه .
( الحمد لله رب العالمين )
الحمد لله على نعمه التي لا تحصى نعمة الحياة ، نعمة الصحة ، نعمة الأمن ، نعمة السمع والبصر ، نعمة الأهل والولد . . .
إن الإنسان لا يعرف قيمة النعم إلا عند فقدها ، إن سد أنفك الزكام عرفت قيمة الشم ، وإن أغلق عينك الرمد عرفت قيمة البصر ، وإن دهمك الخوف عرفت قيمة الأمن ، وإن لويت قدمك فلم تقدر أن تمشي عرفت قيمة الرجل .فتصوروا هذه النعم حين تقولون : ( الحمد لله ) .
( رب العالمين )
هل تعرفون معنى الرب ؟ ليس معناها الحاكم ولا الملك ولا الإله ، الرب فيه معنى العناية والتربية والحفظ والإنماء .الرب المربي ، والعالمون جمع عالم فعالم الأرض وعالم النجوم وعالم السماء وعالم الجن وعالم الشياطين وعالم الملائكة والعوالم كلها هو حافظها وموجدها ومربيها .فتصوروا هذه المعاني كلها حينما تقرؤون هذه الكلمات الأربع : ( الحمد لله رب العالمين ) .
( الرحمن الرحيم )
وصف نفسه بالرحمة وكررها لتكرر رحمته ، ولم يقل الجبار المنتقم ، ولا القوي العزيز ولكن الرحمن الرحيم .
أشعرنا رحمته التي وسعت كل شيء . أترون رحمة الأم بوحيدها الذي ترضعه على صدرها ؟الله أرحم بعباده منها بولدها . إن الأم إذا أساء إليها ولدها أو خالفها أو استعمل مالها في معصيتها هجرته وحجزت المال عنه . والكافر يستعمل لسانه الذي أعطاه الله إياه في الكفر بالله والله يرحمه ويرزقه ويحسن إليه .الفاجر يستعمل ماله الذي أعطاه الله إياه في معصية الله والله يرحمه ويرزقه ويحسن إليه .وإن الله أنزل في الدنيا رحمة واحدة فبها يتراحم الناس وتعطف الأم على ولدها والأخ على أخته والرجل على امرأته وأبقى تسعاً وتسعين ليوم القيامة ، ورحمة الله هذه من أولى النعم التي تستحق الحمد .
( مالك يوم الدين )
بعد أن يستشعر العبد رحمة الله يقول ( مالك يوم الدين ) فيستشعر عظمته ، ليعلم أن الله رحيم فلا ييأس من رحمته وأنه جبار فلا يأمن بطشه .ويوم الدين هو يوم القيامة ، يوم يقف الناس جميعاً من قتل في الحرب ومن مات على فراشه ، والذي أكله السبع والذي غرق في البحر والذي احترق وصار جسده فحماً يجمعهم الله جميعاً الأولين والآخرين فيقف الملك بجنب الصعلوك والغني بجنب الفقير وتسقط الفوارق ولا يبقى من فرق إلا بالعمل الصالح ، هنالك ينادي المنادي ( لمن الملك اليوم ) ؟ للسلاطين ؟ للجبارين ؟ للأغنياء ؟ لا ، بل ( لله الواحد القهار ) . ذلك هو رب العالمين ومالك يوم الدين .
( إياك نعبد وإياك نستعين )
أي لانعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك .والعبادة هي كل مافيه إقرار بالربوبية للمعبود ، فالصلاة عبادة والسجود عبادة والدعاء عبادة والطواف بالقبور بنية التعظيم وقياساً على طواف الكعبة عبادة لغير الله .والاستعانة هنا هي الاستعانة بما هو وراء الأسباب فلا تمنع الاستعانة بالطبيب على وصف الدواء ولا الاستعانة بالمحامي على حسن الدفاع ولا الاستعانة بأرباب الصناعات .بل الاستعانة الممنوعة إلا بالله وحده هي طلب ماوراء الأسباب كمن يطلب من غير الله أن يشفي مريضه بلا علاج أو يرجع فقيده بلا بحث أو يطلق سجينه بلا شفاعة أو يفرج كربه بغير سبب مادي .بعد أن حمدت الله على نعمه وعرفت أنه رب العالمين وأنه أرحم الراحمين وأنه هو مالك يوم الدين ، وبعد أن نزهته عن الشريك ( الشرك الظاهر والشرك الخفي ) وخصصته وحده بالعبادة فإن الله يعلمك كيف تطلب منه ماينفعك ، وقد أجمل لك الخير كله في كلمة واحدة : الصراط المستقيم .
( اهدنا الصراط المستقيم )
أي دلنا على الطريق الموصل إلى كل خير في الدنيا وفي الآخرة .
( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
المغضوب عليهم عرفوا الحق ولم يتبعوه ، ومنهم اليهود . والضالون لم يعرفوه ولم يتبعوه ومنهم النصارى . والذين أنعم الله عليهم عرفوه واتبعوه وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون .
( آمـــين ) أي الله استجب لنا وتقبل دعاءنا .
فصول إسلامية ص 75ـ78 ط السادسة 1429هـ دار المنارة .
(تفسير سورة الماعون )
في هذه السورة بيان ثلاثة أصناف من الناس :
الصنف الأول : الذين يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء يتصفون أبداً بالكمالات الإنسانية ويجمعون أطراف الخلق الكريم .
الصنف الثاني : الذين يؤمنون ولكن لا يعملون بما يؤمنون به ولا يحافظون عليه فهم ينسون الصلاة ويمتنعون عن القيام بأيسر أعمال الخير وهو إعارة الماعون للجار .
الصنف الثالث : المكذبون بالدين ، الذين فقدوا مزايا الإنسانية حتى أنهم ليقسون على اليتيم ولا يبالون بالعطف على المسكين .
( أرءيت الذي يكذب بالدين )
الخطاب من الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يقول له : ألا تعجب من هذا الذي يكذب الحقائق الظاهرة وينكر بلسانه ما يصدق به قلبه ويؤمن به عقله ؟ وهل في الحقائق كلها ما هو أثبت من وجود الله ؟ وهل في طرق الخير ما هو أقرب وأظهر من هذا الدين ؟
( فذلك الذي يدع اليتيم )
أي يقسو عليه ولا يرحم ضعفه وتلك هي النتيجة للتكذيب بالدين وملازمة لها .
( ولا يحض على طعام المسكين )
ولا يرغب فيه ولا يفكر في آلام غيره ما يهمه في الحياة إلا نفسه وهذا هو النموذح للصنف الثالث .
أما الصنف الأول فيفهم من هذه الآيات ، فكما أن المكذب بالدين يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فالمصدق بالدين يرحم الأيتام ويهتم بإطعام المساكين ويكون عاملاً على كل مافيه الخير للناس .
والقسم الثاني : ضرب الله مثلاً عليه المصلين الذين يسهون عن صلاتهم تهاوناً بها واشتغالاً عنها .
(فويل )
كلمة عذاب .
( للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون )
إن صلوا بصلاتهم لا يقصدون بها وجه الله .
( ويمنعون الماعون )
لأن من صفتهم أنهم لا يقدمون لأحد خيراً مهما قل .فمتى غفل عن صلاته ثم تاب وأداها مخلصاً لا مرائياً وكان ممن يحب الخير لم يكن من هذا الصنف .
المرجع السابق ص 79 ـ 81 .
(سورة العصر )
سورة قصيرة من ثلاث جمل صغار ولكنها تصلح أن تكون دستوراً للفرد وللجماعة ، لم تترك باباً من أبواب الخير إلا فتحته ولا خلة من خلال صلاح الفرد والجماعة إلا تعرضت لها حتى أن من العلماء من قال : (وأظن أن القائل هو الشافعي ) (قلت وهو كما قال) لو لم ينزل الله من القرءان إلا هذه السورة لكفت الناس .
ومن معجزات القرءان أنه جمع تلك المعاني كلها في آيات ثلاث صغار هي : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
وأنا لا أسرد أقوال الناس في العصر هل هو الدهر أو هو وقت العصر أو هو صلاة العصر لأن الله كشف لي معنى آخر هو أن العصر ( الزمان ) وكل إنسان يخسر بفعل الزمان .يخسر عمره إذ لو كان مقدراً له أن يعيش سبعين سنة فإنه يخسر سنة منها كلما عاش سنة ويخسر شبابه ويخسر قوته ثم ينتهي بمرور الزمان إلى الموت فيخسر كل شيء حتى الحياة ولا يبقى له إلا الإيمان والعمل الصالح .فالإيمان كما أفهم يتعلق بصحة المذهب والعمل الصالح يتعلق بالتطبيق والمعنى أن على الإنسان الذي يريد اجتناب الخسارة أن يبني مذهبه في الحياة على معرفة الحق من الباطل ويؤمن بالحق وحده فيكون صحيح النظر والفكر وأن يطبق الحق الذي عرفه وآمن به على حياته . وهذا دستور شامل لحياة الفرد العقلية والعملية ومن عرف الحق وعمل به فقد بلغ أعلى درجات الكمال . وفي الآية التالية دستور لحياة الجماعة فلا يكفي أن يعرف الفرد الحق في نفسه بل ينبغي أن يوصي غيره به ويدله عليه ، ولا يكفي أن يعمل به وحده بل لا بد من التواصي على العمل الجماعي والصبر على مشاق هذا العمل .
وهنا تعليقات ثلاثة لابد منها :
الأولى :أن القسم من الناس لا يكون إلا بالله ، لايجوز لهم الحلف بغير الله أصلاً لأن هذا الحلف يدل على التعظيم المطلق والعبادة .أما قسم الله في القرءان بأشياء مخلوقة ( والعصر ، والضحى ، والليل ، والسماء . .) فهو للدلالة على مزايا فيها ولفت الأنظار إليها .
الثانية : أن أولى الحقائق التي ينبغي أن يؤمن بها الإنسان لينجو في الآخرة هي وجود الله وأن له وحده الخلق وله الأمر وهو المخصوص بالعبادة ، ثم التصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بها .
الثالثة :أن الصبر على أنواع منها الصبر على المصيبة . والدنيا مملوءة بالمصائب ولا ينجو أحد من نكبة في صحة أو مال أو موت أو فقد قريب ، ولا عزاء عنها إلا بالتواصي بالصبر وذكر ثواب الله للمصلين ، ولعله إذا اطلع على ماأعد الله له فرح بالمصيبة ، كمن يذهب ماله أو يخرب بيته في زلزال أو حريق فإذا عوضته الحكومة ثمنه أضعافاً فرح بذهاب المال وخراب الدار .
والصبر على ألم الطاعة ، فمن ترك فراشه الدافئ وقام إلى صلاة الصبح في ليالي الشتاء يتألم ، ومن حمل الجوع والعطش في أيام الصيف في رمضان يتألم ، ومن قهر نفسه على إخراج الزكاة يتألم ، ولكنه إذا ذكر ثواب الله وصبر النفس تحول هذا الألم لذة .
والصبر عن المعاصي ، وهذا أصعب أنواع الصبر وهو الامتناع عن لذة المعصية مع القدرة عليها ، كالموظف الذي يرى زملاؤه يرتشون ويسرقون وهو يقدر على ذلك ولكنه يمتنع عنه ويصبر نفسه ، والشاب الذي يرى التبرج والإغراء ويسمع من إخوانه أحاديث مغامراتهم الغرامية ولكنه يمتنع عن مجاراتهم خوفاً من الله ويصبر نفسه ، إن الله يظله بظل العرش يوم الموقف الأكبر يوم لايجد الناس ظلة ولا وقاية من أمر الله .
المرجع السابق ص 82 ـ 84 .
هذا ماوقفت عليه في كتب الشيخ رحمه الله من تفسيره لسور كاملة .أما تفسير الآيات المتناثرة من كتبه فقد جمعتها من جميع كتبه وليس هذا المقام مقام إطالة وإلا أوردتها فيكتفى بما سبق والحمد لله على وافر فضله وترادف مننه .
قبل أن أشرع في بيان تفسيره أورد ماكتبه رحمه الله بعد أن فرغ من تفسير هذه السور :
( ماجاء في هذه المقالة من وجوه التفسير هو مافهمته من التلاوة ولم أنقله عن أحد فإن وافق المراد فالحمد لله وإلا فإني أرجع عنه وأستغفر الله . )
تفسير سورة الفاتحة :
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم )
يطلب حمايته أولاً من عدو البشر الألد الذي يتربص به ويزين له الشر ويحبب إليه المعصية ويفضل له هذه الدنيا الزائلة ولذاتها الذاهبة على الآخرة الدائمة ونعيمها المقيم ويسأله أن يعيذه منه حين يقول : ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ).
(بسم الله الرحمن الرحيم )
ثم يعلن الابتداء باسم ربه ( بسم الله الرحمن الرحيم ) لا باسم جلالة الملكة كما يقول الإنكليز ولا باسم الشعب كما نقول نحن ولا باسم صنم ولا وثن ولا باسم رابطة قومية أو حزبية أو رابطة منفعة أو مال بل بما هو أعلى من ذلك كله وأعظم وأسمى .
بما تمحى أمامه فروق اللون والجنس واللسان وما تسكت أمامه أصوات الشهوة والسيطرة والجاه والغنى وما يعود البشر أمامه عبيداً سامعين مطيعين متجردين للفضائل والخيرات : بسم الله .
( الفاتحة )
لكل كتاب بشري فاتحة :
مقدمة تجمل مقاصده وتوضح مطالبه ، وهذه مقدمة الكتاب الإلهي الباقي الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي نزله الله وتعهد بحفظه .
( الحمد لله رب العالمين )
الحمد لله على نعمه التي لا تحصى نعمة الحياة ، نعمة الصحة ، نعمة الأمن ، نعمة السمع والبصر ، نعمة الأهل والولد . . .
إن الإنسان لا يعرف قيمة النعم إلا عند فقدها ، إن سد أنفك الزكام عرفت قيمة الشم ، وإن أغلق عينك الرمد عرفت قيمة البصر ، وإن دهمك الخوف عرفت قيمة الأمن ، وإن لويت قدمك فلم تقدر أن تمشي عرفت قيمة الرجل .فتصوروا هذه النعم حين تقولون : ( الحمد لله ) .
( رب العالمين )
هل تعرفون معنى الرب ؟ ليس معناها الحاكم ولا الملك ولا الإله ، الرب فيه معنى العناية والتربية والحفظ والإنماء .الرب المربي ، والعالمون جمع عالم فعالم الأرض وعالم النجوم وعالم السماء وعالم الجن وعالم الشياطين وعالم الملائكة والعوالم كلها هو حافظها وموجدها ومربيها .فتصوروا هذه المعاني كلها حينما تقرؤون هذه الكلمات الأربع : ( الحمد لله رب العالمين ) .
( الرحمن الرحيم )
وصف نفسه بالرحمة وكررها لتكرر رحمته ، ولم يقل الجبار المنتقم ، ولا القوي العزيز ولكن الرحمن الرحيم .
أشعرنا رحمته التي وسعت كل شيء . أترون رحمة الأم بوحيدها الذي ترضعه على صدرها ؟الله أرحم بعباده منها بولدها . إن الأم إذا أساء إليها ولدها أو خالفها أو استعمل مالها في معصيتها هجرته وحجزت المال عنه . والكافر يستعمل لسانه الذي أعطاه الله إياه في الكفر بالله والله يرحمه ويرزقه ويحسن إليه .الفاجر يستعمل ماله الذي أعطاه الله إياه في معصية الله والله يرحمه ويرزقه ويحسن إليه .وإن الله أنزل في الدنيا رحمة واحدة فبها يتراحم الناس وتعطف الأم على ولدها والأخ على أخته والرجل على امرأته وأبقى تسعاً وتسعين ليوم القيامة ، ورحمة الله هذه من أولى النعم التي تستحق الحمد .
( مالك يوم الدين )
بعد أن يستشعر العبد رحمة الله يقول ( مالك يوم الدين ) فيستشعر عظمته ، ليعلم أن الله رحيم فلا ييأس من رحمته وأنه جبار فلا يأمن بطشه .ويوم الدين هو يوم القيامة ، يوم يقف الناس جميعاً من قتل في الحرب ومن مات على فراشه ، والذي أكله السبع والذي غرق في البحر والذي احترق وصار جسده فحماً يجمعهم الله جميعاً الأولين والآخرين فيقف الملك بجنب الصعلوك والغني بجنب الفقير وتسقط الفوارق ولا يبقى من فرق إلا بالعمل الصالح ، هنالك ينادي المنادي ( لمن الملك اليوم ) ؟ للسلاطين ؟ للجبارين ؟ للأغنياء ؟ لا ، بل ( لله الواحد القهار ) . ذلك هو رب العالمين ومالك يوم الدين .
( إياك نعبد وإياك نستعين )
أي لانعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك .والعبادة هي كل مافيه إقرار بالربوبية للمعبود ، فالصلاة عبادة والسجود عبادة والدعاء عبادة والطواف بالقبور بنية التعظيم وقياساً على طواف الكعبة عبادة لغير الله .والاستعانة هنا هي الاستعانة بما هو وراء الأسباب فلا تمنع الاستعانة بالطبيب على وصف الدواء ولا الاستعانة بالمحامي على حسن الدفاع ولا الاستعانة بأرباب الصناعات .بل الاستعانة الممنوعة إلا بالله وحده هي طلب ماوراء الأسباب كمن يطلب من غير الله أن يشفي مريضه بلا علاج أو يرجع فقيده بلا بحث أو يطلق سجينه بلا شفاعة أو يفرج كربه بغير سبب مادي .بعد أن حمدت الله على نعمه وعرفت أنه رب العالمين وأنه أرحم الراحمين وأنه هو مالك يوم الدين ، وبعد أن نزهته عن الشريك ( الشرك الظاهر والشرك الخفي ) وخصصته وحده بالعبادة فإن الله يعلمك كيف تطلب منه ماينفعك ، وقد أجمل لك الخير كله في كلمة واحدة : الصراط المستقيم .
( اهدنا الصراط المستقيم )
أي دلنا على الطريق الموصل إلى كل خير في الدنيا وفي الآخرة .
( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )
المغضوب عليهم عرفوا الحق ولم يتبعوه ، ومنهم اليهود . والضالون لم يعرفوه ولم يتبعوه ومنهم النصارى . والذين أنعم الله عليهم عرفوه واتبعوه وهم الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون .
( آمـــين ) أي الله استجب لنا وتقبل دعاءنا .
فصول إسلامية ص 75ـ78 ط السادسة 1429هـ دار المنارة .
(تفسير سورة الماعون )
في هذه السورة بيان ثلاثة أصناف من الناس :
الصنف الأول : الذين يؤمنون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهؤلاء يتصفون أبداً بالكمالات الإنسانية ويجمعون أطراف الخلق الكريم .
الصنف الثاني : الذين يؤمنون ولكن لا يعملون بما يؤمنون به ولا يحافظون عليه فهم ينسون الصلاة ويمتنعون عن القيام بأيسر أعمال الخير وهو إعارة الماعون للجار .
الصنف الثالث : المكذبون بالدين ، الذين فقدوا مزايا الإنسانية حتى أنهم ليقسون على اليتيم ولا يبالون بالعطف على المسكين .
( أرءيت الذي يكذب بالدين )
الخطاب من الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم يقول له : ألا تعجب من هذا الذي يكذب الحقائق الظاهرة وينكر بلسانه ما يصدق به قلبه ويؤمن به عقله ؟ وهل في الحقائق كلها ما هو أثبت من وجود الله ؟ وهل في طرق الخير ما هو أقرب وأظهر من هذا الدين ؟
( فذلك الذي يدع اليتيم )
أي يقسو عليه ولا يرحم ضعفه وتلك هي النتيجة للتكذيب بالدين وملازمة لها .
( ولا يحض على طعام المسكين )
ولا يرغب فيه ولا يفكر في آلام غيره ما يهمه في الحياة إلا نفسه وهذا هو النموذح للصنف الثالث .
أما الصنف الأول فيفهم من هذه الآيات ، فكما أن المكذب بالدين يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فالمصدق بالدين يرحم الأيتام ويهتم بإطعام المساكين ويكون عاملاً على كل مافيه الخير للناس .
والقسم الثاني : ضرب الله مثلاً عليه المصلين الذين يسهون عن صلاتهم تهاوناً بها واشتغالاً عنها .
(فويل )
كلمة عذاب .
( للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراءون )
إن صلوا بصلاتهم لا يقصدون بها وجه الله .
( ويمنعون الماعون )
لأن من صفتهم أنهم لا يقدمون لأحد خيراً مهما قل .فمتى غفل عن صلاته ثم تاب وأداها مخلصاً لا مرائياً وكان ممن يحب الخير لم يكن من هذا الصنف .
المرجع السابق ص 79 ـ 81 .
(سورة العصر )
سورة قصيرة من ثلاث جمل صغار ولكنها تصلح أن تكون دستوراً للفرد وللجماعة ، لم تترك باباً من أبواب الخير إلا فتحته ولا خلة من خلال صلاح الفرد والجماعة إلا تعرضت لها حتى أن من العلماء من قال : (وأظن أن القائل هو الشافعي ) (قلت وهو كما قال) لو لم ينزل الله من القرءان إلا هذه السورة لكفت الناس .
ومن معجزات القرءان أنه جمع تلك المعاني كلها في آيات ثلاث صغار هي : ( والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
وأنا لا أسرد أقوال الناس في العصر هل هو الدهر أو هو وقت العصر أو هو صلاة العصر لأن الله كشف لي معنى آخر هو أن العصر ( الزمان ) وكل إنسان يخسر بفعل الزمان .يخسر عمره إذ لو كان مقدراً له أن يعيش سبعين سنة فإنه يخسر سنة منها كلما عاش سنة ويخسر شبابه ويخسر قوته ثم ينتهي بمرور الزمان إلى الموت فيخسر كل شيء حتى الحياة ولا يبقى له إلا الإيمان والعمل الصالح .فالإيمان كما أفهم يتعلق بصحة المذهب والعمل الصالح يتعلق بالتطبيق والمعنى أن على الإنسان الذي يريد اجتناب الخسارة أن يبني مذهبه في الحياة على معرفة الحق من الباطل ويؤمن بالحق وحده فيكون صحيح النظر والفكر وأن يطبق الحق الذي عرفه وآمن به على حياته . وهذا دستور شامل لحياة الفرد العقلية والعملية ومن عرف الحق وعمل به فقد بلغ أعلى درجات الكمال . وفي الآية التالية دستور لحياة الجماعة فلا يكفي أن يعرف الفرد الحق في نفسه بل ينبغي أن يوصي غيره به ويدله عليه ، ولا يكفي أن يعمل به وحده بل لا بد من التواصي على العمل الجماعي والصبر على مشاق هذا العمل .
وهنا تعليقات ثلاثة لابد منها :
الأولى :أن القسم من الناس لا يكون إلا بالله ، لايجوز لهم الحلف بغير الله أصلاً لأن هذا الحلف يدل على التعظيم المطلق والعبادة .أما قسم الله في القرءان بأشياء مخلوقة ( والعصر ، والضحى ، والليل ، والسماء . .) فهو للدلالة على مزايا فيها ولفت الأنظار إليها .
الثانية : أن أولى الحقائق التي ينبغي أن يؤمن بها الإنسان لينجو في الآخرة هي وجود الله وأن له وحده الخلق وله الأمر وهو المخصوص بالعبادة ، ثم التصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بها .
الثالثة :أن الصبر على أنواع منها الصبر على المصيبة . والدنيا مملوءة بالمصائب ولا ينجو أحد من نكبة في صحة أو مال أو موت أو فقد قريب ، ولا عزاء عنها إلا بالتواصي بالصبر وذكر ثواب الله للمصلين ، ولعله إذا اطلع على ماأعد الله له فرح بالمصيبة ، كمن يذهب ماله أو يخرب بيته في زلزال أو حريق فإذا عوضته الحكومة ثمنه أضعافاً فرح بذهاب المال وخراب الدار .
والصبر على ألم الطاعة ، فمن ترك فراشه الدافئ وقام إلى صلاة الصبح في ليالي الشتاء يتألم ، ومن حمل الجوع والعطش في أيام الصيف في رمضان يتألم ، ومن قهر نفسه على إخراج الزكاة يتألم ، ولكنه إذا ذكر ثواب الله وصبر النفس تحول هذا الألم لذة .
والصبر عن المعاصي ، وهذا أصعب أنواع الصبر وهو الامتناع عن لذة المعصية مع القدرة عليها ، كالموظف الذي يرى زملاؤه يرتشون ويسرقون وهو يقدر على ذلك ولكنه يمتنع عنه ويصبر نفسه ، والشاب الذي يرى التبرج والإغراء ويسمع من إخوانه أحاديث مغامراتهم الغرامية ولكنه يمتنع عن مجاراتهم خوفاً من الله ويصبر نفسه ، إن الله يظله بظل العرش يوم الموقف الأكبر يوم لايجد الناس ظلة ولا وقاية من أمر الله .
المرجع السابق ص 82 ـ 84 .
هذا ماوقفت عليه في كتب الشيخ رحمه الله من تفسيره لسور كاملة .أما تفسير الآيات المتناثرة من كتبه فقد جمعتها من جميع كتبه وليس هذا المقام مقام إطالة وإلا أوردتها فيكتفى بما سبق والحمد لله على وافر فضله وترادف مننه .