بسم1
حيَّاكم الله وأسعدكم.
___
إنْ كنتَ يا (حريري) صادقًا فيما ادَّعيت من أزهريتك وإسلامك وحفظك كتاب الله، وما الطارئ فيما اعتورَ ذهنَك من الفهم المجانب للحقّ إلا شبهةٌ، فأمرها عند الله هيّنٌ، ولا يعزّ عليهِ أن يهديَ بعد ضلالة، أو يعلِّم عبْدًا له بعد جهالة، هداكَ الله وجعل لك من اسمكَ نصيبًا فـ
أصلحَكَ.
القصةُ التي أوردْتها لحوار عيسى عليه السلام مع حوارييه في سورة آل عمران كان ختامها:
{ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) } (آل عمران 62 - 63).
- وإن كنتَ كاذبًا على نفسكَ وعلى الله، فاعلم أنَّ:
{لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (آل عمران 61).
- وإن كنتَ
{مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (آل عمران 60) فاعلمْ أنكَ تزهق وقْتكَ، وأنّا لا نأخذ الحق منْ أمثالكَ بلِ
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} (آل عمران 60)، هو اللهُ سبْحانه ما ترك لنا من شاردة ولا واردةٍ إلا أماط اللثامَ عنها في كتابهِ، وأخبرنا عن عيسى عليه السلام فيه بيانًا شافيًا، ومثّل عنه مثلًا وافيًا:
{ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)} (آل عمران 59).
- وفي كلّ الحالات فإن الله حباكَ بقسطٍ من العلمِ والبحث فيه، بدا في منشوركَ بعض علاماتهِ، فلا تظلمْ نفسَكَ بتغييب عقلك وقلبك لشهوةٍ أو اغترارٍ أو انتصارًا للنَّفْس ممنْ لا يروقكَ من بعض المسلمينَ:
{وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران 57).
- واذكُر عِظمَ المسألة التي تناولْتها بالطرح، وما يترتّبُ عليها من اعتقادٍ، ثم مآل ذلك الاعتقاد:
{فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)} (آل عمران 56).
تريدُ أن ينصرك الله في الدنيا والآخرةِ... انصُره.. كنْ من أنصار الله، ولئن شاء اللهُ ليجعَلنَّ مشهدَ الاختبارِ الذي امتحنَ فيهِ عيسى عليه السلام حوارييه قائمًا معكَ أنتَ، أنت أنت في حياتِكَ، فإنه لا يخفى عليك أنَّ عيسى عليه السلام رُفِعَ إلى السماء وهو نازلٌ إلى الأرضِ، وعسى أن يكونَ ذلكَ قريبًا:
{إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)} (آل عمران 55).
فإن أبيْتَ إلا العنادَ والمكر، فقدْ سبقك إليه أقوامٌ هلكوا حينَ أوغلوا فيه، وما علِموا قدْرَ من يتحدَّونَ، وعلى منْ همْ بكيدهم ومَكرهمْ يجترئون:
{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (آل عمران 54).
أتدري بِم دعَا أنصارُ الله الحقيقيّونَ ربهمْ؟
أتعلمُ بما أثبتَ الحواريّونَ صدْقَ شهادتهمْ؟
إنَّه بفصلٍ واضحٍ تعقله العجائز ويُهْدى إليه منْ أنار الله سبيله إلى الحقِّ بين
ربّ و
وحيٍ منزلٍ و
رسولٍ ناقلٍ أمين مبينٍ لما فيه، ويا سعدَ المتَّبعين:
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران 53).
رَبَّنَا آمَنَّا
بِمَا أَنْزَلْتَ
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ
فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ
لا ريبَ أنّكَ بعدئذٍ غير بعيدٍ عنْ فقهِ مرادِ اللهِ جل وعلا في قوله:
{إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)} (آل عمران 51 - 52).
ولا أظنه يصعبُ عليكَ إزالة إشكالات اللغة في معاني حروف الجرّ بالبحث والتقصِّي إن كانَت هي مفتاح الريبة عندكَ من قوله سبحانه وتعالى:
{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ} (آل عمران 52)، وقدْ اكتملَت فصاحةُ القرآنَ، وفاضتْ هذه الآية بيانًا حينَ ضمّتْ معنى نصرةِ الله بنصرة رسوله عيسى عليه السلام، وهذا نظير آياتٍ أخرَ في القرآنِ الكريمِ كقوله عز وجل:
{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأَعراف 157).
وتجد
هــنا رأيًا مبسوطًا آخرَ قريبًا متلازمًا يفيدك.
على أنَّ المعنى السهْلَ المنالِ الذي لا يحْتاجُ رهَقًا في درْكهِ هو قول ابنِ كثير رحمه الله في تفسير آيات آل عمران:
يَقُولُ تَعَالَى :
{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} أَيِ : اسْتَشْعَرَ مِنْهُمُ التَّصْمِيمَ عَلَى الْكُفْرِ وَالِاسْتِمْرَارَ عَلَى الضَّلَالِ قَالَ: {
مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مَنْ يَتْبَعُنِي إِلَى اللَّهِ؟ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ أَنْصَارِي مَعَ اللَّهِ؟ وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ أَقْرَبُ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ
مَنْ أَنْصَارِي فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ؟ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ: "
مَنْ رَجُلٌ يُؤْوِينِي عَلَى أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي" حَتَّى وَجَدَ
الْأَنْصَارَ فَآوَوْهُ وَنَصَرُوهُ، وَهَاجَرَ إِلَيْهِمْ فَآسَوْهُ وَمَنَعُوهُ مِنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ. وَهَكَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، انْتَدَبَ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَآمَنُوا بِهِ وَآزَرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ. وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ:
{قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
___
وآخر دعوانا أنِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.